هنرى كيسنجر: «النووى الإيرانى» سيشعل منافسة مع مصر والسعودية وتركيا
قال "هنرى كيسنجر" «عميد الخارجية الأمريكية» فى احدث كتبه «النظام الجديد»، الذى يحلل من خلاله أساس النظام العالمى الذى يتشكل من جديد، ويقرأ مستقبل هذا النظام، كما يتطرق إلى شئون العالمين العربى والإسلامى، إذ دعا «هنرى كيسنجر» الولايات المتحدة لأن تكون على استعداد للتوصل إلى تفاهم سياسى مع إيران، وذكّر أن إيران والولايات المتحدة كانتا حليفتين قبل عهد «الخومينى» على أساس المصلحة الوطنية لكلا الطرفين، وأضاف أن الأمريكيين يرون أن هناك ما يدعو إلى إعادة تأسيس مثل هذه العلاقة، خاصة أن التوتر فى العلاقات بين الولايات المتحدة وطهران، أدى إلى أن تتبنى الأخيرة المبادئ الجهادية والخطابات الحماسية مع اعتدائها المباشر على المصالح الأمريكية. وتابع كيسنجر أن مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية سيتحدد على المدى القصير طبقاً لحل القضايا الفنية الخاصة بالملف النووى الإيرانى وكذلك القضايا ذات الطابع العسكرى، موضحاً أن ذلك يتم الآن ما قد يؤدى إلى تحول تاريخى محتمل فى التوازن العسكرى فى المنطقة، وكذلك توازنها النفسى، وتساءل «كيسنجر» هل يكون المجتمع الدولى قادراً على فرض مطالبه على إيران.
أوضح «كيسنجر» أن القدرات النووية الإيرانية تتقدم باطراد، فى حين أن الموقف الغربى قد خفت تدريجياً، كما تجاهلت إيران قرارات الأمم المتحدة بعدم بناء مزيد من أجهزة الطرد المركزى، ووضعت الغرب أمام سلسلة من المقترحات التى قدمتها، وضرب «كيسنجر» عدة أمثلة بإصرار المجتمع الدولى عام 2004 على ألا يتم تخصيب اليورانيوم داخل إيران، ثم سماحه بأن تستمر إيران فى القيام ببعض التخصيب منخفض المستويات، أقل من 20% عام 2005 ثم الموافقة على اقتراح يقضى بأن تقوم إيران بشحن معظم اليورانيوم منخفض التخصيب إلى خارج البلاد، إلى فرنسا وروسيا لتحويله إلى قضبان وقود نووى عام 2009، وبعدها اقتراح يسمح لإيران بالحفاظ على ما يكفى من اليورانيوم الخاص بها 20% تخصيب لتشغيل مفاعل أبحاث، فى حين تتوقف العمليات فى منشأة فوردو ومن أجهزة الطرد المركزى القادرة على تخصيب نسبة أكبر.
وأضاف «كيسنجر» أن المفاوضات العام الماضى أسفرت عن اتفاق مؤقت، إذ وافقت إيران على تعليق مؤقت لتخصيب اليورانيوم فى مقابل رفع بعض العقوبات الدولية التى فرضت عليها لتحديها مطالب مجلس الأمن الدولى، لكن السؤال بالنسبة للغرب، هل هناك حل دبلوماسى للأزمة الناتجة عن تحدى إيران للمجتمع الدولى أو هل التدابير العسكرية ضرورية، كما تساءل «كيسنجر» هل اكتسبت إيران مهارة استثنائية بعيداً عن هدفها المعلن بتقويض نظام الدولة فى الشرق الأوسط وطرد النفوذ الغربى من المنطقة، وأصبحت قريبة من اختبار سلاح نووى فى المدى القريب؟ ويرى أنه حتى لو لم تفعل فسيظل البرنامج النووى الإيرانى يمثل تحدياً للعقوبات الدولية التى لم تفرض بتلك الطريقة الشاملة على أى بلد من قبل، وتوقع أن يشعل ذلك منافسة بينها وبين مصر والسعودية وتركيا لتطوير أو شراء برامج نووية خاصة بها، وبخاصة أن مصر والسعودية هما المنافسان الرئيسيان لها فى دائرة النفوذ الإقليمى، كما أن طموحات إيران النووية تزيد من خطر وقوع هجوم وقائى إسرائيلى ضد المنشآت النووية الإيرانية بشكل كبير.
وهاجم «كيسنجر» النظام الحاكم فى «طهران» وذكر أن آية الله على خامنئى، المرشد الأعلى للجمهورية فى إيران يروج لتفسيراته ومفاهيمه عن ثورات «الربيع العربى» ويؤكد أن ما يحدث فى العالم الآن ولا يمكن نفيه هو أن العالم الإسلامى قد ظهر وبرز من هامش المعادلات الاجتماعية والسياسية فى العالم، وأن المسلمين قد وجدوا مكانة بارزة ومتميزة وسط الأحداث العالمية الحاسمة، وأصبحوا يقدمون وجهة نظر جديدة فى الحياة والسياسة والتطورات الاجتماعية.
وقال إن «خامنئى» يستمر فى إطلاق تفسيراته الغريبة، بسبب الفراغ الفكرى والنظرى العميق، ويتاجر بشعارات تنادى بتوحيد الأمة الإسلامية العالمية واستعادة مجدها وجعلها مركز العالم، وأن الهدف النهائى يجب ألا يكون أقل من إقامة حضارة إسلامية رائعة، حيث تكون جميع أجزاء الأمة الإسلامية مختلفة الشكل، ويجب أن تحقق الدول والبلدان الإسلامية التطور الحضارى كما جاء فى القرآن الكريم من خلال الإيمان الدينى، والمعرفة والأخلاق والنضال المستمر، وعندها يمكن أن تهدى الحضارة الإسلامية الفكر المتقدم والسلوك النبيل للإنسانية جمعاء، ويمكن أن تصبح مركزاً للتحرر من المادية والقمعية الفاسدة وغيرها من رموز السلوك التى تشكل أركان الحضارة الغربية الحالية.
وتابع «كيسنجر» أن خامنئى مؤمن بأن التطورات فى الولايات المتحدة وأوروبا تشير إلى أن هناك تغيراً هائلاً سوف يشهده العالم فى المستقبل، كما تتكرر الشعارات التى نادى بها المصريون والتونسيون فى نيويورك وكاليفورنيا، كما يعتقد أن إيران هى حالياً محور حركة صحوة الأمم، وهذا الواقع هو ما يزعج أعداء إيران، وأضاف أنه فى أى منطقة أخرى، لو كان أى زعيم قد صرح بتلك الأفكار، لكان التعامل مع هذه التصريحات بمنزلة تحد كبير، ولو أن زعيماً دينياً استغل سلطاته الروحية والدينية، فى بلد كبير، ليحتضن علناً مشروع إنشاء نظام عالمى بديل ومعارض للمجتمع الدولى، يؤسس لأن تكون المبادئ الدينية، وليست المصالح الوطنية أو الدولية مهيمنة على العالم الجديد الذى يتنبأ به، لتم الرد عليها وبقوة، ولو صرح بذلك سياسى أو زعيم فى آسيا أو أوروبا، فإنها قد تفسر على أنها تحد عالمى مروع، ولكن بعد خمسة وثلاثين عاماً من حكم «الملالى» أصبح العالم معتاداً على تلك المشاعر المتطرفة والإجراءات التى تدعمها، فمن جانبها، تمثل إيران تحدياً للحداثة فى الألفية الجديدة.
وأوضح «كيسنجر» أن إيران مثلت أول تنفيذ للمبادئ الدينية المتطرفة كعقيدة سلطوية للدولة، وكان من الغريب أن يحدث ذلك فى إيران التى كانت على عكس غالبية الدول فى الشرق الأوسط، تقدس تاريخها الوطنى والمتميز وتحترم تقاليدها الراسخة حتى التى سبقت ظهور الإسلام، ولهذا عندما تحولت إيران على يد «الخومينى» عام 1979 إلى دولة دينية تعتنق التطرف انقلب النظام الإقليمى فى الشرق الأوسط رأساً على عقب.
ورفض «كيسنجر» تسمية ما حدث عام 1979 بالثورة الإسلامية، قائلا إن ما حدث كان «ثورة الخومينى» حيث كانت ثورة ضد حداثة القرن العشرين بقيادة الشاه رضا بهلوى، وصورت تلك الثورة نفسها أمام الغرب كحركة مناهضة للملكية تطالب بالديمقراطية وإعادة توزيع ثروات البلاد، بينما كان كثير من المشكلات الاقتصادية ناجماً عن الاضطرابات التى فرضتها برامج التحديث التى تبناها الشاه علاوة على الأساليب الثقيلة الوطأة والتعسفية التى حاولت الحكومة الإيرانية استخدامها للسيطرة على المعارضة، ولكن عندما عاد آية الله الخومينى من منفاه فى باريس عام 1979 كى يطالب بأن يكون «المرشد الأعلى» للثورة، لم يكن ذلك متاجرة بالصعوبات والمشكلات الاجتماعية التى يعانى منها الشعب الإيرانى أو تجاوزاً للديمقراطية بقدر ما كان اعتداء على النظام الإقليمى والحداثى بأكمله، وكان نتيجة ذلك أن أصبحت العقيدة التى تجذرت فى إيران فى ظل عهد الخومينى تماثل ما حدث فى أوروبا والغرب فى عهد الحروب الدينية فى العصور الوسطى، مما ألقى بالبلاد فى صراع دينى أوسع وأعلن «الخومينى» أن الإمبرياليين والطغاة هم من قسّموا الأمة الإسلامية وبذروا بذور الشقاق بين المسلمين وبعضهم البعض وصنعوا دولاً منفصلة، وأن جميع المؤسسات السياسية المعاصرة فى الشرق الأوسط وغيره هى مؤسسات غير شرعية، لأنها لا تطبق شرع الله، كما أن مبادئ السياسة الدولية تستند إلى أسس ومبادئ وإجراءات زائفة، لأن العلاقات بين الدول ينبغى أن تقوم على أسس القيم الروحية وليس على مبادئ المصلحة الوطنية.
ويرى «كيسنجر» أن آراء «الخومينى» هى نفس آراء المفكر الإخوانى سيد قطب، الذى طالب بخلق نظام عالمى وفق نفس الأسس والشعارات، حيث رأى الاثنان أن ذلك أمر طالب به القرآن الكريم، وأن الخطوة الأولى يجب أن تكون الإطاحة بجميع الحكومات فى العالم الإسلامى والاستعاضة عنها بحكومات لا تؤمن بالسيادة الوطنية التقليدية، لأنه يجب على كل مسلم أن يسهم فى إسقاط الطواغيت، وهى طبقاً لتفسيرهما القوى السياسية غير الشرعية التى تحكم العالم الإسلامى كله، ثم يجب تأسيس نظام سياسى إسلامى حقيقى فى إيران يمثل «حكومة الله».
وأشار إلى أن هذا الكيان الذى أسسه الخومينى غير قابل للمقارنة بأى دولة حديثة أخرى، واستشهد بكلمات مهدى بازركان، أول رئيس وزراء إيرانى خلال عهد الخومينى، الذى صرح بأنه كان مطلوباً منه تشكيل حكومة تمثل حكماً مماثلاً لحكم النبى صلى الله عليه وسلم، وحكم الإمام على، وأوضح «كيسنجر» أنه عندما تظن الحكومة أنها «حكومة الله» فمن الطبيعى أن تتعامل مع المعارضين السياسيين بمبدأ التكفير، ولهذا قامت الحكومة بتدشين موجة من المحاكمات والإعدامات والقمع المنهجى للأقليات الدينية أكثر بكثير مما حدث فى ظل حكم الشاه الذى يوصف بالاستبداد.
وقال «كيسنجر» إن من الغريب أن تتزامن تلك الاضطرابات مع بعض المفارقات، مثل أن يكون بلد مثل الإمبراطورية الفارسية فى إيران مثل الإمبراطورية الصينية، مثلت ظاهرة لعبت دوراً فى الإنجازات الثقافية والسياسية وحجزت لنفسها دوراً كبيراً عن طريق الفتوحات العسكرية فى القرن الخامس قبل الميلاد، ومؤسسات أخرى يتمتع فيها نظام «الملالى»، بالحماية الدولية الرسمية فى الوقت الذى يعلن فيه مراراً وتكراراً أنه لا يؤمن بنظام الدولة الحديثة ولن يلتزم بها وسيسعى لهدمها.
واختتم «كيسنجر» قائلاً إن حل مشكلات الشرق الأوسط لن يتم قبل حدوث ثلاثة أشياء، وهى سياسة أمريكية نشطة، وإحباط أى مخططات تسعى إلى إقامة نظام إقليمى من خلال فرض مبادئ معينة أو عن طريق العنف، وكذلك ظهور قادة يؤمنون بالسلام
قال "هنرى كيسنجر" «عميد الخارجية الأمريكية» فى احدث كتبه «النظام الجديد»، الذى يحلل من خلاله أساس النظام العالمى الذى يتشكل من جديد، ويقرأ مستقبل هذا النظام، كما يتطرق إلى شئون العالمين العربى والإسلامى، إذ دعا «هنرى كيسنجر» الولايات المتحدة لأن تكون على استعداد للتوصل إلى تفاهم سياسى مع إيران، وذكّر أن إيران والولايات المتحدة كانتا حليفتين قبل عهد «الخومينى» على أساس المصلحة الوطنية لكلا الطرفين، وأضاف أن الأمريكيين يرون أن هناك ما يدعو إلى إعادة تأسيس مثل هذه العلاقة، خاصة أن التوتر فى العلاقات بين الولايات المتحدة وطهران، أدى إلى أن تتبنى الأخيرة المبادئ الجهادية والخطابات الحماسية مع اعتدائها المباشر على المصالح الأمريكية. وتابع كيسنجر أن مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية سيتحدد على المدى القصير طبقاً لحل القضايا الفنية الخاصة بالملف النووى الإيرانى وكذلك القضايا ذات الطابع العسكرى، موضحاً أن ذلك يتم الآن ما قد يؤدى إلى تحول تاريخى محتمل فى التوازن العسكرى فى المنطقة، وكذلك توازنها النفسى، وتساءل «كيسنجر» هل يكون المجتمع الدولى قادراً على فرض مطالبه على إيران.
أوضح «كيسنجر» أن القدرات النووية الإيرانية تتقدم باطراد، فى حين أن الموقف الغربى قد خفت تدريجياً، كما تجاهلت إيران قرارات الأمم المتحدة بعدم بناء مزيد من أجهزة الطرد المركزى، ووضعت الغرب أمام سلسلة من المقترحات التى قدمتها، وضرب «كيسنجر» عدة أمثلة بإصرار المجتمع الدولى عام 2004 على ألا يتم تخصيب اليورانيوم داخل إيران، ثم سماحه بأن تستمر إيران فى القيام ببعض التخصيب منخفض المستويات، أقل من 20% عام 2005 ثم الموافقة على اقتراح يقضى بأن تقوم إيران بشحن معظم اليورانيوم منخفض التخصيب إلى خارج البلاد، إلى فرنسا وروسيا لتحويله إلى قضبان وقود نووى عام 2009، وبعدها اقتراح يسمح لإيران بالحفاظ على ما يكفى من اليورانيوم الخاص بها 20% تخصيب لتشغيل مفاعل أبحاث، فى حين تتوقف العمليات فى منشأة فوردو ومن أجهزة الطرد المركزى القادرة على تخصيب نسبة أكبر.
وأضاف «كيسنجر» أن المفاوضات العام الماضى أسفرت عن اتفاق مؤقت، إذ وافقت إيران على تعليق مؤقت لتخصيب اليورانيوم فى مقابل رفع بعض العقوبات الدولية التى فرضت عليها لتحديها مطالب مجلس الأمن الدولى، لكن السؤال بالنسبة للغرب، هل هناك حل دبلوماسى للأزمة الناتجة عن تحدى إيران للمجتمع الدولى أو هل التدابير العسكرية ضرورية، كما تساءل «كيسنجر» هل اكتسبت إيران مهارة استثنائية بعيداً عن هدفها المعلن بتقويض نظام الدولة فى الشرق الأوسط وطرد النفوذ الغربى من المنطقة، وأصبحت قريبة من اختبار سلاح نووى فى المدى القريب؟ ويرى أنه حتى لو لم تفعل فسيظل البرنامج النووى الإيرانى يمثل تحدياً للعقوبات الدولية التى لم تفرض بتلك الطريقة الشاملة على أى بلد من قبل، وتوقع أن يشعل ذلك منافسة بينها وبين مصر والسعودية وتركيا لتطوير أو شراء برامج نووية خاصة بها، وبخاصة أن مصر والسعودية هما المنافسان الرئيسيان لها فى دائرة النفوذ الإقليمى، كما أن طموحات إيران النووية تزيد من خطر وقوع هجوم وقائى إسرائيلى ضد المنشآت النووية الإيرانية بشكل كبير.
وهاجم «كيسنجر» النظام الحاكم فى «طهران» وذكر أن آية الله على خامنئى، المرشد الأعلى للجمهورية فى إيران يروج لتفسيراته ومفاهيمه عن ثورات «الربيع العربى» ويؤكد أن ما يحدث فى العالم الآن ولا يمكن نفيه هو أن العالم الإسلامى قد ظهر وبرز من هامش المعادلات الاجتماعية والسياسية فى العالم، وأن المسلمين قد وجدوا مكانة بارزة ومتميزة وسط الأحداث العالمية الحاسمة، وأصبحوا يقدمون وجهة نظر جديدة فى الحياة والسياسة والتطورات الاجتماعية.
وقال إن «خامنئى» يستمر فى إطلاق تفسيراته الغريبة، بسبب الفراغ الفكرى والنظرى العميق، ويتاجر بشعارات تنادى بتوحيد الأمة الإسلامية العالمية واستعادة مجدها وجعلها مركز العالم، وأن الهدف النهائى يجب ألا يكون أقل من إقامة حضارة إسلامية رائعة، حيث تكون جميع أجزاء الأمة الإسلامية مختلفة الشكل، ويجب أن تحقق الدول والبلدان الإسلامية التطور الحضارى كما جاء فى القرآن الكريم من خلال الإيمان الدينى، والمعرفة والأخلاق والنضال المستمر، وعندها يمكن أن تهدى الحضارة الإسلامية الفكر المتقدم والسلوك النبيل للإنسانية جمعاء، ويمكن أن تصبح مركزاً للتحرر من المادية والقمعية الفاسدة وغيرها من رموز السلوك التى تشكل أركان الحضارة الغربية الحالية.
وتابع «كيسنجر» أن خامنئى مؤمن بأن التطورات فى الولايات المتحدة وأوروبا تشير إلى أن هناك تغيراً هائلاً سوف يشهده العالم فى المستقبل، كما تتكرر الشعارات التى نادى بها المصريون والتونسيون فى نيويورك وكاليفورنيا، كما يعتقد أن إيران هى حالياً محور حركة صحوة الأمم، وهذا الواقع هو ما يزعج أعداء إيران، وأضاف أنه فى أى منطقة أخرى، لو كان أى زعيم قد صرح بتلك الأفكار، لكان التعامل مع هذه التصريحات بمنزلة تحد كبير، ولو أن زعيماً دينياً استغل سلطاته الروحية والدينية، فى بلد كبير، ليحتضن علناً مشروع إنشاء نظام عالمى بديل ومعارض للمجتمع الدولى، يؤسس لأن تكون المبادئ الدينية، وليست المصالح الوطنية أو الدولية مهيمنة على العالم الجديد الذى يتنبأ به، لتم الرد عليها وبقوة، ولو صرح بذلك سياسى أو زعيم فى آسيا أو أوروبا، فإنها قد تفسر على أنها تحد عالمى مروع، ولكن بعد خمسة وثلاثين عاماً من حكم «الملالى» أصبح العالم معتاداً على تلك المشاعر المتطرفة والإجراءات التى تدعمها، فمن جانبها، تمثل إيران تحدياً للحداثة فى الألفية الجديدة.
وأوضح «كيسنجر» أن إيران مثلت أول تنفيذ للمبادئ الدينية المتطرفة كعقيدة سلطوية للدولة، وكان من الغريب أن يحدث ذلك فى إيران التى كانت على عكس غالبية الدول فى الشرق الأوسط، تقدس تاريخها الوطنى والمتميز وتحترم تقاليدها الراسخة حتى التى سبقت ظهور الإسلام، ولهذا عندما تحولت إيران على يد «الخومينى» عام 1979 إلى دولة دينية تعتنق التطرف انقلب النظام الإقليمى فى الشرق الأوسط رأساً على عقب.
ورفض «كيسنجر» تسمية ما حدث عام 1979 بالثورة الإسلامية، قائلا إن ما حدث كان «ثورة الخومينى» حيث كانت ثورة ضد حداثة القرن العشرين بقيادة الشاه رضا بهلوى، وصورت تلك الثورة نفسها أمام الغرب كحركة مناهضة للملكية تطالب بالديمقراطية وإعادة توزيع ثروات البلاد، بينما كان كثير من المشكلات الاقتصادية ناجماً عن الاضطرابات التى فرضتها برامج التحديث التى تبناها الشاه علاوة على الأساليب الثقيلة الوطأة والتعسفية التى حاولت الحكومة الإيرانية استخدامها للسيطرة على المعارضة، ولكن عندما عاد آية الله الخومينى من منفاه فى باريس عام 1979 كى يطالب بأن يكون «المرشد الأعلى» للثورة، لم يكن ذلك متاجرة بالصعوبات والمشكلات الاجتماعية التى يعانى منها الشعب الإيرانى أو تجاوزاً للديمقراطية بقدر ما كان اعتداء على النظام الإقليمى والحداثى بأكمله، وكان نتيجة ذلك أن أصبحت العقيدة التى تجذرت فى إيران فى ظل عهد الخومينى تماثل ما حدث فى أوروبا والغرب فى عهد الحروب الدينية فى العصور الوسطى، مما ألقى بالبلاد فى صراع دينى أوسع وأعلن «الخومينى» أن الإمبرياليين والطغاة هم من قسّموا الأمة الإسلامية وبذروا بذور الشقاق بين المسلمين وبعضهم البعض وصنعوا دولاً منفصلة، وأن جميع المؤسسات السياسية المعاصرة فى الشرق الأوسط وغيره هى مؤسسات غير شرعية، لأنها لا تطبق شرع الله، كما أن مبادئ السياسة الدولية تستند إلى أسس ومبادئ وإجراءات زائفة، لأن العلاقات بين الدول ينبغى أن تقوم على أسس القيم الروحية وليس على مبادئ المصلحة الوطنية.
ويرى «كيسنجر» أن آراء «الخومينى» هى نفس آراء المفكر الإخوانى سيد قطب، الذى طالب بخلق نظام عالمى وفق نفس الأسس والشعارات، حيث رأى الاثنان أن ذلك أمر طالب به القرآن الكريم، وأن الخطوة الأولى يجب أن تكون الإطاحة بجميع الحكومات فى العالم الإسلامى والاستعاضة عنها بحكومات لا تؤمن بالسيادة الوطنية التقليدية، لأنه يجب على كل مسلم أن يسهم فى إسقاط الطواغيت، وهى طبقاً لتفسيرهما القوى السياسية غير الشرعية التى تحكم العالم الإسلامى كله، ثم يجب تأسيس نظام سياسى إسلامى حقيقى فى إيران يمثل «حكومة الله».
وأشار إلى أن هذا الكيان الذى أسسه الخومينى غير قابل للمقارنة بأى دولة حديثة أخرى، واستشهد بكلمات مهدى بازركان، أول رئيس وزراء إيرانى خلال عهد الخومينى، الذى صرح بأنه كان مطلوباً منه تشكيل حكومة تمثل حكماً مماثلاً لحكم النبى صلى الله عليه وسلم، وحكم الإمام على، وأوضح «كيسنجر» أنه عندما تظن الحكومة أنها «حكومة الله» فمن الطبيعى أن تتعامل مع المعارضين السياسيين بمبدأ التكفير، ولهذا قامت الحكومة بتدشين موجة من المحاكمات والإعدامات والقمع المنهجى للأقليات الدينية أكثر بكثير مما حدث فى ظل حكم الشاه الذى يوصف بالاستبداد.
وقال «كيسنجر» إن من الغريب أن تتزامن تلك الاضطرابات مع بعض المفارقات، مثل أن يكون بلد مثل الإمبراطورية الفارسية فى إيران مثل الإمبراطورية الصينية، مثلت ظاهرة لعبت دوراً فى الإنجازات الثقافية والسياسية وحجزت لنفسها دوراً كبيراً عن طريق الفتوحات العسكرية فى القرن الخامس قبل الميلاد، ومؤسسات أخرى يتمتع فيها نظام «الملالى»، بالحماية الدولية الرسمية فى الوقت الذى يعلن فيه مراراً وتكراراً أنه لا يؤمن بنظام الدولة الحديثة ولن يلتزم بها وسيسعى لهدمها.
واختتم «كيسنجر» قائلاً إن حل مشكلات الشرق الأوسط لن يتم قبل حدوث ثلاثة أشياء، وهى سياسة أمريكية نشطة، وإحباط أى مخططات تسعى إلى إقامة نظام إقليمى من خلال فرض مبادئ معينة أو عن طريق العنف، وكذلك ظهور قادة يؤمنون بالسلام