مؤتة اللقاء الأول وآداب الحرب الإسلامية

إنضم
27 سبتمبر 2008
المشاركات
42
التفاعل
6 0 0
مؤتـة اللقاء الأول وآداب الحرب الإسلامية
أ. د. مسلم شلتوت
أستاذ بحوث الشمس والفضاء
المعهد القومي للبحوث الفكية والجيوفيزيقية بحلوان
بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الحارث بن عمير الأزردي بكتاب إلى أمير بصرى عامل هرقل على بصرى بالشام ، لكنه لم يصل إليه لأن شرحبيل بن عمرو الغساني وهو من أمراء هرقل على الشام رآه حين نزل مؤتة فقتله، ولم يقتل لرسول الله رسول غيره. ولما بلغ مقتل الحارث لرسول الله اشتد عليه الأمر. وفي جمادى الأولى سنة ثمان للهجرة بعث رسول الله زيد بن حارثة الكلبي في ثلاثة آلاف مقاتل وقال: " إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحه على الناس، فإن قتل فليرتضي المسلمون منهم رجلا فليجعلوه عليهم ". وودع رسول الله الجيش حتى بلغوا ثنية الوداع فقال : " اغزوا باسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم ، وستجدون رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم ، ولا تقتلن امرأة ولا صغيرا ضرعا، ولا كبيرا فانيا ، ولا تقربن نخلا ولا تقطعن شجرا ، ولا تهدمن بيتاً " .
بيّنت لنا وصية رسول الله لقائد الجيش زيد بن حارثة الكلبي سماحة الإسلام، وسمو مبادئه، وحرصه على صيانة المجتمع الإنساني من الذلة والهوان ، فقد أوصالهم بعدم التعرض للرهبان والعجزة والمرضى والنساء والأطفال والمنازل والمزارع، وتلك التعاليم التي تميزت بها حروب المسلمين في القرن الأول الهجري تتيح لنا أن نقارن بين هذه الحالة وبين ما رأيناه عبر ألف وأربعمائة عام ونراه في حروب العصر الحديث من وحشية في إزهاق أرواح الأبرياء وتدمير دور العبادة والمساكن والمدارس والمستشفيات كما يحدث الآن في أفغانستان وفلسطين.. فلقد كان الصليبيون والصهاينة غاية في السفالة والانحطاط على مر التاريخ وآداب الحرب غير واردة عندهم في حروبهم مع المسلمين وغير المسلمين وحتى مع أنفسهم.
545469033.jpg

مشهد لبعض الجنود المسلمين (صورة من فلم الرسالة)
وصل جيش المسلمين إلى معان من أرض الشام، وكان الروم قد سمعوا بمسيرهم فحشدوا قواتهم في مآب ، وكانت تتراوح ما بين المائة ألف والمائتي ألف من الروم البيزنطي ومن القبائل الموالية لهم. فلما بلغ ذلك لجيش المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم، فقام عبد الله بن رواحه وقال: " يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون : الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنين ، إما ظهور (نصر) وإما شهادة وليست (أي الشهادة) بشر المنزلتين ". فقال المسلمون : صدق والله ابن رواحه. فمضى المسلمون حتى بلغوا قرية مؤتة، فالتقى الجيشان واقتتلوا قتالا شديدا، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله حتى قتل برماح العدو، ثم أخذ الراية جعفر ابن أبي طالب فقاتل بها حتى إذا ألحمه القتال نزل عن فرسه ثم قاتل حتى قتل، فأخذ الراية عبد الله بن رواحه ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله عنهم أجمعين. وارتضى المسلمون منهم رجلا هو خالد بن الوليد سيف الله المسلول فنصبوه عليهم قائداً. وقام خالد بن الوليد بمناورة بارعة نجح بها في الارتداد بجيش المسلمين بلا تدخل من الروم بعد معركة استمرت سبعة أيام استشهد فيها من المسلمين اثنا عشر رجلا، أما الروم فكانت خسائرهم أضعاف خسائر المسلمين مما أثر في إرادتهم القتالية حتى أنهم لم يقوموا بمطاردة المسلمين بعد مناورة خالد بن الوليد. كانت غزوة مؤتة هي المواجهة الأولى للمسلمين مع جيش الروم، وهو جيش منظم له مدرسته العسكرية الخاصة به، وله تاريخ حربي طويل. لم يكن دخول المسلمين المعركة في مؤتة في مواجهة عدو متفوق عملاً انتحارياً ولا تهورا، ولا إلقاء بالنفس إلى التهلكة، وإنما كان دخولهم لدفع ضريبة الشرف والعزة والكرامة ، ولرفع صوت الإسلام أمام هؤلاء الذين تمادوا في غيهم وضلالهم واستهانتهم بالإسلام. لقد أدرك الروم البيزنطي الإرادة القتالية العالية للمجاهدين المسلمين (الروح الاستشهادية) وهذا هو ما أرعد فرائصهم رغم تفوقهم الشديد في العدد والعدة، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " كنت فيهم في تلك الغزوة (مؤتة) فالتمسنا جعفر بن أبي طال، فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية". وذلك أبلغ دليل على انفراد الإسلام بأن المجاهد في سبيل الله يظل يقاتل في المعركة حتى الرمق الأخير، لأنه يستهدف الفوز بإحدى الحسنين النصر أو الشهادة .. من الغبي الذي قال أننا فقدنا جميع أسلحتنا كمسلمين في القرن الحادي والعشرين .. لا .. لم نفقد أهم سلاح بداخلنا وهو حب الاستشهاد في سبيل الله.. وستظل هذه الروح بداخلنا .. ما بقي القرآن في صدورنا .. إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
تعليق لمدير الموقع:
هناك لفتة إعجازية رائعة وهي أخبار النبي للصحابة بتسلسل مقتل الصحابة في معركة مؤتة عندما قال " إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحه على الناس، فإن قتل فليرتضي المسلمون منهم رجلا فليجعلوه عليهم " وحدث تماماً ما قاله النبي صلى الله عليه حيث استشهدوا بالترتيب تماماً كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الغيب ..... إنه رب العالمين.​
 
عودة
أعلى