ننشر أخطر شهادة لضابط في "الموساد" عن مؤامرات إسرائيل
تل أبيب دعمت الشيعة ضد الجيش المصري في اليمن وسعت لـ«استنزاف قوة عبدالناصر»
شاه إيران تعاون مع إسرائيل لتشكيل نواة «حزب الله» في لبنان
الموساد وضع مخطط انفصال جنوب السودان منذ الخمسينيات
إسرائيل دربت جماعة مسيحية في جوبا ضد الخرطوم لتصبح نواة للانفصال.. وعبثت بحوض النيل في إثيوبيا وأوغندا
في كل الاضطرابات والكوارث التي تجتاح المنطقة، فتش دائما عن إسرائيل، وعن الدور الإسرائيلى في تأجيج النزاعات المسلحة، ودعم حركات التمرد في الدول العربية بصفة عامة، ومحاولات العبث بالأمن القومى المصرى بشكل خاص، فمن اليمن إلى منطقة حوض النيل تمتد الأصابع الإسرائيلية لسكب مزيد من الزيت على النيران لتصبح هي الفائز الوحيد من كل ما يجرى في المنطقة، هذا ما كشف عنه الضابط السابق بالمخابرات الإسرائيلية «الموساد» «يوسى الفير» الذي قضى عقودا طويلة يجوب دول المنطقة لتأمين وجود إسرائيل وضرب مصالح مصر والتآمر عليها، لتقويض دورها السياسي والعسكري في المنطقة.
وكشف «الفير» عن الدعم العسكري الذي قدمته إسرائيل للقوات الموالية للإمام البدر الذي أطاحت الثورة اليمنية بحكمه في ستينيات القرن الماضى، وكان ذلك الدعم موجها بالأساس ضد الجيش المصرى الذي ساند الثورة، لتمهد إسرائيل لحرب يونيو عام ١٩٦٧ باستنزاف الجيش المصرى في اليمن، إضافة إلى الدور الإسرائيلى في دعم المتمردين في جنوب السودان، وإنشاء ميليشيا شيعية موالية لإيران في جنوب لبنان.
وكشف الضابط المتقاعد في حوار مطول مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية الكثير من المؤامرات الإسرائيلية على مصر، وما دار وراء الكواليس لضرب المنطقة وتأمين إسرائيل.
في منتصف ١٩٦٠ خدم الملازم أول يوسى الفير كضابط صغير في إحدى وحدات جيش الدفاع الإسرائيلى «الوحدات الأكثر سرية - وحدة الاستخبارات العسكرية» المسئولة عن الاتصال مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الأخرى الشاباك والموساد.
وكان يوسى مسئول المهام السرية الأكثر خطورة، وبدأت مع دعم الشيعة في اليمن و«الإمام البدر» والملكيين وقتها ضد الجيش المصرى وتزويدهم بالسلاح والعتاد.
يقول: «بدأت المهمة بالذهاب ليلا إلى قاعدة تل نوف قاعدة للقوات الجوية الإسرائيلية، وبدقة بدأت أتحقق من خلال أكوام ضخمة من المعدات العسكرية، والأسلحة والذخيرة الخاصة بها، من تأمين تلك الأسلحة وعدم وجود أي علامات تشير إلى إسرائيل أو جيش الدفاع، أو أي كلمات باللغة العبرية أو أي شيء يربط بينها وبين إسرائيل.
وبعد تفقد الأسلحة وقعت على وثيقة تؤكد جاهزية تلك الأسلحة للنقل، وتم تحميل الأسلحة والمعدات في طائرة شحن تابعة لسلاح الجو الإسرائيلى، ونقلت جوا إلى وجهة لم يكن يعرفها سوى عدد قليل في إسرائيل إنها اتجهت إلى اليمن».
ويضيف: «كانت اليمن في خضم حرب أهلية طاحنة -بين الملكيين والمتمردين الجمهوريين الذين يحظون بدعم من مصر والاتحاد السوفييتى، وفى هذا الوقت كان من المعتاد رؤية ممثل عن الإمام البدر، يجرى اتصالات مباشرة مع عملاء الموساد في أوربا، وكان يأتى لزيارة إسرائيل للحصول على الأسلحة.
واستمر الدعم الإسرائيلى على مدى عامين لاستنزاف مصر أقوى قوة عسكرية عربية في ذلك الوقت، وقامت طائرات الشحن الإسرائيلية بأكثر من ١٤ عملية لنقل الأسلحة، أثناء الليل من تل نوف، في رحلة كانت تستغرق أكثر من ١٤ ساعة، وأسقطت أسلحة وأدوية للملكيين.
وتولى تنسيق العمليات ناحوم أدموني، الذي أصبح رئيس الموساد من ١٩٨٢-١٩٨٩، ومن الجانب البريطانى تولى اثنان من كبار أعضاء القوات الخاصة الجوية الملكية SAS القدوم إلى إسرائيل لتنسيق العمليات، وهما جين وتونى.
هدف إسرائيل من العملية
وتمثل الهدف الرئيسى من العملية تهديد القوات المصرية واستنزافها في اليمن، حيث كان يجرى الإعداد في تلك الفترة لاحتلال سيناء وحرب ٥ يونيو ١٩٦٧، أو ما عرف في إسرائيل بحرب الأيام الستة، وفى مصر بنكسة يونيو».
وقال ضابط الموساد الإسرائيلى: «كنا على قناعة بأن هناك حربا قادمة، وكنا قلقين بشدة من الجيش المصرى وإمكانياته الهائلة والأسلحة التي لديه، ونجحنا في ضرب المصريين في المنطقة التي لم يكونوا يتوقعونها، وانتهى الأمر بتعزيز علاقات إسرائيل مع بريطانيا».
ومضت العملية قدما بنجاح -يقول يوسى- وكانت هناك خطة لضرب الطائرات المصرية المتمركزة في قواعدها في اليمن، كعمل من أعمال الردع التي من شأنها أن تنال من هيبة الرئيس المصرى آنذاك جمال عبد الناصر، الخطة ألغيت في نهاية المطاف حتى لا تكشف نوايا إسرائيل في غزو سيناء فيما بعد، وساعدت في تحقيق المفاجأة الكاملة في حرب يونيو.
ويؤكد «ألفير» أن أبرز نجاح حققته إسرائيل كان في تقويض الروح القتالية للجيش المصرى، ومهد بقوة لحرب الأيام الستة، هذا إضافة إلى أن استجواب الأسرى المصريين فيما بعد أكد لهم أن ما حدث في اليمن كان بداية الهزيمة.
وجمع «ألفير» تفاصيل عملية اليمن التي أطلق عليها «روتيف» Rotev، في كتابه الذي نشر العام الحالى بعنوان المحيط أو الطوق: بحث إسرائيل عن حلفاء في الشرق الأوسط، وصدر في طبعتين إنجليزية وعبرية، وجميع ما فيه شهادات موثقة من مسئولين إسرائيليين.
وتحدث خلاله عن عقيدة إسرائيل السرية التي أطلقت عليها «عقيدة المحيط»، والتي تمثلت في كسر الحصار المفروض عليها والبحث عن أصدقاء وحلفاء جدد في الشرق الأوسط، سواء في دول الطوق أو في مناطق أبعد مثل اليمن.
ووضع الإستراتيجية العامة لهذه العقيدة أول رئيس وزراء لإسرائيل «دافيد بن جوريون»، وعهد إلى مؤسس الموساد الأول رؤوفين شلواح بتنفيذها، وكانت هدف رؤساء الموساد اللاحقين.
ومن خلال هذه الإستراتيجية فإن الموساد سعى لإقامة علاقات حميمة مع الدول القريبة من أعداء إسرائيل أو المؤثرة على الدول المحيطة بها، وفى المقابل قدمت إسرائيل لتلك الدول الدعم المادى والتدريب والمعلومات والأسلحة والمعدات الإلكترونية المتطورة.
ويقسم «ألفير» محيط إسرائيل إلى ثلاث فئات، وشملت في البداية الدول غير العربية، سواء كانت مسلمة أم غير مسلمة، ولا تشارك في هذا الصراع، وضمت (إيران وإثيوبيا وتركيا وإريتريا وكينيا وأوغندا).
وكانت هناك المجموعات العرقية غير العربية وغير المسلمة، والأقليات التي تعيش في دول الطوق أو المحيط، مثل المسيحيين في جنوب السودان وفى لبنان، ولعبت عليهم منذ وقت مبكر للغاية، وكذلك الأكراد في العراق وسوريا.
أما القسم الثالث والأخير، فكانت الدول العربية التي ترى أن النزعة القومية تهددها وتهدد أنظمتها الحاكمة، مثل المغرب وليبيا وبعض دول الخليج وأخيرا اليمن.
ونجحت إسرائيل في أن تلعب على كل تلك العناصر وترتبط معها بعلاقات وتساعدها على تقويض استقرار دول الطوق أو المحيط، لكن بقيت مصر بدون أقليات أو طوائف يمكن استخدامها ضدها.
وكانت الفكرة الرئيسية أن اليهود أقلية في الشرق الأوسط، ويجب عليهم أن يساعدوا الأقليات الأخرى في المنطقة، ليكونوا قوة في مواجهة الدول والأنظمة الموجودة، وعلى رأسها مصر ونظام الرئيس جمال عبدالناصر.
وعقد الموساد لقاءات مع زعماء الأكراد، وعلى رأسهم «مصطفى البرزاني»، بدأت منذ عام ١٩٦٥، وتعهدت إسرائيل بمساعدتهم للاستقلال وتكوين حلم الدولة.
اللعب في حوض النيل
نفذت إسرائيل أنشطة عسكرية واستخبارية سرية في كل أنحاء منطقة الشرق الأوسط، وكانت هناك مساعدات من دول أخرى، لكن العمليات في البداية كانت محدودة لضعف موارد إسرائيل وضعف موارد الموساد.
ويقول مسئول المخابرات الإسرائيلى: «في المحادثات مع المسئولين العرب بعد سنوات، كان الجانب الآخر يدرك فعلا مدى خطورة تحركاتنا، ورأوا وجودنا في البلدان التي ترتبط معها اقتصاديا بمثابة تهديد قوى للغاية ومباشر لهم».
فمصر على سبيل المثال رأت وجودنا في جنوب السودان وإثيوبيا تهديدا مباشرا لمنبع نهر النيل، وحتى لو أخبرناهم أننا لم نكن نريد هذا، لكن المصريين فهموا جيدا أننا قريبون جدا من مناطق الخطر بالنسبة لهم، وأن الموساد والجيش يتواجد في الدول المؤثرة على النيل شريان الحياة لمصر، وتعاملوا مع هذا الأمر بحذر.
لكن الواقع الذي سرده ضابط المخابرات الإسرائيلى يكشف عكس ذلك، ففى فترة الستينيات نشطت المخابرات الإسرائيلية في تدريب وتسليح جماعة «أنيانيا» Anyanya، وهى طائفية مسيحية سرية كانت تعمل في جنوب السودان ضد الخرطوم، وعمل مسئول العمليات في الموساد «ديفيد بن عوزي» على تدريب تلك المجموعة، وأشرف على تسليحها لتصبح نواة جيش يحارب من أجل الاستقلال.
واستغلت إسرائيل ما عرف باسم مهمات إنسانية لإنقاذ جنوب السودان، ونقلت لهم معدات عسكرية وأسلحة في طائرات الشحن، وأنشأت إسرائيل مستشفى ميدانيًا هناك لعلاج المصابين، وكذلك عشرات الأطفال والرجال والنساء لينضموا لهذا الجيش.
ونجحت الخطة الإسرائيلية واستطاعت قوات جنوب السودان هزيمة قوات الرئيس السودانى «جعفر نيميري»، وعرض عليهم الحكم الذاتى على الجنوب في ١٩٧٢.
وكان تقييم المخابرات الإسرائيلية للعملية أنها ناجحة جدا، وكانت النواة لإنشاء دولة جنوب السودان عام ٢٠١١، ونجحت العملية بأقل تكلفة مالية، حيث كانت تكلفة تدريب وتسليح جيش جنوب السودان أقل من تكلفة ثمن طائرة ميراج ٣، وذلك لأن الجيش السودانى لم يكن مدربا ولم يكن على مستوى قتالى جيد.
الحلف الثلاثي
ونجحت إسرائيل في تلك الفترة في إقامة حلف ثلاثى قوى أشبه بالرمح ثلاثى الرءوس، تألف من إسرائيل وإيران تحت حكم الشاه وتركيا التي ما زال التحالف معها قائما.
ووقعت تركيا اتفاقا سريا مع إسرائيل في أغسطس ١٩٥٨، وقعه رئيس الوزراء الإسرائيلى «ديفيد بن جوريون» ورئيس الوزراء التركى في ذلك الوقت عدنان مندريس.
وأنشأت المخابرات المركزية الأمريكية مقرا لهذا التحالف في صحراء شمال «تل أبيب»، وكان المقر مكونا من طابقين، الطابق الأرضى به ثلاثة أجنحة، الجناح الأزرق لإيران، والأصفر للأتراك وجناح آخر للإسرائيليين، وكان الطابق الأعلى مخصصا للمؤتمرات.
ثم تم تطوير المقر وأصبح مزودا بقاعات ترفيهية وسينما وحمام سباحة وصالة ألعاب رياضية، وكان عملاء مخابرات الدول الثلاث يقضون في هذا المقر أوقاتا طويلة.
وتعاونت إيران بقوة مع إسرائيل، وشارك خبراء إسرائيليون في تدريب الجيش الإيرانى، واشترى الشاه أسلحة إسرائيلية، وفى عام ١٩٥٨ ساعدت إسرائيل في نقل أسلحة إيرانية إلى الشيعة في جنوب لبنان لتشكيل قوات مسلحة، لتكون نواة ميليشيات موالية لإيران، وكانت تلك هي النواة التي تشكل من خلالها حزب الله اللبنانى.
وكانت المخابرات الإسرائيلية هي المسئولة عن جمع الأموال والأسلحة للمقاتلين الشيعة الذين شكلوا النواة الفكرية والعقائدية والعسكرية التي تكون منها حزب الله.
ورغم أن التاريخ الرسمى لقيام حزب الله، كان عام ١٩٨٢، عقب الاجتياح الإسرائيلى للبنان، وأعلن رسميا عن قوة حزب الله المسلحة لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الأدلة والوقائع تشير إلى أن إنشاء ميليشيات شيعية مسلحة تدين بالولاء لإيران لضرب لبنان واستقرارها بتعاون إسرائيلى إيرانى بدأ قبل هذا بعقود طويلة.
وتعاظمت قوة حزب الله بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام ١٩٧٩، وعودة الخمينى من فرنسا، وهنا كانت نقطة التحول في مسيرة الحزب، إذ أغدقت طهران الدعم المادى والعسكري على الحزب، وجعلته قوة عسكرية ضاربة قادرة على أن تكون خط دفاع وهجوما متقدما عن الجمهورية الإسلامية، وأدركت إسرائيل مدى الخطأ الفادح الذي ارتكبته.
وشاركت تركيا في هذه العملية، كما ساعدت في زرع جواسيس إسرائيليين في سوريا.
تل أبيب دعمت الشيعة ضد الجيش المصري في اليمن وسعت لـ«استنزاف قوة عبدالناصر»
شاه إيران تعاون مع إسرائيل لتشكيل نواة «حزب الله» في لبنان
الموساد وضع مخطط انفصال جنوب السودان منذ الخمسينيات
إسرائيل دربت جماعة مسيحية في جوبا ضد الخرطوم لتصبح نواة للانفصال.. وعبثت بحوض النيل في إثيوبيا وأوغندا
في كل الاضطرابات والكوارث التي تجتاح المنطقة، فتش دائما عن إسرائيل، وعن الدور الإسرائيلى في تأجيج النزاعات المسلحة، ودعم حركات التمرد في الدول العربية بصفة عامة، ومحاولات العبث بالأمن القومى المصرى بشكل خاص، فمن اليمن إلى منطقة حوض النيل تمتد الأصابع الإسرائيلية لسكب مزيد من الزيت على النيران لتصبح هي الفائز الوحيد من كل ما يجرى في المنطقة، هذا ما كشف عنه الضابط السابق بالمخابرات الإسرائيلية «الموساد» «يوسى الفير» الذي قضى عقودا طويلة يجوب دول المنطقة لتأمين وجود إسرائيل وضرب مصالح مصر والتآمر عليها، لتقويض دورها السياسي والعسكري في المنطقة.
وكشف «الفير» عن الدعم العسكري الذي قدمته إسرائيل للقوات الموالية للإمام البدر الذي أطاحت الثورة اليمنية بحكمه في ستينيات القرن الماضى، وكان ذلك الدعم موجها بالأساس ضد الجيش المصرى الذي ساند الثورة، لتمهد إسرائيل لحرب يونيو عام ١٩٦٧ باستنزاف الجيش المصرى في اليمن، إضافة إلى الدور الإسرائيلى في دعم المتمردين في جنوب السودان، وإنشاء ميليشيا شيعية موالية لإيران في جنوب لبنان.
وكشف الضابط المتقاعد في حوار مطول مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية الكثير من المؤامرات الإسرائيلية على مصر، وما دار وراء الكواليس لضرب المنطقة وتأمين إسرائيل.
في منتصف ١٩٦٠ خدم الملازم أول يوسى الفير كضابط صغير في إحدى وحدات جيش الدفاع الإسرائيلى «الوحدات الأكثر سرية - وحدة الاستخبارات العسكرية» المسئولة عن الاتصال مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الأخرى الشاباك والموساد.
وكان يوسى مسئول المهام السرية الأكثر خطورة، وبدأت مع دعم الشيعة في اليمن و«الإمام البدر» والملكيين وقتها ضد الجيش المصرى وتزويدهم بالسلاح والعتاد.
يقول: «بدأت المهمة بالذهاب ليلا إلى قاعدة تل نوف قاعدة للقوات الجوية الإسرائيلية، وبدقة بدأت أتحقق من خلال أكوام ضخمة من المعدات العسكرية، والأسلحة والذخيرة الخاصة بها، من تأمين تلك الأسلحة وعدم وجود أي علامات تشير إلى إسرائيل أو جيش الدفاع، أو أي كلمات باللغة العبرية أو أي شيء يربط بينها وبين إسرائيل.
وبعد تفقد الأسلحة وقعت على وثيقة تؤكد جاهزية تلك الأسلحة للنقل، وتم تحميل الأسلحة والمعدات في طائرة شحن تابعة لسلاح الجو الإسرائيلى، ونقلت جوا إلى وجهة لم يكن يعرفها سوى عدد قليل في إسرائيل إنها اتجهت إلى اليمن».
ويضيف: «كانت اليمن في خضم حرب أهلية طاحنة -بين الملكيين والمتمردين الجمهوريين الذين يحظون بدعم من مصر والاتحاد السوفييتى، وفى هذا الوقت كان من المعتاد رؤية ممثل عن الإمام البدر، يجرى اتصالات مباشرة مع عملاء الموساد في أوربا، وكان يأتى لزيارة إسرائيل للحصول على الأسلحة.
واستمر الدعم الإسرائيلى على مدى عامين لاستنزاف مصر أقوى قوة عسكرية عربية في ذلك الوقت، وقامت طائرات الشحن الإسرائيلية بأكثر من ١٤ عملية لنقل الأسلحة، أثناء الليل من تل نوف، في رحلة كانت تستغرق أكثر من ١٤ ساعة، وأسقطت أسلحة وأدوية للملكيين.
وتولى تنسيق العمليات ناحوم أدموني، الذي أصبح رئيس الموساد من ١٩٨٢-١٩٨٩، ومن الجانب البريطانى تولى اثنان من كبار أعضاء القوات الخاصة الجوية الملكية SAS القدوم إلى إسرائيل لتنسيق العمليات، وهما جين وتونى.
هدف إسرائيل من العملية
وتمثل الهدف الرئيسى من العملية تهديد القوات المصرية واستنزافها في اليمن، حيث كان يجرى الإعداد في تلك الفترة لاحتلال سيناء وحرب ٥ يونيو ١٩٦٧، أو ما عرف في إسرائيل بحرب الأيام الستة، وفى مصر بنكسة يونيو».
وقال ضابط الموساد الإسرائيلى: «كنا على قناعة بأن هناك حربا قادمة، وكنا قلقين بشدة من الجيش المصرى وإمكانياته الهائلة والأسلحة التي لديه، ونجحنا في ضرب المصريين في المنطقة التي لم يكونوا يتوقعونها، وانتهى الأمر بتعزيز علاقات إسرائيل مع بريطانيا».
ومضت العملية قدما بنجاح -يقول يوسى- وكانت هناك خطة لضرب الطائرات المصرية المتمركزة في قواعدها في اليمن، كعمل من أعمال الردع التي من شأنها أن تنال من هيبة الرئيس المصرى آنذاك جمال عبد الناصر، الخطة ألغيت في نهاية المطاف حتى لا تكشف نوايا إسرائيل في غزو سيناء فيما بعد، وساعدت في تحقيق المفاجأة الكاملة في حرب يونيو.
ويؤكد «ألفير» أن أبرز نجاح حققته إسرائيل كان في تقويض الروح القتالية للجيش المصرى، ومهد بقوة لحرب الأيام الستة، هذا إضافة إلى أن استجواب الأسرى المصريين فيما بعد أكد لهم أن ما حدث في اليمن كان بداية الهزيمة.
وجمع «ألفير» تفاصيل عملية اليمن التي أطلق عليها «روتيف» Rotev، في كتابه الذي نشر العام الحالى بعنوان المحيط أو الطوق: بحث إسرائيل عن حلفاء في الشرق الأوسط، وصدر في طبعتين إنجليزية وعبرية، وجميع ما فيه شهادات موثقة من مسئولين إسرائيليين.
وتحدث خلاله عن عقيدة إسرائيل السرية التي أطلقت عليها «عقيدة المحيط»، والتي تمثلت في كسر الحصار المفروض عليها والبحث عن أصدقاء وحلفاء جدد في الشرق الأوسط، سواء في دول الطوق أو في مناطق أبعد مثل اليمن.
ووضع الإستراتيجية العامة لهذه العقيدة أول رئيس وزراء لإسرائيل «دافيد بن جوريون»، وعهد إلى مؤسس الموساد الأول رؤوفين شلواح بتنفيذها، وكانت هدف رؤساء الموساد اللاحقين.
ومن خلال هذه الإستراتيجية فإن الموساد سعى لإقامة علاقات حميمة مع الدول القريبة من أعداء إسرائيل أو المؤثرة على الدول المحيطة بها، وفى المقابل قدمت إسرائيل لتلك الدول الدعم المادى والتدريب والمعلومات والأسلحة والمعدات الإلكترونية المتطورة.
ويقسم «ألفير» محيط إسرائيل إلى ثلاث فئات، وشملت في البداية الدول غير العربية، سواء كانت مسلمة أم غير مسلمة، ولا تشارك في هذا الصراع، وضمت (إيران وإثيوبيا وتركيا وإريتريا وكينيا وأوغندا).
وكانت هناك المجموعات العرقية غير العربية وغير المسلمة، والأقليات التي تعيش في دول الطوق أو المحيط، مثل المسيحيين في جنوب السودان وفى لبنان، ولعبت عليهم منذ وقت مبكر للغاية، وكذلك الأكراد في العراق وسوريا.
أما القسم الثالث والأخير، فكانت الدول العربية التي ترى أن النزعة القومية تهددها وتهدد أنظمتها الحاكمة، مثل المغرب وليبيا وبعض دول الخليج وأخيرا اليمن.
ونجحت إسرائيل في أن تلعب على كل تلك العناصر وترتبط معها بعلاقات وتساعدها على تقويض استقرار دول الطوق أو المحيط، لكن بقيت مصر بدون أقليات أو طوائف يمكن استخدامها ضدها.
وكانت الفكرة الرئيسية أن اليهود أقلية في الشرق الأوسط، ويجب عليهم أن يساعدوا الأقليات الأخرى في المنطقة، ليكونوا قوة في مواجهة الدول والأنظمة الموجودة، وعلى رأسها مصر ونظام الرئيس جمال عبدالناصر.
وعقد الموساد لقاءات مع زعماء الأكراد، وعلى رأسهم «مصطفى البرزاني»، بدأت منذ عام ١٩٦٥، وتعهدت إسرائيل بمساعدتهم للاستقلال وتكوين حلم الدولة.
اللعب في حوض النيل
نفذت إسرائيل أنشطة عسكرية واستخبارية سرية في كل أنحاء منطقة الشرق الأوسط، وكانت هناك مساعدات من دول أخرى، لكن العمليات في البداية كانت محدودة لضعف موارد إسرائيل وضعف موارد الموساد.
ويقول مسئول المخابرات الإسرائيلى: «في المحادثات مع المسئولين العرب بعد سنوات، كان الجانب الآخر يدرك فعلا مدى خطورة تحركاتنا، ورأوا وجودنا في البلدان التي ترتبط معها اقتصاديا بمثابة تهديد قوى للغاية ومباشر لهم».
فمصر على سبيل المثال رأت وجودنا في جنوب السودان وإثيوبيا تهديدا مباشرا لمنبع نهر النيل، وحتى لو أخبرناهم أننا لم نكن نريد هذا، لكن المصريين فهموا جيدا أننا قريبون جدا من مناطق الخطر بالنسبة لهم، وأن الموساد والجيش يتواجد في الدول المؤثرة على النيل شريان الحياة لمصر، وتعاملوا مع هذا الأمر بحذر.
لكن الواقع الذي سرده ضابط المخابرات الإسرائيلى يكشف عكس ذلك، ففى فترة الستينيات نشطت المخابرات الإسرائيلية في تدريب وتسليح جماعة «أنيانيا» Anyanya، وهى طائفية مسيحية سرية كانت تعمل في جنوب السودان ضد الخرطوم، وعمل مسئول العمليات في الموساد «ديفيد بن عوزي» على تدريب تلك المجموعة، وأشرف على تسليحها لتصبح نواة جيش يحارب من أجل الاستقلال.
واستغلت إسرائيل ما عرف باسم مهمات إنسانية لإنقاذ جنوب السودان، ونقلت لهم معدات عسكرية وأسلحة في طائرات الشحن، وأنشأت إسرائيل مستشفى ميدانيًا هناك لعلاج المصابين، وكذلك عشرات الأطفال والرجال والنساء لينضموا لهذا الجيش.
ونجحت الخطة الإسرائيلية واستطاعت قوات جنوب السودان هزيمة قوات الرئيس السودانى «جعفر نيميري»، وعرض عليهم الحكم الذاتى على الجنوب في ١٩٧٢.
وكان تقييم المخابرات الإسرائيلية للعملية أنها ناجحة جدا، وكانت النواة لإنشاء دولة جنوب السودان عام ٢٠١١، ونجحت العملية بأقل تكلفة مالية، حيث كانت تكلفة تدريب وتسليح جيش جنوب السودان أقل من تكلفة ثمن طائرة ميراج ٣، وذلك لأن الجيش السودانى لم يكن مدربا ولم يكن على مستوى قتالى جيد.
الحلف الثلاثي
ونجحت إسرائيل في تلك الفترة في إقامة حلف ثلاثى قوى أشبه بالرمح ثلاثى الرءوس، تألف من إسرائيل وإيران تحت حكم الشاه وتركيا التي ما زال التحالف معها قائما.
ووقعت تركيا اتفاقا سريا مع إسرائيل في أغسطس ١٩٥٨، وقعه رئيس الوزراء الإسرائيلى «ديفيد بن جوريون» ورئيس الوزراء التركى في ذلك الوقت عدنان مندريس.
وأنشأت المخابرات المركزية الأمريكية مقرا لهذا التحالف في صحراء شمال «تل أبيب»، وكان المقر مكونا من طابقين، الطابق الأرضى به ثلاثة أجنحة، الجناح الأزرق لإيران، والأصفر للأتراك وجناح آخر للإسرائيليين، وكان الطابق الأعلى مخصصا للمؤتمرات.
ثم تم تطوير المقر وأصبح مزودا بقاعات ترفيهية وسينما وحمام سباحة وصالة ألعاب رياضية، وكان عملاء مخابرات الدول الثلاث يقضون في هذا المقر أوقاتا طويلة.
وتعاونت إيران بقوة مع إسرائيل، وشارك خبراء إسرائيليون في تدريب الجيش الإيرانى، واشترى الشاه أسلحة إسرائيلية، وفى عام ١٩٥٨ ساعدت إسرائيل في نقل أسلحة إيرانية إلى الشيعة في جنوب لبنان لتشكيل قوات مسلحة، لتكون نواة ميليشيات موالية لإيران، وكانت تلك هي النواة التي تشكل من خلالها حزب الله اللبنانى.
وكانت المخابرات الإسرائيلية هي المسئولة عن جمع الأموال والأسلحة للمقاتلين الشيعة الذين شكلوا النواة الفكرية والعقائدية والعسكرية التي تكون منها حزب الله.
ورغم أن التاريخ الرسمى لقيام حزب الله، كان عام ١٩٨٢، عقب الاجتياح الإسرائيلى للبنان، وأعلن رسميا عن قوة حزب الله المسلحة لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الأدلة والوقائع تشير إلى أن إنشاء ميليشيات شيعية مسلحة تدين بالولاء لإيران لضرب لبنان واستقرارها بتعاون إسرائيلى إيرانى بدأ قبل هذا بعقود طويلة.
وتعاظمت قوة حزب الله بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام ١٩٧٩، وعودة الخمينى من فرنسا، وهنا كانت نقطة التحول في مسيرة الحزب، إذ أغدقت طهران الدعم المادى والعسكري على الحزب، وجعلته قوة عسكرية ضاربة قادرة على أن تكون خط دفاع وهجوما متقدما عن الجمهورية الإسلامية، وأدركت إسرائيل مدى الخطأ الفادح الذي ارتكبته.
وشاركت تركيا في هذه العملية، كما ساعدت في زرع جواسيس إسرائيليين في سوريا.
http://www.albawabhnews.com/1367128