يظهر أحد الأفلام الأمريكية الخيالية كيف أن العلماء يصممون مركبة تحت الأرض ويستخدمونها في رحلة إلى مركز أعماق الأرض. والغريب هو أن هذه القصة ليست كلها محض خيال كاتبي السيناريو في مؤسسة هوليود للأفلام السينمائية، حيث أن مشاريع تصميم مركبات تحت الأرض تم العمل عليها في روسيا منذ 100 عام.
ففي عام 1904 اقترح المهندس الروسي بيوتر راسكازوف لأول مرة تصميم مركبة قادرة على التحرك في أعماق تربة الأرض. لكن وللأسف توفي راسكازوف في حادثة مأساوية بعد عام قبل أن يتمكن من تنفيذ مشروعه، وقد حاول العقيد يفغيني تولكالينسكي مواصلة العمل في هذا المشروع، ولكن بعد ثورة عام 1917 اضطر الأخير لمغادرة روسيا.
وفي الثلاثينات من القرن الماضي قام المهندس السوفيتي الكسندر تريبيليف بتصميم مركبة تعمل تحت الأرض، حتى أن المخترع كان مهتماً بشكل كبير وأطلق على مركبته اسم "سوبتيرينا" وتعني باللاتينية قارب تحت الأرض. في البداية قام كل من تريبيليف ومساعديه المصممين باسكين وكيريلوف بدراسة كيفية تحرك حيوان الخلد تحت الأرض، وقاموا بوضعه في صندوق كبير مليء بالتربة بحيث يمكن رؤية ما يجري في داخله عبر جهاز الأشعة السينية. تبين أن الخلد يخترق الأنفاق تحت الأرض عبر تحريك أرجله الأمامية ورأسه بشكل دائري، وبفضل أرجله الخلفية يدفع بنفسه ويتحرك إلى الأمام. في حين أن الخلد يقوم بإزاحة التربة إلى جدران الحفرة والنتيجة يتم إنشاء ممر تحت الأرض مدعومة بأقواس مستديرة.
بهذا الشكل يكون هذا الحيوان قد قدم للمصمم تريبيليف مخطط مبدأ عمل المركبة تحت الأرض، حيث قام المخترع بتثبيت حفارة قوية في مقدمة المركبة، وفي منتصفها قام بتثبيت جهاز لإزاحة التربة ووضعها على جدران الممر، وفي الخلف قام بتثبيت أربع محركات دفع قوية للتحرك بالآلة إلى الأمام.
وقد أثبتت الدراسة أنه خلال دوران الحفارة بسرعة 300 دورة في الدقيقة يمكن "للخلد الحديدي" أن يجتاز مسافة قدرها 10 م في الساعة. بالفعل لقد تم اختبار مركبة تريبيليف عام 1946، لكن لجنة علمية أكدت بأن هذا الجهاز لا يتمتع بعامل الموثوقية المطلوبة ولذلك تم إلغاء المشروع. على كل حال اعتقد تريبيليف آنذاك بأن مركبته سوف تستخدم في عمليات التنقيب الجيولوجية وحفر أنفاق المترو واستخراج الثروات الباطنية، مع الإشارة إلى أنه لم يكن يتصور أن هذه المركبة كانت ستستخدم لأغراض عسكرية.
وفي عام 1933 وقبل مجيء هتلر إلى السلطة بقليل اخترع المهندس هورنر فون فيرن مركبة قتالية تعمل تحت الأرض، مع العلم أنها كانت قادرة على التحرك بسرعة 7 كم في الساعة بإدارة طاقم يتألف من خمسة أشخاص علماً أن المركبة قادرة على حمل ما وزنه 300 كغ. ولكن لم يثر هذا المشروع أي اهتمام لدى أحد، ولذلك تم إرساله إلى الأرشيف. ولكن في عام 1940 عاد المشروع ليظهر من جديد عندما خطط هتلر غزو بريطانيا وذلك للتسلل إلى الجزيرة لتنظيم عملية تخريب في العمق. لكن قيادة القوات الجوية الألمانية أقنعت هتلر بعدم جدوى المشروع والعدول عنه ووعدوه بشل بريطانيا وإبعادها عن الحرب عن طريق توجيه ضربات جوية موجعة، وبهذا أصبح مشروع فون مرة أخرى في غياهب النسيان.
وبعد الحرب العالمية الثانية وقعت جميع المخططات الألمانية لهذه المركبة في يد الخبراء في الاتحاد السوفيتي، وقبعت هذه الوثائق في محفوظات سرية جنباً إلى جنب مع تصاميم العالم تريبيليف. ولكن في بداية الستينات من القرن الماضي عندما توترت العلاقات السوفيتية الأمريكية إلى حد كبير بدأ العلماء الحديث مرة أخرى عن المركبات تحت الأرض. حيث أعجب الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف بفكرة التوصل إلى الإمبرياليين ولو من تحت الأرض. وفي عام 1962 تم بناء مصنع سري للغاية في شبه جزيرة القرم وذلك لصناعة هذا النوع من المركبات.
وبالفعل ظهر أول نموذج اختباري بعد عام واحد فقط والذي كان عبارة عن أسطوانة من التيتانيوم يصل قطرها 3 متر وطولها 35 متر، حيث يمكن لهذه المركبة بقيادة طاقم من خمسة أشخاص نقل حمولة تصل إلى واحد طن و15 جندياً. بالفعل جر أول اختبار في خريف عام 1964 علماً أن الجهاز كان يعمل بمحرك وفق مبدأ صاروخي نووي، استطاع التوغل في الأرض لمسافة 15 كيلو متر وقام بتدمير مخبأ- ملجأ للعدو. يشار إلى أن الخبراء الذين راقبوا هذه العملية أصيبوا بصدمة حقيقية، لكن وبعد إجراء التجربة الثانية انفجرت المركبة- الخلد تحت الأرض ولقي جميع أعضاء الطاقم مصرعهم، مع أنه لم يتم تحديد سبب الانفجار وذلك لأن جميع مكونات هذه المركبة ما تزال محفوظة بسرية تامة. وبحسب رأي الأخصائيين فإن الانفجار جاء بسبب عطل في المحرك، ولهذا أجبرت هذه الكارثة القيادة السوفيتية إلى التخلي عن هذا المشروع.
وبعد عام 1964 لم يسمع أحد عن مشاريع حربية جديدة تتعلق بهذه المركبة، لكن في الوقت نفسه من غير المرجح أن يكون هذا المشروع قد أصبح طي النسيان. ربما يتم حالياً اختبار هذا النوع من المركبات في منشأة سرية، وربما هذه المركبة تسير حالياً وتتحرك كما يتحرك الخلد تحت الأرض بصمت تحت أقدامنا.
http://arabic.sputniknews.com/mosaic/20150529/1014435157.html