قد يكون «بابا مرزوق» أقدم أسير حرب في العالم على الإطلاق، وفي شهر يوليو (تموز) الماضي قد أكمل السنة الثامنة والسبعين بعد القرن تحت الأسر دون أمل في العودة إلى أهله وذويه في الجزائر، وما «بابا مرزوق» إلا مدفع «الجزائر » العملاق الذي استولى عليه الفرنسيون سنة 1830 بعد يوم واحد من احتلال مدينة الجزائر
ولم يكن مدفع «بابا مرزوق» الذي استولى عليه الفرنسيون مجرد قطعة عسكرية عادية. فالفرنسيون كانوا يعرفون بابا مرزوق قبل ذلك التاريخ بوقت طويل، ويعود صنعه إلى العام 1542 أي سنة واحدة بعد حملة الملك الإسباني شارل الخامس الفاشلة على الجزائر. إذ أمر حاكم الجزائر حسن آغا بتأسيس «دار الصناعة» بصنع مدفع تهابه الأعداء ويكون رمزا لقوة الجزائر العسكرية. وصنعه بابا مرزوق من مادة البرونز وبلغ طوله سبعة أمتار أما مدى قذائفه فكان يصل إلى 5000 متر، وهي الميزة التي مكنته من ضرب سفن الغزاة فور اقترابها من مرفأ الجزائر القديم.
الفرنسيون الذين يحتفظون بهذا الأسير بعد 46 سنة من استقلال الجزائر، كانت لهم أكثر من ذكرى سيئة مع بابا مرزوق، وكان استيلاؤهم عليه بمثابة انتصار نفسي ومحاولة محو عار التصق بهم. ففي الربع الأخير من القرن السابع عشر، هاجم الأميرال الفرنسي فرانسوا دوكان مدينة الجزائر دون جدوى، وبعد عدة محاولات في سنوات متتالية عاد إلى الانتقام بأسطول كبير فدمر جزءاً من المدينة، وعندما فشل حاكم الجزائر في إقناع الأميرال بوقف العدوان أحضر أعضاء السلك الدبلوماسي الفرنسي في الجزائر حينها وعددهم 13 وقذفهم من فوهة المدفع بابا مرزوق الواحد تلو الآخر، وتكررت مأساة الدبلوماسيين الفرنسيين مع هذا المدفع الذي أطلقوا عليه اسم «القنصلي» ربما انطلاقا من تلك الذكريات السيئة. وعام 1688 ذهب الماريشال الفرنسي «ديستري» إلى الجزائر انتقاما لذكرى الدبلوماسيين، وقيل بأنه تمكن من تدمير جزء معتبر من المدينة بمدافعه، ولما عجز حاكم الجزائر مرة أخرى عن وقف العدوان أعاد حكاية الدبلوماسيين فوضع 40 فرنسياً من بينهم قنصل فرنسا في الجزائر في فوهة بابا مرزوق وقذف بهم جميعا في البحر، ومن ساعتها دخل هذا المدفع الذاكرة الفرنسية وكان على رأس غنائم حرب احتلال الجزائر سنة 1830 وذهب في السادس من أغسطس (آب) من السنة نفسها إلى فرنسا وتم تقديمه هدية إلى وزير البحرية الذي أهداه بدوره إلى الملك كرمز للنصر. وأمر الملك بوضع المدفع كنصب تذكاري في مدينة «بريست» حيث بقي إلى حد الآن، ولم تتمكن الجزائر المستقلة من استعادة هذا العملاق الذي يشكل جزءاً من ذاكرتها الجماعية.
]
رمز للإباء الوطني اعتقله الاحتلال قبل 178 سنة
[
مدفع بابا مرزوق هذا هو الآن في ساحة من ساحات مدينة بريست الفرنسية مقيدا بالسلاسل كدلالة على الاعتقال ورأسه إلى الأرض، وفوقه ''ديك فرنسا''.
لقد زارت البحرية الفرنسية عدة مرات الجزائر.. ولكنها لم تقم بإعادة المدفع بابا مرزوق إلى الجزائر!
لقد أعطتنا فرنسا ختم الداي الذي وقع به الاستسلام لفرنسا، لأنه دليل إهانة! ولكنها ترفض إعادة مدفع بابا مرزوق لينصب في مكانه في ساحة الشهداء بلا أغلال! وبلا إهانة من طرف الديك رمز فرنسا!
لقد أعطتنا فرنسا ختم الداي الذي وقع به الاستسلام لفرنسا، لأنه دليل إهانة! ولكنها ترفض إعادة مدفع بابا مرزوق لينصب في مكانه في ساحة الشهداء بلا أغلال! وبلا إهانة من طرف الديك رمز فرنسا!
[
[