"فديوهات هوليودية" و"العاب جيمز" و"مواقع التواصل الاجتماعي" أسلحة "الجيوش الجوالة".
- لجان إلكترونية تشرف علي إصدار الأفلام الدعائية والمجلات والمدونات.. وبث عمليات الذبح والحرق هدفة تصدير الرعب.
"نعيش جيلاً رابعاً وخامساً من الحروب.. لم تعد الطائرة والدبابة تحتكر دور البطولة في معارك هذا العصر.. أرض المعركة نفسه تغير كثيراً.. تمر أيام وأسابيع بل وشهور لا يلتقي الجنود وجها لوجه.. ورغم ذلك يتساقط العشرات والمئات من القتلي والمصابين الأبرياء"
من يتابع الإضطرابات الأمنية من المحيط إلي الخليج سيدرك تماما أن ما يحدث في سوريا والعراق وليبيا وسيناء وحتي اليمن، ليس مجرد عمليات إرهابية تقوم بها مليشيات جهادية، ولكنها معركة كونية تكنولوجية في المقام الأول تتعدي قدرات أقوي التنظيمات الإرهابية.
والحقيقة التي يؤكدها خبراء التكنولوجيا وأمن المعلومات أن تنظيم داعش الإرهابي وكل من يتبعه من جيوش جوالة لا يمكن لها أن تشن تلك الحرب الكونيه علي العالم العربي والاسلامي وتقف في وجه الغرب إلا بالاستفادة لأول مرة من التكنولوجيا الحديثة التي أضحت اليوم في يد الجميع يستغلها كيفما شاء.
السؤال الذي طرحة خبراء وعلوم التكنولوجيا الحديثة وأمن المعلومات، هل حربنا علي الإرهاب تتم بالشكل المطلوب وبنفس الأسلحة القادرة علي مواجهة أسلحتهم التكنولوجية؟، وهل يدرك المعنيون بالفعل أن الرصاصة والصاروخ لم يعد كافي للقضاء عل تلك التنظيمات الإرهابية؟، وهل لدينا البنية التحتية القادرة علي مواجهة الأسلحة التكنولوجية التي تستخدمها الجماعات الارهابية المسلحة؟.
قديماً ومع بدء ظهور الجيوش النظامية قبل ما يقرب من 3200 عام قبل الميلاد في مصر علي يد الملك مينا موحد القطرين، كانت أحد أهم المهام الرئيسية للجيوش تمهيد أرض المعركة لعبور ارض المعركة، فتم رصف أول طريق عسكري في التاريخ الإنساني، والذي كان ممثلا في طريق حورس الحربي، وكانت وظيفة هذا الطريق ربط مدينة العريش بمدينة رفح بفلسطين، علي ان يكون محاطا بالآبار من الاتجاهين, ليوفر لجنود الجيش احتياجاتهم من الماء في تلك الصحراء الجرداء.
ومن الامبراطورية المصرية الي بلاد الرافدين بالعراق ومنها الي بلاد اليونان والامبراطورية الرومانية حتي الصين والهند ومنها الي حضارات المايا والازتيك والانكا، كان لارض المعركة اعتبارات كثيرة يجب ان تتم تمهيدا لقدرة الجيوش علي التنقل بسهولة لملاقاة الاعداء علي الحدود.
اليوم وبعد الاف السنين من تلك الاستراتيجية وفي ظل التكنولوجيا الحديثة، وفي حروب ما يسمي بالجيل الرابع والخامس وربما السادس والسابع، لم يعد لتلك الاستراتيجية اي فائدة تذكر، فارض المعركة لم يعد كما كان، والجيوش يمكن ان تقاتل طويلا دون ان تلتقي وجها لوجه بالأعداء، تغيرت الارض وتغير السلاح، لذلك كان لازما علينا ان نطرح هذا السؤال، هل تم تأهيل البنية التحتية لمعارك هذا العصر؟.
"الإنترنت.. مواقع التواصل الإجتماعي.. مواقع الإرهاب.. اليوتيوب".. كانت الحلبة الإفتراضية لمعارك العصر الحديث، ورغم إنها معارك افتراضية تلعب دائما علي "العمليات النفسيه" لوحشية تنظيم إستطاع ان يقنع الجميع إنه قادر علي فعل أي شيء إلا إنها اثبتت نقطتين بالغتا الأهمية، أولها مدي التطور التكنولوجي التي وصلت إلية الجماعات الإرهابية المسلحة التي وصفت بأنها "جيوش جوالة" أشبه ما تكون نظامية، وثانيها إفتقاد اغلب جيوش المنطقة العربية لتلك التكنولوجيا القتالية الحديثة، مما مكن تنظيم مثل "داعش" من هزيمة الجيش العراقي ومناطحة الجيش السوري.
الكارثة ان تلك المليشيات الإرهابية لم تكتفي بتكنولوجيا المعلومات والإنترنت، ولكنها لجأت الي إستخدام كافة اشكال التكنولوجيا الحديثة، ومن يتابع استراتيجيتها في القتال سيجد انها تعتمد علي استراتيجية "بروباجندا الرعب"، تلك الإستراتيجية التي استخدمها "المغول التتار" منذ ما يقرب من تسعة قرون، مع إختلاف ان القرن الـ21 يتميز بأهم تكنولوجيا علي الاطلاق، ممثلة في تكنولوجيا "السينما"، ومن يتابع فيديوهات تنظيم داعش التي تصور عمليات الذبح والحرق سيعلم جيدا مدي "هوليودية" التصوير كجزء من مخطط لتصدير الرعب.
والحقيقة التي يعلمها الجميع ان طريقة اعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة كانت نقطة الفصل التي تأكد من خلالها ان التقنية التكنولوجيا التي تم استخدامها فاقت كل تصور، حتي ان انها في 22 دقيقة هي المدة الزمنية للفيلم اثارت ذهولا لدى المراقبين الإعلامين والباحثين في شؤون الجماعات المتطرفة عن تلك الإحترافية الفائقة في الإنتاج والتصوير والإخراج والذي يؤكد على القدرة الهائلة للتنظيم على التعاطي المتقدم مع الوسائل التقنية وكيفية بناء رسالته الإعلامية شكلاً ومضمونا.
الحرب النفسية
لم يعد خافيا ان الهدف من تلك الفيديوهات التي تبثها "داعش" لعمليات الاعدام الوحشية شكل من اشكال الحروب النفسيه، ومحاولة دموية لبث الرعب في نفوس القادمين من القوات المضادة، كما حدث في عملية حرق الطيار الاردني، او حتي في فديوهات ذبح الصحفي الأمريكي جيمس فولي، وموظف الإغاثة البريطاني ديفيد هينز وآخرون، ومن هذا المنطلق فإن بث عمليات القتل الوحشية ليست سوى إستراتيجية منخفضة التكلفة من أجل جذب أنظار العالم وتوسيع كوادر التنظيم القتالية، بالاضافة الي انها بمثابة رسائل بلون الدم للعالم ومفادها أن كل من يريد إيقاف التنظيم ويمانع في الانضواء تحت رايته ويثنيه عن خططه سيلقى نفس جزاء هؤلاء المقتولين على يديه.
داعش والاعلام
منذ قرون طويلة انتهج المغول التتار فلسفة تصدير الرعب للاعداء عن طريق الرسل بخطابات تهديد مكتوبة علي الاجساد، واليوم وفي ظل التكنولوجيا الاعلامية الحديثة اضحي لتنظيم داعش منظومة اعلامية، حتي أصبح من أكثر التنظيمات المتطرفة اهتماما بشبكة الإنترنت والمسألة الإعلامية، فقد أدرك منذ تأسيسه الأهمية الاستثنائية للوسائط الاتصالية في إيصال رسالته السياسية ونشر أيديولوجيته المتطرفة، فأصبح مفهوم "التطرف الإلكتروني" أحد الأركان الرئيسية في فترة مبكرة منذ تأسيس جماعة "التوحيد والجهاد" والقاعدة في بلاد الرافدين.
وكان أبو ميسرة العراقي يتولى رئاسة القسم الإعلامي، وفي حقبة "دولة العراق الإسلامية" عام 2006 تولى المنصب أبو محمد المشهداني تحت اسم وزير الإعلام، وكان أبو عبدالله محارب عبداللطيف الجبوري ناطقًا باسم التنظيم، وفي عام 2009 أصبح أحمد الطائي وزيرا للإعلام، ويقود المؤسسة الإعلامية لتنظيم "داعش"اليوم هيئة موسعة بقيادة أبي الأثير عمرو العبسي.
وقد شهد الاعلام الداعشي تطورا كبيرا بالشكل والمحتوى، وتعتبر مؤسسة الفرقان الإعلامية الأقدم والأهم، وقد ظهرت مؤخرا مؤسسات إعلامية عديدة تتبع التنظيم، كمؤسسة الاعتصام، ومركز الحياة، ومؤسسة أعماق، ومؤسسة البتار، ومؤسسة دابق الإعلامية، ومؤسسة الخلافة، ومؤسسة أجناد للإنتاج الإعلامي، ومؤسسة الغرباء للإعلام، ومؤسسة الإسراء للإنتاج الإعلامي، ومؤسسة الصقيل، ومؤسسة الوفاء، ومؤسسة نسائم للإنتاج الصوتي، ومجموعة من الوكالات التي تتبع الولايات والمناطق التي تسيطر عليها، كوكالة أنباء "البركة" و"الخير" وغيرها.
وبعد سيطرة تنظيم داعش على الموصل في 10 يونيو 2014، قام بنشر سلسلة من الفيديوهات الترهيبية تختص بعمليات قطع الرؤوس، بدأها بفيديو مصور بعنوان "رسالة إلى أميركا"، يقوم فيه عضو ينتمي إلى التنظيم بقطع رأس الرهينة الامريكي الصحفي جيمس فولي، ثم قام التنظيم بعد أيام قليلة في 2 سبتمبر 2014، بنشر فيديو آخر يحمل العنوان نفسه يتضمن قطع رأس الرهينة الأمريكي الثاني الصحفي ستيفن سوتلوف، ثم بثَّ التنظيم فيديو مصور آخر بعنوان "رسالة إلى حلفاء أميركا" في 14 سبتمبر 2014، يقوم فيه أعضاؤه بقطع رأس الرهينة البريطاني ديفيد هينز، وفي 3 أكتوبر بثَّ التنظيم فيديو اخر يقوم فيه بقطع رأس الرهينة البريطاني آلن هينينغ، ويهدد فيه بقطع رأس الرهينة الأمركي بيتر كاسيج.
ومن أهم الإصدارات التي كان لها وقْع كبير على موقع "يوتيوب" إصدار "كسر الحدود" بتاريخ 29 يونيو 2014، و"خطبة البغدادي في الموصل" بتاريخ 5 يوليو 2014، وسلسلة إصدارات بعنوان "رسائل من أرض الملاحم"، وهي سلسلة توثق إنجازات وعمليات التنظيم تصدر تباعاً بلغت حتى الآن 50 إصداراً، وكذلك سلسلة إصدارات بعنوان "فشَرِّد بهم مَنْ خَلْفَهم"، ويغطي الجزء الأول معركة اللواء 93 في ولاية الرقة السورية بتاريخ 23 أغسطس 2014، والجزء الثاني يغطي معركة تحرير مطار الطبقة في ولاية الرقة السورية بتاريخ 7 سبتمبر 2014، بالاضافة الي إصدار "على منهاج النبوة"، بتاريخ 28 يوليو من نفس العام.
ويعد فيلم "لهيب الحرب"، من أضخم الإصدارات والأكثر دقة ورعبا، ويتضمن تغطية لمعارك عديدة لتنظيم داعش ورسالة موجهة لدول التحالف المشاركة في الحملة على التنظيم، وقد أصدره الجناح الإعلامي التابع للتنظيم الخاص باللغة الإنجليزية "مركز الحياة"، بتاريخ 17 سبتمبر 2014، كما صدر عدد من المجلات بالعربية والإنجليزية ك"دابق" و"الشامخة"، وأنشأت الهيئة إذاعات محلية، مثل إذاعة "البيان" في مدينة الموصل في العراق، وإذاعة أخرى في مدينة الرقة في سوريا.
حرب الفيسبوك
تنظيم داعش الارهابي أدرك منذ الوهلة الاولي الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الإجتماعي في جعل تنظيمها عابراً للقارات، من خلال صناعة افتراضية تفوق الواقع، فهو ما إن يطأ أرضاً حتى يبادر بشكل منظم وسريع في تغذية المواقع بأخباره صوتاً وصورة، فمن بين سبعة حسابات فتحها التنظيم في محافظات صلاح الدين وديالي والأنبار ونينوى أغلق منها خمسة، كما تم غلق الحساب الرسمي للتنظيم على "فيسبوك"، غير أن حسابات جديدة سرعان ما تظهر لتحل مكانها.
ويستخدم تنظيم داعش وسائل الاعلام الاجتماعية لنشر أفكارها ولتهديد أعدائها وذلك بنقل التفاصيل الدموية لذبح وحرق الأسرى، وتعززت السمعة الوحشية لقوتها العسكرية، عن طريق وسائل الإعلام الجديد، والتي من خلالها تمكنت من إضعاف مقاومة أعدائها، بل وقاد البعض منها إلى الفرار من المعركة، وفيما بعد قامت بتوجيه نداءات على صفحاتها علي تويتر والفيسبوك للمستهدفين من الشباب من كلا الجنسين لجذب مجندين والتماس التمويل على الانترنت فضلا عن التهديدات للأعداء الحاليين والمحتملين.
عالم المدونات
ويواصل التنظيم نشاطه الإعلامي من خلال العمل في المدونات، ومن أهمها مدونات باللغتين الروسية والإنجليزية، إذ تقوم الهيئة بترجمة الإصدارات الإعلامية إلى لغات أجنبية عديدة، كالإنجليزية والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، والأوردو، كما يسيطر التنظيم الإرهابي على عدد كبير من المواقع والمنتديات الإلكترونية، التي تحتوي على مكتبة هائلة وواسعة تختص بالأيديولوجيا والخطاب وآليات التجنيد والتمويل والتدريب والتخفي والتكتيكات القتالية وصنع المتفجرات وكل ما يلزم "المتطرفين" في عمليات المواجهة في إطار حرب العصابات وسياسات الاستنزاف.