لا يعرف أكثرية الناس اليوم شيئا عن الإرث الذي كان فيه الكثير من المسلمين في جميع أنحاء العالم مشاركين بإنقاذ اليهود من أهوال الهولوكوست أو من أيدي النظام النازي في فترة الحرب العالمية الثانية.
ينبغي لقصص المسلمين الذين أظهروا الشفقة تجاه اليهود في فترة الهولوكوست أن تكون معروفة لجمهور أوسع، ولكن لسبب ما لا تزال مجهولة، ربما بسبب الانشغال بالصراع العربي - اليهودي وتعاظمه في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية.
في كراسة تم نشرها قبل نحو عقد تحت عنوان "دور المسلمين من أنصار الشعب اليهودي" تم بفخر توثيق قصص لمسلمين كُثر خبّأوا يهودا في منازلهم، مزارعهم وأماكن عملهم في فترة الهولوكوست. الأبطال الموصوفون في الكتاب هم عرب من شمال إفريقيا وأوروبا الشرقية.
عام 2006، نشر الباحث روبيرت ساتلوف كتابا باسم "من أنصار الشعب اليهودي: قصص مفقودة من الهولوكوست في البلاد العربية"، والتي أظهرت الأخبار الجيدة عن الرحمة العربية في سياق واقعي. في مقال في "واشنطن بوست"، صرّح قائلا "لم يكن العرب في تلك البلاد مختلفين كثيرا عن الأوروبيين: حيث تدور حربٌ حولهم، معظمهم وقف جانبا ولم يفعل شيئا، وشارك الكثيرون بشكل كامل وبمحض الإرادة في اضطهاد اليهود، وساعد القليل من الشجعان على إنقاذ اليهود".
أطفال يهود في معسكرات الإعتقال خلال فترة احرب العالمية الثانية (AFP)
مع الأسف الشديد، ككل موضوع آخر متعلق بالشرق الأوسط، يُنظر إلى سلوك المسلمين في فترة الهولوكوست من منظور الصراع العربي الإسرائيلي الحالي. ويضيف الإعلام الغربي مزيدا من التشويه عندما يؤكد باستمرار على خطاب الساسة العرب والإيرانيين الاستفزازيين الذين ينفون أو يطمسون الهولوكوست. نتيجة لذلك، فإنّ الكثيرين في إسرائيل والغرب يفترضون بأنّ التقارير حول البطولة الأخلاقية للعرب أو المسلمين في فترة النازيين هي محاولة لصرف النظر عن الخطاب السياسي المشحون اليوم.
قصة الإمام الذي أنقذ مطربا يهوديا من النازيين
حديقة وصومعة المسجد الكبير في باريس (Wikipedia)
من حين لآخر نشهد قصصا ملهمة ترتفع إلى السطح وتُوثق حالات إنقاذ يهود من الماكينة النازية التي اضطهدت اليهود في كل ركن في أوروبا. هذه إحدى القصص المعروفة التي حظيت بتجسيد سينمائي في فرنسا عام 2012.
كان سليم الهلالي نجما كبيرا في سماء فرنسا والمغرب في أواسط القرن الماضي. وصل المطرب اليهودي، الذي وُلد عام 1920 لأسرة فقيرة في الجزائر، إلى فرنسا عندما كان في سن الرابعة عشرة. خلال بضع سنوات، علا صيته باعتباره "المطرب" الشرقي الأفضل في أوروبا.
يقع المسجد الذي يوجد في وسط قصة إنقاذ المطرب اليهودي في مبنى مثير للإعجاب مثل قلعة له سقف أخضر بارز، ويمتدّ على شارع كامل في الضفة اليسرى الشهيرة لباريس، المدينة التي عاشت قبل نحو أسبوع أحداثا دموية بصورة مذبحة رسامي مجلة "شارلي ايبدو" والمذبحة القاسية في السوبر ماركت. أقامت الحكومة الفرنسية هذا المسجد الشهير عام 1926 كتقدير للجنود المسلمين الذين قُتلوا في الحرب العالمية الأولى في خدمة فرنسا ومن أجل تعزيز العلاقات بين الدولة والمهجرين العرب الذين عاشوا فيها وطريقهم في البلاد التي جاؤوا منها.
الإمام سي قدور بن غبريت
بعد احتلال فرنسا من قبل ألمانيا النازية، عام 1940، بدأت حكومة فيشي باضطهاد اليهود. كانت حياة هلالي وآلاف اليهود المهاجرين من شمال إفريقيا إلى باريس في خطر. كان يبلغ عشرين عاما من عمره وكان مهاجر شاب في مدينة أجنبية. علمت السلطات بجذوره اليهودية، وقامت بمضايقته.
عندما ازداد الخطر توجّه هلالي إلى المسجد وطلب مساعدة مؤسسه والإمام الرئيسي فيه، سي قدور بن غبريت. وبشكل مماثل لهلالي، فقد كان هو أيضًا من مواليد الجزائر، حيث قادته ظروف حياته إلى فرنسا. كالكثيرين غيره، فقد قدّر هو أيضًا الموهبة الكبيرة لدى المطرب الشاب.
لم يخِب بن غبريت أمل هلالي. وفّر له بداية بطاقة هوية مزيّفة لمسلم، من أجل الدفاع عنه من القوانين العنصرية، التي ضيّقت على تحرّكات اليهود. في وقت لاحق، عندما كان هناك خطر من انكشاف تزييف الهوية، أمر بطمس هويّته اليهودية بشكل أكبر. صدر عن وفد المسجد اسم جدّ هلالي على شاهد قبر مهجور في المقبرة الإسلامية المجاورة. في أحد الأيام، تم القبض على هلالي من قبل النازيين واقتيد إلى المقبرة حيث وُجّه مسدّس إلى صدغه. فقط عندما استطاع التعرّف على الشاهد المزيّف وأن يثبت كما يفترض بأنّ جدّه كان مسلما، تم إطلاق سراحه.
وهكذا، برعاية مسجد باريس، تم إنقاذ حياة هلالي، وفي فترة الحرب اعتاد على الظهور داخل المسجد، وسط هتافات الزائرين. بعد تحرير فرنسا، عام 1944، أصبح مطرب الشمال إفريقي الأشهر في فرنسا. عُقدت حفلات كبيرة في النادي الذي أسسه في باريس عام 1947 وتمت استضافة شخصيات رفيعة المستوى. في وقت لاحق، أسس في الدار البيضاء في المغرب أكبر ملهى ليلي في شمال إفريقيا.
"بيسا"- كلمة الشرف لمسلمين ألبان أنقذوا اليهود خلال الهولوكوست
السيدة ليما بالة ، ألبانية أنقذت يهود خلال الحرب العالمية الثانية (Yad Va Shem)
عام 1934، كتب سفير الولايات المتحدة في ألبانيا: "ليس هناك تمييز ضدّ اليهود في ألبانيا، لأن ألبانيا هي واحدة من تلك الدول النادرة في أوروبا اليوم، والتي لا يوجد فيها آراء مسبقة على خلفية دينية ولا يوجد كراهية إطلاقا، رغم أن الألبان أنفسهم ينقسمون لثلاثة أديان مختلفة".
ألبانيا، دولة صغيرة جبلية، تقع جنوب شرق خط الساحل في شبه جزيرة البلقان، كان عدد سكانها في فترة الحرب العالمية الثانية نحو 803,000 نسمة من بينهم 200 يهودي فقط. بعد صعود هتلر إلى الحكم عام 1933، بحث الكثير من اليهود عن ملجأ في ألبانيا. ليست هناك أرقام دقيقة حول أعدادهم، ولكن وفقا للمصادر المختلفة فقد فرّ إلى ألبانيا بين 600 إلى 1,800 لاجئ يهودي، من ألمانيا، النمسا، صربيا، اليونان ويوغوسلافيا، على أمل أن يستمرّوا من هناك في طريقهم إلى فلسطين أو مكان لجوء آخر.
مع الاحتلال الألماني في أيلول عام 1943، وبشكل استثنائي، رفض المواطنون الألبان الامتثال للمحتلّ بتقديم قائمة اليهود الذين يعيشون داخل حدود البلاد. علاوة على ذلك، وفرت أذرع السلطة المختلفة للكثير من الأسر اليهودية وثائق مزيّفة ساعدتهم في الاختلاط مع سائر مواطني ألبانيا. لم يدافع الألبان عن المواطنين اليهود فحسب، وإنما قدّموا أيضًا ملجأ للاجئين اليهود الذين قدِموا إليها من دول أخرى. كان هؤلاء بشكل أساسيّ لاجئين يهود، قدِموا إلى ألبانيا وهي لا تزال تحت الحكم الإيطالي، ووجدوا أنفسهم تحت خطر الطرد إلى معسكرات الاعتقال.
كانت المساعدة الاستثنائية التي حظي بها اليهود تعود إلى كود بيسا "الشرف" والذي يمثّل حتى اليوم الكود الأخلاقي الأعلى في البلاد. معنى بيسا هو "الوفاء بالوعد". الشخص الذي يحافظ على البيسا هو شخص يفي بكلمته، شخص سيحافظ على حياتك وحياة أسرتك بكلمته. قام الألبان بإنقاذ اليهود بشكل استثنائي، بل وتنافسوا بينهم على حق الإنقاذ. كل ذلك على أساس الحبّ الإنساني والرغبة في مساعدة البشر المحتاجين للمساعدة حتى لو كانوا من أبناء دين آخر. نجحت ألبانيا، وهي الدولة الأوروبية الوحيدة ذات غالبية مسلمة، في الدور الذي فشلت فيه دول أوروبية أخرى، فتم إنقاذ غالبية اليهود الذين عاشوا داخل حدودها خلال الاحتلال الألماني، من اليهود الألبان واللاجئين اليهود من دول أخرى، باستثناء بضعة أفراد من أسرة واحدة. ومن المثير للدهشة أن عدد اليهود في ألبانيا لدى انتهاء الحرب العالمية الثانية كان أكبر ممّا كان عند بدايتها.
عائلات مسلمة ويهودية تعيش معاً في سراييفو في فترة الحرب العالمية الثانية (Yad Va Shem)
وهذه ليست هي القصص الوحيدة. تم الحصول على الشهادة الرئيسية على سبيل المثال لكون المسجد الكبير في باريس قد شارك في إنقاذ اليهود في فترة الحرب العالمية الثانية، من يهودي من شمال إفريقيا فرّ من ألمانيا إلى فرنسا في فترة الهولوكوست ووجد ملجأ في مسجد في باريس. كتب في مقال نشره في مجلة فرنسية عام 1983 بأنّه "ما لا يقلّ عن 1,732 من "مقاتلي المقاومة" وجدوا ملجأ في الطابق السفلي للمسجد"، وأشار إلى أنّ معظمهم كانوا من اليهود. وأضاف أيضًا، أنّ الإمام "خاطر جدّا" عندما خبّأ اليهود، ووفّر لهم - وللكثير من الأطفال من ضمنهم - هويات مسلمين.
ومع ذلك، ليس هناك أي توثيق لأسماء اليهود الذين حصلوا كما يُفترض على الرعاية من المسجد، وهو الأمر الذي يصعّب على الباحثين التحقّق من هذه القصة أو تحديد نطاقها وأبعادها.
في قائمة أنصار الشعب اليهودي التي أصدرها متحف "ياد فاشيم" هناك ما يقارب 24 ألف شخص. عشرات منهم فقط هم من المسلمين. قبل عدة سنوات، طُلب من "ياد فاشيم" أيضًا البتّ في الموضوع، ودقّق في قصة إنقاذ اليهود في المسجد. "قام ياد فاشيم بجهود كبيرة من أجل تحديد الناجين الذين أنقذهم بن غبريت في فترة الهولوكوست وعمل كثيرا أيضا من أجل جمع التوثيق الأرشيفي المتعلق بأعمال الإنقاذ في المسجد في باريس، بل وتوجّه إلى أرشيف المسجد"، هذا ما نُقل عن ياد فاشيم (متحف الهولوكوست الرئيسي في القدس). ومع ذلك، "ذهبت كل الجهود سدى. لم يتمّ العثور على شهادات للناجين أو وثائق ذات صلة". قال المؤرخ اليهودي - الفرنسي المهمّ، بنجامين ستورا، والذي تخصّص في تاريخ شمال إفريقيا، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرا: "كُتب الكثير عن تعاون المسلمين مع النازيين، ولكن لا يعلم الكثيرون أنّ المسلمين ساعدوا اليهود. لا تزال هناك قصص يجب أن تُحكى وتُكتب".
ينبغي لقصص المسلمين الذين أظهروا الشفقة تجاه اليهود في فترة الهولوكوست أن تكون معروفة لجمهور أوسع، ولكن لسبب ما لا تزال مجهولة، ربما بسبب الانشغال بالصراع العربي - اليهودي وتعاظمه في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية.
في كراسة تم نشرها قبل نحو عقد تحت عنوان "دور المسلمين من أنصار الشعب اليهودي" تم بفخر توثيق قصص لمسلمين كُثر خبّأوا يهودا في منازلهم، مزارعهم وأماكن عملهم في فترة الهولوكوست. الأبطال الموصوفون في الكتاب هم عرب من شمال إفريقيا وأوروبا الشرقية.
عام 2006، نشر الباحث روبيرت ساتلوف كتابا باسم "من أنصار الشعب اليهودي: قصص مفقودة من الهولوكوست في البلاد العربية"، والتي أظهرت الأخبار الجيدة عن الرحمة العربية في سياق واقعي. في مقال في "واشنطن بوست"، صرّح قائلا "لم يكن العرب في تلك البلاد مختلفين كثيرا عن الأوروبيين: حيث تدور حربٌ حولهم، معظمهم وقف جانبا ولم يفعل شيئا، وشارك الكثيرون بشكل كامل وبمحض الإرادة في اضطهاد اليهود، وساعد القليل من الشجعان على إنقاذ اليهود".
أطفال يهود في معسكرات الإعتقال خلال فترة احرب العالمية الثانية (AFP)
مع الأسف الشديد، ككل موضوع آخر متعلق بالشرق الأوسط، يُنظر إلى سلوك المسلمين في فترة الهولوكوست من منظور الصراع العربي الإسرائيلي الحالي. ويضيف الإعلام الغربي مزيدا من التشويه عندما يؤكد باستمرار على خطاب الساسة العرب والإيرانيين الاستفزازيين الذين ينفون أو يطمسون الهولوكوست. نتيجة لذلك، فإنّ الكثيرين في إسرائيل والغرب يفترضون بأنّ التقارير حول البطولة الأخلاقية للعرب أو المسلمين في فترة النازيين هي محاولة لصرف النظر عن الخطاب السياسي المشحون اليوم.
قصة الإمام الذي أنقذ مطربا يهوديا من النازيين
حديقة وصومعة المسجد الكبير في باريس (Wikipedia)
من حين لآخر نشهد قصصا ملهمة ترتفع إلى السطح وتُوثق حالات إنقاذ يهود من الماكينة النازية التي اضطهدت اليهود في كل ركن في أوروبا. هذه إحدى القصص المعروفة التي حظيت بتجسيد سينمائي في فرنسا عام 2012.
كان سليم الهلالي نجما كبيرا في سماء فرنسا والمغرب في أواسط القرن الماضي. وصل المطرب اليهودي، الذي وُلد عام 1920 لأسرة فقيرة في الجزائر، إلى فرنسا عندما كان في سن الرابعة عشرة. خلال بضع سنوات، علا صيته باعتباره "المطرب" الشرقي الأفضل في أوروبا.
يقع المسجد الذي يوجد في وسط قصة إنقاذ المطرب اليهودي في مبنى مثير للإعجاب مثل قلعة له سقف أخضر بارز، ويمتدّ على شارع كامل في الضفة اليسرى الشهيرة لباريس، المدينة التي عاشت قبل نحو أسبوع أحداثا دموية بصورة مذبحة رسامي مجلة "شارلي ايبدو" والمذبحة القاسية في السوبر ماركت. أقامت الحكومة الفرنسية هذا المسجد الشهير عام 1926 كتقدير للجنود المسلمين الذين قُتلوا في الحرب العالمية الأولى في خدمة فرنسا ومن أجل تعزيز العلاقات بين الدولة والمهجرين العرب الذين عاشوا فيها وطريقهم في البلاد التي جاؤوا منها.
الإمام سي قدور بن غبريت
بعد احتلال فرنسا من قبل ألمانيا النازية، عام 1940، بدأت حكومة فيشي باضطهاد اليهود. كانت حياة هلالي وآلاف اليهود المهاجرين من شمال إفريقيا إلى باريس في خطر. كان يبلغ عشرين عاما من عمره وكان مهاجر شاب في مدينة أجنبية. علمت السلطات بجذوره اليهودية، وقامت بمضايقته.
عندما ازداد الخطر توجّه هلالي إلى المسجد وطلب مساعدة مؤسسه والإمام الرئيسي فيه، سي قدور بن غبريت. وبشكل مماثل لهلالي، فقد كان هو أيضًا من مواليد الجزائر، حيث قادته ظروف حياته إلى فرنسا. كالكثيرين غيره، فقد قدّر هو أيضًا الموهبة الكبيرة لدى المطرب الشاب.
لم يخِب بن غبريت أمل هلالي. وفّر له بداية بطاقة هوية مزيّفة لمسلم، من أجل الدفاع عنه من القوانين العنصرية، التي ضيّقت على تحرّكات اليهود. في وقت لاحق، عندما كان هناك خطر من انكشاف تزييف الهوية، أمر بطمس هويّته اليهودية بشكل أكبر. صدر عن وفد المسجد اسم جدّ هلالي على شاهد قبر مهجور في المقبرة الإسلامية المجاورة. في أحد الأيام، تم القبض على هلالي من قبل النازيين واقتيد إلى المقبرة حيث وُجّه مسدّس إلى صدغه. فقط عندما استطاع التعرّف على الشاهد المزيّف وأن يثبت كما يفترض بأنّ جدّه كان مسلما، تم إطلاق سراحه.
وهكذا، برعاية مسجد باريس، تم إنقاذ حياة هلالي، وفي فترة الحرب اعتاد على الظهور داخل المسجد، وسط هتافات الزائرين. بعد تحرير فرنسا، عام 1944، أصبح مطرب الشمال إفريقي الأشهر في فرنسا. عُقدت حفلات كبيرة في النادي الذي أسسه في باريس عام 1947 وتمت استضافة شخصيات رفيعة المستوى. في وقت لاحق، أسس في الدار البيضاء في المغرب أكبر ملهى ليلي في شمال إفريقيا.
"بيسا"- كلمة الشرف لمسلمين ألبان أنقذوا اليهود خلال الهولوكوست
السيدة ليما بالة ، ألبانية أنقذت يهود خلال الحرب العالمية الثانية (Yad Va Shem)
عام 1934، كتب سفير الولايات المتحدة في ألبانيا: "ليس هناك تمييز ضدّ اليهود في ألبانيا، لأن ألبانيا هي واحدة من تلك الدول النادرة في أوروبا اليوم، والتي لا يوجد فيها آراء مسبقة على خلفية دينية ولا يوجد كراهية إطلاقا، رغم أن الألبان أنفسهم ينقسمون لثلاثة أديان مختلفة".
ألبانيا، دولة صغيرة جبلية، تقع جنوب شرق خط الساحل في شبه جزيرة البلقان، كان عدد سكانها في فترة الحرب العالمية الثانية نحو 803,000 نسمة من بينهم 200 يهودي فقط. بعد صعود هتلر إلى الحكم عام 1933، بحث الكثير من اليهود عن ملجأ في ألبانيا. ليست هناك أرقام دقيقة حول أعدادهم، ولكن وفقا للمصادر المختلفة فقد فرّ إلى ألبانيا بين 600 إلى 1,800 لاجئ يهودي، من ألمانيا، النمسا، صربيا، اليونان ويوغوسلافيا، على أمل أن يستمرّوا من هناك في طريقهم إلى فلسطين أو مكان لجوء آخر.
مع الاحتلال الألماني في أيلول عام 1943، وبشكل استثنائي، رفض المواطنون الألبان الامتثال للمحتلّ بتقديم قائمة اليهود الذين يعيشون داخل حدود البلاد. علاوة على ذلك، وفرت أذرع السلطة المختلفة للكثير من الأسر اليهودية وثائق مزيّفة ساعدتهم في الاختلاط مع سائر مواطني ألبانيا. لم يدافع الألبان عن المواطنين اليهود فحسب، وإنما قدّموا أيضًا ملجأ للاجئين اليهود الذين قدِموا إليها من دول أخرى. كان هؤلاء بشكل أساسيّ لاجئين يهود، قدِموا إلى ألبانيا وهي لا تزال تحت الحكم الإيطالي، ووجدوا أنفسهم تحت خطر الطرد إلى معسكرات الاعتقال.
كانت المساعدة الاستثنائية التي حظي بها اليهود تعود إلى كود بيسا "الشرف" والذي يمثّل حتى اليوم الكود الأخلاقي الأعلى في البلاد. معنى بيسا هو "الوفاء بالوعد". الشخص الذي يحافظ على البيسا هو شخص يفي بكلمته، شخص سيحافظ على حياتك وحياة أسرتك بكلمته. قام الألبان بإنقاذ اليهود بشكل استثنائي، بل وتنافسوا بينهم على حق الإنقاذ. كل ذلك على أساس الحبّ الإنساني والرغبة في مساعدة البشر المحتاجين للمساعدة حتى لو كانوا من أبناء دين آخر. نجحت ألبانيا، وهي الدولة الأوروبية الوحيدة ذات غالبية مسلمة، في الدور الذي فشلت فيه دول أوروبية أخرى، فتم إنقاذ غالبية اليهود الذين عاشوا داخل حدودها خلال الاحتلال الألماني، من اليهود الألبان واللاجئين اليهود من دول أخرى، باستثناء بضعة أفراد من أسرة واحدة. ومن المثير للدهشة أن عدد اليهود في ألبانيا لدى انتهاء الحرب العالمية الثانية كان أكبر ممّا كان عند بدايتها.
عائلات مسلمة ويهودية تعيش معاً في سراييفو في فترة الحرب العالمية الثانية (Yad Va Shem)
وهذه ليست هي القصص الوحيدة. تم الحصول على الشهادة الرئيسية على سبيل المثال لكون المسجد الكبير في باريس قد شارك في إنقاذ اليهود في فترة الحرب العالمية الثانية، من يهودي من شمال إفريقيا فرّ من ألمانيا إلى فرنسا في فترة الهولوكوست ووجد ملجأ في مسجد في باريس. كتب في مقال نشره في مجلة فرنسية عام 1983 بأنّه "ما لا يقلّ عن 1,732 من "مقاتلي المقاومة" وجدوا ملجأ في الطابق السفلي للمسجد"، وأشار إلى أنّ معظمهم كانوا من اليهود. وأضاف أيضًا، أنّ الإمام "خاطر جدّا" عندما خبّأ اليهود، ووفّر لهم - وللكثير من الأطفال من ضمنهم - هويات مسلمين.
ومع ذلك، ليس هناك أي توثيق لأسماء اليهود الذين حصلوا كما يُفترض على الرعاية من المسجد، وهو الأمر الذي يصعّب على الباحثين التحقّق من هذه القصة أو تحديد نطاقها وأبعادها.
في قائمة أنصار الشعب اليهودي التي أصدرها متحف "ياد فاشيم" هناك ما يقارب 24 ألف شخص. عشرات منهم فقط هم من المسلمين. قبل عدة سنوات، طُلب من "ياد فاشيم" أيضًا البتّ في الموضوع، ودقّق في قصة إنقاذ اليهود في المسجد. "قام ياد فاشيم بجهود كبيرة من أجل تحديد الناجين الذين أنقذهم بن غبريت في فترة الهولوكوست وعمل كثيرا أيضا من أجل جمع التوثيق الأرشيفي المتعلق بأعمال الإنقاذ في المسجد في باريس، بل وتوجّه إلى أرشيف المسجد"، هذا ما نُقل عن ياد فاشيم (متحف الهولوكوست الرئيسي في القدس). ومع ذلك، "ذهبت كل الجهود سدى. لم يتمّ العثور على شهادات للناجين أو وثائق ذات صلة". قال المؤرخ اليهودي - الفرنسي المهمّ، بنجامين ستورا، والذي تخصّص في تاريخ شمال إفريقيا، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرا: "كُتب الكثير عن تعاون المسلمين مع النازيين، ولكن لا يعلم الكثيرون أنّ المسلمين ساعدوا اليهود. لا تزال هناك قصص يجب أن تُحكى وتُكتب".