كوماندوز اسرائيليين في العباسيه / أحمد بيبرس
هذه القصة تدل على قمة التخبط الإسرائيلى بعد أسر هذا العدد الذى يعد كبيرا من طياريها وملاحيها فى غضون أشهر قليلة لدرجة أن إسرائيل فكرت فى القيام بعملية متهورة مجنونة على مشارف القاهرة لتحرير أسراها فى عملية كوماندوز متهورة غير مضمونة النجاح.
كانت مجلة روزاليوسف المصرية فى أواسط التسعينيات من القرن الماضى متخصصة فى النبش والتنقيب فى أحشاء المجتمع الإسرائيلى بصفة عامة وتسجيل ردود أفعاله وكتابات رجال وقادة إسرائيل وضباطها وجنودها عن حرب أكتوبر 73 بصفة خاصة ومن ثم نشرها على صفحاتها ليطلع عليها قراء المجلة من الجمهور المصرى والعربى وفى عددها فى الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 1996 وبمناسبة مرور 22 عاماً على ذكرى نصر حرب أكتوبر عرضت المجلة هذا المقال الخطير تحت نفس العنوان المشار إليه بأعلاه عن تفاصيل عملية إسرائيلية خطيرة كانت قيد الإعداد للتنفيذ وذلك من واقع صحيفة (معاريف) الإسرائيلية نفسها
كتب الكاتب توحيد مجدي بروزاليوسف:
(( الزمان : يونيو 1973 والمكان داخل أحد المكاتب الرئيسية فى داخل مبنى رئاسة الأركان الإسرائلية بتل أبيب كان هناك يونى نتنياهو ، إيهود باراك ، إبراهام أرنون وخمسة من المقاتلين الشباب بالجيش الإسرائيلى .
والهدف هو بدء التدريب السرى جداً على عملية ( سجن العباسية ) لإنقاذ الأسرى الإسرائليين حيث تجمع به عدد من الطيارين المهمين جداً لإسرائيل فى تلك الفترة بعد سقوطهم فى الأسر عقب تحطم طائراتهم فى سماء مصر .
وفى مكتب باراك فى هذا اليوم تجمعوا جميعاً معاً لأول مرة للتعارف ، وعلى مائدة الجلسة جلس (أورن موست) 22 عاماً مقاتل بوحدة 707 التابعة للكوماندوز البحرى الإسرائيلى
(( ميخائيل أهرنسون )) 18 عاماً مجند جديد للجيش له ثمانية أشهر فقط بوحدة ماتكال ،
دانى أقنون ضابط رقى حديثاً للملازم ،
((يوناثان ديقيس)) 22 عاماً خريج حديث من الجامعة قسم العلاقات الدولية ومجند بسلاح المظلات
((أفى بوتكر)) مقاتل 22 عاماً بوحدة إيجوز .
هذه الفرقة القليلة العدد والخبرة أيضاً جلست تتعارف ، وإستمعوا لأول كلام عن نوع العملية التى تمت دعوتهم لهذا المكتب فى هذا اليوم بسببها وفى نهاية الجلسة دون أن يعرف أحد منهم السبب المباشر لتجمعهم .
دعاهم إيهود باراك القائد المحنك لتوقيع بعض الأوراق أمامه فى هذه اللحظة عرف الموجودون إنها ليست عملية سهلة أو بسيطة وبدأ الجميع يمسكون بالمستندات التى طلب منهم التوقيع عليها .
وفوجئوا بأن المستندات تحمل شعار وإسم الموساد الإسرائيلى وسرح الجميع فى علاقاتهم والموساد ، ومادخلهم فى مستنداته ؟ وأنهى باراك الصمت المشوب بمئات الأسئلة بقوله : إنها مستندات للتعهد بعدم إفشاء الأسرار .
ولم يكن أحد من هؤلاء الشباب معتاداً على هذه الطريقة بالجيش لكنها أعجبتهم وأشعلت فيهم روح الغموض والمغامرة مع أنهم مازالوا لايعرفون شيئاً عن القادم .
إنتهت الجلسة الغريبة بأن قدم باراك لكل مقاتل تصريحاً بالأجازة لمدة ثلاثة أشهر كاملة من الجيش ! وأكد باراك ومن معه على كل جندى من الموجودين بألا يقوم أحد منهم أبداً بالإتصال بوحدته الأصلية مهما كان الأمر وإن دعت الحاجة القصوى فسوف يسلمهم رقم تليفون معيناً يتصلون به عند الضرورة فقط
إنتهت الأجازة الجبرية وتمت دعوة الجميع ثانية إلى أحد معسكرات الشرطة فى هذا الوقت يدعى معسكر جاديرا وهى بلدة صغيرة قريبة من تل أبيب وفى المعسكر لدى لقائهم معاً ثانية غضب الجنود للغاية فالمفروض أن هذا المعسكر معروف عند كافة جنود القوات الخاصة الإسرائلية وقتها بأنه معسكر فرق التدريب على الوقوع فى الأسر وهى فرقة تدريب ينال فيها الجندى كل أنواع الذل والتعذيب والضرب الذى يمكن أن يتعرض له فى الأسر لو سقط .
كانت هذه المعلومة كفيلة بأن ترفع ضغط دمهم فوراً لكن يونى نتنياهو ـ الذى عرفوا أنه قائد العملية ـ هدأهم وأعلن لهم أن التدريبات على العملية الجديدة ليس لها علاقة بفرقة الوقوع بالأسر فهدأ الجميع وبدأ التدريب دون أن يعرف أحد من المقاتلين الشباب نوع العملية ومكانها .
كان التدريب مركزاً على الهجوم على مبنى مشابه تماماً لمبنى سجن العباسية المصرى كما شمل البرنامج التدريبى كيفية الحرب داخل نطاق مبانٍ عالية بمصاحبة طائرة هليكوبتر وإطلاق النيران على شبابيك مبنى السجن ،
الثابت أن الجيش الإسرائيلى كان فى هذه الفترة الحربية يعانى من نقص شديد فى طلقات صواريخR.B.Gالمحمولة على الكتف للتدريب / وكان أهم شيئ من المفروض على الفرقة تعلمه هو الجرى السريع وتغيير الطلقات أثناء الجرى بأسرع قوة ممكنة . وفى تقدير الخسائر كتبوا فى سجل تاريخ العملية إن التقدير المخابراتى يقول أنه ستحدث خسائر هى تقريباً طائرة واحدة هليكوبتر وثلاثة قتلى من جنود الفرقة وإثنان من الأسرى المطلوب نقلهم لإسرائيل لأن هذين سيكونان جرحى أصلاً .
وأخيراً وبعد تدريب شاق حضر رئيس الأركان ساعتها ديفيد إليعازر وألقى محاضرة مدتها سبع دقائق فقط على طاقم العملية قال فيها :
(( هدفكم هو سجن العباسية بمصر والملخص هو تحرير ـ رهائن ـ أسرى سلاح الطيران الإسرائيلى من السجن ثلاثة عشر طياراً ، ومنهم ملاحان جويان أيضاً ، حظاً سعيداً ..)) هكذا ألقى عليهم إليعازر سر العملية وذهب
وبدأ شهر سبتمبر 1973 يوشك على نهايته وكانت أخر رحلة هى الكشف للفرقة عن صور ومعلومات عن الأسرى
وكان هؤلاء الأسرى هم :
1- دان أفيدان سقط فى الأسر المصرى فى المزرعة الصينية يوم 14 ديسمبر 1969
2- الطيار / آفى نوعام سقط فى الأسر يوم 9 فبراير 1970
3- موتى كوهين سقط ومعه زميله موتى بيلر يوم 11 فبراير 1970
4- ديفيد ليفى سقط ومعه زميله يائير دورى فى 30 مايو 1970
5- رامى هوفز وزميله الملاح الجوى أيال أحيقار سقطا فى الأسر يوم 30 يونيو 1970 وفى نفس اليوم سقط إثنان أخران هما إسحاق بير والملاح الجوى ديفيد يائير لكن يائير أنقذ فى أخر لحظة بواسطة هليكوبتر إسرائيلى
6- وفى 5 يوليو 1970 سقط عاموس زامير والملاح الجوى عاموس لفى طوف
7- ثم فى 18 يوليو 1970 سقط شموئيل جنيس قائد سرب فانتوم إسرائيلى ومعه كبير الملاحين الجويين لإسرائيل مناحم عيم
فى نهاية سبتمبر أعطت المخابرات الإسرائلية للفرقة أخر أجازة لها قبل التنفيذ وقيل لهم أن يتذكروا أن الإتصالات بوحداتهم الأصلية ممنوع
ومـرت أيـام ،،،، وحدثت الصدمة لإسرائيل فى حرب أكتوبر وظل مقاتلوا عملية سجن العباسية أسرى منازلهم ينفذون الأوامر بعدم الإتصال بوحداتهم حتى جاءهم الخبر اليقين بأن عليهم الإنضمام فوراً لوحداتهم لأن العملية ألغيت والحرب قامت !
.. فى الحرب سجل ملف العملية المغلق أن هنالك خمسة مقاتلين كانوا يتدربون بمكان أخر لنفس العملية قد سقطوا قتلى ولم يبقى من أفراد العملية سوى الخمسة الذين تجمعوا بمكتب رئيس الأركان فى يونيو 1973 وهم الأن ( عام 1996):
1- ميخائيل أهرنسون ـ نائب مدير مصنع للموبيليا
2- د/ دان أقنون ـ محاضر بالجامعة العبرية بالقدس
3- يوناثان ديقيس رئيس قسم العلاقات الخارجية بالجامعة العبرية بالقدس
4- آفى بوتكر ـ مهندس مدنى ومستورد شبابيك جاهزة
5- أورن موست نائب مدير شركة سيليكوم الإسرائلية حالياً .
تــلك الـقصـة كما ذكرناها كشفتها مؤخراً جريدة معاريف الإسرائلية لكن معاريف جاءت بالأسرى الإسرائليين ليدلوا بشهاداتهم عما حدث فى مصر
وفى خلال شهاداتهم ذكر الأسرى أنهم تعبوا قليلاً فى بداية التحقيقات بعد سقوطهم بالأسر لكنهم قدموا صوراً لمعاريف أخذت لهم أثناء الرحلات الترفيهية التى نظمنها لهم إدارة السجن وهى صور تدل فعلاً على كيفية معاملتهم يالسجن بمصر أما عاموس لفى توف فقد أصر مؤخراً على الطيران بطائرة خاصة إلى مصر لإستعادة ذكريات سقوطه فى الأسر فى يوم الأحد 5 يوليو 1970 بطائرته الفانتوم لكنه لم ينس أن يحضر معه هذه المرة أيضاً زميله الملاح الجوى عاموس زامير ))
تــعــقــيــب عــام ،،،
ــ هذه القصة تدل على قمة التخبط الإسرائيلى بعد أسر هذا العدد الذى يعد كبيرا من طياريها وملاحيها فى غضون أشهر قليلة لدرجة أن إسرائيل فكرت فى القيام بعملية متهورة مجنونة على مشارف القاهرة لتحرير أسراها فى عملية كوماندوز متهورة غير مضمونة النجاح
ــ سبق أن قامت القوات الأمريكية عام 1972 إبان حرب فيتنام بمحاولة لتحرير جنودها الأسرى من قبضة مقاتلوا فيتنام الشمالية (الفيتوكونج ) من داخل أحد سجونهم ووصلت طائرات الهليكوبتر الأمريكية إلى موقع السجن المقصود وقامت وحدات المارينز بعد إبرارها من الهليكوبترات بالإشتباك فى معركة دامية مع حراس السجن إنتهت بالقضاء علي الحراس والإستيلاء على مبنى السجن نفسه لكن فوجئ الأمريكان أن أسراهم غير موجودين بمبنى السجن حيث تم نقلهم إلى سجن أخر لا تعلم عنه القوات الأمريكية شيئاً قبل تنفيذ العملية
وعلى ما يبدو أن إسرائيل فكرت أن تحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية فى ذلك المضمار متوقعة أن تحقق نجاحاً يحسب لها ويكون ضربة موجعة مهينة لكرامة مصر وجيشها فيما لونجحت عمليتها الجريئة فى العاصمة المصرية لإستخلاص أسرى العدو ال 13 من قلب سجن العباسية
ــ قطعا كان العدو يعتمد على عميل أو عملاء محليون نقلوا له وصفاً دقيقاً لمبنى السجن وموقعه بالعباسية داخل العاصمة المصرية ومكان زنازين جنود وطيارين العدو الإسرائيلى ومتضمنا رسما كروكيا مفصلاً تم على أثره إجراء تلك التدريبات المكثفة داخل إطار الخطة الإسرائلية الموضوعة لتحرير الأسرى
والسؤال الأن هل نجا هذا الجاسوس الإفتراضى من العقاب أم سقط فى قبضة المخابرات المصرية بعد ذلك لينال جزاء خيانته ؟
ــ لا يستطبع المرء أن يمنع نفسه من التساؤل والتخيل فيما لو لم تقم حرب أكتوبر فى ذلك التوقيت واليوم التى وقعت فيه وتسنى لإسرائيل إختبار عضلاتها من خلال تلك العملية ماذا كانت ستكون النتيجة على طريقة أفلام رامبو وسلفستر ستالونى هل كان سيكتب لها النصر وتتمكن القوات الخاصة الإسرائلية من تنفيذ مهمتها بنجاح وإستخلاص الثلاث عشر أسيراً من قبضتنا أم سيتضاعف عدد الأسرى الإسرائليين بإنضمام أخرين إليهم وسقوط أعداد أخرى من القتلى فى صفوف القوات المهاجمة إذا كان رد الفعل المصرى سريعا وتحركت قوات الشرطة والجيش القريبة بسرعة وحاصرت قوات الكوماندوز الإسرائلية فى العباسية مع تمكن طيراننا من إعتراض سبيل الهليكوبترات الإسرائيلية المغيرة فوق سماء القاهرة والتعامل معها فى الوقت المناسب لو كانت الإجابة على هذه الأسئلة والإستفسارات بنجاح إسرائيل فى مهمتها فلنحمد الله سبحانه وتعالى على قيام حرب أكتوبر فى الوقت المناسب حيث إضطرت إسرائيل إلى إلغاء تلك العملية الخطيرة فيما لو نجحت الخطة الإسرائلية ولو كانت الإجابة على التساؤلات والتخيلات بنجاح مصر فى إلحاق هزيمة قاسية بقوات العدو فى العباسية فقد إدخر القدر هزيمة أخرى أكبر وأشنع لإسرائيل على رمال سيناء تمثلت فى هزيمتها فى حرب السادس من اكتوبر والقضاء للأبد على أسطورة جيش العدو الذى لايقهر ،،،،،،،،،
عن موقع المجموعة 73 مؤرخين
هذه القصة تدل على قمة التخبط الإسرائيلى بعد أسر هذا العدد الذى يعد كبيرا من طياريها وملاحيها فى غضون أشهر قليلة لدرجة أن إسرائيل فكرت فى القيام بعملية متهورة مجنونة على مشارف القاهرة لتحرير أسراها فى عملية كوماندوز متهورة غير مضمونة النجاح.
كانت مجلة روزاليوسف المصرية فى أواسط التسعينيات من القرن الماضى متخصصة فى النبش والتنقيب فى أحشاء المجتمع الإسرائيلى بصفة عامة وتسجيل ردود أفعاله وكتابات رجال وقادة إسرائيل وضباطها وجنودها عن حرب أكتوبر 73 بصفة خاصة ومن ثم نشرها على صفحاتها ليطلع عليها قراء المجلة من الجمهور المصرى والعربى وفى عددها فى الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 1996 وبمناسبة مرور 22 عاماً على ذكرى نصر حرب أكتوبر عرضت المجلة هذا المقال الخطير تحت نفس العنوان المشار إليه بأعلاه عن تفاصيل عملية إسرائيلية خطيرة كانت قيد الإعداد للتنفيذ وذلك من واقع صحيفة (معاريف) الإسرائيلية نفسها
كتب الكاتب توحيد مجدي بروزاليوسف:
(( الزمان : يونيو 1973 والمكان داخل أحد المكاتب الرئيسية فى داخل مبنى رئاسة الأركان الإسرائلية بتل أبيب كان هناك يونى نتنياهو ، إيهود باراك ، إبراهام أرنون وخمسة من المقاتلين الشباب بالجيش الإسرائيلى .
والهدف هو بدء التدريب السرى جداً على عملية ( سجن العباسية ) لإنقاذ الأسرى الإسرائليين حيث تجمع به عدد من الطيارين المهمين جداً لإسرائيل فى تلك الفترة بعد سقوطهم فى الأسر عقب تحطم طائراتهم فى سماء مصر .
وفى مكتب باراك فى هذا اليوم تجمعوا جميعاً معاً لأول مرة للتعارف ، وعلى مائدة الجلسة جلس (أورن موست) 22 عاماً مقاتل بوحدة 707 التابعة للكوماندوز البحرى الإسرائيلى
(( ميخائيل أهرنسون )) 18 عاماً مجند جديد للجيش له ثمانية أشهر فقط بوحدة ماتكال ،
دانى أقنون ضابط رقى حديثاً للملازم ،
((يوناثان ديقيس)) 22 عاماً خريج حديث من الجامعة قسم العلاقات الدولية ومجند بسلاح المظلات
((أفى بوتكر)) مقاتل 22 عاماً بوحدة إيجوز .
هذه الفرقة القليلة العدد والخبرة أيضاً جلست تتعارف ، وإستمعوا لأول كلام عن نوع العملية التى تمت دعوتهم لهذا المكتب فى هذا اليوم بسببها وفى نهاية الجلسة دون أن يعرف أحد منهم السبب المباشر لتجمعهم .
دعاهم إيهود باراك القائد المحنك لتوقيع بعض الأوراق أمامه فى هذه اللحظة عرف الموجودون إنها ليست عملية سهلة أو بسيطة وبدأ الجميع يمسكون بالمستندات التى طلب منهم التوقيع عليها .
وفوجئوا بأن المستندات تحمل شعار وإسم الموساد الإسرائيلى وسرح الجميع فى علاقاتهم والموساد ، ومادخلهم فى مستنداته ؟ وأنهى باراك الصمت المشوب بمئات الأسئلة بقوله : إنها مستندات للتعهد بعدم إفشاء الأسرار .
ولم يكن أحد من هؤلاء الشباب معتاداً على هذه الطريقة بالجيش لكنها أعجبتهم وأشعلت فيهم روح الغموض والمغامرة مع أنهم مازالوا لايعرفون شيئاً عن القادم .
إنتهت الجلسة الغريبة بأن قدم باراك لكل مقاتل تصريحاً بالأجازة لمدة ثلاثة أشهر كاملة من الجيش ! وأكد باراك ومن معه على كل جندى من الموجودين بألا يقوم أحد منهم أبداً بالإتصال بوحدته الأصلية مهما كان الأمر وإن دعت الحاجة القصوى فسوف يسلمهم رقم تليفون معيناً يتصلون به عند الضرورة فقط
إنتهت الأجازة الجبرية وتمت دعوة الجميع ثانية إلى أحد معسكرات الشرطة فى هذا الوقت يدعى معسكر جاديرا وهى بلدة صغيرة قريبة من تل أبيب وفى المعسكر لدى لقائهم معاً ثانية غضب الجنود للغاية فالمفروض أن هذا المعسكر معروف عند كافة جنود القوات الخاصة الإسرائلية وقتها بأنه معسكر فرق التدريب على الوقوع فى الأسر وهى فرقة تدريب ينال فيها الجندى كل أنواع الذل والتعذيب والضرب الذى يمكن أن يتعرض له فى الأسر لو سقط .
كانت هذه المعلومة كفيلة بأن ترفع ضغط دمهم فوراً لكن يونى نتنياهو ـ الذى عرفوا أنه قائد العملية ـ هدأهم وأعلن لهم أن التدريبات على العملية الجديدة ليس لها علاقة بفرقة الوقوع بالأسر فهدأ الجميع وبدأ التدريب دون أن يعرف أحد من المقاتلين الشباب نوع العملية ومكانها .
كان التدريب مركزاً على الهجوم على مبنى مشابه تماماً لمبنى سجن العباسية المصرى كما شمل البرنامج التدريبى كيفية الحرب داخل نطاق مبانٍ عالية بمصاحبة طائرة هليكوبتر وإطلاق النيران على شبابيك مبنى السجن ،
الثابت أن الجيش الإسرائيلى كان فى هذه الفترة الحربية يعانى من نقص شديد فى طلقات صواريخR.B.Gالمحمولة على الكتف للتدريب / وكان أهم شيئ من المفروض على الفرقة تعلمه هو الجرى السريع وتغيير الطلقات أثناء الجرى بأسرع قوة ممكنة . وفى تقدير الخسائر كتبوا فى سجل تاريخ العملية إن التقدير المخابراتى يقول أنه ستحدث خسائر هى تقريباً طائرة واحدة هليكوبتر وثلاثة قتلى من جنود الفرقة وإثنان من الأسرى المطلوب نقلهم لإسرائيل لأن هذين سيكونان جرحى أصلاً .
وأخيراً وبعد تدريب شاق حضر رئيس الأركان ساعتها ديفيد إليعازر وألقى محاضرة مدتها سبع دقائق فقط على طاقم العملية قال فيها :
(( هدفكم هو سجن العباسية بمصر والملخص هو تحرير ـ رهائن ـ أسرى سلاح الطيران الإسرائيلى من السجن ثلاثة عشر طياراً ، ومنهم ملاحان جويان أيضاً ، حظاً سعيداً ..)) هكذا ألقى عليهم إليعازر سر العملية وذهب
وبدأ شهر سبتمبر 1973 يوشك على نهايته وكانت أخر رحلة هى الكشف للفرقة عن صور ومعلومات عن الأسرى
وكان هؤلاء الأسرى هم :
1- دان أفيدان سقط فى الأسر المصرى فى المزرعة الصينية يوم 14 ديسمبر 1969
2- الطيار / آفى نوعام سقط فى الأسر يوم 9 فبراير 1970
3- موتى كوهين سقط ومعه زميله موتى بيلر يوم 11 فبراير 1970
4- ديفيد ليفى سقط ومعه زميله يائير دورى فى 30 مايو 1970
5- رامى هوفز وزميله الملاح الجوى أيال أحيقار سقطا فى الأسر يوم 30 يونيو 1970 وفى نفس اليوم سقط إثنان أخران هما إسحاق بير والملاح الجوى ديفيد يائير لكن يائير أنقذ فى أخر لحظة بواسطة هليكوبتر إسرائيلى
6- وفى 5 يوليو 1970 سقط عاموس زامير والملاح الجوى عاموس لفى طوف
7- ثم فى 18 يوليو 1970 سقط شموئيل جنيس قائد سرب فانتوم إسرائيلى ومعه كبير الملاحين الجويين لإسرائيل مناحم عيم
فى نهاية سبتمبر أعطت المخابرات الإسرائلية للفرقة أخر أجازة لها قبل التنفيذ وقيل لهم أن يتذكروا أن الإتصالات بوحداتهم الأصلية ممنوع
ومـرت أيـام ،،،، وحدثت الصدمة لإسرائيل فى حرب أكتوبر وظل مقاتلوا عملية سجن العباسية أسرى منازلهم ينفذون الأوامر بعدم الإتصال بوحداتهم حتى جاءهم الخبر اليقين بأن عليهم الإنضمام فوراً لوحداتهم لأن العملية ألغيت والحرب قامت !
.. فى الحرب سجل ملف العملية المغلق أن هنالك خمسة مقاتلين كانوا يتدربون بمكان أخر لنفس العملية قد سقطوا قتلى ولم يبقى من أفراد العملية سوى الخمسة الذين تجمعوا بمكتب رئيس الأركان فى يونيو 1973 وهم الأن ( عام 1996):
1- ميخائيل أهرنسون ـ نائب مدير مصنع للموبيليا
2- د/ دان أقنون ـ محاضر بالجامعة العبرية بالقدس
3- يوناثان ديقيس رئيس قسم العلاقات الخارجية بالجامعة العبرية بالقدس
4- آفى بوتكر ـ مهندس مدنى ومستورد شبابيك جاهزة
5- أورن موست نائب مدير شركة سيليكوم الإسرائلية حالياً .
تــلك الـقصـة كما ذكرناها كشفتها مؤخراً جريدة معاريف الإسرائلية لكن معاريف جاءت بالأسرى الإسرائليين ليدلوا بشهاداتهم عما حدث فى مصر
وفى خلال شهاداتهم ذكر الأسرى أنهم تعبوا قليلاً فى بداية التحقيقات بعد سقوطهم بالأسر لكنهم قدموا صوراً لمعاريف أخذت لهم أثناء الرحلات الترفيهية التى نظمنها لهم إدارة السجن وهى صور تدل فعلاً على كيفية معاملتهم يالسجن بمصر أما عاموس لفى توف فقد أصر مؤخراً على الطيران بطائرة خاصة إلى مصر لإستعادة ذكريات سقوطه فى الأسر فى يوم الأحد 5 يوليو 1970 بطائرته الفانتوم لكنه لم ينس أن يحضر معه هذه المرة أيضاً زميله الملاح الجوى عاموس زامير ))
تــعــقــيــب عــام ،،،
ــ هذه القصة تدل على قمة التخبط الإسرائيلى بعد أسر هذا العدد الذى يعد كبيرا من طياريها وملاحيها فى غضون أشهر قليلة لدرجة أن إسرائيل فكرت فى القيام بعملية متهورة مجنونة على مشارف القاهرة لتحرير أسراها فى عملية كوماندوز متهورة غير مضمونة النجاح
ــ سبق أن قامت القوات الأمريكية عام 1972 إبان حرب فيتنام بمحاولة لتحرير جنودها الأسرى من قبضة مقاتلوا فيتنام الشمالية (الفيتوكونج ) من داخل أحد سجونهم ووصلت طائرات الهليكوبتر الأمريكية إلى موقع السجن المقصود وقامت وحدات المارينز بعد إبرارها من الهليكوبترات بالإشتباك فى معركة دامية مع حراس السجن إنتهت بالقضاء علي الحراس والإستيلاء على مبنى السجن نفسه لكن فوجئ الأمريكان أن أسراهم غير موجودين بمبنى السجن حيث تم نقلهم إلى سجن أخر لا تعلم عنه القوات الأمريكية شيئاً قبل تنفيذ العملية
وعلى ما يبدو أن إسرائيل فكرت أن تحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية فى ذلك المضمار متوقعة أن تحقق نجاحاً يحسب لها ويكون ضربة موجعة مهينة لكرامة مصر وجيشها فيما لونجحت عمليتها الجريئة فى العاصمة المصرية لإستخلاص أسرى العدو ال 13 من قلب سجن العباسية
ــ قطعا كان العدو يعتمد على عميل أو عملاء محليون نقلوا له وصفاً دقيقاً لمبنى السجن وموقعه بالعباسية داخل العاصمة المصرية ومكان زنازين جنود وطيارين العدو الإسرائيلى ومتضمنا رسما كروكيا مفصلاً تم على أثره إجراء تلك التدريبات المكثفة داخل إطار الخطة الإسرائلية الموضوعة لتحرير الأسرى
والسؤال الأن هل نجا هذا الجاسوس الإفتراضى من العقاب أم سقط فى قبضة المخابرات المصرية بعد ذلك لينال جزاء خيانته ؟
ــ لا يستطبع المرء أن يمنع نفسه من التساؤل والتخيل فيما لو لم تقم حرب أكتوبر فى ذلك التوقيت واليوم التى وقعت فيه وتسنى لإسرائيل إختبار عضلاتها من خلال تلك العملية ماذا كانت ستكون النتيجة على طريقة أفلام رامبو وسلفستر ستالونى هل كان سيكتب لها النصر وتتمكن القوات الخاصة الإسرائلية من تنفيذ مهمتها بنجاح وإستخلاص الثلاث عشر أسيراً من قبضتنا أم سيتضاعف عدد الأسرى الإسرائليين بإنضمام أخرين إليهم وسقوط أعداد أخرى من القتلى فى صفوف القوات المهاجمة إذا كان رد الفعل المصرى سريعا وتحركت قوات الشرطة والجيش القريبة بسرعة وحاصرت قوات الكوماندوز الإسرائلية فى العباسية مع تمكن طيراننا من إعتراض سبيل الهليكوبترات الإسرائيلية المغيرة فوق سماء القاهرة والتعامل معها فى الوقت المناسب لو كانت الإجابة على هذه الأسئلة والإستفسارات بنجاح إسرائيل فى مهمتها فلنحمد الله سبحانه وتعالى على قيام حرب أكتوبر فى الوقت المناسب حيث إضطرت إسرائيل إلى إلغاء تلك العملية الخطيرة فيما لو نجحت الخطة الإسرائلية ولو كانت الإجابة على التساؤلات والتخيلات بنجاح مصر فى إلحاق هزيمة قاسية بقوات العدو فى العباسية فقد إدخر القدر هزيمة أخرى أكبر وأشنع لإسرائيل على رمال سيناء تمثلت فى هزيمتها فى حرب السادس من اكتوبر والقضاء للأبد على أسطورة جيش العدو الذى لايقهر ،،،،،،،،،
عن موقع المجموعة 73 مؤرخين