فجر اكتشاف جرائم التعذيب البشعة التى ارتكبها الجنود الأمريكيون والمرتزقة فى سجن أبوغريب وغيره من السجون العراقية، فى معتقل جوانتانامو أيضا، العديد من القضايا السياسية والعسكرية والاجتماعية والقانونية، وشكلت فى مجملها أزمة سياسية كبرى لصانعى ومتخذى القرار الأمريكى، لما سيكون لهذه الفضيحة من انعكاسات على السياسة والاستراتيجية الأمريكية مستقبلا.
حيث صادف توقيت الكشف عنها سخونة الحملة الانتخابية بين بوش الجمهورى وكيرى الديمقراطى وما يواجه الاحتلال الأمريكى للعراق من انتقادات بسبب تصاعد الخسائر البشرية والمادية الأمريكية هناك، كما سبقتها حملة اتهامات بالتقصير وجهها الكونجرس إلى مسئولى إدارة بوش فيما يتعلق بأحداث 11 سبتمبر 2001.
وإذا كانت هناك للأسف الشديد من حسنة تذكر فى هذه المأساة، فهى شجاعة الإعلام الأمريكى فى كشف أبعاد فضيحة أبوغريب، ولولا إصرار شبكة CBS التى أظهرت الصور الأولى التى بثتها فى قنواتها المرئية فى 29 أبريل الماضى، وما تلا ذلك من حملات إعلامية شرسة شنتها باقى وسائل الإعلام الأمريكية، ما كان العالم قد عرف شيئا عن فضائح وفظائع التعذيب فى سجن أبوغريب فقد بدأت عملية الكشف عن عمليات التعذيب فى أبوغريب بواسطة بعض الجنود الأمريكيين الذين كان لديهم بعض من صحوة ضمير وسربوها لوسائل الإعلام الأمريكية التى نشرتها على نطاق واسع فى أوائل مايو الماضى عملا بحرية الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام الأمريكية، وهى ركيزة أساسية فى نظام المجتمع الأمريكى لا يمكن إنكارها، وحرصا بالطبع على السبق الصحفى، ثم توالت التعليقات فى وسائل الإعلام الأمريكية خاصة من جانب المعارضين للحملة الأمريكية فى العراق، سواء فى الحزب الديمقراطى أو فى الحزب الجمهورى، وجميعها بلا استثناء تقريبا أدانت هذه الأعمال الإجرامية، واعتبرتها عارا وسبة فى جبين الأمريكيين جميعا سواء منهم العسكريون والمدنيون فكان أن أعلن بوش عن اشمئزازه وإدانته واستنكاره لهذه الأعمال الإجرامية، وأكد على محاكمة مرتكبيها وأن ثلاثين تحقيقا تم فتحها حول هذه الجرائم، وأبدى اعتذاره للشعبين العراقى والأمريكى، ووعد بتعويض المتضررين واتخاذ إجراءات تكفل عدم تكرارها كما بذل جهدا كبيرا فى محاولة إقناع العالم بأن هذه الأعمال الإجرامية لا تمثل القيمة الحقيقية والأخلاقية للشعب والجيش الأمريكيين، ولكن حفنة صغيرة من الجنود ولكن فى مواجهة الدعوات المتصاعدة من أعضاء فى الكونجرس ووسائل الإعلام وعدد من كبار ضباط الجيش، والمطالبة باستقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد باعتباره المسئول السياسى الأول عن هذه الفضيحة، أعلن بوش تمسكه بوزير دفاعه قائل: إنه يؤدى عملا رائعا فى مكافحة الإرهاب على مستوى العالم، وإن قيادته للبنتاجون حكيمة وشجاعة وله أداء رائع، وإن الأمة ممتنة لجهوده وكان جون كيرى المرشح الديموقراطى للرئاسة قد جمع 275 ألف توقيع أمريكى مطالبين بإقالة رامسفيلد وكان حتما أن يتدخل أعضاء الكونجرس بمجلسيه من الحزبين الجمهورى الحاكم والديمقراطى المعارض، وتعقد جلسات الاستماع ليدلى جميع المسئولين عن هذه الفضيحة بشهاداتهم علنا أمام وسائل الإعلام الأمريكية وكان على رأسهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ورئيس الأركان المشتركة جنرال مايرز، ومساعد وزير الدفاع لشئون المخابرات ستيفن كامبرن، وقائد القيادة الوسطى الجنرال أبى زيد، وقائد القوات الأمريكية فى العراق الجنرال ريكاردو سانشير، والجنرال أنطونيو تاجوبا، الذى أعد التقرير الداخلى للجيش عن عمليات التعذيب، والجنرال رونالد يورجى مدير المخابرات العسكرية، وتوماس روسيج رئيس القسم القانونى فى سلاح البر والجنرال جيفرى ميللر المسئول عن السجون العسكرية وغيرهم وقد اعترف الجميع بمن فيهم رامسفيلد بارتكاب هذه الجرائم ومسئوليتهم عنها، وأفاد الجنرال مايرز رئيس الأركان الأمريكية المشتركة بأن المخابرات العسكرية الأمريكية تجرى تحقيقات حول الاتهامات الموجهة إلى عدد من أفراد أجهزة المخابرات الأمريكية بتشجيع أو الضغط على الجنود لتعذيب المعتقلين فى سجن أبوغريب كوسيلة للحصول على المعلومات منهم فى أثناء التحقيق معهم، وكرر مايرز محاولات كل من بوش ورامسفيلد لنفى منهجية أعمال التعذيب، وما أورده الكاتب الأمريكى الشهير سيموندهريش فى صحيفة نيويوركر حول تعرض المعتقلين لعمليات تعذيب واسعة النطاق ومنظمة وسادية وفى الوقت الذى أعلن فيه مسئول عسكرى أمريكى كبير أن الجيش الأمريكى وبخ خطيا سبعة من كبار الضباط وضباط الصف لصلتهم بهذه الفضيحة، وبما يؤدى إلى إيقاف ترقيتهم وإنهاء خدمتهم العسكرية، ذكرت (نيويورك تايمز)، بعد أن أوضحت صور ومظاهر التعذيب أن الجيش الأمريكى فعل بالمعتقلين العراقيين ما كان يفعله نظام صدام حسين من تعذيب وإهانة لهم، ومن ثم يتعين على الإدارة الأمريكية أن تفعل أكثر من مجرد الإدانة لممارسات جنودها كما كشفت الصحيفة عن حقيقة مهمة هى أن المسئولين الأمريكيين كانوا على دراية بهذه الممارسات منذ عدة أشهر، ولم يفعلوا شيئا، ويكتفى فقط باعتقال الجنود المتهمين بتسريب صور التعذيب إلى وسائل الإعلام، وطالبت بأن تشمل التحقيقات الجارية دور المقاولين المدنيين الذين يتولون مهمة إعداد المعتقلين للاستجواب بواسطة رجال المخابرات، وذلك من خلال تعذيبهم وبما يؤدى إلى انهيارهم معنويا وجسديا وإطلاق ألسنتهم أما الواشنطن بوست، فقد ذكرت أن لديها وثائق تثبت أن حراس سجن أبوغريب كانوا يعذبون المعتقلين لمجرد اللهو فى بعض الحالات، وأن انتهاكات فاضحة ارتكبت دون أن يكون لذلك أدنى علاقة بجلسات استجواب المعتقلين كما كشفت الواشنطن بوست أيضا عن أن الجنرال سانشيز قد حضر بعض عمليات الاستجواب التى شهدت تجاوزات، وشجع عليها ولم تكن الصحافة البريطانية بعيدة عما جرى من عمليات تعذيب فى أبوغريب، وكشفت عنه وسائل الإعلام الأمريكية وبغض النظر عن الصور (المفبركة) التى نشرتها الديلى ميرور ثم اعتذرت عنها بعد كشفها مما أدى إلى استقالة رئيس تحريرها، فإن صحفا بريطانية أخرى كثيرة ذات مصداقية عالية مثل (الإندبندنت) و(التايمز) أثارت قضية التعذيب، ونجحت فى نقلها إلى مجلس العموم لمناقشتها، وأن الجنود البريطانيين، وبإشراف عناصر من المخابرات البريطانية، قاموا بتعذيب أعداد كثيرة من المعتقلين تمهيدا لاستجوابهم، وأن معتقلين عراقيين أوقفوا قبل شهور فى البصرة تعرضوا بشكل منهجى للضرب والتعذيب بأيدى جنود بريطانيين فى سجن كتيبة لانكشاير الملكية مما أدى إلى موت بعضهم وكشفت صحيفة التايمز اللندنية عن تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية أفاد بأن الجنود البريطانيين قتلوا مدنيين عراقيين لا يشكلون أى تهديد للقوات البريطانية فى العراق، بينهم فتاة لا يزيد عمرها على الثامنة، وأضافت الصحيفة أن الجيش البريطانى لم يكلف نفسه عناء فتح أى تحقيق بخصوص مقتل هؤلاء المدنيين العراقيين دون ذنب، وأن القوات البريطانية تورطت خلال الفترة منذ الأول من مايو عام 2003 وحتى اليوم فى مقتل 37 مدنيا عراقيا وعن مشاركة عناصر المخابرات البريطانية مع مثيلتها الأمريكية فى استجواب المعتقلين بسجن أبوغريب، كشفت الأوبزرفر عن ذلك، وأضافت أن وزارة الدفاع البريطانية أكدت أن ثلاثة من ضباط مخابراتها عملوا فى سجن أبوغريب بين شهرى يناير وأبريل من العام الحالي كما نقلت الصحيفة عن وزير الخارجية فى حكومة الظل مايكل انجرام أن هذه الحقائق تؤكد أنه لا مفر من تقديم وزير الدفاع جيف هون كل المعلومات التى يعرفها حول الموضوع، وضرورة استجواب كل من وزيرى الخارجية والدفاع أمام مجلس العموم لمعرفة مدى تورط المسئولين البريطانيين فى فضيحة أبوغريب أما رد فعل المسئولين البريطانيين، فلم يختلف عن نظرائهم الأمريكيين، من حيث إدانة واستنكار هذه الأفعال والاعتذار عنها ومحاولة حصرها فى أعمال فردية لا تعكس سياسة قوات التحالف فى العراق ورغم ما أظهره استطلاع للرأى حول تدنى شعبية تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا، حيث لا يحظى سوى بتأييد 32% من الناخبين وهى أدنى نسبة له منذ 17 عاما فإنه زعم أن هذه الأعمال الفردية رغم بشاعتها يجب ألا تصرف الأذهان عما أطلق عليه الإنجازات الضخمة لقوات التحالف فى العراق كما نفى بلير اطلاعه على التقرير السرى الصادر عن الصليب الأحمر فى هذا الشأن، أما وزير الدفاع هون فقد أوضح فى جلسة المساءلة أمام مجلس العموم أن التحقيق فى الصور التى نشرتها الديلى ميرور أثبت أنها لم تؤخذ فى العراق، بل مفبركة تقرير الجنرال تاجوبا:ـ نقلت مجلة ذى نيويوركر فقرات عن تقرير للجيش الأمريكى وضعه الجنرال أنطونيو تاجوبا، صادر فى 53 صفحة حول الانتهاكات التى ارتكبها الأمريكيون فى سجن أبوغريب، أكد فيه أن هذه الانتهاكات كانت منهجية وذلك بعكس ما أعلنه وزير الدفاع رامسفيلد بأنها حوادث فردية وأضاف أنه بين أكتوبر وديسمبر عام 2003 وقعت حوادث عديدة من الانتهاكات الإجرامية السادية والخليعة والقبيحة فى حق معتقلين، وقد ارتكبت هذه الانتهاكات المنهجية وغير القانونية عمدا من جانب حراس فى الشرطة العسكرية وبأوامر من ضباط المخابرات العسكرية والمركزية ومحققين من شركات خاصة للأمن، وأن هذه الاتهامات تأكدت بموجب الإفادات المفصلة للشهود، واكتشاف أدلة فوتوغرافية شديدة الوقاحة مشيرا إلى أن هذه الأفلام والصور موجودة فى حوزة قيادة التحقيقات الجنائية وفريق الادعاء الأمريكى وعدد التقرير مجموعة الانتهاكات الصارخة داخل أبوغريب وقد أكد التقرير أن هؤلاء العناصر تلقوا مديحا من رؤسائهم لإقدامهم على هذه الأعمال، وذكر أنهم حصلوا على إشادة من قبيل: عمل جيد أنهم ينهارون بسرعة ويجيبون على كل سؤال ويعطون معلومات قيمة، حافظوا على هذا العمل الجيد وأرجح تاجوبا وقوع هذه الانتهاكات إلى أسباب عدة أهمها فشل القيادة فى الإبلاغ عنها، والفارق الثقافى بين المعتقلين وسجانيهم، وختم التقرير بأن جنودا أمريكيين عديدين ارتكبوا أعمالا فظيعة وانتهاكات صارخة للقانون الدولى فى سجن أبوغريب ومخيم بقع، وفشل مسئولون كبار رئيسيون فى التزام القوانين والإجراءات وتوجيهات القيادة فى تجنب هذه الانتهاكات وطالب بالموافقة على توصيات هذا التحقيق وتطبيقها من أجل خلق الظروف الملائمة لتجنب انتهاك حقوق المعتقلين فى المستقبل وقد أكدت الجنرال جانيس كاربينسكي قائدة لواء الشرطة العسكرية الأمريكية العاملة فى سجن أبوغريب الكثير مما جاء فى تقرير الجنرال تاجوبا، وأوضحت أن القسم الذى جرت فيه إساءة معاملة المعتقلين كان يخضع لسيطرة الاستخبارات العسكرية، وذلك فى محاولة لإبعاد التهمة عنها وعن عسكريين يعملون تحت أمرتها ممن نشرت صورهم فى إطار الفضيحة، وتعتقد كاربينسكى التى أوقفت عن العمل فى يناير الماضى أن القادة العسكريين يحاولون تحويل اللوم عن ضباط المخابرات الذين مازالوا يعملون فى العراق، وإلقاءه بالكامل عليها وعلى عاتق غيرها من الجنود، وعبرت عن استيائها من عدم تسليط الضوء على وحدة الاستخبارات المشرفة على القسم (A 1) من السجن، حيث كان جنودها يحرسون المعتقلين فى الفترات الفاصلة بين جلسات التحقيق معهم، مضيفة أن أولئك الضباط كانوا يدخلون ويخرجون من ذلك القسم على مدار اليوم لاصطحاب المعتقلين من مراكز التحقيق البعيدة عن زنزانات السجن وإليها وأن القسم (A 1) مكون من حوالى عشرين قسما من الزنزانات فى مجمع السجن الضخم وقد كشفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن أن رئيسها جاكوب كيلنيربجر أبلغ كلا من كولين باول وزير الخارجية الأمريكى وكوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومى فى يناير الماضى بوقوع انتهاكات فى سجن أبوغريب، كما حث الإدارة الأمريكية على القيام بعمل تصحيحى فى هذا السجن إلا أن المسئولين الأمريكيين أهملوا هذه القضية حتى أثارتها أخيرا وسائل الإعلام الأمريكية وقد نشرت اللجنة أجزاء من تقرير سلمته إلى السلطات الأمريكية فى فبراير بعد تأكدها من شكاوى عديدة تلقتها عن انتهاكات لا إنسانية تجرى فى هذا السجن ضد المعتقلين وأوضح التقرير الذى يقع فى 24 صفحة أن مسئولين فى اللجنة تمكنوا من التحقق شخصيا من تعرض معتقلين عراقيين لسوء المعاملة على أيدى جنود أمريكيين وبريطانيين، كما تأكدت اللجنة من صحة الصور والشرائط التى نشرت وأن ما بين71 و90% من المعتقلين أوقفوا خطأ، وغالبيتهم خلال عمليات دهم ليلية اتسمت بعدد كبير من العنف وأن مندوبى اللجنة كانوا شهودا مباشرين على أساليب سوء المعاملة هذه أثناء زيارتهم للسجن فى أكتوبر 2003، وأن اللجنة قررت إثر ذلك وقف زياراتها، وطلبت توضيحا من السلطات التى أفادت أن هذه الممارسات هى جزء من عملية الاستجواب كما عرض التقرير 12 وسيلة سوء معاملة أخرى بحق المعتقلين، مشيرا إلى أن العسكريين يطبقونها بشكل منهجى، وأن الجنود يهددون السجناء بالانتقام من أقاربهم أو نقلهم إلى قاعدة جوانتانامو الأمريكية ولاحظ أطباء الصليب الأحمر أن عمليات التعذيب قد أصابت الكثير من المعتقلين بأمراض عضوية ونفسية، ناهيك عن الكسور فى العظام وعدم معالجتها، وأنهم يعانون من عدم التركيز واضطراب فى الذاكرة والكلام، وقلق وسلوك غير طبيعى وميول انتحارية وأوضح التقرير أن بعض المعتقلين لا يتم إبلاغهم بأسباب توقيفهم وتصادر كل أغراضهم الشخصية، كما تتغاضى السلطات عن إخطار عائلاتهم بتوقيفهم مما يشكل انتهاكات لمعاهدات جنيف التداعيات داخل الإدارة الأمريكية: طالب أعضاء كثيرون فى الكونجرس بإقالة دونالد رامسفيلد وزير الدفاع باعتباره المسئول السياسى عن فضيحة أبوغريب، وكذلك معظم وسائل الإعلام الأمريكية والهيئات والمؤسسات السياسية والفكرية فى الولايات المتحدة، بل وضباط كبار فى القوات المسلحة الأمريكية أيضا طالبوا باستبعاده، كما نجح جون كيرى مرشح الرئاسة الديموقراطى فى جمع 275 ألف توقيع أمريكى طالبوا أيضا بإقالته، حيث أسفر استطلاع للرأى قامت به مؤسسة جالوب لصالح شبكة CNN عن أن %49 من الأمريكيين أبدوا عدم رضائهم عن أداء جورج بوش، أما رامسفيلد فقد انتقد أداءه حوالى 45% ممن شملهم استطلاع الرأى، وطالب 30% بإقالته، و 25% فقط أبدوا ارتياحهم لأدائه إلا أنه رغم كل هذا، ورغم ما قيل عن توبيخ بوش لوزير دفاعه بسبب إخفائه موضوع صور الفضيحة رغم علمه بها منذ يناير الماضى، فإن الرئيس الأمريكى دافع عن وزير دفاعه بشدة ورفض إقالته، وهو ما دفع الكثيرين فى العالم عن التساؤل حول سر هذا التحدى الذى يمارسه بوش ووزير دفاعه للرأى العام الأمريكى قبل الرأى العام العالمى، علما بأن رامسفيلد فى شهادته أمام مجلس الشيوخ اعترف تماما بمسئوليته السياسية عما حدث، واعتذاره عنه، كما اعترف أيضا بتستره عليه، ولم يتصرف حياله بالجدية المطلوبة، لكنه لم ينطق بالاستقالة، وبرر ذلك بأن استقالته لن تعدو أن تكون قرص أسبرين ضعيف التأثير والمفعول لن يشفى الإدارة الأمريكية من صداعها المزمن الناتج عن تفجر الفضيحة وتوجد أسباب كثيرة وراء رفض رامسفيلد الاستقالة، أهمها يرجع إلى تكوين شخصيته، وفهمه العميق لطبيعة المناورات السياسية التى تجرى فى دوائر صنع القرار الأمريكى والمؤسسات المؤثرة فيه، وكيفية مواجهتها، حيث يعتبر رامسفيلد من أقطاب الإدارة الأمريكية الحالية، وقد نجا من صعوبات عدة فى الماضى، وهو سياسى مخضرم 71 عاما يندهش المرء لطول بقائه على الساحة السياسية، فقد كان أصغر من تولى المنصب سنا، إذ عمل وزيرا للدفاع أثناء إدارة الرئيس فورد، ما بين عامى 1975 و1977، وكان الأكثر إثارة للجدل من بين من تولوا هذا المنصب فمن المعروف عنه اعتداده الشديد بنفسه، والإصرار على مواقفه رغم كثرة انتقادات الآخرين لها، وعدم اعترافه بأخطائه، بل تبريرها والتمادى فيها، إلى جانب ما يتصف به من غطرسة وغرور وتعال فى التعامل مع الآخرين، حتى مع أقرانه فى الإدارة الأمريكية وأعضاء الكونجرس، وهو ما ظهر واضحا فى ردوده على السيناتور الديموقراطى تيد كيندى، واستخفاف رامسفيلد به ناهيك بالطبع عن عدم تقيده بآراء كبار جنرالات القوات المسلحة الأمريكية وخبرائها، بل ومعارضته لها والتشبث بآرائه وقد كان ذلك واضحا منذ توليه وزارة الدفاع فى إدارة بوش وقبل أحداث 11 سبتمبر عندما فرض على العسكريين مشروعه الخاص بتقليص حجم الجيش الأمريكى فى مقابل رفع كفاءته النوعية بجعله أكثر خفة وحركة جوا وبحرا وبرا، واعتماد الوسائل التى أحدثتها الثورة التكنولوجية العسكرية فى مجالات المعلومات والأسلحة والذخائر الذكية ومرونة القيادة والسيطرة، والهيمنة على الفضاء، ومشروع الدفاع الصاروخى الوطنى NMD الخ، وقد نجح فى فرض مشروعه هذا رغم معارضة كبار قادة الجيش، مما أغضب مجموعات قوية داخل الكونجرس والبنتاجون وهيئة الأركان المشتركة وبدأت الصحف آنذاك تتكهن حول من سيخلفه فى منصبه ولكن وقعت هجمات 11 سبتمبر، والحملة العسكرية الناجحة التى قادتها الولايات المتحدة فى أفغانستان وقضاؤها على معظم كوادر تنظيم القاعدة وحكم طالبان فى زمن قياسى وبخسائر أمريكية محدودة، مما أدى إلى ارتفاع أسهم رامسفيلد ثم بعد ذلك جاءت الحرب فى العراق، لتزيد من رصيده بعد أن نجحت نظريته فى استخدام أقل عدد من القوات وأكثر قدرة تكنولوجية فى تدمير الجيش العراقى واكتساح الأراضى العراقية واحتلال العاصمة بغداد فى غضون ثلاثة أسابيع، غير أن الأمور بعد ذلك بدأت تأخذ منحنى آخر منذ ذلك الحين بسبب أخطاء سياسية غبية اتخذها المسئولون فى الإدارة الأمريكية، ومنهم رامسفيلد نفسه والحاكم فى العراق بريمر، أدت على تردى الأوضاع وتحميل رامسفيلد المسئولية باعتبار وزارته المسئولة عن إدارة الشأن العراقى كله لذلك، فهذه ليست المرة الأولى التى يجد فيها رامسفيلد نفسه فى وضع حرج، ومن ثم لم يكن غريبا عليه أن يذهب عقب استجوابه فى الكونجرس إلى العراق مباشرة، ويزور سجن أبوغريب، ويجتمع بضباطه وجنوده ويحيوه على قوة صلابته فى مواجهة العاصفة ولكن فى المقابل، أدت هذه الصفات التى يتسم بها رامسفيلد إلى زيادة أعدائه، سواء داخل الإدارة أو فى الكونجرس، وكذلك فى قيادات المؤسسة العسكرية فلم يعد خافيا أن فضيحة سجن أبوغريب فجرت خلافات داخل الإدارة الأمريكية بشأن تقديم ضحية من الوزن الثقيل تشير إلى اهتمام الرئيس بوش بسخط لعراقيين والرأى العام الأمريكى والعالمى وتقدم وزير الخارجية كولين باول باقتراح يقضى بإقالة المسئول المباشر عن القوات المسلحة، ويعنى به رامسفيلد، فى حين نصحت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومى بضرورة الاكتفاء بمحاكمة الضباط المسئولين عن المعتقلين مخافة أن تؤثر إقالة وزير الدفاع على سير المعركة الانتخابية وانضم إليها نائب الرئيس ديك تشينى مما اضطر الوزير باول إلى رفع لهجة التحدى عبر برنامج واجه الصحافة فى مقابلة مع شبكة NBC ليعترف بأن وكالة المخابرات المركزية والبنتاجون ضللتا عمدا الأجهزة الحكومية فى تقاريرها عن أسلحة الدمار الشامل العراقية قبل الحرب، وكان واضحا أن باول يستهدف توجيه اتهامات مباشرة إلى عصابة المحافظين الجدد التى تضم تشينى ورامسفيلد وولفويتز وريتشارد بيرل ودوجلاس فيث، وأنهم ليسوا فقط مسئولين عن قضية أسلحة الدمار الشامل، بل عما آلت إليه الأوضاع المتردية فى العراق، بما فى ذلك فضيحة أبوغريب ولكن انحياز بوش الدائم لرامسفيلد، يرجع لإدراك الأخير عدم قدرة بوش على الاستغناء عنه، ليس فقط بسبب إظهار تماسك الإدارة الأمريكية أثناء الحملة الانتخابية، ولكن لصلات رامسفيلد القوية ونفوذه فى شركات صناعة الأسلحة الأمريكية التى تساهم بأكبر قدر فى تمويل الحملة الانتخابية لبوش، مما جعل رامسفيلد ينظر باستخفاف للمعلومات الأولية التى جاءته عن نشر صور ما يجرى فى أبوغريب، ولم يجد ضرورة لإطلاع بوش عليها باعتبارها من المسائل الشائعة فى الحروب، والضرورية لانتزاع المعلومات من المعتقلين، والتى يصعب إخضاعها للقوانين الدولية واتفاقية جنيف، لا سيما وأنه أعلن فى فبراير 2002 أن وضع أسرى الحرب كما ورد فى اتفاقية جنيف لا ينطبق على المعتقلين من الأفغان العرب وجنسيات أخرى فى معتقل جوانتانامو، وقد كان رامسفيلد وراء قرار الإدارة الأمريكية رفض إخضاع الجنود الأمريكيين لمحاكمة مجرمى الحرب، بهدف إعفائهم من هذه المسئولية كما أن استمرار التعامل مع الملف العراقى سياسيا وعسكريا حتى اليوم وغدا يتطلب فى نظر بوش استمرار وجود وزير على رأس البنتاجون يملك عزما وصلابة خاصة، ولا شك فى أن رامسفيلد لا يعوزه أى من هاتين الصفتين كما لا يمكن تجاهل تأثير حملة انتخابات الرئاسة على قرار بوش التمسك برامسفيلد، فهو أحد أركان إدارته وأبرز مستشاريه فى إدارة هذه الحملة، وإعداد أجندة قضاياها الداخلية والخارجية فى مواجهة خصمه الديمقراطى جون كيرى، ناهيك عما يتمتع به رامسفيلد من دعم اللوبى الصهيونى المؤثر بقوة فى الحملة الانتخابية، ولا سيما مع نفوذه القوى داخل منظمة (إيباك) التى تعتبر أقوى منظمات هذا اللوبى فى الولايات المتحدة لذلك فإن استبعاد رامسفيلد فى هذا التوقيت بالذات سيحوله إلى سلاح قوى فى أيدى خصوم بوش الديمقراطى، حيث سيتيح لهم فرصة فتح ملف إخفاق الإدارة الأمريكية فى العراق، وبحث الأخطاء السياسية والاستراتيجية التى وقعت فيها هذه الإدارة، والمساءلة حول الثمن العائد على الولايات المتحدة من وراء سقوط 833 قتيلا أمريكيا فى هذه الحملة حتى 9 يونيو وإصابة ضعف هذا العدد، وتفاقم الانفاق المالى، حيث ينفق البنتاجون 39 بليون دولار شهريا فى العراق هذا بالإضافة لمساءلات سياسية أخرى حول تدهور الروح المعنوية للجنود الأمريكيين فى العراق، واضطرار البنتاجون إلى تغيير خططه بعدم تخفيض حجم القوات الأمريكية فى العراق، وتغييرهم بآخرين، مع استمرار باقى دول التحالف فى سحب قواتها من هناك تحت ضغط المقاومة العراقية، وتحول العراق إلى ساحة لعمل المنظمات الإرهابية، وفقد أمريكا لكثير من أصدقائها فى العراق وخارجه وفى المقابل زيادة أعدائها، وذلك نتيجة أخطاء سياسية واستراتيجية شارك فيها بوش ورامسفيلد حولت انتصارهم التكتيكى إلى هزيمة سياسية تأثير الفضيحة على الجيش الأمريكى: كان لكشف فضيحة أبوغريب تأثيرات سلبية عديدة داخل الجيش الأمريكى وقياداته، كما كشفت عن عورات كثيرة فى البناء المعنوى والاجتماعى لضباط وجنود هذا الجيش، تشكل عوامل هدم خطيرة فى المؤسسة العسكرية الأمريكية لا تجعل للتفوق التكنولوجى الذى يتمتع به هذا الجيش أدنى قيمة فلا يمكن تجاهل الفقرة التى وردت فى تقرير الجنرال تاجوبا السابق الإشارة إليه، والتى طالب فيها بإصلاح الأخطاء الموجودة فى هيكلة الجيش الأمريكى، وأخطرها تدهور مستوى الانضباط العسكرى، وضعف التدريب، وغياب الإشراف، وانخفاض الروح المعنوية نتيجة ما يشعر به الجندى الأمريكى من إحباط أكد هذا المفهوم أيضا الجنرال تشارلز سواناك قائد الفرقة 82 اقتحام جوى وهى من أبرز فرق الجيش الأمريكى والذى صرح بأنه رغم النجاحات التكتيكية التى تحققت فى العراق، فإن الولايات المتحدة ستخسر على المستويين الاستراتيجى والسياسى إذا لم تبادر الإدارة الأمريكية بإجراء إصلاح جذرى فى سياستها الخارجية والدفاعية بالعراق، إذا كانت المصالح الأمريكية تتطلب بقاء القوات الأمريكية فى العراق وقد شبه أحد القادة العسكريين الإدارة الأمريكية فى واشنطن بقائد طائرة مختطف أراد القضاء على مختطفى الطائرة، فضحى بنصف ركابها وتسبب فى انفجارها، وهذا أقرب ما يكون لسياسة (الهروب إلى الأمام) التى تتبعها الإدارة الأمريكية فى العراق وتبرز خطورة هذا الأمر فى أنه لا يقتصر فقط على عناصر الشرطة العسكرية والمحققين من رجال المخابرات العسكرية، ولكن امتدت أعمال التحقيق إلى واحد من أهم تشكيلات القوات الخاصة الأمريكية، وهى الوحدة (دلتا) التى تعتبر من قوات النخبة، حيث مارس أفراد منها عمليات تعذيب وحشية ضد المعتقلين العراقيين فى سجن كامب كروبيير القريب من مطار بغداد، وما يتصف به هؤلاء الجنود من سادية حيث استمر أحدهم فى ضرب أحد المعتقلين فى قضبان الزنزانة حتى سالت دماؤه وسقط مغشيا عليه من الإعياء وسأل جندى آخر أحد المعتقلين عما يؤمن به فأجابه أنه يؤمن بالله، فرد عليه الجندى لكننى أومن بالتعذيب وسأعذبك وظل يضربه على ساقه المكسورة طالبا منه أن يسب دينه الإسلامى، ويشكر المسيح لأنه حى كما أجبروا بعض المعتقلين على تعاطى المخدرات ووضعوا رءوسهم تحت الماء حتى أوشكوا على الاختناق وفيما يشبه محاولة انقلاب ضد رامسفيلد، نشرت الواشنطن بوست تقريرا مطولا عن مشاعر الغضب والحرارة بين كبار ضباط الجيش ومستشارى وزارة الدفاع بسبب سياسات دونالد رامسفيلد التى ستتسبب فى أن تخسر الولايات المتحدة الحرب فى العراق استراتيجيا، وتحولها إلى فيتنام أخرى، وأن هذه المشاعر تنتشر فى أروقة الجيش وتم التعبير عنها للمرة الأولى علنا وأنحى جنرالات بارزون باللائمة على رامسفيلد وكبار مساعديه، وأولهم بول وولفويتز فيما تتعرض له القوات الأمريكية فى العراق من أزمات وخسائر، وذلك لأنهم لم يخططوا لاستراتيجية واضحة للحرب وكيفية الخروج منها بأقل خسائر بعد تحقيق أهدافها، وقال أحد الجنرالات إنه لو كان كولين باول رئيسا لهيئة الأركان لما وافق على إرسال قوات إلى العراق بدون استراتيجية محددة أما الجنرال المتقاعد أنتونى زينى قائد القيادة الوسطى السابق فقد طالب باستقالة كبار المسئولين فى وزارة الدفاع، وعلى رأسهم رامسفيلد بسبب فشلهم وعجزهم عن استيعاب الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية لخطة الغزو التى وضعها بنفسه، وأنه يوجد قصور فى نشر العدد الكافى من القوات بالعراق، وعند تنفيذ خطة العمليات الموضوعة، وأن السياسة الأمريكية الحالية فى العراق تشبه رجلا يسير بقدميه نحو حتفه أما فى الكونجرس فقد ذكرت السيناتور ليندى جراهام أنه من الواضح وجود أخطاء فى بنية نظام الجيش، ومن غير المقبول أن يتحمل بعض الجنود والضباط الصغار المسئولية الكاملة لما حدث فى سجن أبوغريب، وأن يصبحوا بمثابة كبش فداء لإنقاذ الرؤوس الكبيرة فى البنتاجون كما تساءل السيناتور تشاك هايجل عن إمكانية استمرار رامسفيلد ورئيس هيئة الأركان الجنرال مايرز فى منصبيهما فى مثل هذه الظروف وما إذا كانا سيحظيان بثقة واحترام الجيش فى ظل هذه الفضيحة، وأعرب أعضاء مجلس الشيوخ عن غضبهم من تصريحات نائب الرئيس تشينى والتى طالب فيها أعضاء الكونجرس بترك رامسفيلد لحاله والكف عن مطالبته بالاستقالة أما السيناتور الجمهورى بات روبرتس رئيس لجنة المخابرات بمجلس لشيوخ فقد قال إنه سيصعق إذا كانت المزاعم حول رؤية الجنرال سانشيز لعمليات التعذيب صحيحة كما أوضح السيناتور جاك ريد أن المشكلة ليست فى الأشياء التى يعرفها ولكنها فى المسائل التى لم يعرفها برغم أنه مسئول عن معرفتها لكونه أكبر قائد عسكرى فى العراق وفى تقرير أعده الكولونيل هنرى نيلسون وهو طبيب نفسى بالجيش عزا فيه الانتهاكات التى ارتكبت فى أبوغريب إلى حالة الغضب والإحباط التى أصابت الجنود بسبب ظروف عملهم فى العراق، وسادية وعنصرية بعضهم، فضلا عن غياب أى إشراف ذى معنى من جانب قادتهم وشدد نيلسون فى تقريره على أن ما حدث فى أبوغريب يعتبر ظهورا لأسوأ الصفات الإنسانية، وأقذع السلوكيات البشرية فى مناخ من الخطر والسلبية داخل بيئة مغلقة هى السجن وأوضح أن سلوك الجنود المتورطين كان ساديا وينم عن أمراض نفسية، وأن السماح بهذا السلوك والموافقة عليه كان بمثابة مؤامرة على الصمت، اشترك فيها كل من كانوا فى السجن كما أشار التقرير إلى أن هناك عوامل نفسية وثقافية أسهمت فى حدوث الانتهاكات، حيث وجد الجنود أنفسهم للمرة الأولى منغمسين فى ثقافة إسلامية، وفى عقولهم ارتباط شرطى بين المسلمين والإرهابيين، مما ولد لديهم انطباعات خاطئة، وخوفا وانتقاصا من قيمة السجناء وقد انتقد تقرير الكولونيل نيلسون الجنرال جانيس كاربينسكى التى كانت تقود اللواء 800 للشرطة العسكرية والقادة الذين أداروا عمليات المخابرات العسكرية ضرورة المحاكمة كمجرمى حرب: لم يكن كافيا فى نظر الرأى العام العالمى الذى هزته فضيحة أبوغريب أن تكتفى الإدارة الأمريكية بالاعتذار عما حدث وتعويض الضحايا وتخفيض عدد المعتقلين فى سجون العراق، بالإضافة لنقل الجنرال سانشيز من منصبه كقائد للقوات الأمريكية بالعراق واستبداله بالجنرال جورج كايس مع إعطاء الأخير صلاحيات أوسع لم يكن كل ذلك كافيا ليخفف من وقع الصدمة التى أصابت الرأى العام العالمى بمن فى ذلك الأمريكيون أنفسهم، حيث طالب الكثيرون بمحاكمة المسئولين عن هذه الجرائم كمجرمى حرب أمام محكمة عسكرية كالتى أنشئت فى العراق لمحاكمة أركان النظام الصدامى السابق، على أن يمتد اختصاصها إلى ما يقع من مخالفات وانتهاكات لاتفاقيات جنيف والمواثيق الدولية من جانب قوات الاحتلال فى العراق تجاه الأسرى والمدنيين، كما تم من قبل مع مجرمى الحرب فى البوسنة وصربيا ورواندا، وصدرت أحكام بمعاقبة بعضهم بالسجن 45 سنة، ناهيك عن محاكمة سلوبودان ميلوسيفيتش رئيس يوجوسلافيا السابق على جرائمه فى حق مسلمى البوسنة وكوسوفو، ومن ثم فإن السوابق الدولية تحتم تطبيق الاتفاقيات الدولية على الأوضاع الراهنة فى العراق، لا سيما وأن الأدلة الدامغة المتوافرة تشكل قوائم اتهام كافية لمحاكمة المسئولين عن هذه الجرائم، ولا يعتد فى هذه الحالة كما يقول د فؤاد عبدالمنعم رياض أستاذ القانون الدولى بعدم علم القيادات أو جهلها بالجرائم التى وقعت، فالقيادات مسئولة عن جنودها فى كل الأحوال، وعدم إحاطتها بالانتهاكات لا يعفيها من المسئولية، بل أن العلم بها والسكوت عليها يعدان مشاركة فى ارتكابها وإذا كانت المحاكمات العسكرية قد بدأت بمحاكمة صغار الرتب من الضباط وضباط الصف والجنود الذين كشفت عنهم الصور وشرائط الفيديو وشملتهم التحقيقات، فإن المطلوب بقوة هو محاكمة كبار المسئولين عن هذه الجرائم، سواء كانوا سياسيين أو عسكريين، ذلك أن من شملتهم هذه المحاكمات حتى اليوم اعترفوا بأن ما ارتكبوه من انتهاكات كان بأوامر وتوجيهات من رؤسائهم وبرضائهم، كما أن الأحكام التى صدرت حتى الآن والمتوقعة طبقا لقوانين المحاكم العسكرية الخاصة لا تتناسب أبدا مع حجم الجرائم التى ارتكبت، حيث تشمل الأحكام السجن لمدة سنة أو تنزيل الرتب، وخفض الراتب والبدلات، ولا تصل حتى إلى مستوى الطرد من الخدمة العسكرية التى لا تطبقها إلا المحاكم العسكرية العامة وهو ما يؤكد أن هذه المحاكمات شكلية وتستهدف فقط تحسين سمعة الإدارة الأمريكية التى تأثرت محليا ودوليا وقد كشفت محاكمة جندى أمريكى، هرب من وحدته العسكرية فى العراق، عن أنه اضطر لذلك لتجنب تلقى أوامر من قادته بتعذيب الأسرى العراقيين، وأشار محامى هذا الجندى إلى أن الوحدة التى كان يتبعها موكله كانت تتبع أساليب قاسية فى معاملة الأسرى وكانت مجلة (نيويوركر) قد نشرت تقريرا يفيد بوجود برنامج مشترك بين وكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع لإذلال السجناء ووجود خطة سرية أقرها وزير الدفاع رامسفيلد لتشديد أساليب الاستجواب للتصدى للمقاومة العراقية المتصاعدة، كما كشفت نيويورك تايمز عن رسالة سرية وجهها الجيش الأمريكى فى ديسمبر الماضى إلى الصليب الأحمر يعلن فيها أن عددا من المعتقلين العراقيين لا يمكنهم المطالبة بالاستفادة من اتفاقيات جنيف، وشددت الرسالة التى صاغها محامون عسكريون ووقعتها الجنرال جانيس كاربينسكى على الضرورات العسكرية لعزل بعض الموقوفين فى سجن أبوغريب لاستجوابهم نظرا لما بحوزتهم من معلومات استخباراتية أما صحيفة ذى أوبزرفر اللندنية فقد ذكرت أن العسكريين الأمريكيين والبريطانيين يتمتعون بالحصانة بعد تسليم السلطة إلى العراقيين فى 30 يونيو، وبالتالى فإن قوات الاحتلال ستبقى فى منأى عن أى ملاحقة قضائية رغم الاتهامات الموجهة إليهم بشأن عمليات التعذيب كما أشارت صحيفة الواشنطن بوست فى 9 مايو 2004 إلى أن مستويات عليا فى وزارتى الدفاع والعدل الأمريكيتين قد وافقوا فى أبريل 2003 على لائحة سرية تتضمن 20 طريقة لإجراء عمليات الاستجواب فى معتقل جوانتانامو الذى تحتجز فيه الولايات المتحدة نحو 600 من أعضاء حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة من 40 دولة منذ أكثر من عامين، ومعظم هذه الأساليب سبقت الإشارة إليها فيما ارتكب من جرائم فى سجن أبوغريب، ولكن تنص اللائحة على أن استخدام كل هذه الأساليب يتطلب الحصول على إذن من كبار مسئولى البنتاجون، وفى بعض الحالات من رامسفيلد شخصيا، إلا أن ذلك لم يكن بالطبع مطبقا، لا فى جوانتانامو ولا فى سجون العراق وتعتبر هذه اللائحة أول تعليمات رسمية تسمح للمحققين باستخدام أساليب تهدف إلى إرهاق المعتقلين جسديا ونفسيا قبل إخضاعهم للاستجواب هذا رغم ما يعرفه خبراء التحقيق والاستجواب من أن أى معلومات يتم الحصول عليها بالقوة لا تتمتع فى أغلب الأحيان بالمصداقية ورغم ما تنص عليه هذه اللائحة أيضا من أنه يتعين على المحققين أن يثبتوا أن أساليب المعاملة القاسية للمعتقلين قبل استجوابهم أملتها الضرورة العسكرية، وأن هذه المعاملة الخاصة يجب أن ترافقها مراقبة طبية ملائمة، فقد ضرب المحققون فى سجون العراق بكل ذلك عرض الحائط ولكن بعد انتشار أخبار فضيحة سجن أبوغريب، أجرت إدارة السجون الحربية الأمريكية برئاسة الجنرال جيفرى ميلر تعديلات فى هذه اللائحة، أو ما أطلق عليه إصلاحات حيث أصبح قائد الوحدة العسكرية أو الشرطة مسئولا عن مهمة الاعتقال، وقائد المخابرات العسكرية مسئولا عن الاستجواب، وكلاهما مسئول أمام الجنرال ميلر شخصيا ومباشرة أما فرقة النمر التى تتولى عمليات الاستجواب فإنها تتشكل من مجموعات Teams كل منها يتكون من 21 محقق ومحلل ومترجم، على أن توضع خطة للاستجواب توضح الأساليب التى ستتبع لجمع المعلومات، وهذه الخطة يصدق عليها المشرف على الاستجواب، ويحظر استخدام أى أسلوب خلاف الموضح بالخطة وخلال تنفيذها يقوم المحلل بمراقبة عملية الاستجواب من خلف ساتر، ويمكنه التدخل لتغيير أسلوب الاستجواب فى إطار الخطة إذا تطلب الأمر ذلك، وقد تقلصت طرق الضغط على المعتقلين من 20 طريقة إلى خمس طرق فقط، تشمل الوقوف ساعات طويلة وفى أوضاع غير مريحة، وعكس ساعات النوم، والتعرض للموسيقى الصاخبة وحرارة الجو عدة ساعات، وتأخير توقيتات تناول الطعام، والبقاء فى الحبس الانفرادى عدة أيام ويقوم رؤساء فرق الاستجواب بزيارات مفاجئة لإجراء تقييمات لعمليات الاستجواب، والتأكد من تطبيق اللائحة أما رامسفيلد فقد أصدر أمرا يمنع استخدام الجنود للهواتف المحمولة المزودة بكاميرات فى العراق، ذلك لأن صور التعذيب التقطت بواسطة هذا النوع من الهواتف، كما يشمل الحظر أيضا الكاميرات الرقمية، وقد يمتد إلى جميع معسكرات وقواعد الجيش الأمريكى فى العالم وبجانب قرار الرئيس بوش بإغلاق وهدم سجن أبوغريب وإقامة سجن آخر، وذلك بناء على قرار من الكونجرس، وهو ما سيكلف وزارة الدفاع 42 مليون دولار، فقد بدأ إجراء تحقيق حول ممارسات ضباط المخابرات العسكرية ومسئوليتهم عن الفضيحة، يقوم به الجنرال جورج فاى نائب رئيس أركان القوات البرية لشئون الاستخبارات، لا سيما بعد أن شهد كثيرون بأن المخابرات العسكرية كانت تسيطر على قاعات السجن التى شهدت تعذيب المعتقلين، وما أشار إليه تقرير الجنرال تاجوبا حول تورط المخابرات العسكرية فى هذه الفضيحة، واعتراف الرقيب صموئيل بروفانس العامل فى المخابرات العسكرية بأن الإهانات الجنسية وسيلة أمرت بها المخابرات العسكرية، وأن هناك رغبة قوية فى خنق القضية ولا يمكن فصل ما حدث فى سجن أبوغريب من جرائم عن الحملة السياسية والإعلامية التى أثارتها الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 ضد الإسلام والمسلمين باعتبارهم إرهابيين، وما واكب ذلك من كتابات حول صراع الحضارات، وأن الإسلام هو العدو الأول للغرب بعد سقوط الشيوعية، وما تلا ذلك من حرب فى أفغانستان، واستصدار تشريعات أمريكية وأوروبية تقيد حرية دخول العرب والمسلمين إلى الولايات المتحدة ودول أوروبية، واعتقال وطرد آلاف العرب والمسلمين من هذه الدول، والزج بالآلاف منهم فى سجون ومعتقلات جوانتانامو وأفغانستان والعراق، بل فى السجون الأمريكية أيضا تلك كانت البداية الحقيقية للفظائع التى وقعت فى سجن أبوغريب بناء على تعليمات قيادات عسكرية أمريكية عليا فى جهاز المخابرات العسكرية برئاسة الجنرال بويدن، الذى سب الإسلام والمسلمين فى عدد من تصريحاته، ورفض رامسفيلد إبعاده من منصبه هذا هو التحدى الأخلاقى الذى تواجهه أمريكا من حيث تشدق قادتها بالحرية والديموقراطية، فى حين ترفض محاسبة المسئولين فيها عن الانتهاكات والجرائم التى يرتكبها جنودها فى حق الشعوب الأخرى، ويعطى بالتالى المبرر لكثير من قيادات التطرف والإرهاب والهدم فى العالم الإسلامى لتمارس أعمالها ضد المصالح الأمريكية، وتكتسب فى الوقت نفسه مزيدا من القوة والأنصار الكارهين للولايات المتحدة وديموقراطيتها.
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=221146&eid=209
حيث صادف توقيت الكشف عنها سخونة الحملة الانتخابية بين بوش الجمهورى وكيرى الديمقراطى وما يواجه الاحتلال الأمريكى للعراق من انتقادات بسبب تصاعد الخسائر البشرية والمادية الأمريكية هناك، كما سبقتها حملة اتهامات بالتقصير وجهها الكونجرس إلى مسئولى إدارة بوش فيما يتعلق بأحداث 11 سبتمبر 2001.
وإذا كانت هناك للأسف الشديد من حسنة تذكر فى هذه المأساة، فهى شجاعة الإعلام الأمريكى فى كشف أبعاد فضيحة أبوغريب، ولولا إصرار شبكة CBS التى أظهرت الصور الأولى التى بثتها فى قنواتها المرئية فى 29 أبريل الماضى، وما تلا ذلك من حملات إعلامية شرسة شنتها باقى وسائل الإعلام الأمريكية، ما كان العالم قد عرف شيئا عن فضائح وفظائع التعذيب فى سجن أبوغريب فقد بدأت عملية الكشف عن عمليات التعذيب فى أبوغريب بواسطة بعض الجنود الأمريكيين الذين كان لديهم بعض من صحوة ضمير وسربوها لوسائل الإعلام الأمريكية التى نشرتها على نطاق واسع فى أوائل مايو الماضى عملا بحرية الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام الأمريكية، وهى ركيزة أساسية فى نظام المجتمع الأمريكى لا يمكن إنكارها، وحرصا بالطبع على السبق الصحفى، ثم توالت التعليقات فى وسائل الإعلام الأمريكية خاصة من جانب المعارضين للحملة الأمريكية فى العراق، سواء فى الحزب الديمقراطى أو فى الحزب الجمهورى، وجميعها بلا استثناء تقريبا أدانت هذه الأعمال الإجرامية، واعتبرتها عارا وسبة فى جبين الأمريكيين جميعا سواء منهم العسكريون والمدنيون فكان أن أعلن بوش عن اشمئزازه وإدانته واستنكاره لهذه الأعمال الإجرامية، وأكد على محاكمة مرتكبيها وأن ثلاثين تحقيقا تم فتحها حول هذه الجرائم، وأبدى اعتذاره للشعبين العراقى والأمريكى، ووعد بتعويض المتضررين واتخاذ إجراءات تكفل عدم تكرارها كما بذل جهدا كبيرا فى محاولة إقناع العالم بأن هذه الأعمال الإجرامية لا تمثل القيمة الحقيقية والأخلاقية للشعب والجيش الأمريكيين، ولكن حفنة صغيرة من الجنود ولكن فى مواجهة الدعوات المتصاعدة من أعضاء فى الكونجرس ووسائل الإعلام وعدد من كبار ضباط الجيش، والمطالبة باستقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد باعتباره المسئول السياسى الأول عن هذه الفضيحة، أعلن بوش تمسكه بوزير دفاعه قائل: إنه يؤدى عملا رائعا فى مكافحة الإرهاب على مستوى العالم، وإن قيادته للبنتاجون حكيمة وشجاعة وله أداء رائع، وإن الأمة ممتنة لجهوده وكان جون كيرى المرشح الديموقراطى للرئاسة قد جمع 275 ألف توقيع أمريكى مطالبين بإقالة رامسفيلد وكان حتما أن يتدخل أعضاء الكونجرس بمجلسيه من الحزبين الجمهورى الحاكم والديمقراطى المعارض، وتعقد جلسات الاستماع ليدلى جميع المسئولين عن هذه الفضيحة بشهاداتهم علنا أمام وسائل الإعلام الأمريكية وكان على رأسهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ورئيس الأركان المشتركة جنرال مايرز، ومساعد وزير الدفاع لشئون المخابرات ستيفن كامبرن، وقائد القيادة الوسطى الجنرال أبى زيد، وقائد القوات الأمريكية فى العراق الجنرال ريكاردو سانشير، والجنرال أنطونيو تاجوبا، الذى أعد التقرير الداخلى للجيش عن عمليات التعذيب، والجنرال رونالد يورجى مدير المخابرات العسكرية، وتوماس روسيج رئيس القسم القانونى فى سلاح البر والجنرال جيفرى ميللر المسئول عن السجون العسكرية وغيرهم وقد اعترف الجميع بمن فيهم رامسفيلد بارتكاب هذه الجرائم ومسئوليتهم عنها، وأفاد الجنرال مايرز رئيس الأركان الأمريكية المشتركة بأن المخابرات العسكرية الأمريكية تجرى تحقيقات حول الاتهامات الموجهة إلى عدد من أفراد أجهزة المخابرات الأمريكية بتشجيع أو الضغط على الجنود لتعذيب المعتقلين فى سجن أبوغريب كوسيلة للحصول على المعلومات منهم فى أثناء التحقيق معهم، وكرر مايرز محاولات كل من بوش ورامسفيلد لنفى منهجية أعمال التعذيب، وما أورده الكاتب الأمريكى الشهير سيموندهريش فى صحيفة نيويوركر حول تعرض المعتقلين لعمليات تعذيب واسعة النطاق ومنظمة وسادية وفى الوقت الذى أعلن فيه مسئول عسكرى أمريكى كبير أن الجيش الأمريكى وبخ خطيا سبعة من كبار الضباط وضباط الصف لصلتهم بهذه الفضيحة، وبما يؤدى إلى إيقاف ترقيتهم وإنهاء خدمتهم العسكرية، ذكرت (نيويورك تايمز)، بعد أن أوضحت صور ومظاهر التعذيب أن الجيش الأمريكى فعل بالمعتقلين العراقيين ما كان يفعله نظام صدام حسين من تعذيب وإهانة لهم، ومن ثم يتعين على الإدارة الأمريكية أن تفعل أكثر من مجرد الإدانة لممارسات جنودها كما كشفت الصحيفة عن حقيقة مهمة هى أن المسئولين الأمريكيين كانوا على دراية بهذه الممارسات منذ عدة أشهر، ولم يفعلوا شيئا، ويكتفى فقط باعتقال الجنود المتهمين بتسريب صور التعذيب إلى وسائل الإعلام، وطالبت بأن تشمل التحقيقات الجارية دور المقاولين المدنيين الذين يتولون مهمة إعداد المعتقلين للاستجواب بواسطة رجال المخابرات، وذلك من خلال تعذيبهم وبما يؤدى إلى انهيارهم معنويا وجسديا وإطلاق ألسنتهم أما الواشنطن بوست، فقد ذكرت أن لديها وثائق تثبت أن حراس سجن أبوغريب كانوا يعذبون المعتقلين لمجرد اللهو فى بعض الحالات، وأن انتهاكات فاضحة ارتكبت دون أن يكون لذلك أدنى علاقة بجلسات استجواب المعتقلين كما كشفت الواشنطن بوست أيضا عن أن الجنرال سانشيز قد حضر بعض عمليات الاستجواب التى شهدت تجاوزات، وشجع عليها ولم تكن الصحافة البريطانية بعيدة عما جرى من عمليات تعذيب فى أبوغريب، وكشفت عنه وسائل الإعلام الأمريكية وبغض النظر عن الصور (المفبركة) التى نشرتها الديلى ميرور ثم اعتذرت عنها بعد كشفها مما أدى إلى استقالة رئيس تحريرها، فإن صحفا بريطانية أخرى كثيرة ذات مصداقية عالية مثل (الإندبندنت) و(التايمز) أثارت قضية التعذيب، ونجحت فى نقلها إلى مجلس العموم لمناقشتها، وأن الجنود البريطانيين، وبإشراف عناصر من المخابرات البريطانية، قاموا بتعذيب أعداد كثيرة من المعتقلين تمهيدا لاستجوابهم، وأن معتقلين عراقيين أوقفوا قبل شهور فى البصرة تعرضوا بشكل منهجى للضرب والتعذيب بأيدى جنود بريطانيين فى سجن كتيبة لانكشاير الملكية مما أدى إلى موت بعضهم وكشفت صحيفة التايمز اللندنية عن تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية أفاد بأن الجنود البريطانيين قتلوا مدنيين عراقيين لا يشكلون أى تهديد للقوات البريطانية فى العراق، بينهم فتاة لا يزيد عمرها على الثامنة، وأضافت الصحيفة أن الجيش البريطانى لم يكلف نفسه عناء فتح أى تحقيق بخصوص مقتل هؤلاء المدنيين العراقيين دون ذنب، وأن القوات البريطانية تورطت خلال الفترة منذ الأول من مايو عام 2003 وحتى اليوم فى مقتل 37 مدنيا عراقيا وعن مشاركة عناصر المخابرات البريطانية مع مثيلتها الأمريكية فى استجواب المعتقلين بسجن أبوغريب، كشفت الأوبزرفر عن ذلك، وأضافت أن وزارة الدفاع البريطانية أكدت أن ثلاثة من ضباط مخابراتها عملوا فى سجن أبوغريب بين شهرى يناير وأبريل من العام الحالي كما نقلت الصحيفة عن وزير الخارجية فى حكومة الظل مايكل انجرام أن هذه الحقائق تؤكد أنه لا مفر من تقديم وزير الدفاع جيف هون كل المعلومات التى يعرفها حول الموضوع، وضرورة استجواب كل من وزيرى الخارجية والدفاع أمام مجلس العموم لمعرفة مدى تورط المسئولين البريطانيين فى فضيحة أبوغريب أما رد فعل المسئولين البريطانيين، فلم يختلف عن نظرائهم الأمريكيين، من حيث إدانة واستنكار هذه الأفعال والاعتذار عنها ومحاولة حصرها فى أعمال فردية لا تعكس سياسة قوات التحالف فى العراق ورغم ما أظهره استطلاع للرأى حول تدنى شعبية تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا، حيث لا يحظى سوى بتأييد 32% من الناخبين وهى أدنى نسبة له منذ 17 عاما فإنه زعم أن هذه الأعمال الفردية رغم بشاعتها يجب ألا تصرف الأذهان عما أطلق عليه الإنجازات الضخمة لقوات التحالف فى العراق كما نفى بلير اطلاعه على التقرير السرى الصادر عن الصليب الأحمر فى هذا الشأن، أما وزير الدفاع هون فقد أوضح فى جلسة المساءلة أمام مجلس العموم أن التحقيق فى الصور التى نشرتها الديلى ميرور أثبت أنها لم تؤخذ فى العراق، بل مفبركة تقرير الجنرال تاجوبا:ـ نقلت مجلة ذى نيويوركر فقرات عن تقرير للجيش الأمريكى وضعه الجنرال أنطونيو تاجوبا، صادر فى 53 صفحة حول الانتهاكات التى ارتكبها الأمريكيون فى سجن أبوغريب، أكد فيه أن هذه الانتهاكات كانت منهجية وذلك بعكس ما أعلنه وزير الدفاع رامسفيلد بأنها حوادث فردية وأضاف أنه بين أكتوبر وديسمبر عام 2003 وقعت حوادث عديدة من الانتهاكات الإجرامية السادية والخليعة والقبيحة فى حق معتقلين، وقد ارتكبت هذه الانتهاكات المنهجية وغير القانونية عمدا من جانب حراس فى الشرطة العسكرية وبأوامر من ضباط المخابرات العسكرية والمركزية ومحققين من شركات خاصة للأمن، وأن هذه الاتهامات تأكدت بموجب الإفادات المفصلة للشهود، واكتشاف أدلة فوتوغرافية شديدة الوقاحة مشيرا إلى أن هذه الأفلام والصور موجودة فى حوزة قيادة التحقيقات الجنائية وفريق الادعاء الأمريكى وعدد التقرير مجموعة الانتهاكات الصارخة داخل أبوغريب وقد أكد التقرير أن هؤلاء العناصر تلقوا مديحا من رؤسائهم لإقدامهم على هذه الأعمال، وذكر أنهم حصلوا على إشادة من قبيل: عمل جيد أنهم ينهارون بسرعة ويجيبون على كل سؤال ويعطون معلومات قيمة، حافظوا على هذا العمل الجيد وأرجح تاجوبا وقوع هذه الانتهاكات إلى أسباب عدة أهمها فشل القيادة فى الإبلاغ عنها، والفارق الثقافى بين المعتقلين وسجانيهم، وختم التقرير بأن جنودا أمريكيين عديدين ارتكبوا أعمالا فظيعة وانتهاكات صارخة للقانون الدولى فى سجن أبوغريب ومخيم بقع، وفشل مسئولون كبار رئيسيون فى التزام القوانين والإجراءات وتوجيهات القيادة فى تجنب هذه الانتهاكات وطالب بالموافقة على توصيات هذا التحقيق وتطبيقها من أجل خلق الظروف الملائمة لتجنب انتهاك حقوق المعتقلين فى المستقبل وقد أكدت الجنرال جانيس كاربينسكي قائدة لواء الشرطة العسكرية الأمريكية العاملة فى سجن أبوغريب الكثير مما جاء فى تقرير الجنرال تاجوبا، وأوضحت أن القسم الذى جرت فيه إساءة معاملة المعتقلين كان يخضع لسيطرة الاستخبارات العسكرية، وذلك فى محاولة لإبعاد التهمة عنها وعن عسكريين يعملون تحت أمرتها ممن نشرت صورهم فى إطار الفضيحة، وتعتقد كاربينسكى التى أوقفت عن العمل فى يناير الماضى أن القادة العسكريين يحاولون تحويل اللوم عن ضباط المخابرات الذين مازالوا يعملون فى العراق، وإلقاءه بالكامل عليها وعلى عاتق غيرها من الجنود، وعبرت عن استيائها من عدم تسليط الضوء على وحدة الاستخبارات المشرفة على القسم (A 1) من السجن، حيث كان جنودها يحرسون المعتقلين فى الفترات الفاصلة بين جلسات التحقيق معهم، مضيفة أن أولئك الضباط كانوا يدخلون ويخرجون من ذلك القسم على مدار اليوم لاصطحاب المعتقلين من مراكز التحقيق البعيدة عن زنزانات السجن وإليها وأن القسم (A 1) مكون من حوالى عشرين قسما من الزنزانات فى مجمع السجن الضخم وقد كشفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن أن رئيسها جاكوب كيلنيربجر أبلغ كلا من كولين باول وزير الخارجية الأمريكى وكوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومى فى يناير الماضى بوقوع انتهاكات فى سجن أبوغريب، كما حث الإدارة الأمريكية على القيام بعمل تصحيحى فى هذا السجن إلا أن المسئولين الأمريكيين أهملوا هذه القضية حتى أثارتها أخيرا وسائل الإعلام الأمريكية وقد نشرت اللجنة أجزاء من تقرير سلمته إلى السلطات الأمريكية فى فبراير بعد تأكدها من شكاوى عديدة تلقتها عن انتهاكات لا إنسانية تجرى فى هذا السجن ضد المعتقلين وأوضح التقرير الذى يقع فى 24 صفحة أن مسئولين فى اللجنة تمكنوا من التحقق شخصيا من تعرض معتقلين عراقيين لسوء المعاملة على أيدى جنود أمريكيين وبريطانيين، كما تأكدت اللجنة من صحة الصور والشرائط التى نشرت وأن ما بين71 و90% من المعتقلين أوقفوا خطأ، وغالبيتهم خلال عمليات دهم ليلية اتسمت بعدد كبير من العنف وأن مندوبى اللجنة كانوا شهودا مباشرين على أساليب سوء المعاملة هذه أثناء زيارتهم للسجن فى أكتوبر 2003، وأن اللجنة قررت إثر ذلك وقف زياراتها، وطلبت توضيحا من السلطات التى أفادت أن هذه الممارسات هى جزء من عملية الاستجواب كما عرض التقرير 12 وسيلة سوء معاملة أخرى بحق المعتقلين، مشيرا إلى أن العسكريين يطبقونها بشكل منهجى، وأن الجنود يهددون السجناء بالانتقام من أقاربهم أو نقلهم إلى قاعدة جوانتانامو الأمريكية ولاحظ أطباء الصليب الأحمر أن عمليات التعذيب قد أصابت الكثير من المعتقلين بأمراض عضوية ونفسية، ناهيك عن الكسور فى العظام وعدم معالجتها، وأنهم يعانون من عدم التركيز واضطراب فى الذاكرة والكلام، وقلق وسلوك غير طبيعى وميول انتحارية وأوضح التقرير أن بعض المعتقلين لا يتم إبلاغهم بأسباب توقيفهم وتصادر كل أغراضهم الشخصية، كما تتغاضى السلطات عن إخطار عائلاتهم بتوقيفهم مما يشكل انتهاكات لمعاهدات جنيف التداعيات داخل الإدارة الأمريكية: طالب أعضاء كثيرون فى الكونجرس بإقالة دونالد رامسفيلد وزير الدفاع باعتباره المسئول السياسى عن فضيحة أبوغريب، وكذلك معظم وسائل الإعلام الأمريكية والهيئات والمؤسسات السياسية والفكرية فى الولايات المتحدة، بل وضباط كبار فى القوات المسلحة الأمريكية أيضا طالبوا باستبعاده، كما نجح جون كيرى مرشح الرئاسة الديموقراطى فى جمع 275 ألف توقيع أمريكى طالبوا أيضا بإقالته، حيث أسفر استطلاع للرأى قامت به مؤسسة جالوب لصالح شبكة CNN عن أن %49 من الأمريكيين أبدوا عدم رضائهم عن أداء جورج بوش، أما رامسفيلد فقد انتقد أداءه حوالى 45% ممن شملهم استطلاع الرأى، وطالب 30% بإقالته، و 25% فقط أبدوا ارتياحهم لأدائه إلا أنه رغم كل هذا، ورغم ما قيل عن توبيخ بوش لوزير دفاعه بسبب إخفائه موضوع صور الفضيحة رغم علمه بها منذ يناير الماضى، فإن الرئيس الأمريكى دافع عن وزير دفاعه بشدة ورفض إقالته، وهو ما دفع الكثيرين فى العالم عن التساؤل حول سر هذا التحدى الذى يمارسه بوش ووزير دفاعه للرأى العام الأمريكى قبل الرأى العام العالمى، علما بأن رامسفيلد فى شهادته أمام مجلس الشيوخ اعترف تماما بمسئوليته السياسية عما حدث، واعتذاره عنه، كما اعترف أيضا بتستره عليه، ولم يتصرف حياله بالجدية المطلوبة، لكنه لم ينطق بالاستقالة، وبرر ذلك بأن استقالته لن تعدو أن تكون قرص أسبرين ضعيف التأثير والمفعول لن يشفى الإدارة الأمريكية من صداعها المزمن الناتج عن تفجر الفضيحة وتوجد أسباب كثيرة وراء رفض رامسفيلد الاستقالة، أهمها يرجع إلى تكوين شخصيته، وفهمه العميق لطبيعة المناورات السياسية التى تجرى فى دوائر صنع القرار الأمريكى والمؤسسات المؤثرة فيه، وكيفية مواجهتها، حيث يعتبر رامسفيلد من أقطاب الإدارة الأمريكية الحالية، وقد نجا من صعوبات عدة فى الماضى، وهو سياسى مخضرم 71 عاما يندهش المرء لطول بقائه على الساحة السياسية، فقد كان أصغر من تولى المنصب سنا، إذ عمل وزيرا للدفاع أثناء إدارة الرئيس فورد، ما بين عامى 1975 و1977، وكان الأكثر إثارة للجدل من بين من تولوا هذا المنصب فمن المعروف عنه اعتداده الشديد بنفسه، والإصرار على مواقفه رغم كثرة انتقادات الآخرين لها، وعدم اعترافه بأخطائه، بل تبريرها والتمادى فيها، إلى جانب ما يتصف به من غطرسة وغرور وتعال فى التعامل مع الآخرين، حتى مع أقرانه فى الإدارة الأمريكية وأعضاء الكونجرس، وهو ما ظهر واضحا فى ردوده على السيناتور الديموقراطى تيد كيندى، واستخفاف رامسفيلد به ناهيك بالطبع عن عدم تقيده بآراء كبار جنرالات القوات المسلحة الأمريكية وخبرائها، بل ومعارضته لها والتشبث بآرائه وقد كان ذلك واضحا منذ توليه وزارة الدفاع فى إدارة بوش وقبل أحداث 11 سبتمبر عندما فرض على العسكريين مشروعه الخاص بتقليص حجم الجيش الأمريكى فى مقابل رفع كفاءته النوعية بجعله أكثر خفة وحركة جوا وبحرا وبرا، واعتماد الوسائل التى أحدثتها الثورة التكنولوجية العسكرية فى مجالات المعلومات والأسلحة والذخائر الذكية ومرونة القيادة والسيطرة، والهيمنة على الفضاء، ومشروع الدفاع الصاروخى الوطنى NMD الخ، وقد نجح فى فرض مشروعه هذا رغم معارضة كبار قادة الجيش، مما أغضب مجموعات قوية داخل الكونجرس والبنتاجون وهيئة الأركان المشتركة وبدأت الصحف آنذاك تتكهن حول من سيخلفه فى منصبه ولكن وقعت هجمات 11 سبتمبر، والحملة العسكرية الناجحة التى قادتها الولايات المتحدة فى أفغانستان وقضاؤها على معظم كوادر تنظيم القاعدة وحكم طالبان فى زمن قياسى وبخسائر أمريكية محدودة، مما أدى إلى ارتفاع أسهم رامسفيلد ثم بعد ذلك جاءت الحرب فى العراق، لتزيد من رصيده بعد أن نجحت نظريته فى استخدام أقل عدد من القوات وأكثر قدرة تكنولوجية فى تدمير الجيش العراقى واكتساح الأراضى العراقية واحتلال العاصمة بغداد فى غضون ثلاثة أسابيع، غير أن الأمور بعد ذلك بدأت تأخذ منحنى آخر منذ ذلك الحين بسبب أخطاء سياسية غبية اتخذها المسئولون فى الإدارة الأمريكية، ومنهم رامسفيلد نفسه والحاكم فى العراق بريمر، أدت على تردى الأوضاع وتحميل رامسفيلد المسئولية باعتبار وزارته المسئولة عن إدارة الشأن العراقى كله لذلك، فهذه ليست المرة الأولى التى يجد فيها رامسفيلد نفسه فى وضع حرج، ومن ثم لم يكن غريبا عليه أن يذهب عقب استجوابه فى الكونجرس إلى العراق مباشرة، ويزور سجن أبوغريب، ويجتمع بضباطه وجنوده ويحيوه على قوة صلابته فى مواجهة العاصفة ولكن فى المقابل، أدت هذه الصفات التى يتسم بها رامسفيلد إلى زيادة أعدائه، سواء داخل الإدارة أو فى الكونجرس، وكذلك فى قيادات المؤسسة العسكرية فلم يعد خافيا أن فضيحة سجن أبوغريب فجرت خلافات داخل الإدارة الأمريكية بشأن تقديم ضحية من الوزن الثقيل تشير إلى اهتمام الرئيس بوش بسخط لعراقيين والرأى العام الأمريكى والعالمى وتقدم وزير الخارجية كولين باول باقتراح يقضى بإقالة المسئول المباشر عن القوات المسلحة، ويعنى به رامسفيلد، فى حين نصحت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومى بضرورة الاكتفاء بمحاكمة الضباط المسئولين عن المعتقلين مخافة أن تؤثر إقالة وزير الدفاع على سير المعركة الانتخابية وانضم إليها نائب الرئيس ديك تشينى مما اضطر الوزير باول إلى رفع لهجة التحدى عبر برنامج واجه الصحافة فى مقابلة مع شبكة NBC ليعترف بأن وكالة المخابرات المركزية والبنتاجون ضللتا عمدا الأجهزة الحكومية فى تقاريرها عن أسلحة الدمار الشامل العراقية قبل الحرب، وكان واضحا أن باول يستهدف توجيه اتهامات مباشرة إلى عصابة المحافظين الجدد التى تضم تشينى ورامسفيلد وولفويتز وريتشارد بيرل ودوجلاس فيث، وأنهم ليسوا فقط مسئولين عن قضية أسلحة الدمار الشامل، بل عما آلت إليه الأوضاع المتردية فى العراق، بما فى ذلك فضيحة أبوغريب ولكن انحياز بوش الدائم لرامسفيلد، يرجع لإدراك الأخير عدم قدرة بوش على الاستغناء عنه، ليس فقط بسبب إظهار تماسك الإدارة الأمريكية أثناء الحملة الانتخابية، ولكن لصلات رامسفيلد القوية ونفوذه فى شركات صناعة الأسلحة الأمريكية التى تساهم بأكبر قدر فى تمويل الحملة الانتخابية لبوش، مما جعل رامسفيلد ينظر باستخفاف للمعلومات الأولية التى جاءته عن نشر صور ما يجرى فى أبوغريب، ولم يجد ضرورة لإطلاع بوش عليها باعتبارها من المسائل الشائعة فى الحروب، والضرورية لانتزاع المعلومات من المعتقلين، والتى يصعب إخضاعها للقوانين الدولية واتفاقية جنيف، لا سيما وأنه أعلن فى فبراير 2002 أن وضع أسرى الحرب كما ورد فى اتفاقية جنيف لا ينطبق على المعتقلين من الأفغان العرب وجنسيات أخرى فى معتقل جوانتانامو، وقد كان رامسفيلد وراء قرار الإدارة الأمريكية رفض إخضاع الجنود الأمريكيين لمحاكمة مجرمى الحرب، بهدف إعفائهم من هذه المسئولية كما أن استمرار التعامل مع الملف العراقى سياسيا وعسكريا حتى اليوم وغدا يتطلب فى نظر بوش استمرار وجود وزير على رأس البنتاجون يملك عزما وصلابة خاصة، ولا شك فى أن رامسفيلد لا يعوزه أى من هاتين الصفتين كما لا يمكن تجاهل تأثير حملة انتخابات الرئاسة على قرار بوش التمسك برامسفيلد، فهو أحد أركان إدارته وأبرز مستشاريه فى إدارة هذه الحملة، وإعداد أجندة قضاياها الداخلية والخارجية فى مواجهة خصمه الديمقراطى جون كيرى، ناهيك عما يتمتع به رامسفيلد من دعم اللوبى الصهيونى المؤثر بقوة فى الحملة الانتخابية، ولا سيما مع نفوذه القوى داخل منظمة (إيباك) التى تعتبر أقوى منظمات هذا اللوبى فى الولايات المتحدة لذلك فإن استبعاد رامسفيلد فى هذا التوقيت بالذات سيحوله إلى سلاح قوى فى أيدى خصوم بوش الديمقراطى، حيث سيتيح لهم فرصة فتح ملف إخفاق الإدارة الأمريكية فى العراق، وبحث الأخطاء السياسية والاستراتيجية التى وقعت فيها هذه الإدارة، والمساءلة حول الثمن العائد على الولايات المتحدة من وراء سقوط 833 قتيلا أمريكيا فى هذه الحملة حتى 9 يونيو وإصابة ضعف هذا العدد، وتفاقم الانفاق المالى، حيث ينفق البنتاجون 39 بليون دولار شهريا فى العراق هذا بالإضافة لمساءلات سياسية أخرى حول تدهور الروح المعنوية للجنود الأمريكيين فى العراق، واضطرار البنتاجون إلى تغيير خططه بعدم تخفيض حجم القوات الأمريكية فى العراق، وتغييرهم بآخرين، مع استمرار باقى دول التحالف فى سحب قواتها من هناك تحت ضغط المقاومة العراقية، وتحول العراق إلى ساحة لعمل المنظمات الإرهابية، وفقد أمريكا لكثير من أصدقائها فى العراق وخارجه وفى المقابل زيادة أعدائها، وذلك نتيجة أخطاء سياسية واستراتيجية شارك فيها بوش ورامسفيلد حولت انتصارهم التكتيكى إلى هزيمة سياسية تأثير الفضيحة على الجيش الأمريكى: كان لكشف فضيحة أبوغريب تأثيرات سلبية عديدة داخل الجيش الأمريكى وقياداته، كما كشفت عن عورات كثيرة فى البناء المعنوى والاجتماعى لضباط وجنود هذا الجيش، تشكل عوامل هدم خطيرة فى المؤسسة العسكرية الأمريكية لا تجعل للتفوق التكنولوجى الذى يتمتع به هذا الجيش أدنى قيمة فلا يمكن تجاهل الفقرة التى وردت فى تقرير الجنرال تاجوبا السابق الإشارة إليه، والتى طالب فيها بإصلاح الأخطاء الموجودة فى هيكلة الجيش الأمريكى، وأخطرها تدهور مستوى الانضباط العسكرى، وضعف التدريب، وغياب الإشراف، وانخفاض الروح المعنوية نتيجة ما يشعر به الجندى الأمريكى من إحباط أكد هذا المفهوم أيضا الجنرال تشارلز سواناك قائد الفرقة 82 اقتحام جوى وهى من أبرز فرق الجيش الأمريكى والذى صرح بأنه رغم النجاحات التكتيكية التى تحققت فى العراق، فإن الولايات المتحدة ستخسر على المستويين الاستراتيجى والسياسى إذا لم تبادر الإدارة الأمريكية بإجراء إصلاح جذرى فى سياستها الخارجية والدفاعية بالعراق، إذا كانت المصالح الأمريكية تتطلب بقاء القوات الأمريكية فى العراق وقد شبه أحد القادة العسكريين الإدارة الأمريكية فى واشنطن بقائد طائرة مختطف أراد القضاء على مختطفى الطائرة، فضحى بنصف ركابها وتسبب فى انفجارها، وهذا أقرب ما يكون لسياسة (الهروب إلى الأمام) التى تتبعها الإدارة الأمريكية فى العراق وتبرز خطورة هذا الأمر فى أنه لا يقتصر فقط على عناصر الشرطة العسكرية والمحققين من رجال المخابرات العسكرية، ولكن امتدت أعمال التحقيق إلى واحد من أهم تشكيلات القوات الخاصة الأمريكية، وهى الوحدة (دلتا) التى تعتبر من قوات النخبة، حيث مارس أفراد منها عمليات تعذيب وحشية ضد المعتقلين العراقيين فى سجن كامب كروبيير القريب من مطار بغداد، وما يتصف به هؤلاء الجنود من سادية حيث استمر أحدهم فى ضرب أحد المعتقلين فى قضبان الزنزانة حتى سالت دماؤه وسقط مغشيا عليه من الإعياء وسأل جندى آخر أحد المعتقلين عما يؤمن به فأجابه أنه يؤمن بالله، فرد عليه الجندى لكننى أومن بالتعذيب وسأعذبك وظل يضربه على ساقه المكسورة طالبا منه أن يسب دينه الإسلامى، ويشكر المسيح لأنه حى كما أجبروا بعض المعتقلين على تعاطى المخدرات ووضعوا رءوسهم تحت الماء حتى أوشكوا على الاختناق وفيما يشبه محاولة انقلاب ضد رامسفيلد، نشرت الواشنطن بوست تقريرا مطولا عن مشاعر الغضب والحرارة بين كبار ضباط الجيش ومستشارى وزارة الدفاع بسبب سياسات دونالد رامسفيلد التى ستتسبب فى أن تخسر الولايات المتحدة الحرب فى العراق استراتيجيا، وتحولها إلى فيتنام أخرى، وأن هذه المشاعر تنتشر فى أروقة الجيش وتم التعبير عنها للمرة الأولى علنا وأنحى جنرالات بارزون باللائمة على رامسفيلد وكبار مساعديه، وأولهم بول وولفويتز فيما تتعرض له القوات الأمريكية فى العراق من أزمات وخسائر، وذلك لأنهم لم يخططوا لاستراتيجية واضحة للحرب وكيفية الخروج منها بأقل خسائر بعد تحقيق أهدافها، وقال أحد الجنرالات إنه لو كان كولين باول رئيسا لهيئة الأركان لما وافق على إرسال قوات إلى العراق بدون استراتيجية محددة أما الجنرال المتقاعد أنتونى زينى قائد القيادة الوسطى السابق فقد طالب باستقالة كبار المسئولين فى وزارة الدفاع، وعلى رأسهم رامسفيلد بسبب فشلهم وعجزهم عن استيعاب الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية لخطة الغزو التى وضعها بنفسه، وأنه يوجد قصور فى نشر العدد الكافى من القوات بالعراق، وعند تنفيذ خطة العمليات الموضوعة، وأن السياسة الأمريكية الحالية فى العراق تشبه رجلا يسير بقدميه نحو حتفه أما فى الكونجرس فقد ذكرت السيناتور ليندى جراهام أنه من الواضح وجود أخطاء فى بنية نظام الجيش، ومن غير المقبول أن يتحمل بعض الجنود والضباط الصغار المسئولية الكاملة لما حدث فى سجن أبوغريب، وأن يصبحوا بمثابة كبش فداء لإنقاذ الرؤوس الكبيرة فى البنتاجون كما تساءل السيناتور تشاك هايجل عن إمكانية استمرار رامسفيلد ورئيس هيئة الأركان الجنرال مايرز فى منصبيهما فى مثل هذه الظروف وما إذا كانا سيحظيان بثقة واحترام الجيش فى ظل هذه الفضيحة، وأعرب أعضاء مجلس الشيوخ عن غضبهم من تصريحات نائب الرئيس تشينى والتى طالب فيها أعضاء الكونجرس بترك رامسفيلد لحاله والكف عن مطالبته بالاستقالة أما السيناتور الجمهورى بات روبرتس رئيس لجنة المخابرات بمجلس لشيوخ فقد قال إنه سيصعق إذا كانت المزاعم حول رؤية الجنرال سانشيز لعمليات التعذيب صحيحة كما أوضح السيناتور جاك ريد أن المشكلة ليست فى الأشياء التى يعرفها ولكنها فى المسائل التى لم يعرفها برغم أنه مسئول عن معرفتها لكونه أكبر قائد عسكرى فى العراق وفى تقرير أعده الكولونيل هنرى نيلسون وهو طبيب نفسى بالجيش عزا فيه الانتهاكات التى ارتكبت فى أبوغريب إلى حالة الغضب والإحباط التى أصابت الجنود بسبب ظروف عملهم فى العراق، وسادية وعنصرية بعضهم، فضلا عن غياب أى إشراف ذى معنى من جانب قادتهم وشدد نيلسون فى تقريره على أن ما حدث فى أبوغريب يعتبر ظهورا لأسوأ الصفات الإنسانية، وأقذع السلوكيات البشرية فى مناخ من الخطر والسلبية داخل بيئة مغلقة هى السجن وأوضح أن سلوك الجنود المتورطين كان ساديا وينم عن أمراض نفسية، وأن السماح بهذا السلوك والموافقة عليه كان بمثابة مؤامرة على الصمت، اشترك فيها كل من كانوا فى السجن كما أشار التقرير إلى أن هناك عوامل نفسية وثقافية أسهمت فى حدوث الانتهاكات، حيث وجد الجنود أنفسهم للمرة الأولى منغمسين فى ثقافة إسلامية، وفى عقولهم ارتباط شرطى بين المسلمين والإرهابيين، مما ولد لديهم انطباعات خاطئة، وخوفا وانتقاصا من قيمة السجناء وقد انتقد تقرير الكولونيل نيلسون الجنرال جانيس كاربينسكى التى كانت تقود اللواء 800 للشرطة العسكرية والقادة الذين أداروا عمليات المخابرات العسكرية ضرورة المحاكمة كمجرمى حرب: لم يكن كافيا فى نظر الرأى العام العالمى الذى هزته فضيحة أبوغريب أن تكتفى الإدارة الأمريكية بالاعتذار عما حدث وتعويض الضحايا وتخفيض عدد المعتقلين فى سجون العراق، بالإضافة لنقل الجنرال سانشيز من منصبه كقائد للقوات الأمريكية بالعراق واستبداله بالجنرال جورج كايس مع إعطاء الأخير صلاحيات أوسع لم يكن كل ذلك كافيا ليخفف من وقع الصدمة التى أصابت الرأى العام العالمى بمن فى ذلك الأمريكيون أنفسهم، حيث طالب الكثيرون بمحاكمة المسئولين عن هذه الجرائم كمجرمى حرب أمام محكمة عسكرية كالتى أنشئت فى العراق لمحاكمة أركان النظام الصدامى السابق، على أن يمتد اختصاصها إلى ما يقع من مخالفات وانتهاكات لاتفاقيات جنيف والمواثيق الدولية من جانب قوات الاحتلال فى العراق تجاه الأسرى والمدنيين، كما تم من قبل مع مجرمى الحرب فى البوسنة وصربيا ورواندا، وصدرت أحكام بمعاقبة بعضهم بالسجن 45 سنة، ناهيك عن محاكمة سلوبودان ميلوسيفيتش رئيس يوجوسلافيا السابق على جرائمه فى حق مسلمى البوسنة وكوسوفو، ومن ثم فإن السوابق الدولية تحتم تطبيق الاتفاقيات الدولية على الأوضاع الراهنة فى العراق، لا سيما وأن الأدلة الدامغة المتوافرة تشكل قوائم اتهام كافية لمحاكمة المسئولين عن هذه الجرائم، ولا يعتد فى هذه الحالة كما يقول د فؤاد عبدالمنعم رياض أستاذ القانون الدولى بعدم علم القيادات أو جهلها بالجرائم التى وقعت، فالقيادات مسئولة عن جنودها فى كل الأحوال، وعدم إحاطتها بالانتهاكات لا يعفيها من المسئولية، بل أن العلم بها والسكوت عليها يعدان مشاركة فى ارتكابها وإذا كانت المحاكمات العسكرية قد بدأت بمحاكمة صغار الرتب من الضباط وضباط الصف والجنود الذين كشفت عنهم الصور وشرائط الفيديو وشملتهم التحقيقات، فإن المطلوب بقوة هو محاكمة كبار المسئولين عن هذه الجرائم، سواء كانوا سياسيين أو عسكريين، ذلك أن من شملتهم هذه المحاكمات حتى اليوم اعترفوا بأن ما ارتكبوه من انتهاكات كان بأوامر وتوجيهات من رؤسائهم وبرضائهم، كما أن الأحكام التى صدرت حتى الآن والمتوقعة طبقا لقوانين المحاكم العسكرية الخاصة لا تتناسب أبدا مع حجم الجرائم التى ارتكبت، حيث تشمل الأحكام السجن لمدة سنة أو تنزيل الرتب، وخفض الراتب والبدلات، ولا تصل حتى إلى مستوى الطرد من الخدمة العسكرية التى لا تطبقها إلا المحاكم العسكرية العامة وهو ما يؤكد أن هذه المحاكمات شكلية وتستهدف فقط تحسين سمعة الإدارة الأمريكية التى تأثرت محليا ودوليا وقد كشفت محاكمة جندى أمريكى، هرب من وحدته العسكرية فى العراق، عن أنه اضطر لذلك لتجنب تلقى أوامر من قادته بتعذيب الأسرى العراقيين، وأشار محامى هذا الجندى إلى أن الوحدة التى كان يتبعها موكله كانت تتبع أساليب قاسية فى معاملة الأسرى وكانت مجلة (نيويوركر) قد نشرت تقريرا يفيد بوجود برنامج مشترك بين وكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع لإذلال السجناء ووجود خطة سرية أقرها وزير الدفاع رامسفيلد لتشديد أساليب الاستجواب للتصدى للمقاومة العراقية المتصاعدة، كما كشفت نيويورك تايمز عن رسالة سرية وجهها الجيش الأمريكى فى ديسمبر الماضى إلى الصليب الأحمر يعلن فيها أن عددا من المعتقلين العراقيين لا يمكنهم المطالبة بالاستفادة من اتفاقيات جنيف، وشددت الرسالة التى صاغها محامون عسكريون ووقعتها الجنرال جانيس كاربينسكى على الضرورات العسكرية لعزل بعض الموقوفين فى سجن أبوغريب لاستجوابهم نظرا لما بحوزتهم من معلومات استخباراتية أما صحيفة ذى أوبزرفر اللندنية فقد ذكرت أن العسكريين الأمريكيين والبريطانيين يتمتعون بالحصانة بعد تسليم السلطة إلى العراقيين فى 30 يونيو، وبالتالى فإن قوات الاحتلال ستبقى فى منأى عن أى ملاحقة قضائية رغم الاتهامات الموجهة إليهم بشأن عمليات التعذيب كما أشارت صحيفة الواشنطن بوست فى 9 مايو 2004 إلى أن مستويات عليا فى وزارتى الدفاع والعدل الأمريكيتين قد وافقوا فى أبريل 2003 على لائحة سرية تتضمن 20 طريقة لإجراء عمليات الاستجواب فى معتقل جوانتانامو الذى تحتجز فيه الولايات المتحدة نحو 600 من أعضاء حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة من 40 دولة منذ أكثر من عامين، ومعظم هذه الأساليب سبقت الإشارة إليها فيما ارتكب من جرائم فى سجن أبوغريب، ولكن تنص اللائحة على أن استخدام كل هذه الأساليب يتطلب الحصول على إذن من كبار مسئولى البنتاجون، وفى بعض الحالات من رامسفيلد شخصيا، إلا أن ذلك لم يكن بالطبع مطبقا، لا فى جوانتانامو ولا فى سجون العراق وتعتبر هذه اللائحة أول تعليمات رسمية تسمح للمحققين باستخدام أساليب تهدف إلى إرهاق المعتقلين جسديا ونفسيا قبل إخضاعهم للاستجواب هذا رغم ما يعرفه خبراء التحقيق والاستجواب من أن أى معلومات يتم الحصول عليها بالقوة لا تتمتع فى أغلب الأحيان بالمصداقية ورغم ما تنص عليه هذه اللائحة أيضا من أنه يتعين على المحققين أن يثبتوا أن أساليب المعاملة القاسية للمعتقلين قبل استجوابهم أملتها الضرورة العسكرية، وأن هذه المعاملة الخاصة يجب أن ترافقها مراقبة طبية ملائمة، فقد ضرب المحققون فى سجون العراق بكل ذلك عرض الحائط ولكن بعد انتشار أخبار فضيحة سجن أبوغريب، أجرت إدارة السجون الحربية الأمريكية برئاسة الجنرال جيفرى ميلر تعديلات فى هذه اللائحة، أو ما أطلق عليه إصلاحات حيث أصبح قائد الوحدة العسكرية أو الشرطة مسئولا عن مهمة الاعتقال، وقائد المخابرات العسكرية مسئولا عن الاستجواب، وكلاهما مسئول أمام الجنرال ميلر شخصيا ومباشرة أما فرقة النمر التى تتولى عمليات الاستجواب فإنها تتشكل من مجموعات Teams كل منها يتكون من 21 محقق ومحلل ومترجم، على أن توضع خطة للاستجواب توضح الأساليب التى ستتبع لجمع المعلومات، وهذه الخطة يصدق عليها المشرف على الاستجواب، ويحظر استخدام أى أسلوب خلاف الموضح بالخطة وخلال تنفيذها يقوم المحلل بمراقبة عملية الاستجواب من خلف ساتر، ويمكنه التدخل لتغيير أسلوب الاستجواب فى إطار الخطة إذا تطلب الأمر ذلك، وقد تقلصت طرق الضغط على المعتقلين من 20 طريقة إلى خمس طرق فقط، تشمل الوقوف ساعات طويلة وفى أوضاع غير مريحة، وعكس ساعات النوم، والتعرض للموسيقى الصاخبة وحرارة الجو عدة ساعات، وتأخير توقيتات تناول الطعام، والبقاء فى الحبس الانفرادى عدة أيام ويقوم رؤساء فرق الاستجواب بزيارات مفاجئة لإجراء تقييمات لعمليات الاستجواب، والتأكد من تطبيق اللائحة أما رامسفيلد فقد أصدر أمرا يمنع استخدام الجنود للهواتف المحمولة المزودة بكاميرات فى العراق، ذلك لأن صور التعذيب التقطت بواسطة هذا النوع من الهواتف، كما يشمل الحظر أيضا الكاميرات الرقمية، وقد يمتد إلى جميع معسكرات وقواعد الجيش الأمريكى فى العالم وبجانب قرار الرئيس بوش بإغلاق وهدم سجن أبوغريب وإقامة سجن آخر، وذلك بناء على قرار من الكونجرس، وهو ما سيكلف وزارة الدفاع 42 مليون دولار، فقد بدأ إجراء تحقيق حول ممارسات ضباط المخابرات العسكرية ومسئوليتهم عن الفضيحة، يقوم به الجنرال جورج فاى نائب رئيس أركان القوات البرية لشئون الاستخبارات، لا سيما بعد أن شهد كثيرون بأن المخابرات العسكرية كانت تسيطر على قاعات السجن التى شهدت تعذيب المعتقلين، وما أشار إليه تقرير الجنرال تاجوبا حول تورط المخابرات العسكرية فى هذه الفضيحة، واعتراف الرقيب صموئيل بروفانس العامل فى المخابرات العسكرية بأن الإهانات الجنسية وسيلة أمرت بها المخابرات العسكرية، وأن هناك رغبة قوية فى خنق القضية ولا يمكن فصل ما حدث فى سجن أبوغريب من جرائم عن الحملة السياسية والإعلامية التى أثارتها الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 ضد الإسلام والمسلمين باعتبارهم إرهابيين، وما واكب ذلك من كتابات حول صراع الحضارات، وأن الإسلام هو العدو الأول للغرب بعد سقوط الشيوعية، وما تلا ذلك من حرب فى أفغانستان، واستصدار تشريعات أمريكية وأوروبية تقيد حرية دخول العرب والمسلمين إلى الولايات المتحدة ودول أوروبية، واعتقال وطرد آلاف العرب والمسلمين من هذه الدول، والزج بالآلاف منهم فى سجون ومعتقلات جوانتانامو وأفغانستان والعراق، بل فى السجون الأمريكية أيضا تلك كانت البداية الحقيقية للفظائع التى وقعت فى سجن أبوغريب بناء على تعليمات قيادات عسكرية أمريكية عليا فى جهاز المخابرات العسكرية برئاسة الجنرال بويدن، الذى سب الإسلام والمسلمين فى عدد من تصريحاته، ورفض رامسفيلد إبعاده من منصبه هذا هو التحدى الأخلاقى الذى تواجهه أمريكا من حيث تشدق قادتها بالحرية والديموقراطية، فى حين ترفض محاسبة المسئولين فيها عن الانتهاكات والجرائم التى يرتكبها جنودها فى حق الشعوب الأخرى، ويعطى بالتالى المبرر لكثير من قيادات التطرف والإرهاب والهدم فى العالم الإسلامى لتمارس أعمالها ضد المصالح الأمريكية، وتكتسب فى الوقت نفسه مزيدا من القوة والأنصار الكارهين للولايات المتحدة وديموقراطيتها.
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=221146&eid=209