سباحة في ملكوت الفاتحة*
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين } أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني وهي الوافية والكافية قرأها رسول الله ثم قال : هي سبعٌ يا أم سلمة . أي سبع آيات.
وأخرج مسلم والنسائي وابن حبان والطبراني والحاكم عن ابن عباس قال "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعنده جبريل إذ سمع نقيضا من السماء من فوق،( جلبة قوية ) فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: يا محمد هذا ملك قد نزل ، لم ينزل إلى الأرض قط، قال: فأتى النبيَّ فسلم عليه فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي من قبلك. فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ حرفا إلا أوتيته ".
وأخرج أبو عبيدة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ثلاثين راكبا، فنزلنا بقوم من العرب، فسألناهم أن يضيفونا فأبوا، فلدغ سيدهم فأتونا فقالوا : أفيكم أحد يرقي من العقرب؟ فقلت: نعم أنا. ولكن لا أفعل حتى تعطونا شيئا قالوا: فإنا نعطيكم ثلاثين شاة فقال: فقرأت عليها {الحمد} سبع مرات فبرأ، فلما قبضنا الغنم عرض في أنفسنا منها، فكففنا حتى أتينا النبي فذكرنا ذلك له قال : أما علمت أنها رُقـْية! اقتسموها واضربوا لي معكم بسهم .
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان بسند جيد عن عبد الله بن جابر أن رسول الله قال له : ألا أخبرك بأخْيَر سورة نزلت في القرآن؟
قلت: بلى يا رسول الله
قال: فاتحة الكتاب. وأحسَبه قال : فيها شفاءٌ من كل داء ".
وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: أمرني رسول الله ، قال " كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ".( والخداجُ النقصان)
عن أبي هريرة قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل : قسمتُ الصلاة بيني وبين عبديَ نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل" ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اقرؤا... يقول العبد { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين } فيقول الله: حمدني عبدي.
ويقول العبد { الرَّحْمَنِ الرَّحِيم } فيقول الله: أثنى علي عبدي.
ويقول العبد { مَالِكِ يَوْمِ الدِّين } فيقول الله مجدني عبدي،
ويقول العبد { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين } فيقول الله: هذا بيني وبين عبدي، أولها لي وآخرها لعبدي وله ماسأل.
ويقول العبد { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } فيقول الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.( من الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي )
يقرؤها الإنسان في اليوم عشرات المرات
- يقرؤها في الفرض سبع عشرة مرة .
- يقرؤها في السنة المؤكدة عشر مرات .
- يقرؤها في السنة غير المؤكدة ست مرات .
- يقرؤها في النوافل ما شاء الله له أن يقرأها .
- يقرؤها في غير الصلوات ما شاء الله له أن يقرأها .
بِسْمِ اللّه
- كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بسم الله فهو أقطع.
- الاسم من الوسم أو من السمو ، وكلا الأمرين حقيق بالاسم.
- من السمو: ( فع) ومن الوسم ( عل) .
- الله : من ( أله) والوزن : ( العال) ، حذفت فاء الإله.
-الإله من يستحق العبادة فهو الخالق العظيم.
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن جذر كلمتي " الرحمن والرحيم " هو –رحم – ومع ذلك فإن كل واحدة تمتاز بسمات خاصة ، وهذا من جمال اللغة العربية وروعتها ، ولهذا مدح الله تعالى هذه اللغة مرات عديدة في كتابه الكريم .
الرَّحْمَن : كلمة تدل على القوة والعظمة ، والقدرة والقهر ، والسيطرة والهيمنة . ونجدها ترِدُ مع العذاب وتهديد العاصي والمشرك وتهديد الكافر ، وترد مع الدعوة إلى الإيمان بالرحمن والسجود له و.. مثال ذلك :
{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ... (63)}(الفرقان)
{ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ
(11)}(يس)
{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)}(الزخرف)
{ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ ...(20)}(الملك)
{ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ... (29)}(الملك)
الرَّحِيمِ : كلمة تدل على اللطف والرحمة ، والعطف والغفران ، والسماح والصفح .. ونجدها في كل الآيات الداعية إلى الإيمان والاستغفار والتوبة ، ترِدُ مع الحِلم والمغفرة والعفو و.....مثال ذلك في الآيات التالية :
{ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
(160)}(البقرة)
{ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192)}(البقرة)
{...أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (218) }(البقرة)
{ وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)}(هود)
{… إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7)}(النحل)
وقد ترِدان معاُ لتدلا على الأمر كله :
{ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)}(النمل)
{ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)}(الفاتحة)
{ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}(البقرة)
- والملاحظ أن الصفتين حين تجتمعان ترى كلمة الرحمن قبل كلمة الرحيم. فهو الذي يفعل ما يشاء ويقدر عليه ولا يحتاج لأحد ( هو الصمد )، وهو رحيم بعباده حين يقبلون عليه سبحانه .
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين :
- ال : الحمد ( للاستغراق. ال: الجنس)
- لماذا لا أقول : حمدي لله. ( ابن قيم الجوزية رحمه الله ينبه إلى أن تعظيم الله أن أخاطبه باسم البشرية كلها وأنا واقف أمامه ، وكل منا يستحضر إخوانه ويخاطب ربه بألسنتهم جميعاً . والدليل على ذلك في هذه السورة مخاطبة العبد ربه بصيغة الجمع { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)}
- لماذا لم أقل : أحمد الله رب العالمين. بالفعل المضارع.؟
إن الحمد اسم يدل على الثبات واستغراق الأزمنة كلها ، والفعل يدل على الحدوث في الحاضر ، والثبات أقوى من الحدوث وأعمّ .
-الفرق بين الحمد والشكر :
الشكر على الخير: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ...(7)}(إبراهيم) .
الحمد على السراء والضراء ، فهي أعم من الشكر .
- والسور الخمس في القرآن التي بدأت بالحمد هي: ( الفاتحة ، الأنعام ، الكهف ، فاطر، سبأ ) . ففي الفاتحة : { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
وفي الأنعام : { الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ }
وفي الكهف : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا }
وفي فاطر: { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
وفي سبأ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }
- اللام لام الملكية ( لله) فالذي يستحق الحمد هو الله تعالى ، والحمد كله لمولانا.
- ربّ : من الربوبية فهو الخالق والرازق والمنعم والمتفضل.
- ومن التربية والتنمية والعطاء .
- ولأنه رب العالمين ( من الربوبية ) . وأغلب الناس حتى الكفار يقرون لله بربوبيته ويعترفون أنه خالقهم ورازقهم والمتفضل عليهم .
- لكنّ المسلمين فقط يقرون له ( بالألوهية ) وأنه وحده يستحق العبادة ، ولا تكون العبادة لله إلا بالطاعة والعمل بشرعه سبحانه ، فنعمل بما أمر وننتهي عما نهى .
الْعَالَمِين :
- أهناك عالم واحد أو أكثر من عالـَم ، فقد قال : { رَبِّ الْعَالَمِين } ...
- قد يكون المقصود بالعالمين : عالم الأنس وعالم الجن وعالم الحيوان وعالم الجماد ، وعالم الحركة وعالم السكون.
- وقد يكون المقصود عوالم أخرى غير السموات والأرض . استدلالاً بقوله تعالى في سورة فصلت : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)}
- موسى يقول : يارب لو أنهما لم تأتياك طائعتين ما أنت فاعل بهما؟
قال : أسلط عليهما دابة من دوابّي فتبتلعهما .
قال يارب : فأين دابتك؟
قال: في مرج من مروجي .
قال : يارب : فأين مروجك ؟ .
قال : في علم من علمي .
سبحانه من إله .
- ولا ننسَ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو ذر وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة : ( ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، و فضلُ العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ).
- كنت أقرأ في السبعينات من القرن الماضي في مجلة حضارة الإسلام أن قطر السماء الدنيا سبعون مليار سنة ضوئية ، ونعلم أن سرعة الضوء في الثانية ثلاث مئة ألف كيلو متر ...
فإذا ضربت هذا العدد بستين علمت سرعة الضوء في الدقيقة ،
فإذا ضربت الناتج بستين علمت سرعة الضوء في الساعة
فإذا ضربت الناتج بأربعة وعشرين علمت سرعة الضوء في يوم ،
فإذا ضربت الناتج بثلاثمئة وخمسة وستين يوماً علمت سرعة الضوء في سنة
واضرب الناتج بعد ذلك بسبعين ملياراً ،
ثم قال العلماء : وقد يكون قطر السماء الدنيا أضعاف ذلك والله أعلم .
- وفي السنة الثانية من هذا القرن قدر العلماء قطر السماء الدنيا بمئة وأربعين مليار سنة ضوئية وقالوا : قد يكون قطرها أضعاف ذلك والله اعلم .
- وفي السنة الخامسة اكتشف العلماء مجرة جديدة قطرها خمسون مليار سنة ضوئية ، ولا ننسَ المسافة الهائلة بين المجرات وبين كل مجرة ومجرة سديم عظيم من الظلام. ..
-وهذا فقط في السماء الأولى ..
فماذا نقول عن السماء الثانية التي تحيط بها ؟
وماذا نقول عن الثالثة التي تحيط بالثانية ؟ ...
وعن السابعة التي تحيط بالسادسة ؟
{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)}(الزمر)
فسبحان الخالق العظيم. ... سبحان الخالق العظيم....
مَالِكِ يَوْمِ الدِّين :
- هناك مالك وملك
- قد يملك المالك ولا يحكم .
- وقد يحكم الملك ولا يملك .
- لكن الله مالكٌ وملكٌ يحكم .
- يَوْمِ الدِّينِ : يوم الخضوع لحكم الله تعالى : وسمي المَدين هكذا مديناً لأنه يخضع للدائن. وذلك اليوم ( أطول يوم في الحياة ) مقداره خمسون ألف سنة { يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}(الإنفطار) .
- وهذا تنبيه إلى الحساب والعقاب
-وأسلوب فيه ترغيب وترهيب.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين :
- نعبدك ونستعينك غير إياك نعبد وإياك نستعين.
ـ في الثانية أسلوب القصر، فلا عبادة إلا لله . وليست الأولى كذلك.
-وقدم ضمير النصب المنفصل على الفعل لقصر العبادة والاستعانة على الله تعالى .
- وقدمت العبادة على الاستعانة ، فمَن عَبدَ الله حقَّ العبادة لم يستعن بغيره.
-إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله .
- ولا ننس أن العبادة إفراد الله بالطاعة أمراً ونهياً . فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيم :
- يأمرنا الله تعالى أن نضرع إليه في الهداية مراراً وتكراراً .
- والمضحك أن نصرانياً سخر من المسلمين في إحدى غرف (البالتوك) إذ قال : إننا معشر النصارى هادون مهديون . وأنتم يا مسلمون ضالون مضلون . والدليل على ذلك أنكم تطلبون الهداية بإلحاح في الفاتحة ، ولو كنتم تشعرون بالهداية في جوانحكم ما دأبتم على طلب الهداية !.
- فكان جوابي مختصراً :
إن الهداية في أمور عدة وهي مطلوبة باستمرار ما دمنا على..
أ- قيد الحياة :
1 - فالهداية إيمان بالله لا ينقطع ،
2 - وطلبٌ من الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا فالإيمان يزيد بالتقوى ، وينقص بالخطايا ، والقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ،
3 - ونحن ندعو بدعاء نبينا صلى الله عليه وسلم : ( يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك ) ،
4 - ومن معاني الهداية أن نعمل بمقتضى الإيمان عبادة وسلوكاً فلا إيمان بلا عمل ولا عمل بغير الإيمان.
5 - وفي الغرغرة نسأل الله أن يميتنا على الإسلام .
ب ـ بعد الموت :
1 - تكون الهداية بالثبات في سؤال القبر عن الإيمان بالله تعالى والإسلام ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم .
2 - ثم بالبعث مطمئنين إلى عفو الله الكريم حيث لا شمس ولا قمر وإنما لكل إنسان نور منبعث منه حسب قوة إيمانه في ظلام البعث والنشور ،
3 - ومن الهداية أن يستظل المرء بظل عرش الرحمن في ذلك اليوم الطويل حين ترسل الشمس قريبة من رؤوس الخلائق،
4 - ومن الهداية ذلك اليوم أن يأخذ المرء كتابه بيمينه فيفوز فوزاً عظيماً ويحاسب حساباً يسيرا.
5 - ومن الهداية في ذلك اليوم أن تكون حسناته بفضل الله أكثر من سيئاته فينجو من النار .
6 - ومن الهداية أن يجوز الصراط المستقيم فينجو من السقوط في جهنم بفضل الله ومنّه سبحانه .
7 - وأعظم هداية في الحياة كلها أن يفوز بجنة عرضها السموات والأرض وأن يحظى برؤية وجه الله الكريم سبحانه ..
اللهم بلغنا ذلك يارب العالمين .
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ :
- تعريف بالصراط الذي ينشده المسلم :
هوالصراط المستقيم الذي : { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)}(فصلت) .
- إن الذين نالوا النعمة هم المؤمنون الموحدون
- والله تعالى هو الذي أنعم علينا بنور التوحيد ، ولولا الله ما هتدينا ولا صمنا ولا صلينا .
- ولا يدخل أحد الجنة بعمله حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر الحديثُ الشريف : ( ما منكم من أحد ينجيه عمله )،
قالوا : و لا أنت يا رسول الله ؟
قال : ولا أنا ، إلا* أن *يتغمدني الله برحمته.
- ولم يقل (غير الذين غضبت عليهم ) تأدباً مع الله تعالى ، فلا ينسب الخير إلا إليه ، فقال : { أَنعَمتَ عَلَيهِمْ } ولم يقل ( غضبت عليهم) .
- ومن هذا الأدب قوله تعالى : { وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)}(الجن) والذي يريد الأمرين هو الله تعالى ، ولكن ذُكرَتْ إرادة الشر بضمير الغائب وذكر الخيرُ بالفعل المبني للمعلوم.
- وفي قصة موسى مع الخضر ( الرجل الصالح ) في سورة الكهف نجده يقول :
{ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } مع أنه نسب القتل لنفسه والإبدال لله ، وقال:
{ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ }
وهذا أدب رائع للعبد مع الله تعالى.
غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ :
- من رضي الله عنه وأيده كان الجميع معه واقرأ معي قوله تعالى :
{ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)}(التحريم) ،
ولن يحتاج الله سبحانه لمؤيد وظهير ، إنما هو متابعة لما يريده الله تعالى من إعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم.
- إن في المبني للمجهول تهويلاً على من غضب الله عليه وكرهه.
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين :
- الضال من حاد عن درب الهداية وفقد البوصلة فتاهَ في سراديب الكفر والضلال . ومنهم النصارى
- المغضوب عليه من خالف الحق وهو يعلمه ورضي الكفر وهو يستسيغه ، وهؤلاء اليهود عرفوا وأصروا على الكفر .
- وعلى هذا كان النصارى ضالين وكان اليهود مغضوباً عليهم .
- من هنا نفهم في آيتي الملاعنة لماذا لُعن من رمى زوجته بالزنى وهو كاذب وغضب الله على المرأة التي ألحقت بزوجها ولداً من الزنى ليس هو أباه ، فهي تعلم أبا الطفل فطمست الحقيقة .
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) }(النور).
فكانت اللعنة له والغضب عليها.
بقي أن نقول : إن في فاتحة الكتاب أركانَ الإيمان :
- بالله تعالى وقد ذكر اللهُ تعالى باسمه وبصفات أخرى في هذه السورة ، فهو الله الرحمن الرحيم ، الرب ، مالك يوم الدين.
- باليوم الآخر : في قوله مالك يوم الدين ، فإليه نقلب وهو يوم الحساب الذي لا بد من حصوله.
- بالرسل : من الذي عرفنا بالله تعالى وأوصل إلينا هذا الدين كاملاً وشهدنا له بالصدق
- بالملائكة : ومن الذي كان الصلة بين الخالق عز وجل وبين النبي محمد صلى الله عليه وسلم : إنه جبريل عليه السلام
- بالكتب : وما هذه السورة التي قرأناها وعشنا في ظلالها إلا سورة كريمة في كتاب ربنا سبحانه والإيمان بها يستدعي الإيمان بالكتاب الكريم الذي نزلت في ثناياه .
اللهم علمنا التأويل وفقهنا بدينك الرائع المبين.
*سَبَحَ في ملكوتِ هذه السورة :الدكتور عثمان قدري مكانسي
وأخرج مسلم والنسائي وابن حبان والطبراني والحاكم عن ابن عباس قال "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعنده جبريل إذ سمع نقيضا من السماء من فوق،( جلبة قوية ) فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: يا محمد هذا ملك قد نزل ، لم ينزل إلى الأرض قط، قال: فأتى النبيَّ فسلم عليه فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي من قبلك. فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ حرفا إلا أوتيته ".
وأخرج أبو عبيدة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ثلاثين راكبا، فنزلنا بقوم من العرب، فسألناهم أن يضيفونا فأبوا، فلدغ سيدهم فأتونا فقالوا : أفيكم أحد يرقي من العقرب؟ فقلت: نعم أنا. ولكن لا أفعل حتى تعطونا شيئا قالوا: فإنا نعطيكم ثلاثين شاة فقال: فقرأت عليها {الحمد} سبع مرات فبرأ، فلما قبضنا الغنم عرض في أنفسنا منها، فكففنا حتى أتينا النبي فذكرنا ذلك له قال : أما علمت أنها رُقـْية! اقتسموها واضربوا لي معكم بسهم .
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان بسند جيد عن عبد الله بن جابر أن رسول الله قال له : ألا أخبرك بأخْيَر سورة نزلت في القرآن؟
قلت: بلى يا رسول الله
قال: فاتحة الكتاب. وأحسَبه قال : فيها شفاءٌ من كل داء ".
وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: أمرني رسول الله ، قال " كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ".( والخداجُ النقصان)
عن أبي هريرة قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل : قسمتُ الصلاة بيني وبين عبديَ نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل" ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اقرؤا... يقول العبد { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين } فيقول الله: حمدني عبدي.
ويقول العبد { الرَّحْمَنِ الرَّحِيم } فيقول الله: أثنى علي عبدي.
ويقول العبد { مَالِكِ يَوْمِ الدِّين } فيقول الله مجدني عبدي،
ويقول العبد { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين } فيقول الله: هذا بيني وبين عبدي، أولها لي وآخرها لعبدي وله ماسأل.
ويقول العبد { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } فيقول الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.( من الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي )
يقرؤها الإنسان في اليوم عشرات المرات
- يقرؤها في الفرض سبع عشرة مرة .
- يقرؤها في السنة المؤكدة عشر مرات .
- يقرؤها في السنة غير المؤكدة ست مرات .
- يقرؤها في النوافل ما شاء الله له أن يقرأها .
- يقرؤها في غير الصلوات ما شاء الله له أن يقرأها .
بِسْمِ اللّه
- كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بسم الله فهو أقطع.
- الاسم من الوسم أو من السمو ، وكلا الأمرين حقيق بالاسم.
- من السمو: ( فع) ومن الوسم ( عل) .
- الله : من ( أله) والوزن : ( العال) ، حذفت فاء الإله.
-الإله من يستحق العبادة فهو الخالق العظيم.
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن جذر كلمتي " الرحمن والرحيم " هو –رحم – ومع ذلك فإن كل واحدة تمتاز بسمات خاصة ، وهذا من جمال اللغة العربية وروعتها ، ولهذا مدح الله تعالى هذه اللغة مرات عديدة في كتابه الكريم .
الرَّحْمَن : كلمة تدل على القوة والعظمة ، والقدرة والقهر ، والسيطرة والهيمنة . ونجدها ترِدُ مع العذاب وتهديد العاصي والمشرك وتهديد الكافر ، وترد مع الدعوة إلى الإيمان بالرحمن والسجود له و.. مثال ذلك :
{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ... (63)}(الفرقان)
{ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ
(11)}(يس)
{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)}(الزخرف)
{ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ ...(20)}(الملك)
{ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ... (29)}(الملك)
الرَّحِيمِ : كلمة تدل على اللطف والرحمة ، والعطف والغفران ، والسماح والصفح .. ونجدها في كل الآيات الداعية إلى الإيمان والاستغفار والتوبة ، ترِدُ مع الحِلم والمغفرة والعفو و.....مثال ذلك في الآيات التالية :
{ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
(160)}(البقرة)
{ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192)}(البقرة)
{...أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (218) }(البقرة)
{ وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)}(هود)
{… إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7)}(النحل)
وقد ترِدان معاُ لتدلا على الأمر كله :
{ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)}(النمل)
{ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)}(الفاتحة)
{ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}(البقرة)
- والملاحظ أن الصفتين حين تجتمعان ترى كلمة الرحمن قبل كلمة الرحيم. فهو الذي يفعل ما يشاء ويقدر عليه ولا يحتاج لأحد ( هو الصمد )، وهو رحيم بعباده حين يقبلون عليه سبحانه .
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين :
- ال : الحمد ( للاستغراق. ال: الجنس)
- لماذا لا أقول : حمدي لله. ( ابن قيم الجوزية رحمه الله ينبه إلى أن تعظيم الله أن أخاطبه باسم البشرية كلها وأنا واقف أمامه ، وكل منا يستحضر إخوانه ويخاطب ربه بألسنتهم جميعاً . والدليل على ذلك في هذه السورة مخاطبة العبد ربه بصيغة الجمع { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)}
- لماذا لم أقل : أحمد الله رب العالمين. بالفعل المضارع.؟
إن الحمد اسم يدل على الثبات واستغراق الأزمنة كلها ، والفعل يدل على الحدوث في الحاضر ، والثبات أقوى من الحدوث وأعمّ .
-الفرق بين الحمد والشكر :
الشكر على الخير: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ...(7)}(إبراهيم) .
الحمد على السراء والضراء ، فهي أعم من الشكر .
- والسور الخمس في القرآن التي بدأت بالحمد هي: ( الفاتحة ، الأنعام ، الكهف ، فاطر، سبأ ) . ففي الفاتحة : { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
وفي الأنعام : { الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ }
وفي الكهف : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا }
وفي فاطر: { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
وفي سبأ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }
- اللام لام الملكية ( لله) فالذي يستحق الحمد هو الله تعالى ، والحمد كله لمولانا.
- ربّ : من الربوبية فهو الخالق والرازق والمنعم والمتفضل.
- ومن التربية والتنمية والعطاء .
- ولأنه رب العالمين ( من الربوبية ) . وأغلب الناس حتى الكفار يقرون لله بربوبيته ويعترفون أنه خالقهم ورازقهم والمتفضل عليهم .
- لكنّ المسلمين فقط يقرون له ( بالألوهية ) وأنه وحده يستحق العبادة ، ولا تكون العبادة لله إلا بالطاعة والعمل بشرعه سبحانه ، فنعمل بما أمر وننتهي عما نهى .
الْعَالَمِين :
- أهناك عالم واحد أو أكثر من عالـَم ، فقد قال : { رَبِّ الْعَالَمِين } ...
- قد يكون المقصود بالعالمين : عالم الأنس وعالم الجن وعالم الحيوان وعالم الجماد ، وعالم الحركة وعالم السكون.
- وقد يكون المقصود عوالم أخرى غير السموات والأرض . استدلالاً بقوله تعالى في سورة فصلت : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)}
- موسى يقول : يارب لو أنهما لم تأتياك طائعتين ما أنت فاعل بهما؟
قال : أسلط عليهما دابة من دوابّي فتبتلعهما .
قال يارب : فأين دابتك؟
قال: في مرج من مروجي .
قال : يارب : فأين مروجك ؟ .
قال : في علم من علمي .
سبحانه من إله .
- ولا ننسَ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو ذر وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة : ( ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، و فضلُ العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ).
- كنت أقرأ في السبعينات من القرن الماضي في مجلة حضارة الإسلام أن قطر السماء الدنيا سبعون مليار سنة ضوئية ، ونعلم أن سرعة الضوء في الثانية ثلاث مئة ألف كيلو متر ...
فإذا ضربت هذا العدد بستين علمت سرعة الضوء في الدقيقة ،
فإذا ضربت الناتج بستين علمت سرعة الضوء في الساعة
فإذا ضربت الناتج بأربعة وعشرين علمت سرعة الضوء في يوم ،
فإذا ضربت الناتج بثلاثمئة وخمسة وستين يوماً علمت سرعة الضوء في سنة
واضرب الناتج بعد ذلك بسبعين ملياراً ،
ثم قال العلماء : وقد يكون قطر السماء الدنيا أضعاف ذلك والله أعلم .
- وفي السنة الثانية من هذا القرن قدر العلماء قطر السماء الدنيا بمئة وأربعين مليار سنة ضوئية وقالوا : قد يكون قطرها أضعاف ذلك والله اعلم .
- وفي السنة الخامسة اكتشف العلماء مجرة جديدة قطرها خمسون مليار سنة ضوئية ، ولا ننسَ المسافة الهائلة بين المجرات وبين كل مجرة ومجرة سديم عظيم من الظلام. ..
-وهذا فقط في السماء الأولى ..
فماذا نقول عن السماء الثانية التي تحيط بها ؟
وماذا نقول عن الثالثة التي تحيط بالثانية ؟ ...
وعن السابعة التي تحيط بالسادسة ؟
{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)}(الزمر)
فسبحان الخالق العظيم. ... سبحان الخالق العظيم....
مَالِكِ يَوْمِ الدِّين :
- هناك مالك وملك
- قد يملك المالك ولا يحكم .
- وقد يحكم الملك ولا يملك .
- لكن الله مالكٌ وملكٌ يحكم .
- يَوْمِ الدِّينِ : يوم الخضوع لحكم الله تعالى : وسمي المَدين هكذا مديناً لأنه يخضع للدائن. وذلك اليوم ( أطول يوم في الحياة ) مقداره خمسون ألف سنة { يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}(الإنفطار) .
- وهذا تنبيه إلى الحساب والعقاب
-وأسلوب فيه ترغيب وترهيب.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين :
- نعبدك ونستعينك غير إياك نعبد وإياك نستعين.
ـ في الثانية أسلوب القصر، فلا عبادة إلا لله . وليست الأولى كذلك.
-وقدم ضمير النصب المنفصل على الفعل لقصر العبادة والاستعانة على الله تعالى .
- وقدمت العبادة على الاستعانة ، فمَن عَبدَ الله حقَّ العبادة لم يستعن بغيره.
-إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله .
- ولا ننس أن العبادة إفراد الله بالطاعة أمراً ونهياً . فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيم :
- يأمرنا الله تعالى أن نضرع إليه في الهداية مراراً وتكراراً .
- والمضحك أن نصرانياً سخر من المسلمين في إحدى غرف (البالتوك) إذ قال : إننا معشر النصارى هادون مهديون . وأنتم يا مسلمون ضالون مضلون . والدليل على ذلك أنكم تطلبون الهداية بإلحاح في الفاتحة ، ولو كنتم تشعرون بالهداية في جوانحكم ما دأبتم على طلب الهداية !.
- فكان جوابي مختصراً :
إن الهداية في أمور عدة وهي مطلوبة باستمرار ما دمنا على..
أ- قيد الحياة :
1 - فالهداية إيمان بالله لا ينقطع ،
2 - وطلبٌ من الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا فالإيمان يزيد بالتقوى ، وينقص بالخطايا ، والقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ،
3 - ونحن ندعو بدعاء نبينا صلى الله عليه وسلم : ( يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك ) ،
4 - ومن معاني الهداية أن نعمل بمقتضى الإيمان عبادة وسلوكاً فلا إيمان بلا عمل ولا عمل بغير الإيمان.
5 - وفي الغرغرة نسأل الله أن يميتنا على الإسلام .
ب ـ بعد الموت :
1 - تكون الهداية بالثبات في سؤال القبر عن الإيمان بالله تعالى والإسلام ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم .
2 - ثم بالبعث مطمئنين إلى عفو الله الكريم حيث لا شمس ولا قمر وإنما لكل إنسان نور منبعث منه حسب قوة إيمانه في ظلام البعث والنشور ،
3 - ومن الهداية أن يستظل المرء بظل عرش الرحمن في ذلك اليوم الطويل حين ترسل الشمس قريبة من رؤوس الخلائق،
4 - ومن الهداية ذلك اليوم أن يأخذ المرء كتابه بيمينه فيفوز فوزاً عظيماً ويحاسب حساباً يسيرا.
5 - ومن الهداية في ذلك اليوم أن تكون حسناته بفضل الله أكثر من سيئاته فينجو من النار .
6 - ومن الهداية أن يجوز الصراط المستقيم فينجو من السقوط في جهنم بفضل الله ومنّه سبحانه .
7 - وأعظم هداية في الحياة كلها أن يفوز بجنة عرضها السموات والأرض وأن يحظى برؤية وجه الله الكريم سبحانه ..
اللهم بلغنا ذلك يارب العالمين .
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ :
- تعريف بالصراط الذي ينشده المسلم :
هوالصراط المستقيم الذي : { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)}(فصلت) .
- إن الذين نالوا النعمة هم المؤمنون الموحدون
- والله تعالى هو الذي أنعم علينا بنور التوحيد ، ولولا الله ما هتدينا ولا صمنا ولا صلينا .
- ولا يدخل أحد الجنة بعمله حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر الحديثُ الشريف : ( ما منكم من أحد ينجيه عمله )،
قالوا : و لا أنت يا رسول الله ؟
قال : ولا أنا ، إلا* أن *يتغمدني الله برحمته.
- ولم يقل (غير الذين غضبت عليهم ) تأدباً مع الله تعالى ، فلا ينسب الخير إلا إليه ، فقال : { أَنعَمتَ عَلَيهِمْ } ولم يقل ( غضبت عليهم) .
- ومن هذا الأدب قوله تعالى : { وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)}(الجن) والذي يريد الأمرين هو الله تعالى ، ولكن ذُكرَتْ إرادة الشر بضمير الغائب وذكر الخيرُ بالفعل المبني للمعلوم.
- وفي قصة موسى مع الخضر ( الرجل الصالح ) في سورة الكهف نجده يقول :
{ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } مع أنه نسب القتل لنفسه والإبدال لله ، وقال:
{ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ }
وهذا أدب رائع للعبد مع الله تعالى.
غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ :
- من رضي الله عنه وأيده كان الجميع معه واقرأ معي قوله تعالى :
{ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)}(التحريم) ،
ولن يحتاج الله سبحانه لمؤيد وظهير ، إنما هو متابعة لما يريده الله تعالى من إعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم.
- إن في المبني للمجهول تهويلاً على من غضب الله عليه وكرهه.
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين :
- الضال من حاد عن درب الهداية وفقد البوصلة فتاهَ في سراديب الكفر والضلال . ومنهم النصارى
- المغضوب عليه من خالف الحق وهو يعلمه ورضي الكفر وهو يستسيغه ، وهؤلاء اليهود عرفوا وأصروا على الكفر .
- وعلى هذا كان النصارى ضالين وكان اليهود مغضوباً عليهم .
- من هنا نفهم في آيتي الملاعنة لماذا لُعن من رمى زوجته بالزنى وهو كاذب وغضب الله على المرأة التي ألحقت بزوجها ولداً من الزنى ليس هو أباه ، فهي تعلم أبا الطفل فطمست الحقيقة .
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) }(النور).
فكانت اللعنة له والغضب عليها.
بقي أن نقول : إن في فاتحة الكتاب أركانَ الإيمان :
- بالله تعالى وقد ذكر اللهُ تعالى باسمه وبصفات أخرى في هذه السورة ، فهو الله الرحمن الرحيم ، الرب ، مالك يوم الدين.
- باليوم الآخر : في قوله مالك يوم الدين ، فإليه نقلب وهو يوم الحساب الذي لا بد من حصوله.
- بالرسل : من الذي عرفنا بالله تعالى وأوصل إلينا هذا الدين كاملاً وشهدنا له بالصدق
- بالملائكة : ومن الذي كان الصلة بين الخالق عز وجل وبين النبي محمد صلى الله عليه وسلم : إنه جبريل عليه السلام
- بالكتب : وما هذه السورة التي قرأناها وعشنا في ظلالها إلا سورة كريمة في كتاب ربنا سبحانه والإيمان بها يستدعي الإيمان بالكتاب الكريم الذي نزلت في ثناياه .
اللهم علمنا التأويل وفقهنا بدينك الرائع المبين.
*سَبَحَ في ملكوتِ هذه السورة :الدكتور عثمان قدري مكانسي