عصر السعودي "المرعب"
قال ضابط كبير في الجيش الأمريكي إن العدد الأكبر من المقاتلين والمفجرين والانتحاريين في العراق يأتي من السعودية وإنهم يمثلون 45% من المقاتلين الأجانب.. واتهم سامي العسكري عضو البرلمان ومستشار رئيس الوزراء نوري المالكي مسؤولين سعوديين بزرع الفوضى في بغداد.
***
السعوديون متهمون في أحداث المسجد الأحمر، رغم غيابهم، وهي الأحداث التي أدخلت باكستان مرحلة جديدة من الصراع الدائر بين تيار التحالف مع الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب وبين التيار المقاوم لهذا التحالف إذ يرى فيه تسخيرا لقدرات باكستان لأهداف غير وطنية سيتخلى بعدها الحليف عن بلادهم بعد انتهاء هذه المهمة. ويذكرون بما حدث بعد سقوط الاتحاد السوفيتي إذ تخلت الولايات المتحدة عن حليفتها باكستان بعد أن كانت إحدى ركائز الصراع في القارة الهندية زمن الحرب الباردة ونقلت تحالفها إلى "العدو اللدود" الهند. وهو تحالف يشهد تطورا متناميا في السنوات الأخيرة.
***
السعوديون متهمون في أحداث إندونيسيا وبريطانيا بغير دليل. وإذا لم يوجد سعودي واحد بحثت وسائل الإعلام عن سبب يربط المتهمين بالسعودية، فقد نشرت صحيفة تايمز أوف إنديا Times of India أن المتهمين في تفجيرات مطار جلاسجو قضوا جزءا من أعمارهم في السعودية حتى بلغوا سن 13، 14 من 'عمريهما. وكأن التربية السعودية "فايروس" يصعب التخلص منه ويظل كامنا مهما عاش الإنسان في مجتمع متحضر ديموقراطي متسامح كالمجتمع البريطاني والمجتمع الهندي،،.
***
السعوديون كانوا على رأس المتهمين في أفغانستان أيام دولة طالبان التي صنعتها أجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية لمواجهة قوة وسطوة أمراء الحرب الذين أفرزتهم نتائج الحرب ضد الاتحاد السوفيتي على الأرض الأفغانية زمن الحرب الباردة؟
***
السعوديون اتهموا في البوسنة والهرسك وكوسوفو والشيشان واليمن و"يباعون" في نهر البارد بأثمان الشياه. ولا أستبعد أن توجه لهم تهمة معالجة الرئيس الكوبي العجوز فيدل كاسترو من مرض الشيخوخة وتهمة تحريض الرئيس الفنزويلي سانشيز على كراهية بوش ودعم تحركه لمقاومة سياسة نشر الديموقراطية في أمريكا الجنوبية.
***
مؤسساتنا وهيئاتنا الخيرية تلاحقها تهم تغذية الإرهاب ورعاية الإرهابيين وتخوف من المبادرات الإنسانية في محيطها العربي والإسلامي حتى كاد بعضها يقفل أبوابه لنقص الإمكانات الناجمة عن إحجام أهل الخير عن التبرع لها سدا لباب التهم الذي لا تعرف متى يفتح وإلى أي مسافة يمكن أن تسوقها رياح التهم.
الاتهامات الظالمة ألحقت الأضرار ببعض من رجال أعمال سعوديين جمدت حساباتهم وتعطلت مصالحهم لسنوات دون إثبات التهم أو نفيها أو تحريرهم من رعب الملاحقة القانونية وإمكانية التوقيف في أي مطار من العالم.
***
مناهجنا باتت موضوعا لنقاشات وحوارات وندوات ودراسات تنقب في ثناياها بحثا عن إشارة أو جملة أو تفسير يوحي أو يشتم منه ما يمكن أن يوضع في دائرة فكر المتطرفين. مساجدنا وبعض دعاتنا وعلمائنا متهمون بزراعة الفكر التكفيري في عقول الناشئة وبذر روح الكراهية للآخر في مشاعر الشباب وشحن النفوس والعقول ودفع الإنسان إلى استرخاص الأرواح والتساهل في إراقة دماء الأبرياء. هل مناهجنا وأسلوب تربيتنا من القوة والتأثير إلى الدرجة التي تبقى "خميرة" خامدة في عقول الأبناء ومشاعرهم حتى تجد المحفز فتنطلق معبرة عن نفسها في شكل عنف ومقاومة ورفض؟إذا كانت تربيتنا بهذا التأثير " المزلزل" كيف سقط الكثير من أبنائنا في المخدرات وانساقوا وراء التقاليد والتقليعات الشاذة من الأزياء والمظاهر الخارجية؟
***
هل يمكن أن يسمى هذا العصر بعصر"السعودي المرعب"؟
لماذا تفجر الإنسان السعودي فجأة ليصبح مصدر قلق للعالم بعد أن كان نموذجا حيا للإنسان الوديع المسالم الذي يتحمل الأذى من الآخرين ويكظم الغيظ ويعفو عن ظالميه والمتجنين عليه، يفرغ شحناته النفسية وطاقاته الجسدية في شؤون الحياة والانصراف إلى تفاصيلها اليومية، يفكر في زيادة ثرواته ورعاية أسرته، تراه في موسم السياحة يرتاد مراكز التسوق ومواطن اللهو صيدا سهلا للغشاشين وأصحاب الحيل لأنه إنسان على الفطرة يحسن الظن بالآخرين ولا يضمر السوء أو الكراهية لأحد؟
لماذا تغيرت صورة التدين السعودي في أذهان العالم من الحرص على نقاء العقيدة والالتزام بما عليه السلف والبعد عن التعقيد العقلي وتفريعاته والتمسك بالطاعة لولي الأمر وللعلماء وللوالدين إلى تدين "ثائر مشاغب" يرفض التقليد ويتهم العلماء ويشكك في سلامة ما عليه الناس ويطعن في صلاحية حياتهم ومطابقتها لما عليه دين الأمة؟
عندما يهاجم البعض صورة التدين في البيئة السعودية ويرى فيها أساس ما نعانيه هل يفهم منه الرضا عن التدين في البيئات الأخرى، أم إن تعليق المشاكل على التدين السعودي هو - بالضرورة- اتهام لروح التدين ومسؤوليته عن ظاهرة العنف التي تجتاح العالم؟
من رسخ صورة "السعودي المرعب"؟: هل هي أجهزة الاستخبارات الأمريكية وحلفاؤها التي جعلت من بعض شبابنا طاقات متفجرة في حربها ضد الاتحاد السوفيتي على أرض أفغانستان أيام الحرب الباردة وفتحت لهم نوافذ كانت مغلقة وأدخلتهم في أجواء "روحية" أخرجتهم من ثقافتهم وتربيتهم القائمة على التمسك بخطى أسلافهم لأنهم - في نظرهم- الأعلم والأقرب إلى الصلاح ومعرفة الحق ومراد الله من إنزال شريعته وفرض تعاليمه وأوامره؟هل الإعلام الواقع في أسر" التنميط" مسؤول عن تكوين وترسيخ صورتنا " القبيحة" لعدم قدرته على تحليل مكونات شخصيتنا الحقيقية إما لجهله بمكوناتها أو لملاحقته الأحداث المثيرة وتسارعها وتلاحقها حتى لا يلتقط الإعلاميون أنفاسهم لتأمل الحقائق بعيدا عن المؤثرات غير الموضوعية؟
***
هل هذه التهم كلها كاذبة ومتجنية وظالمة؟
هل فيها شيء من الصدق والتوثيق والنزاهة؟
هل هناك حملة مخططة تشترك فيها أطراف عدة لوضع بلادنا في بؤرة الأحداث حتى تتخلى عن بعض سماتها وقناعاتها؟
أسئلة موجعة في هذا الصيف الحار تثيرها" الحالة السعودية" التي لم يسلم من آثارها وتأثيرها حتى صغار طلابنا وطالباتنا في المطارات الأجنبية حين ينظر لهم بعين الريبة ويعاملون بقسوة لا مبرر لها إلا لأنهم يحملون جواز سفر أخضر أو إن إحدى بناتنا تضع غطاء على شعر رأسها.
فهل تستحق من القادرين وقفات صادقة شجاعة تفحص الأسئلة وبواعثها بصدق وتجرد وتمحص ما يطرح من اجتهادات ومدى أصالتها وارتكازها على الحقائق وبعدها أو قربها من ثقافة مجتمعنا وطبيعة تدينه وما طرأ عليه من تغيرات اجتماعية واقتصادية.
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=2498&id=1568&Rname=117