الموصلي سامي فتّاح .... أول قائد للقوّة الجوية العراقية
أزهر العبيدي / بيت الموصل:
ولد اللواء الطيار الركن سامي فتّاح سليمان عام 1905 في بغداد ووالده هو البكباشي (المقدم) فتّاح بن سليمان الضابط في الجيش العثماني قائمقام زاخو ورئيس المحاكم العرفية في الموصل، قدم جدّه سليمان من مدينة تبليس في تركيا وسكن محلّة رأس الكور.
درس سامي الابتدائية والمتوسطة في مدينة الموصل، وأكمل دراسته الثانوية في دار المعلمين ببغداد. ثم دخل المدرسة العسكرية بدورتها الثانية عام 1925 ولتفوقه أرسل للدراسة في كلية ساند هرست البريطانية، وتخرج برتبة ملازم في الجيش العراقي في 1 نيسان 1928. وعيّن كضابط مشاة في الفوج الأول لواء موسى الكاظم في معسكر الغزلاني في الموصل الذي كان للجيش الليفي ويسمى (تانك هل كامب)، ولإجادته اللغة الانكليزية أرسل إلى مطار الموصل الذي شيّده الألمان في الحرب العالمية الأولى لانجاز معاملات الماء والكهرباء، ومن هناك بدأت هوايته بركوب الطائرات والنزهة في أجواء مدينة الموصل القديمة.
ويتحدث سامي فتاح في مذكراته عن تأسيس القوة الجوية العراقية في مطلع العشرينيات عندما فكرت وزارة الدفاع في إنشاء قوة جوية من تلاميذ المدرسة العسكرية أو الثانوية، فنجح في الفحص الطبي من الوجبة الأولى كل من: محمد علي جواد (قتل في الموصل مع بكر صدقي وهو ابن خال الزعيم عبد الكريم قاسم) وناطق محمد الطائي (شهيد من الموصل) وموسى علي وناصر حسين الجنابي وحفظي عزيز والتحق بهم الملازم الطيار أكرم مشتاق، وبعد نجاحهم في التدريب في بريطانيا عادوا إلى بغداد بخمس طائرات من نوع (جبسي موث) وواحدة من نوع (بس موث) في 22 نيسان 1931 وكانت أساساً لأول رف عراقي في القوة الجوية العراقية.
وألحق أربعة طلاب بالوجبة الثانية هم كل من: مجد الدين عبد الرحمن النقيب وإبراهيم جواد وعبد الواحد حلمي ومحمود المهدي، وتدربوا في كلية القوة الجوية البريطانية في كرانويل وفشل الأخير منهم، وعادوا إلى بغداد بثلاث طائرات من نوع (جبسي موث) عن طريق مصر- فلسطين – شرق الأردن – العراق، وتحطمت الطائرة الرابعة في الطريق بسبب رداءة الأحوال الجوية.
وتطوّع الملازم سامي فتاح في الوجبة الثالثة مع الملازم محمد ياسين والتلميذ ناجي إبراهيم وأرسلوا إلى مدرسة الطيران في سيلاند ببريطانيا عام 1930، تلاهم بفترة قصيرة الملازم بهجت رؤوف والملازم ارميا ناصر.
وأكملوا تدريبهم في مدرسة الطيران المركزية للمعلمين في وترينك وعادوا إلى بغداد على متن ثلاث طائرات (بس موث) بيعت للقوة الجوية العراقية في 12 نيسان 1932 بقيادة الرئيس الطيار محمد علي جواد والملازم الأول سامي فتاح وبصحبة زميليه الملازمين الأولين ارميا ناصر ومحمد ياسين وضابطين بريطانيين وكانوا أساساً لتشكيل أول سرب عراقي في القوة الجوية.
ويصف الطيّار سامي فتاح رحلة العودة من مطار هانون في لندن ثم باريس ومارسيليا ثم ميلانو وبلغراد حيث واجهتهم عاصفة شديدة وغيوم كثيفة وأمطار مستمرة اضطرتهم للنزول في مطار زغرب، وبعد تحسن الجو طاروا إلى بلغراد ثم صوفيا في بلغاريا واسطنبول، وبعدها حلب ثم بغداد بعد اجتياز عاصفة رملية ونزلوا في مطار الهنيدي (الرشيد) يوم 20 نيسان 1932 بعد طيران خطر بطائرات خفيفة خاصة بنوادي الطيران وغير مزودة بأجهزة للمخابرة.
وبعد وصول طائرات (بس موث) بدأ التأسيس الحقيقي لتشكيل مقر آمرية للقوة الجوية من الآمر الملازم الأول محمد علي جواد ومساعده الملازم الأول سامي فتاح ونظمت الطائرات بسرب واحد برفين وكان آمر السرب الملازم الأول أكرم مشتاق.
وفي عام 1936 دخل النقيب سامي فتاح كلية الأركان العراقية بدورتها الرابعة، وتخرج عام 1937 وكان الأول على الدورة بدرجة (أ) ومنح قدماً عسكرياً لمدة سنتين. وتدرج في الرتب العسكرية حتى رتبة أمير لواء جو ركن (لواء طيار ركن) في 2 أيار 1952 أشغل خلالها منصب ضابط ركن في القوة الجوية إلى أن عيّن في حزيران 1941 آمراً للقوة الجوية الملكية وأول قائد لها في ت1 1953، وأشغل في الوقت نفسه منصب معاون رئيس أركان الجيش، ومن إنجازاته في القوة الجوية قام بتأسيس معامل التصليح والإدامة مع مهندسين أربعة درّبوا في بريطانيا، وتأسيس الرادار، وتأسيس كلية الطيران عام 1950، وتأسيس مدرسة الصنائع الجوية عام 1947، وإرسال طيارين للتدريب في بريطانيا كمعلمين للطيران، وإرسال طيارين للتدريب في بريطانيا في دورات أخرى للتعاون مع صنوف الجيش، واستبدل لون ملابس القوة الجوية من الخاكي (البنّي) إلى السمائي (الأزرق الفاتح).
منح نوط الشجاعة، ووسام الرافدين من الدرجة الخامسة ورفع إلى الرابعة ثم الثالثة، ونوط الخدمة الفعلية، ونوط الحرب، ونوط النصر، ونوط الملك فيصل الثاني، ووسام الاستحقاق السوري. وأحيل على التقاعد بناء على طلبه في 29 نيسان 1954.
وأشغل بعد تقاعده منصب وزير الشؤون الاجتماعية (1954-1955) في وزارة أرشد العمري، ومدير الموانئ العام ومتصرف لواء البصرة (1955-1956) وله أعمال إدارية واجتماعية ما زال أهالي البصرة يذكرونها بخير، ثم وزيراً للداخلية (1957-1958) في وزارتي علي جودت الأيوبي وعبد الوهاب مرجان، ووزيراً للشؤون الاجتماعية (1958) في وزارة نوري السعيد، وأخيراً وزيراً للدولة لشؤون الدفاع (1958) في وزارة الإتحاد العربي الهاشمي.
انتقل إلى رحمة الله في بغداد في 4 حزيران 1987 وترك ابناً واحداً وخمس بنات، وكتب عنه المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه تاريخ الوزارات العراقية ج10 ص264: ((كان سامي فتاح قائداً لامعاً في الجيش العراقي فأحيل على التقاعد العسكري (بالعجز الكلي) (يقصد عجز الكلى مفردها كلية) دخل وزيراً للداخلية في الوزارة المرجانية (عبد الوهاب مرجان) فكان من أنشط الوزراء حتى أنه كان يراقب نظافة العاصمة بنفسه، ويشرف على العمال الذين يوعز إليهم هدم النتوءات الخارجة من الحوانيت خلافاً لأنظمة منع الازدحام في الأسواق. ثم أصبح وزير دولة لشؤون الدفاع في" وزارة الاتحاد العربي" أي أنه أشغل أهم المناصب وأكثرها خطورة على الرغم من إصابته بـ(العجز الكلي) وإحالته على التقاعد لهذا السبب)).
رحم الله اللواء الطيار الركن سامي فتاح ورجال القوة الجوية كافة الذين قدموا للعراق والأمة العربية أغلى ما يملكون وذهب العديد منهم شهداء أبرار في سبيل وطنهم وأمتهم، وبارك الله في من بقي منهم على قيد الحياة في مختلف بقاع الأرض ولهم منا تحية وعرفان.