استعمار الفضاء أو غزو الفضاء هو مشروع ملاحي فضائي للإقامة البشرية الدائمة وباكتفاءٍ ذاتيّ تامّ خارج الأرض. درست عدة مجموعات تطويرية من وكالتي ناسا(الإدارة الوطنية للملاحة الفضائية والفضاء الأمريكية) وإيسا (وكالة الفضاء الأوروبية) ووكالتي الفضاء الروسية والصينية -بالإضافة إلى منظَّمات فلكية أخرى - إمكانية إنشاء مشاريع مستعمرات فضائية في أماكن مختلفة من النظام الشمسي. وعلى الرغم من أنهم حدَّدوا وجود موادٍّ أولية قابلة للاستثمار على القمر والكويكبات القريبة من الأرض التي تكون فيها الطاقة الشمسية متوفّرةً بكميَّاتٍ كبيرة، والتي لا تتطلب تحقيق أي بحوث أو اكتشافاتٍ علمية جديدة لاختبارها، وقد قدَّروا بأنه قد يتوجب القيامبأعمال هندسية وتقنية عظيمة، واكتساب معرفةٍ تامة بإمكانية تكيف البشر مع العيش في الفضاء، وخصوصاً الإمكانات المالية الهائلة المطلوبة لإنجاز مثل هذه المشاريع. وبسبب هذه التكاليف تم التنازل عن جميع المشاريع تقريباً والاكتفاء بتقييمها نظرياً، أو حتى تم التخلّي عنها بالكامل في بعض الحالات.
إن التواجد البشري الدائم الوحيد في الفضاء حالياً هو للمحطة الفضائية الدولية، وهي مع ذلك ليست مكتفيةً ذاتياً. وفي عام 2008، كان المشروع الوحيد لاستعمار الفضاء وفق خطة تمويليَّةٍ هو إنشاء قاعدة دائمة على سطح القمر مكونة من 4 رواد فضاء، والتي قد تستخدم موارد محلية متوقَّعة من ناسا لأعوام 2019 – 2024، ولكن أعيد النظر في ميزانيتها عام 2010. من جهة أخرى، تنوي وكالة الفضاء الأوروبية بالتّعاون مع وكالات الفضاء الروسية واليابانية والصينية إنشاء مركز متقدم على القمر بعد عام 2025.
وقد نظر علماء الفلك في دراساتٍ نظريةٍ أخرى لعددٍ من المستعمرات الفضائية الواقعة على الأقمار الطبيعية والكويكبات أو كواكب مثل المريخ، والبعض منهم يعتقد أنَّ المستعمرات البشرية الفضائية الأولى قد تكون محطات فضائية واقعة في مدار حول الشمس أو أحد الكواكب. وقد حُقِّقت أيضاً دراسات مستقبلية وطموحة من استعمارأقمار كوكب المشتري حتى إقامة مستعمراتٍ بمئات الآلاف من الأفراد أو إعادة تأهيل بعض الكواكب، ولكن ذلك أيضاً يُعد نظري أكثر ويتطلب تقدماً علمياً وتقنياً كبيراً، وهو أمرٌ لن يكون مُمكناً قبل مضيّ وقتٍ طويل جداً. قال مدير ناسا لعام 2009 مايكل جريفين، أن استعمار الفضاء يُعَدّ هدفاً أخيراً للبرامج الفضائية الحالية، ولكن مع ذلك, تُعَدّ حاجة البشر لاستعمار الفضاء في مستقبل قريبٍ أو بعيدٍ غير مقبولة بالإجماع من قِبَل المجتمع العلمي، وما زال هناك نقاش حول هذا الموضوع.
التاريخ العلمي
قسطنطين تسيولكوفسكي، مؤسس علم الملاحة الفضائية وأول من ذكر استعمار الفضاء.
مشروع محطة مدارية عن طريق فيرنر فون براون Wernher von Braun، عام 1952
إن مفهوم استعمار الفضاء مرتبط بالرحلة الفضائية وعلم الملاحة الفضائية والغزو الفضائي ارتباطاً وثيقاً، وقد أسَّسه نفس المفكرون الذين أسَّسوا تلك المفاهيم.
يُعد رائد الملاحة الفضائية الروسي كونستانتين تسيولكوفسكي أوَّل من ذكر مفهوم استعمار الفضاء بأسلوب علمي في كتابه الصادر عام 1903، الصاروخ في الفضاء الهائل[1]، والذي يصف فيه استخدام الطاقة الشمسية والجاذبية المصطنعة بالدوران واستخدام الاحتباس الحراري لإنشاء نظام بيئي مغلق[2]. وهو أيضاً أول من تصوَّر مشروع مصعد الفضاء في كتابه الصادر عام 1895، تأمل نظري حول الأرض والسماء وحول كويكب فيستا[3]، يُلخِّص وجهة نظره عن مستقبل البشرية في أحد استشهاداته الأكثر شهرة :
«الأرض هي مهد الإنسانية، ولكن لا تُقضى الحياة كلها فيها[4].»
يقترح الفيزيائي الألماني هرمان أوبيرث في عام 1923، استخدام محطات مدارية دائمة ورحلات بين الكواكب في كتاب[5] هو ليس سوى أطروحة الدكتوراة التي قام بها ورُفضت من قِبَل جامعة ميونخ[6] باعتباره صاحب أوهام، ولكن قبلتها جامعة بابس – بولياي في رومانيا في نفس العام[7].
يُعد العالم السلوفاني هرمان بوتوكنيك (باللاتينية: Herman Potočnik) أول من تصوَّر محطة مدارية على شكل عجلة موضوعة في مدار جغرافي ثابت[8]. وفي عام 1952، أعاد عالم الملاحة الفضائية فيرنر فون براون (باللاتينية: Wernher von Braun)، أحد مساعدي أوبيرث القدامى، أفكار بوتوكنيك[9] مع مشروع محطة فضائية على شكل عجلة تدور حول نفسها لتوفير جاذبية مصطنعة بقطر 75 متر يفيد كمركز متقدم ومكان أساسي لمنشأة دائمة على القمر في منطقة سينوس روريس (باللاتينية: Sinus Roris) ولاستكشاف كوكب المريخ. وأول من ذكر فكرة استخدام سفينة فضائية بدفع نووي من أجل إنقاذ البشرية من شمس قاتلة ونقلها إلى نظام كوكبي[10] آخر هو الأمريكي روبرت جودارد Robert Goddard، مؤسس آخر لعلم الملاحة الفضائية. حيث دفعه الخوف من انتقاد علمي إلى وضع المخطوطة في ظرف مغلق بإتقان ولم ينشره إلا بعد 50 عاماً[1]. وقد عُرض استخدام موارد خارج الأرض لغزو الفضاء أيضاً بواسطة جودارد عام 1920.
إن عالم الفيزياء الفلكي السويسري فريتز زفيكي Fritz Zwicky في عام 1948[11] والفلكي الأمريكي كارل ساغان Carl Sagan في عام 1961[12]، هما أول من أصدرا فكرة إعادة تأهيل بعض الكواكب من أجل تغيير ظروف حياة عالم ما, كي تتمكن البشرية من استعماره. والفيزيائي الإنجليزي فريمان ديسونFreeman Dyson في عام 1960 ادعى أن مفهوم حضارة متقدمة ممكن أن يكون بإحاطة نجمها كليًّا بمواطن فضائية أو كويكبات، وابتكر أيضاً كرة ديسون[13].
وفي عام 1975، نشرت ناسا سلسلة من الدراسات عن هذا الموضوع أجريت بالتعاون مع عدة جامعات[14]، ويقدِّر هذا التقرير أنه كي يصبح الاستعمار الفضائي ممكناً، فإنه ينبغي التفكير في آلاف الإطلاقات، مما قد يتطلب نظام إطلاق أكثر اقتصاداً من الصواريخ المستهلكة آنذاك. وفي ذلك السياق طوَّر المكوك الفضائي الأمريكي وبشكل أولي صاروخ حامل قابل لإعادة الاستخدام ولكن في النهاية لن يكون قابل لإعادة الاستخدام إلا جزئيًّا، بسبب تكاليف التطوير وقيود الميزانية نتيجة التوقف التدريجي لسباق الفضاء بعد غزو القمر.
طوَّر الفيزيائي الأمريكي جيرارد أونيل في كتابه الصادر عام 1977، الحد الأعلى : مستعمرات بشرية في الفضاء [15]، فكرة استعمار كثيف مع مواطن فضائية ضخمة.
بعد تعطل بسبب توقف سباق الفضاء الذي كان مرتبطاً بالحرب الباردة، بدأ مفهوم استعمار الفضاء يصبح أقل طموحاً ولكن أكثر واقعية، وذلك بإنشاء المحطة الفضائية الدولية بقواعد دائمة على القمر ومن ثم على المريخ عن طريق تأسيس برنامج متوسط وبعيد المدى من ناسا[16] وإيسا[17]. وقد قام العلماء أيضاً بدراسة العديد من المشاريع الأخرى لاستعمار النظام الشمسي منذ عشرات السنين، ولكن لم يتحصل أي منها على تمويلات مؤمنة كما حدث لمشروع ناسا.
مصادر وتقنيات ضرورية
يتطلب بناء مستعمرات في الفضاء وجود اليد العاملة والغذاء ومواد البناء والطاقة والمواصلات والاتصالات وبيئة قابلة للحياة تشمل الجاذبية والحماية ضد الإشعاعات. ولتكون قابلة للحياة، لابد أن تكون المستعمرة واقعة بطريقة تُسهِّل الوصول إلى مختلف هذه المصادر. في الأقسام التالية تفصيل النقاط المدروسة من قِبَل دراسات العلماء ووكالات الفضاء المختلفة.
النقل
دخول الفضاء
إقلاع مهمة أبولو 11 على متن صاروخ ساتورن 5(زحل 5) في 16 يوليو 1969
منذ بدايات الغزو الفضائي والصواريخ الأولى في عقد الستينات الميلادية، لم تتطور تقنية الوصول للفضاء من الأرض بشكل كبير، حيث بقيت مرتكزة على الصواريخ الحاملة المستهلكة بعيداً عن مكوك الفضاء الأمريكي الذي أوقف خدمته عام 2011[18]. تُمكِّن التقنيات الحالية من الحصول على مؤشر إيجابي حوالي 10% (العلاقة بين وزن الهياكل ووزن مواد الطاقة الدافعة). ولوضع أحمال في مدار منخفض تتراوح بين قليل من الأطنان إلى عشرات الأطنان كحد أقصى، فإن ذلك يؤدي إلى استخدام صواريخ بعدة طوابق وقادرة على تحمل مئات الأطنان عند الإقلاع.حيث لا يمثل وزن الحمولة النافعة إلا نسبة قليلة من وزن الصاروخ عند الإقلاع. ويُعد الوزن الذي يُمكِّن صاروخ من إعطاء سرعة إفلات تسمح له بالهروب من الجاذبية الأرضية والتي تقدر بـ 11 كيلومتر في الثانية، أضعف 4 إلى 5 مرات من الأداء في في مدار منخفض الذي يتطلب سرعة 8 كيلومتر في الثانية، مما يُضاعف التكلفة بالكيلوجرام بهذا المقدار.
تقدر التكلفة حالياً بآلاف اليوروات لكل كيلوجرام يوضع في مدار، باستبعاد تكاليف تطوير الصاروخ. وبإمكان الصاروخ أريان 5 إرسال 20 طن في مدار منخفض بتكلفة إطلاق تقارب 150 مليون يورو، أي 7500 يورو لكل كيلوجرام من الحمولة النافعة[19]. وبالنسبة لتموين المحطة الفضائية الدولية في مدار منخفض فذلك يكلف من 11300 يورو للكيلوجرام بالمركبة الروسية بروجريس إلى 43000 يورو للكيلوجرام بمركبة النقل الآلية الأوروبية[20]. يجب تخصيص 14000 يورو لإرسال أحمال خفيفة مفيدة في مدار منخفض بصاروخ المستقبل فيجا[21]. ولإرسال حمولة مفيدة بأكثر من 100 طن في مدار منخفض أو 47 طن على القمر، فإنه يتوجب صنع صاروخ ضخم يحتوي على خزانات كبيرة لتخزين الوقود والمؤكسد. ويعد الصاروخ ساتورن 5 الذي كلَّف ثلث ميزانية برنامج أبولو في التطوير والإطلاق، أي أكثر من 6.4 مليار دولار آنذاك[22]، مثالاً لهذا الصاروخ.
ورغم هذه الأرقام المرتفعة، فإن تكلفة الإطلاق مع ذلك تعتبر هامشية من ناحية التكلفة الإجمالية لبعض المهمات الفضائية من دون تكاليف تطوير الصاروخ. على سبيل المثال، الـ422 مليون دولار من تكلفة إطلاق صاروخ تيتان المكلف جدا لا تمثل إلا 13% من 3.27 مليار دولار من ميزانية مهمة كاسيني – هويجنز[23] Cassini-Huygens.
إلا أن تكلفة النقل حتى المدار الأرضي وما أبعد تعتبر أحد النطاقات الرئيسية للغزو الفضائي بحسب ناسا التي تفكر في حل المشكلة باستخدام صواريخ أكثر خفة بفضل مواد جديدة[24] أو باستخدام موارد الكواكب أو الأقمار أو الكويكبات بجاذبية أضعف من جاذبية الأرض للاستعمار، وبذلك تنخفض تكاليف النقل كما جاء في دراسة روبرت زوبرين[25] Robert Zubrin أو أونيل O'Neill وناسا[14]. ويوجد أيضا مشاريع نظرية للمدى البعيد لبناء مصعد فضائي، ولكن تبقى العديد من المشاكل ينبغي حلها[26].
النقل في النظام الشمسي
مركبة النقل بين الكواكب بدفع كهرومغناطيسي بلازما VASIMR (منظر متصور لناسا).
إن وسائل المواصلات المُستخدِمة موارد خارج عن الأرض للدفع قد تقلص التكاليف بطريقة واضحة. وربما تكلف المحروقات المرسلة من الأرض أكثر حتى مع الاختراعات المعروضة أعلاه. وبإمكان تقنيات أخرى كالدفع الآسر وصاروخ فاسيمر VASIMR والمحرك الأيوني والصاروخ الشمسي الحراري والشراع الشمسي والدفع النووي الحراري، أن تقلل فعليّا مشكلة التكاليف ومشكلة مدة النقل لمرة واحدة إلى الفضاء[27]. وقد يقلل دفع الصاروخ فاسمير مدة النقل بين الأرض والمريخ، التي تقدر بسنتين حالياً, إلى 39 يوم فقط[28].
وعلى القمر، هناك إمكانية بناء منجنيق كهرومغناطيسي مدروسة من قبل ناسا لإطلاق المواد الأولية للمنشآت في مدار بتكلفة أقل بكثير من المواد الأولية المرسلة من الأرض[29] · [14]. وبحسب دراسات نظرية أجراها جيروم بيرسون Jerome Pearson، مستشار لدى ناسا، من الممكن استخدام مصعد فضاء قمري. خلافاً لمصعد الفضاء الأرضي وممكن أن يبنى بتقنيات موجودة ولكن لم يُحدد بعد أي برنامج للتنفيذ[30].
المواد
لتموين المستعمرات المدارية ,قد يكون إطلاق مواد من الأرض مكلفاً جداً، ويرى كذلك العلماء مثل روبرت زوبرين Robert Zubrin الذي يفكر في إيصال المواد الأولية من القمر وكوكب سيريس والكويكبات القريبة من الأرض وفوبوس أو ديموس، التي تكون قوة الجاذبية فيها ضعيفة جداً ولا يوجد بها غلاف جوي ولا غلاف حيوي قابل للضرر[25]. حيث ستتمكن المستعمرات على القمر والمريخ من استخدام الموارد المحلية، بما أن القمر لديه كمية غير كافية من الهيدروجينوالكربونوالنيتروجين ولكن يحتوي على الكثير من الأكسجينوالسيليكونوالمعادن[31]. بينما تحتوي الكويكبات القريبة من الأرض على كمية كبيرة من المعادن والأكسجين والهيدروجين والكربون بالإضافة إلى القليل من النيتروجين ولكن بقدر غير كافي لتجنب التموين من الأرض. واذا ماذهبنا بعيداً، يبدو أن الكويكبات الطروادية تحتوي على نسبة عالية من جليد الماء ومواد متبخرة أخرى[32].
الطاقة
المحطة الفضائية الدوليةوخلاياها الشمسية مشاهدة عن قرب من مهمة STS-130.
تستخدم اليوم الطاقة الشمسية ,الوفيرة والمعتمد عليها في المدار الأرض، من قبل الأقمار عامة ومحطة الفضاء الدولية. حيث لا يوجد ليل في الفضاء ولا غيوم ولا غلاف جوي لحجب ضوء الشمس, وتتوفر الطاقة الشمسية بالواط لكل متر مربع (م2) لأي مسافة d من الشمس يمكن أن تُحسب بصيغةE = 1366/d2؛ d تستخدم كوحدة قياس فلكية.
لتحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء للرواد سيتطلب الأمر بنيات كبيرة، ويعد معدل استهلاك الدول المتطورة من 2 – 6 كيلو واط للشخص (أو10 ميجا واط في الساعة للشخص والسنة)[33]، وستكون الاحتياجات في الفضاء كبيرة بلا شك، حيث أن خليتين شمسية للمحطة الفضائية الدولية من ثمانية خلايا قادرة على تغطية احتياجات الثلاثين مسكن المتوسط أرضي[34]. وبين عامي 1978 – 1981، سمح الكونغرس الأمريكي لناسا ووزارة الطاقة الأمريكية DOE بدراسة الفكرة. بحيث يقومون بتنظيم برنامج تقييم وتطوير الأقمار المنتجة للطاقة، والذي بقي الدراسة الأكثر اكتمالاً وغير محققة في هذا الموضوع[35] · [36]. خاصة في انعدام الجاذبية، يمكن أن يستخدم الضوء الشمسي مباشرة بأفران شمسية مصنوعة من ألواح معدنية خفيفة جداً وقادرة على توليد الحرارة بآلاف الدرجات أو تعكس ضوء الشمس على الحضارات، وبتكلفة بسيطة جداً. وقد تكون الطاقة أيضاً منتج تصدير للمستعمرات الفضائية باستخدام نقل الطاقة اللاسلكي بواسطة الأشعة الكهرومغناطيسية من محطات شمسية مدارية باتجاه القمر أو الأرض. تعادل ليالي القمر أسبوعين، بينما المناطق الواقعة في أقطاب قمرية معرضة للشمس بشكل دائم. ويعد المريخ أكثر بعداً من الشمس ويتعرض أحياناًلعواصف رملية تخفف قليلاً من شدة أشعتها. ومع ذك يسرب جوه أشعة شمسية أقل من الموجودة على الأرض، مما يوحي بالأمل في استثمار الطاقة الشمسية بنفس الفعالية، وعلاوة على ذلك، بانتظام أكبر لأشعة الشمس[37]. إذاً قد تبقى الطاقة النووية خياراً لطاقة مستمرة على هذه الأجرام السماوية، ولكن لم يُكتشف بعد أي معدن لليورانيوم الخام، لذلك قد يتوجب جلب المادة الأولية من الأرض كتلك المخططة لمهمات المريخ من قبل ناسا[38]. وربما يكون تطوير الاندماج النووي نافعاً للمستعمرات، فالهليوم موجود في العديد من أجرام النظام الشمسي من ضمنها القمر، في الحطام الصخري للسطح والعمالقة الغازية. وستكون أحد الصعوبات الكبرى لاستخدام الطاقة الشمسية الحرارية أو الطاقة النووية في بيئات قليلة أو منعدمة الهواء، في إزالة الحرارة المحتومة المتولدة من دورة كارنو. وذلك سيتطلب أسطح مشعة كبيرة لإزالة الحرارة بواسطة الأشعة تحت الحمراء.
الاتصالات
يعتبر الاتصال سهلاً بالنسبة للمدار الأرضي أو القمري، مقارنة بالاحتياجات الأخرى، وأغلب الاتصالات الحالية تُجرى بواسطة قمر. إلا أن الاتصالات مع كوكب المريخ وما أبعد ستعاني من تأخرات ناتجة عن انتشار الضوء وظواهر أخرى مضطربة. وبالنسبة للمريخ، يمثل ذلك التأخير من 3 إلى 22 دقيقة بحسب قربه من الأرض (وذلك لاتصال بسيط دون رد)[39] وأكثر تأخراً بالنسبة للمستعمرات الأكثر بعداً. حيث تقدر الاتصالات مع المستعمرات الواقعة حول نجوم أخرى بالسنوات للأكثر قرباً.
صلاحية السكن
الباحث العلمي ومهندس الرحلة جون فيليبس John L. Phillips يصلح نظام توليد الأكسجين Elektron ذو الصناعة الروسية على متن محطة الفضاء الدولية، مايو 2005.
من الممكن أن تنفذ علاقة البقاء بين الكائنات الحية وموطنها وبيئة خارج الأرض بثلاث طرق مختلفة، أو بالجمع ما بينهم :
• كائنات حية ومواطن منعزلة كلياً عن البيئة بغلاف حيوي صناعي كالغلاف الحيوي 2 أو نظام آخر لدعم الحياة.
• تغيير البيئة لكي تصبح موطن قابل للحياة مع إعادة تأهيل الكوكب[12].
• تغيير الكائنات الحية لكي تصبح متكيفة على بيئتها الجديدة باستخدام الهندسة الوراثية أو بإنشاء سايبورغ Cyborg، كما ذكر بواسطة البعد إنسانية.
وبما أن الحلَّين الأخيرين لم تزل من مجال الخيال العلمي أو مما يعتبر نظري، فنظام دعم الحياة هو الحل الفوري. وفي الواقع ستحتاج المستعمرات إلى هواء وماء وغذاءوجاذبية ودرجة حرارة ملائمة للبقاء على قيد الحياة لفترة طويلة. بينما على الأرض يُقدم الغلاف الحيوي كل ذلك. وفي المنشآت الفضائية، هناك نظام مصغر نسبياً وبدائرة مغلقة سيتوجب عليه إعادة تدوير جميع العناصر الضرورية للحياة دون إمكانية حدوث أي عُطل. وتدرس ناسا NASA وإيسا ESA الإمكانيات المختلفة لأنظمة دعم الحياة التي تقدم خدمات لا تقتصر على إعادة تدوير النفايات فقط والتي تُستخدم حالياً على المحطة الفضائية الدولية[40] · [41] · [42].
إن أقرب نظام حالي لدعم الحياة هو بالتأكيد نظام الغواصة النووية. حيث تستخدم أنظمة آلية لتتكفل بالاحتياجات البشرية خلال أشهر دون أن تطفو فوق الماء. إلا أن هذه الغواصات تطلق ثاني أكسيد الكربون، بما أنها تعيد تدوير الأكسجين. وقد اُعتبر إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون CO2 في الكتب باستخدام تفاعل ساباتيير Sabatier أو تفاعل بوش Bosch.
وبالنسبة لمهمات المريخ، تتوقع ناسا ثلاث أنظمة للبقاء على قيد الحياة لفترة طويلة من أجل تجنب كل عُطل محرج. اثنان منها مبنية على أنظمة تنقية وتحوُّل كيميائي كتلك المُستخدمة في المكوك الفضائي. والثالث يستخدم نباتات مزروعة محلياً لإنتاج الماء والأكسجين لرواد الفضاء، ولكن التقنية الأخيرة هذه يجب أن يتم التحقق منها[38].
بيَّن مشروع الغلاف الحيوي 2 في ولاية أريزونا الأمريكية، أن غلاف حيوي صغير ومعقد وخادع وصناعي بإمكانه تحمل 8 أشخاص لمدة سنة على الأقل، مع أنه واجه العديد من المشاكل. وبعد سنة، في حين أن المهمة كان يتوجب أن تستغرق سنتين، كان ينبغي أن يُعاد تزويد الغلاف الحيوي بالأكسجين[43].
واذا ما ابتعدنا عن الغلاف الحيوي 2، هناك محطات بحث في بيئات معادية كقاعدة محطة أمندسن سكوت Amundsen-Scott في القارة القطبية الجنوبية أو محطة البحث ضوء المريخ Flashline Mars Arctic Research Station في القطب الشمالي التابعة لجزيرة ديفون، قادرة أيضاً على أن تقدم خبرة البناء وعملية المركز المتقدم لعوالم أخرى. إن محطة البحث صحراء المريخ Mars Desert Research Station المدعومة من قبل مجتمع المريخ، هي عبارة عن موطن مبني لهذه الأسباب في صحراء ولاية يوتا الأمريكية. وبالنسبة لهذه المحطة، إذا كانت أرضيتها تشبه أرضية المريخ، فإن درجات الحرارة تكون شديدة جداً والمناخ البيئي ليس الأكثر قسوة على الأرض.
أخطار وأضرار على الصحة
جُمعت العديد من المعلومات فيما يخص الآثار المترتبة على الصحة من الرحلات الفضائية الطويلة بفضل الدراسات التي أجراها رواد الفضاء الروسيين. هنا محطة الفضاء الروسية Mirوالقمر، يونيو 1998.
حددت ناسا 45 خطر - موزع على 16 نظام - متعلق بالصحة والسلامة وأداء الطاقم خلال مهمة فضائية[44] · [45] والتي ربما تخصص لذلك أيضاً مستعمرات في الفضاء أو على كوكب بجاذبية ضعيفة ويتطلب موطن. وتتعلق أهم المخاطر التي تم تحديدها بـ :
• تخلخل العظام[46]، حيث يشمل خطر تعرض سريع لفقد وكسر في العظام، ويتطلب معالجة ذلك العظم المتضرر، وما إلى ذلك ؛
• إصابات قلبية وعائية[47] واضطرابات في نظم دقات القلب وانخفاض أداء الوظائف القلبية الوعائية ؛
• أخطار مناعية ومُعدية[48] من تعطل مناعي وحساسيات ومناعة ذاتية، حيث يحدث تغيير في التفاعل بين الجراثيم والساكن ؛
• إتلاف العضلات الهيكلية[49] وانخفاض الوزن والقوة والتحمل العضلي، وزيادة إمكانية التعرض لإصابات عضلية ؛
• مشاكل التكيف الحسي والحركي[50]، وانخفاض القدرات في تحقيق أعمال فعالة طيلة الرحلة ودخول الفضاء والهبوط وإعادة التكيف؛ داء الحركة ؛
• مشاكل في النظام الغذائي[51] · [52]، غذاء غير ملائم... ؛
• مشاكل في التصرفات، متعلقة بالعامل البشري[53]، من تكيف نفسي سيء؛ ومشاكل سلوكية عصبية؛ وعدم الملائمة بين القدرات المعرفية للطاقم والأعمال المطلوبة؛ وقلة النوم ووقوع اختلال في الروتين اليومي ؛
• مشاكل متعلقة بالإشعاعات الفضائية[54]، تسرطن؛ ومخاطر على الجهاز العصبي المركزي، ومخاطر على الأنسجة مزمنة وانتكاسية...؛
• والمخاطر البيئية[55] · [56]، من تلوث الهواء والماء؛ حيث يتطلب الحفاظ على جو مقبول وماء صالح للشرب وتوازن حراري في المناطق القابلة للسكن وإدارة النفايات.
الحياة في جاذبية ضعيفة
رائد الفضاء يوري أونوفرينكو Iouri Onoufrienko في تجربة على متن محطة الفضاء الدولية. يعد السير على مسار كهربائي أحد الوسائل الأكثر فعالية لتأخير الضمورالعضلي.
تبيَّنت التأثيرات المضرة بالجسم البشري الذي يعيش في محيط منعدم الجاذبية لمدة طويلة بفضل الإقامات طويلة المدة في المحطات المدارية ساليوت Saliout ومحطة الفضاء الروسية Mir ومحطة الفضاء الدولية ISS، التي قضاها رواد الفضاء مثل فاليري بوليكوف Valeri Polyakov (14 شهراً متوالياً على متن محطة الفضاء الروسية Mir ومجموع 678 يوماً في الفضاء)، أو سيرجي أفدييف Sergei Avdeyev (748 يوماً)، أو سيرقي كريكاليوف Serguei Krikaliov (803 أيام).
إذا كانت مساوئ الفضاء مسببة تأثيرات على المدى القصير كإرتباك أو اضطرابات هضمية بسيطة، فإن التكيف البشري للفضاء ولإنعدام الجاذبية خلال الإقامات الطويلة يسببان مشاكل أكثر. حيث يُلاحظ فقدان في الكتلة العضلية خصوصاً، وظهور تخلخل في العظام وانخفاض في فعالية الجهاز المناعي.
في حالة ضعف الجاذبية أو انعدامها، لن يكون الجهاز الحركي خاضعاً للقيود التي تفرضها عليه الجاذبية الأرضية، مما يؤدي إلى تدهور تدريجي. وقد لوحظت تغييرات بعد رحلة فضائية في توازن الكالسيوم الذي أصبح سلبياً نتيجة انخفاض الامتصاص المعوي للكالسيوم وارتفاع إفراز الجهاز الهضمي والبولي[57]. وتعد التأثيرات على كثافة المعادن في العظام متفاوتة جداً ولكن تخلخل العظام هو الأكثر بروزاً على العظام والطرف السفلي من الجسم والذي يكون الثقل عليه عادةً والورك والفقرات القطنية وأعناق الفخذ[58]. فلذلك لا يبدو أن الفحص الجسدي بحد ذاته كافياً للحفاظ الدائم على الكتلة العظمية وهناك وسائل عقاقيرية قيد التقييم[59].
وتتأثر أيضاً العضلات الهيكلية بشكل خفيف مع ظهور ضمور عضلي وتضاؤل في القوة القصوى والقدرة، مما يؤدي إلى انخفاض في فعالية الوظائف وارتفاع انهاك عضلات الأعضاء. وللحد من الإصابة العضلية، يبدو أن الطريقة الأكثر فعالية تكون بفحوصات جسدية بدرجة عالية في المقاومة وتُنجَز خلال مدة قصيرة ولكن بشكل متكرر في اليوم[60] ·
إن الحل المثالي للمستعمرات الواقعة في مواطن فضائية هو إنشاء جاذبية اصطناعية باستخدام الدوران أو التسارع. وفي المقابل، يعد التأثر في وظائف الأعضاء غير معروف بالنسبة للمستعمرات الواقعة على عوالم بجاذبية أقل من جاذبية الأرض كالقمر أوالمريخ، ولا يمكن حل المشكلة بنفس سهولة المستعمرة الواقعة في الفضاء. لذلك قد تكون وسائل تجنب المشاكل الصحية بالتدريب المكثف أو باستخدام أجهزة الطرد المركزي. ربما يحدث تغير في وظائف الأعضاء لرواد الفضاء متعلق بانعدام الجاذبية وذلك على المدى البعيد جداً، بل ربما حياتهم كلها منذ ولادتهم أو بعد عدة أجيال يحدث ضمور الساقين التي قد تفقد قدرتها على الحركة بحسب ما ذكرته وكالة الفضاء الأوروبية ESA، ولكن قد تبقى الأذرع محافظة على جهاز عضلي مشابه للجهاز العضلي لإنسان ما زال عائشاً على الجاذبية الأرضية[62]. وأشار علماء الأحياء وعلماء فيزياء الجهاز العصبي التابعين لوكالة الفضاء الأوروبية ESA، على أن البقاء على قيد الحياة على المدى البعيد في محيط منعدم الجاذبية أقل ضرراً من العودة إلى الأرض بعد إقامة طويلة جداً خارجها[62].
الإشعاعات الفضائية
غلافه المغناطيسيوغلافه الجوي يحميان الأرضطبيعياً من الشعاع الشمسيوالأشعة الكونية. ولم يعد بإمكان المستعمرين أن يستفيدوا من هذه الحمايات على أغلب الكواكب المعروفة أو في الفضاء.
إن أحد الأعراض الطبيعية الأكثر خطورة على رواد الفضاء هو التعرض للإشعاعات الفضائية الذي يمثل أحد العقبات الأساسية للاستكشاف البشري للنظام الشمسي[63]. تأتي هذه الإشعاعات بشكل أساسي من جسيمات منبعثة من الأشعة الشمسية والأشعة الكونية وأشعة حزام فان آلن Van Allen المحيط بالأرض[64]. وسيكون الأثر السلبي للإشعاعات على صحة رواد الفضاء بالغاً جداً، سيَّما وأن الرحلات الفضائية طويلة المدة ستبتعد عن المدار الأرضي المنخفض الذي يقوم بشيئاً من الحماية[63].
ترسل الجسيمات المنبعثة من هذه الإشعاعات طاقة كافية لتعديل جزيئات الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (ADN), الذي يحدث أضراراً مختلفة بحسب شدة ومدة التعرض. ولا يسبب التعرض البسيط خطراً، حيث أن الخلايا الميتة يتم استبدالها طبيعياً بخلايا جديدة. وفي المقابل خلال تعرض طويل أو شديد خصوصاً, فإن قدرات تعديل الحمض النووي(ADN) سيتم تخطيها وستتلف الخلايا أو تموت، مما يسبب مشاكل صحية على المدى القصير أو البعيد[65].
يعتمد التعرض للإشعاعات الفضائية على عوامل كالارتفاع ودرجة حماية رائد الفضاء ومدة مهمته ومدة وشدة التعرض ونوع الإشعاعات[65]. وتعتمد سرعة تأثر الفرد من الإشعاعات على حساسيته للإشعاعات وعمره وجنسه وحالته الصحية العامة وقد تؤثر أيضاً تغييرات أخرى مثل انعدام الجاذبية أو الحرارة البدنية[65].
هناك بعض الأمراض الشديدة كتغييرات دموية أو اضطرابات هضمية (إسهال وغثيان وتقيؤ) قد تكون غير خطرة وتشفى تلقائياً. والبعض الآخر يمكن أن تكون قاسية جداً وتؤدي إلى الموت. لا يسبب التعرض للإشعاعات عادة آثاراً شديدة، باستثناء حالة التعرض لثوران شمسي كبير ينتج عنه إشعاعات كبيرة جداً[65] وقد تكون قاتلة[66]. إن المشكلة الرئيسية هي التعرض المستمر للإشعاعات الفضائية المسببة لتأثيرات على المدى البعيد مثل الساد وعقم وسرطان[65] · [63], بل حتى شيخوخة قبل أوانها[67]. هناك تأثير مُلاحظ ولكن ما زال غير مدروس علمياً، وهو أن 80% من أطفال رواد الفضاء بجميع الجنسيات المختلفة بنات. وقد لوحظ هذا التأثير سابقاً لدى قائدي الطيارات المقاتلة وربما يكون ذلك مرتبطاً بالإشعاعات أو بأشعة الموجات الكهرومغناطيسية. وفي المقابل لم يحدث لأطفال رواد الفضاء أي مشاكل صحية بالغة[68].
إن وضع معايير تتعلق بالتعرضات القصوى للإشعاعات التي يمكن أن يتعرض لها رواد الفضاء هو موضوع دراسة اللجنة الدولية التي تتناول المسائل الطبية المتعلقة برواد المحطة الفضائية الدولية، المكونة من المجموعة المتعددة الجوانب في الأنشطة الطبية[69] ومجموعة عملها على الإشعاعات[70]. وقد وُضعت المعايير باتباع توصيات اللجنة الدولية للحماية من الإشعاعات[71] والمجلس الوطني للحماية من الإشعاعات والمقاييس[72]. واذا تجاوز رائد فضاء الحد الأقصى للتعرض للإشعاعات المقرر لمدة مهنته، فإنه يُمنع من الرحلات الفضائية. حيث تعتبر مهلة التعرض للإشعاعات لفترة ثلاثين يوم وسنة تهدف لتجنب التأثيرات الشديدة، بينما المهلات المقررة لمهنة كاملة تهدف للحماية ضد التأثيرات على المدى البعيد[65].
يتوجب على وكالات الفضاء دراسة الأعراض الخطرة وتطوير تقنيات حماية ملائمة. ويجب أن تكون المنشئات محاطة بالدروع لامتصاص الإشعاعات. ويُمكن أن يتم ذلك على القمر أو المريخ أو الكويبات باستخدام الحطام الصخريالمحلي أو ببناء منشئات تحت الأرض. سيسبب تصفيح مركبات النقل بين الكواكب والمحطات المدارية كثيراً من المشاكل لأنه يمثل زيادة كبيرة في الوزن وكذلك في الكتلة, وينبغي أن يكون فعال وخفيف في نفس الوقت. واذا بإمكان التصفيح قليل السماكة ببعض السنتيمترات الحد من التعرض للجسيمات الناتجة عن الثوران الشمسي، فإنه قد يتوجب دروع سميكة بعدة أمتار لجعل الأشعة الكونية أكثر توليداً للطاقة، وهذا الحل يبدو غير واقعي حالياً[64]. هناك مفاهيم أكثر غرابة ً موجودة، كالتي ترتكز على إنشاء نوع من الغلاف المغناطيسي مصغَّر وقادر على حماية رواد الفضاء من الإشعاعات[64].
يتبع
http://ar.wikipedia.org/wiki/استعمار_الفضاء
إن التواجد البشري الدائم الوحيد في الفضاء حالياً هو للمحطة الفضائية الدولية، وهي مع ذلك ليست مكتفيةً ذاتياً. وفي عام 2008، كان المشروع الوحيد لاستعمار الفضاء وفق خطة تمويليَّةٍ هو إنشاء قاعدة دائمة على سطح القمر مكونة من 4 رواد فضاء، والتي قد تستخدم موارد محلية متوقَّعة من ناسا لأعوام 2019 – 2024، ولكن أعيد النظر في ميزانيتها عام 2010. من جهة أخرى، تنوي وكالة الفضاء الأوروبية بالتّعاون مع وكالات الفضاء الروسية واليابانية والصينية إنشاء مركز متقدم على القمر بعد عام 2025.
وقد نظر علماء الفلك في دراساتٍ نظريةٍ أخرى لعددٍ من المستعمرات الفضائية الواقعة على الأقمار الطبيعية والكويكبات أو كواكب مثل المريخ، والبعض منهم يعتقد أنَّ المستعمرات البشرية الفضائية الأولى قد تكون محطات فضائية واقعة في مدار حول الشمس أو أحد الكواكب. وقد حُقِّقت أيضاً دراسات مستقبلية وطموحة من استعمارأقمار كوكب المشتري حتى إقامة مستعمراتٍ بمئات الآلاف من الأفراد أو إعادة تأهيل بعض الكواكب، ولكن ذلك أيضاً يُعد نظري أكثر ويتطلب تقدماً علمياً وتقنياً كبيراً، وهو أمرٌ لن يكون مُمكناً قبل مضيّ وقتٍ طويل جداً. قال مدير ناسا لعام 2009 مايكل جريفين، أن استعمار الفضاء يُعَدّ هدفاً أخيراً للبرامج الفضائية الحالية، ولكن مع ذلك, تُعَدّ حاجة البشر لاستعمار الفضاء في مستقبل قريبٍ أو بعيدٍ غير مقبولة بالإجماع من قِبَل المجتمع العلمي، وما زال هناك نقاش حول هذا الموضوع.
التاريخ العلمي
قسطنطين تسيولكوفسكي، مؤسس علم الملاحة الفضائية وأول من ذكر استعمار الفضاء.
مشروع محطة مدارية عن طريق فيرنر فون براون Wernher von Braun، عام 1952
إن مفهوم استعمار الفضاء مرتبط بالرحلة الفضائية وعلم الملاحة الفضائية والغزو الفضائي ارتباطاً وثيقاً، وقد أسَّسه نفس المفكرون الذين أسَّسوا تلك المفاهيم.
يُعد رائد الملاحة الفضائية الروسي كونستانتين تسيولكوفسكي أوَّل من ذكر مفهوم استعمار الفضاء بأسلوب علمي في كتابه الصادر عام 1903، الصاروخ في الفضاء الهائل[1]، والذي يصف فيه استخدام الطاقة الشمسية والجاذبية المصطنعة بالدوران واستخدام الاحتباس الحراري لإنشاء نظام بيئي مغلق[2]. وهو أيضاً أول من تصوَّر مشروع مصعد الفضاء في كتابه الصادر عام 1895، تأمل نظري حول الأرض والسماء وحول كويكب فيستا[3]، يُلخِّص وجهة نظره عن مستقبل البشرية في أحد استشهاداته الأكثر شهرة :
«الأرض هي مهد الإنسانية، ولكن لا تُقضى الحياة كلها فيها[4].»
يقترح الفيزيائي الألماني هرمان أوبيرث في عام 1923، استخدام محطات مدارية دائمة ورحلات بين الكواكب في كتاب[5] هو ليس سوى أطروحة الدكتوراة التي قام بها ورُفضت من قِبَل جامعة ميونخ[6] باعتباره صاحب أوهام، ولكن قبلتها جامعة بابس – بولياي في رومانيا في نفس العام[7].
يُعد العالم السلوفاني هرمان بوتوكنيك (باللاتينية: Herman Potočnik) أول من تصوَّر محطة مدارية على شكل عجلة موضوعة في مدار جغرافي ثابت[8]. وفي عام 1952، أعاد عالم الملاحة الفضائية فيرنر فون براون (باللاتينية: Wernher von Braun)، أحد مساعدي أوبيرث القدامى، أفكار بوتوكنيك[9] مع مشروع محطة فضائية على شكل عجلة تدور حول نفسها لتوفير جاذبية مصطنعة بقطر 75 متر يفيد كمركز متقدم ومكان أساسي لمنشأة دائمة على القمر في منطقة سينوس روريس (باللاتينية: Sinus Roris) ولاستكشاف كوكب المريخ. وأول من ذكر فكرة استخدام سفينة فضائية بدفع نووي من أجل إنقاذ البشرية من شمس قاتلة ونقلها إلى نظام كوكبي[10] آخر هو الأمريكي روبرت جودارد Robert Goddard، مؤسس آخر لعلم الملاحة الفضائية. حيث دفعه الخوف من انتقاد علمي إلى وضع المخطوطة في ظرف مغلق بإتقان ولم ينشره إلا بعد 50 عاماً[1]. وقد عُرض استخدام موارد خارج الأرض لغزو الفضاء أيضاً بواسطة جودارد عام 1920.
إن عالم الفيزياء الفلكي السويسري فريتز زفيكي Fritz Zwicky في عام 1948[11] والفلكي الأمريكي كارل ساغان Carl Sagan في عام 1961[12]، هما أول من أصدرا فكرة إعادة تأهيل بعض الكواكب من أجل تغيير ظروف حياة عالم ما, كي تتمكن البشرية من استعماره. والفيزيائي الإنجليزي فريمان ديسونFreeman Dyson في عام 1960 ادعى أن مفهوم حضارة متقدمة ممكن أن يكون بإحاطة نجمها كليًّا بمواطن فضائية أو كويكبات، وابتكر أيضاً كرة ديسون[13].
وفي عام 1975، نشرت ناسا سلسلة من الدراسات عن هذا الموضوع أجريت بالتعاون مع عدة جامعات[14]، ويقدِّر هذا التقرير أنه كي يصبح الاستعمار الفضائي ممكناً، فإنه ينبغي التفكير في آلاف الإطلاقات، مما قد يتطلب نظام إطلاق أكثر اقتصاداً من الصواريخ المستهلكة آنذاك. وفي ذلك السياق طوَّر المكوك الفضائي الأمريكي وبشكل أولي صاروخ حامل قابل لإعادة الاستخدام ولكن في النهاية لن يكون قابل لإعادة الاستخدام إلا جزئيًّا، بسبب تكاليف التطوير وقيود الميزانية نتيجة التوقف التدريجي لسباق الفضاء بعد غزو القمر.
طوَّر الفيزيائي الأمريكي جيرارد أونيل في كتابه الصادر عام 1977، الحد الأعلى : مستعمرات بشرية في الفضاء [15]، فكرة استعمار كثيف مع مواطن فضائية ضخمة.
بعد تعطل بسبب توقف سباق الفضاء الذي كان مرتبطاً بالحرب الباردة، بدأ مفهوم استعمار الفضاء يصبح أقل طموحاً ولكن أكثر واقعية، وذلك بإنشاء المحطة الفضائية الدولية بقواعد دائمة على القمر ومن ثم على المريخ عن طريق تأسيس برنامج متوسط وبعيد المدى من ناسا[16] وإيسا[17]. وقد قام العلماء أيضاً بدراسة العديد من المشاريع الأخرى لاستعمار النظام الشمسي منذ عشرات السنين، ولكن لم يتحصل أي منها على تمويلات مؤمنة كما حدث لمشروع ناسا.
مصادر وتقنيات ضرورية
يتطلب بناء مستعمرات في الفضاء وجود اليد العاملة والغذاء ومواد البناء والطاقة والمواصلات والاتصالات وبيئة قابلة للحياة تشمل الجاذبية والحماية ضد الإشعاعات. ولتكون قابلة للحياة، لابد أن تكون المستعمرة واقعة بطريقة تُسهِّل الوصول إلى مختلف هذه المصادر. في الأقسام التالية تفصيل النقاط المدروسة من قِبَل دراسات العلماء ووكالات الفضاء المختلفة.
النقل
دخول الفضاء
إقلاع مهمة أبولو 11 على متن صاروخ ساتورن 5(زحل 5) في 16 يوليو 1969
منذ بدايات الغزو الفضائي والصواريخ الأولى في عقد الستينات الميلادية، لم تتطور تقنية الوصول للفضاء من الأرض بشكل كبير، حيث بقيت مرتكزة على الصواريخ الحاملة المستهلكة بعيداً عن مكوك الفضاء الأمريكي الذي أوقف خدمته عام 2011[18]. تُمكِّن التقنيات الحالية من الحصول على مؤشر إيجابي حوالي 10% (العلاقة بين وزن الهياكل ووزن مواد الطاقة الدافعة). ولوضع أحمال في مدار منخفض تتراوح بين قليل من الأطنان إلى عشرات الأطنان كحد أقصى، فإن ذلك يؤدي إلى استخدام صواريخ بعدة طوابق وقادرة على تحمل مئات الأطنان عند الإقلاع.حيث لا يمثل وزن الحمولة النافعة إلا نسبة قليلة من وزن الصاروخ عند الإقلاع. ويُعد الوزن الذي يُمكِّن صاروخ من إعطاء سرعة إفلات تسمح له بالهروب من الجاذبية الأرضية والتي تقدر بـ 11 كيلومتر في الثانية، أضعف 4 إلى 5 مرات من الأداء في في مدار منخفض الذي يتطلب سرعة 8 كيلومتر في الثانية، مما يُضاعف التكلفة بالكيلوجرام بهذا المقدار.
تقدر التكلفة حالياً بآلاف اليوروات لكل كيلوجرام يوضع في مدار، باستبعاد تكاليف تطوير الصاروخ. وبإمكان الصاروخ أريان 5 إرسال 20 طن في مدار منخفض بتكلفة إطلاق تقارب 150 مليون يورو، أي 7500 يورو لكل كيلوجرام من الحمولة النافعة[19]. وبالنسبة لتموين المحطة الفضائية الدولية في مدار منخفض فذلك يكلف من 11300 يورو للكيلوجرام بالمركبة الروسية بروجريس إلى 43000 يورو للكيلوجرام بمركبة النقل الآلية الأوروبية[20]. يجب تخصيص 14000 يورو لإرسال أحمال خفيفة مفيدة في مدار منخفض بصاروخ المستقبل فيجا[21]. ولإرسال حمولة مفيدة بأكثر من 100 طن في مدار منخفض أو 47 طن على القمر، فإنه يتوجب صنع صاروخ ضخم يحتوي على خزانات كبيرة لتخزين الوقود والمؤكسد. ويعد الصاروخ ساتورن 5 الذي كلَّف ثلث ميزانية برنامج أبولو في التطوير والإطلاق، أي أكثر من 6.4 مليار دولار آنذاك[22]، مثالاً لهذا الصاروخ.
ورغم هذه الأرقام المرتفعة، فإن تكلفة الإطلاق مع ذلك تعتبر هامشية من ناحية التكلفة الإجمالية لبعض المهمات الفضائية من دون تكاليف تطوير الصاروخ. على سبيل المثال، الـ422 مليون دولار من تكلفة إطلاق صاروخ تيتان المكلف جدا لا تمثل إلا 13% من 3.27 مليار دولار من ميزانية مهمة كاسيني – هويجنز[23] Cassini-Huygens.
إلا أن تكلفة النقل حتى المدار الأرضي وما أبعد تعتبر أحد النطاقات الرئيسية للغزو الفضائي بحسب ناسا التي تفكر في حل المشكلة باستخدام صواريخ أكثر خفة بفضل مواد جديدة[24] أو باستخدام موارد الكواكب أو الأقمار أو الكويكبات بجاذبية أضعف من جاذبية الأرض للاستعمار، وبذلك تنخفض تكاليف النقل كما جاء في دراسة روبرت زوبرين[25] Robert Zubrin أو أونيل O'Neill وناسا[14]. ويوجد أيضا مشاريع نظرية للمدى البعيد لبناء مصعد فضائي، ولكن تبقى العديد من المشاكل ينبغي حلها[26].
النقل في النظام الشمسي
مركبة النقل بين الكواكب بدفع كهرومغناطيسي بلازما VASIMR (منظر متصور لناسا).
إن وسائل المواصلات المُستخدِمة موارد خارج عن الأرض للدفع قد تقلص التكاليف بطريقة واضحة. وربما تكلف المحروقات المرسلة من الأرض أكثر حتى مع الاختراعات المعروضة أعلاه. وبإمكان تقنيات أخرى كالدفع الآسر وصاروخ فاسيمر VASIMR والمحرك الأيوني والصاروخ الشمسي الحراري والشراع الشمسي والدفع النووي الحراري، أن تقلل فعليّا مشكلة التكاليف ومشكلة مدة النقل لمرة واحدة إلى الفضاء[27]. وقد يقلل دفع الصاروخ فاسمير مدة النقل بين الأرض والمريخ، التي تقدر بسنتين حالياً, إلى 39 يوم فقط[28].
وعلى القمر، هناك إمكانية بناء منجنيق كهرومغناطيسي مدروسة من قبل ناسا لإطلاق المواد الأولية للمنشآت في مدار بتكلفة أقل بكثير من المواد الأولية المرسلة من الأرض[29] · [14]. وبحسب دراسات نظرية أجراها جيروم بيرسون Jerome Pearson، مستشار لدى ناسا، من الممكن استخدام مصعد فضاء قمري. خلافاً لمصعد الفضاء الأرضي وممكن أن يبنى بتقنيات موجودة ولكن لم يُحدد بعد أي برنامج للتنفيذ[30].
المواد
لتموين المستعمرات المدارية ,قد يكون إطلاق مواد من الأرض مكلفاً جداً، ويرى كذلك العلماء مثل روبرت زوبرين Robert Zubrin الذي يفكر في إيصال المواد الأولية من القمر وكوكب سيريس والكويكبات القريبة من الأرض وفوبوس أو ديموس، التي تكون قوة الجاذبية فيها ضعيفة جداً ولا يوجد بها غلاف جوي ولا غلاف حيوي قابل للضرر[25]. حيث ستتمكن المستعمرات على القمر والمريخ من استخدام الموارد المحلية، بما أن القمر لديه كمية غير كافية من الهيدروجينوالكربونوالنيتروجين ولكن يحتوي على الكثير من الأكسجينوالسيليكونوالمعادن[31]. بينما تحتوي الكويكبات القريبة من الأرض على كمية كبيرة من المعادن والأكسجين والهيدروجين والكربون بالإضافة إلى القليل من النيتروجين ولكن بقدر غير كافي لتجنب التموين من الأرض. واذا ماذهبنا بعيداً، يبدو أن الكويكبات الطروادية تحتوي على نسبة عالية من جليد الماء ومواد متبخرة أخرى[32].
الطاقة
المحطة الفضائية الدوليةوخلاياها الشمسية مشاهدة عن قرب من مهمة STS-130.
تستخدم اليوم الطاقة الشمسية ,الوفيرة والمعتمد عليها في المدار الأرض، من قبل الأقمار عامة ومحطة الفضاء الدولية. حيث لا يوجد ليل في الفضاء ولا غيوم ولا غلاف جوي لحجب ضوء الشمس, وتتوفر الطاقة الشمسية بالواط لكل متر مربع (م2) لأي مسافة d من الشمس يمكن أن تُحسب بصيغةE = 1366/d2؛ d تستخدم كوحدة قياس فلكية.
لتحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء للرواد سيتطلب الأمر بنيات كبيرة، ويعد معدل استهلاك الدول المتطورة من 2 – 6 كيلو واط للشخص (أو10 ميجا واط في الساعة للشخص والسنة)[33]، وستكون الاحتياجات في الفضاء كبيرة بلا شك، حيث أن خليتين شمسية للمحطة الفضائية الدولية من ثمانية خلايا قادرة على تغطية احتياجات الثلاثين مسكن المتوسط أرضي[34]. وبين عامي 1978 – 1981، سمح الكونغرس الأمريكي لناسا ووزارة الطاقة الأمريكية DOE بدراسة الفكرة. بحيث يقومون بتنظيم برنامج تقييم وتطوير الأقمار المنتجة للطاقة، والذي بقي الدراسة الأكثر اكتمالاً وغير محققة في هذا الموضوع[35] · [36]. خاصة في انعدام الجاذبية، يمكن أن يستخدم الضوء الشمسي مباشرة بأفران شمسية مصنوعة من ألواح معدنية خفيفة جداً وقادرة على توليد الحرارة بآلاف الدرجات أو تعكس ضوء الشمس على الحضارات، وبتكلفة بسيطة جداً. وقد تكون الطاقة أيضاً منتج تصدير للمستعمرات الفضائية باستخدام نقل الطاقة اللاسلكي بواسطة الأشعة الكهرومغناطيسية من محطات شمسية مدارية باتجاه القمر أو الأرض. تعادل ليالي القمر أسبوعين، بينما المناطق الواقعة في أقطاب قمرية معرضة للشمس بشكل دائم. ويعد المريخ أكثر بعداً من الشمس ويتعرض أحياناًلعواصف رملية تخفف قليلاً من شدة أشعتها. ومع ذك يسرب جوه أشعة شمسية أقل من الموجودة على الأرض، مما يوحي بالأمل في استثمار الطاقة الشمسية بنفس الفعالية، وعلاوة على ذلك، بانتظام أكبر لأشعة الشمس[37]. إذاً قد تبقى الطاقة النووية خياراً لطاقة مستمرة على هذه الأجرام السماوية، ولكن لم يُكتشف بعد أي معدن لليورانيوم الخام، لذلك قد يتوجب جلب المادة الأولية من الأرض كتلك المخططة لمهمات المريخ من قبل ناسا[38]. وربما يكون تطوير الاندماج النووي نافعاً للمستعمرات، فالهليوم موجود في العديد من أجرام النظام الشمسي من ضمنها القمر، في الحطام الصخري للسطح والعمالقة الغازية. وستكون أحد الصعوبات الكبرى لاستخدام الطاقة الشمسية الحرارية أو الطاقة النووية في بيئات قليلة أو منعدمة الهواء، في إزالة الحرارة المحتومة المتولدة من دورة كارنو. وذلك سيتطلب أسطح مشعة كبيرة لإزالة الحرارة بواسطة الأشعة تحت الحمراء.
الاتصالات
يعتبر الاتصال سهلاً بالنسبة للمدار الأرضي أو القمري، مقارنة بالاحتياجات الأخرى، وأغلب الاتصالات الحالية تُجرى بواسطة قمر. إلا أن الاتصالات مع كوكب المريخ وما أبعد ستعاني من تأخرات ناتجة عن انتشار الضوء وظواهر أخرى مضطربة. وبالنسبة للمريخ، يمثل ذلك التأخير من 3 إلى 22 دقيقة بحسب قربه من الأرض (وذلك لاتصال بسيط دون رد)[39] وأكثر تأخراً بالنسبة للمستعمرات الأكثر بعداً. حيث تقدر الاتصالات مع المستعمرات الواقعة حول نجوم أخرى بالسنوات للأكثر قرباً.
صلاحية السكن
الباحث العلمي ومهندس الرحلة جون فيليبس John L. Phillips يصلح نظام توليد الأكسجين Elektron ذو الصناعة الروسية على متن محطة الفضاء الدولية، مايو 2005.
من الممكن أن تنفذ علاقة البقاء بين الكائنات الحية وموطنها وبيئة خارج الأرض بثلاث طرق مختلفة، أو بالجمع ما بينهم :
• كائنات حية ومواطن منعزلة كلياً عن البيئة بغلاف حيوي صناعي كالغلاف الحيوي 2 أو نظام آخر لدعم الحياة.
• تغيير البيئة لكي تصبح موطن قابل للحياة مع إعادة تأهيل الكوكب[12].
• تغيير الكائنات الحية لكي تصبح متكيفة على بيئتها الجديدة باستخدام الهندسة الوراثية أو بإنشاء سايبورغ Cyborg، كما ذكر بواسطة البعد إنسانية.
وبما أن الحلَّين الأخيرين لم تزل من مجال الخيال العلمي أو مما يعتبر نظري، فنظام دعم الحياة هو الحل الفوري. وفي الواقع ستحتاج المستعمرات إلى هواء وماء وغذاءوجاذبية ودرجة حرارة ملائمة للبقاء على قيد الحياة لفترة طويلة. بينما على الأرض يُقدم الغلاف الحيوي كل ذلك. وفي المنشآت الفضائية، هناك نظام مصغر نسبياً وبدائرة مغلقة سيتوجب عليه إعادة تدوير جميع العناصر الضرورية للحياة دون إمكانية حدوث أي عُطل. وتدرس ناسا NASA وإيسا ESA الإمكانيات المختلفة لأنظمة دعم الحياة التي تقدم خدمات لا تقتصر على إعادة تدوير النفايات فقط والتي تُستخدم حالياً على المحطة الفضائية الدولية[40] · [41] · [42].
إن أقرب نظام حالي لدعم الحياة هو بالتأكيد نظام الغواصة النووية. حيث تستخدم أنظمة آلية لتتكفل بالاحتياجات البشرية خلال أشهر دون أن تطفو فوق الماء. إلا أن هذه الغواصات تطلق ثاني أكسيد الكربون، بما أنها تعيد تدوير الأكسجين. وقد اُعتبر إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون CO2 في الكتب باستخدام تفاعل ساباتيير Sabatier أو تفاعل بوش Bosch.
وبالنسبة لمهمات المريخ، تتوقع ناسا ثلاث أنظمة للبقاء على قيد الحياة لفترة طويلة من أجل تجنب كل عُطل محرج. اثنان منها مبنية على أنظمة تنقية وتحوُّل كيميائي كتلك المُستخدمة في المكوك الفضائي. والثالث يستخدم نباتات مزروعة محلياً لإنتاج الماء والأكسجين لرواد الفضاء، ولكن التقنية الأخيرة هذه يجب أن يتم التحقق منها[38].
بيَّن مشروع الغلاف الحيوي 2 في ولاية أريزونا الأمريكية، أن غلاف حيوي صغير ومعقد وخادع وصناعي بإمكانه تحمل 8 أشخاص لمدة سنة على الأقل، مع أنه واجه العديد من المشاكل. وبعد سنة، في حين أن المهمة كان يتوجب أن تستغرق سنتين، كان ينبغي أن يُعاد تزويد الغلاف الحيوي بالأكسجين[43].
واذا ما ابتعدنا عن الغلاف الحيوي 2، هناك محطات بحث في بيئات معادية كقاعدة محطة أمندسن سكوت Amundsen-Scott في القارة القطبية الجنوبية أو محطة البحث ضوء المريخ Flashline Mars Arctic Research Station في القطب الشمالي التابعة لجزيرة ديفون، قادرة أيضاً على أن تقدم خبرة البناء وعملية المركز المتقدم لعوالم أخرى. إن محطة البحث صحراء المريخ Mars Desert Research Station المدعومة من قبل مجتمع المريخ، هي عبارة عن موطن مبني لهذه الأسباب في صحراء ولاية يوتا الأمريكية. وبالنسبة لهذه المحطة، إذا كانت أرضيتها تشبه أرضية المريخ، فإن درجات الحرارة تكون شديدة جداً والمناخ البيئي ليس الأكثر قسوة على الأرض.
أخطار وأضرار على الصحة
جُمعت العديد من المعلومات فيما يخص الآثار المترتبة على الصحة من الرحلات الفضائية الطويلة بفضل الدراسات التي أجراها رواد الفضاء الروسيين. هنا محطة الفضاء الروسية Mirوالقمر، يونيو 1998.
حددت ناسا 45 خطر - موزع على 16 نظام - متعلق بالصحة والسلامة وأداء الطاقم خلال مهمة فضائية[44] · [45] والتي ربما تخصص لذلك أيضاً مستعمرات في الفضاء أو على كوكب بجاذبية ضعيفة ويتطلب موطن. وتتعلق أهم المخاطر التي تم تحديدها بـ :
• تخلخل العظام[46]، حيث يشمل خطر تعرض سريع لفقد وكسر في العظام، ويتطلب معالجة ذلك العظم المتضرر، وما إلى ذلك ؛
• إصابات قلبية وعائية[47] واضطرابات في نظم دقات القلب وانخفاض أداء الوظائف القلبية الوعائية ؛
• أخطار مناعية ومُعدية[48] من تعطل مناعي وحساسيات ومناعة ذاتية، حيث يحدث تغيير في التفاعل بين الجراثيم والساكن ؛
• إتلاف العضلات الهيكلية[49] وانخفاض الوزن والقوة والتحمل العضلي، وزيادة إمكانية التعرض لإصابات عضلية ؛
• مشاكل التكيف الحسي والحركي[50]، وانخفاض القدرات في تحقيق أعمال فعالة طيلة الرحلة ودخول الفضاء والهبوط وإعادة التكيف؛ داء الحركة ؛
• مشاكل في النظام الغذائي[51] · [52]، غذاء غير ملائم... ؛
• مشاكل في التصرفات، متعلقة بالعامل البشري[53]، من تكيف نفسي سيء؛ ومشاكل سلوكية عصبية؛ وعدم الملائمة بين القدرات المعرفية للطاقم والأعمال المطلوبة؛ وقلة النوم ووقوع اختلال في الروتين اليومي ؛
• مشاكل متعلقة بالإشعاعات الفضائية[54]، تسرطن؛ ومخاطر على الجهاز العصبي المركزي، ومخاطر على الأنسجة مزمنة وانتكاسية...؛
• والمخاطر البيئية[55] · [56]، من تلوث الهواء والماء؛ حيث يتطلب الحفاظ على جو مقبول وماء صالح للشرب وتوازن حراري في المناطق القابلة للسكن وإدارة النفايات.
الحياة في جاذبية ضعيفة
رائد الفضاء يوري أونوفرينكو Iouri Onoufrienko في تجربة على متن محطة الفضاء الدولية. يعد السير على مسار كهربائي أحد الوسائل الأكثر فعالية لتأخير الضمورالعضلي.
تبيَّنت التأثيرات المضرة بالجسم البشري الذي يعيش في محيط منعدم الجاذبية لمدة طويلة بفضل الإقامات طويلة المدة في المحطات المدارية ساليوت Saliout ومحطة الفضاء الروسية Mir ومحطة الفضاء الدولية ISS، التي قضاها رواد الفضاء مثل فاليري بوليكوف Valeri Polyakov (14 شهراً متوالياً على متن محطة الفضاء الروسية Mir ومجموع 678 يوماً في الفضاء)، أو سيرجي أفدييف Sergei Avdeyev (748 يوماً)، أو سيرقي كريكاليوف Serguei Krikaliov (803 أيام).
إذا كانت مساوئ الفضاء مسببة تأثيرات على المدى القصير كإرتباك أو اضطرابات هضمية بسيطة، فإن التكيف البشري للفضاء ولإنعدام الجاذبية خلال الإقامات الطويلة يسببان مشاكل أكثر. حيث يُلاحظ فقدان في الكتلة العضلية خصوصاً، وظهور تخلخل في العظام وانخفاض في فعالية الجهاز المناعي.
في حالة ضعف الجاذبية أو انعدامها، لن يكون الجهاز الحركي خاضعاً للقيود التي تفرضها عليه الجاذبية الأرضية، مما يؤدي إلى تدهور تدريجي. وقد لوحظت تغييرات بعد رحلة فضائية في توازن الكالسيوم الذي أصبح سلبياً نتيجة انخفاض الامتصاص المعوي للكالسيوم وارتفاع إفراز الجهاز الهضمي والبولي[57]. وتعد التأثيرات على كثافة المعادن في العظام متفاوتة جداً ولكن تخلخل العظام هو الأكثر بروزاً على العظام والطرف السفلي من الجسم والذي يكون الثقل عليه عادةً والورك والفقرات القطنية وأعناق الفخذ[58]. فلذلك لا يبدو أن الفحص الجسدي بحد ذاته كافياً للحفاظ الدائم على الكتلة العظمية وهناك وسائل عقاقيرية قيد التقييم[59].
وتتأثر أيضاً العضلات الهيكلية بشكل خفيف مع ظهور ضمور عضلي وتضاؤل في القوة القصوى والقدرة، مما يؤدي إلى انخفاض في فعالية الوظائف وارتفاع انهاك عضلات الأعضاء. وللحد من الإصابة العضلية، يبدو أن الطريقة الأكثر فعالية تكون بفحوصات جسدية بدرجة عالية في المقاومة وتُنجَز خلال مدة قصيرة ولكن بشكل متكرر في اليوم[60] ·
إن الحل المثالي للمستعمرات الواقعة في مواطن فضائية هو إنشاء جاذبية اصطناعية باستخدام الدوران أو التسارع. وفي المقابل، يعد التأثر في وظائف الأعضاء غير معروف بالنسبة للمستعمرات الواقعة على عوالم بجاذبية أقل من جاذبية الأرض كالقمر أوالمريخ، ولا يمكن حل المشكلة بنفس سهولة المستعمرة الواقعة في الفضاء. لذلك قد تكون وسائل تجنب المشاكل الصحية بالتدريب المكثف أو باستخدام أجهزة الطرد المركزي. ربما يحدث تغير في وظائف الأعضاء لرواد الفضاء متعلق بانعدام الجاذبية وذلك على المدى البعيد جداً، بل ربما حياتهم كلها منذ ولادتهم أو بعد عدة أجيال يحدث ضمور الساقين التي قد تفقد قدرتها على الحركة بحسب ما ذكرته وكالة الفضاء الأوروبية ESA، ولكن قد تبقى الأذرع محافظة على جهاز عضلي مشابه للجهاز العضلي لإنسان ما زال عائشاً على الجاذبية الأرضية[62]. وأشار علماء الأحياء وعلماء فيزياء الجهاز العصبي التابعين لوكالة الفضاء الأوروبية ESA، على أن البقاء على قيد الحياة على المدى البعيد في محيط منعدم الجاذبية أقل ضرراً من العودة إلى الأرض بعد إقامة طويلة جداً خارجها[62].
الإشعاعات الفضائية
غلافه المغناطيسيوغلافه الجوي يحميان الأرضطبيعياً من الشعاع الشمسيوالأشعة الكونية. ولم يعد بإمكان المستعمرين أن يستفيدوا من هذه الحمايات على أغلب الكواكب المعروفة أو في الفضاء.
إن أحد الأعراض الطبيعية الأكثر خطورة على رواد الفضاء هو التعرض للإشعاعات الفضائية الذي يمثل أحد العقبات الأساسية للاستكشاف البشري للنظام الشمسي[63]. تأتي هذه الإشعاعات بشكل أساسي من جسيمات منبعثة من الأشعة الشمسية والأشعة الكونية وأشعة حزام فان آلن Van Allen المحيط بالأرض[64]. وسيكون الأثر السلبي للإشعاعات على صحة رواد الفضاء بالغاً جداً، سيَّما وأن الرحلات الفضائية طويلة المدة ستبتعد عن المدار الأرضي المنخفض الذي يقوم بشيئاً من الحماية[63].
ترسل الجسيمات المنبعثة من هذه الإشعاعات طاقة كافية لتعديل جزيئات الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (ADN), الذي يحدث أضراراً مختلفة بحسب شدة ومدة التعرض. ولا يسبب التعرض البسيط خطراً، حيث أن الخلايا الميتة يتم استبدالها طبيعياً بخلايا جديدة. وفي المقابل خلال تعرض طويل أو شديد خصوصاً, فإن قدرات تعديل الحمض النووي(ADN) سيتم تخطيها وستتلف الخلايا أو تموت، مما يسبب مشاكل صحية على المدى القصير أو البعيد[65].
يعتمد التعرض للإشعاعات الفضائية على عوامل كالارتفاع ودرجة حماية رائد الفضاء ومدة مهمته ومدة وشدة التعرض ونوع الإشعاعات[65]. وتعتمد سرعة تأثر الفرد من الإشعاعات على حساسيته للإشعاعات وعمره وجنسه وحالته الصحية العامة وقد تؤثر أيضاً تغييرات أخرى مثل انعدام الجاذبية أو الحرارة البدنية[65].
هناك بعض الأمراض الشديدة كتغييرات دموية أو اضطرابات هضمية (إسهال وغثيان وتقيؤ) قد تكون غير خطرة وتشفى تلقائياً. والبعض الآخر يمكن أن تكون قاسية جداً وتؤدي إلى الموت. لا يسبب التعرض للإشعاعات عادة آثاراً شديدة، باستثناء حالة التعرض لثوران شمسي كبير ينتج عنه إشعاعات كبيرة جداً[65] وقد تكون قاتلة[66]. إن المشكلة الرئيسية هي التعرض المستمر للإشعاعات الفضائية المسببة لتأثيرات على المدى البعيد مثل الساد وعقم وسرطان[65] · [63], بل حتى شيخوخة قبل أوانها[67]. هناك تأثير مُلاحظ ولكن ما زال غير مدروس علمياً، وهو أن 80% من أطفال رواد الفضاء بجميع الجنسيات المختلفة بنات. وقد لوحظ هذا التأثير سابقاً لدى قائدي الطيارات المقاتلة وربما يكون ذلك مرتبطاً بالإشعاعات أو بأشعة الموجات الكهرومغناطيسية. وفي المقابل لم يحدث لأطفال رواد الفضاء أي مشاكل صحية بالغة[68].
إن وضع معايير تتعلق بالتعرضات القصوى للإشعاعات التي يمكن أن يتعرض لها رواد الفضاء هو موضوع دراسة اللجنة الدولية التي تتناول المسائل الطبية المتعلقة برواد المحطة الفضائية الدولية، المكونة من المجموعة المتعددة الجوانب في الأنشطة الطبية[69] ومجموعة عملها على الإشعاعات[70]. وقد وُضعت المعايير باتباع توصيات اللجنة الدولية للحماية من الإشعاعات[71] والمجلس الوطني للحماية من الإشعاعات والمقاييس[72]. واذا تجاوز رائد فضاء الحد الأقصى للتعرض للإشعاعات المقرر لمدة مهنته، فإنه يُمنع من الرحلات الفضائية. حيث تعتبر مهلة التعرض للإشعاعات لفترة ثلاثين يوم وسنة تهدف لتجنب التأثيرات الشديدة، بينما المهلات المقررة لمهنة كاملة تهدف للحماية ضد التأثيرات على المدى البعيد[65].
يتوجب على وكالات الفضاء دراسة الأعراض الخطرة وتطوير تقنيات حماية ملائمة. ويجب أن تكون المنشئات محاطة بالدروع لامتصاص الإشعاعات. ويُمكن أن يتم ذلك على القمر أو المريخ أو الكويبات باستخدام الحطام الصخريالمحلي أو ببناء منشئات تحت الأرض. سيسبب تصفيح مركبات النقل بين الكواكب والمحطات المدارية كثيراً من المشاكل لأنه يمثل زيادة كبيرة في الوزن وكذلك في الكتلة, وينبغي أن يكون فعال وخفيف في نفس الوقت. واذا بإمكان التصفيح قليل السماكة ببعض السنتيمترات الحد من التعرض للجسيمات الناتجة عن الثوران الشمسي، فإنه قد يتوجب دروع سميكة بعدة أمتار لجعل الأشعة الكونية أكثر توليداً للطاقة، وهذا الحل يبدو غير واقعي حالياً[64]. هناك مفاهيم أكثر غرابة ً موجودة، كالتي ترتكز على إنشاء نوع من الغلاف المغناطيسي مصغَّر وقادر على حماية رواد الفضاء من الإشعاعات[64].
يتبع
http://ar.wikipedia.org/wiki/استعمار_الفضاء