22-3-2007
ويعيش أحمد الدقامسة ذلك اليوم على حدود وطنه، ليستشعر لحظة الفعل والقدرة على تأدية الواجب، فمارس إطلاق العنان لرصاصه القليل والضعيف، ليصيب من العدو مقتلاً، معتقداً أن تلك الأدوات التي عبأته يوماً من المدرسة والإعلام، سوف تحميه وتؤكد عليه، عندها انقلبت الأجهزة ضده من إعلام وتعليم، وقالت له لقد أخطأت، فقد تغير الزمان والمكان، وانقلبت المفاهيم، هكذا دون مقدمات، أرادونا نحن جيل الدقامسة عبثاً يلعبون بنا..لكن الدقامسة مارس الحقيقة ضمن إمكاناته، وفي أطار لحظات الموقف وانفعالاته
بقلم عمر عياصرة
قبل أيام، تذكر الأردنيون أن جندياً يدعى أحمد الدقامسة، مرت عليه عشر سنوات طويلة، وهو في أحد سجون وطنه، ويعلمون أنه سجن جراء لحظة سلوك أملتها عليه جملة من المشاعر والأحاسيس والمواقف والرؤى والتعبئة.
فقبل عشر سنوات، قام الجندي الأردني أحمد الدقامسة، وهو من أسرة أردنية تسكن شمال الوطن ـ قام ـ بإطلاق نيران سلاحه الميري على مجموعة من الصهاينة، حاولوا الاستهتار بصلاته ودينه وبشرته السمراء الجميلة، حدث ذلك كله أثناء حراسته لحدود وطنه، وعلى مقربة من فلسطين المحتلة.
لقد كانت لحظة اتخاذ الجندي الأردني أحمد الدقامسة لقراره، بإطلاق النار على مجموعة الصهاينة، عصيبة وجدلية، ويعيشها كل إنسان عربي ومسلم في هذا الزمان، لقد استشعر الدقامسة في لحظته التاريخية ذلك القهر الذي تطاولت رقبته عالياً، لتصل أعماق وعي ووجدان كل عربي ومسلم، فالدقامسة جندي بسيط في القوات المسلحة الأردنية، المعروفة بانضباطيتها العالية.
وقد عاش هذا الجندي لحظة صراع وطني، وهو يقف على حدود وطنه حامياً شامخاً مطلاً على فلسطين، التي أحبها وعشقها في أعماق ذاته البعيدة، فثارت في عقله جدلية الجوار واللغة، وتأكيدات الدين على مقام فلسطين والقدس، وأصبح عقله ووجدانه ومخياله أسرى للواجب المقدس، الذي يستدعي مفاهيم الكرامة والتحرير، فتجاوز في لحظة مثيرة للجدل مشاعر الانضباطية وانفعالاتها، ليترك العنان لبندقيته تصيح، وأحر قلباه على قلة الحيلة وهوان الأمة، لتنطلق رصاصات لن تدرك التحرير، ولكنها تستحضر المشروع.
تربى الجندي أحمد الدقامسة، في كل لحظة، وعند كل صباح ومساء على حب الوطن، وعلمته أسرته العربية القروية، أن حب فلسطين قدر، وجزء من حب الوطن والذات، وعاش الدقامسة كما جيله في فترة زمنية، مارست الدولة الأردنية بأجهزتها الأيدلوجية من إعلام وتربية، كل قنوات وأدوات وآليات التعبئة ضد الصهاينة وأنهم أعداء مغتصبون، وأنهم حالة طارئة قتلة، استباحوا الدم والعرض وسرقوا الأرض في القدس وحيفا والرملة واللد وعكا، هكذا تربى الجندي الدقامسة بإرادة الدولة وأجهزتها في فترة ما قبل التسوية المشئومة.
هكذا تعلم أحمد الدقامسة وجيله، وتربى في ريعان العمر ولحظات الفتوة على أنشودة وطنية قومية دينية، تقول في كل صباح وتدرس في كل كتاب، أن فلسطين داري ... ودرب انتصاري، ويعيش أحمد الدقامسة ذلك اليوم على حدود وطنه، ليستشعر لحظة الفعل والقدرة على تأدية الواجب، فمارس إطلاق العنان لرصاصه القليل والضعيف، ليصيب من العدو مقتلاً، معتقداً أن تلك الأدوات التي عبأته يوماً من المدرسة والإعلام، سوف تحميه وتؤكد عليه، عندها انقلبت الأجهزة ضده من إعلام وتعليم، وقالت له لقد أخطأت، فقد تغير الزمان والمكان، وانقلبت المفاهيم، هكذا دون مقدمات، أرادونا نحن جيل الدقامسة عبثاً يلعبون بنا، يقولون لنا في الصباح الصهاينة أعداء وعند المساء هم أصدقاء، لكن الدقامسة مارس الحقيقة ضمن إمكاناته، وفي أطار لحظات الموقف وانفعالاته.
مرت على أحمد الدقامسة عشر سنوات في سجون الوطن، يعاقب على لحظة غضب وطني، ورغم أن السنوات التي انقضت على الدقامسة، مارس فيها الصهاينة فعل القتل على الكثير الكثير من أبناء الجلدة، التي ينتمي لها أحمد الدقامسة في فلسطين ولبنان، كما شهدت سقوط بغداد لأجل عيون إسرائيل وحماية لأمنها القومي، ومات مليوني عراقي وشرد أهل العراق بين داخل وخارج، كل ذلك والدقامسة قابع في سجنه الصحراوي، يلقي عقوبة على فعل قام به، استجابة لتمرد على واقع انهزامي مرير، وكذلك خلال عشر سنوات، صافحت الأمة برسمييها قتلة الأطفال والتقطوا معهم الصور، وأظهروا الصفح تجاههم، رجاء البداية الجديدة ورغبة في استجداء الشرعية المهزوزة .
المسؤولية الوطنية لا تقر بحال من الأحوال الانفلات من الانضباط العسكري، ولا تسمح للتصرفات الفردية أن تعلن الحرب وتبدأ المعركة، ولكن العذر يقع هنا مع هؤلاء الجنود الأشاوس، إذا جاءتهم لحظة غضب نابعة من ممارسات الصهيوني ومن صمت الحكومات والأنظمة العربية، فالجندي العزيز لا يرضى أن يصول الأجنبي على أرضه، وأن يستهزئ بصلاته ودينه ورجولته، فلنقدر إذا انفلت السلاح لحظة، وتهيأت الفرصة الوطنية المناسبة لحمايته والعفو عن رجولته وغضبه .
أحمد الدقامسة، من عشيرة وعائلة ومنطقة أردنية، قدمت أبناءها شهداء وأسرى في الكرامة ومعارك القدس وأثناء حماية الوطن وأمنه، فهو بهذه الهوية الوشائجية وبهذه التربية الوطنية، التي ساهم الإعلام الرسمي يوماً في بنائها قبل التسوية، هو بكل ذلك مؤهل ومعذور ومقبول منه، عند مشاهدة الصهاينة يستهزئون بصلاته ويدوسون وطنه فلسطين بأقدامهم الغادرة، هو معذور بانفلات انضباطيته، وترك العنان لفوهة بندقيته لتقول لهم، مهما اعتقدتم أن التسوية ومعاهداتها ملكتكم أمرنا، فأنتم واهمون، فالحق أقوى من أوسلو ووادي عربة، وأن ثقافة العرب والمسلمين تحول دون نسيان الحقوق ولو بعد حين.
الهيئات النقابية والحزبية والشعبية في الأردن، لم تمل المطالبة والإصرار على ضرورة إطلاق سراح الدقامسة، وأن يعود لبيته، وذلك لأن فعله من تبعات الحرب ومسلكياتها النفسية، وأنه ليس إلا مدافعاً عن أحقية وطنه بالكرامة، بل هو في المخيال الشعبي الأردني بطل تمرد على ذاته المكسورة، وقهر برودة أعصابه وأرضى ضميره الحي وانسجم مع ثقافته، فلنحي هذا النموذج ولنعمل على تشذيبه انتماءاً وسلوكاً وقيمة، لأن الدقامسة يحتاج لمحضن وطني ورعاية وطنية لتخلق نموذج المواطن الواعي والمنضبط بقضايا أمة.
أصبح التساؤل أردنياً عن الإفراج عن الدقامسة من سجنه، أقرب ما يكون للجدل السيادي، وقد آن الأوان أن يخرج الدقامسة من سجنه ليعود لدفء القرية ولأبنائه وزوجته، يروي لهم قصة فلسطين داري ودرب انتصاري، يروي لهم حكاية البندقية ومستقبلها، ليقول لهم إنني على حب فلسطين باقٍ، وأن الصمود والتضحية وظلم ذوي القربى هي أداة ومنهجية، للخروج بكرامة في هذا الزمان.
الدقامسة مارس سلوكاً في زمن الانفلات وفوضى المفاهيم واختلال موازين القوى، وقد أصبح حريا بالجميع أن يقدروا ما قام به الدقامسة.
ويعيش أحمد الدقامسة ذلك اليوم على حدود وطنه، ليستشعر لحظة الفعل والقدرة على تأدية الواجب، فمارس إطلاق العنان لرصاصه القليل والضعيف، ليصيب من العدو مقتلاً، معتقداً أن تلك الأدوات التي عبأته يوماً من المدرسة والإعلام، سوف تحميه وتؤكد عليه، عندها انقلبت الأجهزة ضده من إعلام وتعليم، وقالت له لقد أخطأت، فقد تغير الزمان والمكان، وانقلبت المفاهيم، هكذا دون مقدمات، أرادونا نحن جيل الدقامسة عبثاً يلعبون بنا..لكن الدقامسة مارس الحقيقة ضمن إمكاناته، وفي أطار لحظات الموقف وانفعالاته
بقلم عمر عياصرة
قبل أيام، تذكر الأردنيون أن جندياً يدعى أحمد الدقامسة، مرت عليه عشر سنوات طويلة، وهو في أحد سجون وطنه، ويعلمون أنه سجن جراء لحظة سلوك أملتها عليه جملة من المشاعر والأحاسيس والمواقف والرؤى والتعبئة.
فقبل عشر سنوات، قام الجندي الأردني أحمد الدقامسة، وهو من أسرة أردنية تسكن شمال الوطن ـ قام ـ بإطلاق نيران سلاحه الميري على مجموعة من الصهاينة، حاولوا الاستهتار بصلاته ودينه وبشرته السمراء الجميلة، حدث ذلك كله أثناء حراسته لحدود وطنه، وعلى مقربة من فلسطين المحتلة.
لقد كانت لحظة اتخاذ الجندي الأردني أحمد الدقامسة لقراره، بإطلاق النار على مجموعة الصهاينة، عصيبة وجدلية، ويعيشها كل إنسان عربي ومسلم في هذا الزمان، لقد استشعر الدقامسة في لحظته التاريخية ذلك القهر الذي تطاولت رقبته عالياً، لتصل أعماق وعي ووجدان كل عربي ومسلم، فالدقامسة جندي بسيط في القوات المسلحة الأردنية، المعروفة بانضباطيتها العالية.
وقد عاش هذا الجندي لحظة صراع وطني، وهو يقف على حدود وطنه حامياً شامخاً مطلاً على فلسطين، التي أحبها وعشقها في أعماق ذاته البعيدة، فثارت في عقله جدلية الجوار واللغة، وتأكيدات الدين على مقام فلسطين والقدس، وأصبح عقله ووجدانه ومخياله أسرى للواجب المقدس، الذي يستدعي مفاهيم الكرامة والتحرير، فتجاوز في لحظة مثيرة للجدل مشاعر الانضباطية وانفعالاتها، ليترك العنان لبندقيته تصيح، وأحر قلباه على قلة الحيلة وهوان الأمة، لتنطلق رصاصات لن تدرك التحرير، ولكنها تستحضر المشروع.
تربى الجندي أحمد الدقامسة، في كل لحظة، وعند كل صباح ومساء على حب الوطن، وعلمته أسرته العربية القروية، أن حب فلسطين قدر، وجزء من حب الوطن والذات، وعاش الدقامسة كما جيله في فترة زمنية، مارست الدولة الأردنية بأجهزتها الأيدلوجية من إعلام وتربية، كل قنوات وأدوات وآليات التعبئة ضد الصهاينة وأنهم أعداء مغتصبون، وأنهم حالة طارئة قتلة، استباحوا الدم والعرض وسرقوا الأرض في القدس وحيفا والرملة واللد وعكا، هكذا تربى الجندي الدقامسة بإرادة الدولة وأجهزتها في فترة ما قبل التسوية المشئومة.
هكذا تعلم أحمد الدقامسة وجيله، وتربى في ريعان العمر ولحظات الفتوة على أنشودة وطنية قومية دينية، تقول في كل صباح وتدرس في كل كتاب، أن فلسطين داري ... ودرب انتصاري، ويعيش أحمد الدقامسة ذلك اليوم على حدود وطنه، ليستشعر لحظة الفعل والقدرة على تأدية الواجب، فمارس إطلاق العنان لرصاصه القليل والضعيف، ليصيب من العدو مقتلاً، معتقداً أن تلك الأدوات التي عبأته يوماً من المدرسة والإعلام، سوف تحميه وتؤكد عليه، عندها انقلبت الأجهزة ضده من إعلام وتعليم، وقالت له لقد أخطأت، فقد تغير الزمان والمكان، وانقلبت المفاهيم، هكذا دون مقدمات، أرادونا نحن جيل الدقامسة عبثاً يلعبون بنا، يقولون لنا في الصباح الصهاينة أعداء وعند المساء هم أصدقاء، لكن الدقامسة مارس الحقيقة ضمن إمكاناته، وفي أطار لحظات الموقف وانفعالاته.
مرت على أحمد الدقامسة عشر سنوات في سجون الوطن، يعاقب على لحظة غضب وطني، ورغم أن السنوات التي انقضت على الدقامسة، مارس فيها الصهاينة فعل القتل على الكثير الكثير من أبناء الجلدة، التي ينتمي لها أحمد الدقامسة في فلسطين ولبنان، كما شهدت سقوط بغداد لأجل عيون إسرائيل وحماية لأمنها القومي، ومات مليوني عراقي وشرد أهل العراق بين داخل وخارج، كل ذلك والدقامسة قابع في سجنه الصحراوي، يلقي عقوبة على فعل قام به، استجابة لتمرد على واقع انهزامي مرير، وكذلك خلال عشر سنوات، صافحت الأمة برسمييها قتلة الأطفال والتقطوا معهم الصور، وأظهروا الصفح تجاههم، رجاء البداية الجديدة ورغبة في استجداء الشرعية المهزوزة .
المسؤولية الوطنية لا تقر بحال من الأحوال الانفلات من الانضباط العسكري، ولا تسمح للتصرفات الفردية أن تعلن الحرب وتبدأ المعركة، ولكن العذر يقع هنا مع هؤلاء الجنود الأشاوس، إذا جاءتهم لحظة غضب نابعة من ممارسات الصهيوني ومن صمت الحكومات والأنظمة العربية، فالجندي العزيز لا يرضى أن يصول الأجنبي على أرضه، وأن يستهزئ بصلاته ودينه ورجولته، فلنقدر إذا انفلت السلاح لحظة، وتهيأت الفرصة الوطنية المناسبة لحمايته والعفو عن رجولته وغضبه .
أحمد الدقامسة، من عشيرة وعائلة ومنطقة أردنية، قدمت أبناءها شهداء وأسرى في الكرامة ومعارك القدس وأثناء حماية الوطن وأمنه، فهو بهذه الهوية الوشائجية وبهذه التربية الوطنية، التي ساهم الإعلام الرسمي يوماً في بنائها قبل التسوية، هو بكل ذلك مؤهل ومعذور ومقبول منه، عند مشاهدة الصهاينة يستهزئون بصلاته ويدوسون وطنه فلسطين بأقدامهم الغادرة، هو معذور بانفلات انضباطيته، وترك العنان لفوهة بندقيته لتقول لهم، مهما اعتقدتم أن التسوية ومعاهداتها ملكتكم أمرنا، فأنتم واهمون، فالحق أقوى من أوسلو ووادي عربة، وأن ثقافة العرب والمسلمين تحول دون نسيان الحقوق ولو بعد حين.
الهيئات النقابية والحزبية والشعبية في الأردن، لم تمل المطالبة والإصرار على ضرورة إطلاق سراح الدقامسة، وأن يعود لبيته، وذلك لأن فعله من تبعات الحرب ومسلكياتها النفسية، وأنه ليس إلا مدافعاً عن أحقية وطنه بالكرامة، بل هو في المخيال الشعبي الأردني بطل تمرد على ذاته المكسورة، وقهر برودة أعصابه وأرضى ضميره الحي وانسجم مع ثقافته، فلنحي هذا النموذج ولنعمل على تشذيبه انتماءاً وسلوكاً وقيمة، لأن الدقامسة يحتاج لمحضن وطني ورعاية وطنية لتخلق نموذج المواطن الواعي والمنضبط بقضايا أمة.
أصبح التساؤل أردنياً عن الإفراج عن الدقامسة من سجنه، أقرب ما يكون للجدل السيادي، وقد آن الأوان أن يخرج الدقامسة من سجنه ليعود لدفء القرية ولأبنائه وزوجته، يروي لهم قصة فلسطين داري ودرب انتصاري، يروي لهم حكاية البندقية ومستقبلها، ليقول لهم إنني على حب فلسطين باقٍ، وأن الصمود والتضحية وظلم ذوي القربى هي أداة ومنهجية، للخروج بكرامة في هذا الزمان.
الدقامسة مارس سلوكاً في زمن الانفلات وفوضى المفاهيم واختلال موازين القوى، وقد أصبح حريا بالجميع أن يقدروا ما قام به الدقامسة.