إذا كانت اتفاقية أوسلو قد انتهت بعد أكثر من عشرين عاماً إلى الواقع الذي نشهده اليوم في الضفة الغربية والانقسام بين قطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية التي يستوطن فيها (800) ألف من الإسرائيليين يتحكمون بـ80% من أراضي الضفة الغربية فإن القيادة الإسرائيلية تعد الآن مشروعاً سياسياً تسعى من خلاله إلى تحقيق تطبيع مع عدد من الدول العربية عن طريق مفاوضتها برعاية أميركية على ما يمكن تنفيذه من «المبادرة العربية- السعودية» الصادرة عام (2000) عن مؤتمر القمة العربي في بيروت.
وتستند القيادة الإسرائيلية الآن بموجب تصريحات رئيس الحكومة نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان إلى الادعاء بأن «القضية الفلسطينية لم تعد تشكل سبباً للنزاع مع الدول العربية وبقية دول المنطقة وأصبحت تتعلق بإدارة السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية فقط وعددهم (3) ملايين» أما مسألة اللاجئين فقد أصبحت جزءاً من مسألة عامة للاجئين العرب من العراق وسورية وليبيا في ظل تحولات إقليمية وديموغرافية شاملة وليست مخصصة للاجئين الفلسطينيين وحدهم، وهذه المزاعم الإسرائيلية سيناقشها عدد من المفكرين الإسرائيليين وفي مقدمهم قادة الموساد (جهاز التجسس والمهام الخاصة الإسرائيلي) في السادس من شهر كانون الثاني (2015) في (مركز هرتسليا للأبحاث والحرب على الإرهاب).
وكان (إفرايم هاليفي) رئيس (الموساد) سابقاً قد طالب في مناسبات كثيرة استخدام صلات وخبرات قادة الموساد الذين حل محلهم هو ومائيرداغان من أجل إيجاد علاقات تطبيع مع عدد من الدول العربية واستخدام هذا التطبيع في استكمال تصفية حقوق الفلسطينيين مادام الفلسطينيون لا يرغبون في الموافقة على شروط إسرائيل.
ويبدو أن مركز هرتسليا يسعى إلى إعداد خطة عمل يقدمها للمحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد آذار (2015) مادامت عملية السلام ومفاوضاتها مع السلطة الفلسطينية مرشحة للتجميد إلى ما بعد آذار 2015 موعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.
ومن الواضح أن الإدارة الأميركية اقتنعت بهذه السياسة الإسرائيلية مادام الصراع العربي- الإسرائيلي لم يعد يشغل جدول عمل النظام الرسمي العربي كما لم يعد هذا النظام وجامعته العربية بعد تطورات (الربيع العربي) يفضلان معارضة هذه السياسة الأميركية تجاه الفلسطينيين.
وكانت الجامعة العربية والدول المتنفذة فيها لا تحرك ساكناً حين تعلن إسرائيل عن تجميد الأموال المستحقة للسلطة الفلسطينية مما تجبيه إسرائيل من ضرائب تفرضها على الفلسطينيين، وكان الفلسطينيون من خلال سياسة إسرائيل والولايات المتحدة في تجميد الأموال يشعرون أنهم رهينة في أيدي إسرائيل وواشنطن فتتوقف عملية صرف رواتب موظفي السلطة الفلسطينية ويزيد عددهم على 150 ألفاً ولا يجدون من يتعهد لهم من الدول العربية بتقديم هذه الأموال لهم لأن واشنطن قبل إسرائيل ستمنع مثل هذا الإجراء، وها هو قطاع غزة خير شاهد على استمرار الحصار رغم تصريحات عربية كثيرة عن تخصيص أموال من دول النفط لمصلحة إعمار القطاع لم يصل منها أي مبلغ لأن إسرائيل تشترط مع واشنطن ألا يجري تحويل أي مبلغ للقطاع دون موافقتها.
ولذلك كان من الطبيعي أن يهدد الكونغرس الأميركي السلطة الفلسطينية بالامتناع عن تحويل المساعدات المالية المخصصة لها إذا لم تتراجع عن مشروعها الذي عرضته على مجلس الأمن الدولي أو تعديل نصه بما يرضي إسرائيل.
وفي هذه الدوامة المستمرة منذ سنوات كثيرة أصبحت «ورقة الدبلوماسية الفلسطينية» بلا أي قيمة طالما تفرض واشنطن قواعد العمل واللعبة على السلطة الفلسطينية لمصلحة إسرائيل.
وربما بسبب هذه النتيجة أراد مركز هرتسليا إعداد مشروعه الهادف إلى تحقيق تطبيع مباشر وعلني مع عدد من الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة والاستعانة بها من أجل فرض جدول عمل إقليمي أميركي إسرائيلي على المنطقة وإزاحة موضوع القضية الفلسطينية من جدول العمل العربي بشكل خاص.
الوطن
واشنطن وتل أبيب ومشروع التطبيع المقبل في 2015