لم تكن الحرب يومًا قرار الشعوب، بل هو الواقع الذي يفرضه الكبار وعلى الصغار المتمثلين في مئات الآلاف بل الملايين تحمُّل نتائجه، دون شكوى ولا تذمر، بل يصل الأمر إلى اعتياد مشاهد الحرب والتعايش معها، 13 عامًا من التوغل والوجود الجبري والمعارك والصراعات، بين قوات الحلف الأطلسي وحركة طالبان، الجنود بزيهم الأخضر واستعدادهم بالأسلحة أصبح مشهدًا مألوفًا تعايش معه الأفغان طوال هذه السنوات.
"ابن لادن" الذي كان فتيل اشتعال القنبلة، ذهب مع أدخنتها المتصاعدة، ولم يتبقَّ سوى توغل الجنود الأمريكان وقواتهم داخل الأراضي الأفغانية، متخذين من أعضاء حركة طالبان صيدًا لهم، فالإرهابي في أعينهم لا يستحق سوى الصيد، أما تلك الوجوه العادية التي ترتاد الشوارع، فليس لها سوى تقبل مصائرها، إما بالجهاد ضد من رأوهم اغتصبوا وطنهم، أو بالتكيف مع الظروف التي حلَّت وطالت بهم لسنوات، صار فيها الأطفال شبابًا شبوا على اصطفاف الجنود في الشوارع وحربهم مع "طالبان" في لعبة كالقط والفأر.
فتيات رغم الحرب ارتدين الألوان المبهجة، وجلسن على الأرض يتلقين دروسهن، فلا سبيل لمحاربة الحرب سوى بالعلم، وأطفال اتخذوا من صفرة الرمال ملاعب لها، يلهون ويمرحون أمام أعين والديهم الذين يخشون السهو عنهم لحظة واحدة، فصوت الرصاص والدبابات يمنع الأطفال من أبسط حقوقهم، وذاك يحمل الحبوب الغذائية وطُبع عليها شعار الند الآخر، أصبحت حياتهم تمارس بشكل طبيعي في إطار محاصر ومتوغل من قوات المارينز والحلف الأطلسي.
أرقام في عداد يزداد لا يتوقف، فذلك الجندي الذي يقف مقتضب الوجه اليوم، قد يكون جثة الغد، 3500 جندي أجنبي بينهم نحو 2200 أمريكي، و3200 مدني أفغاني من هؤلاء الذين تشع وجوههم في الصور تمرد على حروب أسرت نفوسهم وأولادهم، إلى جانب ما يقرب من 4600 من قوات الجيش والشرطة في هجمات مسلحة من عناصر تنظيم القاعدة وحركة طالبان.
بعد كل هذه السنوات من الحرب والدم والتعايش والضحايا والجثث، مجتمع بُنيت أساساته على عنف من شعوبه التي جلبت له المعتدي حتى أرضها، ومن الفصيل المعادي الذي استباح دماء الإرهابيين وحتى 13 عامًا، انتهت بانسحاب القوات الأمريكية وحلفائها، مع ترك بضعة آلاف تشارك بتأمينها، فهل ينعم هؤلاء الأطفال بنوم هادئ كما يشاهدونه في شاشاتهم الصغيرة، وهل يأمن الآباء على صغارهم في شوارعهم الملتوية، هل يحل السلام أخيرًا على أراضٍ اعتادت العنف، أم تظل "لعنة الحرب" قابضة في أراضيها وتسكن قلوب ذويها.
http://www.elwatannews.com/news/details/629644