الوثائق الإسرائيلية - الحلقة السابعة و العشرون

حكم مصارعه

عضو مميز
إنضم
27 نوفمبر 2014
المشاركات
4,272
التفاعل
5,251 0 0
الوثائق الإسرائيلية (الحلقة السابعة والعشرون) المعلومات عن إعداد المصريين للنزول إلى القناة تمهيدا للعبور .. ضاعت في دوائر الاستخبارات الإسرائيلية

شارون يأمر بإخفاء وثائق قيمة عن تاريخ الحرب ومساعدوه ينقلونها إلى مزرعته


news.426327.jpg

تل أبيب: نظير مجلي
في هذه الحلقة من استعراض تقرير لجنة أغرنات للتحقيق في إخفاقات الجيش الاسرائيلي إبان حرب أكتوبر، تتطرق اللجنة الى ظاهرة لافتة للنظر في الجيش الاسرائيلي في تلك الفترة، هي ظاهرة اختفاء وثائق مهمة، بضمنها معلومات سرية ومعلومات حيوية تتعلق بنشاطات عسكرية خطيرة. وعلى سبيل المثال يتضح ان تقارير من المخابرات الميدانية تحدثت عن قيام الجيش المصري بفتح ممرات للنزول الى المياه في قناة السويس تمهيدا للعبور، لكن هذه التقارير لا تصل الى قائد اللواء الجنوبي، شموئيل غونين (الذي عرف باسم غوردوش). ومن وثيقة أخرى نجد ان غوردوش هذا لم يدرك قط ان حربا ستنشب، وعندما وصل الخبر بأنها ستنشب في مساء اليوم المقبل (6 أكتوبر)، فتشوا عليه فوجدوه في الطرف الآخر، الشمالي من اسرائيل، مدينة حيفا، حيث أمضى ليلة حمراء مع عشيقته.

ونقرأ في وثيقة أخرى عن اختفاء كل السجلات التي تم فيها تدوين وقائع الحرب في الفترة ما بين 9 و15 اكتوبر، وهي ايام مصيرية في الحرب. وقد اختفت من ارشيف الجيش الاسرائيلي. فأين ذهبت؟ حتى الآن لا يعرف احد بالضبط. ولكن المؤرخين، رونين بيرغمن وجيل ملتسر يصممان على ان أرييل شارون هو الذي صادرها. فعندما اصبح رئيسا للحكومة أمر نائب رئيس دائرة التأريخ في الجيش الاسرائيلي، وهو صديق له وكان من مرؤوسيه في الجيش، ان يخفي تلك الوثائق. فقام ذلك برزمها في صناديق حديدية وحملها الى مزرعة شارون. ويقول المؤرخان، ان شارون فعل ذلك لأنه لا يريد ان يسجل اسمه في التاريخ كضابط متمرد على الأوامر. فهو تمرد على قائد اللواء الجنوبي خلال حرب أكتوبر، حسب كل المؤرخين الموضوعيين بمن في ذلك مؤرخو الجيش. ففي حينه قاد لواء المدرعات الذي عبر قناة السويس الى الضفة الغربية ليلتف على الجيوش المصرية التي تعبر القناة ويأتيها من الخلف، ثم راح يهدد بدخول السويس ثم القاهرة. وخلال كل ذلك كان قادته يعترضون خوفا على وقوع عدد كبير من القتلى، قدره غوردوش بـ15 ـ 20 ألف قتيل إسرائيلي. وكان يتجاهلهم ويكذب عليهم ويشتمهم أيضا. ورغم كل محاولاته التأثير على المؤرخين بتقديم رواية أخرى للأحداث، فإنهم ظلوا متمسكين بموقفهم. فما كان منه إلا ان يستغل صلاحياته كرئيس حكومة ويصادر التاريخ. ويكرس تقرير لجنة التحقيق هذه الحلقة لموضوع ضياع آخر هام في نهج الجيش الاسرائيلي عشية الحرب، وهو «القوانين والأنظمة والتعليمات» التي تحدد دور المخابرات الميدانية وضرورة أن يكون لها نشاط مستقل. ويبين التقرير ان شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي قد استخفت بالمخابرات الميدانية ولم تعطها ما تستحق من أهمية، وان المخابرات الميدانية تقبلت هذا الوضع لأنه يريحها من مسؤولية اعطاء تقديرات مستقلة لما يجري على ارض العدو وفي ساحته. وضياع هذه التعليمات، تسبب في ضياع فرصة الاستفادة من المعلومات الحيوية التي قام بجمعها ضباط المخابرات الميدانيين على الجبهتين، السورية والمصرية. علما بأن العديدين من هؤلاء الضباط كانوا قد توصلوا الى قناعة بأن الحرب على الأبواب، ولكن قادتهم قمعوا هذه التقديرات وشطبوها. وإليكم الحلقة الجديدة من التقرير:

(3) عناصر أمن خارج دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية 111. من الصعب على عناصر المخابرات من خارج نطاق دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية أن تجادلها أو تجادل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية حول صحة تقديراتها، كما جاء في البند 12 من التقرير الجزئي. فهم [شعبة الاستخبارات] يعتبرون المركز الوحيد للتقديرات الاستخبارية العسكرية في الدولة. وهم يحفظون لديهم جميع المواد والمعلومات التي يتم تجميعها من الأذرع التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية ومن الموساد ومن دوائر التجميع الأخرى، ثم يوزعونها بعد أن تتم غربلتها وتحريرها وتضاف اليها تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية ودوائرها. وهم يقررون لمن توزع المادة الأصلية ولمن توزع المادة المحررة (باستثناء المواد الخاصة التي تصل من مصادر مهمة خصوصا بواسطة الموساد، والتي اعتاد الموساد نفسه ان يوزعها وفق «التوزيع العالي»، أي لرئيسة الحكومة ووزير الدفاع ولسلاح المخابرات ـ شهادة الجنرال زعيرا صفحة 19 من بروتوكول اللجنة، صفحة 202). كذلك فقد سيطر «رأي شعبة الاستخبارات العسكرية» ودائرة البحوث فيها على جميع اذرع المخابرات. على سبيل المثال، فقد سبق وذكرنا (البند 73) بأن رئيس دائرة الاستخبارات في سلاح البحرية، العقيد لونتس، قلق من التحركات غير التقليدية في سلاح البحرية المصري في البحر الأحمر. ولكن شيئا لم ينتج عن هذا القلق، لأن مخاوفه لم تصل الى دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية.

112. ضابط المخابرات في اللواء الشمالي، المقدم حجاي مان، كان أكثر استقلالية في تقديراته. فقد تباحث مع قائد اللواء حول المعلومات المقلقة، مما دفع القائد الى تعزيز القوات في هضبة الجولان (صفحة 1379)، كما اختلف مع تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية في قضية سيطرة سلاح المدرعات [السوري ] على المنطقة الدفاعية الثانية، ولكنه هو أيضا يفسر (صفحة 1419):

"... أنا أتقبل رسميا تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية لأنني أدرك مشكلتي، فأنا لا أملك كل المواد. مع ذلك فإنني رغم الشكوك وتقاطع المعلومات، طرحت أمام الجنرال قائد اللواءن مثلما فعلت مع التقديرات حول طلعات التصوير العينية (فيقضية السيطرة على تلك الرقعة).

سؤال: ولكنك تملك حق اعطاء تقديرات مختلفة عن تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية، في النشرات التي تصدرونها أنتم؟

جواب: بالتأكيد انني حر. حر بأن أفعل ذلك، ومع ذلك فإنني أتاثر من تلك المصادر التي بين يدي. ففي نشرات شعبة الاستخبارات هناك نغمة وهناك خط تفكير وهناك الاقناع، فيما المعلومات المتوفرة بين يدي كاملة أو جزئية. أنا اعتقد باتن هناك أمور أكثر أهمية أو أكثر تأثيرا، ليست بيدي". كما قلنا، لقد كان ناقصا وجود مواجهة على مستوى الندية بين رأي دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية وبين رأي المخابرات الميدانية. لذلك أوصينا في التقرير الجزئي (البند 22(د) (4))، بإعادة تنظيم المخابرات الميدانية واعطائها تمثيلا لائقا في مستوى هيئة رئاسة الأركان.

(4) المخابرات القتالية 113. ذلك النهج من الاجماع وأجواء الانسجام تسببت في خفض وزن المخابرات القتالية ايضا، التي تعمل في مجالات المخابرات في الميدان مثل الرصد والدوريات والتحقيق مع الأسرى. أهمية هذا الجهاز الخاصة تكمن في كونه قريب من الحدث ويحضر معلومات طازجة وفورية وجديدة، أكان ذلك من المراقبة والرصد أو من الاحتكاك الحربي المباشر، والتعرف على نوايا العدو وقواته العسكرية.

واتضح لنا بأن المخابرات الميدانية عزلت جانبا في شعبة الاستخبارات العسكرية العامة ولم تجر مواجهة معلوماتها وتقديراتها مع معلومات وتقديرات شعبة الاستخبارات. حتى من الناحية المؤسسية، فإن المخابرات القتالية بوصفها مصفاة للمعلومات «الساخنة» ومصدر لانتاج المعلومات حول «اعرف عدوك»، ليس ممثلا في القيادة العامة للأركان. 114. لقد ذكر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية خلال شهادته (صفحة 8) بأن دوائر المخابرات العسكرية في الألوية تابعة لسلاح المخابرات ولكن قائدها المباشر هو قائد اللواء. شعبة الاستخبارات العسكرية هي التي تقوم بتدريب جنودها مهنيا، مثل كيفية اعداد ملف أهداف أو سبل تحليل الصور الجوية (صفحة 12). وتأتي اليهم تعليمات شعبة الاستخبارات العسكرية بطريقتين: أ) بواسطة فرع المخابرات القتالية في دائرة التنظيم والارشاد. وبـ) معسكر التدريب 15، وهو قاعدة يتم فيها ارشاد الجنود وتأهيلهم في مواضيع استخبارية قتالية على جميع المستويات والدرجات في سلاح المخابرات. ولكن في دائرة البحوث لم تؤخذ بالاعتبار المخابرات القتالية ولم تحضر معلوماتها لمجابهتها بالمعلومات المتوفرة لدى شعبة الاستخبارات العسكرية، علما بأن هذه المجابهة تعني بالتالي تدقيق المعلومات. والمخابرات القتالية غير ممثلة بمساواة في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية. ولا يوجد له مكان لائق في طاقم البحث الذي يصوغ القرار «رأي شعبة الاستخبارات العسكرية». والاتصالات ما بين قادة سلاح المخابرات وبين شعبة الاستخبارات العسكرية تتم عادة على مستوى شخصي بين رؤساء الفروع في القيادة. في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية تم التأكيد على الاستخبارات التقنية والسياسية والاستراتيجية. الاستخبارات الميدانية العملية، لم تعد تشكل بالنسبة لها مصدرا يتساوى في أهميته مع المعلومات القادمة من مصادر أخرى. في الحياة اليومية لم يتم تدريب المخابرات اللوائية على ذلك. وهكذا، وبسبب هذه الطريقة، حصل ان تجمعت عشية الحرب معلومات مهمة من الرصد الميداني، ولكنه لم يصل الى طاولة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. وهو يقول في شهادته (صفحة 657 - 658):

«.. بعد الحرب، على اثر التحقيق مع الرجال الذين كانوا في مواقع الرصد، اتضح لي أن التحركات الاستثنائية [للجيش المصري] رصدت [في سلاح المخابرات الميدانية]، ولكنها لم تلق الاهتمام اللازم بها عندما وصلت الي قبل الحرب».

«سؤال: من الذي لم يعطها الاهتمام اللازم؟

جواب: في مكان ما على الطريق ما بين ضابط المخابرات في مستوى الكتيبة أو الوحدة وحتى اللواء. لماذا؟ لقد استدعيت جنديين من سلاح المخابرات اللذين عادا لتوهما من الأسر في مصر. لقد وقعا في الأسر وهما في موقع الرصد. حققت معهما فاتضح أنهما شاهدا تحركات استثنائية، ولكن هذا لم يصل اليّ».

115. رئيس أركان الجيش قال في شهادته بأن هناك تفاصيل مهمة جمعت في المخابرات الميدانية، لكنها لم تصل اليه (صفحة 3998 ـ 3997):

«قسم كبير من هذه الأمور (معلومات من المخابرات الميدانية) لم أعرف به. وقسم من هذه الأمور، قسم كبير، أحصل عليه من التحليلات: حسنا، يوجد هنا تدريب. أنا أعرف اليوم أمورا كثيرة من المخابرات الميدانية التي لم تصل اليّ. الكثير من المخابرات القتالية أكتشفها الآن..

.. كنت في وضع، لم تصل اليّ فيه [المعلومات] الهائلة الموجودة لدى المخابرات القتالية. تصل اليّ مادة عبرت عملية تصفية. يصل اليّ [ان التحركات المصرية هي] جزء من التدريبات، فلا يضاء عندي الضوء الأحمر الذي يلزمني بالبدء بإجراء فحص داخلي وفحص [المعلومات] في الدرجات الأكثر انخفاضا».

116. علينا ان نقدم ملاحظة هنا حول استخدام التعبير «نشرة الاستخبارات العسكرية ـ التقنية»، بخصوص المعلومات ذات الطابع التحذيري الصرف، فهي كانت بعيدة عن كونها تقنية فقط. ان المعنى البسيط لـ«الاستخبارات التقنية» هو مخابرات الأجهزة والوسائل القتالية، واستخدام هذا التعبير لهدف آخر، من شأنه أن يحرف صاحب العنوان عن مضمونه. ونقصد بذلك نشرة الاستخبارات العسكرية التقنية رقم 299/73 من يوم 3.10.1973 (وثيقة البينات رقم 306) التي تضمنت [معلومات] مهمة [من] الاستخبارات الميدانية حول عمليات [قام بها المصريون] لتحسين طرق النزول الى القناة في القطاع الخاضع لسيطرة الجيش الثالث [المصري]، منذ اواسط سبتمبر [أيلول] 1973 (المصدر نفسه، صفحة 3). وقد كان تقدير شعبي الاستخبارات العسكرية (المصدر نفسه، صفحة 6):

«من المحتمل أن تكون «اليقظة» في موضوع التمهيد للعبور في قطاع الجيش الثالث (بموازاة عمليات التمهيد الواسعة التي سبق وان نفذها الجيش الثاني وتضمنت زيادة منصات [للدبابات] والنزول الى مياه القناة وشق طرق جديدة)، هي جزء من النشاط [الذي يتم] في اطار التدريبات المتعددة الذرع التي تنفذ حاليا فس الجيش المصري».

(وأيضا في هذه النشرة، لم تطرح امكانية أخرى، حيث من المحتمل أن تكون هذه الاستعدادات دليلا على النوايا الهجومية). بيد ان هذه المعلومات المهمة «ضاعت» بتأثير من ذلك العنوان «عسكري ـ تقني» ومن تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية القائلة بأن هذه النشاطات تتم في اطار «التدريبات» (حول موقف رئيس الأركان من هذه النشرة أنظر البند 200 فصاعدا).

117. لم يكن هنالك شك في انه على مستوى الألوية، شعر رجال نقاط الرصد في الاستحكامات والمواقع بأنه لا يتم التعامل مع تقاريرهم وفقا لقيمتها الحقيقية وان هناك استهتارا بها. ويدل الأمر على التعفن الذي حصل في مكانة المخابرات الميدانية لدى قائد اللواء والقيادة العليا وبداخل شعبة الاستخبارات العسكرية نفسها. إذ ان كل جندي، بغض النظر عن انتمائه لية وحدة، يستطيع بعد تأهيل مناسب أن يكون وكيلا للمخابرات الميدانية، مثلما يستطيع أن يكون وكيلا للأمن الميداني أو الأمن في الاتصالات. ولكن، لكي يعبئ هذه الوظيفة، توجد هناك حاجة بنظام يضمن التثقيف حول الأهمية العملية للمخابرات الميدانية والانتباه لتفاصيل المعلومات الواردة في عمليات الرصد، التي قد تبدو في الظاهر تافهة. فالمخابرات الميدانية هي ليست موضوعا مقصورا على الأسلحة المختلفة، انما هي موضوع فوق السلحة وفوق الذرع، وفقا لكل نظريات القتال وكل نظريات الادارة العسكرية. من المناسب أن نطرح فيما يلي عنوانا لهذه الفكرة من الأقوال الصائبة للجنرال أدان في اجتماع لوائي عقد بعد الحرب (وثيقة البينات رقم 283 أ، صفحة 4):

«مع استمرار الحرب، تعلمت للأسف الشديد أنه يجب التأكد من الأمور جيدا جدا، ليس من أعلى الى تحت، بل من تحت الى أعلى. هناك أخبار «ميني» [يقصد أخبار صغيرة جدا]، وأنا لا أستخف بها. «انها أخبار جدية للغاية، تنزل الى اللوية ومنها الى الوحدات وهكذا. صحيح ان هناك مصادر. ولكن يجب دائما اعطاء الأفضلية لما يقوله [الجنود في ] خط التماس، الفرق والاحتكاك بالميدان».

118. في الأيام التي سبقت حرب يوم الغفران، منذ ان انتشرت قوات الجيش المصري في تشكيلات طوارئ و[اعلنت فيه] حالة التأهب القصوى، زادت أكثر أهمية المخابرات الميدانية. لقد اصبحت أكثر اهمية بشكل خاص، لسبب الصعوبات في اجراء تصوير جوي: شبكة صواريخ العدو المضادة للطائرات اضطرت طائراتنا الى التصوير من بعيد وبشكل مائل، مما يجعل تحليل الصور أقل سهولة (هذه الصعوبة تجلت في النقاش الذي جرى حول تفسير وضعية الخط الدفاعي الثاني في سورية، وهل تم تحريكه أم لا ـ أنظر البند 12 آنفا). لهذا السبب وللحساسية من رد فعل الصواريخ المصرية المضادة للطائرات، لم تجر عمليات تصوري من الجو في الجبهة المصرية من 24 سبتمبر وحتى 3 أكتوبر (شهادة العميد هارليف، رئيس الاستخبارات في سلاح الجو، صفحة 1299). لقد كان في مقدور المخابرات الميدانية أن تحصل على معلومات دقيقة ومعدلة حتى اللحظة الأخيرة حول تحركات قوات العدو والتغيرات في تشكيلاته وانتشاره واستعداداته على خط الجبهة ومنحها الى القادة والمساهمة بذلك في اعطاء تحذير تقني حول نوايا العدو. 119. يتولى أمر قيادة المخابرات القتالية أولا وقبل كل شيء ضابط الاستخبارات اللواء. توجد له مهمة مثلثة، كقائد دائرة الاستخبارات في اللواء، الضابط المهني لجميع وحدات الاستخبارات في الألوية والوحدات والفرق وكضابط الاستخبارات لقائد اللواء وطاقمه. (حول هذا انظر لاحقا في البند 271). باستطاعته أن يزود قائده القائد بما يطلب من معلومات وفي بعض الحيان يقدم بمبادرته المعلومات التي يخمن أن قائده يحتاج اليها. لكن في شعبة الاستخبارات العسكرية تم تقليص هذا الدور لدى ضابط الاستخبارات في اللواء.

نظريا، كان ضابط الاستخبارات في اللواء حرا ومن حقه أن يتوصل الى تقديرات مستقلة خاصة به وغير متعلقة بدائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية، على اساس المعلومات التي جمعت لديه أو التي وصلت اليه من مصادر تجميع أخرى، وأن يعرض هذه المعلومات أمام قائد اللواء وأمام شعبة الاستخبارات العسكرية. لكن الترتيب القائم أثقل عمليا على امكانية التفكير المستقل من هذه الناحية، وكان هذا مريحا لضابط الاستخبارات. فهو لم ير في ذلك تجاهلا لصلاحياته حسب تعليمات القيادة العليا، وبات من السهل عليه أن يقبل بلا جدال تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية، بدعوى انها تملك جميع المعلومات وتستطيع ان تقمع وتزيح جانبا الاستعداد لإعطاء تقدير حول المعلومات والتقديرات المستقلة. وبرزت هذه الظاهرة بشكل خاص عشية الحرب لدى ضابط الاستخبارات فس اللواء الجنوبي، المقدم غداليا، كما فسرنا في البند 26 آنفا من التقرير الجزئي (تفاصيل اخرى في البنود 274 ـ 276).

120. لقد سمعنا كيف ينظر ضباط الاستخبارات باستخفاف الى ما يسمى «طريقة المظلة»، التي بموجبها يحمي ضابط المخابرات نفسه من الانتقاد فيما بعد، بحيث يعرض أمام قادته كل الإمكانيات المفتوحة، وذلك لكي يقرر قائده بنفسه ما هي الإمكانية الأكثر معقولية. وحسب موجهي الانتقاد لـ«طريقة المظلة» لا يتصرف على هذا النحو ضابط الاستخبارات الذي يقوم بواجبه كما يجب، انما هو ملزم بأن يختار بنفسه الامكانية التي يراها ملائمة، ويعرضها وحدها أمام قادته. لقد رأينا ان هذه الطريقة سادت في شعبة الاستخبارات العسكرية وفي هيئة القيادة العامة، وهي التي تسببت في خلق ذلك النهج الذي تم بموجبه عرض «رأي شعبة الاستخبارات العسكرية» أو «رأي دائرة البحوث» فقط على القيادات العليا، وذلك بعد أن تتم بلورة الإمكانيات المختلفة، أولا داخل شعبة الاستخبارات العسكرية. وتفشت هذه الظاهرة ايضا في صفوف ضباط الاستخبارات في الألوية، وخير دليل على ذلك هو تصرف ضابط الاستخبارات في اللواء الجنوبي: فهو أيضا عرض أمام قائد اللواء تقديرا واحدا فقط، وليس تقديره المستقل بالذات، انما تقدير شعبة الاستخبارات العسكرية بعد أن تبناه من دون نقاش (أنظر البند 274، لاحقا). وبهذه الطريقة ضرب مضمون وأهداف تقديرات الاستخبارات الميدانية وضرب كمالها، وفقدت قيمتها المعلومات التي وصلت الى ضابط الاستخبارات في اللواء. ايضا عندما كان ضابط الاستخبارات في اللواء قادرا على التفسير وعلى التأشير نحو واحدة من الإمكانيات المتوفرة، أراح نفسه من ذلك عندما قبل بتقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية (رأي البحوث). وبهذا تعظم الخطر في أن لا تصل العلامات الدالة الى قائد اللواء بواسطة مصفاة ضابط الاستخبارات في اللواء، الذي عرض عليه نفس تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية (حول واجب قائد اللواء في تقدير المعلومات، أنظر الى البند 239 لاحقا).

يبدو لنا انه من كثرة التحفظات من «طريقة المظلة»، انتقل بعض ضباط الاستخبارات الى تطرف معاكس. فالمفروض انه عندما يتوصل ضابط الاستخبارات الى بلورة رأي، بناء على المعلومات المتوفرة لديه، يقول فيه ان احدى الامكانيات المفتوحة أكثر احتمالا من غيرها،عليه ان يقدمها أمام المسؤولين عنه بصفتها تقديره الشخصي. ولكنه، في هذه الحالة أيضا، يجب ان يعرض صلب المعلومات المتوفرة لديه وأن يذكر أيضا الامكانيات الأخرى، حتى لو رأى أنها بعيدة الاحتمال.

هكذا يستطيع قائده بلورة رأي خاص به، وفقا للمعلومات التي عرضت عليه ووفقا للتجربة الغنية التي يكون قد مر بها وشعوره كقائد، حتى لو كان مخالفا لتقديرات ضابط الاستخبارات عنده. بيد انه في حالة عدم وجود امكانية لدى ضابط المخابرات اللوائي للوصول الى تقدير خاص به، واضح ومنمق (وليس مجرد تخمين)، فمن واجبه ان يعرض أمام قائده ما يمتلك من معلومات مرفقا إياها بتقدير مختصر حول جودة المصادر التي أحضرت المعلومات، والقائد يعطي عندئذ تقديره الشخصي من دون أن تكون بين يديه تقديرات ضابط المخابرات اللوائي التي تشير الى هذه الإمكانية أو تلك على أنها الأفضل.

فإذا كانت هذه هي الظروف، فإن أية أقاويل عن «طريقة المظلة» لا تقوى على إجبار ضابط الاستخبارات على أن يعرض تقديرا خاصا به، على عكس الحالة التي يكون فيها مجبرا من الناحية المهنية على إعطاء ما يمكن إعطاؤه من تقدير جيد للمعلومات.

121. سبق وقلنا ان المخابرات الميدانية لم تكن الوزن الملائم في تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية أو رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أو رئيس أركان الجيش، ونضيف هنا انها لم تصل الى المستوى القيادي العسكري بواسطة قنوات أخرى كانت تستطيع ومن الضروري أن تستخدم لنقل هذه المعلومات الحيوية، على سبيل المثال: من قائد اللواء الى رئيس الأركان أو من ضباط القيادة في اللواء الى ضباط القيادة العامة للأركان. في هذه الموضوع، رأينا شيئا استثنائيا في تصرف قائد اللواء الشمالي، الذي استنفر قيادة الأركان العامة، اثر الصور الجوية من يوم 24 سبتمبر، عندما علم انه لا يستطيع الحصول على امكانية التحذير(انظر البند 199 لاحقا).

واتضح لنا أيضا أن وقتا طويلا قد فات، منذ وصول فيلم التصوير من قاعدة سلاح الجو الى طاقم قيادة دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية والى ضابط الاستخبارات اللوائي لكي يبدأوا في تحليل الصور. أجل، لقد عبر وقت طويل أكثر من الحد، منذ أن انتهوا من تحليل الصور في سلاح الجو وحتى تمكنت شعبة الاستخبارات العسكرية من توصيل تحليلاتها الى القيادة، بل في بعض الأحيان وصلت التحليلات في خضم القتال.
 
عودة
أعلى