الوثائق الإسرائيلية ( الحلقة الخامسة والعشرون) إسرائيل أدارت حربا نفسية ضد العرب حتى لا يحاربوها وفشلت
جدل بين الأجهزة الإسرائيلية حول إحراق المصادر
تل أبيب: نظير مجلي
مع استمرار تحقيقات لجنة أغرنات في الإخفاقات الإسرائيلية في حرب اكتوبر 1973، والاعتراف بأن العرب أداروا إحدى أنجح خطط التضليل لتحقيق المفاجأة، والتي قال عنها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، الجنرال ايلي زعيرا، انها تسجل كأنجح عمليات التضليل في تاريخ الحروب الحديثة، يكشف الصحافيان المؤرخان، رونين برجمن، [المحاضر في جامعة كامبريدج البريطانية في موضوع التاريخ] وجيل ملتسر، (متخصص في التحقيقات العسكرية وكان مديرا لدائرة العملاء في الشرطة العسكرية)، ان اسرائيل أيضا حاولت ادارة حرب نفسية ضد العرب، لكي لا يجرؤوا على محاربتها، ولكنها فشلت.
من هذه الحملات النفسية كانت قصة التهديد بإحراق الجنود المصريين إذا ما حاولوا عبور القناة. ويقول المؤرخان، في كتابهما «حرب يوم الغفران: زمن الحقيقة» [دار النشر التابعة لصحيفة «يديعوت أحرونوت»]، ان اسرائيل اهتمت بإبلاغ المصريين رسالة يفهم منها ان هناك خطة عسكرية تم الإعداد لها بدقة لدلق كميات من الوقود الى قناة السويس حال نزول القوات المصرية الى القناة، في حالة قرار العبور، واشعاال النار في الوقود.
وهذه قصة نشرت في حينه، ونشر أيضا ان المصريين أخذوها في اعتبارهم لدى اعداد خطة العبور. فقبل أن يعبر الجنود المصريون القناة قاموا بسد فوهات الأنابيب التي عثروا عليها في الجدار الشرقي للقناة بمادة اسمنتية لاصقة، أعدت خصيصا لمجابهة ضغط المضخات الاسرائيلية التي ستضخ الوقود.
بيد ان الأمر الذي لم يكن معروفا حتى الآن، هو ان هذه الخطة الاسرائيلية انطوت على اهمال فظيع من الجهاز العسكري الذي أنيطت به مهمة تفعيل هذا الوقود. وهكذا يكتب برجمن وملتسر، في بداية الفصل الأول من الكتاب: «قبل شهور من الحرب، جلس يغئال كوحلاني، ضابط الاتصالات في موقع «متسماد» [على ضفة القناة الشرقية المحتلة] وهو في حالة ملل، يرفع قدميه الى الطاولة ويركن ظهره الى الوراء، ويضع يديه على قفا رقبته. وبحركة بسيطة خاطئة منه، سقطت نظرية الأمن الاسرائيلية مرة واحدة على الأرض». اجهزة خطة «ضوء عزيز»، كانت المفاجأة السرية التي أعدها العميد دافيد لسكوف، للقوات المصرية في حالة تجرئها على عبور قناة السويس. خزانات تحوي كميات ضخمة من البنزين أعدت للتدفق الى مياه القناة بواسطة مضخات عملاقة، ومن ثم اشعال النار فيها، حتى تحترق ويحترق معهم المصريون المساكين [من هنا جاء الاسم الساخر للعملية: «ضوء عزيز»]. قبل سنة من الحرب [في فترة التوتر العسكري]، أقر قادة الجيش أن يكشفوا هذه الخطة أمام المصريين وأجروا تدريبا علنيا عليها. وقد ارتعد المصريون خوفا في البداية، لكنهم ما فتئوا يعدون خطة مضادة ويتدربون علنا على سد الأنابيب. ولكن يتضح ان الطرفين بذلوا جهدا هباء».
ويكشف الكاتبان ان الاسرائيليين، وعلى الرغم من المبالغ الطائلة التي صرفوها على الخطة والجهود الكبيرة التي بذلوها لاعدادها، إلا انهم تعاملوا في الموضوع بإهمال لافت للنظر. فعندما تحرك كوحلاني في غرفته في الاستحكام المذكور، ارتطمت يده بعلبة المفاتيح الكهربائية من خلفه، والتي تحتوي على الزرين الخطيرين، أحدهما أحمر والكبسة عليه تؤدي الى فتح الأنابيب وتدفق البنزين والثاني أخضر، والكبسة عليه تؤدي الى ارسال اشعاع حراري يشعل النار في الوقود.
ما حصل هو ان العلبة كلها سقطت على الأرض، فحسب الجندي كوحلاني انه تسبب في كارثة. فركض الى قائده وأخبره بما جرى. فراح هذا يضحك بقهقهة عالية. فالعلبة كانت مركبة على الجدار من دون أن تكون مربوطة بأجهزة تفعيل الخطة. لم يكن من خلفها سوى فراغ. وأخبره قائده بأن القيادة كانت قد بنت غرفة المراقبة لهذا الجهاز في مكان آخر، ولكنها قررت قبل شهور أن تنقله الى هذه الغرفة. ونقلت العلبة فقط، فيما الجهاز الحقيقي بقي مكانه. ثم تبين ان الجيش الاسرائيلي لم يحافظ على الصيانة السليمة للجهاز والأنابيب والقنوات، بحيث لو انهم أرادوا فعلا تفعيل الخطة، لما كانوا يقدرون.
ولماذا هذا الاهمال؟
«لأن كوحلاني، مثله مثل جميع جنود وضباط الجيش الاسرائيلي، من رئيس الأركان الى أصغر جندي، لم يؤمنوا بأن المصريين سيحاربون أو سيحاولون عبور القناة».
هذه القصة، لم ترد في تحقيقات لجنة أغرنات. وهي واحدة من آلاف القصص التي غابت عنها. ونجدها تعمل بشكل معمق، ولكن في اتجاه واحد اساسي حتى الآن، هو البرهنة على ان شعبة الاستخبارات العسكرية هي المتهم الساسي في إخفاقات الحرب.
وإليكم حلقة أخرى من تقرير هذه اللجنة:
الفصل السادس
* مصاعب وتلبكات لدى شعبة الاستخبارات العسكرية 95. لقد عدد الجنرال زعيرا والعميد شيلو وصفا في شهادتيهما المصاعب والتلبكات التي واجهت شعبة الاستخبارات العسكرية باستمرار، وهي: ضرورة عدم التحذير هباء 96. هناك ضرورة في ألا تعطى التحذيرات هباء للجيش الذي يكمن أساس قوته في تشكيلات جيش الاحتياط، الى جانب جيش نظامي صغير، في حين يقابله جيش العدو الذي يعتمد بالأساس على جيش نظامي كبير منتشر بشكل دائم على طول الحدود، أو توجد امكانية لنشره بسهولة، عندما يواجه قوات العدو في الجبهة.
* ضرورة عدم «احراق» المصادر 97. هناك ضرورة لأن لا يتم «احراق» المصادر. نموذج على ذلك: تلبك شعبة الاستخبارات العسكرية في قضية الأخبار عن اخلاء العائلات الروسية والتي لم تنقل بالكامل، كما سبق واشرنا (البدان 77 و78).
فيض في المعلومات 98. الفيض الهائل من المعلومات المتوفرة لدى شعبة الاستخبارات العسكرية تحولت الى «ثروة محفوظة تسيء لأصحابها» [مثل عبري]، حسب أقوال الجنرال زعيرا (في صفحة 626):
«.. من الممكن أن تكون إحدى أشد حالات الظلم التي نتسبب بها الآن، اننا نأخذ موضوعا ونبالغ فيه لدرجة عشرة آلاف مرة، اننا.. نتعاطى مع ألوف كثيرة من البرقيات، وهذه البرقيات تترجم وتفحص كلها.. والضغط هائل».
وفي صفحة 5445:
«لو استطعت أن أفعل في ذلك الوقت، ما أفعله اليوم، أي أن أفرز الأخبار الصحيحة في جهة والأخبار غير الصحيحة في جهة أخرى، لكانت هناك أخبار. ولكن، بما أنني لم أكن أستطيع الفرز ما بين الأخبار الصحيحة وبين الأخبار غير الصحيحة، فإنني لا استطيع أن أقول انه لا يوجد عندي ما يكفي من الأخبار. واليوم أعتبر نفسي كطبيب التشريح، ويسهل علي الأمر أكثر، لأنني أصبحت أعرف ما هو الصحيح وما هو غير الصحيح. في حينه لم أكن [أعمل] كطبيب التشريح..
والمشكلة هي.. كيف أحسن التمييز ما بين الحقيقة والكذب، بين المعلومة الصحيحة والمعلومة غير الصحيحة».
مصاعب التمييز 99. إضافة الى ذلك، توجد صعوبة خاصة في التمييز ما بين التدريب الحقيقي وبين التدريب الذي يتم للتغطية على نوايا هجومية، وصعوبة مشابهة للانتقال من التشكيلات الدفاعية الى تشكيلات للهجوم الكامل والشامل. حقيقة هي ان تقديرات الموقف عشية حرب يوم الغفران قد فشلت، وكذلك أجهزة مخابرات عالمية وذات قدرات وتجارب كبيرة فشلت في تحليل نوايا المصريين والسوريين.
* انتقادات على تلك الادعاءات
* 100. نبدأ البحث أولا في المصاعب والتلبكات الأخيرة. لقد سبق وأن تطرقنا آنفا (البند 67 فصاعدا) الى مصاعب التمييز المذكورة في الفقرة الرابعة وكذلك الى المقارنة ما بين وضع قوات العدو في المرة الأخيرة عشية الحرب وبينها في فترات التوتر الثلاث السابقة (البند 72). وقررنا بأن هناك مصاعب فعلا، ولكن كان على شعبة الاستخبارات العسكرية أن تكون مدركة، وفي الواقع انها كانت مدركة، للحاجة في اليقظة الخاصة ازاء كل تدريب كبير وكل تشكيلات دفاعية كبيرة، وذلك لأن هناك خطر خديعة حربية وتستر.
صحيح انه حتى في أجهزة مخابرات أجنبية فشلوا هذه المرة مثلما فشلت شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي. فحتى نهاية سبتمبر [أيلول]، تلقينا أخبارا مطمئنة كثيرة من تلك المصادر (شهادة الجنرال زعيرا في صفحة 168 فصاعدا). على سبيل المثال تلقينا خبرا في 24.9.1973 من مصدر يعتبر جيدا جدا، يقول إن سورية غيرت موقفها من الطريق الى تسوية الصراع الاسرائيلي وانها مستعدة سوية مع الأردن ومصر، أن تحاول تحقيق حل سلمي (المصدر نفسه، صفحة 175). بعد ذلك توجه مصدر أجنبي في 30 سبتمبر، فأجبناه بإجابة مطمئنة، كما فصلنا في البند 59 آنفا، وتوجهنا نحن بمبادرتنا الى هذا المصدر نفسه في 5 أكتوبر (تشرين الأول) نسأله عن خروج الروس من مصر وسورية، وتلقينا نحن هذه المرة منه جوابا مطمئنا، لا اساس له من الصحة. وكما سبق وفسرنا في البند 78 آنفا، فقد انطوى توجهنا من البداية على نقص أساسي لأنه لم يشمل كل ما توفر لدينا من معلومات. وبالاضافة الى ذلك، ربما يكون جواب شعبة الاستخبارات العسكرية المطمئن الى ذلك المصدر، في أول أكتوبر، ترك أثره بطريقة «التغذية المتبادلة»، أيضا على المصدر الأجنبي في جوابه من يوم 5 أكتوبر، لأنهم احترموا الخبرات الخاصة لشعبة الاستخبارات العسكرية لكل ما يجري في منطقتنا. وعلى اية حال، فإن فشل الآخرين لا يبرر فشل شعبة الاستخبارات العسكرية. نحن لا نعرف ما إذا كانت المعلومات التي وصلت الى شعبة الاستخبارات العسكرية [الاسرائيلية] من مصادر مختلفة وخاصة، قد وصلت نفسها الى تلك المصادر الأجنبية. ونحن كان من واجبنا ان نفحص إذا كانت المعلومات المتوفرة لدى شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي تجعلها تصل الى تقدير آخر للأمور. 101. بالنسبة لفيض المعلومات الذي من شأنه أن يتوّه شعبة الاستخبارات العسكرية عن الأخبار الصحيحة، فإنها الخطر الذي يتربص بكل جهاز مخابرات يتعاطى مع كم هائل كهذا يوميا من الأخبار. لقد تحدث الجنرال زعيرا عن المصاعب التي تواجه شعبة الاستخبارات العسكرية وذكرناها آنفا (البند 48، والبند 92). ولكن هذه لم تكن سبب فشل شعبة الاستخبارات العسكرية عشية حرب يوم الغفران. فقد كان رأى جيدا العلامات الدالة على نوايا العدو الهجومية، ورأى استعدادات العدو جيدا على خط الجبهة وانها تتم في الوقت نفسه على الجبهتين. إلا ان الفرضية بأن مصر وسورية لا تريان نفسيهما قادرتين على الهجوم المشترك، هي التي خذلته. وحسب البينات التي جمعناها، لا يوجد لدينا أدنى شك بأنه لولا تلك الفرضية لكان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ورئيس دائرة البحوث فيها، سيستخلصان من المعلومات الكثيرة المتوفرة لديهم النتائج الصحيحة.
وحسب تعبير رئيس الدائرة 6 [في دائرة البحوث التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية]، الذي اقتبس في التقرير الجزئي، في البند 25:
«كان تقديري بأنه من الناحية العسكرية المجردة، توجد لديك كل الدلائل الصارخة على وجود نوايا هجومية. ومن ناحية النوايا، يظل تقديري في مكانه بأنهم [العرب] لا يرون في نفسهم القدرة على تنفيذ هجوم».
ويبدو لنا بأن هذا [الكلام المقتبس أعلاه]، يشكل التلخيص الأكثر دقة للموقف الخاطئ الذي اتخذته دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية، والذي ما انفك الجنرال زعيرا يردده باستمرار في شهادته، قائلا انه يرى انه من ناحية القدرات، فإن العدو يستطيع تنفيذ هجوم، ولكن مسألة النوايا الهجومية، فلا يمكن تحديدها إلا على اساس معلومة تحذيرية واضحة، ومعلومة كهذه لم تصل الى شعبة الاستخبارات العسكرية قبيل فجر يوم 6 اكتوبر. 102. الحاجة الى عدم «احراق» المصادر، هي بالتأكيد اعتبار مهم للغاية في نشاطات شعبة الاستخبارات العسكرية، مثله كمثل أي جهاز مخابرات آخر. ولكن في نهاية المطاف، يجب على مصدر المعلومات ان يخدم الهدف في تزويد المعلومات المطلوبة وقت الحاجة، والحفاظ على المصدر لا ينبغي أن يكون هدفا بحد ذاته. من هنا، يجب أن يتم وزن الأمور دائما على اساس وضع مسالة الخطر في احراق المصدر في مقابل مدى حيوية الحاجة بتحصيل المعلومة المطلوبة، التي يمكن ان تأتي من مصادر أخرى. وفي حالات متطرفة، لا مفر من الاستسلام للضرر الخطير الناجم عن احراق المصدر، لكي تحصل معلومات قيمة لأمن الدولة. حسب راينا، في الأيام التي سبقت نشوب الحرب، كانت لنا حاجة حيوية كهذه، ازاء عدم اليقين من نوايا العدو، بأن نقوم بتجنيد المصادر التي استخدمت لمثل هذه الحالات بالذات، ولو حتى بثمن خسارة مصدر.
103. في قضية الحاجة الى ألا يكون التحذير هباء، هذه معضلة صعبة بالنسبة للوضع الخاص الذي تعيشه اسرائيل بشكل دائم. وقد تطرقنا الى هذه المعضلة آنفا (البند 48) واقتبسنا أقوال الجنرال زعيرا (صفحة 1051)، ومنها:
«إذا كانت الاستخبارات تريد في نهاية المطاف أن تكون حريصة بشدة ومخلصة فقط للمعلومات التي تصل اليها والتقديرات التي بلورتها، بحيث تأتي الى رئيس الأركان ووزير الدفاع والحكومة وتقول: «ستنشب الحرب»، فعليها أن تعرض أدلة ثابتة».
الى هنا لا يعترض أحد على أقواله. ولكن يجب الاعتراض على بقية أقواله:
«لم تكن لدي أية معلومات عشية الحرب، أستطيع أن أعرضها كدليل اثبات. كان بمقدوري أن أعرض المعلومات على انها أخبار عن تدريبات. كان بمقدوري أن أقدم اثباتات حول موعد انتهاء التدريبات [المصرية] أو نظام نشر قوات الاحتياط أو ترتيبات ارسال الضباط الى مكة [لأداء العمرة]».
نحن لا نقبل هذه الحجة لتبرير الوضع. فهو يطرحه كأمر لا بد منه، التراجيديا اليونانية. فعلى شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي أن تقع في المصيدة التي نصبها لها العدو. ومن هذا التذرع، يستنتج بأنه لا مفر أمام شعبة الاستخبارات العسكرية من الوقوع في مطب العدو مرة أخرى في المستقبل. وأما بالنسبة للصراخ «ذئب» [الجنرال زعيرا كان قد صرح أمام لجنة التحقيق بأنه لا يستطيع الصراخ «ذئب.. ذئب..» في كل مرة يرى فيها تحركا لقوات العدو، فإذا فعل فإن على الجيش الاسرائيلي أن يستدعي الاحتياط خمس مرات في السنة]، فمن المفضل أن تصرخ شعبة الاستخبارات العسكرية «ذئب.. ذئب..»، كلما وجدت بين أيديها معلومات تشير الى شيء فعلي حول خطر الحرب، حتى لو لم تكن تلك معلومات صارمة. فهذا أفضل من تفيض مستوى اليقظة الدائمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، التي تعتبر أكسيد الحياة بالنسبة للدولة.
* الفصل السابع
* التخوف من التدهور 104. إن تشويش تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية، الذي جعلها ترى فيما يجري في مصر مجرد تدريبات وفي سورية تشكيلات دفاعية، أدى الى تشويش آخر وأثر بشكل سلبي على استعدادات قواتنا لدى بدء الحرب. فبما اننا افترضنا بأن نوايا العدو كانت دفاعية، فقد نشأت مخاوف من إثارة أعصاب العدو، حتى لا يتدهور الوضع بفتح النار بشكل منفلت. لقد ساد هذا الشعور لدى قائد اللواء الجنوبي، الذي لم يعرف كيف يفسر من اين وصل اليه. ونضيف ان رئيس أركان الجيش قال في شهادته بأنه لم يكن هذا الشعور مرافقا له عندما أصدر توجيهاته الى قائد اللواء الجنوبي في ذلك اليوم. وفي نشرة شعبة الاستخبارات العسكرية [فرع 3 ـ الدول العظمى] من الساعة 9:40 من يوم 6 أكتوبر نقرأ انه «على خلفية التقديرات الأميريكية المرسلة الى اسرائيل من جهة، وعلى أساس التقديرات الاسرائيلية الجارفة الموجودة بين أيديهم من جهة ثانية، فمن المعقول ان تتطور لديهم [أي لدى العرب] تقديرات قد تدفع باتجاه التدهور العسكري المنفلت في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، من المعقول أن يقدروا بأن هناك خطرا ماثلا بأن توجه اسرائيل ضربة رادعة».
نحن نشك في أن من واجب الاستخبارات التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي ان تنشغل في اعطاء تقديرات سياسية على هذا النحو في يوم كهذا. ولكن الأجواء التي تتحدث عنها هذه النشرة، من شأنها أن تبني في قلب كل قائد الانطباع بأن عليه أن يكون حذرا من أي تصرف يمكن أن يتسبب في التدهور على الجبهة.
يجب التفريق بين هذه التخوفات من التدهور، و[هي تخوفات] نابعة من التقديرات الخاطئة لدى شعبة الاستخبارات العسكرية، وبين تخوفات أولئك الذين رأوا في 5 ـ 6 أكتوبر خطرا حقيقيا لهجوم العدو وتحسبوا من اتخاذ اجراءات تعزز الاتهامات الكاذبة بخصوص هجوم اسرائيلي، وهي الاتهامات التي رافقت خطاب العدو لدى الهجوم في يوم الغفران (أنظر، على سبيل المثال، بيان اذاعة القاهرة في الساعة 14:20 من يوم السبت، بأن قوات سلاح الجو الاسرائيلي هاجمت زعفرونة في الساعة 13:30 ـ نشرة رقم 436 من يوم 6 أكتوبر)، وهكذا فإنه كان من الممكن أن يتم تشويه الحقيقة أيضا في نظر المراقب الحيادي. حول تخوفات كهذه لدى وزير الدفاع، عندما طرحت قضية تجنيد الاحتياط في يوم السبت، اقرأ البند 32. جدير بالذكر، ان الرأي الذي قبلته رئيسة الحكومة في هذا الموضوع، هو رأي رئيس أركان الجيش (تفاصيل هذا الرأي في البند 32). ولكن، وكما قلنا في التقرير الجزئي، البند 31(هـ)، فقد كانت تفسيرات وزير الدفاع سياسية صرف، يمكن الموافقة عليها أو الاعتراض عليها، ولكن لا يمكن الغاؤها بتفسيرات نافية.
الفصل الثامن
* تعهد شعبة الاستخبارات العسكرية بإعطاء التحذير
* 105. لقد عللنا حتى الآن استنتاجاتنا من البند العاشر في التقرير الجزئي، بأنه «يجب القاء المسؤولية عن الأخطاء في تقديرات نوايا العدو، أولا على رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية وعلى مساعده الشخصي المسؤول عن دائرة البحوث في الاستخبارات العسكرية». في البند 11 (المصدر نفسه) عددنا ثلاثة أسباب لفشل شعبة الاستخبارات العسكرية: (أ) تمسكه العنيد بما كان يسمى لديها ب «الفرضية» (ب) تعهد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأن يعطي الجيش تحذيرا كافيا حول نوايا العدو شن حرب شاملة و(جـ) عدم الاكتراث بالمعلومات الكثيفة الموجودة بايدي شعبة الاستخبارات العسكرية وعدم استغلال وسائل أخرى للحصول على المعلومات. حول (أ) و(جـ) سبق وأن وتحدثنا بشكل واسع آنفا، وبقي علينا ان نفسر أقوالنا حول السبب (ب)، بخصوص التعهد بإعطاء تحذير كاف.
لقد قلنا عن هذا [الموضوع] في التقرير الجزئي [ما يلي]:
«لقد تعهد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الى جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن يعطيه تحذيرا مسبقا حول نوايا العدو شن حرب شاملة، [خلال وقت] يكفي لاجراء تجنيد لقوات الاحتياط بشكل منظم. هذا التعهد كان بمثابة اساس صلب للخطط الدفاعية في جيش الاحتلال الإسرائيلي. وقد توصلنا الى الاستنتاج بأنه لم يكن هناك أساس لاعطاء تعهد صارم كهذا».
تفسيراتنا لهذا هي:
(1) خلال مشاورات عسكرية سياسية لدى رئيسة الوزراء في يوم 18.4.1973، وفي أعقاب تلقي الأخبار عن الاستعدادات الهجومية المصرية في تلك الفترة، قال الجنرال زعيرا بحضور رئيسة الحكومة والويرين غليلي وديان ورئيس اركان الجيش ورئيس الموساد، ان «هناك بشكل أساسي ثلاث امكانيات للحرب المصرية ضدنا» (وثيقة البينات رقم 57، بروتوكول المشاورات، في رأس الصفحة 2)، واضاف لاحقا في صفحة 3:
«بالنسبة للطريق الثالث ـ العبور الفعلي للقناة، أنا واثق بأننا سنعرف مسبقا عن ذلك وسنستطيع ان نعطي تحذيرا ليس فقط تكتيكيا، بل أيضا عمليا. أي مسبقا، قبل عدة أيام».
وعلى سؤال رئيسة الحكومة: «كيف نعرف، عندما نعرف؟ هل بحسب الاستعدادات؟»، أجاب:
«سنعرف عن الاستعدادات، سنعرف إذا كانت هناك زيارات ضباط وتحريك قوات الى الأمام، إذا كانت هناك تشكيلات دفاع جوي معززة ومزيد من بطاريات الصواريخ وسنراهم ينظفون الاستحكامات المهملة على طول القناة. وبشكل عام، عندما يدخل كل الجيش المصري الى العمل، سنكون قد عرفنا».
(لا نستطيع هنا ألا نذكر ان كل هذه الدلالات قد كانت قائمة في الميدان عشية الحرب، مع ان هذا لا يمت الى موضوعنا بشكل مباشر). (2) بعدئذ، في جلسة لجنة الخارجية والأمن [في البرلمان الاسرائيلي، الكنيست]، في يوم 18.5.1973 (البروتوكول ـ صفحة 31)، يعود الجنرال زعيرا ليقول، بحضور رئيس أركان الجيش:
«.. لا توجد عندي ثقة ابدا بأننا نستطيع معرفة الخطة المصرية بالتفصيل، الموعد والمكان والطريقة. أنا اقدر ان احتمالات ذلك ضعيفة. ومع ذلك، أقدر بأن هناك احتمال جيد وبتقدير عال أن العلامات الدالة ستصل الينا. هذا يعني، انه في حالة استعداد الجيش المصري لعبور القناة، فإننا سنعرف. لن نعرف الخطط، ولكن ستكون هناك علامات تدل على التحضيرات: حشد قوات وكل ما يتبع ذلك، أنا لا أعتقد بأن من الممكن أن يكون عبور القناة مفاجئا.. بل استطيع أن اتعهد بإعطاء انذار حول موضوع العبور. ولكن، بالنسبة لفتح النار أو الاجتياح أو نصب كمين أو عبور القناة بفرقة بسيطة وزرع الغام، هذه كلها يمكن ان تنفذ من دون أن [يكون في مقدورنا] إعطاء إنذار..» (التأكيد من عندنا).
(3) في يوم 9.5.1973، خلال عرض الخطة العسكرية «أزرق ـ أبيض» أمام رئيسة الحكومة، قال رئيس أركان الجيش، بحضور رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (وثيقة البينات رقم 57، البروتكول صفحة 8)، وهو يستعرض الخطط العملية:
«نحن نسعى لتنفيذها لتتجاوب مع ثلاثة شروط: 1. أن يكون لدينا استعداد كاف. فإذا توصل (العدو) الى قرار كهذا (شن الحرب)، ينبغي أن نعرف ذلك بتحذير قصير. والتحذير القصير عندي هو 48 ساعة مسبقا، وأنا اشدد بشكل مقصود، لكي نكون مستعدين حتى لو جاء الانذار قبل 48 ساعة، أن نكون جاهزين للحرب كما يجب». رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية لم يطلب في تلك الجلسة السماح له بأن يتحفظ من أقوال رئيس الأركان، التي قيلت من خلال المبادئ الاساسية لخطط الحرب العملية. لقد عرف أو كان عليه أن يعرف بأن كل الخطط العملية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بدءا بخطة الأمن الجاري وحتى خطة «سيلع»، كانت مبنية على التحذير، حتى لو قبل 48 ساعة فقط (أنظر لاحقا، البند 142 فصاعدا، والبند 168 فصاعدا). (4) في المشاورات العسكرية ـ السياسية في يوم 3 أكتوبر 1973 يقول رئيس الركان (وثيقة البينات رقم 57، صفحة 8 ـ 9):
«أنا أفترض بأنه سيكون لدينا تحذير، إذا اتجهت سورية نحو أمر ذي طموحات أكبر [شطب من الرقابة]. أنا أقدر بأنهم لن يذهبوا الى عملية صغيرة أكثر. سيكون هجوم هنا وهناك. لكن عندما يفعلون ماكينة كبيرة ويديرون معارك كبيرة، يكونون ملزمين إعداد مئات الأشياء، وهذا سيسرب ونحن سنعرف عنه».
في المشاورات نفسها، كان العميد شيلو ممثلا لشعبة الاستخبارات العسكرية، وهو لم يتحفظ من هذه الأقوال، التي تدل على مدى اعتماد رئيس الأركان على الحصول على انذار مسبق.
http://group73historians.com/ref/139-الوثائق-الإسرائيلية-الحلقة-الخامسة-و-العشرون.html
جدل بين الأجهزة الإسرائيلية حول إحراق المصادر
تل أبيب: نظير مجلي
مع استمرار تحقيقات لجنة أغرنات في الإخفاقات الإسرائيلية في حرب اكتوبر 1973، والاعتراف بأن العرب أداروا إحدى أنجح خطط التضليل لتحقيق المفاجأة، والتي قال عنها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، الجنرال ايلي زعيرا، انها تسجل كأنجح عمليات التضليل في تاريخ الحروب الحديثة، يكشف الصحافيان المؤرخان، رونين برجمن، [المحاضر في جامعة كامبريدج البريطانية في موضوع التاريخ] وجيل ملتسر، (متخصص في التحقيقات العسكرية وكان مديرا لدائرة العملاء في الشرطة العسكرية)، ان اسرائيل أيضا حاولت ادارة حرب نفسية ضد العرب، لكي لا يجرؤوا على محاربتها، ولكنها فشلت.
من هذه الحملات النفسية كانت قصة التهديد بإحراق الجنود المصريين إذا ما حاولوا عبور القناة. ويقول المؤرخان، في كتابهما «حرب يوم الغفران: زمن الحقيقة» [دار النشر التابعة لصحيفة «يديعوت أحرونوت»]، ان اسرائيل اهتمت بإبلاغ المصريين رسالة يفهم منها ان هناك خطة عسكرية تم الإعداد لها بدقة لدلق كميات من الوقود الى قناة السويس حال نزول القوات المصرية الى القناة، في حالة قرار العبور، واشعاال النار في الوقود.
وهذه قصة نشرت في حينه، ونشر أيضا ان المصريين أخذوها في اعتبارهم لدى اعداد خطة العبور. فقبل أن يعبر الجنود المصريون القناة قاموا بسد فوهات الأنابيب التي عثروا عليها في الجدار الشرقي للقناة بمادة اسمنتية لاصقة، أعدت خصيصا لمجابهة ضغط المضخات الاسرائيلية التي ستضخ الوقود.
بيد ان الأمر الذي لم يكن معروفا حتى الآن، هو ان هذه الخطة الاسرائيلية انطوت على اهمال فظيع من الجهاز العسكري الذي أنيطت به مهمة تفعيل هذا الوقود. وهكذا يكتب برجمن وملتسر، في بداية الفصل الأول من الكتاب: «قبل شهور من الحرب، جلس يغئال كوحلاني، ضابط الاتصالات في موقع «متسماد» [على ضفة القناة الشرقية المحتلة] وهو في حالة ملل، يرفع قدميه الى الطاولة ويركن ظهره الى الوراء، ويضع يديه على قفا رقبته. وبحركة بسيطة خاطئة منه، سقطت نظرية الأمن الاسرائيلية مرة واحدة على الأرض». اجهزة خطة «ضوء عزيز»، كانت المفاجأة السرية التي أعدها العميد دافيد لسكوف، للقوات المصرية في حالة تجرئها على عبور قناة السويس. خزانات تحوي كميات ضخمة من البنزين أعدت للتدفق الى مياه القناة بواسطة مضخات عملاقة، ومن ثم اشعال النار فيها، حتى تحترق ويحترق معهم المصريون المساكين [من هنا جاء الاسم الساخر للعملية: «ضوء عزيز»]. قبل سنة من الحرب [في فترة التوتر العسكري]، أقر قادة الجيش أن يكشفوا هذه الخطة أمام المصريين وأجروا تدريبا علنيا عليها. وقد ارتعد المصريون خوفا في البداية، لكنهم ما فتئوا يعدون خطة مضادة ويتدربون علنا على سد الأنابيب. ولكن يتضح ان الطرفين بذلوا جهدا هباء».
ويكشف الكاتبان ان الاسرائيليين، وعلى الرغم من المبالغ الطائلة التي صرفوها على الخطة والجهود الكبيرة التي بذلوها لاعدادها، إلا انهم تعاملوا في الموضوع بإهمال لافت للنظر. فعندما تحرك كوحلاني في غرفته في الاستحكام المذكور، ارتطمت يده بعلبة المفاتيح الكهربائية من خلفه، والتي تحتوي على الزرين الخطيرين، أحدهما أحمر والكبسة عليه تؤدي الى فتح الأنابيب وتدفق البنزين والثاني أخضر، والكبسة عليه تؤدي الى ارسال اشعاع حراري يشعل النار في الوقود.
ما حصل هو ان العلبة كلها سقطت على الأرض، فحسب الجندي كوحلاني انه تسبب في كارثة. فركض الى قائده وأخبره بما جرى. فراح هذا يضحك بقهقهة عالية. فالعلبة كانت مركبة على الجدار من دون أن تكون مربوطة بأجهزة تفعيل الخطة. لم يكن من خلفها سوى فراغ. وأخبره قائده بأن القيادة كانت قد بنت غرفة المراقبة لهذا الجهاز في مكان آخر، ولكنها قررت قبل شهور أن تنقله الى هذه الغرفة. ونقلت العلبة فقط، فيما الجهاز الحقيقي بقي مكانه. ثم تبين ان الجيش الاسرائيلي لم يحافظ على الصيانة السليمة للجهاز والأنابيب والقنوات، بحيث لو انهم أرادوا فعلا تفعيل الخطة، لما كانوا يقدرون.
ولماذا هذا الاهمال؟
«لأن كوحلاني، مثله مثل جميع جنود وضباط الجيش الاسرائيلي، من رئيس الأركان الى أصغر جندي، لم يؤمنوا بأن المصريين سيحاربون أو سيحاولون عبور القناة».
هذه القصة، لم ترد في تحقيقات لجنة أغرنات. وهي واحدة من آلاف القصص التي غابت عنها. ونجدها تعمل بشكل معمق، ولكن في اتجاه واحد اساسي حتى الآن، هو البرهنة على ان شعبة الاستخبارات العسكرية هي المتهم الساسي في إخفاقات الحرب.
وإليكم حلقة أخرى من تقرير هذه اللجنة:
الفصل السادس
* مصاعب وتلبكات لدى شعبة الاستخبارات العسكرية 95. لقد عدد الجنرال زعيرا والعميد شيلو وصفا في شهادتيهما المصاعب والتلبكات التي واجهت شعبة الاستخبارات العسكرية باستمرار، وهي: ضرورة عدم التحذير هباء 96. هناك ضرورة في ألا تعطى التحذيرات هباء للجيش الذي يكمن أساس قوته في تشكيلات جيش الاحتياط، الى جانب جيش نظامي صغير، في حين يقابله جيش العدو الذي يعتمد بالأساس على جيش نظامي كبير منتشر بشكل دائم على طول الحدود، أو توجد امكانية لنشره بسهولة، عندما يواجه قوات العدو في الجبهة.
* ضرورة عدم «احراق» المصادر 97. هناك ضرورة لأن لا يتم «احراق» المصادر. نموذج على ذلك: تلبك شعبة الاستخبارات العسكرية في قضية الأخبار عن اخلاء العائلات الروسية والتي لم تنقل بالكامل، كما سبق واشرنا (البدان 77 و78).
فيض في المعلومات 98. الفيض الهائل من المعلومات المتوفرة لدى شعبة الاستخبارات العسكرية تحولت الى «ثروة محفوظة تسيء لأصحابها» [مثل عبري]، حسب أقوال الجنرال زعيرا (في صفحة 626):
«.. من الممكن أن تكون إحدى أشد حالات الظلم التي نتسبب بها الآن، اننا نأخذ موضوعا ونبالغ فيه لدرجة عشرة آلاف مرة، اننا.. نتعاطى مع ألوف كثيرة من البرقيات، وهذه البرقيات تترجم وتفحص كلها.. والضغط هائل».
وفي صفحة 5445:
«لو استطعت أن أفعل في ذلك الوقت، ما أفعله اليوم، أي أن أفرز الأخبار الصحيحة في جهة والأخبار غير الصحيحة في جهة أخرى، لكانت هناك أخبار. ولكن، بما أنني لم أكن أستطيع الفرز ما بين الأخبار الصحيحة وبين الأخبار غير الصحيحة، فإنني لا استطيع أن أقول انه لا يوجد عندي ما يكفي من الأخبار. واليوم أعتبر نفسي كطبيب التشريح، ويسهل علي الأمر أكثر، لأنني أصبحت أعرف ما هو الصحيح وما هو غير الصحيح. في حينه لم أكن [أعمل] كطبيب التشريح..
والمشكلة هي.. كيف أحسن التمييز ما بين الحقيقة والكذب، بين المعلومة الصحيحة والمعلومة غير الصحيحة».
مصاعب التمييز 99. إضافة الى ذلك، توجد صعوبة خاصة في التمييز ما بين التدريب الحقيقي وبين التدريب الذي يتم للتغطية على نوايا هجومية، وصعوبة مشابهة للانتقال من التشكيلات الدفاعية الى تشكيلات للهجوم الكامل والشامل. حقيقة هي ان تقديرات الموقف عشية حرب يوم الغفران قد فشلت، وكذلك أجهزة مخابرات عالمية وذات قدرات وتجارب كبيرة فشلت في تحليل نوايا المصريين والسوريين.
* انتقادات على تلك الادعاءات
* 100. نبدأ البحث أولا في المصاعب والتلبكات الأخيرة. لقد سبق وأن تطرقنا آنفا (البند 67 فصاعدا) الى مصاعب التمييز المذكورة في الفقرة الرابعة وكذلك الى المقارنة ما بين وضع قوات العدو في المرة الأخيرة عشية الحرب وبينها في فترات التوتر الثلاث السابقة (البند 72). وقررنا بأن هناك مصاعب فعلا، ولكن كان على شعبة الاستخبارات العسكرية أن تكون مدركة، وفي الواقع انها كانت مدركة، للحاجة في اليقظة الخاصة ازاء كل تدريب كبير وكل تشكيلات دفاعية كبيرة، وذلك لأن هناك خطر خديعة حربية وتستر.
صحيح انه حتى في أجهزة مخابرات أجنبية فشلوا هذه المرة مثلما فشلت شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي. فحتى نهاية سبتمبر [أيلول]، تلقينا أخبارا مطمئنة كثيرة من تلك المصادر (شهادة الجنرال زعيرا في صفحة 168 فصاعدا). على سبيل المثال تلقينا خبرا في 24.9.1973 من مصدر يعتبر جيدا جدا، يقول إن سورية غيرت موقفها من الطريق الى تسوية الصراع الاسرائيلي وانها مستعدة سوية مع الأردن ومصر، أن تحاول تحقيق حل سلمي (المصدر نفسه، صفحة 175). بعد ذلك توجه مصدر أجنبي في 30 سبتمبر، فأجبناه بإجابة مطمئنة، كما فصلنا في البند 59 آنفا، وتوجهنا نحن بمبادرتنا الى هذا المصدر نفسه في 5 أكتوبر (تشرين الأول) نسأله عن خروج الروس من مصر وسورية، وتلقينا نحن هذه المرة منه جوابا مطمئنا، لا اساس له من الصحة. وكما سبق وفسرنا في البند 78 آنفا، فقد انطوى توجهنا من البداية على نقص أساسي لأنه لم يشمل كل ما توفر لدينا من معلومات. وبالاضافة الى ذلك، ربما يكون جواب شعبة الاستخبارات العسكرية المطمئن الى ذلك المصدر، في أول أكتوبر، ترك أثره بطريقة «التغذية المتبادلة»، أيضا على المصدر الأجنبي في جوابه من يوم 5 أكتوبر، لأنهم احترموا الخبرات الخاصة لشعبة الاستخبارات العسكرية لكل ما يجري في منطقتنا. وعلى اية حال، فإن فشل الآخرين لا يبرر فشل شعبة الاستخبارات العسكرية. نحن لا نعرف ما إذا كانت المعلومات التي وصلت الى شعبة الاستخبارات العسكرية [الاسرائيلية] من مصادر مختلفة وخاصة، قد وصلت نفسها الى تلك المصادر الأجنبية. ونحن كان من واجبنا ان نفحص إذا كانت المعلومات المتوفرة لدى شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي تجعلها تصل الى تقدير آخر للأمور. 101. بالنسبة لفيض المعلومات الذي من شأنه أن يتوّه شعبة الاستخبارات العسكرية عن الأخبار الصحيحة، فإنها الخطر الذي يتربص بكل جهاز مخابرات يتعاطى مع كم هائل كهذا يوميا من الأخبار. لقد تحدث الجنرال زعيرا عن المصاعب التي تواجه شعبة الاستخبارات العسكرية وذكرناها آنفا (البند 48، والبند 92). ولكن هذه لم تكن سبب فشل شعبة الاستخبارات العسكرية عشية حرب يوم الغفران. فقد كان رأى جيدا العلامات الدالة على نوايا العدو الهجومية، ورأى استعدادات العدو جيدا على خط الجبهة وانها تتم في الوقت نفسه على الجبهتين. إلا ان الفرضية بأن مصر وسورية لا تريان نفسيهما قادرتين على الهجوم المشترك، هي التي خذلته. وحسب البينات التي جمعناها، لا يوجد لدينا أدنى شك بأنه لولا تلك الفرضية لكان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ورئيس دائرة البحوث فيها، سيستخلصان من المعلومات الكثيرة المتوفرة لديهم النتائج الصحيحة.
وحسب تعبير رئيس الدائرة 6 [في دائرة البحوث التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية]، الذي اقتبس في التقرير الجزئي، في البند 25:
«كان تقديري بأنه من الناحية العسكرية المجردة، توجد لديك كل الدلائل الصارخة على وجود نوايا هجومية. ومن ناحية النوايا، يظل تقديري في مكانه بأنهم [العرب] لا يرون في نفسهم القدرة على تنفيذ هجوم».
ويبدو لنا بأن هذا [الكلام المقتبس أعلاه]، يشكل التلخيص الأكثر دقة للموقف الخاطئ الذي اتخذته دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية، والذي ما انفك الجنرال زعيرا يردده باستمرار في شهادته، قائلا انه يرى انه من ناحية القدرات، فإن العدو يستطيع تنفيذ هجوم، ولكن مسألة النوايا الهجومية، فلا يمكن تحديدها إلا على اساس معلومة تحذيرية واضحة، ومعلومة كهذه لم تصل الى شعبة الاستخبارات العسكرية قبيل فجر يوم 6 اكتوبر. 102. الحاجة الى عدم «احراق» المصادر، هي بالتأكيد اعتبار مهم للغاية في نشاطات شعبة الاستخبارات العسكرية، مثله كمثل أي جهاز مخابرات آخر. ولكن في نهاية المطاف، يجب على مصدر المعلومات ان يخدم الهدف في تزويد المعلومات المطلوبة وقت الحاجة، والحفاظ على المصدر لا ينبغي أن يكون هدفا بحد ذاته. من هنا، يجب أن يتم وزن الأمور دائما على اساس وضع مسالة الخطر في احراق المصدر في مقابل مدى حيوية الحاجة بتحصيل المعلومة المطلوبة، التي يمكن ان تأتي من مصادر أخرى. وفي حالات متطرفة، لا مفر من الاستسلام للضرر الخطير الناجم عن احراق المصدر، لكي تحصل معلومات قيمة لأمن الدولة. حسب راينا، في الأيام التي سبقت نشوب الحرب، كانت لنا حاجة حيوية كهذه، ازاء عدم اليقين من نوايا العدو، بأن نقوم بتجنيد المصادر التي استخدمت لمثل هذه الحالات بالذات، ولو حتى بثمن خسارة مصدر.
103. في قضية الحاجة الى ألا يكون التحذير هباء، هذه معضلة صعبة بالنسبة للوضع الخاص الذي تعيشه اسرائيل بشكل دائم. وقد تطرقنا الى هذه المعضلة آنفا (البند 48) واقتبسنا أقوال الجنرال زعيرا (صفحة 1051)، ومنها:
«إذا كانت الاستخبارات تريد في نهاية المطاف أن تكون حريصة بشدة ومخلصة فقط للمعلومات التي تصل اليها والتقديرات التي بلورتها، بحيث تأتي الى رئيس الأركان ووزير الدفاع والحكومة وتقول: «ستنشب الحرب»، فعليها أن تعرض أدلة ثابتة».
الى هنا لا يعترض أحد على أقواله. ولكن يجب الاعتراض على بقية أقواله:
«لم تكن لدي أية معلومات عشية الحرب، أستطيع أن أعرضها كدليل اثبات. كان بمقدوري أن أعرض المعلومات على انها أخبار عن تدريبات. كان بمقدوري أن أقدم اثباتات حول موعد انتهاء التدريبات [المصرية] أو نظام نشر قوات الاحتياط أو ترتيبات ارسال الضباط الى مكة [لأداء العمرة]».
نحن لا نقبل هذه الحجة لتبرير الوضع. فهو يطرحه كأمر لا بد منه، التراجيديا اليونانية. فعلى شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي أن تقع في المصيدة التي نصبها لها العدو. ومن هذا التذرع، يستنتج بأنه لا مفر أمام شعبة الاستخبارات العسكرية من الوقوع في مطب العدو مرة أخرى في المستقبل. وأما بالنسبة للصراخ «ذئب» [الجنرال زعيرا كان قد صرح أمام لجنة التحقيق بأنه لا يستطيع الصراخ «ذئب.. ذئب..» في كل مرة يرى فيها تحركا لقوات العدو، فإذا فعل فإن على الجيش الاسرائيلي أن يستدعي الاحتياط خمس مرات في السنة]، فمن المفضل أن تصرخ شعبة الاستخبارات العسكرية «ذئب.. ذئب..»، كلما وجدت بين أيديها معلومات تشير الى شيء فعلي حول خطر الحرب، حتى لو لم تكن تلك معلومات صارمة. فهذا أفضل من تفيض مستوى اليقظة الدائمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، التي تعتبر أكسيد الحياة بالنسبة للدولة.
* الفصل السابع
* التخوف من التدهور 104. إن تشويش تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية، الذي جعلها ترى فيما يجري في مصر مجرد تدريبات وفي سورية تشكيلات دفاعية، أدى الى تشويش آخر وأثر بشكل سلبي على استعدادات قواتنا لدى بدء الحرب. فبما اننا افترضنا بأن نوايا العدو كانت دفاعية، فقد نشأت مخاوف من إثارة أعصاب العدو، حتى لا يتدهور الوضع بفتح النار بشكل منفلت. لقد ساد هذا الشعور لدى قائد اللواء الجنوبي، الذي لم يعرف كيف يفسر من اين وصل اليه. ونضيف ان رئيس أركان الجيش قال في شهادته بأنه لم يكن هذا الشعور مرافقا له عندما أصدر توجيهاته الى قائد اللواء الجنوبي في ذلك اليوم. وفي نشرة شعبة الاستخبارات العسكرية [فرع 3 ـ الدول العظمى] من الساعة 9:40 من يوم 6 أكتوبر نقرأ انه «على خلفية التقديرات الأميريكية المرسلة الى اسرائيل من جهة، وعلى أساس التقديرات الاسرائيلية الجارفة الموجودة بين أيديهم من جهة ثانية، فمن المعقول ان تتطور لديهم [أي لدى العرب] تقديرات قد تدفع باتجاه التدهور العسكري المنفلت في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، من المعقول أن يقدروا بأن هناك خطرا ماثلا بأن توجه اسرائيل ضربة رادعة».
نحن نشك في أن من واجب الاستخبارات التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي ان تنشغل في اعطاء تقديرات سياسية على هذا النحو في يوم كهذا. ولكن الأجواء التي تتحدث عنها هذه النشرة، من شأنها أن تبني في قلب كل قائد الانطباع بأن عليه أن يكون حذرا من أي تصرف يمكن أن يتسبب في التدهور على الجبهة.
يجب التفريق بين هذه التخوفات من التدهور، و[هي تخوفات] نابعة من التقديرات الخاطئة لدى شعبة الاستخبارات العسكرية، وبين تخوفات أولئك الذين رأوا في 5 ـ 6 أكتوبر خطرا حقيقيا لهجوم العدو وتحسبوا من اتخاذ اجراءات تعزز الاتهامات الكاذبة بخصوص هجوم اسرائيلي، وهي الاتهامات التي رافقت خطاب العدو لدى الهجوم في يوم الغفران (أنظر، على سبيل المثال، بيان اذاعة القاهرة في الساعة 14:20 من يوم السبت، بأن قوات سلاح الجو الاسرائيلي هاجمت زعفرونة في الساعة 13:30 ـ نشرة رقم 436 من يوم 6 أكتوبر)، وهكذا فإنه كان من الممكن أن يتم تشويه الحقيقة أيضا في نظر المراقب الحيادي. حول تخوفات كهذه لدى وزير الدفاع، عندما طرحت قضية تجنيد الاحتياط في يوم السبت، اقرأ البند 32. جدير بالذكر، ان الرأي الذي قبلته رئيسة الحكومة في هذا الموضوع، هو رأي رئيس أركان الجيش (تفاصيل هذا الرأي في البند 32). ولكن، وكما قلنا في التقرير الجزئي، البند 31(هـ)، فقد كانت تفسيرات وزير الدفاع سياسية صرف، يمكن الموافقة عليها أو الاعتراض عليها، ولكن لا يمكن الغاؤها بتفسيرات نافية.
الفصل الثامن
* تعهد شعبة الاستخبارات العسكرية بإعطاء التحذير
* 105. لقد عللنا حتى الآن استنتاجاتنا من البند العاشر في التقرير الجزئي، بأنه «يجب القاء المسؤولية عن الأخطاء في تقديرات نوايا العدو، أولا على رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية وعلى مساعده الشخصي المسؤول عن دائرة البحوث في الاستخبارات العسكرية». في البند 11 (المصدر نفسه) عددنا ثلاثة أسباب لفشل شعبة الاستخبارات العسكرية: (أ) تمسكه العنيد بما كان يسمى لديها ب «الفرضية» (ب) تعهد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأن يعطي الجيش تحذيرا كافيا حول نوايا العدو شن حرب شاملة و(جـ) عدم الاكتراث بالمعلومات الكثيفة الموجودة بايدي شعبة الاستخبارات العسكرية وعدم استغلال وسائل أخرى للحصول على المعلومات. حول (أ) و(جـ) سبق وأن وتحدثنا بشكل واسع آنفا، وبقي علينا ان نفسر أقوالنا حول السبب (ب)، بخصوص التعهد بإعطاء تحذير كاف.
لقد قلنا عن هذا [الموضوع] في التقرير الجزئي [ما يلي]:
«لقد تعهد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الى جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن يعطيه تحذيرا مسبقا حول نوايا العدو شن حرب شاملة، [خلال وقت] يكفي لاجراء تجنيد لقوات الاحتياط بشكل منظم. هذا التعهد كان بمثابة اساس صلب للخطط الدفاعية في جيش الاحتلال الإسرائيلي. وقد توصلنا الى الاستنتاج بأنه لم يكن هناك أساس لاعطاء تعهد صارم كهذا».
تفسيراتنا لهذا هي:
(1) خلال مشاورات عسكرية سياسية لدى رئيسة الوزراء في يوم 18.4.1973، وفي أعقاب تلقي الأخبار عن الاستعدادات الهجومية المصرية في تلك الفترة، قال الجنرال زعيرا بحضور رئيسة الحكومة والويرين غليلي وديان ورئيس اركان الجيش ورئيس الموساد، ان «هناك بشكل أساسي ثلاث امكانيات للحرب المصرية ضدنا» (وثيقة البينات رقم 57، بروتوكول المشاورات، في رأس الصفحة 2)، واضاف لاحقا في صفحة 3:
«بالنسبة للطريق الثالث ـ العبور الفعلي للقناة، أنا واثق بأننا سنعرف مسبقا عن ذلك وسنستطيع ان نعطي تحذيرا ليس فقط تكتيكيا، بل أيضا عمليا. أي مسبقا، قبل عدة أيام».
وعلى سؤال رئيسة الحكومة: «كيف نعرف، عندما نعرف؟ هل بحسب الاستعدادات؟»، أجاب:
«سنعرف عن الاستعدادات، سنعرف إذا كانت هناك زيارات ضباط وتحريك قوات الى الأمام، إذا كانت هناك تشكيلات دفاع جوي معززة ومزيد من بطاريات الصواريخ وسنراهم ينظفون الاستحكامات المهملة على طول القناة. وبشكل عام، عندما يدخل كل الجيش المصري الى العمل، سنكون قد عرفنا».
(لا نستطيع هنا ألا نذكر ان كل هذه الدلالات قد كانت قائمة في الميدان عشية الحرب، مع ان هذا لا يمت الى موضوعنا بشكل مباشر). (2) بعدئذ، في جلسة لجنة الخارجية والأمن [في البرلمان الاسرائيلي، الكنيست]، في يوم 18.5.1973 (البروتوكول ـ صفحة 31)، يعود الجنرال زعيرا ليقول، بحضور رئيس أركان الجيش:
«.. لا توجد عندي ثقة ابدا بأننا نستطيع معرفة الخطة المصرية بالتفصيل، الموعد والمكان والطريقة. أنا اقدر ان احتمالات ذلك ضعيفة. ومع ذلك، أقدر بأن هناك احتمال جيد وبتقدير عال أن العلامات الدالة ستصل الينا. هذا يعني، انه في حالة استعداد الجيش المصري لعبور القناة، فإننا سنعرف. لن نعرف الخطط، ولكن ستكون هناك علامات تدل على التحضيرات: حشد قوات وكل ما يتبع ذلك، أنا لا أعتقد بأن من الممكن أن يكون عبور القناة مفاجئا.. بل استطيع أن اتعهد بإعطاء انذار حول موضوع العبور. ولكن، بالنسبة لفتح النار أو الاجتياح أو نصب كمين أو عبور القناة بفرقة بسيطة وزرع الغام، هذه كلها يمكن ان تنفذ من دون أن [يكون في مقدورنا] إعطاء إنذار..» (التأكيد من عندنا).
(3) في يوم 9.5.1973، خلال عرض الخطة العسكرية «أزرق ـ أبيض» أمام رئيسة الحكومة، قال رئيس أركان الجيش، بحضور رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (وثيقة البينات رقم 57، البروتكول صفحة 8)، وهو يستعرض الخطط العملية:
«نحن نسعى لتنفيذها لتتجاوب مع ثلاثة شروط: 1. أن يكون لدينا استعداد كاف. فإذا توصل (العدو) الى قرار كهذا (شن الحرب)، ينبغي أن نعرف ذلك بتحذير قصير. والتحذير القصير عندي هو 48 ساعة مسبقا، وأنا اشدد بشكل مقصود، لكي نكون مستعدين حتى لو جاء الانذار قبل 48 ساعة، أن نكون جاهزين للحرب كما يجب». رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية لم يطلب في تلك الجلسة السماح له بأن يتحفظ من أقوال رئيس الأركان، التي قيلت من خلال المبادئ الاساسية لخطط الحرب العملية. لقد عرف أو كان عليه أن يعرف بأن كل الخطط العملية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بدءا بخطة الأمن الجاري وحتى خطة «سيلع»، كانت مبنية على التحذير، حتى لو قبل 48 ساعة فقط (أنظر لاحقا، البند 142 فصاعدا، والبند 168 فصاعدا). (4) في المشاورات العسكرية ـ السياسية في يوم 3 أكتوبر 1973 يقول رئيس الركان (وثيقة البينات رقم 57، صفحة 8 ـ 9):
«أنا أفترض بأنه سيكون لدينا تحذير، إذا اتجهت سورية نحو أمر ذي طموحات أكبر [شطب من الرقابة]. أنا أقدر بأنهم لن يذهبوا الى عملية صغيرة أكثر. سيكون هجوم هنا وهناك. لكن عندما يفعلون ماكينة كبيرة ويديرون معارك كبيرة، يكونون ملزمين إعداد مئات الأشياء، وهذا سيسرب ونحن سنعرف عنه».
في المشاورات نفسها، كان العميد شيلو ممثلا لشعبة الاستخبارات العسكرية، وهو لم يتحفظ من هذه الأقوال، التي تدل على مدى اعتماد رئيس الأركان على الحصول على انذار مسبق.
http://group73historians.com/ref/139-الوثائق-الإسرائيلية-الحلقة-الخامسة-و-العشرون.html