الوثائق الإسرائيلية (الحلقة السابعة عشرة) ـ رغم مرور 34 سنة على حرب 1973 إسرائيل تمتنع عن كشف أسرار مصادر معلوماتها في ليبيا
في ربيع 1973 وصل إلى إسرائيل نبأ من مصدر مميز جدا بأن السادات سيتجه إلى الحرب * تل أبيب ترصد نقل طائرات ميراج وقطع غيار من ليبيا إلى مصر
تل أبيب: نظير مجلي
لأول مرة في تقرير لجنة أغرنات للتحقيق في إخفاقات الجيش الاسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، يتم التطرق الى وجود مصادر معلومات للمخابرات الاسرائيلية، تقدم المعلومات عن القدرات العسكرية الليبية، لدرجة ان الأنباء عنها وصلت بعد يومين من وقوع الحدث. فتنقل اللجنة على لسان رئيس الاستخبارات أن عدد طائرات الميراج الفرنسية التي وصلت الى ليبيا «حتى يوم الأول من أمس بلغ 71 طائرة».
وتحرص اللجنة الأمنية الخاصة في مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي، المخولة بنشر التقرير او الحذف منه، على منع نشر اية تفاصيل عن مصادر المعلومات، بالرغم عن مرور 34 عاما على الحرب تم خلالها كشف الكثير من المعلومات وكشف أسماء عدد من الأشخاص الذين زودوا اسرائيل بالمعلومات عن الحرب وبينهم زعيم إحدى الدول العربية ومقرب من الرئيسين المصريين، جمال عبد الناصر وأنور السادات. وتواصل اللجنة في هذه الحلقة تشريح أخطاء شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي ورئيسها الجنرال ايلي زعيرا، بسبب نظرية «الفرضية» التي التصقوا بها واعتبرتها اللجنة بمثابة خطأ استراتيجي تسبب في مفاجأة الحرب. واليكم هذه الحلقة من تقرير لجنة التحقيق:
(ج) بالاضافة الى ذلك، يتضح من المعطيات الواردة في مواد البينات (التي ما زالت سرية حتى اليوم)، انه كانت بايدي دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، قبيل الحرب، معلومات تؤكد أن مجرد الطرح الذي كان حجر الزاوية في الفرضية، مشكوك فيه بدرجة عالية. ولذلك لم تكن هناك مصداقية للاعتماد عليه. فكما نذكر، قالت تلك الفرضية إن مصر لن تخرج الى الحرب الشاملة ضد اسرائيل إلا إذا رأت نفسها قادرة على ضرب المطارات في العمق الاسرائيلي بشكل ناجع، وانها من أجل ذلك تحتاج الى خمسة أسراب على الأقل من الطائرات القتالية التفجيرية ذات القدرة على الطيران لمدى بعيد، وهو الأمر الذي ما كان ليتوفر قبل العام 1975. فهل كان هناك أساس لهذه الفرضية لدى شعبة الاستخبارات العسكرية؟ يشار الى ان فحص هذه المسألة سيتم فقط من الناحية النظرية ووفقا للمعطيات التي كانت متوفرة بأيدي شعبة الاستخبارات العسكرية في ذلك الوقت. ومن الناحية العملية فقد اتضح، في الحساب التراجعي للماضي، أن مصر لم تحاول في حرب الغفران (حرب أكتوبر) الهجوم على المطارات في العمق الاسرائيلي. وكما سنرى لاحقا، لا توجد أدلة على ان هناك ما كان يمنعها من ذلك بدعوى انها لا ترى نفسها قادرة على المحاولة. فمن الممكن مثلا ان سبب امتناعها يعود الى الخوف من رد اسرائيل بواسطة قصف العمق المصري.
فما الذي رآه المصريون ضروريا لهم، حسب رأي شعبة الاستخبارات العسكرية، لكي يستطيعوا مهاجمة المطارات في العمق الاسرائيلي؟ يقول الجنرال زعيرا في شهادته (صفحة 938 فصاعدا):
«في شهر يناير (كانون الثاني) 1973، أجرينا تقويما شاملا للوضع، وفي هذا التقويم قلنا انه في العام 1975 ستكون للمصريين خمسة أسراب طيران بمستوى طائرات الميراج. اننا نقدر بأن 5 أسراب طائرات رقم مناسب من ناحية المنطق لتوفير الشعور لدى المصريين بأنهم قادرون على شل سلاح الجو عندنا والطائرات على الأرض. فقد حسبوا بأنهم من أجل شل حركة طيراننا توجد حاجة بأسراب الطيران» (كذلك في صفحة 1041). يبدو لنا ان الفرضية بأن هناك حاجة لخمسة أسراب طائرات ميراج بالذات أو طائرات أخرى بمستواها، لكي تهاجم العمق الاسرائيلي بنجاعة، هي صحيحة ربما من الناحية الحسابية المجردة. ولكن ما يستدل من المواد التي كانت بأيدي شعبة الاستخبارات العسكرية، هو ان المصريين فكروا بشكل آخر، وقيادة سلاح الجو عندهم كانت مستعدة للاكتفاء بما هو أقل من سربي طيران وربما سرب واحد فقط. وقد أعطي لهذا الهدف تعبير محدد (انظر وثيقة البينات رقم 3).
لقد كانت تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية ودائرة الاستخبارات في سلاح الجو الاسرائيلي مبنية منذ ربيع 1973 على فرضية أنه يوجد في مصر سرب واحد من طائرات الميراج الليبية وأن سربا آخر متوقع وصوله من ليبيا الى مصر:
(1) في تقرير خاص لشعبة الاستخبارات العسكرية يحمل الرقم 73/43 من يوم 14.4.1973 (وثيقة البينات رقم 124 صفحة 15)، ذكر انه من بين الاجراءات المتكررة التي تقوم بها مصر ويمكن تفسيرها على انها استعدادات لاستئناف الحرب، (نذكر):
«نصب سرب من طائرات الميراج من ليبيا بعد أن كان «قطار جوي» قد أحضر الى مصر الأجهزة الأرضية اللازمة، وجلب سرب طائرات هنتر من العراق. من المعقول أن يكبر عدد طائرات الميراج حتى ..(سربين)».
وكان تقدير شعبة الاستخبارات العسكرية (المصدر نفسه، صفحة 16، البند 31 (2) حذرا جدا: «الحصول على سربين من طائرات ميراج الليبية وطائرات هنتر العراقية وربما سربين آخرين من طائرات لايتننغ من دول عربية اخرى ـ وهي ذات مغزى سياسي فقط ـ لا تغير من توازن القوى بشكل جوهري في المنطقة. ومن المشكوك فيه أن تؤدي هذه الاضافة الى بث الشعور الخاطئ بأن مصر ستقدر على مجابهة اسرائيل في الجبهة الجوية. وهذا على الرغم من أن سربي طائرات ميراج (من طراز م ـ 5 كما يعتقد)، وهما أكثر ما يستطيع الليبيون والمصريون تخصيصه من جراء النقص في الطيران، يستطيعان تمكين مصر من اجراء محاولات لمهاجمة أهداف في العمق الاسرائيلي» (التأكيد من عندنا).
(2) في «عرض خطط سلاح الجو الى وزير الدفاع» في يوم 22.5.1973، يقول ضابط الاستخبارات في سلاح الجو، العقيد ر. هارليف، ردا على سؤال حول عدد طائرات الميراج بحوزة المصريين (وثيقة البينات رقم 253، صفحة 4) :
«اليوم يوجد لدى المصريين سرب واحد.. طائرات. نحن نعتقد انه مع زيادة المشتريات الليبية سيتم تحويل سرب آخر الى هناك، أي ما يعادل 35 – 40 طائرة».
ويقول حول الطيارين لحوالي 30 ـ 35 طائرة،:
«من ناحية التدريب انهم موجودون الآن في مرحلة (التدريبات) الميدانية وسيكون في مقدورهم مهاجمة أهداف صغيرة».
(3) وفي اطار تقديم «معطيات لتقدير هيئة القيادة العامة للأركان ـ مصر وسورية» في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية من يوم 16 أبريل (نيسان) 1973 (وثيقة البينات رقم 115) يظهر في باب جدول العمل التنفيذي للجيش المصري، ما يلي:
«ميراج 5 : 1 ـ 2 سرب، 16 ـ 32 طائرة».
(4) في جلسة الحكومة من يوم 15.4.1973 (في صفحة 8)، قدم الجنرال زعيرا تقريرا للحكومة، (قال فيه) :
«في مصر توجد عدة اشارات تدل على استعدادات معينة للحرب. الأمر الأول: منذ نهاية مارس (آذار) وحتى مطلع أبريل (نيسان) تم تنظيم «قطار جوي» بين ليبيا ومصر.. فجلبت قطع غيار لطائرات ميراج من طرابلس في ليبيا الى مصر. وفي أعقاب جلب هذه الأجهزة، بدأت حركة طائرات ميراج من ليبيا الى مصر، بحيث اصبح الآن في مصر طائرات ميراج».
وفي الصفحة التاسعة من نفس المصدر:
«هذه الاضافة للطائرات القتالية في الجيش المصري، لا تشكل من الناحية الموضوعية على الأقل اضافة تؤدي الى تغيير حقيقي في توازن القوى في الجو، مع ان هناك احتمالا بأن يرى المصريون في اضافة طائرات الميراج أمرا ذا مغزى وأهمية أكثر جدية مما يظهر لنا، خصوصا انهم كانوا قد ادعوا في الماضي بأنه لا توجد لديهم طائرة تستطيع أن تصل الى وسط اسرائيل وتنفيذ ما يسمونه «تفجير العمق»، بينما اليوم توجد لديهم طائرات ميراج ومن الممكن أن تخلق لديهم الشعور بأنها الحل» (التأكيد من عندنا).
وفي الصفحة العاشرة، يجيب (زعيرا) على سؤال لوزير الدفاع حول عدد طائرات الميراج التي نقلت الى مصر، فيقول:
«حتى الآن، نحن نعتقد بأن عددها في مصر سيصل مع الوقت الى.. سرب واحد أو سربين. التعاقد بين ليبيا ومصر يتحدث عن 108 طائرات، في حين قامت فرنسا بتحويل 71 طائرة (ميراج) الى ليبيا حتى يوم الأول من أمس».
كما يبدو فإن أقواله تعتمد على وثيقة البينات رقم 98 (الوثيقة 26، صفحة 3، «اشارات ذات دلالة» البندان 1 ـ 2).
في وثيقة البينات رقم 96، الوثيقة 51 (السلسلة الأولى) يقول مصدر (البند 5) انه في نهاية أبريل ستظهر علامات تدل على ان طائرات ميراج ستهبط في مطار معين في مصر. وفي الوثيقة 48 من المصدر نفسه (جاء انه في) عشية اعلان الحرب سينقل من ليبيا الى مصر سرب اضافي من طائرات ميراج. وحسب السلسلة الثانية من الوثيقة 35 من يوم 24.4.1973:
«مصر حصلت حتى الآن على سربين من طائرات الميراج».
وفي شهر يوليو (تموز) 1973 عرف (وثيقة البينات رقم 98، وثيقة 43، صفحة 2) ان ليبيا لن ترسل الى مصر سربا ثانيا من طائرات ميراج وانه حتى ذلك الوقت كان قد وصل سربان من طائرات الميراج الى ليبيا ـ الأولى أنهت للتو تدريباتها التنفيذية والثانية ستنهيها بعد شهرين. وسيتم نقلهما فقط عشية نشوب الحرب.
في خبر وصل من مصدر جيد: الوثيقة 53 من نفس المصدر من يوم 3.10.1973 (تاريخ الخبر هو يوليو/ تموز1973)، (يقول): تمت ملاحظة وجود سربين من طائرات الميراج الليبية (30 ـ 35 طائرة) في المطارات المصرية خلال شهر أغسطس (آب).
حول الخبر الأخير شهد المقدم بندمن (صفحة 2530) بأنه غير صحيح ..................(هنا ترك فراغ كبير يملأ سطرا كاملا يبدو أن الرقابة شطبته واضافته الى المواد التي ما زالت تعتبر سرية ولم يفرج عنها في التقرير) (كذلك شهد الجنرال زعيرا في صفحة 5458 وصفحة 5692 فصاعدا). وبالمقابل علمنا من شاهد خبير في هذا الشأن بأنه لا يمكن لمصدر كهذا ......................(فراغ آخر).... أن يكون أمينا مئة بالمئة من دون تأكيد من مصادر أخرى (صفحة 5508 ـ 5510).
استنتاجنا من كل ما سبق ذكره حول موضوع طائرات الميراج هو:
(1) لا توجد أية ثقة بأن المصريين كانوا في رأي واحد مع شعبة الاستخبارات العسكرية بأن المطلوب لهم هو خمسة أسراب بالذات من الطائرات (المقاتلة). حتى شعبة الاستخبارات العسكرية شككت في هذا.
(2) سرب واحد وصل الى مصر في ربيع 1973 وكان يجب أن يؤخذ بالاعتبار، أنه حتى حسب تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية سيصل سرب ثان أو ان السرب الثاني سيكون بايدي مصر في حالة نشوب الحرب (ووجدت علامات (بعد الحرب) دلت على ان السرب الثاني قد يكون وصل قبيل اندلاع الحرب).
(3) بهذا تزعزع «حجر الأساس» في الفرضية (التي تقول فيها اسرائيل إن مصر لن تحارب لأنها قررت أن تحارب فقط عندما يكون لديها عدد من الطائرات القتالية ذات المدى البعيد، حتى تستطيع ضرب العمق الاسرائيلي)، حيث انه من المستحيل أن تبني على فرضية بأن المصريين، حتى في أكتوبر 1973، يرون أنفسهم غير قادرين على المبادرة الى حرب لأنهم لا يستطيعون ضرب العمق الاسرائيلي (وهذا، إذا تجاهلنا قدرات (مصرية) أخرى لضرب مراكز السكن الاسرائيلية تكمن في صواريخ «سكاد» والامتياز المصري الاضافي الكامن في مظلة الصواريخ المضادة للطائرات في حوزتهم والتي يواجهون فيها طائرات سلاح الجو الاسرائيلي). د. حسبما أشرنا أعلاه (البند 47)، وجد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية تعزيزا للفرضية، بقوله انها صمدت بالامتحان في ثلاث حقب سابقة. كيف؟ أيضا في نهاية «سنة الحسم»، في ديسمبر (كانون الأول) 1972 وفي أبريل ـ مايو (نيسان ـ أيار) 1973، وصلت أنباء من مصادر جيدة تفيد بان السادات أعلن، سرّاً وعلناً، عن خيار الحرب وأنباء واشارات ميدانية دلت على ان مصر حشدت في منطقة القناة قوات كبيرة لا يقل حجمها عن القوات التي رابطت هناك في مطلع أكتوبر 1973. وعلى الرغم من ذلك، امتنع (السادات) في كل مرة عن اعلان الحرب، تماما كما توقعت شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي بناء على نظرية الفرضية. من هنا، فقد أثبتت (الفرضية) نفسها وكان صحيحا اللجوء اليها أيضا في الأيام التي سبقت حرب الغفران.
في نظرنا، واضح أن هذا التوجه لطريقة الوصول الى التقديرات، التي هي في صلب عمل الاستخبارات العسكرية، هو توجه خاطئ من أساسه، بل انه يحمل في طياته أخطارا كبيرة. فهي تنطلق من الفرضية بأن ما جرى في الماضي هو الذي سيجري في الوقت الحاضر. بكلمات أخرى: التاريخ يعيد نفسه. من الطبيعي انه عندما لا يتم فحص ومراقبة الفرضية الاستراتيجية لما كان يؤمن به العدو في الماضي، على ضوء الواقع المتغير والأنباء والوقائع الجديدة، لا يمكن أن تعرف ما إذا كان يواصل الايمان بها في الحاضر. فقد تكون في هذه الأثناء قد أصبحت قديمة ولم تعد فيها روح. على سبيل المثال: في المقال المذكور (صفحة 701) تشير (روبرتا) وولشتتر الى انه في مساء يوم أزمة الصواريخ في كوبا كان لدى المخابرات الأميريكية تقدير خاطئ بأنه لا توجد في كوبا صواريخ سوفياتية متوسطة أو بعيدة المدى وان هذا الخطأ نجم عن «فلسفة الاقتناع» بأن أمرا كهذا لا يتماشى مع سياسة الاتحاد السوفياتي. والدليل ـ هكذا فسروا (رؤيتهم) ـ ان الروس لم ينصبوا في أية مرة مثل هذه الصواريخ في دولة تابعة، ولا يعقل أن يفعلوا ذلك في كوبا (بالذات) كونها قريبة من الولايات المتحدة، حيث أن مثل هذا الأمر سيؤدي بالضرورة الى رد فعل أميركي قاس:
«خروتشوف لم يضع أية صواريخ متوسطة أو بعيدة المدى في أية دولة تابعة في الماضي. من هنا فإنه بالتأكيد لن يضعها في جزيرة تبعد 9000 ميل عن الاتحاد السوفياتي و90 ميلا عن الولايات المتحدة، وهو يدرك بأن هذا هو استفزاز سيجر ردا أميركيا قاسيا».
وأيضا لو لم نكترث للنموذج المذكور اعلاه، فمن السهل البرهنة على ان عدم اندلاع الحرب في الفترات السابقة المشار اليها أعلاه، لا يعني ان هذا دليل كاف للقول ان الفرضية تصلح على طول الطريق. فأولا، كل ما يمكن استخلاصه من امتناع السادات عن الانطلاق للحرب في تلك الفرص هو أنه قد يكون متعلقا بالفرضية ولكن هذا لم يثبت بشكل قاطع. وهكذا هي القضية: لا يبدو من مواد البينات ان السبب الحقيقي لتراجع الرئيس المصري عن تنفيذ قراره الخروج الى الحرب ضدنا، معروف. على سبيل المثال، فإنه عندما سئل الجنرال زعيرا من أحد أعضاء اللجنة إن كان اندلاع الحرب الهندية الباكستانية هي التي اثرت على السادات في نهاية سنة 1971 ليتراجع عن قراره بالحرب، امتنع (زعيرا) عن اعطاء رأيه (بروتوكول اللجنة صفحة 91). وأما بالنسبة لامتناع مصر وسورية عن الخروج الى حرب في فترة أبريل ـ مايو 1973، فقد أكدت الأنباء المتشابهة ............................ (مرة أخرى تترك الرقابة الأمنية فراغا لإبقاء هذه المعلومة سرية) ان حكام البلدين استجابوا لطلب الروس بتأجيل استئناف الحرب الى ما بعد لقاء القمة بين نيكسون وبرجنيف، لعله يفضي الى حل سياسي يتوافق ورغباتهما (أنظر وثيقة البينات رقم 95، الوثيقة 44، ووثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 33). لا حاجة الى القول بأنه لا توجد أية علاقة ما بين امتناع مصر عن الذهاب الى الحرب في الفترات المشار اليها، وبين الفرضية أبدا.
ثانيا، ان هذه الحقيقة بالذات، ان السادات امتنع ثلاث مرات متتالية عن اصدار أوامر بالحرب، على عكس تصريحاته، وبالرغم عن الاستعدادات المصرية الواسعة في منطقة القناة، كان يجب ان توقظ لدى شعبة الاستخبارات العسكرية في الأسبوع الأول من أكتوبر، الشعور بان هناك خطرا كبيرا بأن لا يرتدع في هذه المرة. والمبرر لهذا هو انه في أعقاب تصرفاته في تلك الفترة، التي انتهت من دون أي عمل حربي، تعرضت مصداقيته الى الطعن من الشعب المصري والعالم العربي بأسره وضعفت مكانته كرئيس للدولة المصرية. وتبعا لذلك، فإن الدكتاتور المصري ـ هكذا كان يجب على شعبة الاستخبارات العسكرية أن تفكر ـ ما كان ليخاطر من جديد في تدهور اضافي في مكانته. والبرهان: في ربيع 1973 وصل الى اسرائيل نبأ من مصدر مميز جدا، جاء فيه بأن هناك درجة عالية من الثقة بأن السادات سيتجه الى الحرب وانه إذا لم تنشب الحرب حتى بداية الخريف فإن مكانته ستصبح في خطر (وثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 36). كذلك وصل نبأ في أغسطس 1973، من مصدر جيد آخر، يتحدث عن ان مصر وسورية اتفقتا على مبادئ الخطة المشتركة للمواجهة على اثر تدهور مكانة السادات (وثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 34).
بيد ان الجنرال زعيرا قال في شهادته (صفحة 1006): «الأمر الأول الذي رأيناه كحافز من شأنه أن يدفع بالسادات الى الحرب هو خوفه من مصير حكمه شخصيا. لكنني أريد الاشارة الى ان السادات انطلق الى الحرب في الوقت الذي لم يكن حكمه الشخصي في خطر». ووجدنا ان الخبرية التي وصلت في سبتمبر (أيلول) 1973 والتي جاءت متأخرة عن تلك الأنباء المذكورة أعلاه، قالت انه في الآونة الأخيرة بدأت تتحسن صورة السادات داخل مصر وبدأت تتعزز مكانته (وثيقة البينات رقم 92، الوثيقة 219). ولكننا نعتقد بأنه حتى لو كانت هذه الخبرية ملائمة لأقوال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ويجب أخذها بالاعتبار، يجب أن لا نراها متناقضة مع ما نقول. إذ ان كل ما يفهم منها هو ان تحسنا جرى على صورة السادات ومكانته في مصر. وينبغي ان نلفت النظر الى ان في الخبر الأخير تمت الاشارة الى ان في مصر توجد مشكلة جدية من جراء النقص في المواد الغذائية، فإذا لم يعرف السادات كيف يعالجها في الوقت القريب فإنه سيواجه وضعا خطيرا وأن هذه هي أصعب نقطة ضعف في النظام المصري الحالي. ففي مثل هذا الوضع، كان من الممكن التقدير بأن الطاغية المصري حساس ازاء الخطر الذي قد يسببه أي تحرك من شانه أن يضع حدا للتحسن الطارئ على صورته وتعزيز مكانته ويؤدي الى التدهور من جديد. من هنا فإنه إن كان خاف من شيء، فإنه الخوف من أن يتزعزع نظام حكمه الشخصي إذا ما امتنع مرة رابعة (عن الحرب)، بعد أن أجرى كل الاستعدادات اللازمة حتى لحظة اعطاء الأمر. ويشار الى اننا توصلنا الى هذا الاستنتاج أيضا من دون الاعتماد على ما هو مكتوب في الخبرين الأولين، لأنه كان واضحا من ناحية المنطق.
وأكثر من ذلك: إذا تذكرنا بأن حشودات القوات المصرية عشية الحرب في محيط القناة «بحجم لم نعرفه من قبل» (حسب نشرة الاستخبارات من يوم 5.10.1973 وثيقة البينات رقم 111) ـ على عكس ما قاله رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأن القوات المصرية التي حشدت هناك في كل مرة من المرات الثلاث السابقة لم تكن بأقل حجما (من الحشودات الحالية) ـ فلا يكون مفر من الاستنتاج بأنه في الأسبوع الأول من أكتوبر كان هناك خطر حقيقي بأن لا يقف الرئيس المصري هذه المرة مكتوف اليدين وسيعلن الحرب (في هذا السياق أنظر البند 72 لاحقا). يتضح مما سبق، بأن تصرفات حاكم مصر في الحالات السابقة لم تكن لتصلح أن تصبح دليلا على صحة استمرارية الفرضية وحيويتها في الأسبوع الأول من أكتوبر، كما اعتقد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. وحسب رأينا، فقد وقع حينئذ في خطأ مهني نتيجة للتأثير الزائد لتوجهه «التاريخي» في التقدير بأن الحرب لن تنشب. ويجب أن نضيف بأن الحيرة التي أصابته وجهازه، لم تكن في محلها. فقد قال الجنرال زعيرا في شهادته، بأنه إذا قدم التحذير هباءً وصاح «ذئب..ذئب» في كل مرة يخلق فيها العدو حالة توتر في الجبهة فستضطر الدولة الى استدعاء الاحتياط «سبع مرات في السنة» (انظر البند 48 آنفا)، وهذا القول ليس ملائما لا من الناحية المبدئية ولا من ناحية الوقائع.
من الناحية المبدئية ـ وسنتطرق اليها بمزيد من التفاصيل (انظر البندين 71 ـ 73 و90 و103 لاحقا) ـ لأنه في وضع اسرائيل الخاص تلزمه وظيفته المهنية كرئيس لشعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال الإسرائيلي بان يأتي في كل مرة يطلب منه تقويم الخطر الفعلي بوقوع الحرب أم لا، بأن يحدد تقديراته الجديدة، سلبا أو ايجابا، فقط على أساس وزن الوقائع والمعلومات العينية وفحصها بشكل مباشر بما في ذلك المعلومات ذات الطابع التحذيري. وحاشا له أن يكون قلقا من الخطر الكامن في اعطاء تحذير بأن حربا ستقع، بأن التحذير سيكون وهميا، حتى لو حدث مثل هذا الأمر في الماضي. ومن ناحية الوقائع ـ ونريد أن نجملها هنا ـ رأت شعبة الاستخبارات العسكرية بأنه ثبت في المرات الثلاث السابقة بأن المصريين لم يخرجوا الى الحرب الشاملة ولذلك فقد امتنع عن التحذير بوجود خطر كهذا حتى لا يتم تجنيد شامل لقوات الاحتياط في كل منها (بالنسبة للفترة ما بين أبريل ومايو 1973 عندما ساد التوتر على الحدود مع مصر ومع سورية، أنظر شهادة الجنرال العزار (رئيس الأركان) صفحة 3821 : «في تلك الواقعة لم يستدع الاحتياط»، كذلك شهادة الجنرال طال (نائب رئيس الأركان) في صفحة 3074: «جندنا بضع عشرات من جنود الدفاع المدني، 38 شخصا»). وقد وجدنا ان ظاهرة (الصراخ) «ذئب .. ذئب» لم يكن لها أساس ولا أصل في تجارب الماضي وما كان يجب ان تقلق شعبة الاستخبارات العسكرية عندما يعطي تقديراته بخصوص خطر نشوب الحرب في الأسبوع الأول من أكتوبر 1973.
http://group73historians.com/ref/129-الوثائق-الإسرائيلية-الحلقة-السابعة-عشرة.html
في ربيع 1973 وصل إلى إسرائيل نبأ من مصدر مميز جدا بأن السادات سيتجه إلى الحرب * تل أبيب ترصد نقل طائرات ميراج وقطع غيار من ليبيا إلى مصر
تل أبيب: نظير مجلي
لأول مرة في تقرير لجنة أغرنات للتحقيق في إخفاقات الجيش الاسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، يتم التطرق الى وجود مصادر معلومات للمخابرات الاسرائيلية، تقدم المعلومات عن القدرات العسكرية الليبية، لدرجة ان الأنباء عنها وصلت بعد يومين من وقوع الحدث. فتنقل اللجنة على لسان رئيس الاستخبارات أن عدد طائرات الميراج الفرنسية التي وصلت الى ليبيا «حتى يوم الأول من أمس بلغ 71 طائرة».
وتحرص اللجنة الأمنية الخاصة في مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي، المخولة بنشر التقرير او الحذف منه، على منع نشر اية تفاصيل عن مصادر المعلومات، بالرغم عن مرور 34 عاما على الحرب تم خلالها كشف الكثير من المعلومات وكشف أسماء عدد من الأشخاص الذين زودوا اسرائيل بالمعلومات عن الحرب وبينهم زعيم إحدى الدول العربية ومقرب من الرئيسين المصريين، جمال عبد الناصر وأنور السادات. وتواصل اللجنة في هذه الحلقة تشريح أخطاء شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي ورئيسها الجنرال ايلي زعيرا، بسبب نظرية «الفرضية» التي التصقوا بها واعتبرتها اللجنة بمثابة خطأ استراتيجي تسبب في مفاجأة الحرب. واليكم هذه الحلقة من تقرير لجنة التحقيق:
(ج) بالاضافة الى ذلك، يتضح من المعطيات الواردة في مواد البينات (التي ما زالت سرية حتى اليوم)، انه كانت بايدي دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، قبيل الحرب، معلومات تؤكد أن مجرد الطرح الذي كان حجر الزاوية في الفرضية، مشكوك فيه بدرجة عالية. ولذلك لم تكن هناك مصداقية للاعتماد عليه. فكما نذكر، قالت تلك الفرضية إن مصر لن تخرج الى الحرب الشاملة ضد اسرائيل إلا إذا رأت نفسها قادرة على ضرب المطارات في العمق الاسرائيلي بشكل ناجع، وانها من أجل ذلك تحتاج الى خمسة أسراب على الأقل من الطائرات القتالية التفجيرية ذات القدرة على الطيران لمدى بعيد، وهو الأمر الذي ما كان ليتوفر قبل العام 1975. فهل كان هناك أساس لهذه الفرضية لدى شعبة الاستخبارات العسكرية؟ يشار الى ان فحص هذه المسألة سيتم فقط من الناحية النظرية ووفقا للمعطيات التي كانت متوفرة بأيدي شعبة الاستخبارات العسكرية في ذلك الوقت. ومن الناحية العملية فقد اتضح، في الحساب التراجعي للماضي، أن مصر لم تحاول في حرب الغفران (حرب أكتوبر) الهجوم على المطارات في العمق الاسرائيلي. وكما سنرى لاحقا، لا توجد أدلة على ان هناك ما كان يمنعها من ذلك بدعوى انها لا ترى نفسها قادرة على المحاولة. فمن الممكن مثلا ان سبب امتناعها يعود الى الخوف من رد اسرائيل بواسطة قصف العمق المصري.
فما الذي رآه المصريون ضروريا لهم، حسب رأي شعبة الاستخبارات العسكرية، لكي يستطيعوا مهاجمة المطارات في العمق الاسرائيلي؟ يقول الجنرال زعيرا في شهادته (صفحة 938 فصاعدا):
«في شهر يناير (كانون الثاني) 1973، أجرينا تقويما شاملا للوضع، وفي هذا التقويم قلنا انه في العام 1975 ستكون للمصريين خمسة أسراب طيران بمستوى طائرات الميراج. اننا نقدر بأن 5 أسراب طائرات رقم مناسب من ناحية المنطق لتوفير الشعور لدى المصريين بأنهم قادرون على شل سلاح الجو عندنا والطائرات على الأرض. فقد حسبوا بأنهم من أجل شل حركة طيراننا توجد حاجة بأسراب الطيران» (كذلك في صفحة 1041). يبدو لنا ان الفرضية بأن هناك حاجة لخمسة أسراب طائرات ميراج بالذات أو طائرات أخرى بمستواها، لكي تهاجم العمق الاسرائيلي بنجاعة، هي صحيحة ربما من الناحية الحسابية المجردة. ولكن ما يستدل من المواد التي كانت بأيدي شعبة الاستخبارات العسكرية، هو ان المصريين فكروا بشكل آخر، وقيادة سلاح الجو عندهم كانت مستعدة للاكتفاء بما هو أقل من سربي طيران وربما سرب واحد فقط. وقد أعطي لهذا الهدف تعبير محدد (انظر وثيقة البينات رقم 3).
لقد كانت تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية ودائرة الاستخبارات في سلاح الجو الاسرائيلي مبنية منذ ربيع 1973 على فرضية أنه يوجد في مصر سرب واحد من طائرات الميراج الليبية وأن سربا آخر متوقع وصوله من ليبيا الى مصر:
(1) في تقرير خاص لشعبة الاستخبارات العسكرية يحمل الرقم 73/43 من يوم 14.4.1973 (وثيقة البينات رقم 124 صفحة 15)، ذكر انه من بين الاجراءات المتكررة التي تقوم بها مصر ويمكن تفسيرها على انها استعدادات لاستئناف الحرب، (نذكر):
«نصب سرب من طائرات الميراج من ليبيا بعد أن كان «قطار جوي» قد أحضر الى مصر الأجهزة الأرضية اللازمة، وجلب سرب طائرات هنتر من العراق. من المعقول أن يكبر عدد طائرات الميراج حتى ..(سربين)».
وكان تقدير شعبة الاستخبارات العسكرية (المصدر نفسه، صفحة 16، البند 31 (2) حذرا جدا: «الحصول على سربين من طائرات ميراج الليبية وطائرات هنتر العراقية وربما سربين آخرين من طائرات لايتننغ من دول عربية اخرى ـ وهي ذات مغزى سياسي فقط ـ لا تغير من توازن القوى بشكل جوهري في المنطقة. ومن المشكوك فيه أن تؤدي هذه الاضافة الى بث الشعور الخاطئ بأن مصر ستقدر على مجابهة اسرائيل في الجبهة الجوية. وهذا على الرغم من أن سربي طائرات ميراج (من طراز م ـ 5 كما يعتقد)، وهما أكثر ما يستطيع الليبيون والمصريون تخصيصه من جراء النقص في الطيران، يستطيعان تمكين مصر من اجراء محاولات لمهاجمة أهداف في العمق الاسرائيلي» (التأكيد من عندنا).
(2) في «عرض خطط سلاح الجو الى وزير الدفاع» في يوم 22.5.1973، يقول ضابط الاستخبارات في سلاح الجو، العقيد ر. هارليف، ردا على سؤال حول عدد طائرات الميراج بحوزة المصريين (وثيقة البينات رقم 253، صفحة 4) :
«اليوم يوجد لدى المصريين سرب واحد.. طائرات. نحن نعتقد انه مع زيادة المشتريات الليبية سيتم تحويل سرب آخر الى هناك، أي ما يعادل 35 – 40 طائرة».
ويقول حول الطيارين لحوالي 30 ـ 35 طائرة،:
«من ناحية التدريب انهم موجودون الآن في مرحلة (التدريبات) الميدانية وسيكون في مقدورهم مهاجمة أهداف صغيرة».
(3) وفي اطار تقديم «معطيات لتقدير هيئة القيادة العامة للأركان ـ مصر وسورية» في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية من يوم 16 أبريل (نيسان) 1973 (وثيقة البينات رقم 115) يظهر في باب جدول العمل التنفيذي للجيش المصري، ما يلي:
«ميراج 5 : 1 ـ 2 سرب، 16 ـ 32 طائرة».
(4) في جلسة الحكومة من يوم 15.4.1973 (في صفحة 8)، قدم الجنرال زعيرا تقريرا للحكومة، (قال فيه) :
«في مصر توجد عدة اشارات تدل على استعدادات معينة للحرب. الأمر الأول: منذ نهاية مارس (آذار) وحتى مطلع أبريل (نيسان) تم تنظيم «قطار جوي» بين ليبيا ومصر.. فجلبت قطع غيار لطائرات ميراج من طرابلس في ليبيا الى مصر. وفي أعقاب جلب هذه الأجهزة، بدأت حركة طائرات ميراج من ليبيا الى مصر، بحيث اصبح الآن في مصر طائرات ميراج».
وفي الصفحة التاسعة من نفس المصدر:
«هذه الاضافة للطائرات القتالية في الجيش المصري، لا تشكل من الناحية الموضوعية على الأقل اضافة تؤدي الى تغيير حقيقي في توازن القوى في الجو، مع ان هناك احتمالا بأن يرى المصريون في اضافة طائرات الميراج أمرا ذا مغزى وأهمية أكثر جدية مما يظهر لنا، خصوصا انهم كانوا قد ادعوا في الماضي بأنه لا توجد لديهم طائرة تستطيع أن تصل الى وسط اسرائيل وتنفيذ ما يسمونه «تفجير العمق»، بينما اليوم توجد لديهم طائرات ميراج ومن الممكن أن تخلق لديهم الشعور بأنها الحل» (التأكيد من عندنا).
وفي الصفحة العاشرة، يجيب (زعيرا) على سؤال لوزير الدفاع حول عدد طائرات الميراج التي نقلت الى مصر، فيقول:
«حتى الآن، نحن نعتقد بأن عددها في مصر سيصل مع الوقت الى.. سرب واحد أو سربين. التعاقد بين ليبيا ومصر يتحدث عن 108 طائرات، في حين قامت فرنسا بتحويل 71 طائرة (ميراج) الى ليبيا حتى يوم الأول من أمس».
كما يبدو فإن أقواله تعتمد على وثيقة البينات رقم 98 (الوثيقة 26، صفحة 3، «اشارات ذات دلالة» البندان 1 ـ 2).
في وثيقة البينات رقم 96، الوثيقة 51 (السلسلة الأولى) يقول مصدر (البند 5) انه في نهاية أبريل ستظهر علامات تدل على ان طائرات ميراج ستهبط في مطار معين في مصر. وفي الوثيقة 48 من المصدر نفسه (جاء انه في) عشية اعلان الحرب سينقل من ليبيا الى مصر سرب اضافي من طائرات ميراج. وحسب السلسلة الثانية من الوثيقة 35 من يوم 24.4.1973:
«مصر حصلت حتى الآن على سربين من طائرات الميراج».
وفي شهر يوليو (تموز) 1973 عرف (وثيقة البينات رقم 98، وثيقة 43، صفحة 2) ان ليبيا لن ترسل الى مصر سربا ثانيا من طائرات ميراج وانه حتى ذلك الوقت كان قد وصل سربان من طائرات الميراج الى ليبيا ـ الأولى أنهت للتو تدريباتها التنفيذية والثانية ستنهيها بعد شهرين. وسيتم نقلهما فقط عشية نشوب الحرب.
في خبر وصل من مصدر جيد: الوثيقة 53 من نفس المصدر من يوم 3.10.1973 (تاريخ الخبر هو يوليو/ تموز1973)، (يقول): تمت ملاحظة وجود سربين من طائرات الميراج الليبية (30 ـ 35 طائرة) في المطارات المصرية خلال شهر أغسطس (آب).
حول الخبر الأخير شهد المقدم بندمن (صفحة 2530) بأنه غير صحيح ..................(هنا ترك فراغ كبير يملأ سطرا كاملا يبدو أن الرقابة شطبته واضافته الى المواد التي ما زالت تعتبر سرية ولم يفرج عنها في التقرير) (كذلك شهد الجنرال زعيرا في صفحة 5458 وصفحة 5692 فصاعدا). وبالمقابل علمنا من شاهد خبير في هذا الشأن بأنه لا يمكن لمصدر كهذا ......................(فراغ آخر).... أن يكون أمينا مئة بالمئة من دون تأكيد من مصادر أخرى (صفحة 5508 ـ 5510).
استنتاجنا من كل ما سبق ذكره حول موضوع طائرات الميراج هو:
(1) لا توجد أية ثقة بأن المصريين كانوا في رأي واحد مع شعبة الاستخبارات العسكرية بأن المطلوب لهم هو خمسة أسراب بالذات من الطائرات (المقاتلة). حتى شعبة الاستخبارات العسكرية شككت في هذا.
(2) سرب واحد وصل الى مصر في ربيع 1973 وكان يجب أن يؤخذ بالاعتبار، أنه حتى حسب تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية سيصل سرب ثان أو ان السرب الثاني سيكون بايدي مصر في حالة نشوب الحرب (ووجدت علامات (بعد الحرب) دلت على ان السرب الثاني قد يكون وصل قبيل اندلاع الحرب).
(3) بهذا تزعزع «حجر الأساس» في الفرضية (التي تقول فيها اسرائيل إن مصر لن تحارب لأنها قررت أن تحارب فقط عندما يكون لديها عدد من الطائرات القتالية ذات المدى البعيد، حتى تستطيع ضرب العمق الاسرائيلي)، حيث انه من المستحيل أن تبني على فرضية بأن المصريين، حتى في أكتوبر 1973، يرون أنفسهم غير قادرين على المبادرة الى حرب لأنهم لا يستطيعون ضرب العمق الاسرائيلي (وهذا، إذا تجاهلنا قدرات (مصرية) أخرى لضرب مراكز السكن الاسرائيلية تكمن في صواريخ «سكاد» والامتياز المصري الاضافي الكامن في مظلة الصواريخ المضادة للطائرات في حوزتهم والتي يواجهون فيها طائرات سلاح الجو الاسرائيلي). د. حسبما أشرنا أعلاه (البند 47)، وجد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية تعزيزا للفرضية، بقوله انها صمدت بالامتحان في ثلاث حقب سابقة. كيف؟ أيضا في نهاية «سنة الحسم»، في ديسمبر (كانون الأول) 1972 وفي أبريل ـ مايو (نيسان ـ أيار) 1973، وصلت أنباء من مصادر جيدة تفيد بان السادات أعلن، سرّاً وعلناً، عن خيار الحرب وأنباء واشارات ميدانية دلت على ان مصر حشدت في منطقة القناة قوات كبيرة لا يقل حجمها عن القوات التي رابطت هناك في مطلع أكتوبر 1973. وعلى الرغم من ذلك، امتنع (السادات) في كل مرة عن اعلان الحرب، تماما كما توقعت شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي بناء على نظرية الفرضية. من هنا، فقد أثبتت (الفرضية) نفسها وكان صحيحا اللجوء اليها أيضا في الأيام التي سبقت حرب الغفران.
في نظرنا، واضح أن هذا التوجه لطريقة الوصول الى التقديرات، التي هي في صلب عمل الاستخبارات العسكرية، هو توجه خاطئ من أساسه، بل انه يحمل في طياته أخطارا كبيرة. فهي تنطلق من الفرضية بأن ما جرى في الماضي هو الذي سيجري في الوقت الحاضر. بكلمات أخرى: التاريخ يعيد نفسه. من الطبيعي انه عندما لا يتم فحص ومراقبة الفرضية الاستراتيجية لما كان يؤمن به العدو في الماضي، على ضوء الواقع المتغير والأنباء والوقائع الجديدة، لا يمكن أن تعرف ما إذا كان يواصل الايمان بها في الحاضر. فقد تكون في هذه الأثناء قد أصبحت قديمة ولم تعد فيها روح. على سبيل المثال: في المقال المذكور (صفحة 701) تشير (روبرتا) وولشتتر الى انه في مساء يوم أزمة الصواريخ في كوبا كان لدى المخابرات الأميريكية تقدير خاطئ بأنه لا توجد في كوبا صواريخ سوفياتية متوسطة أو بعيدة المدى وان هذا الخطأ نجم عن «فلسفة الاقتناع» بأن أمرا كهذا لا يتماشى مع سياسة الاتحاد السوفياتي. والدليل ـ هكذا فسروا (رؤيتهم) ـ ان الروس لم ينصبوا في أية مرة مثل هذه الصواريخ في دولة تابعة، ولا يعقل أن يفعلوا ذلك في كوبا (بالذات) كونها قريبة من الولايات المتحدة، حيث أن مثل هذا الأمر سيؤدي بالضرورة الى رد فعل أميركي قاس:
«خروتشوف لم يضع أية صواريخ متوسطة أو بعيدة المدى في أية دولة تابعة في الماضي. من هنا فإنه بالتأكيد لن يضعها في جزيرة تبعد 9000 ميل عن الاتحاد السوفياتي و90 ميلا عن الولايات المتحدة، وهو يدرك بأن هذا هو استفزاز سيجر ردا أميركيا قاسيا».
وأيضا لو لم نكترث للنموذج المذكور اعلاه، فمن السهل البرهنة على ان عدم اندلاع الحرب في الفترات السابقة المشار اليها أعلاه، لا يعني ان هذا دليل كاف للقول ان الفرضية تصلح على طول الطريق. فأولا، كل ما يمكن استخلاصه من امتناع السادات عن الانطلاق للحرب في تلك الفرص هو أنه قد يكون متعلقا بالفرضية ولكن هذا لم يثبت بشكل قاطع. وهكذا هي القضية: لا يبدو من مواد البينات ان السبب الحقيقي لتراجع الرئيس المصري عن تنفيذ قراره الخروج الى الحرب ضدنا، معروف. على سبيل المثال، فإنه عندما سئل الجنرال زعيرا من أحد أعضاء اللجنة إن كان اندلاع الحرب الهندية الباكستانية هي التي اثرت على السادات في نهاية سنة 1971 ليتراجع عن قراره بالحرب، امتنع (زعيرا) عن اعطاء رأيه (بروتوكول اللجنة صفحة 91). وأما بالنسبة لامتناع مصر وسورية عن الخروج الى حرب في فترة أبريل ـ مايو 1973، فقد أكدت الأنباء المتشابهة ............................ (مرة أخرى تترك الرقابة الأمنية فراغا لإبقاء هذه المعلومة سرية) ان حكام البلدين استجابوا لطلب الروس بتأجيل استئناف الحرب الى ما بعد لقاء القمة بين نيكسون وبرجنيف، لعله يفضي الى حل سياسي يتوافق ورغباتهما (أنظر وثيقة البينات رقم 95، الوثيقة 44، ووثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 33). لا حاجة الى القول بأنه لا توجد أية علاقة ما بين امتناع مصر عن الذهاب الى الحرب في الفترات المشار اليها، وبين الفرضية أبدا.
ثانيا، ان هذه الحقيقة بالذات، ان السادات امتنع ثلاث مرات متتالية عن اصدار أوامر بالحرب، على عكس تصريحاته، وبالرغم عن الاستعدادات المصرية الواسعة في منطقة القناة، كان يجب ان توقظ لدى شعبة الاستخبارات العسكرية في الأسبوع الأول من أكتوبر، الشعور بان هناك خطرا كبيرا بأن لا يرتدع في هذه المرة. والمبرر لهذا هو انه في أعقاب تصرفاته في تلك الفترة، التي انتهت من دون أي عمل حربي، تعرضت مصداقيته الى الطعن من الشعب المصري والعالم العربي بأسره وضعفت مكانته كرئيس للدولة المصرية. وتبعا لذلك، فإن الدكتاتور المصري ـ هكذا كان يجب على شعبة الاستخبارات العسكرية أن تفكر ـ ما كان ليخاطر من جديد في تدهور اضافي في مكانته. والبرهان: في ربيع 1973 وصل الى اسرائيل نبأ من مصدر مميز جدا، جاء فيه بأن هناك درجة عالية من الثقة بأن السادات سيتجه الى الحرب وانه إذا لم تنشب الحرب حتى بداية الخريف فإن مكانته ستصبح في خطر (وثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 36). كذلك وصل نبأ في أغسطس 1973، من مصدر جيد آخر، يتحدث عن ان مصر وسورية اتفقتا على مبادئ الخطة المشتركة للمواجهة على اثر تدهور مكانة السادات (وثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 34).
بيد ان الجنرال زعيرا قال في شهادته (صفحة 1006): «الأمر الأول الذي رأيناه كحافز من شأنه أن يدفع بالسادات الى الحرب هو خوفه من مصير حكمه شخصيا. لكنني أريد الاشارة الى ان السادات انطلق الى الحرب في الوقت الذي لم يكن حكمه الشخصي في خطر». ووجدنا ان الخبرية التي وصلت في سبتمبر (أيلول) 1973 والتي جاءت متأخرة عن تلك الأنباء المذكورة أعلاه، قالت انه في الآونة الأخيرة بدأت تتحسن صورة السادات داخل مصر وبدأت تتعزز مكانته (وثيقة البينات رقم 92، الوثيقة 219). ولكننا نعتقد بأنه حتى لو كانت هذه الخبرية ملائمة لأقوال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ويجب أخذها بالاعتبار، يجب أن لا نراها متناقضة مع ما نقول. إذ ان كل ما يفهم منها هو ان تحسنا جرى على صورة السادات ومكانته في مصر. وينبغي ان نلفت النظر الى ان في الخبر الأخير تمت الاشارة الى ان في مصر توجد مشكلة جدية من جراء النقص في المواد الغذائية، فإذا لم يعرف السادات كيف يعالجها في الوقت القريب فإنه سيواجه وضعا خطيرا وأن هذه هي أصعب نقطة ضعف في النظام المصري الحالي. ففي مثل هذا الوضع، كان من الممكن التقدير بأن الطاغية المصري حساس ازاء الخطر الذي قد يسببه أي تحرك من شانه أن يضع حدا للتحسن الطارئ على صورته وتعزيز مكانته ويؤدي الى التدهور من جديد. من هنا فإنه إن كان خاف من شيء، فإنه الخوف من أن يتزعزع نظام حكمه الشخصي إذا ما امتنع مرة رابعة (عن الحرب)، بعد أن أجرى كل الاستعدادات اللازمة حتى لحظة اعطاء الأمر. ويشار الى اننا توصلنا الى هذا الاستنتاج أيضا من دون الاعتماد على ما هو مكتوب في الخبرين الأولين، لأنه كان واضحا من ناحية المنطق.
وأكثر من ذلك: إذا تذكرنا بأن حشودات القوات المصرية عشية الحرب في محيط القناة «بحجم لم نعرفه من قبل» (حسب نشرة الاستخبارات من يوم 5.10.1973 وثيقة البينات رقم 111) ـ على عكس ما قاله رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأن القوات المصرية التي حشدت هناك في كل مرة من المرات الثلاث السابقة لم تكن بأقل حجما (من الحشودات الحالية) ـ فلا يكون مفر من الاستنتاج بأنه في الأسبوع الأول من أكتوبر كان هناك خطر حقيقي بأن لا يقف الرئيس المصري هذه المرة مكتوف اليدين وسيعلن الحرب (في هذا السياق أنظر البند 72 لاحقا). يتضح مما سبق، بأن تصرفات حاكم مصر في الحالات السابقة لم تكن لتصلح أن تصبح دليلا على صحة استمرارية الفرضية وحيويتها في الأسبوع الأول من أكتوبر، كما اعتقد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. وحسب رأينا، فقد وقع حينئذ في خطأ مهني نتيجة للتأثير الزائد لتوجهه «التاريخي» في التقدير بأن الحرب لن تنشب. ويجب أن نضيف بأن الحيرة التي أصابته وجهازه، لم تكن في محلها. فقد قال الجنرال زعيرا في شهادته، بأنه إذا قدم التحذير هباءً وصاح «ذئب..ذئب» في كل مرة يخلق فيها العدو حالة توتر في الجبهة فستضطر الدولة الى استدعاء الاحتياط «سبع مرات في السنة» (انظر البند 48 آنفا)، وهذا القول ليس ملائما لا من الناحية المبدئية ولا من ناحية الوقائع.
من الناحية المبدئية ـ وسنتطرق اليها بمزيد من التفاصيل (انظر البندين 71 ـ 73 و90 و103 لاحقا) ـ لأنه في وضع اسرائيل الخاص تلزمه وظيفته المهنية كرئيس لشعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال الإسرائيلي بان يأتي في كل مرة يطلب منه تقويم الخطر الفعلي بوقوع الحرب أم لا، بأن يحدد تقديراته الجديدة، سلبا أو ايجابا، فقط على أساس وزن الوقائع والمعلومات العينية وفحصها بشكل مباشر بما في ذلك المعلومات ذات الطابع التحذيري. وحاشا له أن يكون قلقا من الخطر الكامن في اعطاء تحذير بأن حربا ستقع، بأن التحذير سيكون وهميا، حتى لو حدث مثل هذا الأمر في الماضي. ومن ناحية الوقائع ـ ونريد أن نجملها هنا ـ رأت شعبة الاستخبارات العسكرية بأنه ثبت في المرات الثلاث السابقة بأن المصريين لم يخرجوا الى الحرب الشاملة ولذلك فقد امتنع عن التحذير بوجود خطر كهذا حتى لا يتم تجنيد شامل لقوات الاحتياط في كل منها (بالنسبة للفترة ما بين أبريل ومايو 1973 عندما ساد التوتر على الحدود مع مصر ومع سورية، أنظر شهادة الجنرال العزار (رئيس الأركان) صفحة 3821 : «في تلك الواقعة لم يستدع الاحتياط»، كذلك شهادة الجنرال طال (نائب رئيس الأركان) في صفحة 3074: «جندنا بضع عشرات من جنود الدفاع المدني، 38 شخصا»). وقد وجدنا ان ظاهرة (الصراخ) «ذئب .. ذئب» لم يكن لها أساس ولا أصل في تجارب الماضي وما كان يجب ان تقلق شعبة الاستخبارات العسكرية عندما يعطي تقديراته بخصوص خطر نشوب الحرب في الأسبوع الأول من أكتوبر 1973.
http://group73historians.com/ref/129-الوثائق-الإسرائيلية-الحلقة-السابعة-عشرة.html