ستظل حرب أكتوبر موضوعاً غنياً للكتابة عشرات السنين .. وستبقي أحداث هذه المعركة علامات يقف أمامها التاريخ طويلاً ، وقد كتبت الكثير من الكتابات العديدة حول حرب أكتوبر ، ولكن يبقي العمل الصحفي رائد يسبق كل هذا ويمهد له ويغذيه وأن بقي بعد ذلك من نتاج أكتوبر الوقت الكافي للدرس والفحص والحبكة والتعليق .
فكاتب هذا الموضوع وهو المراسل صلاح قبضايا كان له حظ الاشتراك في التغطية الصحفية لمعركة العبور وجمع ملاحظاته السريعة من أرض المعركة فنقل صورة صحفية لتطورات المعركة ، فقد بدأت مهمته بينما تدور حرب الاستنزاف غربي القناة ، وكان يزور المواقع ويلتقي بالأبطال ليسجل قصصهم ويدون كلماتهم ، فقد سنحت له الفرصة بالتنقل بين المواقع والوحدات والتشكيلات لجمع احاديث الأبطال وللتشابك الخيوط وتروي في النهاية قصة أول هزيمة في تاريخ إسرائيل ، وبدأ حديث الأبطال عندما عبرت طائرتنا قناة السويس لتوجه ضربة قوية مفاجئة ومركزة إلي أهداف العدو في سيناء ... بينما ساعة العمليات تشير لحظاتها إلي الساعة 1405 الثانية وخمس دقائق بعد الظهر .. ونترك الأبطال يرون قصصهم .. ولنسمع أول مرة أبطال أكتوبر يتحدثون ..
طائرات فوق ام خشيب
التقينا بصديقي الطيار الذي أعرفه منذ 12 عام وهو قائد قاذفة القنابل النفاثة التي تنطلق من قاعدة غرب القاهرة الجوية الذي تعرفت عليه عندما كنت اقوم بإعداد تحقيق صحفي عن القاذفات المصرية من طراز تيبلوف ( ت ي 16 – ذات المدي البعيد ) .
أصبح أنيس بطلاً من أبطال حرب أكتوبر ، وروي لي تفاصيل العمليات المثيرة التي اشترك بها .
قلت له انا اعمل محرر عسكري منذ 20 عام واعترف انني لم أكن اعرف أن في هذه المنطقة قاعدة جوية ، فرد علي أن هذه القاعدة واحدة من قواعد جوية أنشئت قبل معركة أكتوبر ولم تستخدم الا حانت ساعة الصفر . إن المطار لا يمكن أن يظل سراً لان أمره ينكشف مع أول طائرة تقلع منه أو تهبط فيه ..
ومع ذلك فإن وسائل الاستطلاع التكنولوجية والالكترونية سهلت اكتشاف المطارات بسرعة ودقة ، ولهذا فإن السر الذي يمكن الاحتفاظ به هو مقدار القوة الجوية التي تستخدم في هذه القاعدة ومكان القاعدة التبادلية في خطة العمليات والنية المبيته في هذا الاستخدام وهدفها .
المهم انه ما كان يدور حول هذه القاعدة سراً صغيراً او كبيراً استطعنا الاحتفاظ به في أضيق الحدود ..
(( ملاحظه من المجموعه 73 مؤرخين – لو كان الحوار يدور حول قاعده غرب القاهره الجويه فهي قاعده عامله قبل نكسه 67 وتم مهاجمتها خلال النكسه وتعطيل ممراتها ، ولا يمكن بأي حال من الاحوال اعتبارها مفاجأه للعدو نظرا لتواجد اسراب القاذفات في قاعدتي جناكليس وغرب القاهره وتم استطلاعهم جوا من العدو الاسرائيلي عده مرات ويعرف العدو تماما مكان تواجد القاذفات المصريه ))
وقد انطلقنا من هذه القاعدة ضمن اول موجه من طائرتنا لتهاجم مواقع العدو وقواعده الجوية ومراكز سيطرته في سيناء وعدنا الي القاعدة ليبدأ الفنيون في إعادة ملء الطائرات .
وما زال كما يحكي البطل أنيس هتاف الله أكبر الذي قوبل به الخبر يدوي في أذني فلن اتساه ابداً ، يوم أن حطم الرجال الأرقام العالية في سرعة إعادة الملء وحطموا الرقم الاسرائيلي الذي كان العدو يزهو به ، وهنا في هذه القاعدة تم إعداد الطائرات للطلعات التالية وتزويدها بالذخائر والوقود وباقي التجهيزات في ثلثي الوقت القياسي الاسرائيلي وهو نصف الرقم العالمي المسجل لإعادة الملء .
وبعد عشرات الأسئلة التي وجهت لبطل القاذفات فروي تفاصيل قصة مثير ة .
(( كنا نعيش داخل القاعدة قبل بدء المعركة بخمس أيام ، لم يغادر احد منا القاعدة .. ولم نكن نعرف الساعة المحددة للعمليات ولكننا نعرف أن الوقت قد حان ، وكنا قد أتممنا جميع مراحل الاعداد والتلقين علي اساس الاشتراك في المناورات السنوية حيث تتم عدة عمليات للأسلحة المشتركة تقوم القوات الجوية فيها بدور رئيسي وعندما كنا نتلقى التلقين للطلعات المختلفة لم نكن نعرف أن اليوم هو ي – 5 ( ناقص 5 يعني قبل موعد المعركة بخمسة أيام – وكان العد التنازلي للمعركة قد بدأ ))
وبالنسبة لقصة العد التنازلي فإن درجة استعداد القوات المسلحة قد رفعت الي الحد الأقصى من الساعة الثامنة صباح يوم الأثنين من اول أكتوبر ن وطبقاً لحالة الاستعداد القصوى فقد تواجد جميع القيادات علي اختلاف مستوياتها في مراكز القيادة والسيطرة وعرف انه لتنفيذ مشروع استراتيجي تعبوي تدريبي وهو ما يعرف خارج الوسط العسكري بانه مناورات شاملة لكل وحدات القوات المسلحة .
وكنا في هذه القاعدة مثلما في سائر القواعد الجوية ن تقوم بالمهام الروتينية العادية التي نقوم بها في الأيام العادية ، ومنها الدوريات والطلعات الروتينية ، وفي هذا الجو تلقي قائد القاعدة - وقادة القواعد المختلفة والقادة المختصون تعليمات القيادة العامة التي تحدد التوقيتات الرئيسية لبداية العمليات الهجومية .. مع تعليمات صريحة بمراعاة سرية النوايا وطبقاً لهذه التعليمات والتوقيتات كانت الساعة المحددة لتمام الاستعداد الكامل هي الساعة السادسة صباح يوم الجمعة 5 أكتوبر 1973 ..
وفي ذلك اليوم بدأت المعركة بالنسبة لنا نحن الطيارين لقد فتح الدولاب السري في الغرفة الخاصة بالقاعدة واخرجت الوثائق والخرائط الخاصة بالعمليات لتأخذ مكانها في غرفة التلقين منشورة امام أعيننا بدلاً من خرائط ووثائق المشروع التدريبي التي كانت موضوعة هناك .
وكان أول امر نتلقاه هو ضبط ساعاتنا جميعاً طبقاً لتوقيت واحد ولأقرب ثانية علي أن يكون ضبط الساعات جميعاً علي اشارة ضبط الوقت التي ستذاع من اذاعة القاهرة -- البرنامج العام في تمام الساعة الثانية عشر ظهر السبت 6 أكتوبر ..
وعرفنا بعد ذلك أن ضبط الساعة الرئيسية للعمليات في كل من مصر وسورية تم علي هذه الاشارات في تلك اللحظة وطبقاً لتعليمات العمليات كان علي ان أكون ضمن أول طلعة طيران في هذه المعركة العظيمة لاشترك بطائرتي في توجيه ضربة جوية مفاجئة ومركزة ضد أهداف العدو ، وكان لابد أن تعبر جميع الطائرات قناة السويس متجهة شرقاً الي أهدافها في تمام الساعة 1405 أي الثانية وخمس دقائق بعد الظهر ، وأعلن التلقين النهائي للعمليات ان س = 1400 ، ي = 6 أكتوبر أي ان ساعة الصفر هي الثانية بعد ظهر السبت 6 اكتوبر
وبعد هذه الساعة بخمس دقائق كانت 200 طائرة مصرية تعبر قناة السويس لتوجيه الضربة الجوية المفاجئة .
ويلتقط الطيار وجدي ليشرح اهمية التوقيتات بالنسبة لهذه العملية . ويقول بطل أكتوبر ان الطائرات المصرية والسورية قد قامت في وقت واحد بضرب أهداف العدو في سيناء والجولان .
ومهاجمة مطاراته وقواعده الجوية ومراكز سيطرته في الجبهتين في لحظة واحدة حتي يمكن لعنصر المفاجأة ان يلعب دوره وقد نجحنا في ذلك تماماً وكانت خسائرنا أقل بكثير من خسائر العدو .
وفي مقابل ذلك قمنا بضرب وتدمير ثلاث قواعد جوية للعدو في سيناء وهي المليز وتماده والقاعدة الرئيسية في العريش .
(( ملاحظه من المجموعه 73 مؤرخين – لم يتم مهاجمه او تعطيل مطار العريش طوال الحرب وحدثت محاوله فقط بسرب الميراج 5 المتمركز في قاعده طنطا تحت رقم السرب 69 وفشلت الطائرات في الوصول للمطار خلال حرب اكتوبر ))
وقامت اسراب طائرتنا من القاذفات والقاذفات المقاتلة من تدمير عشرة مواقع صواريخ اسرائيلية من طراز هوك أرض – جو وهي صواريخ مضادة للطائرات مما اتاح لنا المزيد من المرونة وحرية الحركة خلال الطلعات التالية .
وخلال تلك الطلعات والغارات الجوية المصرية في اليوم الأول علي سيناء استطاعت طائرتنا ان تدمر للعدو موقعي مدفعية بعيدة المدي وثلاث مناطق شئون إدارية ومحطات الرادار الاسرائيلية وربما كان اهم هدف اصابته غاراتنا علي سيناء هو مراكز القيادة والسيطرة الجوية للعدو في سيناء في جبل يعلق وام مرجم وام خشيب ، بل وبالذات وبصفة خاصة مركز الاعاقة الالكترونية ( الشوشرة ) في ام خشيب ..
هناك قرب وادي الجدي وبالتحديد عند جبل ام خشيب كان العدو قد اقام مركزاً الكترونياً للإعاقة او ما يعرف بالشوشرة علي اجهزتنا الالكترونية وراداراتنا .. ولم ننس أن العدو استفاد كثيراً من هذه الوسائل خلال معركة 67 وقد ضمت منطقة جبل ام خشيب احدث وارقي ما وصل غليه العلم الحديث من وسائل الاعاقة الالكترونية بالإضافة الي اجهزة خاصة امريكية الصنع مخصصة لتضليل الطائرات وبث أهداف وهمية في الجو لإرباك الرادارات ن وكان العدو يمنع تحليق الطائرات فوق هذا المركز اليكتروني الخطير ..
ولكن في يوم 6 أكتوبر كانت هناك طائرات فوق ام خشيب طائرات مصرية غي مضللة وتعرف هدفها جيداً ، وقصفت هذه الطائرات ام خشيب بجميع انواع القنابل ودمرتها حتي ان العدو ظل غير قادر علي استخدامها بعد ذلك وحتي وقف اطلاق النار . حيث كانت قاذفاتنا المقاتلة تقوم ما بين ثلاث وأربع طلعات طيران علي نفس الهدف ، وتم بعد ذلك توجيه عدة غارات جوية اخري الي الاهداف الاسرائيلية شرق القناة كما تم قصف الطائرات التي حاول العدو استخدامها ، واستخدمت في ذات الوقت و لأول مرة بتاريخ الحروب الصواريخ الموجهة أرض – أرض في ضرب الاهداف المعادية في عمق سيناء ، وكان مكملاً لدور القوات الجوية المصرية في اعماق سيناء بالقاذفات والقاذفات المقاتلة .
حيث فوجئ العدو بالصواريخ المصرية تصيب اهدافها بدقة بالغة وتدمر له حشود المدرعة في الطاسة ومتلا وام مرجم .. وتعيد ضرب ام خشيب .
واعلن العدو انه فوجئ باستخدام هذا السلاح ، ويمكن أن ننقل ما نشره العدو دون أن نؤكد أو نصحح ما جاء بتعليقاته .
(( استخدمت القوات العربية أسلحة حديثة لم يسبق استخدامها في الحروب من قبل وتأتي في مقدمة هذه الأسلحة الصواريخ أرض – أرض واستخدمت علي الجبهتين المصرية والسورية ، وبدأت سورية باستخدام صواريخ من طراز فروج 7 التي أصابت أهدافاً اسرائيلية مباشرة ، ويبلغ مدي هذا الصاروخ 70 كيلو متر ويحمل رأساً متفجرة يزن 250 كيلو جرام .. الا ان القوات المصرية حققت مفاجأة باستخدام صواريخ من طراز سكود يزيد مداه عن 200 كيلو متر ويصل الي 300 كيلو متر ويحمل راساً متفجرة يزيد وزنه عن ضعف ووزن الصاروخ الأول وهو يعمل بالوقود السائل ويستخدم في ضرب المدن والحشود والمعسكرات الموجودة في العمق كما استخدمته مصر في ضرب المطارات ))
وتعيدنا تلك الكلمات الي سؤال وجهته الي ابطال حرب أكتوبر ، ما معني أن للسلاح قيمته الأولي ؟
وتأتي الإجابة من قاعدة القاذفات المصرية عندما يروي البطل عثمان أحداث الأيام التي سبقت المعركة ..
لقد طورنا الطائرات المصرية وزودنا طائرتنا بتجهيزات ومعدات لم تكن في تصميمها الأولي ( الأصلي ) بحيث تناسب الدور الذي تقوم به والواجب الذي تخصص له مما يضاعف من كفاءتها ويزيد من تأثير عملياتها.. وقد اعد رجال القوات الجوية قبل المعركة بالتعاون مع خبراء سلاح المهندسين واجهزة المعلومات ووحدات الاستطلاع ميادين تدريب صغيرة علي شكل نماذج كبيرة (ماكتات ) تماثل تماماً القواعد الجوية المعادية واهداف العدو التي ستقوم بمهاجمتها كذلك زودت بماكثات لنماذج لمعدات واسلحة العدو التي سنتعامل معها ، وفي ميادين التدريب هذه كان الطيارون يتدربون علي عمليات الدخول والاغارة علي هذه الاهداف واتجاه دخول الطيارات والسرعات المحددة لكل مرحلة والارتفاعات المتغيرة خلال الدخول والانقضاض والقصف والتخلص والعودة الي غير ذلك من التفاصيل الدقيقة لكل عملية
وخلال مراحل التدريب للضربة الجوية كان الطيارون يواجهون صعوبات ومشاكل عديدة ومتجددة ورغم أي شيء واجهنا كل نقص وضاعفنا ساعات التدريب ووضع في الاعتبار عنصر الاقتصاد في القوي والتكاليف .
وخلال مراحل التدريب أيضاً اشتركت طائرتنا في المشروعات و البيانات التدريبية علي معارك الاسلحة المشتركة ، وقامت فيها القوات الجوية من مقاتلات وقاذفات مقاتلة بعمليات مشتركة مع القوات المدرعة لتدعيم وحدات مدرعة في عملياتها الهجومية التصادمية وكذلك معاونتها في عمليات الاختراق والتقدم المدرع .
وهكذا كان الرجل المصري خلف السلاح ليكون السلاح بالرجل وليس قيمة الرجل السلاح ن ونماذج بعد ذلك كثيرة جدا بعد بدء العمليات تضم قصصاً عديدة ومثيرة ..
فبعد توجيه الضربة الجوية المفاجئة والمركزة ظهر اليوم الأول للعمليات ، كان علي الطيارين المصريين ان يكرروا هجماتهم الجوية عدة مرات علي نفس الأهداف وعلي أهداف أخري ، وقد تكررت تلك الهجمات بعد عدة أيام من بدء العمليات ولكن بصورة اقل مما حدث باليوم الأول ، وكانت لهدف تعطيل قواعد العدو واستغلال ارتباكه وتقديم المعاونة الجوية لقواتنا البرية والبحرية .. فخلال تلك الفترة كان سرب من طائرتنا يهاجم القاعدة الجوية الرئيسية للعدو في سيناء .
وخلال تلك عمليات القصف أصيبت طائرة من طائرتنا وكان علي الطيار أحمد أن يتخلص من المعركة في حماية باقي طائرات التشكيل ليتجه الي الغرب محاولاً الهبوط او قافزاً بمظلته الواقية – طبقاً لنوع ومدي الإصابة التي لحقت بطائرته . . لكنه لم يفعل لقد علا صوته عبر جهاز اللاسلكي يبلغ عن اصابة طائرته ولم ينتظر ارشادات أو اوامر ولكنه أعقب ذلك بصيحات شجاعة (( الله أكبر .. الله أكبر )) واتجه بطائرته المصابة الي ارض القاعدة الجوية المعادية حيث كانت هناك خمس طائرات للعدو ليصطدم بها البطل الشهيد ويستشهد بين حطام طائرات العدو وكان نتيجة هذه الإغارة الجوية المصرية علي هذا المطار أن العدو ظل اربعة أيام كاملة غير قادر علي استخدامه .
وهناك قصة أخري ولكن بطلها صمم علي أن يذكر أسمه او التصريح بأمره ، رغم أننا كلنا نعرف قصته ، فقد اصيب في الأيام الأولي للعمليات بأعراض مرض في معدته يمنعه من الاشتراك في المعركة او الصعود بطائرته . وجاء الطبيب وقرر له أجازه مرضية وأشر بذلك علي أوراقه الا انه استطاع ان يخفي تماماً وظل مشاركاً في العمليات الي أن أنكشف أمره ومنع من الطيران بالأمر .. وبكي يومها لأول مرة في حياته ..
وخلال هذه المرحلة من العمليات ضرب الطيارون المصريون جميع الأرقام العالمية في ساعات الطيران .. وبلغ عدد طلعات الطيارون 6 طلعات وهي بالحروف حتي لا يختلط الأمر علي القارئ ست طلعات قتال في اليوم الواحد للطيار الواحد .. وهذا يعتبر رقم أسطوري ..
والأكثر غرابة من هذا وهو ما أكده الفريق حسني مبارك قائد القوات الجوية – انه خلال أحدي المعارك الجوية
كان يتم اعادة ملء الطائرة والطيار داخلها - ودون ان يخرج من طائرته - وينطلق للاشتراك في المعركة مرة أخري ..
وهذا المر حدث خلال حلاب اكتوبر لأول مرة في تاريخ الطيران الحربي في العالم .وكذلك فقد تم تسجيل الرقم القياسي المصري في إعادة الملء ليكون اقل رقم في العالم وهو بالتحديد اقل من 5 دقائق و 40 ثانية لإعادة ملء الطائرة ، أي تزويدها بالوقود والكشف علي أجهزتها واختبارها وتزويد تسليحها بالذخيرة والطلقات .. وقد سجل الفنيون والمهندسون في القوات الجوية بهذا الرقم المهل ما يقل عن ثلث الرقم العالمي في إعادة الملء وهو نصف الرقم الذي كانت اسرائيل تتباهي به وتزهو بانها ضربت الرقم العالمي
وبهذه الأعمال البطولية التي أكدت قيمة الرجل بالسلاح وليس قيمة السلاح بالرجل – تمكنت طائرتنا من ان تضرب اهداف العدو في سيناء وأبرزها مطاراته ومواقع دفاعه الجوي ومراكز قيادته وتشويشه وسيطرته الجوية ومواقع مدفعيته بعيدة المدي وبعض مناطق شئونه الادارية لتشمل هذه العمليات مناطق الحسنة وجبل يعلق وجبل المغارة وام مرجم وأم خشيب وجبل سحابه وراس سدر وقلعة الجندي ، بالإضافة الي حشوده المدرعة شرق رمانه وفي جبل الجدي ...
وقد كان لنجاح الضربة الجوية المفاجئة الناجحة اثرها الكبير في انعدام خسائرنا تقريباً خلال عمليات العبور التي وفرت لها عملياتنا الجوية قدراً بالغاً من التأمين ..
ونترك الموجة الاولي من قواتنا تعبر القناة بعد 15 دقيقة من بدء الضربة الجوية وتحت ستر نيران كثيفة من مدفعيتنا ، لنعود الي قاعدة جوية وهي احدي قواعد المقاتلات المصرية لنعيش مع ابطالها ومع طائرات الميج 21 أياماً سيظل التاريخ يذكرها .
في قاعدة المقاتلات عشرات من الأبطال .. يعيش بعضهم فوق الأرض ويعمل اخرون تحت الأرض ويحلق الطيارون منهم فوق السحاب
وألتقي بالمقاتل نبيل واعيش معه ومع المقاتل طيار فريد وعشرات الأبطال الذينيملئون القاعدة ....قصة أطول معارك القتال الجوي.. لقد جاء دور المقاتل الجوي بطائرته الميج 17 او ميج 21 بعد بدء العمليات ونجاح العبور ..
ففي حرب أكتوبر شاهدنا معارك جوية طويلة بلغ أحداها 50 دقيقة واشتركت فيها 70 طائرة مصرية من قواعد جوية متعددة ..
وتعود احداث تلك المعركة الي اول ضوء من فجر يوم الحد السابع من اكتوبر .
كان قيادة العدو قد اتجهت كرد فعل مباشر وسريع للصدمة الي محاولة توجيه ضربة جوية الي مطارتنا لإخراج القوات الجوية المصرية من المعركة ولتوفير إمكانيات انفراد قواته الجوية بسماء المعركة للاستفادة من عنصر التفوق الجوي الذي كان العدو يتمتع به .
وكانت المحاولة مع فجر يوم 7 من أكتوبر عندما هاجمت الطائرات الاسرائيلية 7 مطارات مصرية في وقت واحد مستخدمة اسراب طائرات الفانتوم الشهيرة وكذلك تشكيلات من سكاي هوك
ولم يكن الهجوم الجوي الاسرائيلي بالطبع يتمتع بأي نوع من المفاجأة ..لقد كانت طائرتنا في الجو تحول هذا الهجوم الي معارك جوية .. وفي بعض الأحيان ينجح العدو في الوصول الي المطار المصري وقصفه ولكنه كان دائماً يواجه طائرتنا بعد ذلك خلال رحلة العودة .. وفي معظم الأحيان كان الاعتراض الجوي من طائرتنا يحول بين الطائرات المهاجمة وهدفها ..
وقد كانت للأعمال الباهرة التي أنجزتها القوات المسلحة قبل المعركة أثرها البالغ حيث أقامت شبكة هائلة من المطارات في كافة انحاء مصر لتستوعب تشكيلات القوات الجوية وتشكيل قواعد تبادلية جاهزة لها وبالتالي تظل قادرة علي القيام بالمهام الخطيرة والعديدة التي كلفت بها القوات الجوية .. كما وفر سلاح المهندسين حماية ضخمة ومتجددة لهذه القواعد ..
ولكن العدو – وقد تاه وسط هذه الشبكة الضخمة من المطارات - ركز علي محاولة ضرب عشرة مطارات مصرية هي بالتحديد بير عريضة ، وبني سويف ، وقويسنا ، وأبو حماد ، وشبراخيت ، وطنطا ، والمنصورة ، وجناكليس ، والقطامية ، والصالحية .
وفي اليوم الأول للهجوم الجوي الاسرائيلي المضاد ، حاول العدو مهاجمة 7 مطارات من المطارات العشر هذه ، وكان ذلك فجر السابع من اكتوبر . وتحولت محاولة العدو الهجومية الي معارك جوية فوق الدلتا ن وخسر العدو في هذه المعارك 25 طائرة في مقابل 6 طائرات مصرية سقطت خلال تلك المعارك الرهيبة ، وتكررت هذه المعارك الجوية أربعة أيام علي التوالي ..
وكانت بعض طائرات العدو تتمكن من الوصول الي المطار التي تهدف مهاجمته لتصيبة بعملية هجومية (( متعجلة )) يترتب عليها بعض الإصابات المحدودة التي يتم اصلاحها خلال ساعات .
واروع مثل بارز هنا هو قيام العدو بمهاجمة مطار المنصورة خمس مرات بحوالي 66 طلعة طائرة ومهاجمة مطار القطامية ست مرات بحوالي 166 طلعة طائرة ن ومع ذلك فإن مطاري القطامية والمنصورة لم يتعطلا عن الاشتراك في العمليات الجوية يوماً واحداً .. (( ملاحظه من المجموعه 73 مؤرخين – تعطل مطار المنصوره يوم 9 أكتوبر وعاد للعمل من صباح العاشر من اكتوبر وكانت الطائرات من المطارات المختلفه تقوم بالطيران فوق المطار ثم النزول لارتفاع منخفض لايهام رادارات الاسرائيليين بوجود علميات اقلاع وهبوط من هذا المطار ))
وخلال عمليات تصدي المقاتلات المصرية لهجمات العدو الجوية المضادة ، كانت عمليات القوات الجوية في مختلف الميادين مستمرة حيث كانت في ذات الوقت أسراب الطائرات المصرية تضرب احتياطات العدو شرق القناة منذ اليوم الثاني للقتال ، وكانت تقدم معاونة جوية مباشرة للقوات البرية ، غير عشرات الطلعات التي قامت بها اسراب الاستطلاع الجوي .. كما تولت طائرات الهليكوبتر عمليات نقل وابرار وحدات الصاعقة الي أعماق سيناء خلف خطوط العدو واستحكاماته الدفاعية ، بالإضافة الي الجهد الجوي الفذ في منطقة ثغرة الدفرسوار والذي بلغ 2500 طلعة طائرة حمت راس كوبري الجيش الثالث وأسقطت للعدو 22 طائرة وتحملت عمليات امداد الجيش الثالث شرق القناة ..
وخلال أطول عملية جوية والتي استمرت لمدة 50 دقيقة كاملة ، برز الطيار المصري وبطولات رجال القتال الجوي ، ولابد ان نذكر هنا بطولات الرجال الذين يقفون وراء الطيار المقاتل وابرزهم في البداية الموجه الجوي الذي يظل يرشد الطيار ويوجهه الي ان يضعه في انسب وأحسن موقع للمعركة والذي يشكل عيني الطيار قبل ان تظهر امامنا طائرات العدو بالرؤية العادية وكان للدور الكبير الذي قام به الفنيون والمهندسون الفضل قيما حققه رجال القتال الجوي ، ويكفي ما قاموا به بالنسبة لإعادة الملء وهذا ما تعبر عنه الأرقام .
وتوافرت للطيار المقاتل بذلك أسباب التفوق ..
وجاء دوره ليقوم ببطولات فريدة عندما كان يرفض ان يغادر طائرته خلال إعادة الملء ليلحق بها مرة اخري ويشترك في نفس المعركة .. وعندما كانت المعركة الجوية تدور بين طائرتنا وطائرات العدو بمجموع طائرات زاد عن 130 مائة وثلاثون طائرة من الطرفين ، كانت قواعد المقاتلات الجوية تضع لنا في سماء المعركة سبعين طائرة مصرية ,, ودام الاشتباك الرهيب ما يقرب من الساعة أي اكثر من خمسة أضعاف الزمن الذي تستغرقه المعركة الجوية عادة ..
كان تساقط الفانتوم الذي كانت تتمتع بشهرة اسطورية يعطينا دفعة قوية خاصة بعد أن تمكنا في اليوم الأول للقتال الجوي وهو اليوم الثاني للعمليات -- من إسقاط 25 طائرة معادية واكملنا خلال الاسبوع الأول للحرب 3000 ثلاثة الاف طلعة طيران في 7 ايام .
ويقطع صوت الطيار اخر للصمت الذي وجدته مخيماً علي .. حيث سرحت عيناه في الأفق.. ويسألني البطل : فيما تحملق ؟ وبدأت انا أجيب .. لقد تذكرت لقائي بأحد الأسري الإسرائيليين وهو الملازم حاييم كلاي الذي قال لي اته أشترك في معركة جوية قصيرة بين المقاتلات المصرية وطائرات الفانتوم .. وشاهد الطائرات المصرية تسيطر علي السماء ، وثلاث طائرات فانتوم اسرائيلية تسقط ثم قال (( أنني لم اكن أتصور ان الطائرات المصرية قادرة علي مهاجمة طائرتنا ولكنني أيقنت ان سلاح الطيران المصري علي أعلي مستوي .. لقد كنا في وهم )) .
وعدت أسال من جديد في محاولة لاستعادة المبادأة .. وكان سؤالي عن قصة المعركة الجوية التي دارت فوق بورسعيد بين الطائرات الاسرائيلية والطائرات الاسرائيلية – أي بين طائرات العدو بعضها البعض ..
كان ذلك عقب تحذير وجهه الجنرال بنيامين بيليد قائد القوات الجوية الاسرائيلية إلي الطيارين الإسرائيليين والقواعد الجوية قال فيه ان اجهزة المعلومات الاسرائيلية قد توصلت الي ان مصر لديها طائرات من طراز ميراج الفرنسية الصنع ، وان مصر ستقوم باستخدامها في المعارك الجوية ، وان مصر ستقوم بطلاء هذه الطائرات باللون المستخدم بسلاح الجو الاسرائيلي ، وان تضع عليها علامات اسرائيلية ونجمة سداسية مما يحبس عنها جميع انواع النيران المصرية والاسرائيلية علي السواء ، وبالتالي فإنها تستطيع ان تنزل كارثة عسكرية بالمواقع او الطائرات الاسرائيلية .
وتلقي طيارو الميراج من الإسرائيليين هذا التحذير بنوع خاص مع التأكيد عليهم بتجنب الوقوع في خديعة مصرية ..
ثم اشتركت بعد ذلك طائرات الميراج الاسرائيلية في عملية هجومية سريعة علي القطاع الشمالي من الجب,وانقسمت الطائرات الاسرائيلية الي قسمين أحداهما حماية الأخر وبدأ القسم الأول في مهاجمة الهدف .. وكان واضحاً منذ البداية ان الخوف يسيطر علي الطيارين الإسرائيليين نتيجة تزايد سقوط الطائرات الاسرائيلية بفعل صواريخ الدفاع الجوي ونتيجة المعارك الجوية العنيفة التي تفوقت فيها المقاتلات الاعتراضية المصرية ، وعندما انطلقت النيران المصرية في مواجهة الطائرات الاسرائيلية اتجهت هذه الطائرات بسرعة هرباً من النيران .. وجاء انسحابها في ارتباك وعجلة ، بحيث غيرت كثيراً من ارتفاعها .
وفوجئت باقي الطائرات الاسرائيلية (( ميراج )) بطائرات اخري ميراج تأتي مبكراً جداً عن اللحظة المناسبة وعلي ارتفاع مختلف تماماً ، فاطلقت عليها صواريخها ورشاشاتها .. بينما رات الطائرات الولي نفسها عرضة لهجوم جوي معاد ..
ودارت المعركة بين الطائرات الاسرائيلية بعضها البعض للحظات وسقط من التشكيل 4 طائرات ميراج ..
وكان اول بلاغ عن هذه المعركة يخرج من قائد التشكيل ليبلغ قيادته عن نشوب معركة جوية عند بورسعيد وعن قيام تشكيلة بأسقاط طائرتين مصريتين ن، وعن إصابة طائرتين من التشكيل ..
وصدر من تل أبيب عن هذه المعركة بيان عسكري ذكر فيه ان الطائرات الاسرائيلية قد اسقطت طائرتين مصريتين في معركة جوية ، ولم يذكر البيان شيئاً عن خسائر اسرائيل الذي لابد انهم اكتشفوا بعد ذلك أنها بلغت 4 طائرات .. اما بالنسبة للطائرات المصرية فلم يكن لها وجود في سماء المعركة ..
وستظل هذه الحكاية هي النكتة المضلة عند أبطال القاعدة من الطيارين ..
http://group73historians.com/حرب-أكتوبر/826-اسرار-القاذفات-في-حرب-اكتوبر.html
فكاتب هذا الموضوع وهو المراسل صلاح قبضايا كان له حظ الاشتراك في التغطية الصحفية لمعركة العبور وجمع ملاحظاته السريعة من أرض المعركة فنقل صورة صحفية لتطورات المعركة ، فقد بدأت مهمته بينما تدور حرب الاستنزاف غربي القناة ، وكان يزور المواقع ويلتقي بالأبطال ليسجل قصصهم ويدون كلماتهم ، فقد سنحت له الفرصة بالتنقل بين المواقع والوحدات والتشكيلات لجمع احاديث الأبطال وللتشابك الخيوط وتروي في النهاية قصة أول هزيمة في تاريخ إسرائيل ، وبدأ حديث الأبطال عندما عبرت طائرتنا قناة السويس لتوجه ضربة قوية مفاجئة ومركزة إلي أهداف العدو في سيناء ... بينما ساعة العمليات تشير لحظاتها إلي الساعة 1405 الثانية وخمس دقائق بعد الظهر .. ونترك الأبطال يرون قصصهم .. ولنسمع أول مرة أبطال أكتوبر يتحدثون ..
طائرات فوق ام خشيب
التقينا بصديقي الطيار الذي أعرفه منذ 12 عام وهو قائد قاذفة القنابل النفاثة التي تنطلق من قاعدة غرب القاهرة الجوية الذي تعرفت عليه عندما كنت اقوم بإعداد تحقيق صحفي عن القاذفات المصرية من طراز تيبلوف ( ت ي 16 – ذات المدي البعيد ) .
أصبح أنيس بطلاً من أبطال حرب أكتوبر ، وروي لي تفاصيل العمليات المثيرة التي اشترك بها .
قلت له انا اعمل محرر عسكري منذ 20 عام واعترف انني لم أكن اعرف أن في هذه المنطقة قاعدة جوية ، فرد علي أن هذه القاعدة واحدة من قواعد جوية أنشئت قبل معركة أكتوبر ولم تستخدم الا حانت ساعة الصفر . إن المطار لا يمكن أن يظل سراً لان أمره ينكشف مع أول طائرة تقلع منه أو تهبط فيه ..
ومع ذلك فإن وسائل الاستطلاع التكنولوجية والالكترونية سهلت اكتشاف المطارات بسرعة ودقة ، ولهذا فإن السر الذي يمكن الاحتفاظ به هو مقدار القوة الجوية التي تستخدم في هذه القاعدة ومكان القاعدة التبادلية في خطة العمليات والنية المبيته في هذا الاستخدام وهدفها .
المهم انه ما كان يدور حول هذه القاعدة سراً صغيراً او كبيراً استطعنا الاحتفاظ به في أضيق الحدود ..
(( ملاحظه من المجموعه 73 مؤرخين – لو كان الحوار يدور حول قاعده غرب القاهره الجويه فهي قاعده عامله قبل نكسه 67 وتم مهاجمتها خلال النكسه وتعطيل ممراتها ، ولا يمكن بأي حال من الاحوال اعتبارها مفاجأه للعدو نظرا لتواجد اسراب القاذفات في قاعدتي جناكليس وغرب القاهره وتم استطلاعهم جوا من العدو الاسرائيلي عده مرات ويعرف العدو تماما مكان تواجد القاذفات المصريه ))
وقد انطلقنا من هذه القاعدة ضمن اول موجه من طائرتنا لتهاجم مواقع العدو وقواعده الجوية ومراكز سيطرته في سيناء وعدنا الي القاعدة ليبدأ الفنيون في إعادة ملء الطائرات .
وما زال كما يحكي البطل أنيس هتاف الله أكبر الذي قوبل به الخبر يدوي في أذني فلن اتساه ابداً ، يوم أن حطم الرجال الأرقام العالية في سرعة إعادة الملء وحطموا الرقم الاسرائيلي الذي كان العدو يزهو به ، وهنا في هذه القاعدة تم إعداد الطائرات للطلعات التالية وتزويدها بالذخائر والوقود وباقي التجهيزات في ثلثي الوقت القياسي الاسرائيلي وهو نصف الرقم العالمي المسجل لإعادة الملء .
وبعد عشرات الأسئلة التي وجهت لبطل القاذفات فروي تفاصيل قصة مثير ة .
(( كنا نعيش داخل القاعدة قبل بدء المعركة بخمس أيام ، لم يغادر احد منا القاعدة .. ولم نكن نعرف الساعة المحددة للعمليات ولكننا نعرف أن الوقت قد حان ، وكنا قد أتممنا جميع مراحل الاعداد والتلقين علي اساس الاشتراك في المناورات السنوية حيث تتم عدة عمليات للأسلحة المشتركة تقوم القوات الجوية فيها بدور رئيسي وعندما كنا نتلقى التلقين للطلعات المختلفة لم نكن نعرف أن اليوم هو ي – 5 ( ناقص 5 يعني قبل موعد المعركة بخمسة أيام – وكان العد التنازلي للمعركة قد بدأ ))
وبالنسبة لقصة العد التنازلي فإن درجة استعداد القوات المسلحة قد رفعت الي الحد الأقصى من الساعة الثامنة صباح يوم الأثنين من اول أكتوبر ن وطبقاً لحالة الاستعداد القصوى فقد تواجد جميع القيادات علي اختلاف مستوياتها في مراكز القيادة والسيطرة وعرف انه لتنفيذ مشروع استراتيجي تعبوي تدريبي وهو ما يعرف خارج الوسط العسكري بانه مناورات شاملة لكل وحدات القوات المسلحة .
وكنا في هذه القاعدة مثلما في سائر القواعد الجوية ن تقوم بالمهام الروتينية العادية التي نقوم بها في الأيام العادية ، ومنها الدوريات والطلعات الروتينية ، وفي هذا الجو تلقي قائد القاعدة - وقادة القواعد المختلفة والقادة المختصون تعليمات القيادة العامة التي تحدد التوقيتات الرئيسية لبداية العمليات الهجومية .. مع تعليمات صريحة بمراعاة سرية النوايا وطبقاً لهذه التعليمات والتوقيتات كانت الساعة المحددة لتمام الاستعداد الكامل هي الساعة السادسة صباح يوم الجمعة 5 أكتوبر 1973 ..
وفي ذلك اليوم بدأت المعركة بالنسبة لنا نحن الطيارين لقد فتح الدولاب السري في الغرفة الخاصة بالقاعدة واخرجت الوثائق والخرائط الخاصة بالعمليات لتأخذ مكانها في غرفة التلقين منشورة امام أعيننا بدلاً من خرائط ووثائق المشروع التدريبي التي كانت موضوعة هناك .
وكان أول امر نتلقاه هو ضبط ساعاتنا جميعاً طبقاً لتوقيت واحد ولأقرب ثانية علي أن يكون ضبط الساعات جميعاً علي اشارة ضبط الوقت التي ستذاع من اذاعة القاهرة -- البرنامج العام في تمام الساعة الثانية عشر ظهر السبت 6 أكتوبر ..
وعرفنا بعد ذلك أن ضبط الساعة الرئيسية للعمليات في كل من مصر وسورية تم علي هذه الاشارات في تلك اللحظة وطبقاً لتعليمات العمليات كان علي ان أكون ضمن أول طلعة طيران في هذه المعركة العظيمة لاشترك بطائرتي في توجيه ضربة جوية مفاجئة ومركزة ضد أهداف العدو ، وكان لابد أن تعبر جميع الطائرات قناة السويس متجهة شرقاً الي أهدافها في تمام الساعة 1405 أي الثانية وخمس دقائق بعد الظهر ، وأعلن التلقين النهائي للعمليات ان س = 1400 ، ي = 6 أكتوبر أي ان ساعة الصفر هي الثانية بعد ظهر السبت 6 اكتوبر
وبعد هذه الساعة بخمس دقائق كانت 200 طائرة مصرية تعبر قناة السويس لتوجيه الضربة الجوية المفاجئة .
ويلتقط الطيار وجدي ليشرح اهمية التوقيتات بالنسبة لهذه العملية . ويقول بطل أكتوبر ان الطائرات المصرية والسورية قد قامت في وقت واحد بضرب أهداف العدو في سيناء والجولان .
ومهاجمة مطاراته وقواعده الجوية ومراكز سيطرته في الجبهتين في لحظة واحدة حتي يمكن لعنصر المفاجأة ان يلعب دوره وقد نجحنا في ذلك تماماً وكانت خسائرنا أقل بكثير من خسائر العدو .
وفي مقابل ذلك قمنا بضرب وتدمير ثلاث قواعد جوية للعدو في سيناء وهي المليز وتماده والقاعدة الرئيسية في العريش .
(( ملاحظه من المجموعه 73 مؤرخين – لم يتم مهاجمه او تعطيل مطار العريش طوال الحرب وحدثت محاوله فقط بسرب الميراج 5 المتمركز في قاعده طنطا تحت رقم السرب 69 وفشلت الطائرات في الوصول للمطار خلال حرب اكتوبر ))
وقامت اسراب طائرتنا من القاذفات والقاذفات المقاتلة من تدمير عشرة مواقع صواريخ اسرائيلية من طراز هوك أرض – جو وهي صواريخ مضادة للطائرات مما اتاح لنا المزيد من المرونة وحرية الحركة خلال الطلعات التالية .
وخلال تلك الطلعات والغارات الجوية المصرية في اليوم الأول علي سيناء استطاعت طائرتنا ان تدمر للعدو موقعي مدفعية بعيدة المدي وثلاث مناطق شئون إدارية ومحطات الرادار الاسرائيلية وربما كان اهم هدف اصابته غاراتنا علي سيناء هو مراكز القيادة والسيطرة الجوية للعدو في سيناء في جبل يعلق وام مرجم وام خشيب ، بل وبالذات وبصفة خاصة مركز الاعاقة الالكترونية ( الشوشرة ) في ام خشيب ..
هناك قرب وادي الجدي وبالتحديد عند جبل ام خشيب كان العدو قد اقام مركزاً الكترونياً للإعاقة او ما يعرف بالشوشرة علي اجهزتنا الالكترونية وراداراتنا .. ولم ننس أن العدو استفاد كثيراً من هذه الوسائل خلال معركة 67 وقد ضمت منطقة جبل ام خشيب احدث وارقي ما وصل غليه العلم الحديث من وسائل الاعاقة الالكترونية بالإضافة الي اجهزة خاصة امريكية الصنع مخصصة لتضليل الطائرات وبث أهداف وهمية في الجو لإرباك الرادارات ن وكان العدو يمنع تحليق الطائرات فوق هذا المركز اليكتروني الخطير ..
ولكن في يوم 6 أكتوبر كانت هناك طائرات فوق ام خشيب طائرات مصرية غي مضللة وتعرف هدفها جيداً ، وقصفت هذه الطائرات ام خشيب بجميع انواع القنابل ودمرتها حتي ان العدو ظل غير قادر علي استخدامها بعد ذلك وحتي وقف اطلاق النار . حيث كانت قاذفاتنا المقاتلة تقوم ما بين ثلاث وأربع طلعات طيران علي نفس الهدف ، وتم بعد ذلك توجيه عدة غارات جوية اخري الي الاهداف الاسرائيلية شرق القناة كما تم قصف الطائرات التي حاول العدو استخدامها ، واستخدمت في ذات الوقت و لأول مرة بتاريخ الحروب الصواريخ الموجهة أرض – أرض في ضرب الاهداف المعادية في عمق سيناء ، وكان مكملاً لدور القوات الجوية المصرية في اعماق سيناء بالقاذفات والقاذفات المقاتلة .
حيث فوجئ العدو بالصواريخ المصرية تصيب اهدافها بدقة بالغة وتدمر له حشود المدرعة في الطاسة ومتلا وام مرجم .. وتعيد ضرب ام خشيب .
واعلن العدو انه فوجئ باستخدام هذا السلاح ، ويمكن أن ننقل ما نشره العدو دون أن نؤكد أو نصحح ما جاء بتعليقاته .
(( استخدمت القوات العربية أسلحة حديثة لم يسبق استخدامها في الحروب من قبل وتأتي في مقدمة هذه الأسلحة الصواريخ أرض – أرض واستخدمت علي الجبهتين المصرية والسورية ، وبدأت سورية باستخدام صواريخ من طراز فروج 7 التي أصابت أهدافاً اسرائيلية مباشرة ، ويبلغ مدي هذا الصاروخ 70 كيلو متر ويحمل رأساً متفجرة يزن 250 كيلو جرام .. الا ان القوات المصرية حققت مفاجأة باستخدام صواريخ من طراز سكود يزيد مداه عن 200 كيلو متر ويصل الي 300 كيلو متر ويحمل راساً متفجرة يزيد وزنه عن ضعف ووزن الصاروخ الأول وهو يعمل بالوقود السائل ويستخدم في ضرب المدن والحشود والمعسكرات الموجودة في العمق كما استخدمته مصر في ضرب المطارات ))
وتعيدنا تلك الكلمات الي سؤال وجهته الي ابطال حرب أكتوبر ، ما معني أن للسلاح قيمته الأولي ؟
وتأتي الإجابة من قاعدة القاذفات المصرية عندما يروي البطل عثمان أحداث الأيام التي سبقت المعركة ..
لقد طورنا الطائرات المصرية وزودنا طائرتنا بتجهيزات ومعدات لم تكن في تصميمها الأولي ( الأصلي ) بحيث تناسب الدور الذي تقوم به والواجب الذي تخصص له مما يضاعف من كفاءتها ويزيد من تأثير عملياتها.. وقد اعد رجال القوات الجوية قبل المعركة بالتعاون مع خبراء سلاح المهندسين واجهزة المعلومات ووحدات الاستطلاع ميادين تدريب صغيرة علي شكل نماذج كبيرة (ماكتات ) تماثل تماماً القواعد الجوية المعادية واهداف العدو التي ستقوم بمهاجمتها كذلك زودت بماكثات لنماذج لمعدات واسلحة العدو التي سنتعامل معها ، وفي ميادين التدريب هذه كان الطيارون يتدربون علي عمليات الدخول والاغارة علي هذه الاهداف واتجاه دخول الطيارات والسرعات المحددة لكل مرحلة والارتفاعات المتغيرة خلال الدخول والانقضاض والقصف والتخلص والعودة الي غير ذلك من التفاصيل الدقيقة لكل عملية
وخلال مراحل التدريب للضربة الجوية كان الطيارون يواجهون صعوبات ومشاكل عديدة ومتجددة ورغم أي شيء واجهنا كل نقص وضاعفنا ساعات التدريب ووضع في الاعتبار عنصر الاقتصاد في القوي والتكاليف .
وخلال مراحل التدريب أيضاً اشتركت طائرتنا في المشروعات و البيانات التدريبية علي معارك الاسلحة المشتركة ، وقامت فيها القوات الجوية من مقاتلات وقاذفات مقاتلة بعمليات مشتركة مع القوات المدرعة لتدعيم وحدات مدرعة في عملياتها الهجومية التصادمية وكذلك معاونتها في عمليات الاختراق والتقدم المدرع .
وهكذا كان الرجل المصري خلف السلاح ليكون السلاح بالرجل وليس قيمة الرجل السلاح ن ونماذج بعد ذلك كثيرة جدا بعد بدء العمليات تضم قصصاً عديدة ومثيرة ..
فبعد توجيه الضربة الجوية المفاجئة والمركزة ظهر اليوم الأول للعمليات ، كان علي الطيارين المصريين ان يكرروا هجماتهم الجوية عدة مرات علي نفس الأهداف وعلي أهداف أخري ، وقد تكررت تلك الهجمات بعد عدة أيام من بدء العمليات ولكن بصورة اقل مما حدث باليوم الأول ، وكانت لهدف تعطيل قواعد العدو واستغلال ارتباكه وتقديم المعاونة الجوية لقواتنا البرية والبحرية .. فخلال تلك الفترة كان سرب من طائرتنا يهاجم القاعدة الجوية الرئيسية للعدو في سيناء .
وخلال تلك عمليات القصف أصيبت طائرة من طائرتنا وكان علي الطيار أحمد أن يتخلص من المعركة في حماية باقي طائرات التشكيل ليتجه الي الغرب محاولاً الهبوط او قافزاً بمظلته الواقية – طبقاً لنوع ومدي الإصابة التي لحقت بطائرته . . لكنه لم يفعل لقد علا صوته عبر جهاز اللاسلكي يبلغ عن اصابة طائرته ولم ينتظر ارشادات أو اوامر ولكنه أعقب ذلك بصيحات شجاعة (( الله أكبر .. الله أكبر )) واتجه بطائرته المصابة الي ارض القاعدة الجوية المعادية حيث كانت هناك خمس طائرات للعدو ليصطدم بها البطل الشهيد ويستشهد بين حطام طائرات العدو وكان نتيجة هذه الإغارة الجوية المصرية علي هذا المطار أن العدو ظل اربعة أيام كاملة غير قادر علي استخدامه .
وهناك قصة أخري ولكن بطلها صمم علي أن يذكر أسمه او التصريح بأمره ، رغم أننا كلنا نعرف قصته ، فقد اصيب في الأيام الأولي للعمليات بأعراض مرض في معدته يمنعه من الاشتراك في المعركة او الصعود بطائرته . وجاء الطبيب وقرر له أجازه مرضية وأشر بذلك علي أوراقه الا انه استطاع ان يخفي تماماً وظل مشاركاً في العمليات الي أن أنكشف أمره ومنع من الطيران بالأمر .. وبكي يومها لأول مرة في حياته ..
وخلال هذه المرحلة من العمليات ضرب الطيارون المصريون جميع الأرقام العالمية في ساعات الطيران .. وبلغ عدد طلعات الطيارون 6 طلعات وهي بالحروف حتي لا يختلط الأمر علي القارئ ست طلعات قتال في اليوم الواحد للطيار الواحد .. وهذا يعتبر رقم أسطوري ..
والأكثر غرابة من هذا وهو ما أكده الفريق حسني مبارك قائد القوات الجوية – انه خلال أحدي المعارك الجوية
كان يتم اعادة ملء الطائرة والطيار داخلها - ودون ان يخرج من طائرته - وينطلق للاشتراك في المعركة مرة أخري ..
وهذا المر حدث خلال حلاب اكتوبر لأول مرة في تاريخ الطيران الحربي في العالم .وكذلك فقد تم تسجيل الرقم القياسي المصري في إعادة الملء ليكون اقل رقم في العالم وهو بالتحديد اقل من 5 دقائق و 40 ثانية لإعادة ملء الطائرة ، أي تزويدها بالوقود والكشف علي أجهزتها واختبارها وتزويد تسليحها بالذخيرة والطلقات .. وقد سجل الفنيون والمهندسون في القوات الجوية بهذا الرقم المهل ما يقل عن ثلث الرقم العالمي في إعادة الملء وهو نصف الرقم الذي كانت اسرائيل تتباهي به وتزهو بانها ضربت الرقم العالمي
وبهذه الأعمال البطولية التي أكدت قيمة الرجل بالسلاح وليس قيمة السلاح بالرجل – تمكنت طائرتنا من ان تضرب اهداف العدو في سيناء وأبرزها مطاراته ومواقع دفاعه الجوي ومراكز قيادته وتشويشه وسيطرته الجوية ومواقع مدفعيته بعيدة المدي وبعض مناطق شئونه الادارية لتشمل هذه العمليات مناطق الحسنة وجبل يعلق وجبل المغارة وام مرجم وأم خشيب وجبل سحابه وراس سدر وقلعة الجندي ، بالإضافة الي حشوده المدرعة شرق رمانه وفي جبل الجدي ...
وقد كان لنجاح الضربة الجوية المفاجئة الناجحة اثرها الكبير في انعدام خسائرنا تقريباً خلال عمليات العبور التي وفرت لها عملياتنا الجوية قدراً بالغاً من التأمين ..
ونترك الموجة الاولي من قواتنا تعبر القناة بعد 15 دقيقة من بدء الضربة الجوية وتحت ستر نيران كثيفة من مدفعيتنا ، لنعود الي قاعدة جوية وهي احدي قواعد المقاتلات المصرية لنعيش مع ابطالها ومع طائرات الميج 21 أياماً سيظل التاريخ يذكرها .
في قاعدة المقاتلات عشرات من الأبطال .. يعيش بعضهم فوق الأرض ويعمل اخرون تحت الأرض ويحلق الطيارون منهم فوق السحاب
وألتقي بالمقاتل نبيل واعيش معه ومع المقاتل طيار فريد وعشرات الأبطال الذينيملئون القاعدة ....قصة أطول معارك القتال الجوي.. لقد جاء دور المقاتل الجوي بطائرته الميج 17 او ميج 21 بعد بدء العمليات ونجاح العبور ..
ففي حرب أكتوبر شاهدنا معارك جوية طويلة بلغ أحداها 50 دقيقة واشتركت فيها 70 طائرة مصرية من قواعد جوية متعددة ..
وتعود احداث تلك المعركة الي اول ضوء من فجر يوم الحد السابع من اكتوبر .
كان قيادة العدو قد اتجهت كرد فعل مباشر وسريع للصدمة الي محاولة توجيه ضربة جوية الي مطارتنا لإخراج القوات الجوية المصرية من المعركة ولتوفير إمكانيات انفراد قواته الجوية بسماء المعركة للاستفادة من عنصر التفوق الجوي الذي كان العدو يتمتع به .
وكانت المحاولة مع فجر يوم 7 من أكتوبر عندما هاجمت الطائرات الاسرائيلية 7 مطارات مصرية في وقت واحد مستخدمة اسراب طائرات الفانتوم الشهيرة وكذلك تشكيلات من سكاي هوك
ولم يكن الهجوم الجوي الاسرائيلي بالطبع يتمتع بأي نوع من المفاجأة ..لقد كانت طائرتنا في الجو تحول هذا الهجوم الي معارك جوية .. وفي بعض الأحيان ينجح العدو في الوصول الي المطار المصري وقصفه ولكنه كان دائماً يواجه طائرتنا بعد ذلك خلال رحلة العودة .. وفي معظم الأحيان كان الاعتراض الجوي من طائرتنا يحول بين الطائرات المهاجمة وهدفها ..
وقد كانت للأعمال الباهرة التي أنجزتها القوات المسلحة قبل المعركة أثرها البالغ حيث أقامت شبكة هائلة من المطارات في كافة انحاء مصر لتستوعب تشكيلات القوات الجوية وتشكيل قواعد تبادلية جاهزة لها وبالتالي تظل قادرة علي القيام بالمهام الخطيرة والعديدة التي كلفت بها القوات الجوية .. كما وفر سلاح المهندسين حماية ضخمة ومتجددة لهذه القواعد ..
ولكن العدو – وقد تاه وسط هذه الشبكة الضخمة من المطارات - ركز علي محاولة ضرب عشرة مطارات مصرية هي بالتحديد بير عريضة ، وبني سويف ، وقويسنا ، وأبو حماد ، وشبراخيت ، وطنطا ، والمنصورة ، وجناكليس ، والقطامية ، والصالحية .
وفي اليوم الأول للهجوم الجوي الاسرائيلي المضاد ، حاول العدو مهاجمة 7 مطارات من المطارات العشر هذه ، وكان ذلك فجر السابع من اكتوبر . وتحولت محاولة العدو الهجومية الي معارك جوية فوق الدلتا ن وخسر العدو في هذه المعارك 25 طائرة في مقابل 6 طائرات مصرية سقطت خلال تلك المعارك الرهيبة ، وتكررت هذه المعارك الجوية أربعة أيام علي التوالي ..
وكانت بعض طائرات العدو تتمكن من الوصول الي المطار التي تهدف مهاجمته لتصيبة بعملية هجومية (( متعجلة )) يترتب عليها بعض الإصابات المحدودة التي يتم اصلاحها خلال ساعات .
واروع مثل بارز هنا هو قيام العدو بمهاجمة مطار المنصورة خمس مرات بحوالي 66 طلعة طائرة ومهاجمة مطار القطامية ست مرات بحوالي 166 طلعة طائرة ن ومع ذلك فإن مطاري القطامية والمنصورة لم يتعطلا عن الاشتراك في العمليات الجوية يوماً واحداً .. (( ملاحظه من المجموعه 73 مؤرخين – تعطل مطار المنصوره يوم 9 أكتوبر وعاد للعمل من صباح العاشر من اكتوبر وكانت الطائرات من المطارات المختلفه تقوم بالطيران فوق المطار ثم النزول لارتفاع منخفض لايهام رادارات الاسرائيليين بوجود علميات اقلاع وهبوط من هذا المطار ))
وخلال عمليات تصدي المقاتلات المصرية لهجمات العدو الجوية المضادة ، كانت عمليات القوات الجوية في مختلف الميادين مستمرة حيث كانت في ذات الوقت أسراب الطائرات المصرية تضرب احتياطات العدو شرق القناة منذ اليوم الثاني للقتال ، وكانت تقدم معاونة جوية مباشرة للقوات البرية ، غير عشرات الطلعات التي قامت بها اسراب الاستطلاع الجوي .. كما تولت طائرات الهليكوبتر عمليات نقل وابرار وحدات الصاعقة الي أعماق سيناء خلف خطوط العدو واستحكاماته الدفاعية ، بالإضافة الي الجهد الجوي الفذ في منطقة ثغرة الدفرسوار والذي بلغ 2500 طلعة طائرة حمت راس كوبري الجيش الثالث وأسقطت للعدو 22 طائرة وتحملت عمليات امداد الجيش الثالث شرق القناة ..
وخلال أطول عملية جوية والتي استمرت لمدة 50 دقيقة كاملة ، برز الطيار المصري وبطولات رجال القتال الجوي ، ولابد ان نذكر هنا بطولات الرجال الذين يقفون وراء الطيار المقاتل وابرزهم في البداية الموجه الجوي الذي يظل يرشد الطيار ويوجهه الي ان يضعه في انسب وأحسن موقع للمعركة والذي يشكل عيني الطيار قبل ان تظهر امامنا طائرات العدو بالرؤية العادية وكان للدور الكبير الذي قام به الفنيون والمهندسون الفضل قيما حققه رجال القتال الجوي ، ويكفي ما قاموا به بالنسبة لإعادة الملء وهذا ما تعبر عنه الأرقام .
وتوافرت للطيار المقاتل بذلك أسباب التفوق ..
وجاء دوره ليقوم ببطولات فريدة عندما كان يرفض ان يغادر طائرته خلال إعادة الملء ليلحق بها مرة اخري ويشترك في نفس المعركة .. وعندما كانت المعركة الجوية تدور بين طائرتنا وطائرات العدو بمجموع طائرات زاد عن 130 مائة وثلاثون طائرة من الطرفين ، كانت قواعد المقاتلات الجوية تضع لنا في سماء المعركة سبعين طائرة مصرية ,, ودام الاشتباك الرهيب ما يقرب من الساعة أي اكثر من خمسة أضعاف الزمن الذي تستغرقه المعركة الجوية عادة ..
كان تساقط الفانتوم الذي كانت تتمتع بشهرة اسطورية يعطينا دفعة قوية خاصة بعد أن تمكنا في اليوم الأول للقتال الجوي وهو اليوم الثاني للعمليات -- من إسقاط 25 طائرة معادية واكملنا خلال الاسبوع الأول للحرب 3000 ثلاثة الاف طلعة طيران في 7 ايام .
ويقطع صوت الطيار اخر للصمت الذي وجدته مخيماً علي .. حيث سرحت عيناه في الأفق.. ويسألني البطل : فيما تحملق ؟ وبدأت انا أجيب .. لقد تذكرت لقائي بأحد الأسري الإسرائيليين وهو الملازم حاييم كلاي الذي قال لي اته أشترك في معركة جوية قصيرة بين المقاتلات المصرية وطائرات الفانتوم .. وشاهد الطائرات المصرية تسيطر علي السماء ، وثلاث طائرات فانتوم اسرائيلية تسقط ثم قال (( أنني لم اكن أتصور ان الطائرات المصرية قادرة علي مهاجمة طائرتنا ولكنني أيقنت ان سلاح الطيران المصري علي أعلي مستوي .. لقد كنا في وهم )) .
وعدت أسال من جديد في محاولة لاستعادة المبادأة .. وكان سؤالي عن قصة المعركة الجوية التي دارت فوق بورسعيد بين الطائرات الاسرائيلية والطائرات الاسرائيلية – أي بين طائرات العدو بعضها البعض ..
كان ذلك عقب تحذير وجهه الجنرال بنيامين بيليد قائد القوات الجوية الاسرائيلية إلي الطيارين الإسرائيليين والقواعد الجوية قال فيه ان اجهزة المعلومات الاسرائيلية قد توصلت الي ان مصر لديها طائرات من طراز ميراج الفرنسية الصنع ، وان مصر ستقوم باستخدامها في المعارك الجوية ، وان مصر ستقوم بطلاء هذه الطائرات باللون المستخدم بسلاح الجو الاسرائيلي ، وان تضع عليها علامات اسرائيلية ونجمة سداسية مما يحبس عنها جميع انواع النيران المصرية والاسرائيلية علي السواء ، وبالتالي فإنها تستطيع ان تنزل كارثة عسكرية بالمواقع او الطائرات الاسرائيلية .
وتلقي طيارو الميراج من الإسرائيليين هذا التحذير بنوع خاص مع التأكيد عليهم بتجنب الوقوع في خديعة مصرية ..
ثم اشتركت بعد ذلك طائرات الميراج الاسرائيلية في عملية هجومية سريعة علي القطاع الشمالي من الجب,وانقسمت الطائرات الاسرائيلية الي قسمين أحداهما حماية الأخر وبدأ القسم الأول في مهاجمة الهدف .. وكان واضحاً منذ البداية ان الخوف يسيطر علي الطيارين الإسرائيليين نتيجة تزايد سقوط الطائرات الاسرائيلية بفعل صواريخ الدفاع الجوي ونتيجة المعارك الجوية العنيفة التي تفوقت فيها المقاتلات الاعتراضية المصرية ، وعندما انطلقت النيران المصرية في مواجهة الطائرات الاسرائيلية اتجهت هذه الطائرات بسرعة هرباً من النيران .. وجاء انسحابها في ارتباك وعجلة ، بحيث غيرت كثيراً من ارتفاعها .
وفوجئت باقي الطائرات الاسرائيلية (( ميراج )) بطائرات اخري ميراج تأتي مبكراً جداً عن اللحظة المناسبة وعلي ارتفاع مختلف تماماً ، فاطلقت عليها صواريخها ورشاشاتها .. بينما رات الطائرات الولي نفسها عرضة لهجوم جوي معاد ..
ودارت المعركة بين الطائرات الاسرائيلية بعضها البعض للحظات وسقط من التشكيل 4 طائرات ميراج ..
وكان اول بلاغ عن هذه المعركة يخرج من قائد التشكيل ليبلغ قيادته عن نشوب معركة جوية عند بورسعيد وعن قيام تشكيلة بأسقاط طائرتين مصريتين ن، وعن إصابة طائرتين من التشكيل ..
وصدر من تل أبيب عن هذه المعركة بيان عسكري ذكر فيه ان الطائرات الاسرائيلية قد اسقطت طائرتين مصريتين في معركة جوية ، ولم يذكر البيان شيئاً عن خسائر اسرائيل الذي لابد انهم اكتشفوا بعد ذلك أنها بلغت 4 طائرات .. اما بالنسبة للطائرات المصرية فلم يكن لها وجود في سماء المعركة ..
وستظل هذه الحكاية هي النكتة المضلة عند أبطال القاعدة من الطيارين ..
http://group73historians.com/حرب-أكتوبر/826-اسرار-القاذفات-في-حرب-اكتوبر.html