إنتحار الفريق هاشم العلوي وصلته بمصرع الملك غازي
الدكتور أكرم المشهداني
في الساعة التاسعة من صباح يوم 4 نيسان 1939 فاجأت الحكومة الشعب العراقي بنبأ مصرع الملك غازي الأول في حادث سير، من خلال بيان أذيع من دار الإذاعة وذلك على أثر اصطدام سيارته التي كان يقودها بنفسه بعمود الكهرباء في منطقة الحارثية قرب قصر الزهور.
يروي المعاون محيي عبدالرحمن معاون شرطة السراي:
((كنت في ليلة الحادث في دائرتي (معاونية شرطة السراي) الواقعة في محلة جديد حسن باشا قرب سراي الحكومة (القشلة) وفي حوالي الساعة 11.30 ليلة 3 / 4 نيسان 1939 علمت من مفوض شرطة جسر الخر بحادث الاصطدام ومقتل الملك . فقمت بإيصال الخبر فوراً إلى مدير شرطة بغداد عبد الجبار الراوي)).
سيارة الملك غازي
ثم إنتقلت إلى محل الحادث منتصف الليل فوجدت هناك بعض المحققين من ضباط الشرطة وألقيت نظرة على المكان ومن معاينتي للعمود ولوضع السيارة اتضح لي أن الحادث قد دُبّرَ بليل، ولم يكن قضاءً وقدراً كما قيل، وأن الملك غازي قد قتل وإن حادث السيارة مفتعل لتغطية عملية القتل، وعُدت إلى مركز السراي وأنا مشغول الفكر في هذا الذي حدث، وبينما أنا غارق في أفكاري،طلبني مدير شرطة بغداد لمواجهته فوراً حيث أعلمني أن الأمر قد صدر بأن أكون المسؤول الأول عن تنظيم موكب الجنازة واتخاذ تدابير الأمن كافة، فقمت بإتخاذ التدابير اللازمة ومنها نقل جثمان الملك من قصر الزهور ليلاً إلى البلاط الملكي القريب من المقبرة الملكية، والاستعانة بقطعات من الجيش وخيالة الشرطة، إضافة إلى منع العبور بين الرصافة والكرخ لتخفيف الازدحام.
وما أن بزغ الفجر وعلمت الناس بالمصاب، بدأت جماهير الشعب بالزحف نحو منطقة البلاط والمقبرة الملكية، وكنت استقل دراجة بخارية ذات مقعد جانبي، فهالني منظر هذه الجماهير التي قدمت وهي تحمل الرايات وتدق الطبول والنساء في بكاء وعويل مع شق الثياب، إنها مواكب عزاء لم تشهد بغداد مثلها سابقاً) إنتهى كلام المعاون محيي عبدالرحمن.
وكانت الجماهير البغدادية تصيح في أهازيج حزينة تندد بالإنكليز الذين قتلوا الملك لدرجة أن السفير البريطاني الذي شارك في التشييع هرب عائداً إلى دار السفارة عن طريق نهر دجلة في زورق بخاري يعود للسفارة وعند ظهر ذلك اليوم تم دفن الجثمان في المقبرة الملكية إلى جانب أبيه الملك فيصل الأول.
نعود الآن إلى مصرع الملك غازي، حيث أضاف معاون شرطة السراي قائلاً:
((... مما لاشك فيه ضلوع السفارة البريطانية ببغداد في عملية القتل فهي التي خططت عن طريق خادم الملك المدعو عبد سعيد حيث فوتح بالأمر من قبلها، وتحت الوعد والوعيد وافق العبد مكرهاً لا بطلاً،
ولما حانت ساعة التنفيذ واستقل الملك سيارته للذهاب إلى قصر الحارثية وجلس خلفه الخادم عبد سعيد ومعه شخص آخر أسمه علي عبد الله، أدعى أن له إلمام بأمور صيانة الإذاعة التي يديرها الملك بنفسه من قصر الزهور،وفي الطريق تمت العملية بضرب الملك على مؤخرة الرأس بآلة حادة أودت بحياته)) .
(( ولما تم الكشف على محل الحادث بإشراف حاكم التحقيق الخفر نظم محضر الكشف وتم التوقيع عليه وأرسل إلى مدير الشرطة العام السيد هشام العلوي لغرض وضع توقيعه عليه باعتباره المسؤول الأول عن الشرطة، ومحضر الكشف يخص سيد البلاد، ولكن المرحوم هاشم العلوي رفض التوقيع وقال إنه لو صحت رواية إصطدام السيارة بالعمود لوقع على رأس الملك من الأمام وليس من الخلف)).
((هذا القول وصل إلى مسامع المسؤولين وعلى رأسهم الأمير عبد الإله فأمر بإرسال مدير الشرطة العام في إجازة إجبارية إلى خارج العراق – بيروت- فكان لابد للعلوي من الانصياع للأمر، وسافر عن طريق الرطبة، وعندما ذهب سائقه لتأشير جواز السفر بجوازات الرطبة، ظهر عريف عسكري شاهراً مسدسه حيث أطلق العيارات النارية على المرحوم فأرداه قتيلاً )).
ثم أشيع في بغداد أن العلوي انتحر لأسباب شخصية لا علاقة لها بالوظيفة، أما العبد وزميله المدعو علي عبد الله فقد تواريا عن الأنظار ولم يظهر لهما أي أثر، وطلب من حاكم التحقيق المختص غلق التحقيق، وهكذا أسدل الستار على هذه القضية وتركت للتاريخ.
مصرع مدير الشرطة العام الفريق هاشم العلوي ومدى صلته بمقتل غازي
الفريق هاشم العلوي هو من شخصيات الشرطة البارزة في تاريخ العراق الحديث، وفي تاريخ الشرطة العراقية كان (مدير الشرطة العام) من عام 1935 ولغاية 1936 ثم من بداية 1939 ولغاية وفاته مساء يوم 10 تموز 1939
يقول عبد الرزاق الحسني المؤرخ العراقي الشهير في تاريخ الوزارات العراقي :
(انتحر مدير الشرطة العام السيد هاشم العلوي وهو في الرطبة بطريقه مع عائلته إلى لبنان للاصطياف، فأسِفَ الجميع على نبله وكرم خلقه وظروف مقتله، ولاسيما بعدما أشيع عن إلمامه بأسرار مقتل الملك غازي والخوف من أن يبوح بسر من الأسرار) . (جـ/5 ، ص1939)
علماً أن نوري السعيد كان قد سافر صباح اليوم نفسه 10/7/1939 إلى لبنان لتهيئة وإعداد وسائل الراحة لاصطياف الملك الطفل فيصل الثاني الذي سافر في اليوم التالي 11/7 إلى لبنان للاصطياف .
يقول صديقنا الباحث المعروف أنور عبد الحميد الناصري بكتابه (سوق الجديد):
(لقد اختلفت الأقوال في مقتل العلوي، فالحكومة بثت بياناً بأن مدير الشرطة العام قد انتحر وهو في طريقه إلى الشام، ولكن موت مدير الشرطة العام بحادث غامض ليس أمراً يعقد عليه التصديق بسهولة، فقد ظل الهمس همساً ثم بدأ يعلو، إلا أن علوه وصل إلى أدنى مرتبات النطق والجهر) .
لقد قيل أن الرجل قد أمسك ببعض خيوط مقتل الملك غازي فأراد كل من الوصي عبدالآله ونوري السعيد التخلص منه، خاصة وإن السيد العلوي من خلصاء الملك غازي، وكان الملك غازي يناديه دائما بـ (يا خالي) لكونه (سيداً علوياً) .
وكانت الأسئلة التي تدور:
لماذا اختار العلوي منطقة الرطبة لينتحر فيها بعيداً عن داره وكان بإمكانه أن ينتحر في داره أو دائرته؟ وهل من المعقول أن يتكلف المنتحر وضع يده ليوجه الرصاصة نحو منتصف جبينه؟
يقول صديقنا الباحث الكرخي (الناصري) :
(طافت الإشاعات والأقوال في كل مكان، حتى قيل أنه أجبر على الإجازة، وهذه الرواية تتفق مع ما ذهب إليه المرحوم محي الدين عبد الرحمن في مذكراته المنشورة بمجلة الشرطة، وقد حدثني م. ج أنه كان يعمل محاسباً في شركة بيت هميّم وذهب إلى الرطبة لتفقد أعمال الشركة، وهناك أشاروا له إلى رجل يميل لونه إلى السواد قالوا عنه إنه هو الشخص الذي قتل هاشم العلوي) .
الصحف تنعى هاشم العلوي :
كتبت صحيفة الاستقلال بعددها 3399 في 13 تموز 1939 :
(( فجع العراق مساء أمس الأول بوفاة المرحوم السيد هاشم العلوي مدير الشرطة العام في أثر انفعال نفساني، وكان لمنعاه صدى توجع شديد وأسف عميق في جميع الأوساط العراقية، وتألمت النفوس وبكته حزناً وحسرة عليه، وذلك لما عرف به سعادته من أخلاق فاضلة ونزاهة مشهودة وحسن سريرة، وإخلاص للواجب وتفانٍ في سبيل بلاده وخدمة وطنه .
وكتبت صحيفة البلاد في 13/7/1939 :
(( في نبأ تلفوني من الرطبة وصل بغداد مساء أمس أن سعادة السيد هاشم العلوي مدير الشرطة العام قد انتحر في الرطبة بمسدس كان في يده فأرداه في الحال بعد أن وصلها هو وأفراد أسرته وأخوه الأستاذ قاسم العلوي المحامي في طريقهم إلى لبنان للاصطياف وقضاء إجازة أمدها ثلاثة أشهر هناك. ولم تعرف الأسباب من هذا الانتحار لكن المتصلين به قد شعروا في الأيام الأخيرة إن صحته أصابها انحطاط وضعف أعصاب))،
وأضافت (البلاد):
((لقد كان الفقيد رحمه الله من الرجال المتمتعين بحسن السمعة لما اتصف به من مكارم الأخلاق والسجايا الطيبة))
ورثاه الاديب إحسان الناصري في جريدة (الاستقلال) البغدادية يوم الأول من آب 1939 بقصيدة منها
أسفاً على الخلق الكريم وأهله.. أسفاً على رجل الإدارة هاشم
وديع عفيف عالم متأدب ...... خلوق محب الفضائل جم المكارم
العمر محدود وعيشك غصة.. وليس حذار المرء قط بعاصم
وقال:
(( لقد قرأت في أخبار بغداد خبراً طارت نفسي له جزعاً، نعم فقد قرأت نعي السيد هاشم العلوي مدير الشرطة العام... فيا للوعة ويا للخسارة... ويا للحزن العميق !... ولئن مات العلوي فإن ذكراه لن تموت فستبقى أبداً خالدة مقرونة بالفضل والإخلاص النزيه)).
صلة الانتحار بمقتل الملك غازي:
قيل أن المرحوم السيد هاشم العلوي هو من أقرب المقربين إلى الملك غازي، وقد فجع لوفاته، وعرف أسراراً عن تدبير اغتياله وكانت له مواقف مشهودة منها رفضه تصديق محضر الكشف الجاري لمحل الحادث.
ويروي المرحوم عبد الجبار الراوي في مذكراته:
((إن السلطة كانت تحيك مؤامرة للحد من تصرفات الملك غازي ومراقبته ومنها الطلب من مدير الشرطة العام تدبير مكيدة (قانونية) لتوقيف سائق المدعو (إبراهيم) إلا أن العلوي رفض ذلك بشدة)) .
وقد روى المؤرخ عبد الرزاق الحسني (جـ5 ، ص 85) من تاريخ الوزارات:
(إن التحقيق في مصرع الملك غازي كان قد أسند إلى الحاكم المعروف سليم الديملاني، وبعد أن سار في التحقيقات طويلاً حضر نوري السعيد رئيس الوزراء ووزير عدليته محمود صبحي الدفتري فأجبرا الديملاني على التنحي عن مهمته، وعهدا بالتحقيق إلى الحاكم خليل أمين المفتي الذي (لفلف) التحقيق، كما يقول البغداديون!))
(رواية وتفسير المرحوم أمين المميز):
يقول المرحوم أمين المميز في رد منشور بمجلة آفاق عربية البغدادية بعددها 12 لشهر آب 1983 :
((ليس لانتحار السيد هاشم العلوي أية علاقة بمصرع الملك غازي لا من قريب ولا من بعيد وإنه قد سمع بالخبر كما سمعه غيره من المسؤولين وغير المسؤولين فجر يوم 4 نيسان 1939)).
وتطرق المرحوم المميز إلى السبب الذي يراه (من وجهة نظره) وهو الدافع للانتحار وهو أن شقيقه (عبد الستار عبد الجبار المميز) قد عقد قرانه على كريمة السيد هاشم العلوي يوم 13 مايس 1938 . . وحين اكتملت مراسيم الخطبة والقران وفق التقاليد المرعية استعداداً للزفاف، أخذ المرحوم هاشم العلوي يماطل ويتردد ويؤجل تنفيذ موعد الزفاف لأعذار مختلفة. فازداد عليه الضغط من أفراد عائلته والأصدقاء والأقارب، وقرر العريس عبد الستار المميز الإقدام على رفع دعوى المطاوعة، إلا إن المميز سمع خبراً عن طريق النساء بأن السيد هاشم العلوي سيسافر مع عائلته إلى لبنان للاصطياف وإن إجراءات الزفاف ستتم بعد عودتهم . وفي 10 تموز 1939 سافر إلى لبنان، وفي طريقه وتحديداً بمنطقة الرطبة حيث نقطة الجوازات العراقية، أختلي في غرفة الاستراحة في قلعة الرطبة لتأدية الصلاة، وفي غفلة من عائلته أطلق النار على نفسه من مسدسه الشخصي الذي يحمله وتوفي في الحال وعادت العائلة مع الجثمان إلى بغداد .
البطاقة الشخصية لهاشم العلوي :
•من مواليد بغداد عام 1887 من اسرة كريمة النسب في منطقة سوق الجديد في الكرخ .
•دخل المدرسة الحربية في استنبول وتخرج منها بدرجة ملازم ثاني في المشاة 1909 .
- نسب إلى مدرسة الجندية ببغداد 1911 .
- إلتحق بفوج الجندية ببغداد 1912 .
- إلتحق بفوج الجندية السيار بالبصرة 1914 .
- بعد قيام الحرب العظمى الأولى عين مديراً لشرطة كربلاء 1922 .
- ثم مدير الشرطة لواء المنتفك 1924 .
- ثم قائممقاماً بقضاء السماوة 1926 .
- ثم معاوناً لمدير الشرطة العام للحركات 1927 – 1935 .
- عين متصرفاً للواء الديوانية 1935 .
- مديراً عاماً للنفوس 1936 – 1939 .
- ثم اعيد تعينه مديراً عاماً للشرطة أوائل عام 1939 لغاية وفاته 10 تموز 1939 .
وبذلك فهو أول مدير شرطة عام تسند له المهمة مرتين بين أثنين من مدراء الشرطة العامين طيلة تاريخ الشرطة العراقية .لقد كان العلوي ضابطاً مشهوداً له بالحزم والصرامة والإدارة الجيدة والسمعة الحسنة.
رحم الله الملك غازي ورحم الفريق هاشم العلوي... ورحمنا معهم ورحم كل رجال العراق الأحرار..
عن موقع الكاردينيا
الدكتور أكرم المشهداني
في الساعة التاسعة من صباح يوم 4 نيسان 1939 فاجأت الحكومة الشعب العراقي بنبأ مصرع الملك غازي الأول في حادث سير، من خلال بيان أذيع من دار الإذاعة وذلك على أثر اصطدام سيارته التي كان يقودها بنفسه بعمود الكهرباء في منطقة الحارثية قرب قصر الزهور.
يروي المعاون محيي عبدالرحمن معاون شرطة السراي:
((كنت في ليلة الحادث في دائرتي (معاونية شرطة السراي) الواقعة في محلة جديد حسن باشا قرب سراي الحكومة (القشلة) وفي حوالي الساعة 11.30 ليلة 3 / 4 نيسان 1939 علمت من مفوض شرطة جسر الخر بحادث الاصطدام ومقتل الملك . فقمت بإيصال الخبر فوراً إلى مدير شرطة بغداد عبد الجبار الراوي)).
سيارة الملك غازي
ثم إنتقلت إلى محل الحادث منتصف الليل فوجدت هناك بعض المحققين من ضباط الشرطة وألقيت نظرة على المكان ومن معاينتي للعمود ولوضع السيارة اتضح لي أن الحادث قد دُبّرَ بليل، ولم يكن قضاءً وقدراً كما قيل، وأن الملك غازي قد قتل وإن حادث السيارة مفتعل لتغطية عملية القتل، وعُدت إلى مركز السراي وأنا مشغول الفكر في هذا الذي حدث، وبينما أنا غارق في أفكاري،طلبني مدير شرطة بغداد لمواجهته فوراً حيث أعلمني أن الأمر قد صدر بأن أكون المسؤول الأول عن تنظيم موكب الجنازة واتخاذ تدابير الأمن كافة، فقمت بإتخاذ التدابير اللازمة ومنها نقل جثمان الملك من قصر الزهور ليلاً إلى البلاط الملكي القريب من المقبرة الملكية، والاستعانة بقطعات من الجيش وخيالة الشرطة، إضافة إلى منع العبور بين الرصافة والكرخ لتخفيف الازدحام.
وما أن بزغ الفجر وعلمت الناس بالمصاب، بدأت جماهير الشعب بالزحف نحو منطقة البلاط والمقبرة الملكية، وكنت استقل دراجة بخارية ذات مقعد جانبي، فهالني منظر هذه الجماهير التي قدمت وهي تحمل الرايات وتدق الطبول والنساء في بكاء وعويل مع شق الثياب، إنها مواكب عزاء لم تشهد بغداد مثلها سابقاً) إنتهى كلام المعاون محيي عبدالرحمن.
وكانت الجماهير البغدادية تصيح في أهازيج حزينة تندد بالإنكليز الذين قتلوا الملك لدرجة أن السفير البريطاني الذي شارك في التشييع هرب عائداً إلى دار السفارة عن طريق نهر دجلة في زورق بخاري يعود للسفارة وعند ظهر ذلك اليوم تم دفن الجثمان في المقبرة الملكية إلى جانب أبيه الملك فيصل الأول.
نعود الآن إلى مصرع الملك غازي، حيث أضاف معاون شرطة السراي قائلاً:
((... مما لاشك فيه ضلوع السفارة البريطانية ببغداد في عملية القتل فهي التي خططت عن طريق خادم الملك المدعو عبد سعيد حيث فوتح بالأمر من قبلها، وتحت الوعد والوعيد وافق العبد مكرهاً لا بطلاً،
ولما حانت ساعة التنفيذ واستقل الملك سيارته للذهاب إلى قصر الحارثية وجلس خلفه الخادم عبد سعيد ومعه شخص آخر أسمه علي عبد الله، أدعى أن له إلمام بأمور صيانة الإذاعة التي يديرها الملك بنفسه من قصر الزهور،وفي الطريق تمت العملية بضرب الملك على مؤخرة الرأس بآلة حادة أودت بحياته)) .
(( ولما تم الكشف على محل الحادث بإشراف حاكم التحقيق الخفر نظم محضر الكشف وتم التوقيع عليه وأرسل إلى مدير الشرطة العام السيد هشام العلوي لغرض وضع توقيعه عليه باعتباره المسؤول الأول عن الشرطة، ومحضر الكشف يخص سيد البلاد، ولكن المرحوم هاشم العلوي رفض التوقيع وقال إنه لو صحت رواية إصطدام السيارة بالعمود لوقع على رأس الملك من الأمام وليس من الخلف)).
((هذا القول وصل إلى مسامع المسؤولين وعلى رأسهم الأمير عبد الإله فأمر بإرسال مدير الشرطة العام في إجازة إجبارية إلى خارج العراق – بيروت- فكان لابد للعلوي من الانصياع للأمر، وسافر عن طريق الرطبة، وعندما ذهب سائقه لتأشير جواز السفر بجوازات الرطبة، ظهر عريف عسكري شاهراً مسدسه حيث أطلق العيارات النارية على المرحوم فأرداه قتيلاً )).
ثم أشيع في بغداد أن العلوي انتحر لأسباب شخصية لا علاقة لها بالوظيفة، أما العبد وزميله المدعو علي عبد الله فقد تواريا عن الأنظار ولم يظهر لهما أي أثر، وطلب من حاكم التحقيق المختص غلق التحقيق، وهكذا أسدل الستار على هذه القضية وتركت للتاريخ.
مصرع مدير الشرطة العام الفريق هاشم العلوي ومدى صلته بمقتل غازي
الفريق هاشم العلوي هو من شخصيات الشرطة البارزة في تاريخ العراق الحديث، وفي تاريخ الشرطة العراقية كان (مدير الشرطة العام) من عام 1935 ولغاية 1936 ثم من بداية 1939 ولغاية وفاته مساء يوم 10 تموز 1939
يقول عبد الرزاق الحسني المؤرخ العراقي الشهير في تاريخ الوزارات العراقي :
(انتحر مدير الشرطة العام السيد هاشم العلوي وهو في الرطبة بطريقه مع عائلته إلى لبنان للاصطياف، فأسِفَ الجميع على نبله وكرم خلقه وظروف مقتله، ولاسيما بعدما أشيع عن إلمامه بأسرار مقتل الملك غازي والخوف من أن يبوح بسر من الأسرار) . (جـ/5 ، ص1939)
علماً أن نوري السعيد كان قد سافر صباح اليوم نفسه 10/7/1939 إلى لبنان لتهيئة وإعداد وسائل الراحة لاصطياف الملك الطفل فيصل الثاني الذي سافر في اليوم التالي 11/7 إلى لبنان للاصطياف .
يقول صديقنا الباحث المعروف أنور عبد الحميد الناصري بكتابه (سوق الجديد):
(لقد اختلفت الأقوال في مقتل العلوي، فالحكومة بثت بياناً بأن مدير الشرطة العام قد انتحر وهو في طريقه إلى الشام، ولكن موت مدير الشرطة العام بحادث غامض ليس أمراً يعقد عليه التصديق بسهولة، فقد ظل الهمس همساً ثم بدأ يعلو، إلا أن علوه وصل إلى أدنى مرتبات النطق والجهر) .
لقد قيل أن الرجل قد أمسك ببعض خيوط مقتل الملك غازي فأراد كل من الوصي عبدالآله ونوري السعيد التخلص منه، خاصة وإن السيد العلوي من خلصاء الملك غازي، وكان الملك غازي يناديه دائما بـ (يا خالي) لكونه (سيداً علوياً) .
وكانت الأسئلة التي تدور:
لماذا اختار العلوي منطقة الرطبة لينتحر فيها بعيداً عن داره وكان بإمكانه أن ينتحر في داره أو دائرته؟ وهل من المعقول أن يتكلف المنتحر وضع يده ليوجه الرصاصة نحو منتصف جبينه؟
يقول صديقنا الباحث الكرخي (الناصري) :
(طافت الإشاعات والأقوال في كل مكان، حتى قيل أنه أجبر على الإجازة، وهذه الرواية تتفق مع ما ذهب إليه المرحوم محي الدين عبد الرحمن في مذكراته المنشورة بمجلة الشرطة، وقد حدثني م. ج أنه كان يعمل محاسباً في شركة بيت هميّم وذهب إلى الرطبة لتفقد أعمال الشركة، وهناك أشاروا له إلى رجل يميل لونه إلى السواد قالوا عنه إنه هو الشخص الذي قتل هاشم العلوي) .
الصحف تنعى هاشم العلوي :
كتبت صحيفة الاستقلال بعددها 3399 في 13 تموز 1939 :
(( فجع العراق مساء أمس الأول بوفاة المرحوم السيد هاشم العلوي مدير الشرطة العام في أثر انفعال نفساني، وكان لمنعاه صدى توجع شديد وأسف عميق في جميع الأوساط العراقية، وتألمت النفوس وبكته حزناً وحسرة عليه، وذلك لما عرف به سعادته من أخلاق فاضلة ونزاهة مشهودة وحسن سريرة، وإخلاص للواجب وتفانٍ في سبيل بلاده وخدمة وطنه .
وكتبت صحيفة البلاد في 13/7/1939 :
(( في نبأ تلفوني من الرطبة وصل بغداد مساء أمس أن سعادة السيد هاشم العلوي مدير الشرطة العام قد انتحر في الرطبة بمسدس كان في يده فأرداه في الحال بعد أن وصلها هو وأفراد أسرته وأخوه الأستاذ قاسم العلوي المحامي في طريقهم إلى لبنان للاصطياف وقضاء إجازة أمدها ثلاثة أشهر هناك. ولم تعرف الأسباب من هذا الانتحار لكن المتصلين به قد شعروا في الأيام الأخيرة إن صحته أصابها انحطاط وضعف أعصاب))،
وأضافت (البلاد):
((لقد كان الفقيد رحمه الله من الرجال المتمتعين بحسن السمعة لما اتصف به من مكارم الأخلاق والسجايا الطيبة))
ورثاه الاديب إحسان الناصري في جريدة (الاستقلال) البغدادية يوم الأول من آب 1939 بقصيدة منها
أسفاً على الخلق الكريم وأهله.. أسفاً على رجل الإدارة هاشم
وديع عفيف عالم متأدب ...... خلوق محب الفضائل جم المكارم
العمر محدود وعيشك غصة.. وليس حذار المرء قط بعاصم
وقال:
(( لقد قرأت في أخبار بغداد خبراً طارت نفسي له جزعاً، نعم فقد قرأت نعي السيد هاشم العلوي مدير الشرطة العام... فيا للوعة ويا للخسارة... ويا للحزن العميق !... ولئن مات العلوي فإن ذكراه لن تموت فستبقى أبداً خالدة مقرونة بالفضل والإخلاص النزيه)).
صلة الانتحار بمقتل الملك غازي:
قيل أن المرحوم السيد هاشم العلوي هو من أقرب المقربين إلى الملك غازي، وقد فجع لوفاته، وعرف أسراراً عن تدبير اغتياله وكانت له مواقف مشهودة منها رفضه تصديق محضر الكشف الجاري لمحل الحادث.
ويروي المرحوم عبد الجبار الراوي في مذكراته:
((إن السلطة كانت تحيك مؤامرة للحد من تصرفات الملك غازي ومراقبته ومنها الطلب من مدير الشرطة العام تدبير مكيدة (قانونية) لتوقيف سائق المدعو (إبراهيم) إلا أن العلوي رفض ذلك بشدة)) .
وقد روى المؤرخ عبد الرزاق الحسني (جـ5 ، ص 85) من تاريخ الوزارات:
(إن التحقيق في مصرع الملك غازي كان قد أسند إلى الحاكم المعروف سليم الديملاني، وبعد أن سار في التحقيقات طويلاً حضر نوري السعيد رئيس الوزراء ووزير عدليته محمود صبحي الدفتري فأجبرا الديملاني على التنحي عن مهمته، وعهدا بالتحقيق إلى الحاكم خليل أمين المفتي الذي (لفلف) التحقيق، كما يقول البغداديون!))
(رواية وتفسير المرحوم أمين المميز):
يقول المرحوم أمين المميز في رد منشور بمجلة آفاق عربية البغدادية بعددها 12 لشهر آب 1983 :
((ليس لانتحار السيد هاشم العلوي أية علاقة بمصرع الملك غازي لا من قريب ولا من بعيد وإنه قد سمع بالخبر كما سمعه غيره من المسؤولين وغير المسؤولين فجر يوم 4 نيسان 1939)).
وتطرق المرحوم المميز إلى السبب الذي يراه (من وجهة نظره) وهو الدافع للانتحار وهو أن شقيقه (عبد الستار عبد الجبار المميز) قد عقد قرانه على كريمة السيد هاشم العلوي يوم 13 مايس 1938 . . وحين اكتملت مراسيم الخطبة والقران وفق التقاليد المرعية استعداداً للزفاف، أخذ المرحوم هاشم العلوي يماطل ويتردد ويؤجل تنفيذ موعد الزفاف لأعذار مختلفة. فازداد عليه الضغط من أفراد عائلته والأصدقاء والأقارب، وقرر العريس عبد الستار المميز الإقدام على رفع دعوى المطاوعة، إلا إن المميز سمع خبراً عن طريق النساء بأن السيد هاشم العلوي سيسافر مع عائلته إلى لبنان للاصطياف وإن إجراءات الزفاف ستتم بعد عودتهم . وفي 10 تموز 1939 سافر إلى لبنان، وفي طريقه وتحديداً بمنطقة الرطبة حيث نقطة الجوازات العراقية، أختلي في غرفة الاستراحة في قلعة الرطبة لتأدية الصلاة، وفي غفلة من عائلته أطلق النار على نفسه من مسدسه الشخصي الذي يحمله وتوفي في الحال وعادت العائلة مع الجثمان إلى بغداد .
البطاقة الشخصية لهاشم العلوي :
•من مواليد بغداد عام 1887 من اسرة كريمة النسب في منطقة سوق الجديد في الكرخ .
•دخل المدرسة الحربية في استنبول وتخرج منها بدرجة ملازم ثاني في المشاة 1909 .
- نسب إلى مدرسة الجندية ببغداد 1911 .
- إلتحق بفوج الجندية ببغداد 1912 .
- إلتحق بفوج الجندية السيار بالبصرة 1914 .
- بعد قيام الحرب العظمى الأولى عين مديراً لشرطة كربلاء 1922 .
- ثم مدير الشرطة لواء المنتفك 1924 .
- ثم قائممقاماً بقضاء السماوة 1926 .
- ثم معاوناً لمدير الشرطة العام للحركات 1927 – 1935 .
- عين متصرفاً للواء الديوانية 1935 .
- مديراً عاماً للنفوس 1936 – 1939 .
- ثم اعيد تعينه مديراً عاماً للشرطة أوائل عام 1939 لغاية وفاته 10 تموز 1939 .
وبذلك فهو أول مدير شرطة عام تسند له المهمة مرتين بين أثنين من مدراء الشرطة العامين طيلة تاريخ الشرطة العراقية .لقد كان العلوي ضابطاً مشهوداً له بالحزم والصرامة والإدارة الجيدة والسمعة الحسنة.
رحم الله الملك غازي ورحم الفريق هاشم العلوي... ورحمنا معهم ورحم كل رجال العراق الأحرار..
عن موقع الكاردينيا