سلسلة أولو الألباب
الدكتور عثمان قدري مكانسي
القسم الأول
الدكتور عثمان قدري مكانسي
القسم الأول
ذُكِرَ (أولو الألباب) في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة . يناديهم الله تعالى منبهاً أو مذكّراً أو مادحاً أو مكلّفاً . فمَنْ أولو الألباب هؤلاء؟ ، جعلنا الله منهم. ونفعنا بهم.
تعالوا نستجلي أمرَهُم .لعلنا نتعلم، فنعمل . أو ننتبه فنتذكّر، فنسرع الخطا إثْرَهم. ونجدُّ وراءهم علنا نبلغ بعض ما بلغوا.فإنما الحياة جِدٌّ وسباق نحو العلا ، واقتداء بالسلف الصالح ، ولعلّ الشاعر الفقيه الشافعي رحمه الله تعالى أحسن حين قال فيهم:
يقول الله تعالى في سورة البقرة:
{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}.
إنّ الله تعالى شرع القصاص لنا، والقصاصُ قتل القاتل حين يقتل غيره عامداً .فكم من رجل يريد أن يقتل فتمنعه مخافة أن يقتل ، إنَّ القاتل إذا علم أنه يقتل جزاءً وفاقاً توقّف عن صنيعه فكان في ذلك حياة للنفوس وصيانة لها أن تُزهق اعتداءً .
قالت العرب قديماً : القتل أنفى للقتل فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح وأبلغ وأوجز { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } ، فالجملة (القتل أنفى للقتل) ثلاث كلمات ذكر القتل فيها مرّتين ولم يُذكر القتل في القرآن ، إنما ذكر القِصاص تخفيفاً ثم ذُكرت كلمة الحياة، فكان القِصاصُ حياةً، وهو كلامٌ وجيز معناه" لا يقتل بعضكم بعضا".
فإذا أقيم القِصاصُ وتحقق الحكم فيه ازدجر من يريد قتل آخر , مخافة أن يُقتص منه فحييا بذلك معا . وكانت العرب إذا قتل الرجل الآخر حمي قبيلاهما وتقاتلوا ،وكان ذلك داعيا إلى قتل العدد الكثير , فلما شرع الله القصاص قنع الكل به وتركوا الاقتتال , فلهم في ذلك حياة- قالها القرطبيُّ-
قالتِ العلماءُ :لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقَّه دون السلطان , وليس للناس أن يقتص بعضُهم من بعض , وإنما ذلك للسلطان أو من نصَّبه السلطان لذلك ،ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض .
فإذا جار السلطانُ نفسُه وتعدى على أحد من رعيته , إذْ هو واحد منهم اقتصَّ من نفسه، فقام قاضيه بالحكم بينه وبين المشتكي ، وإنما له مزية النظر لهم كالوصي والوكيل , وذلك لا يمنع القصاص , وليس بين الحاكم وبين العامة فرق في أحكام الله عز وجل , لقوله جل ذكره : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } ,
وثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرجل شكا إليه أن عاملا قطع يده : لئن كنت صادقا لأقيدنك منه , وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئا إذ أكب عليه رجل , فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه ( أبعده) فصاح الرجل , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تعالَ فاستقِدْ" . قال : بل عفوتُ يا رسول الله .
وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : ألا من ظلمه أميره فليرفع ذلك إلي أقيده منه ,
فقام عمرو بن العاص فقال : يا أمير المؤمنين , لئن أدَّب رجل منا رجلا من أهل رعيته لتقصَّنه منه ؟
قال : كيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه ,
وفي لفظ لأبي داود : خطبنا عمر بن الخطاب فقال : إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم , فمن فعل ذلك به فليرفعه إلي أقصه منه , وذكر الحديث بمعناه .
يكثر التعقيب " لعلكم تعقلون , لعلكم تشكرون , لعلكم تذكرون , لعلكم تهتدون " وهذا دليل على أن أولي الألباب يعقلون ويتذكرون ،ثم يهتدون ويشكرون.
وتفيد " لعلَّ" الترجّي والتوقُّع ، وهذا مع البشر:
كقوله تعالى: { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)}(طه) قال معناه اذهبا على طمعكما ورجائكما أن يتذكر أو يخشى
وقد تفيد التعليل بمعنى لام كي .فالمعنى لتعقلوا ولتذكروا ولتتقوا – قالها القرطبي رحمه الله-
يقول الشاعر:
أما " لعلّ " في كتاب الله تعالى فتأكيدٌ للجواب ، إن وجود القصاص والعمل به يؤدي إلى حياة كريمة يرضى المولى عنها ويبارك فيها.ويُكتب القائمون عليها من الأتقياء، وللتقوى فوز ونجاة.
ومن معنى " تتقون " في هذه الاية الكريمة – أيضاً- أن المجتمع يسلم من منغِّصات الحياة حين يكون عقاب المجرم حاسماً .
أذكر أنّ القتل والسرقة شاعت في مدينة حلب في منتصف السبعينات ، فأراد المحافظ وعلماء المدينة أنْ يحُدّوا من ذلك ، فحُكِم على ثلاثة قتلوا رجلاً وسرقوه بالإعدام ، ونُفِّذ القصاص بهم وعُلّقوا على أعواد المشانق ثلاثة أيام في باب الفرج: منتصف المدينة يراهم الغادون والرائحون، فكاد القتل والسرقة على مدى ستة أشهر ينعدم. خاف المجرمون وتحسسوا أعناقهم.
وربما حوكم سارق الدجاجة بسجن ثلاثة أيام يخرج من السجن وقد نال فيه دورات مكثفة في فنون السرقة ، أو يخرج المسجون بعد سنة من السجن وقد نال شهادة ( الدكتوراه) في فنون الإجرام والفساد.فالسجون في بلادنا بؤرة للفساد وتخريج عتاة المفسدين في الأرض .
يتبع
تعالوا نستجلي أمرَهُم .لعلنا نتعلم، فنعمل . أو ننتبه فنتذكّر، فنسرع الخطا إثْرَهم. ونجدُّ وراءهم علنا نبلغ بعض ما بلغوا.فإنما الحياة جِدٌّ وسباق نحو العلا ، واقتداء بالسلف الصالح ، ولعلّ الشاعر الفقيه الشافعي رحمه الله تعالى أحسن حين قال فيهم:
إنّ لـلـه عـبـاداً فـُطَنـاً * طلّقوا الدنيا وعافوا الفِتَنا
نظروا فيها فلمّا عَلِموا * أنهـا لـيســت لحَيٍّ سَـكَناً
جعَلوهـا لُجّةً واتخـذوا * صالح الأعمال فيه سُـفُناً
نظروا فيها فلمّا عَلِموا * أنهـا لـيســت لحَيٍّ سَـكَناً
جعَلوهـا لُجّةً واتخـذوا * صالح الأعمال فيه سُـفُناً
يقول الله تعالى في سورة البقرة:
{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}.
إنّ الله تعالى شرع القصاص لنا، والقصاصُ قتل القاتل حين يقتل غيره عامداً .فكم من رجل يريد أن يقتل فتمنعه مخافة أن يقتل ، إنَّ القاتل إذا علم أنه يقتل جزاءً وفاقاً توقّف عن صنيعه فكان في ذلك حياة للنفوس وصيانة لها أن تُزهق اعتداءً .
قالت العرب قديماً : القتل أنفى للقتل فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح وأبلغ وأوجز { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } ، فالجملة (القتل أنفى للقتل) ثلاث كلمات ذكر القتل فيها مرّتين ولم يُذكر القتل في القرآن ، إنما ذكر القِصاص تخفيفاً ثم ذُكرت كلمة الحياة، فكان القِصاصُ حياةً، وهو كلامٌ وجيز معناه" لا يقتل بعضكم بعضا".
فإذا أقيم القِصاصُ وتحقق الحكم فيه ازدجر من يريد قتل آخر , مخافة أن يُقتص منه فحييا بذلك معا . وكانت العرب إذا قتل الرجل الآخر حمي قبيلاهما وتقاتلوا ،وكان ذلك داعيا إلى قتل العدد الكثير , فلما شرع الله القصاص قنع الكل به وتركوا الاقتتال , فلهم في ذلك حياة- قالها القرطبيُّ-
قالتِ العلماءُ :لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقَّه دون السلطان , وليس للناس أن يقتص بعضُهم من بعض , وإنما ذلك للسلطان أو من نصَّبه السلطان لذلك ،ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض .
فإذا جار السلطانُ نفسُه وتعدى على أحد من رعيته , إذْ هو واحد منهم اقتصَّ من نفسه، فقام قاضيه بالحكم بينه وبين المشتكي ، وإنما له مزية النظر لهم كالوصي والوكيل , وذلك لا يمنع القصاص , وليس بين الحاكم وبين العامة فرق في أحكام الله عز وجل , لقوله جل ذكره : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } ,
وثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرجل شكا إليه أن عاملا قطع يده : لئن كنت صادقا لأقيدنك منه , وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئا إذ أكب عليه رجل , فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه ( أبعده) فصاح الرجل , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تعالَ فاستقِدْ" . قال : بل عفوتُ يا رسول الله .
وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : ألا من ظلمه أميره فليرفع ذلك إلي أقيده منه ,
فقام عمرو بن العاص فقال : يا أمير المؤمنين , لئن أدَّب رجل منا رجلا من أهل رعيته لتقصَّنه منه ؟
قال : كيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه ,
وفي لفظ لأبي داود : خطبنا عمر بن الخطاب فقال : إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم , فمن فعل ذلك به فليرفعه إلي أقصه منه , وذكر الحديث بمعناه .
يكثر التعقيب " لعلكم تعقلون , لعلكم تشكرون , لعلكم تذكرون , لعلكم تهتدون " وهذا دليل على أن أولي الألباب يعقلون ويتذكرون ،ثم يهتدون ويشكرون.
وتفيد " لعلَّ" الترجّي والتوقُّع ، وهذا مع البشر:
كقوله تعالى: { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)}(طه) قال معناه اذهبا على طمعكما ورجائكما أن يتذكر أو يخشى
وقد تفيد التعليل بمعنى لام كي .فالمعنى لتعقلوا ولتذكروا ولتتقوا – قالها القرطبي رحمه الله-
يقول الشاعر:
وقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا * نكف ووثقتم لنا كل موثق
فلما كففنا الحرب كانت عهودكم * كلمع سراب في الملا متألق المعنى
فلما كففنا الحرب كانت عهودكم * كلمع سراب في الملا متألق المعنى
أما " لعلّ " في كتاب الله تعالى فتأكيدٌ للجواب ، إن وجود القصاص والعمل به يؤدي إلى حياة كريمة يرضى المولى عنها ويبارك فيها.ويُكتب القائمون عليها من الأتقياء، وللتقوى فوز ونجاة.
ومن معنى " تتقون " في هذه الاية الكريمة – أيضاً- أن المجتمع يسلم من منغِّصات الحياة حين يكون عقاب المجرم حاسماً .
أذكر أنّ القتل والسرقة شاعت في مدينة حلب في منتصف السبعينات ، فأراد المحافظ وعلماء المدينة أنْ يحُدّوا من ذلك ، فحُكِم على ثلاثة قتلوا رجلاً وسرقوه بالإعدام ، ونُفِّذ القصاص بهم وعُلّقوا على أعواد المشانق ثلاثة أيام في باب الفرج: منتصف المدينة يراهم الغادون والرائحون، فكاد القتل والسرقة على مدى ستة أشهر ينعدم. خاف المجرمون وتحسسوا أعناقهم.
وربما حوكم سارق الدجاجة بسجن ثلاثة أيام يخرج من السجن وقد نال فيه دورات مكثفة في فنون السرقة ، أو يخرج المسجون بعد سنة من السجن وقد نال شهادة ( الدكتوراه) في فنون الإجرام والفساد.فالسجون في بلادنا بؤرة للفساد وتخريج عتاة المفسدين في الأرض .
يتبع