مقتل حسين كامل وشقيقه صدام عام 1996
بعيدا عن السياسة ودهاليزها , وبقصد لا يتعدى التوثيق التاريخي نستعرض اليوم صفحة مهمة من صفحات تاريخ العراق في العصر الحديث , قد تكون ربما ذات اثار كبيرة امتد وقعها من يوم حدوثها حتى يومنا هذا , تلك هي حادثة مقتل صهري الرئيس العراقي الاسبق حسين وصدام كامل المجيد . وحسين وصدام كامل المجيد هما ولدا ابن عم الرئيس صدام حسين , وزوجا ابنتيه رغد ورنا . وكان حسين كامل هو فتى صدام حسين المدلل الى درجة كان لا يرد له كلمة ابدا والذي ظلت مكانته ونفوذه يزدادان منذ ان اصبح صهره في عام 1983 حتى هروبه وانشقاقه عام 1995 . سنحاول من خلال هذا الموضوع استعراض ما جرى في هذه الواقعة من زاوية توثيقية كحادثة قتل مهمة من دون التطرق الى اي من النواحي السياسية المتعلقة بالحادث لانها لا تقع ضمن القصد .
منذ ان ظهر حسين كامل على الساحة السياسية بالعراق اواخر السبعينات اخذ نجمه يرتفع سريعا وتسلق سلم الرتب العسكرية كالصاروخ لنجاحه في تطوير البرنامج التسليحي العسكري والنووي والجرثومي والكيماوي العراقي اضافة الى تسلمه المهام الأمنية الخاصة بحماية الرئيس صدام حسين , كما أصبح المشرف العام على قوات الحرس الجمهوري . وقد استمرت مكانته في الدولة بالارتفاع حتى وصلت الى مراتب خطيرة حين اصبح برتبة فريق اول ركن وصار وزيرا الصناعة والتصنيع العسكري ثم وزيرا للدفاع وهو الذي لم يدخل كلية عسكرية في حياته . ومما زاد في تقوية مكانته ان شقيقه صدام كامل تزوج عام 1986 من بنت صدام حسين الاخرى رنا , فاصبح هو وشقيقه صهري الرئيس .
غير ان الايام لم تبقى صافية امام هذا الشاب الطموح والذي كان طموحه يتعدى كثيرا مستوى عقليته بسبب وجود طموحين اخرين في الدولة اهمهم واخطرهم ابن الرئيس العراقي عدي صدام حسين . وبالرغم من كونهما قد تربيا معا وفي نفس الوسط الا ان طموح عدي الفائق ومكانته في العائلة تجاوزت طموح ومكانة حسين كامل فاخذت مشاعر الغيرة والكره بينهما تنموا في قلبيهما حتى اصبح الوضع لا يطيق وجودهما معا على الساحة . شعر حسين كامل بان عدي صدام حسين يكيد له وانه ناوي على الايقاع به بشكل او بأخر وان الوشايات عنه والتي كانت تنقل إلى صدام حسين عبر أبناء عمه وأقاربه قد اصبحت تشكل خطرا على وجوده في قمة الهرم السياسي في العراق , لذلك فكر بعمل حركة التفافية خطيرة اعتقد بانها يمكن ان تقوده للسلطة وهي الانقلاب على النظام برمته . لم يكن بامكان حسين كامل القيام بحركة عسكرية تطيح بالنظام لعدم وجود نفوذ له بالجيش او قادة عسكريون يؤيدونه لذلك لم يجد غير التفكير بالانقلاب على النظام من الخارج حين وجد بان معظم دول العالم وعلى رأسهم الولايات المتحدة يعادون العراق ويعدون العدة لاسقاط النظام فيه . فكر حسين كامل بان يستغل هذا الحال ويركب هذه الموجة ويهرب الى خارج العراق ويعرض على الساعين لاسقاط النظام فيه بان يتعاون معهم وان يكون يدهم الطويلة والقوية لتحقيق هذا الهدف . كتم حسين كامل في نفسه هذه النية , وحين اراد تنفيذ ما بنفسه ابلغ زوجته رغد وشقيقه صدام كامل وزوجته رنا وشقيقته الهام كامل وزوجها عزالدين المجيد بانه طلب من الرئيس صدام حسين بان يسافروا الى الاردن لفترة من الزمن للراحة والاستجمام وان الرئيس وافق على طلبه . واختار حسين كامل مناسبة يوم النصر التي تصادف في 8 اب حيث يكون الجميع مشغولين بالاحتفال بها لينطلق الى الاردن بثلاث سيارات رئاسية من غير ان يشعر بهذا أحد .
في ليلة 8 على 9 اب عام 1995 انطلقت ثلاث سيارات رئاسية من بغداد صوب الحدود العراقية الاردنية , واحدة تحمل حسين كامل وزوجته رغد واطفالهم الخمسة , والثانية تحمل صدام كامل وزوجته رنا صدام حسين واطفالهم الاربعة , والثالثة تحمل شقيقة حسين كامل الهام كامل وزوجها عزالدين المجيد واطفالهم الخمسة . وفي نقطة الحدود اهتم المسؤولين بالقادمين على اساس انهم وفد رفيع ذاهب الى الاردن بمهمة خاصة . طلب حسين كامل من مدير النقطة الحدودية ان يتوجه بهم صوب الحدود من دون المرور بدائرة الجوازات فما كان من المدير غير ان يمتثل للأوامر وينفذها بدقة . عبرت السيارات الثلاث الحدود وجرى استقبال من فيها على الجانب الاردني باهتمام كبير لمكانة حسين كامل الرفيعة وسهلوا من اجراءات دخولهم الاراضي الاردنية . وبعد وصوله الى عمان واجتماعه بالملك حسين اعلن حسين كامل انشقاقه على النظام العراقي وطلب اللجوء الى الاردن . وافق الملك حسين على طلب اللجوء مجازفا بتحمل كل النتائج التي تترتب على هذا القبول ومن بينها احتمال قيام العراق بقطع الامدادات النفطية عن الاردن . ضج العالم كله بهذا الحدث الخطير الذي لم تعرف اسبابه ودوافعهواعتبر حصوله علامة على تردي الاوضاع في العراق وانفراط عقد الداعمين للسلطة فيه . وفي 14 أب عقد حسين كامل مؤتمرا صحفيا تحدث فيه عن الاسباب التي دفعته الى هذا الفعل ومفصحا في ذات الوقت عن خططه ونياته لتغيير الاوضاع في العراق . بعد اعلان الانشقاق جاء الى الاردن عدي صدام حسين واجتمع بالعاهل الاردني محاولا ان يغير موقفه ويسلم المنشقين الى العراق لكن الملك الاردني رفض هذا الطلب . وحاول عدي ايضا الاجتماع مع شقيقتيه ليحثهما على العودة معه لكن حسين كامل منعهما من الالتقاء به وبذلك فشلت مهمة عدي وعاد الى العراق خائبا .
كان حسين كامل يتأمل بان بأستطاعته قلب النظام في العراق بالتعاون مع المعارضة العراقية وبدعم الولايات المتحدة لكن اي جهة لم تعلن عن استعدادها للتعاون معه للوصول الى هذا الهدف . وقد حاول حسين كامل من جهة اخرى جذب المؤيدين له من خلال عرضه بكشف الاسرار التسليحية للعراق وخططه وبرامجه للمستقبل , لكن الجهات المستفيدة من هذا العرض مدت ايديها اليه للحصول على المعلومات من غير ان تقدم له اي مقابل . من جانب اخر فان السلطات الاردنية اخذت مع الوقت تضيق الخناق على المنشقين وتمنع عنهم وسائل الاتصال وتطوق حرية حركتهم . وبعد مدة اصبح حسين كامل يعاني من الانعزال والتطويق ورفض اي جهة التعامل معه حتى وصل الامر الى ما يشبه الاقامة الجبرية وعدم اهتمام اي جهة به خصوصا وانه افرغ بكل ما في جعبته من الاسرار التي يريد الاخرين الحصول عليها منه . استغل الرئيس العراقي صدام حسين هذا الحال واخذ يمد الجسور نحو صهره وابن ابن عمه حسين كامل طالبا منه العودة الى الوطن ومواعدا اياه بالعفو عنه . لم يكن حسين كامل من النوع الذي يقبل العيش في ظل الوضع الذي اصبح فيه وهو الذي اعتاد على العيش في نفوذ لا يحلم به احد اذ كان يد صدام حسين المقربة. لذلك قرر حسين كامل العودة الى العراق بحجة ان الظروف والاسباب التي دعته الى الانشقاق قد زالت وان الانفراج قد حصل بالعراق بعد موافقة الامم المتحدة على تطبيق مذكرة التفاهم التي كانت بعنوان (النفط مقابل الغذاء والدواء) . كان هذا في الحقيقة اغبى موقف يمكن ان يتخذه انسان عارف بطبيعة شخصية الرئيس العراق صدام حسين الذي لم يسبق له قط وخلال كل حياته ان عفا عن شخص خانه مهما كانت علاقته به ودرجة حبه له . فوجيء الجميع بقرار حسين كامل وحاولوا اثنائه عن اتخاذ هذا القرار خصوصا صدام كامل وعز الدين المجيد لكن حسين كامل رفض ذلك واصر على العودة مطمئنا الجميع بان عمه قد اصدر قرار رئاسي بالعفو عنه وعن من معه . رضخ صدام كامل للأمر بينما رفض عز الدين المجيد تنفيذ رغبة حسين كامل وقرر على الفور مغادرة الاردن خشية ان تطاله الضغوط هو الاخر وتجبره على العودة الى العراق .
وفي يوم 19 شباط 1996 انطلقت نفس السيارات الرئاسية التي حملت حسين كامل ومن معه الى الاردن قبل ستة اشهر في رحلة العودة متجهة صوب الحدود العراقية الاردنية وحاملة كل من حسين كامل وزوجته رغد واطفالهم الخمسة وصدام كامل وزوجته رنا واطفالهم الاربعة وشقيقته الهام كامل واطفالها الخمسة من غير زوجها . وقبل مدة قصيرة من وصول هذا الموكب إلى الحدود وصلت الى نقطة طريبيل الحدودية على الجانب العراقي طائرة مروحية تحمل السيدة ساجدة خير الله طلفاح عقيلة الرئيس صدام حسين وأم ابنتيه العائدتين ، يرافقها عدي صدام حسين الذي كان السبب الأول في خروج حسين كامل من العراق على أثر خلافات حادة سابقة وتهديده له بالقتل بعد تزايد نفوذه مما جعل حسين كامل يشعر يومها بأنه لم يعد له مكان في السلطة . كان مجيء عدي إلى الحدود علامة أقلقت حسين كامل وأخافته ، لما يعرفه عن عدي من ممارسات مجنونة وعنف واضح وعدم اتزان . وكانت قد وصلت الى النقطة الحدودية ايضا مجموعة من السيارات المحملة بفدائيي صدام ومنتسبي الحرس الرئاسي في مهمة الغرض منها التأكد من أن كل شيء سيجري مثلما يريد عدي ولقطع الطريق على الموكب اذا ما تراجع حسين كامل عن قراره واراد دخول الاراضي الاردنية مرة اخرى . أخذت الأم ابنتيها بالأحضان والبكاء وكذلك الأولاد ولم يتصافح عدي وأمه مع صهريهما بينما تمتم عدي بكلمات فهم حسين كامل منها لغة التهديد والوعيد وأن مصيراً مجهولاً ينتظره . في هذه اللحظة رأى صدام كامل بان الخطر اصبح يحيط به وبشقيقه وقال له (ألم أقل لك أنك تأخذنا إلى الموت) وطلب منه ان يعودا على الفور الى الاردن لكن حسين كامل رفض وطمأنه بان ما قاله عدي يمثل موقفه الشخصي وإن الرئيس سيحترم توقيعه والعهد الذي قطعه بالعفو عنهما . أخذ عدي وأمه اختيه وأولادهما في الطائرة المروحية بينما تركوا حسين كامل وصدام كامل وعبد الحكيم كامل يعودون بمفردهم بسياراتهم الى بغداد ، ويبدو أن تعليمات واضحة قد صدرت على الحدود بعدم السماح لهم بالخروج ثانية وبقى بعض فدائيي صدام والحرس الرئاسي في نقطة طريبيل الحدودية لإفشال أية محاولة قد يقوم بها حسين كامل وأخواه بالخروج من العراق بعدما لاحظوا الأجواء التي قوبلوا بها عند الدخول .
وفي الصحراء الممتدة بين الحدود وبغداد اقترح صدام كامل على شقيقه الاكبر حسين مرة اخرى أن يهربا عبر طرق البادية وقال له بإنهما سيتعرضان للقتل خصوصا وان الرئيس كما يبدوا قد ترك حسم الأمور لأبنه عدي مما يعطي الانطباع بان الامور لن تكون على خير ، كما قال له بان عدي لن ينسى رفضك مقابلته لشقيقتيه عند مجيئه إلى عمان بعد قرار الانشقاق , لكن حسين رفض ذلك وطمأن اخوه بان كل شيء سيكون على ما يرام . أما في الطائرة العائدة الى بغداد فقد جرى عتاب بين عدي وأختيه وسألهما كيف رفضتا الحديث معه على الهاتف عندما حضر إلى عمان وهاتفهما فقط بحضور الملك حسين فأنكرتا معرفتهما بهذا الأمر ووضحتا له بأنهما كانتا أشبه بالمعتقلتين وممنوع عليهما استخدام الهاتف أو استقبال الزوار ، وحتى الأميرات من الأسرة الملكية كان يسمح لهن بالزيارة ومقابلتهن فقط بحضور الأزواج وانهما حاولتا بوسائل شتى أن يوصلا هذه المعلومات إلى السلطات الأردنية . كما تحدثتا عن الخدعة التي تعرضتا لها من قبل حسين كامل وكيف غرر بهما عندما غادروا العراق بحجة الذهاب للسياحة والاستجمام والإقامة المؤقتة في عمان لحين تسوية الأمور بشكل هادئ مع عدي عبر توسط الملك حسين ، وأنهما لم تعرفا بقصة المؤتمر الصحفي الذي عقده حسين كامل إلا في وقت متأخر . وقد تدخل ايضا الأولاد يؤيدون كلام والدتيهما وقالوا لخالهم بأنهم منعوا من الذهاب إلى المدرسة واللعب مع أحد , وإن أقصى ما أتيح لهم هو اللعب مع كلبين صغيرين طلبهما الأب من ألمانيا , وإن الأولاد كانوا أشبه بالمحتجزين . اشتاط عدي غضبا وتوعد الشقيقين حسين وصدام كامل بالويل , لكن رنا زوجة صدام كامل قالت له بأن زوجها هو ايضا لا علاقة له بكل هذه القضية وأنه أيضاً أرغم على كل ما جرى . لم يقتنع عدي بما قالته رنا وقال بانه كان بامكان صدام كامل بأن يتمرد على شقيقه ويرفض المؤتمر الصحفي وان يحرركما من قيود الاقامة الجبرية , او على الاقل الاتصال به لترتيب عودته الى العراق . حاولت رنا المزيد مع شقيقها وقالت له بانها كانت تخرج مع زوجها الى اي مكان يريدون وإنها لم تكن مقيدة بالمفهوم المطلق كما هو حال أم علي , اي زوجة حسين كامل ، لكن لم يكن بمقدورها أن تعود الى العراق أو تتصل بأهلها , لكن كل هذا الكلام لم يؤثر في عدي الذي كان مقررا كيف سيتعامل مع الصهرين المتمردين .
كان الطريق الى بغداد طويلاً على العائدين ، هبطت الطائرة المروحية على سطح احد القصور ومن هناك انتقلوا بالسيارات الى حيث كان الرئيس صدام حسين ينتظر في أحد المواقع السرية . أما حسين كامل وشقيقه صدام وشقيقته الهام وأطفالها الخمسة فقد قرروا الذهاب الى منزل شقيقتهم (خالصة) في منطقة السيدية وهناك كان بانتظارهم والدهم ووالدتهم . وكان الأب قد ملأ البيت بالأسلحة والاعتدة قبل وصولهم لانه كان يعرف أن أشقائه الآخرين وأبناء عمومته لن يسكتوا عن ما حدث وربما سيقدمون على قتل العائدين .
وبعد التأكد من عودة المنشقين قام وفد من عشيرة أل المجيد على رأسه علي حسن المجيد عضو القيادة العراقية وجمال مصطفى سلطان زوج حلا البنت الصغرى للرئيس صدام حسين وثائر عبد القادر ابن عمة حسين كامل وزوج ابنة الرئيس الراحل أحمد حسن البكر وعشرة اشخاص أخرين يمثل كل منهم العوائل في الأسرة الحاكمة وقابلوا مجتمعين الرئيس صدام حسين . قال علي حسن المجيد للرئيس الذي هو ابن عمه في ذات الوقت (أنك عفوت يا سيادة الرئيس عن الجزء المتعلق بحق الدولة , وعفوت عن الجزء المتعلق بحقك الشخصي لكننا لا نعفو عن حق العشيرة ، فهذا جزء فاسد في العشيرة فما هو مصير الجزء الفاسد) . وهنا قال الرئيس له (تعلمنا أن الجزء الفاسد يبتر قبل أن يستشرى , وحق العشيرة هو مسؤوليتكم وانا لا أتدخل فيما تريدون أن تفعلوه ، لكنني أمنع أولادي من المشاركة المباشرة في أي عمل تنوون القيام به لاني حين أعفيت ، أعفيت عن حقي وحق أولادي) . فهم الزوار من هذا الكلام بأنها مباركة وتأييد من الرئيس لهم وانه لم يتبقى عليهم غير أن يهيئوا أنفسهم للتنفيذ . وقال أحد الحضور للرئيس صدام حسين (سيادة الرئيس إنهما لازالا صهريك من الناحية القانونية والشرعية وليس بمقدورنا أن نقتلهما ان بقيا كذلك) ، فأمر الرئيس على الفور بأن يقوم حسين وصدام كامل بتطليق زوجيتهما لكي لا توصفا على أنهما أرملتي خائنين . واتفق الجميع على أن يطلب من قاضي بغداد الأول إجراءات مستعجلة لأعداد مراسيم الطلاق بناءً على طلب خطي تقدمه ابنتا الرئيس صدام حسين , ووعد عدي الحاضرين بأنه سيهيئ الطلبات بسرعة . انصرف الجميع وقد قرروا ما سيفعلونه في مهمتهم القادمة , وكانوا يدركون أيضاً أن حسين كامل ليس خصماً سهلاً وأنه سيقاتل بشراسة .
في يوم 20/2/1996 , ذهب عدي إلى شقيقتيه وطلب منهما التوقيع على طلبات موجهة للقاضي الشرعي لكي يتم الطلاق , وأحضر عدي بعض الاوراق المعدة لهذا الغرض طالبا من الشقيقتين توقيعها دون أي اعتراض . ويقال أن رنا زوجة صدام كامل حاولت الدفاع عن زوجها رافضة ما يجري وقالت لعدي (افعلوا بحسين ما تريدون لكن صدام لا علاقة له بهذا) . افهمها عدي بان الاوامر حاسمة ولا تتقبل الرفض وان العشيرة ستقتلهما في كل الاحوال وأنه وأبيها لا دخل لهما في هذا الامر . ومع ذلك ظلت رنا رافضة لما يطلب منها وما سيجري لكنها انهارت ورضخت في الاخر ولم تستطع أن تفعل شيئاً يحول دون ما سيحصل . وبعد ان جهزت الاوراق تم استدعاء كامل حسن المجيد من قبل أشقائه واقربائه وطلبوا منه أن يذهب لأولاده حسين وصدام ويأخذهما إلى المحكمة لتطليق زوجيتهما رغد ورنا صدام حسين لانهما قدمتا طلبات للطلاق منهما . رفض الأب هذا الطلب لكنهم هددوه ووعدوه في نفس الوقت بأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها أن يحافظ بها على حياة ابنيه , وهذا وعد آخر قطع في هذه القضية لكنه سينقض أيضاً كما سنرى . وافق الأب على الطلب مرغما وذهب إلى ولديه الذين رضخا للأمر ايضا وصحبهما يوم 21 شباط إلى حيث قاضي بغداد الأول عبد القادر إبراهيم الذي قام بالإجراءات القانونية والشرعية للطلاق . بعد الانتهاء من هذه القضية لم يتبقى سوى تنفيذ ما قررته العشيرة وتهيئة الاشخاص الذين سيقومون بالمهمة . لم يكن من المنوي في البداية اشراك اي من فدائي صدام او افراد الجيش في تنفيذ العملية على اساس انها ثأر عائلي يجب ان ينفذ من قبل اقرب الناس الى الاشخاص المستهدفين , لكن الحاجة ظهرت اليهم بعد بدأ الهجوم والعجز من حسمه بسرعة .
كانت الخطة تقضي باخلاء المنطقة من السكان في مساء يوم 22 شباط ومحاصرة الدار التي يتواجد فيها حسين كامل وصدام كامل ومن معه تمهيدا للهجوم عليهم عند حلول الفجر . وكانت الاوامر قد صدرت الى نقاط السيطرة الواقعة على مداخل مدينة بغداد بأجراء تفتيش دقيق للسيارات الداخلة والخارجة ، وكان لدى نقاط التفتيش تعليمات صارمة بمنع حسين كامل وأشقائه من مغادرة بغداد ، وهذا ما يؤكد أن السلطة كانت جزءاً مما سيحدث لاحقاً لان ذهابه إلى معقل أهله في قرية العوجة الواقعة في ضواحي مدينة تكريت (160 كم شمال بغداد) كان من شأنه ان يعيق تنفيذ خطة التصفية . وفي الساعة الرابعة والنصف فجر يوم 23 شباط حوصر الدار من جميع الجهات . كانت والدة حسين كامل تعز الرئيس صدام حسين كثيرا وظنت ان بوسعها ان تحاول منع المصير المقرر لابنائها اذا ما قابلته وطلبت منه ان يعفي عنهما . وبالفعل غادرت الام مبكرة مع احد السواق وسمح المحاصرين لها بالمرور لانها لم تكن من ضمن المطلوبين . كان علي حسن المجيد على رأس القوة المهاجمة وكان إلى جواره واحد من أكثر المتحمسين لقتل حسين كامل هو ابن شقيقته ثائر عبد القادر المجيد والذي حث خاله على بدأ الهجوم وانهاء القضية بسرعة . وبعد شروق الشمس نادى على حسن المجيد على شقيقه كامل بواسطة مكبرة صوت وطلب منه ان يغادر الدار مع النساء والاطفال لانهم ليسوا من المطلوبين , لكن الحاج كامل اجابه من احد النوافذ بانه مستعد للموت مع اولاده بعد ان غدروا بهم ونقضوا عهودهم . بدأ المهاجمون بإطلاق النار وقذائف الار بي جي على المنزل , وقد رد من في البيت على مطلقي النار . ومن سخرية القدر ان اول من قتل من المهاجمين هو من كان اكثرهم حماسا للهجوم والقتل وهو ثائر ابن خالة حسين كامل حيث كان هو وشقيقه سليمان عبد القادر واقفان في قطعة الارض الخالية المجاورة لمنزل شقيقة حسين كامل فاطلقت عليهم النار من احد شبابيك المنزل فاصيب بجبهته وقتل في الحال . كما قتل من بين المهاجمين شخص أخر من عشيرة ألمجيد هو أحمد رزوقي سليمان المجيد وهو أيضاً ابن شقيقة أخرى للحاج كامل , أي أن ابناء الخوات كانوا يتقدمون الصفوف لقتل خالهم وأولاده . قاتل من في البيت قتالاً شرساً ويمكن القول بأن حسين كامل لم يكن يجيد شيئا في حياته أفضل من القتال , فبعد حوالي ست ساعات من المواجة كان هناك ستون شخصاً بين قتيل وجريح من المهاجمين . قرر علي حسن المجيد ومن معه التراجع من المقدمة وتركوا تنفيذ الهجوم للملثمين من منتسبي فدائيي صدام الذين كان أغلب الضحايا من بينهم . بعد فترة شاهد المهاجمين راية بيضاء تظهر من السطح فهم المهاجمون بأنها علامة استسلام الموجودين في المنزل لكن علي حسن المجيد طلب من احد الرماة التصويب على رأس من يظهر حاملا الراية . وما ان ظهر الرأس حتى صوب نحوه الرامي نيرانه قبل حتى ان يعرف اذا ما كان كبيرا او طفلا او رجلا او أمرأة , وإذا به صدام كامل حيث اصيب في فمه وقتل في الحال وتناثر رأسه . وبعد عدة ساعات قرر المهاجمون حرق الدار , وبالفعل فقد تم اطلاق قذائف حارقة على المنزل من الامام ومن الخلف فشبت النار في جميع ارجاء الدار فصعد من فيه الى الطابق الثاني واصبحوا في وضع افضل من المهاجمين الذين وقفوا عاجزين لا يعرفون ماذا يفعلون , فلاهم يستطيعون اقتحام الدار ولاهم يستطيعون الهجوم لان المدافعين اصبحوا مشرفين عليهم . قرر المهاجمون اخماد النيران فاستدعوا سيارات اطفاء من نفس قاطع تلك المنطقة لهذه المهمة . وبعد اخماد النيران سحبت العجلات واستأنف الهجوم مرة اخرى . في تلك الفترة كان جميع من في الدار قد قتلوا الا حسين كامل الذي استغل الموقف وانتقل الى الدار المجاورة . فوجيء المهاجمون بان النار اخذت تطلق عليهم من الدار المجاورة فتقدم احمد عبد الغفور لمعالجة الموقف فاصيب باطلاقات نارية لكنه لم يقتل . وبعد مدة اخرى صدرت الأوامر للمهاجمين باستعمال الأسلحة المتوسطة من أجل هّد البيت وهدمه على من فيه . وفي حدود الساعة الرابعة عصرا توقفت النيران من الدار حيث يبدو بأن أغلب الموجودين في الداخل قد قتلوا ، وخرج حسين كامل من المنزل المجاور جريحاً إلى حديقة الدار موافقاً على الاستسلام . لكن المهاجمين لم يكونوا يريدونه حيا بقدر ما كانوا يريدون قتله فوجهت اليه النيران وهو يخرج من الدار على ركبتيه وايديه خلف رأسه فسقط على الارض ممدا امام الباب . ذهب إليه عمه علي حسن المجيد وحرك رأسه بحذائه ورفس الجثة ليتأكد من مقتله , وعندما شعر بأن في الجثة بقايا روح صوب مسدسه نحو رأسه ونثره أيضا .
مخطط المنطقة التي جرى فيها قتل حسين وصدام كامل
توقف إطلاق النار ودخل المهاجمون إلى المنزل الذي تحول الى أطلال ليجدوا الحاج كامل وابنته ألهام واطفالها الخمسة قد قتلوا إضافة إلى ابنائه عبد الحكيم وصدام وحسين كامل . سحبت الجثث وتركت على الرصيف المقابل للدار لمدة اربعة أيام حتى انتفخت وانبعثت منها رائحة كريهة بحيث اشتكى من في الحي من الرائحة الكريهة فصدرت الأوامر أن تنقل الجثث الى إحدى المقابر حيث دفنوا في مواقع سرية لا يعلم بها احد الى يومنا هذا . وتوجد أفلام فيديو بعنوان قصة حسين كامل:صعوده وانشقاقه ومقتله.
بعيدا عن السياسة ودهاليزها , وبقصد لا يتعدى التوثيق التاريخي نستعرض اليوم صفحة مهمة من صفحات تاريخ العراق في العصر الحديث , قد تكون ربما ذات اثار كبيرة امتد وقعها من يوم حدوثها حتى يومنا هذا , تلك هي حادثة مقتل صهري الرئيس العراقي الاسبق حسين وصدام كامل المجيد . وحسين وصدام كامل المجيد هما ولدا ابن عم الرئيس صدام حسين , وزوجا ابنتيه رغد ورنا . وكان حسين كامل هو فتى صدام حسين المدلل الى درجة كان لا يرد له كلمة ابدا والذي ظلت مكانته ونفوذه يزدادان منذ ان اصبح صهره في عام 1983 حتى هروبه وانشقاقه عام 1995 . سنحاول من خلال هذا الموضوع استعراض ما جرى في هذه الواقعة من زاوية توثيقية كحادثة قتل مهمة من دون التطرق الى اي من النواحي السياسية المتعلقة بالحادث لانها لا تقع ضمن القصد .
منذ ان ظهر حسين كامل على الساحة السياسية بالعراق اواخر السبعينات اخذ نجمه يرتفع سريعا وتسلق سلم الرتب العسكرية كالصاروخ لنجاحه في تطوير البرنامج التسليحي العسكري والنووي والجرثومي والكيماوي العراقي اضافة الى تسلمه المهام الأمنية الخاصة بحماية الرئيس صدام حسين , كما أصبح المشرف العام على قوات الحرس الجمهوري . وقد استمرت مكانته في الدولة بالارتفاع حتى وصلت الى مراتب خطيرة حين اصبح برتبة فريق اول ركن وصار وزيرا الصناعة والتصنيع العسكري ثم وزيرا للدفاع وهو الذي لم يدخل كلية عسكرية في حياته . ومما زاد في تقوية مكانته ان شقيقه صدام كامل تزوج عام 1986 من بنت صدام حسين الاخرى رنا , فاصبح هو وشقيقه صهري الرئيس .
غير ان الايام لم تبقى صافية امام هذا الشاب الطموح والذي كان طموحه يتعدى كثيرا مستوى عقليته بسبب وجود طموحين اخرين في الدولة اهمهم واخطرهم ابن الرئيس العراقي عدي صدام حسين . وبالرغم من كونهما قد تربيا معا وفي نفس الوسط الا ان طموح عدي الفائق ومكانته في العائلة تجاوزت طموح ومكانة حسين كامل فاخذت مشاعر الغيرة والكره بينهما تنموا في قلبيهما حتى اصبح الوضع لا يطيق وجودهما معا على الساحة . شعر حسين كامل بان عدي صدام حسين يكيد له وانه ناوي على الايقاع به بشكل او بأخر وان الوشايات عنه والتي كانت تنقل إلى صدام حسين عبر أبناء عمه وأقاربه قد اصبحت تشكل خطرا على وجوده في قمة الهرم السياسي في العراق , لذلك فكر بعمل حركة التفافية خطيرة اعتقد بانها يمكن ان تقوده للسلطة وهي الانقلاب على النظام برمته . لم يكن بامكان حسين كامل القيام بحركة عسكرية تطيح بالنظام لعدم وجود نفوذ له بالجيش او قادة عسكريون يؤيدونه لذلك لم يجد غير التفكير بالانقلاب على النظام من الخارج حين وجد بان معظم دول العالم وعلى رأسهم الولايات المتحدة يعادون العراق ويعدون العدة لاسقاط النظام فيه . فكر حسين كامل بان يستغل هذا الحال ويركب هذه الموجة ويهرب الى خارج العراق ويعرض على الساعين لاسقاط النظام فيه بان يتعاون معهم وان يكون يدهم الطويلة والقوية لتحقيق هذا الهدف . كتم حسين كامل في نفسه هذه النية , وحين اراد تنفيذ ما بنفسه ابلغ زوجته رغد وشقيقه صدام كامل وزوجته رنا وشقيقته الهام كامل وزوجها عزالدين المجيد بانه طلب من الرئيس صدام حسين بان يسافروا الى الاردن لفترة من الزمن للراحة والاستجمام وان الرئيس وافق على طلبه . واختار حسين كامل مناسبة يوم النصر التي تصادف في 8 اب حيث يكون الجميع مشغولين بالاحتفال بها لينطلق الى الاردن بثلاث سيارات رئاسية من غير ان يشعر بهذا أحد .
في ليلة 8 على 9 اب عام 1995 انطلقت ثلاث سيارات رئاسية من بغداد صوب الحدود العراقية الاردنية , واحدة تحمل حسين كامل وزوجته رغد واطفالهم الخمسة , والثانية تحمل صدام كامل وزوجته رنا صدام حسين واطفالهم الاربعة , والثالثة تحمل شقيقة حسين كامل الهام كامل وزوجها عزالدين المجيد واطفالهم الخمسة . وفي نقطة الحدود اهتم المسؤولين بالقادمين على اساس انهم وفد رفيع ذاهب الى الاردن بمهمة خاصة . طلب حسين كامل من مدير النقطة الحدودية ان يتوجه بهم صوب الحدود من دون المرور بدائرة الجوازات فما كان من المدير غير ان يمتثل للأوامر وينفذها بدقة . عبرت السيارات الثلاث الحدود وجرى استقبال من فيها على الجانب الاردني باهتمام كبير لمكانة حسين كامل الرفيعة وسهلوا من اجراءات دخولهم الاراضي الاردنية . وبعد وصوله الى عمان واجتماعه بالملك حسين اعلن حسين كامل انشقاقه على النظام العراقي وطلب اللجوء الى الاردن . وافق الملك حسين على طلب اللجوء مجازفا بتحمل كل النتائج التي تترتب على هذا القبول ومن بينها احتمال قيام العراق بقطع الامدادات النفطية عن الاردن . ضج العالم كله بهذا الحدث الخطير الذي لم تعرف اسبابه ودوافعهواعتبر حصوله علامة على تردي الاوضاع في العراق وانفراط عقد الداعمين للسلطة فيه . وفي 14 أب عقد حسين كامل مؤتمرا صحفيا تحدث فيه عن الاسباب التي دفعته الى هذا الفعل ومفصحا في ذات الوقت عن خططه ونياته لتغيير الاوضاع في العراق . بعد اعلان الانشقاق جاء الى الاردن عدي صدام حسين واجتمع بالعاهل الاردني محاولا ان يغير موقفه ويسلم المنشقين الى العراق لكن الملك الاردني رفض هذا الطلب . وحاول عدي ايضا الاجتماع مع شقيقتيه ليحثهما على العودة معه لكن حسين كامل منعهما من الالتقاء به وبذلك فشلت مهمة عدي وعاد الى العراق خائبا .
كان حسين كامل يتأمل بان بأستطاعته قلب النظام في العراق بالتعاون مع المعارضة العراقية وبدعم الولايات المتحدة لكن اي جهة لم تعلن عن استعدادها للتعاون معه للوصول الى هذا الهدف . وقد حاول حسين كامل من جهة اخرى جذب المؤيدين له من خلال عرضه بكشف الاسرار التسليحية للعراق وخططه وبرامجه للمستقبل , لكن الجهات المستفيدة من هذا العرض مدت ايديها اليه للحصول على المعلومات من غير ان تقدم له اي مقابل . من جانب اخر فان السلطات الاردنية اخذت مع الوقت تضيق الخناق على المنشقين وتمنع عنهم وسائل الاتصال وتطوق حرية حركتهم . وبعد مدة اصبح حسين كامل يعاني من الانعزال والتطويق ورفض اي جهة التعامل معه حتى وصل الامر الى ما يشبه الاقامة الجبرية وعدم اهتمام اي جهة به خصوصا وانه افرغ بكل ما في جعبته من الاسرار التي يريد الاخرين الحصول عليها منه . استغل الرئيس العراقي صدام حسين هذا الحال واخذ يمد الجسور نحو صهره وابن ابن عمه حسين كامل طالبا منه العودة الى الوطن ومواعدا اياه بالعفو عنه . لم يكن حسين كامل من النوع الذي يقبل العيش في ظل الوضع الذي اصبح فيه وهو الذي اعتاد على العيش في نفوذ لا يحلم به احد اذ كان يد صدام حسين المقربة. لذلك قرر حسين كامل العودة الى العراق بحجة ان الظروف والاسباب التي دعته الى الانشقاق قد زالت وان الانفراج قد حصل بالعراق بعد موافقة الامم المتحدة على تطبيق مذكرة التفاهم التي كانت بعنوان (النفط مقابل الغذاء والدواء) . كان هذا في الحقيقة اغبى موقف يمكن ان يتخذه انسان عارف بطبيعة شخصية الرئيس العراق صدام حسين الذي لم يسبق له قط وخلال كل حياته ان عفا عن شخص خانه مهما كانت علاقته به ودرجة حبه له . فوجيء الجميع بقرار حسين كامل وحاولوا اثنائه عن اتخاذ هذا القرار خصوصا صدام كامل وعز الدين المجيد لكن حسين كامل رفض ذلك واصر على العودة مطمئنا الجميع بان عمه قد اصدر قرار رئاسي بالعفو عنه وعن من معه . رضخ صدام كامل للأمر بينما رفض عز الدين المجيد تنفيذ رغبة حسين كامل وقرر على الفور مغادرة الاردن خشية ان تطاله الضغوط هو الاخر وتجبره على العودة الى العراق .
وفي يوم 19 شباط 1996 انطلقت نفس السيارات الرئاسية التي حملت حسين كامل ومن معه الى الاردن قبل ستة اشهر في رحلة العودة متجهة صوب الحدود العراقية الاردنية وحاملة كل من حسين كامل وزوجته رغد واطفالهم الخمسة وصدام كامل وزوجته رنا واطفالهم الاربعة وشقيقته الهام كامل واطفالها الخمسة من غير زوجها . وقبل مدة قصيرة من وصول هذا الموكب إلى الحدود وصلت الى نقطة طريبيل الحدودية على الجانب العراقي طائرة مروحية تحمل السيدة ساجدة خير الله طلفاح عقيلة الرئيس صدام حسين وأم ابنتيه العائدتين ، يرافقها عدي صدام حسين الذي كان السبب الأول في خروج حسين كامل من العراق على أثر خلافات حادة سابقة وتهديده له بالقتل بعد تزايد نفوذه مما جعل حسين كامل يشعر يومها بأنه لم يعد له مكان في السلطة . كان مجيء عدي إلى الحدود علامة أقلقت حسين كامل وأخافته ، لما يعرفه عن عدي من ممارسات مجنونة وعنف واضح وعدم اتزان . وكانت قد وصلت الى النقطة الحدودية ايضا مجموعة من السيارات المحملة بفدائيي صدام ومنتسبي الحرس الرئاسي في مهمة الغرض منها التأكد من أن كل شيء سيجري مثلما يريد عدي ولقطع الطريق على الموكب اذا ما تراجع حسين كامل عن قراره واراد دخول الاراضي الاردنية مرة اخرى . أخذت الأم ابنتيها بالأحضان والبكاء وكذلك الأولاد ولم يتصافح عدي وأمه مع صهريهما بينما تمتم عدي بكلمات فهم حسين كامل منها لغة التهديد والوعيد وأن مصيراً مجهولاً ينتظره . في هذه اللحظة رأى صدام كامل بان الخطر اصبح يحيط به وبشقيقه وقال له (ألم أقل لك أنك تأخذنا إلى الموت) وطلب منه ان يعودا على الفور الى الاردن لكن حسين كامل رفض وطمأنه بان ما قاله عدي يمثل موقفه الشخصي وإن الرئيس سيحترم توقيعه والعهد الذي قطعه بالعفو عنهما . أخذ عدي وأمه اختيه وأولادهما في الطائرة المروحية بينما تركوا حسين كامل وصدام كامل وعبد الحكيم كامل يعودون بمفردهم بسياراتهم الى بغداد ، ويبدو أن تعليمات واضحة قد صدرت على الحدود بعدم السماح لهم بالخروج ثانية وبقى بعض فدائيي صدام والحرس الرئاسي في نقطة طريبيل الحدودية لإفشال أية محاولة قد يقوم بها حسين كامل وأخواه بالخروج من العراق بعدما لاحظوا الأجواء التي قوبلوا بها عند الدخول .
وفي الصحراء الممتدة بين الحدود وبغداد اقترح صدام كامل على شقيقه الاكبر حسين مرة اخرى أن يهربا عبر طرق البادية وقال له بإنهما سيتعرضان للقتل خصوصا وان الرئيس كما يبدوا قد ترك حسم الأمور لأبنه عدي مما يعطي الانطباع بان الامور لن تكون على خير ، كما قال له بان عدي لن ينسى رفضك مقابلته لشقيقتيه عند مجيئه إلى عمان بعد قرار الانشقاق , لكن حسين رفض ذلك وطمأن اخوه بان كل شيء سيكون على ما يرام . أما في الطائرة العائدة الى بغداد فقد جرى عتاب بين عدي وأختيه وسألهما كيف رفضتا الحديث معه على الهاتف عندما حضر إلى عمان وهاتفهما فقط بحضور الملك حسين فأنكرتا معرفتهما بهذا الأمر ووضحتا له بأنهما كانتا أشبه بالمعتقلتين وممنوع عليهما استخدام الهاتف أو استقبال الزوار ، وحتى الأميرات من الأسرة الملكية كان يسمح لهن بالزيارة ومقابلتهن فقط بحضور الأزواج وانهما حاولتا بوسائل شتى أن يوصلا هذه المعلومات إلى السلطات الأردنية . كما تحدثتا عن الخدعة التي تعرضتا لها من قبل حسين كامل وكيف غرر بهما عندما غادروا العراق بحجة الذهاب للسياحة والاستجمام والإقامة المؤقتة في عمان لحين تسوية الأمور بشكل هادئ مع عدي عبر توسط الملك حسين ، وأنهما لم تعرفا بقصة المؤتمر الصحفي الذي عقده حسين كامل إلا في وقت متأخر . وقد تدخل ايضا الأولاد يؤيدون كلام والدتيهما وقالوا لخالهم بأنهم منعوا من الذهاب إلى المدرسة واللعب مع أحد , وإن أقصى ما أتيح لهم هو اللعب مع كلبين صغيرين طلبهما الأب من ألمانيا , وإن الأولاد كانوا أشبه بالمحتجزين . اشتاط عدي غضبا وتوعد الشقيقين حسين وصدام كامل بالويل , لكن رنا زوجة صدام كامل قالت له بأن زوجها هو ايضا لا علاقة له بكل هذه القضية وأنه أيضاً أرغم على كل ما جرى . لم يقتنع عدي بما قالته رنا وقال بانه كان بامكان صدام كامل بأن يتمرد على شقيقه ويرفض المؤتمر الصحفي وان يحرركما من قيود الاقامة الجبرية , او على الاقل الاتصال به لترتيب عودته الى العراق . حاولت رنا المزيد مع شقيقها وقالت له بانها كانت تخرج مع زوجها الى اي مكان يريدون وإنها لم تكن مقيدة بالمفهوم المطلق كما هو حال أم علي , اي زوجة حسين كامل ، لكن لم يكن بمقدورها أن تعود الى العراق أو تتصل بأهلها , لكن كل هذا الكلام لم يؤثر في عدي الذي كان مقررا كيف سيتعامل مع الصهرين المتمردين .
كان الطريق الى بغداد طويلاً على العائدين ، هبطت الطائرة المروحية على سطح احد القصور ومن هناك انتقلوا بالسيارات الى حيث كان الرئيس صدام حسين ينتظر في أحد المواقع السرية . أما حسين كامل وشقيقه صدام وشقيقته الهام وأطفالها الخمسة فقد قرروا الذهاب الى منزل شقيقتهم (خالصة) في منطقة السيدية وهناك كان بانتظارهم والدهم ووالدتهم . وكان الأب قد ملأ البيت بالأسلحة والاعتدة قبل وصولهم لانه كان يعرف أن أشقائه الآخرين وأبناء عمومته لن يسكتوا عن ما حدث وربما سيقدمون على قتل العائدين .
وبعد التأكد من عودة المنشقين قام وفد من عشيرة أل المجيد على رأسه علي حسن المجيد عضو القيادة العراقية وجمال مصطفى سلطان زوج حلا البنت الصغرى للرئيس صدام حسين وثائر عبد القادر ابن عمة حسين كامل وزوج ابنة الرئيس الراحل أحمد حسن البكر وعشرة اشخاص أخرين يمثل كل منهم العوائل في الأسرة الحاكمة وقابلوا مجتمعين الرئيس صدام حسين . قال علي حسن المجيد للرئيس الذي هو ابن عمه في ذات الوقت (أنك عفوت يا سيادة الرئيس عن الجزء المتعلق بحق الدولة , وعفوت عن الجزء المتعلق بحقك الشخصي لكننا لا نعفو عن حق العشيرة ، فهذا جزء فاسد في العشيرة فما هو مصير الجزء الفاسد) . وهنا قال الرئيس له (تعلمنا أن الجزء الفاسد يبتر قبل أن يستشرى , وحق العشيرة هو مسؤوليتكم وانا لا أتدخل فيما تريدون أن تفعلوه ، لكنني أمنع أولادي من المشاركة المباشرة في أي عمل تنوون القيام به لاني حين أعفيت ، أعفيت عن حقي وحق أولادي) . فهم الزوار من هذا الكلام بأنها مباركة وتأييد من الرئيس لهم وانه لم يتبقى عليهم غير أن يهيئوا أنفسهم للتنفيذ . وقال أحد الحضور للرئيس صدام حسين (سيادة الرئيس إنهما لازالا صهريك من الناحية القانونية والشرعية وليس بمقدورنا أن نقتلهما ان بقيا كذلك) ، فأمر الرئيس على الفور بأن يقوم حسين وصدام كامل بتطليق زوجيتهما لكي لا توصفا على أنهما أرملتي خائنين . واتفق الجميع على أن يطلب من قاضي بغداد الأول إجراءات مستعجلة لأعداد مراسيم الطلاق بناءً على طلب خطي تقدمه ابنتا الرئيس صدام حسين , ووعد عدي الحاضرين بأنه سيهيئ الطلبات بسرعة . انصرف الجميع وقد قرروا ما سيفعلونه في مهمتهم القادمة , وكانوا يدركون أيضاً أن حسين كامل ليس خصماً سهلاً وأنه سيقاتل بشراسة .
في يوم 20/2/1996 , ذهب عدي إلى شقيقتيه وطلب منهما التوقيع على طلبات موجهة للقاضي الشرعي لكي يتم الطلاق , وأحضر عدي بعض الاوراق المعدة لهذا الغرض طالبا من الشقيقتين توقيعها دون أي اعتراض . ويقال أن رنا زوجة صدام كامل حاولت الدفاع عن زوجها رافضة ما يجري وقالت لعدي (افعلوا بحسين ما تريدون لكن صدام لا علاقة له بهذا) . افهمها عدي بان الاوامر حاسمة ولا تتقبل الرفض وان العشيرة ستقتلهما في كل الاحوال وأنه وأبيها لا دخل لهما في هذا الامر . ومع ذلك ظلت رنا رافضة لما يطلب منها وما سيجري لكنها انهارت ورضخت في الاخر ولم تستطع أن تفعل شيئاً يحول دون ما سيحصل . وبعد ان جهزت الاوراق تم استدعاء كامل حسن المجيد من قبل أشقائه واقربائه وطلبوا منه أن يذهب لأولاده حسين وصدام ويأخذهما إلى المحكمة لتطليق زوجيتهما رغد ورنا صدام حسين لانهما قدمتا طلبات للطلاق منهما . رفض الأب هذا الطلب لكنهم هددوه ووعدوه في نفس الوقت بأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها أن يحافظ بها على حياة ابنيه , وهذا وعد آخر قطع في هذه القضية لكنه سينقض أيضاً كما سنرى . وافق الأب على الطلب مرغما وذهب إلى ولديه الذين رضخا للأمر ايضا وصحبهما يوم 21 شباط إلى حيث قاضي بغداد الأول عبد القادر إبراهيم الذي قام بالإجراءات القانونية والشرعية للطلاق . بعد الانتهاء من هذه القضية لم يتبقى سوى تنفيذ ما قررته العشيرة وتهيئة الاشخاص الذين سيقومون بالمهمة . لم يكن من المنوي في البداية اشراك اي من فدائي صدام او افراد الجيش في تنفيذ العملية على اساس انها ثأر عائلي يجب ان ينفذ من قبل اقرب الناس الى الاشخاص المستهدفين , لكن الحاجة ظهرت اليهم بعد بدأ الهجوم والعجز من حسمه بسرعة .
كانت الخطة تقضي باخلاء المنطقة من السكان في مساء يوم 22 شباط ومحاصرة الدار التي يتواجد فيها حسين كامل وصدام كامل ومن معه تمهيدا للهجوم عليهم عند حلول الفجر . وكانت الاوامر قد صدرت الى نقاط السيطرة الواقعة على مداخل مدينة بغداد بأجراء تفتيش دقيق للسيارات الداخلة والخارجة ، وكان لدى نقاط التفتيش تعليمات صارمة بمنع حسين كامل وأشقائه من مغادرة بغداد ، وهذا ما يؤكد أن السلطة كانت جزءاً مما سيحدث لاحقاً لان ذهابه إلى معقل أهله في قرية العوجة الواقعة في ضواحي مدينة تكريت (160 كم شمال بغداد) كان من شأنه ان يعيق تنفيذ خطة التصفية . وفي الساعة الرابعة والنصف فجر يوم 23 شباط حوصر الدار من جميع الجهات . كانت والدة حسين كامل تعز الرئيس صدام حسين كثيرا وظنت ان بوسعها ان تحاول منع المصير المقرر لابنائها اذا ما قابلته وطلبت منه ان يعفي عنهما . وبالفعل غادرت الام مبكرة مع احد السواق وسمح المحاصرين لها بالمرور لانها لم تكن من ضمن المطلوبين . كان علي حسن المجيد على رأس القوة المهاجمة وكان إلى جواره واحد من أكثر المتحمسين لقتل حسين كامل هو ابن شقيقته ثائر عبد القادر المجيد والذي حث خاله على بدأ الهجوم وانهاء القضية بسرعة . وبعد شروق الشمس نادى على حسن المجيد على شقيقه كامل بواسطة مكبرة صوت وطلب منه ان يغادر الدار مع النساء والاطفال لانهم ليسوا من المطلوبين , لكن الحاج كامل اجابه من احد النوافذ بانه مستعد للموت مع اولاده بعد ان غدروا بهم ونقضوا عهودهم . بدأ المهاجمون بإطلاق النار وقذائف الار بي جي على المنزل , وقد رد من في البيت على مطلقي النار . ومن سخرية القدر ان اول من قتل من المهاجمين هو من كان اكثرهم حماسا للهجوم والقتل وهو ثائر ابن خالة حسين كامل حيث كان هو وشقيقه سليمان عبد القادر واقفان في قطعة الارض الخالية المجاورة لمنزل شقيقة حسين كامل فاطلقت عليهم النار من احد شبابيك المنزل فاصيب بجبهته وقتل في الحال . كما قتل من بين المهاجمين شخص أخر من عشيرة ألمجيد هو أحمد رزوقي سليمان المجيد وهو أيضاً ابن شقيقة أخرى للحاج كامل , أي أن ابناء الخوات كانوا يتقدمون الصفوف لقتل خالهم وأولاده . قاتل من في البيت قتالاً شرساً ويمكن القول بأن حسين كامل لم يكن يجيد شيئا في حياته أفضل من القتال , فبعد حوالي ست ساعات من المواجة كان هناك ستون شخصاً بين قتيل وجريح من المهاجمين . قرر علي حسن المجيد ومن معه التراجع من المقدمة وتركوا تنفيذ الهجوم للملثمين من منتسبي فدائيي صدام الذين كان أغلب الضحايا من بينهم . بعد فترة شاهد المهاجمين راية بيضاء تظهر من السطح فهم المهاجمون بأنها علامة استسلام الموجودين في المنزل لكن علي حسن المجيد طلب من احد الرماة التصويب على رأس من يظهر حاملا الراية . وما ان ظهر الرأس حتى صوب نحوه الرامي نيرانه قبل حتى ان يعرف اذا ما كان كبيرا او طفلا او رجلا او أمرأة , وإذا به صدام كامل حيث اصيب في فمه وقتل في الحال وتناثر رأسه . وبعد عدة ساعات قرر المهاجمون حرق الدار , وبالفعل فقد تم اطلاق قذائف حارقة على المنزل من الامام ومن الخلف فشبت النار في جميع ارجاء الدار فصعد من فيه الى الطابق الثاني واصبحوا في وضع افضل من المهاجمين الذين وقفوا عاجزين لا يعرفون ماذا يفعلون , فلاهم يستطيعون اقتحام الدار ولاهم يستطيعون الهجوم لان المدافعين اصبحوا مشرفين عليهم . قرر المهاجمون اخماد النيران فاستدعوا سيارات اطفاء من نفس قاطع تلك المنطقة لهذه المهمة . وبعد اخماد النيران سحبت العجلات واستأنف الهجوم مرة اخرى . في تلك الفترة كان جميع من في الدار قد قتلوا الا حسين كامل الذي استغل الموقف وانتقل الى الدار المجاورة . فوجيء المهاجمون بان النار اخذت تطلق عليهم من الدار المجاورة فتقدم احمد عبد الغفور لمعالجة الموقف فاصيب باطلاقات نارية لكنه لم يقتل . وبعد مدة اخرى صدرت الأوامر للمهاجمين باستعمال الأسلحة المتوسطة من أجل هّد البيت وهدمه على من فيه . وفي حدود الساعة الرابعة عصرا توقفت النيران من الدار حيث يبدو بأن أغلب الموجودين في الداخل قد قتلوا ، وخرج حسين كامل من المنزل المجاور جريحاً إلى حديقة الدار موافقاً على الاستسلام . لكن المهاجمين لم يكونوا يريدونه حيا بقدر ما كانوا يريدون قتله فوجهت اليه النيران وهو يخرج من الدار على ركبتيه وايديه خلف رأسه فسقط على الارض ممدا امام الباب . ذهب إليه عمه علي حسن المجيد وحرك رأسه بحذائه ورفس الجثة ليتأكد من مقتله , وعندما شعر بأن في الجثة بقايا روح صوب مسدسه نحو رأسه ونثره أيضا .
مخطط المنطقة التي جرى فيها قتل حسين وصدام كامل
توقف إطلاق النار ودخل المهاجمون إلى المنزل الذي تحول الى أطلال ليجدوا الحاج كامل وابنته ألهام واطفالها الخمسة قد قتلوا إضافة إلى ابنائه عبد الحكيم وصدام وحسين كامل . سحبت الجثث وتركت على الرصيف المقابل للدار لمدة اربعة أيام حتى انتفخت وانبعثت منها رائحة كريهة بحيث اشتكى من في الحي من الرائحة الكريهة فصدرت الأوامر أن تنقل الجثث الى إحدى المقابر حيث دفنوا في مواقع سرية لا يعلم بها احد الى يومنا هذا . وتوجد أفلام فيديو بعنوان قصة حسين كامل:صعوده وانشقاقه ومقتله.