بسم الله الرحمن الرحيم
بداياته
من مواليد عام 1925م درس الطب وتخرج طبيبا في جامعة الملاي في عام 1974م تم تعيينه وزيرا للتربية والتعليم. ثم نائبا لرئيس الوزراء، وعام 1981م تولى رئاسة الحكومة.
إنجازاته
وصلت ماليزيا في عهده ذرى لم تصل إليها دولة إسلامية أخرى حتى اقترب نصيب الفرد الماليزي من الدخل القومي إلى 10 آلاف دولار سنويا لقد حقق د. مهاتير السلام الداخلي في ماليزيا من خلال سياسات إنتاجية وتنموية، ونجح في عقد صفقة تاريخية بين أرجاء النخب الماليزية وفي المقابل أعطى فرصة متميزة للطائفة المالاوية في مجالات الصحة والتعليم الرؤى والأفكار.
مهاتير رجل لا يرى الإسلام مجرد ممارسة مجموعة من الشعائر الدينية بل منظومة متكاملة تصلح لجميع شؤون الحياة وبفضل هذه العقلية الجبارة والروح المتشبعة بتعاليم الشرع نهض عالم الشرق الآسيوي المنازع لقوة الغرب المادية والمفارق له ثقافيا في الوقت نفسه، وفي قلب الصورة المضيئة لمع اسم مهاتير، فلم يكن الرجل مجرد أداة لتطور تاريخي يتداعى بالعدوى من محيط الجوار الناهض،
بل كان يدرك ما يفعل بالضبط، فهو رجل الفكر والإنجاز في آن، هو الطبيب الذي تحول إلي أفضل خبراء الاقتصاد، وهو الحاكم الذي تحول إلي أعظم مفكر وصاحب نظرية للطفرة الآسيوية.
شجاعته
.
مما زاد مهاتير احتراما وجاذبية كونه الرمز الأول للتجربة الإسلامية في (صحوة الأمم من عدم)، ضاربا بالوصفة الأمريكية التي توصي بالتخفف من أعباء وعباءات الإسلام كشرط للتقدم عرض الحائط، والمحضر الأخير لمهاتير ناطق شجاع وبيان أسمع الجميع تحدي الصلف الأمريكي ومما يزيده شرفا وعزا أنه الزعيم المسلم الوحيد الذي أسمع أمريكا ما لا تريد سماعه.
لله دره!
المشهد الأخير
بداياته
من مواليد عام 1925م درس الطب وتخرج طبيبا في جامعة الملاي في عام 1974م تم تعيينه وزيرا للتربية والتعليم. ثم نائبا لرئيس الوزراء، وعام 1981م تولى رئاسة الحكومة.
إنجازاته
وصلت ماليزيا في عهده ذرى لم تصل إليها دولة إسلامية أخرى حتى اقترب نصيب الفرد الماليزي من الدخل القومي إلى 10 آلاف دولار سنويا لقد حقق د. مهاتير السلام الداخلي في ماليزيا من خلال سياسات إنتاجية وتنموية، ونجح في عقد صفقة تاريخية بين أرجاء النخب الماليزية وفي المقابل أعطى فرصة متميزة للطائفة المالاوية في مجالات الصحة والتعليم الرؤى والأفكار.
مهاتير رجل لا يرى الإسلام مجرد ممارسة مجموعة من الشعائر الدينية بل منظومة متكاملة تصلح لجميع شؤون الحياة وبفضل هذه العقلية الجبارة والروح المتشبعة بتعاليم الشرع نهض عالم الشرق الآسيوي المنازع لقوة الغرب المادية والمفارق له ثقافيا في الوقت نفسه، وفي قلب الصورة المضيئة لمع اسم مهاتير، فلم يكن الرجل مجرد أداة لتطور تاريخي يتداعى بالعدوى من محيط الجوار الناهض،
بل كان يدرك ما يفعل بالضبط، فهو رجل الفكر والإنجاز في آن، هو الطبيب الذي تحول إلي أفضل خبراء الاقتصاد، وهو الحاكم الذي تحول إلي أعظم مفكر وصاحب نظرية للطفرة الآسيوية.
شجاعته
.
مما زاد مهاتير احتراما وجاذبية كونه الرمز الأول للتجربة الإسلامية في (صحوة الأمم من عدم)، ضاربا بالوصفة الأمريكية التي توصي بالتخفف من أعباء وعباءات الإسلام كشرط للتقدم عرض الحائط، والمحضر الأخير لمهاتير ناطق شجاع وبيان أسمع الجميع تحدي الصلف الأمريكي ومما يزيده شرفا وعزا أنه الزعيم المسلم الوحيد الذي أسمع أمريكا ما لا تريد سماعه.
لله دره!
المشهد الأخير
(وقتي انتهي.. لن أتولى أي مسؤوليات رسمية بعد 31 أكتوبر 2003م لأنه من المهم أن يتولى قيادة ماليزيا جيل جديد بفكر جديد). هذا آخر ما تحدث به هذا العبقري.. إبداع في البدايات وروعة في النهايات لحقا هو إحدى المعجزات!
ترجمة كلمة د.مهاتير محمد التي أغضبت الأعداء
السلام عليكم هذه ترجمة لكلمة الدكتور محضير محمد رئيس الوزراء الماليزي (الأسبق) في القمة الإسلامية العاشرة 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2003م
=================================================
قال محضير محمد في كلمته الرائعة في مؤتمر منظمة العالم الإسلامي التي لاتزال أصداؤها تتفاعل في أرجاء العالم:
أحمد الله الذي بفضله ونعمته نجتمع هنا اليوم نحن قادة دول منظمة المؤتمر الإسلامي للتشاور،على أمل وضع نهج لمستقبل الإسلام والأمة الإسلامية في جميع أرجاء العالم.
2- اسمحوا لي بالنيابة عن حكومة وشعب ماليزيا بعروقه ودياناته أن أرحب بكم جميعاً وبكل فرد منكم أحرَّ ترحيب في هذه الجلسة العاشرة من مؤتمر القمة الإسلامي في بوتراجايا - العاصمة الإدارية لماليزيا.
3- إنه لشرف كبير بالفعل لماليزيا أن تستضيف هذه الجلسة وتترأس منظمة المؤتمر الإسلامي. وأشكر الأعضاء على ثقتهم التي أولوها لرئاسة ماليزيا.
4- واسمحوا لي أيضاً أن أنتهز الفرصة لأعرب عن بالغ تقديري لدولة قطر وبشكل خاص لمعالي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني- أمير دولة قطر لقيامه بترأس المنظمة خلال السنوات الثلاث الماضية بشكل بارز.
5- وتعرب ماليزيا بوصفها الدولة المستضيفة عن رضاها على المستوى الرفيع من المشاركة من الدول الأعضاء. وهذا مما يدل بوضوح على إيماننا الثابت والدائم، والتزامنا بمنظمتنا وتصميمنا ورغبتنا المشتركة في تقوية دورنا لمصلحة الأمة وكرامتها.
6- كما أود أن أرحب أيضاً بقادة وممثلي العديد من الدول الذين رغبوا بحضور هذا الاجتماع كمراقبين نظراً لارتفاع أعداد المسلمين بين سكانهم. وسواء أكانوا مسلمين أم لا، فإن حضورهم لهذا الاجتماع سيساعد في تحقيق مزيد من الفهم للإسلام والمسلمين، الأمر الذي يسهم في دحض المفهوم القائل بأن الإسلام هو دين التخلف والإرهاب.
7- إن العالم بأسره يرنو إلينا. ومما لا شك فيه أن 1.3 مليار مسلم- أي سدس سكان العالم - يعلقون آمالهم علينا في هذا الاجتماع، هذا على الرغم من أنهم قد يشككون حتى في إرادتنا وقدرتنا على اتخاذ قرار يعيد شرف الإسلام والمسلمين، وهو أقل ما يمكن تقديمه لتحرير إخوانهم وأخواتهم من الإهانة والظلم اللذين يعانون منهما اليوم.
8- ولن أعدد هنا أمثلة الظلم والامتهان اللذين نتعرض لهما، كما أني لن أدين مرة أخرى أولئك الذين تناولونا بالانتقاص والظلم. إن ذلك مما لا طائل تحته، إذ إنهم لن يغيروا مواقفهم لمجرد إدانتنا لهم. وإذا كنا نريد استعادة كرامتنا وكرامة ديننا الإسلام. فنحن من يجب أن يقرر، ونحن من يجب أن ينفذ.
9- وبدايةً ينبغي على حكومات جميع الدول الإسلامية تقريب الصفوف، واتخاذ موقف موحد تجاه القضايا الرئيسية على الأقل؛ كقضية فلسطين مثلاً، هذا إن لم يكن تجاه جميع القضايا. نحن جميعاً مسلمون، وجميعنا مضطهدون، وجميعنا مهانون، ولكن نحن من وضعنا الله في موقع المسؤولية عن إخواننا المسلمين لحكم بلادنا، لم نحاول قط محاولة حقيقية أن نتصرف بانسجام لإبراز مستوانا من الأخوة والوحدة اللتين يفرضهما الإسلام علينا.
10- ليس فقط حكوماتنا هي المنقسمة؛ بل إن الأمة الإسلامية منقسمة ومنقسمة مرات ومرات. وعلى مدى الـ 1400 سنة الأخيرة، قام المؤولون وعلماء الأمة بتأويل وإعادة تأويل الدين الإسلامي الواحد الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبشكل متباين للغاية، حتى أصبح لدينا الآن ألف دين ودين ؛ غالباً ما يناقض بعضها بعضاً مما يجعلنا نتقاتل ويقتل بعضنا بعضاً.
11- ولكوننا أمة واحدة سمحنا لأنفسنا أن ننقسم إلى عدة مذاهب وطرق تدعي كل منها بأنها تمثل الإسلام الحقيقي بدل وحدتنا كأمة إسلامية. نسينا بأن أعداءنا ومنتقصينا لا يعيرون أهمية لكوننا مسلمين حقيقيين أم لا. فبالنسبة إليهم جميعنا مسلمون، أتباع الدين والنبي اللذين هم يؤكدون أنهما يروجان للإرهاب، وجميعنا أعداؤهم اللدودين. إنهم سيهاجموننا ويقتلوننا ويغزون أرضنا ويسقطون حكوماتنا سواء أكنا سنّة أم شيعة أم علويين أم دروزاً أو مهما كنا. ونحن نساعدهم ونشجعهم بمهاجمة وإضعاف بعضنا البعض.وأحياناً بامتثال أوامرهم، والتصرف على أننا وكلاؤهم في مهاجمة إخواننا المسلمين. إننا نحاول إسقاط الحكومات بالعنف، ناجحين في إضعاف وإفقار بلادنا.
12- إننا نتجاهل تماماً ونستمر في تجاهل الأمر الإسلامي بالتوحد ومؤاخاة بعضنا بعضاً، نحن حكومات البلاد الإسلامية والأمة.
13- ولكن ليس هذا فقط ما نتجاهله من تعاليم الإسلام. لقد فُرضت علينا القراءة {اقْرَأْ} (تعني اكتسب المعارف). وقد فهم المسلمون الأوائل ذلك بأنه يعني ترجمة ودراسة أعمال الإغريق وباقي علماء ما قبل الإسلام. وقد أضاف هؤلاء العلماء المسلمون إلى جوهر تلك المعارف الكثير عبر دراساتهم الخاصة.
14- وقد قدم المسلمون الأوائل باحثين وعلماء وأطباء وعلماء رياضيات وعلماء فلك… عظماء برعوا في كافة مجالات المعرفة في وقتهم، إلى جانب قيامهم بما يفرضه عليهم دينهم الإسلام. ونتيجة لذلك أضحى بمقدور المسلمين تطوير واستخلاص الثروات من أراضيهم وعبر تجارتهم العالمية، وتقوية دفاعاتهم، وحماية شعوبهم، وتلقينهم الطريقة الإسلامية في الحياة- الدين- كما يصفه الإسلام. بينما كان أوربيو العصور الوسطى خرافيين ومتخلفين، كان المسلمون المتنورون قد شرعوا في بناء الحضارة الإسلامية العظيمة، حصيفة وقوية، أكثر من كونها مجرد قادرة على المنافسة مع باقي العالم وحماية الأمة ضد أي اعتداء خارجي. وكان على الأوربيين الجثو على ركبهم عند أقدام العلماء المسلمين لتلقي إرثهم المعرفي.
15- لقد قاد المسلمين قادة عظماء أمثال عبد الرحمن الثالث، والمنصور، وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم ممن نزلوا إلى ساحة المعركة على رؤوس قواتهم لحماية أمة المسلمين وأراضيها.
16- ولكن في منتصف طريق بناء الحضارة الإسلامية العظيمة ظهر مؤولون جدد للإسلام قاموا بتعليم المسلمين أن اكتساب المعارف هو الدراسة الفقهية للإسلام. أما دراسة العلوم والطب وغيرها فلم يشجعوا عليها.
17- وبدأ المسلمون بالتراجع فكرياً، ومع التراجع الفكري فإن الحضارة الإسلامية العظيمة بدأت تترنح وتذوي. ولولا ظهور المحاربين العثمانيين، لانتهت الحضارة الإسلامية مع سقوط غرناطة عام 1492.
18- إن الانتصارات المبكرة التي حققها العثمانيون لم يصاحبها أي نهضة فكرية. وعوض ذلك أضحوا أكثر وأكثر انشغالاً بالقضايا الثانوية مثل: ما إذا كان ارتداء السراويل الضيقة والقبعات العالية إسلامياً أم لا، وما إذا كان ينبغي السماح باستعمال آلات الطباعة أو الكهرباء لإضاءة المساجد. وهكذا فاتت المسلمين النهضة الصناعية بالكامل. واستمر التراجع إلى أن أدت الثورة التي حرض عليها الفرنسيون والبريطانيون ضد الحكم التركي إلى إسقاط العثمانيين؛ آخر قوة عالمية إسلامية، وحلّ محلها المستعمرات الأوربية، لا دولٌ مستقلة كما وعدوا. ولم تحصل هذه المستعمرات على استقلالها حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية.
19- وبعيداً عن الدول القومية الجديدة فقد قبلنا بالنظام الديمقراطي الغربي. وهذا أيضاً مما قسمنا نظراً للأحزاب والطوائف التي شكلناها، بعضها يدعي الإسلام لنفسه، ويرفض إسلام الأحزاب الأخرى ويرفض القبول بنتائج ممارسة الديمقراطية إذا ما أخفق في الفوز بالسلطة لصالحه. فيلجؤون للعنف وتقويض أسس البلدان الإسلامية وإضعافها.
20- ومع كل هذه التطورات على مدى قرون أصبحت الأمة والحضارة الإسلامية ضعيفة للغاية حتى إنه في وقت من الأوقات لم يكن هناك بلد مسلم واحد غير مستعمر أو مقسم من قبل الاحتلال الأوروبي. ولكن استعادة الاستقلال لم يساعد في تقوية المسلمين، نظراً لضعف دولهم وسوء إدارتها، وكونها وباستمرار في حالة اضطراب. ولقد كان باستطاعة الأوروبيين فعل ما يحلو لهم بأراضي المسلمين. لذا فإنه من غير المستغرب قيامهم ببتر الأرض الإسلامية لإيجاد دولة إسرائيل وحل المشكلة اليهودية. ونظراً لانقسام المسلمين فلم يكن بإمكانهم فعل أي شيء لإيقاف وعد بلفور والانتهاك الصهيوني.
21- البعض جعلنا نعتقد بأن حياتنا بالرغم من كل ذلك هي أفضل من حياة أولئك الذين ينتقصوننا. والبعض يعتقد بأن الفقر من الإسلام، وأن معاناة الظلم هي من الإسلام. وأن هذا العالم ليس لنا. إنما لنا متع الجنة في الآخرة. وكل ما علينا فعله هو القيام ببعض الشعائر، وارتداء رداء معين، والظهور بشكل محدد. إن ضعفنا وتخلفنا وعجزنا عن مساعدة إخواننا وأخواتنا المضطهدين كل ذلك جزء من إرادة الله، إنها المعاناة التي يجب أن نتحملها قبل الاستمتاع بالجنة في الحياة الآخرة. ويجب علينا أن نتحمل هذا القدر الذي نزل بنا، وليس علينا القيام بأي شيء. ولا نستطيع القيام بأي شيء ضد مشيئة الله عز وجل.
22- ولكن هل صحيح أن هذه هي مشيئة الله، وأننا لا نستطيع ولا يجب أن نفعل أي شيء؟ قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 13/11].
23- لقد تعرض المسلمون الأوائل للاضطهاد الذي نتعرض له اليوم. ولكن بجهودهم الدؤوبة والمخلصة لمساعدة أنفسهم بما ينسجم مع تعاليم الإسلام، أعانهم الله على هزيمة أعدائهم وعلى بناء حضارة إسلامية عظيمة وقوية. ولكن ماذا بذلنا نحن من جهد وخصوصاً بالموارد التي وهبنا الله إياها.
24- نحن 1.3 مليار مسلم. ونمتلك أكبر احتياطي نفط في العالم، كما نمتلك ثروات عظيمة. ونحن لسنا جاهليين كما الجاهليون الذين اعتنقوا الإسلام. ونحن على اطلاع على أعمال العالم في مجال الاقتصاد والمال. ونحن نحكم 57 بلداً من أصل 180 بلداً في العالم. ويمكن لأصواتنا أن تكون فاعلة في المنظمات الدولية. إلا أننا نبدو عديمي الحيلة أكثر من أولئك الجاهليين القلة الذين اعتنقوا الإسلام وقبلوا بنبيهم قائداً لهم. لماذا؟ هل لأنها إرادة الله أم لأننا أسأنا تفسير الدين، أم لأننا أخفقنا في الالتزام بالتعاليم الصحيحة لديننا، أم لأننا فعلنا الأشياء الخطأ؟
25- يفرض علينا ديننا الاستعداد للدفاع عن الأمة. ولسوء الحظ فإننا لا نؤكد على الدفاع وإنما على الأسلحة المستخدمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. إلا أن تلك الأسلحة والخيول لم يعد باستطاعتها الدفاع عنا. نحن بحاجة للبنادق والصواريخ والقنابل والطائرات الحربية والدبابات والسفن الحربية للدفاع عنا. ولكن بما أننا لم نشجع على تعلم العلوم والرياضيات وغيرها مما نظن أنه لا يفيد في الآخرة، فلا قدرة لنا اليوم على إنتاج أسلحتنا الخاصة للدفاع عنا. لذا فنحن مضطرون لشراء أسلحتنا من أعدائنا ومنتقصينا. وهذا ما أسفر عنه التفسير السطحي للقرآن وعدم التأكيد على جوهر السنة النبوية وأوامر القرآن والتأكيد عوضاً عن ذلك على الشكل والأسلوب والوسائل المستخدمة في القرن الهجري الأول. وينطبق الأمر نفسه على باقي تعاليم الإسلام. إذ إننا نصب جلَّ اهتمامنا على الشكليات بدل جوهر كلمات الله والالتزام حصراً بالتفسير الحرفي للسنة النبوية.
26- وقد نرغب في إعادة إحياء القرن الأول الهجري وأسلوب حياة ذلك الوقت، وذلك لممارسة ما نعتقد بأنه الطريقة الإسلامية الصحيحة للحياة. ولكن لن يُسمح لنا بالقيام بذلك. ثم إن منتقصينا وأعداءنا سيستفيدون من التخلف والضعف الناجمين للسيطرة علينا. إن الإسلام ليس فقط للقرن السابع الميلادي بل هو لكافة الأزمنة. والأزمان تتغير سواء أحببنا ذلك أم لا فإن علينا أن نتغير، ليس بتغيير ديننا وإنما بتطبيق تعاليمه في سياق عالم يختلف جذرياً عنه في القرن الأول الهجري. الإسلام لا يخطئ وإنما تأويلات العلماء الذين هم ليسوا بأنبياء رغم كونهم على درجة عالية من المعرفة هي التي قد تخطئ. إننا في حاجة للعودة إلى التعاليم الأصلية للإسلام لمعرفة ما إذا كنا بالفعل نؤمن ونمارس الإسلام الذي جاء به النبي. إذ إنه لا يُعقل أن نكون كلنا نمارس الإسلام الصحيح الحقيقي عندما تكون معتقداتنا متباينة للغاية.
27- اليوم جميع الأمة الإسلامية تًعامل باحتقار وإهانة ويشوه ديننا ، وتنتهك قدسية مقدساتنا. وتُحتل أراضينا. وتموت شعوبنا من الجوع أو القتل.
28- وليس بيننا دولة واحدةٌ مستقلةٌ حقيقةً. جميعنا يخضع لضغوط لتلبية رغبات مضطهدينا حول الطريقة التي ينبغي أن نتصرف وفقها، وكيفية حكم أراضينا وحتى في طريقة تفكيرنا.
29- و إذا أرادوا اليوم الإغارة على بلدنا وقتل شعبنا وتدمير قرانا وبلداننا، فليس ثمة ما يمكننا فعله حيال ذلك؟ هل الإسلام هو السبب وراء ذلك؟ أم نحن من أخفق في أداء واجبنا تجاه ديننا؟
30- وردة فعلنا الوحيدة إزاء ذلك هي المزيد والمزيد من الغضب. والغاضبون لا يستطيعون أن يفكروا تفكيراً صائباً. وهكذا نرى البعض يتصرفون تصرفات لا عقلانية ويشنون هجماتهم، ويقتلون أي شخص في الجوار بما في ذلك إخوانهم المسلمين للتنفيس عن غضبهم وإحباطهم. ولا تملك حكوماتهم ما تفعله لإيقافهم. والعدو يرد على الأذى بالأذى ويمارس المزيد من الضغوط على الحكومات. والحكومات لا تملك خياراً إلا الاستسلام والقبول بإملاءات العدو حرفياً والتنازل عن استقلالية الفعل.
31- وهذا ما زاد من حدة غضب الشعوب والأمة ومعارضتها لحكوماتها. وكل محاولة للتوصل إلى حل سلمي يتم نسفها بمزيد من الهجمات الاعتباطية لحساب إثارة غضب العدو ومنع أي تسوية سلمية. ولكن الهجمات لم تحل شيئاً، وببساطة زادت من الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون.
32- يسود الدول الإسلامية وشعوبها إحساس باليأس. إذ إنهم يشعرون بأنهم لا يستطيعون القيام بأي شيء صحيح. ويعتقدون بأن الأمور لا يمكن إلا أن تجري باتجاه الأسوأ. وسيظل المسلمون مضطهدين ومحكومين من قبل الأوربيين واليهود إلى الأبد. وسيظلون إلى الأبد فقراء ومتخلفين وضعفاء. والبعض يعتقدون -كما قلت- بأنها مشيئة الله بأن تكون الدولة الإسلامية الصحيحة فقيرة ومضطهدة في هذا العالم.
33- ولكن هل صحيح أننا لا نستطيع ويجب أن لا نفعل شيئاً لإنقاذ أنفسنا؟ وهل صحيح بأن 1.3 مليار نسمة لا يمكنهم ممارسة أي قوة لإنقاذ أنفسهم من الاضطهاد والإهانة النازلة بهم من قبل عدو أقل منهم بكثير؟ وهل كل ما يمكنهم فعله هو مجرد هجو عدوهم بغضب وبشكل أعمى في غيابه ؟ أليس ثمة طريقة أخرى سوى الطلب من شبابنا تفجير أنفسهم وقتل الناس وجلب المزيد والمزيد من المجازر لشعبنا؟
34- لا يمكننا القول بأنه لا توجد وسيلة أخرى. إذ لا يمكن لـ 1.3 مليار مسلم أن يهزموا من قبل بضعة ملايين من اليهود. لا بد من وجود طريقة ما. ويمكننا إيجاد طريقة إذا توقفنا للتفكير وتقييم ضعفنا وقوتنا، ووضعنا خططاً واستراتيجيات و قمنا بعدها بهجوم معاكس. وكمسلمين علينا التماس الهدي من القرآن والسنة النبوية. وبالتأكيد فإن 23 سنة من نضال النبي يمكن أن ترفدنا ببعض الهداية عما باستطاعتنا ويتوجب علينا فعله.
35- نعلم بأنه عليه الصلاة والسلام وأتباعه الأولين قد تعرضوا للاضطهاد من قبل قريش. فهل شن هجوماً انتقامياً؟ لا. لقد كان مستعداً للقيام بانسحابات استراتيجية. فقد أرسل أتباعه إلى بلد مسيحي، وهو نفسه هاجر إلى المدينة وهناك جمع أتباعه وبنى قدراته الدفاعية وتأكد من أمن شعبه.. وفي الحديبية كان مستعداً للقبول باتفاقية غير عادلة، ضد رغبة أصحابه وتابعيه. وخلال فترة السلم التي تلتها، قام بتجميع قواه. أخيراً تمكن من دخول مكة وفتحها الإسلام. وحتى عندها لم يسعَ للانتقام ودخلت قبائل مكة في الإسلام، وأصبح العديد منهم من أقوى تابعيه يدافعون عن المسلمين ضد أعدائهم.
36- إنها باختصار قصة نضال النبي. نحن نتحدث كثيراً عن اتّباع السنة النبوية. وكثيراً ما نقتطف الأمثلة والحكم، ولكننا نتجاهلها حقيقة.
37- إذا ما استخدمنا ملكة التفكير التي وهبنا الله إياها، فحينها يجب أن ندرك بأننا نتصرف بلا عقلانية. وأننا نتقاتل بلا هدف ولا غاية سوى إيذاء عدونا لأنه آذانا. وبسذاجة نتوقع منهم أن يستسلموا ونضحي بالأرواح بشكل غير ضروري، غير محققين سوى جذب المزيد من الإهانة والانتقام الجماعي.
38- إنه بالتأكيد ما ينبغي علينا التوقف للتفكير فيه. ولكن هل يعتبر ذلك مضيعة للوقت؟ فعلى مدى أكثر من نصف قرن ناضلنا من أجل فلسطين، فما الذي حققناه؟ لا شيء. بل ساءت أوضاعنا أكثر من قبل. ولو كنا قد توقفنا للتفكير لأمكننا استخلاص خطة واستراتيجية يمكنهما إيصالنا للنصر في النهاية. إن التوقف والتفكير بهدوء ليس مضيعة للوقت. وثمة حاجة لإجراء انسحاب استراتيجي وإعادة تقييم الموقف بهدوء.
39- إننا في الحقيقة أقوياء للغاية؛ 1.3 مليار نسمة لا يمكن تدميرها ببساطة. لقد قام الأوربيون بقتل 6 ملايين يهودي من أصل 12 مليون. أما اليوم فهم يحكمون العالم بالوكالة، ويحملون الآخرين على القتال والموت من أجلهم.
40- قد لا يمكننا القيام بذلك. وقد لا يمكننا توحيد 1.3 مليار مسلم. وقد لا يكون بمقدورنا دفع الحكومات المسلمة إلى تحقيق الانسجام في أفعالها. إلا أنه إذا كان بإمكاننا حمل ثلث الأمة، ثلث الدول الإسلامية على العمل معاً، لكان بإمكاننا فعل شيء. تذكروا أنه لم يكن للنبي الكثير من الأتباع عندما ذهب إلى المدينة. ولكنه وحد الأنصار والمهاجرين في النهاية وأصبح قوياً كفاية للدفاع عن الإسلام.
41- وعدا الوحدة الجزئية التي نحتاجها، علينا جَرد مقدراتنا. وقد ذكرت للتو عددنا وثروتنا. وفي عالم اليوم نمتلك الكثير من القوة السياسية والاقتصادية والمالية، بشكل يكفي لإصلاح ضعفنا من الناحية العسكرية.
42- كما أننا نعلم أن غير المسلمين ليسوا جميعهم ضدنا. فبعضهم يميلون إلى جانبنا؛ وحتى إن بعضهم يرى عدونا على أنه عدوهم أيضاً. وحتى بين اليهود هناك من لا يؤيد ما تقوم به إسرائيل.
43- علينا أن لا نعادي الجميع بل علينا كسب قلوبهم وعقولهم. علينا كسبهم إلى جانبنا؛ ليس بالتوسل إليهم لمساعدتنا إنما عبر طريقة مشرفة، ألا وهي النضال من أجل مساعدة أنفسنا. وعلينا أن لا نعزز من قوة العدو، وذلك بدفع الجميع إلى معسكره عبر تصرفات غير إسلامية وغير مسؤولة. تذكروا صلاح الدين الأيوبي والطريقة التي قاتل بها ضد الصليبين والملك ريتشارد ملك إنجلترة بوجه الخصوص. تذكروا مراعاة النبي لحقوق أعداء الإسلام. علينا القيام بالشيء نفسه. إنها مسألة كسب نضال هام، لا مسألة انتقام وثأر غاضب.
44- علينا بناء قوتنا في جميع المجالات، وليس فقط من ناحية القوة المسلحة. وعلى بلادنا أن تكون مستقرة ومدارة إدارة حسنة، وعليها أن تكون قوية اقتصادياً ومالياً، ومنافسة صناعياً ومتقدمة تقنياً. وهذا ما سيأخذ وقتاً، ولكنه ممكن التحقيق وهو أفضل ما يمكن صرف الوقت عليه. لقد أمرنا ديننا بالصبر {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ} [البقرة: 2/153] فمن الواضح أن في الصبر فضيلة.
45- إلا أن دفاع الأمة والهجوم المضاد يجب أن لا يبدأ إلا بعد رص الصفوف. وحتى في يومنا هذا، فإننا نمتلك مقدرات يمكننا استثمارها ضد منتقصينا. ويبقى علينا التعرف عليها والعمل على استثمارها لإيقاف المذابح التي يقوم بها العدو. وهذا ممكن بالكامل إذا ما توقفنا للتفكير، والتخطيط ووضع استراتيجيات واتخاذ الخطوات الأولى الحرجة. وحتى هذه الخطوات القليلة يمكن أن يكون لها نتائج إيجابية.
46- نعلم بأن العرب في الجاهلية قد أدمنوا الحقد وقتل بعضهم بعضاً لمجرد كونهم من قبائل مختلفة. أما النبي فقد وجههم إلى أخوة الإسلام وأصبح بمقدورهم التغلب على حقدهم لبعضهم، والتوحد والتعاون لإقامة الحضارة الإسلامية العظيمة. هل بإمكاننا القول ما الذي كان بإمكان الجاهليين فعله ولا نستطيع نحن المسلمين الحديثين فعله؟ وإذا لم نكن جميعنا فعلى الأقل بعضنا يستطيع ذلك. وإذا لم تكن النهضة الحضارية العظيمة فعلى الأقل ضمان أمن الأمة.
47- ولن يتطلب القيام بالأمور المقترحة منا سوى التخلي عن كافة الاختلافات فيما بيننا. كل ما نحتاجه هو طلب هدنة تمكننا من العمل معاً على معالجة مشاكل معينة فقط وذات مصلحة واهتمام مشترك مثل قضية فلسطين مثلاً.
48- في أي صراع أو أية حرب، ليس ثمة ما هو أهم من فعل منسق ومتوافق. إن تحقيق درجة من التنظيم هي كل ما نحتاجه. وقد خسر النبي في معركة أحد عندما كسرت قواته الصف الواحد. نحن نعلم ذلك، إلا أننا غير راغبين في تنظيم أنفسنا والتخلي عن تلك الأفعال غير المنسقة وغير المنتظمة. نحتاج إلى أن نكون شجعاناً ولكن غير متهورين. نحتاج للتفكر ليس فقط في جائزتنا في الآخرة ولكن في النتائج الدنيوية للمهمة التي نقوم بها.
49- يخبرنا القرآن بأنه عندما يطلب العدو السلام فعلينا الرد بإيجابية. وصحيح بأن الهدنة المعروضة لا تلقى استحساننا. ولكن يمكننا التفاوض. وهذا ما قام به النبي في الحديبية، وانتصر في النهاية.
50- إنني واثق من أن جميع هذه الأفكار قد لا تكون متعارفاً عليها. وأن أولئك الغاضبين سيرغبون في إسكات أي شخص يشارك أو يدعم هذه الخطة. وسيفضلون بذل المزيد من أرواح الشباب والشابات لتحقيق تضحية سامية. ولكن إلى ماذا سيؤدي كل ذلك؟ ليس إلى النصر بكل تأكيد. وعلى مدى الخمسين عاماً من القتال في فلسطين لم نحقق أي نتيجة. وفي الواقع جعلنا وضعنا أسوأ من ذي قبل.
51- وربما سيرحب العدو بهذه العروض وربما استخلصنا من ذلك بأن المروجين لهذه الفكرة يعملون لصالح العدو. ولكن فكروا. نحن نقوم ضد شعب يفكر. لقد أحيوا 2000 سنة من البرامج. ليس عبر الطعن في الظهر، إنما عبر التفكير. لقد اخترعوا وروجوا بنجاح للاشتراكية والشيوعية وحقوق الإنسان والديمقراطية، لذا فإن إيذاءهم سيبدو خطأً، إذ إنهم يتمتعون بحقوق متساوية مع الآخرين. وبذلك بسطوا الآن سيطرتهم على أقوى البلاد وهم - المجتمع الصغير- أصبحوا قوة عالمية. لا يمكننا محاربتهم بالقوة العضلية فحسب، وإنما ينبغي علينا استعمال عقولنا أيضاً.
52- ومؤخراً ونظراً لقوتهم ونجاحهم أصبحوا متعجرفين. والأشخاص المتعجرفون مثل الأشخاص الغاضبين يرتكبون الأخطاء وينسون التفكير.
53-وقد بدؤوا للتو بارتكاب الأخطاء وسيرتكبون المزيد من الأخطاء. وقد يكون هناك بوادر فرص لنا الآن وفي المستقبل، لذا علينا اغتنام هذه الفرص.
54- ولكن للقيام بذلك علينا القيام بالأمور الصحيحة. الخطابة أمر جيد، وتساعدنا على إظهار الأخطاء المرتكبة في حقنا. وربما نربح بعض التعاطف والدعم. كما أنها تقوي روحنا وإرادتنا وعزيمتنا لمواجهة العدو.
55- يمكننا ويجب أن ندعو الله سبحانه وتعالى، لأنه في النهاية هو من سيحدد فيما إذا كنا سننتصر أم نخسر. كما أننا نحتاج لفضله وعونه فيما نبذل من مساعي.
56- إنها الكيفية التي نتصرف وفقها وما نقوم به ،هو ما سيقرر فيما إذا كان سبحانه سيعيننا ويمنحنا النصر أم لا ومرة أخرى فقد ذكر ذلك في القرآن في سورة الرعد الآية 11.
57- كما قلت في البداية إن العالم بأسره يرنو إلينا، وجميع الأمة الإسلامية تعلق آمالها على هذا المؤتمر (مؤتمر قادة الشعوب الإسلامية) ويتوقعون منا التنفيس عن غضبنا وإحباطنا عبر الكلمات والتلميحات، وليس فقط عبر الدعاء والتوسل طلباً لفضل الله. إنهم يتوقعون منا القيام بشيء ما. إلا أنه لا يمكننا قول أو فعل أي شيء نحن زعماء الشعوب الإسلامية. كما لا يمكننا القول بأننا لا نستطيع حتى التوحد عندما نواجه بدمار ديننا وأمتنا.
58- نحن نعلم بأنه بإمكاننا فعل ذلك. وهناك العديد من الموارد التي تحت تصرفنا. وكل ما نحتاجه هو فقط إرادة القيام بذلك، وكمسلمين يجب أن نكون حامدين للهداية التي يمنحننا إياها ديننا، وعلينا القيام بما ينبغي القيام به بتصميم وإرادة. ولقد رفعنا الله نحن القادة فوق غيرنا بحيث نتمتع بالسلطة دون غيرنا. إن السلطة التي نمارسها بحكمة هي لصالح شعبنا والأمة والإسلام. ويجب أن نمتلك الإرادة لاستثمار هذه القوة بحكمة وتعقل وانسجام وإن شاء الله سننتصر في النهاية.
59- وأبتهل إلى الله أن يمنحنا في هذا المؤتمر لمنظمة المؤتمر الإسلامي في بوتراجايا - ماليزيا توجهاً إيجابياً جديداً، وأن يمنّ علينا بالفلاح بفضله إنه هو القدير الرحمن الرحيم.
السلام عليكم هذه ترجمة لكلمة الدكتور محضير محمد رئيس الوزراء الماليزي (الأسبق) في القمة الإسلامية العاشرة 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2003م
=================================================
قال محضير محمد في كلمته الرائعة في مؤتمر منظمة العالم الإسلامي التي لاتزال أصداؤها تتفاعل في أرجاء العالم:
أحمد الله الذي بفضله ونعمته نجتمع هنا اليوم نحن قادة دول منظمة المؤتمر الإسلامي للتشاور،على أمل وضع نهج لمستقبل الإسلام والأمة الإسلامية في جميع أرجاء العالم.
2- اسمحوا لي بالنيابة عن حكومة وشعب ماليزيا بعروقه ودياناته أن أرحب بكم جميعاً وبكل فرد منكم أحرَّ ترحيب في هذه الجلسة العاشرة من مؤتمر القمة الإسلامي في بوتراجايا - العاصمة الإدارية لماليزيا.
3- إنه لشرف كبير بالفعل لماليزيا أن تستضيف هذه الجلسة وتترأس منظمة المؤتمر الإسلامي. وأشكر الأعضاء على ثقتهم التي أولوها لرئاسة ماليزيا.
4- واسمحوا لي أيضاً أن أنتهز الفرصة لأعرب عن بالغ تقديري لدولة قطر وبشكل خاص لمعالي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني- أمير دولة قطر لقيامه بترأس المنظمة خلال السنوات الثلاث الماضية بشكل بارز.
5- وتعرب ماليزيا بوصفها الدولة المستضيفة عن رضاها على المستوى الرفيع من المشاركة من الدول الأعضاء. وهذا مما يدل بوضوح على إيماننا الثابت والدائم، والتزامنا بمنظمتنا وتصميمنا ورغبتنا المشتركة في تقوية دورنا لمصلحة الأمة وكرامتها.
6- كما أود أن أرحب أيضاً بقادة وممثلي العديد من الدول الذين رغبوا بحضور هذا الاجتماع كمراقبين نظراً لارتفاع أعداد المسلمين بين سكانهم. وسواء أكانوا مسلمين أم لا، فإن حضورهم لهذا الاجتماع سيساعد في تحقيق مزيد من الفهم للإسلام والمسلمين، الأمر الذي يسهم في دحض المفهوم القائل بأن الإسلام هو دين التخلف والإرهاب.
7- إن العالم بأسره يرنو إلينا. ومما لا شك فيه أن 1.3 مليار مسلم- أي سدس سكان العالم - يعلقون آمالهم علينا في هذا الاجتماع، هذا على الرغم من أنهم قد يشككون حتى في إرادتنا وقدرتنا على اتخاذ قرار يعيد شرف الإسلام والمسلمين، وهو أقل ما يمكن تقديمه لتحرير إخوانهم وأخواتهم من الإهانة والظلم اللذين يعانون منهما اليوم.
8- ولن أعدد هنا أمثلة الظلم والامتهان اللذين نتعرض لهما، كما أني لن أدين مرة أخرى أولئك الذين تناولونا بالانتقاص والظلم. إن ذلك مما لا طائل تحته، إذ إنهم لن يغيروا مواقفهم لمجرد إدانتنا لهم. وإذا كنا نريد استعادة كرامتنا وكرامة ديننا الإسلام. فنحن من يجب أن يقرر، ونحن من يجب أن ينفذ.
9- وبدايةً ينبغي على حكومات جميع الدول الإسلامية تقريب الصفوف، واتخاذ موقف موحد تجاه القضايا الرئيسية على الأقل؛ كقضية فلسطين مثلاً، هذا إن لم يكن تجاه جميع القضايا. نحن جميعاً مسلمون، وجميعنا مضطهدون، وجميعنا مهانون، ولكن نحن من وضعنا الله في موقع المسؤولية عن إخواننا المسلمين لحكم بلادنا، لم نحاول قط محاولة حقيقية أن نتصرف بانسجام لإبراز مستوانا من الأخوة والوحدة اللتين يفرضهما الإسلام علينا.
10- ليس فقط حكوماتنا هي المنقسمة؛ بل إن الأمة الإسلامية منقسمة ومنقسمة مرات ومرات. وعلى مدى الـ 1400 سنة الأخيرة، قام المؤولون وعلماء الأمة بتأويل وإعادة تأويل الدين الإسلامي الواحد الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبشكل متباين للغاية، حتى أصبح لدينا الآن ألف دين ودين ؛ غالباً ما يناقض بعضها بعضاً مما يجعلنا نتقاتل ويقتل بعضنا بعضاً.
11- ولكوننا أمة واحدة سمحنا لأنفسنا أن ننقسم إلى عدة مذاهب وطرق تدعي كل منها بأنها تمثل الإسلام الحقيقي بدل وحدتنا كأمة إسلامية. نسينا بأن أعداءنا ومنتقصينا لا يعيرون أهمية لكوننا مسلمين حقيقيين أم لا. فبالنسبة إليهم جميعنا مسلمون، أتباع الدين والنبي اللذين هم يؤكدون أنهما يروجان للإرهاب، وجميعنا أعداؤهم اللدودين. إنهم سيهاجموننا ويقتلوننا ويغزون أرضنا ويسقطون حكوماتنا سواء أكنا سنّة أم شيعة أم علويين أم دروزاً أو مهما كنا. ونحن نساعدهم ونشجعهم بمهاجمة وإضعاف بعضنا البعض.وأحياناً بامتثال أوامرهم، والتصرف على أننا وكلاؤهم في مهاجمة إخواننا المسلمين. إننا نحاول إسقاط الحكومات بالعنف، ناجحين في إضعاف وإفقار بلادنا.
12- إننا نتجاهل تماماً ونستمر في تجاهل الأمر الإسلامي بالتوحد ومؤاخاة بعضنا بعضاً، نحن حكومات البلاد الإسلامية والأمة.
13- ولكن ليس هذا فقط ما نتجاهله من تعاليم الإسلام. لقد فُرضت علينا القراءة {اقْرَأْ} (تعني اكتسب المعارف). وقد فهم المسلمون الأوائل ذلك بأنه يعني ترجمة ودراسة أعمال الإغريق وباقي علماء ما قبل الإسلام. وقد أضاف هؤلاء العلماء المسلمون إلى جوهر تلك المعارف الكثير عبر دراساتهم الخاصة.
14- وقد قدم المسلمون الأوائل باحثين وعلماء وأطباء وعلماء رياضيات وعلماء فلك… عظماء برعوا في كافة مجالات المعرفة في وقتهم، إلى جانب قيامهم بما يفرضه عليهم دينهم الإسلام. ونتيجة لذلك أضحى بمقدور المسلمين تطوير واستخلاص الثروات من أراضيهم وعبر تجارتهم العالمية، وتقوية دفاعاتهم، وحماية شعوبهم، وتلقينهم الطريقة الإسلامية في الحياة- الدين- كما يصفه الإسلام. بينما كان أوربيو العصور الوسطى خرافيين ومتخلفين، كان المسلمون المتنورون قد شرعوا في بناء الحضارة الإسلامية العظيمة، حصيفة وقوية، أكثر من كونها مجرد قادرة على المنافسة مع باقي العالم وحماية الأمة ضد أي اعتداء خارجي. وكان على الأوربيين الجثو على ركبهم عند أقدام العلماء المسلمين لتلقي إرثهم المعرفي.
15- لقد قاد المسلمين قادة عظماء أمثال عبد الرحمن الثالث، والمنصور، وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم ممن نزلوا إلى ساحة المعركة على رؤوس قواتهم لحماية أمة المسلمين وأراضيها.
16- ولكن في منتصف طريق بناء الحضارة الإسلامية العظيمة ظهر مؤولون جدد للإسلام قاموا بتعليم المسلمين أن اكتساب المعارف هو الدراسة الفقهية للإسلام. أما دراسة العلوم والطب وغيرها فلم يشجعوا عليها.
17- وبدأ المسلمون بالتراجع فكرياً، ومع التراجع الفكري فإن الحضارة الإسلامية العظيمة بدأت تترنح وتذوي. ولولا ظهور المحاربين العثمانيين، لانتهت الحضارة الإسلامية مع سقوط غرناطة عام 1492.
18- إن الانتصارات المبكرة التي حققها العثمانيون لم يصاحبها أي نهضة فكرية. وعوض ذلك أضحوا أكثر وأكثر انشغالاً بالقضايا الثانوية مثل: ما إذا كان ارتداء السراويل الضيقة والقبعات العالية إسلامياً أم لا، وما إذا كان ينبغي السماح باستعمال آلات الطباعة أو الكهرباء لإضاءة المساجد. وهكذا فاتت المسلمين النهضة الصناعية بالكامل. واستمر التراجع إلى أن أدت الثورة التي حرض عليها الفرنسيون والبريطانيون ضد الحكم التركي إلى إسقاط العثمانيين؛ آخر قوة عالمية إسلامية، وحلّ محلها المستعمرات الأوربية، لا دولٌ مستقلة كما وعدوا. ولم تحصل هذه المستعمرات على استقلالها حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية.
19- وبعيداً عن الدول القومية الجديدة فقد قبلنا بالنظام الديمقراطي الغربي. وهذا أيضاً مما قسمنا نظراً للأحزاب والطوائف التي شكلناها، بعضها يدعي الإسلام لنفسه، ويرفض إسلام الأحزاب الأخرى ويرفض القبول بنتائج ممارسة الديمقراطية إذا ما أخفق في الفوز بالسلطة لصالحه. فيلجؤون للعنف وتقويض أسس البلدان الإسلامية وإضعافها.
20- ومع كل هذه التطورات على مدى قرون أصبحت الأمة والحضارة الإسلامية ضعيفة للغاية حتى إنه في وقت من الأوقات لم يكن هناك بلد مسلم واحد غير مستعمر أو مقسم من قبل الاحتلال الأوروبي. ولكن استعادة الاستقلال لم يساعد في تقوية المسلمين، نظراً لضعف دولهم وسوء إدارتها، وكونها وباستمرار في حالة اضطراب. ولقد كان باستطاعة الأوروبيين فعل ما يحلو لهم بأراضي المسلمين. لذا فإنه من غير المستغرب قيامهم ببتر الأرض الإسلامية لإيجاد دولة إسرائيل وحل المشكلة اليهودية. ونظراً لانقسام المسلمين فلم يكن بإمكانهم فعل أي شيء لإيقاف وعد بلفور والانتهاك الصهيوني.
21- البعض جعلنا نعتقد بأن حياتنا بالرغم من كل ذلك هي أفضل من حياة أولئك الذين ينتقصوننا. والبعض يعتقد بأن الفقر من الإسلام، وأن معاناة الظلم هي من الإسلام. وأن هذا العالم ليس لنا. إنما لنا متع الجنة في الآخرة. وكل ما علينا فعله هو القيام ببعض الشعائر، وارتداء رداء معين، والظهور بشكل محدد. إن ضعفنا وتخلفنا وعجزنا عن مساعدة إخواننا وأخواتنا المضطهدين كل ذلك جزء من إرادة الله، إنها المعاناة التي يجب أن نتحملها قبل الاستمتاع بالجنة في الحياة الآخرة. ويجب علينا أن نتحمل هذا القدر الذي نزل بنا، وليس علينا القيام بأي شيء. ولا نستطيع القيام بأي شيء ضد مشيئة الله عز وجل.
22- ولكن هل صحيح أن هذه هي مشيئة الله، وأننا لا نستطيع ولا يجب أن نفعل أي شيء؟ قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 13/11].
23- لقد تعرض المسلمون الأوائل للاضطهاد الذي نتعرض له اليوم. ولكن بجهودهم الدؤوبة والمخلصة لمساعدة أنفسهم بما ينسجم مع تعاليم الإسلام، أعانهم الله على هزيمة أعدائهم وعلى بناء حضارة إسلامية عظيمة وقوية. ولكن ماذا بذلنا نحن من جهد وخصوصاً بالموارد التي وهبنا الله إياها.
24- نحن 1.3 مليار مسلم. ونمتلك أكبر احتياطي نفط في العالم، كما نمتلك ثروات عظيمة. ونحن لسنا جاهليين كما الجاهليون الذين اعتنقوا الإسلام. ونحن على اطلاع على أعمال العالم في مجال الاقتصاد والمال. ونحن نحكم 57 بلداً من أصل 180 بلداً في العالم. ويمكن لأصواتنا أن تكون فاعلة في المنظمات الدولية. إلا أننا نبدو عديمي الحيلة أكثر من أولئك الجاهليين القلة الذين اعتنقوا الإسلام وقبلوا بنبيهم قائداً لهم. لماذا؟ هل لأنها إرادة الله أم لأننا أسأنا تفسير الدين، أم لأننا أخفقنا في الالتزام بالتعاليم الصحيحة لديننا، أم لأننا فعلنا الأشياء الخطأ؟
25- يفرض علينا ديننا الاستعداد للدفاع عن الأمة. ولسوء الحظ فإننا لا نؤكد على الدفاع وإنما على الأسلحة المستخدمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. إلا أن تلك الأسلحة والخيول لم يعد باستطاعتها الدفاع عنا. نحن بحاجة للبنادق والصواريخ والقنابل والطائرات الحربية والدبابات والسفن الحربية للدفاع عنا. ولكن بما أننا لم نشجع على تعلم العلوم والرياضيات وغيرها مما نظن أنه لا يفيد في الآخرة، فلا قدرة لنا اليوم على إنتاج أسلحتنا الخاصة للدفاع عنا. لذا فنحن مضطرون لشراء أسلحتنا من أعدائنا ومنتقصينا. وهذا ما أسفر عنه التفسير السطحي للقرآن وعدم التأكيد على جوهر السنة النبوية وأوامر القرآن والتأكيد عوضاً عن ذلك على الشكل والأسلوب والوسائل المستخدمة في القرن الهجري الأول. وينطبق الأمر نفسه على باقي تعاليم الإسلام. إذ إننا نصب جلَّ اهتمامنا على الشكليات بدل جوهر كلمات الله والالتزام حصراً بالتفسير الحرفي للسنة النبوية.
26- وقد نرغب في إعادة إحياء القرن الأول الهجري وأسلوب حياة ذلك الوقت، وذلك لممارسة ما نعتقد بأنه الطريقة الإسلامية الصحيحة للحياة. ولكن لن يُسمح لنا بالقيام بذلك. ثم إن منتقصينا وأعداءنا سيستفيدون من التخلف والضعف الناجمين للسيطرة علينا. إن الإسلام ليس فقط للقرن السابع الميلادي بل هو لكافة الأزمنة. والأزمان تتغير سواء أحببنا ذلك أم لا فإن علينا أن نتغير، ليس بتغيير ديننا وإنما بتطبيق تعاليمه في سياق عالم يختلف جذرياً عنه في القرن الأول الهجري. الإسلام لا يخطئ وإنما تأويلات العلماء الذين هم ليسوا بأنبياء رغم كونهم على درجة عالية من المعرفة هي التي قد تخطئ. إننا في حاجة للعودة إلى التعاليم الأصلية للإسلام لمعرفة ما إذا كنا بالفعل نؤمن ونمارس الإسلام الذي جاء به النبي. إذ إنه لا يُعقل أن نكون كلنا نمارس الإسلام الصحيح الحقيقي عندما تكون معتقداتنا متباينة للغاية.
27- اليوم جميع الأمة الإسلامية تًعامل باحتقار وإهانة ويشوه ديننا ، وتنتهك قدسية مقدساتنا. وتُحتل أراضينا. وتموت شعوبنا من الجوع أو القتل.
28- وليس بيننا دولة واحدةٌ مستقلةٌ حقيقةً. جميعنا يخضع لضغوط لتلبية رغبات مضطهدينا حول الطريقة التي ينبغي أن نتصرف وفقها، وكيفية حكم أراضينا وحتى في طريقة تفكيرنا.
29- و إذا أرادوا اليوم الإغارة على بلدنا وقتل شعبنا وتدمير قرانا وبلداننا، فليس ثمة ما يمكننا فعله حيال ذلك؟ هل الإسلام هو السبب وراء ذلك؟ أم نحن من أخفق في أداء واجبنا تجاه ديننا؟
30- وردة فعلنا الوحيدة إزاء ذلك هي المزيد والمزيد من الغضب. والغاضبون لا يستطيعون أن يفكروا تفكيراً صائباً. وهكذا نرى البعض يتصرفون تصرفات لا عقلانية ويشنون هجماتهم، ويقتلون أي شخص في الجوار بما في ذلك إخوانهم المسلمين للتنفيس عن غضبهم وإحباطهم. ولا تملك حكوماتهم ما تفعله لإيقافهم. والعدو يرد على الأذى بالأذى ويمارس المزيد من الضغوط على الحكومات. والحكومات لا تملك خياراً إلا الاستسلام والقبول بإملاءات العدو حرفياً والتنازل عن استقلالية الفعل.
31- وهذا ما زاد من حدة غضب الشعوب والأمة ومعارضتها لحكوماتها. وكل محاولة للتوصل إلى حل سلمي يتم نسفها بمزيد من الهجمات الاعتباطية لحساب إثارة غضب العدو ومنع أي تسوية سلمية. ولكن الهجمات لم تحل شيئاً، وببساطة زادت من الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون.
32- يسود الدول الإسلامية وشعوبها إحساس باليأس. إذ إنهم يشعرون بأنهم لا يستطيعون القيام بأي شيء صحيح. ويعتقدون بأن الأمور لا يمكن إلا أن تجري باتجاه الأسوأ. وسيظل المسلمون مضطهدين ومحكومين من قبل الأوربيين واليهود إلى الأبد. وسيظلون إلى الأبد فقراء ومتخلفين وضعفاء. والبعض يعتقدون -كما قلت- بأنها مشيئة الله بأن تكون الدولة الإسلامية الصحيحة فقيرة ومضطهدة في هذا العالم.
33- ولكن هل صحيح أننا لا نستطيع ويجب أن لا نفعل شيئاً لإنقاذ أنفسنا؟ وهل صحيح بأن 1.3 مليار نسمة لا يمكنهم ممارسة أي قوة لإنقاذ أنفسهم من الاضطهاد والإهانة النازلة بهم من قبل عدو أقل منهم بكثير؟ وهل كل ما يمكنهم فعله هو مجرد هجو عدوهم بغضب وبشكل أعمى في غيابه ؟ أليس ثمة طريقة أخرى سوى الطلب من شبابنا تفجير أنفسهم وقتل الناس وجلب المزيد والمزيد من المجازر لشعبنا؟
34- لا يمكننا القول بأنه لا توجد وسيلة أخرى. إذ لا يمكن لـ 1.3 مليار مسلم أن يهزموا من قبل بضعة ملايين من اليهود. لا بد من وجود طريقة ما. ويمكننا إيجاد طريقة إذا توقفنا للتفكير وتقييم ضعفنا وقوتنا، ووضعنا خططاً واستراتيجيات و قمنا بعدها بهجوم معاكس. وكمسلمين علينا التماس الهدي من القرآن والسنة النبوية. وبالتأكيد فإن 23 سنة من نضال النبي يمكن أن ترفدنا ببعض الهداية عما باستطاعتنا ويتوجب علينا فعله.
35- نعلم بأنه عليه الصلاة والسلام وأتباعه الأولين قد تعرضوا للاضطهاد من قبل قريش. فهل شن هجوماً انتقامياً؟ لا. لقد كان مستعداً للقيام بانسحابات استراتيجية. فقد أرسل أتباعه إلى بلد مسيحي، وهو نفسه هاجر إلى المدينة وهناك جمع أتباعه وبنى قدراته الدفاعية وتأكد من أمن شعبه.. وفي الحديبية كان مستعداً للقبول باتفاقية غير عادلة، ضد رغبة أصحابه وتابعيه. وخلال فترة السلم التي تلتها، قام بتجميع قواه. أخيراً تمكن من دخول مكة وفتحها الإسلام. وحتى عندها لم يسعَ للانتقام ودخلت قبائل مكة في الإسلام، وأصبح العديد منهم من أقوى تابعيه يدافعون عن المسلمين ضد أعدائهم.
36- إنها باختصار قصة نضال النبي. نحن نتحدث كثيراً عن اتّباع السنة النبوية. وكثيراً ما نقتطف الأمثلة والحكم، ولكننا نتجاهلها حقيقة.
37- إذا ما استخدمنا ملكة التفكير التي وهبنا الله إياها، فحينها يجب أن ندرك بأننا نتصرف بلا عقلانية. وأننا نتقاتل بلا هدف ولا غاية سوى إيذاء عدونا لأنه آذانا. وبسذاجة نتوقع منهم أن يستسلموا ونضحي بالأرواح بشكل غير ضروري، غير محققين سوى جذب المزيد من الإهانة والانتقام الجماعي.
38- إنه بالتأكيد ما ينبغي علينا التوقف للتفكير فيه. ولكن هل يعتبر ذلك مضيعة للوقت؟ فعلى مدى أكثر من نصف قرن ناضلنا من أجل فلسطين، فما الذي حققناه؟ لا شيء. بل ساءت أوضاعنا أكثر من قبل. ولو كنا قد توقفنا للتفكير لأمكننا استخلاص خطة واستراتيجية يمكنهما إيصالنا للنصر في النهاية. إن التوقف والتفكير بهدوء ليس مضيعة للوقت. وثمة حاجة لإجراء انسحاب استراتيجي وإعادة تقييم الموقف بهدوء.
39- إننا في الحقيقة أقوياء للغاية؛ 1.3 مليار نسمة لا يمكن تدميرها ببساطة. لقد قام الأوربيون بقتل 6 ملايين يهودي من أصل 12 مليون. أما اليوم فهم يحكمون العالم بالوكالة، ويحملون الآخرين على القتال والموت من أجلهم.
40- قد لا يمكننا القيام بذلك. وقد لا يمكننا توحيد 1.3 مليار مسلم. وقد لا يكون بمقدورنا دفع الحكومات المسلمة إلى تحقيق الانسجام في أفعالها. إلا أنه إذا كان بإمكاننا حمل ثلث الأمة، ثلث الدول الإسلامية على العمل معاً، لكان بإمكاننا فعل شيء. تذكروا أنه لم يكن للنبي الكثير من الأتباع عندما ذهب إلى المدينة. ولكنه وحد الأنصار والمهاجرين في النهاية وأصبح قوياً كفاية للدفاع عن الإسلام.
41- وعدا الوحدة الجزئية التي نحتاجها، علينا جَرد مقدراتنا. وقد ذكرت للتو عددنا وثروتنا. وفي عالم اليوم نمتلك الكثير من القوة السياسية والاقتصادية والمالية، بشكل يكفي لإصلاح ضعفنا من الناحية العسكرية.
42- كما أننا نعلم أن غير المسلمين ليسوا جميعهم ضدنا. فبعضهم يميلون إلى جانبنا؛ وحتى إن بعضهم يرى عدونا على أنه عدوهم أيضاً. وحتى بين اليهود هناك من لا يؤيد ما تقوم به إسرائيل.
43- علينا أن لا نعادي الجميع بل علينا كسب قلوبهم وعقولهم. علينا كسبهم إلى جانبنا؛ ليس بالتوسل إليهم لمساعدتنا إنما عبر طريقة مشرفة، ألا وهي النضال من أجل مساعدة أنفسنا. وعلينا أن لا نعزز من قوة العدو، وذلك بدفع الجميع إلى معسكره عبر تصرفات غير إسلامية وغير مسؤولة. تذكروا صلاح الدين الأيوبي والطريقة التي قاتل بها ضد الصليبين والملك ريتشارد ملك إنجلترة بوجه الخصوص. تذكروا مراعاة النبي لحقوق أعداء الإسلام. علينا القيام بالشيء نفسه. إنها مسألة كسب نضال هام، لا مسألة انتقام وثأر غاضب.
44- علينا بناء قوتنا في جميع المجالات، وليس فقط من ناحية القوة المسلحة. وعلى بلادنا أن تكون مستقرة ومدارة إدارة حسنة، وعليها أن تكون قوية اقتصادياً ومالياً، ومنافسة صناعياً ومتقدمة تقنياً. وهذا ما سيأخذ وقتاً، ولكنه ممكن التحقيق وهو أفضل ما يمكن صرف الوقت عليه. لقد أمرنا ديننا بالصبر {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ} [البقرة: 2/153] فمن الواضح أن في الصبر فضيلة.
45- إلا أن دفاع الأمة والهجوم المضاد يجب أن لا يبدأ إلا بعد رص الصفوف. وحتى في يومنا هذا، فإننا نمتلك مقدرات يمكننا استثمارها ضد منتقصينا. ويبقى علينا التعرف عليها والعمل على استثمارها لإيقاف المذابح التي يقوم بها العدو. وهذا ممكن بالكامل إذا ما توقفنا للتفكير، والتخطيط ووضع استراتيجيات واتخاذ الخطوات الأولى الحرجة. وحتى هذه الخطوات القليلة يمكن أن يكون لها نتائج إيجابية.
46- نعلم بأن العرب في الجاهلية قد أدمنوا الحقد وقتل بعضهم بعضاً لمجرد كونهم من قبائل مختلفة. أما النبي فقد وجههم إلى أخوة الإسلام وأصبح بمقدورهم التغلب على حقدهم لبعضهم، والتوحد والتعاون لإقامة الحضارة الإسلامية العظيمة. هل بإمكاننا القول ما الذي كان بإمكان الجاهليين فعله ولا نستطيع نحن المسلمين الحديثين فعله؟ وإذا لم نكن جميعنا فعلى الأقل بعضنا يستطيع ذلك. وإذا لم تكن النهضة الحضارية العظيمة فعلى الأقل ضمان أمن الأمة.
47- ولن يتطلب القيام بالأمور المقترحة منا سوى التخلي عن كافة الاختلافات فيما بيننا. كل ما نحتاجه هو طلب هدنة تمكننا من العمل معاً على معالجة مشاكل معينة فقط وذات مصلحة واهتمام مشترك مثل قضية فلسطين مثلاً.
48- في أي صراع أو أية حرب، ليس ثمة ما هو أهم من فعل منسق ومتوافق. إن تحقيق درجة من التنظيم هي كل ما نحتاجه. وقد خسر النبي في معركة أحد عندما كسرت قواته الصف الواحد. نحن نعلم ذلك، إلا أننا غير راغبين في تنظيم أنفسنا والتخلي عن تلك الأفعال غير المنسقة وغير المنتظمة. نحتاج إلى أن نكون شجعاناً ولكن غير متهورين. نحتاج للتفكر ليس فقط في جائزتنا في الآخرة ولكن في النتائج الدنيوية للمهمة التي نقوم بها.
49- يخبرنا القرآن بأنه عندما يطلب العدو السلام فعلينا الرد بإيجابية. وصحيح بأن الهدنة المعروضة لا تلقى استحساننا. ولكن يمكننا التفاوض. وهذا ما قام به النبي في الحديبية، وانتصر في النهاية.
50- إنني واثق من أن جميع هذه الأفكار قد لا تكون متعارفاً عليها. وأن أولئك الغاضبين سيرغبون في إسكات أي شخص يشارك أو يدعم هذه الخطة. وسيفضلون بذل المزيد من أرواح الشباب والشابات لتحقيق تضحية سامية. ولكن إلى ماذا سيؤدي كل ذلك؟ ليس إلى النصر بكل تأكيد. وعلى مدى الخمسين عاماً من القتال في فلسطين لم نحقق أي نتيجة. وفي الواقع جعلنا وضعنا أسوأ من ذي قبل.
51- وربما سيرحب العدو بهذه العروض وربما استخلصنا من ذلك بأن المروجين لهذه الفكرة يعملون لصالح العدو. ولكن فكروا. نحن نقوم ضد شعب يفكر. لقد أحيوا 2000 سنة من البرامج. ليس عبر الطعن في الظهر، إنما عبر التفكير. لقد اخترعوا وروجوا بنجاح للاشتراكية والشيوعية وحقوق الإنسان والديمقراطية، لذا فإن إيذاءهم سيبدو خطأً، إذ إنهم يتمتعون بحقوق متساوية مع الآخرين. وبذلك بسطوا الآن سيطرتهم على أقوى البلاد وهم - المجتمع الصغير- أصبحوا قوة عالمية. لا يمكننا محاربتهم بالقوة العضلية فحسب، وإنما ينبغي علينا استعمال عقولنا أيضاً.
52- ومؤخراً ونظراً لقوتهم ونجاحهم أصبحوا متعجرفين. والأشخاص المتعجرفون مثل الأشخاص الغاضبين يرتكبون الأخطاء وينسون التفكير.
53-وقد بدؤوا للتو بارتكاب الأخطاء وسيرتكبون المزيد من الأخطاء. وقد يكون هناك بوادر فرص لنا الآن وفي المستقبل، لذا علينا اغتنام هذه الفرص.
54- ولكن للقيام بذلك علينا القيام بالأمور الصحيحة. الخطابة أمر جيد، وتساعدنا على إظهار الأخطاء المرتكبة في حقنا. وربما نربح بعض التعاطف والدعم. كما أنها تقوي روحنا وإرادتنا وعزيمتنا لمواجهة العدو.
55- يمكننا ويجب أن ندعو الله سبحانه وتعالى، لأنه في النهاية هو من سيحدد فيما إذا كنا سننتصر أم نخسر. كما أننا نحتاج لفضله وعونه فيما نبذل من مساعي.
56- إنها الكيفية التي نتصرف وفقها وما نقوم به ،هو ما سيقرر فيما إذا كان سبحانه سيعيننا ويمنحنا النصر أم لا ومرة أخرى فقد ذكر ذلك في القرآن في سورة الرعد الآية 11.
57- كما قلت في البداية إن العالم بأسره يرنو إلينا، وجميع الأمة الإسلامية تعلق آمالها على هذا المؤتمر (مؤتمر قادة الشعوب الإسلامية) ويتوقعون منا التنفيس عن غضبنا وإحباطنا عبر الكلمات والتلميحات، وليس فقط عبر الدعاء والتوسل طلباً لفضل الله. إنهم يتوقعون منا القيام بشيء ما. إلا أنه لا يمكننا قول أو فعل أي شيء نحن زعماء الشعوب الإسلامية. كما لا يمكننا القول بأننا لا نستطيع حتى التوحد عندما نواجه بدمار ديننا وأمتنا.
58- نحن نعلم بأنه بإمكاننا فعل ذلك. وهناك العديد من الموارد التي تحت تصرفنا. وكل ما نحتاجه هو فقط إرادة القيام بذلك، وكمسلمين يجب أن نكون حامدين للهداية التي يمنحننا إياها ديننا، وعلينا القيام بما ينبغي القيام به بتصميم وإرادة. ولقد رفعنا الله نحن القادة فوق غيرنا بحيث نتمتع بالسلطة دون غيرنا. إن السلطة التي نمارسها بحكمة هي لصالح شعبنا والأمة والإسلام. ويجب أن نمتلك الإرادة لاستثمار هذه القوة بحكمة وتعقل وانسجام وإن شاء الله سننتصر في النهاية.
59- وأبتهل إلى الله أن يمنحنا في هذا المؤتمر لمنظمة المؤتمر الإسلامي في بوتراجايا - ماليزيا توجهاً إيجابياً جديداً، وأن يمنّ علينا بالفلاح بفضله إنه هو القدير الرحمن الرحيم.