اسرائيل وامن الخليج

إنضم
6 أغسطس 2008
المشاركات
23
التفاعل
1 0 0

إسرائيل وأمن الخليج

- محددات الجغرافيا والنفط
- إسرائيل والعلاقات الأميركية الخليجية
- ضرب العراق وتصّدع الجبهة الشرقية
ترتبط إسرائيل بأمن الخليج ضمن ثلاثة أبعاد هي الجغرافيا والنفط والخيار الدولي، وفي حين بدت معطيات البعدين الأول والثاني ضاغطة على المقاربة الإسرائيلية، فإن البعد الثالث ما برح عصيا على الترجيح، هذا إن لم نقل إشكاليا في إيحاءاته ودلالاته.
وعلى الرغم من ذلك فإن السياق الكلي للمعادلة الحاكمة لعلاقة إسرائيل بأمن الخليج تجب قراءته في ضوء كم كثيف من المتغيرات الإقليمية والدولية، وقبل ذلك متغيرات البيئتين الخليجية والإسرائيلية.
محددات الجغرافيا والنفط
بعد احتلالها لقرية أم الرشراش المصرية (أو الفلسطينية حسب بعض الوثائق) التي تم تغيير اسمها إلى إيلات، أصبحت إسرائيل على مسافة خطوة واحدة من أن تصبح مشاطئة لمنطقة الخليج، أو لنقل لشبه الجزيرة العربية.
واليوم يمكن مشاهدة منازل ومصابيح إيلات من بعض مدن وأحياء المنطقة، على أن المغزى هنا هو مغزى إستراتيجي بالدرجة الأولى، إذ إن إسرائيل تداخلت بعمق مع أمن البحر الأحمر، المتداخل بدوره مع أمن الخليج على نحو عضوي ومباشر.
والأمر هنا لا يرتبط بالجغرافيا وحسب، بل بالتفاعلات السياسية والحضور الأمني والعسكري، لأن السياسة الإسرائيلية حاضرة في هذا البحر منذ أكثر من نصف قرن، وقد أوضحت حربا 1967 و1973 حساسية هذا الحضور.
وبعد انتصار الثورة الإريترية في مطلع تسعينيات القرن الماضي اتضح ما لم يكن في الحسبان، حين تكشف وجود إسرائيلي متقدم في مصوع وأرخبيل فاطمة.
وعلى الرغم من أهمية كل ذلك فإن للمعطى الجغرافي بعدا أكثر مركزية يرتبط بتوازنات القوى، أو لنقل بالميزان الإستراتيجي وقضايا الدفاع والتسلح بالمنطقة.
ويتجلى البعد الثالث للمعطى الجغرافي في علاقة دول الخليج بما يعرف بدول الطوق العربي، إذ بدت التفاعلات بين الجانبين خاضعة على نحو مباشر لهذا المعطى، على الرغم من كل ما يمكن قوله عن سياقها القومي والتاريخي العام.
بيد أن تجليات البعد الجغرافي لا تبدو متساوية ولا متماثلة بالنسبة للدول المعنية، وهذا أمر مفهوم في ضوء تفاوت الخيارات السياسية والأيديولوجية، وقد يكون الأردن اليوم أكثر المعنيين بهذه المقولة على الرغم من كونه مرتبطا باتفاقية سلام مع إسرائيل منذ عام 1994.
وهنا تداخلت اعتبارات عديدة، منها الإيديولوجية السياسية للدولة الأردنية، ونمط خياراتها العربية والدولية، وطبيعة ارتباطها الاقتصادي بمنطقة الخليج، فضلا عن تداخل الأردن الاجتماعي الكثيف مع هذه المنطقة.
من جهته بدا النفط حاضرا في علاقة إسرائيل بأمن الخليج، وقبل ذلك بموقع الخليجيين في معادلة النزاع العربي الإسرائيلي، وربما تجلى هذا الأمر على نحو واضح للعيان في قرار الحظر النفطي عام 1973، إلا أن بعده الأكثر دلالة قد تمثل في الدعم المالي الخليجي الذي كان قائما لدول الطوق العربية، وتمثل قبل ذلك في تعزيزه للمكانة الجيوبوليتيكية لدول الخليج، وتاليا لموقعها الدولي.
وهذا العنصر الأخير من المعادلة قد لا يبدو واضحا تماما في مقاربة النزاع العربي الإسرائيلي، لكنه يبقى قائما على أية حال، بيد أن ما يمكن قوله في التحليل الأخير هو أن نفط الخليج كان بمقدوره ولا يزال أن يغدو أكثر قدرة على تعزيز الموقف العربي.
وعلى صعيد الخيار الدولي لأقطار الخليج بدا هذا الخيار محافظا بوجه عام، وهذه مقولة إشكالية، لكننا نرى ثمة مشروعية في الأخذ بها، ونحن هنا لا نطلق حكما قيميّا أو معياريا، بل نشير إلى حالة قائمة مع الإقرار سلفا بأن هذا المصطلح يختزن بالضرورة بعدا أيديولوجيا.
إن الأمر الأكثر مغزى يتجلى في مدى مرونة هذا الخيار، وحدود القدرة على توظيفه محليا وعربيا، على نحو يمكن وصفه بالمثمر أو المقبول.
وثمة مؤثرات عديدة في هذا الاتجاه أبرزها متانة الأوضاع الداخلية، وواقع العلاقات العربية العربية، ومدى السيولة في النظام الدولي، وهامش المناورة المتاح فيه.
وعلى الرغم من كل ذلك فإن الخيار الخارجي لدول المنطقة لا بد من صياغته في الظروف كافة، بما ينسجم والمصالح العليا للأمة ويخدم قضاياها المصيرية.
إسرائيل والعلاقات الأميركية الخليجية
وبالانتقال من إطار المقولات إلى بعض مضامينها، يمكن القول إن العلاقات الأميركية الخليجية قد وثقت بالنفط، وقيّدت بأمن إسرائيل، ولم تختزن أي مضمون ثقافي، ومن هنا فقدت طابعها الإستراتيجي على الرغم من كل ما يقال في هذا الصدد.
لم يضر إسرائيل تطوّر العلاقات الأميركية الخليجية، لكنها ظلت تنظر إلى هذه العلاقات بعين ملؤها الشك والريبة. وقد اعتقد الإسرائيليون أن مزيدا من التطوّر في علاقات واشنطن بدول الخليج سوف يكون على حساب مكانتهم في المدرك الإستراتيجي للحليف الأميركي، مما يدفع تاليا باتجاه إضعاف فكرة "الذخر" التي بنيت عليها العلاقات الأميركية الإسرائيلية.
ومن هنا لم تنظر تل أبيب بارتياح إلى مبدأ كارتر الذي أسس في مطلع عام 1980 للوجود العسكري الأميركي في المنطقة، والأمر نفسه تكرر عند تشكيل القيادة المركزية في يناير/كانون الثاني عام 1983.
أما تعاظم حضور واشنطن الأمني بعد حرب الخليج الثانية فنظر إليه في تل أبيب على أنه تهديد مباشر لدور إسرائيل في الإستراتيجية الأميركية. وكذلك نظر الإسرائيليون بارتياب متزايد لصفقات التسليح الأميركية لدول الخليج، ورأوا فيها خطرا على أمنهم القومي.
وفي مطلع الثمانينيات دخلوا في معركة طويلة لوقف صفقة الأواكس للملكة العربية السعودية، وحدثت ضجة أخرى في صيف هذا العام مع الإعلان عن عزم واشنطن تزويد دول الخليج بجيل متطور من الطائرات الحربية والقنابل الذكية.
وللقفز على واقع العلاقات الأميركية الخليجية الوثيقة، تعمدت إسرائيل على نحو متكرر القول باحتمال وقوع هذه الأسلحة في يد قوى راديكالية، أو بتغيّر الظروف في الخليج على نحو يجعلها في مواجهة مباشرة معها.
ولقد نجحت إسرائيل في تجريد كثير من الأسلحة الأميركية الموجهة للخليج من طابعها الهجومي، ونجحت على نحو حاسم في منع وصول عدد من الأنظمة الدفاعية للمنطقة، واستطاعت تشكيل حظر أميركي ضمني على تزويد دول الخليج بصواريخ قادرة على الوصول إلى التخوم الإسرائيلية.
كذلك سعى الإسرائيليون على نحو دائم للتذكير بأن العلاقات الأميركية الخليجية لا تستند إلى عمق حضاري، وبالتالي فهي علاقات لا جذور لها، وبأن إسرائيل هي نموذج الحضارة الغربية في المنطقة، و"واحة الديمقراطية" فيها، وقد جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لترفع عاليا من وتيرة الدعاية الإسرائيلية هذه.
وبموازاة ما سبق ذكره ظلت الدبلوماسية الإسرائيلية تردد مقولة أن على دول الخليج أن تبرهن على صدق اعتدالها عبر تشجيع عملية السلام في المنطقة ونبذ "التطرف".
وهنا تدخل الإسرائيليون على نحو مباشر لمهاجمة الدعم الخليجي لعدد من الدول العربية، وهاجموا "إعلان دمشق" عام 1991، واتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس، ونظروا بارتياب إلى الأدوار الخليجية في الساحة الفلسطينية.
ويعّول الإسرائيليون اليوم على موقف خليجي "جديد" في المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط المزمع عقده في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
والخوف الذي يسود المنطقة هو ما إذا كان الأميركيون سوف يضغطون باتجاه شطب ملفات القدس وعودة اللاجئين وحدود عام 1967، ومن ثم تحقيق تسوية تلبي كافة الشروط الإسرائيلية، إضافة إلى التساؤل حول مستقبل علاقة دول الخليج بحركة حماس، علما بأن رؤيتها ليست واحدة بهذا الشأن.
ضرب العراق وتصدّع الجبهة الشرقية
وغير بعيد عن تفاعلات الداخل الخليجي ظل العراق حاضرا في مقاربة إسرائيل لأمنها القومي، وارتبط ذلك بأمرين أساسين: الأول قدرته على بناء قوة عسكرية ذات شأن، والثاني دوره فيما يعرف بالجبهة الشرقية.
وفي سياق المخاوف الإسرائيلية من قوة العراق جاء تدمير إسرائيل لمفاعل تموز العراقي عام 1980، وتخوفها من انتهاء الحرب العراقية الإيرانية بنتيجة لا غالب ولا مغلوب، بمعنى خروج العراق وإيران بكامل قدراتهما العسكرية.
كذلك بدا لافتا وضع إسرائيل بندا في معاهدة وادي عربة عام 1994 ينص على أن دخول أية قوات أجنبية (عربية) إلى الأردن سوف يعني إعلان حرب، وعلى الأرجح فإن تل أبيب قد عنت العراق بهذا النص، إذ إن لكل من مصر وسوريا ولبنان حدودا مشتركة مع إسرائيل، وبالتالي ليس ثمة احتمال متزايد لتحريك قواتها نحو الأردن.
وفي عام 1991 جاءت حرب الخليج الثانية لتشكل منعطفا تاريخيا في بناء الجبهة الشرقية بالمعيارين الإستراتيجي والسياسي، وعلى الرغم من ذلك فإن الحرب لم تحسم الصورة النهائية لهذه الجبهة، إذ تحوّل العراق من خطر مؤكد إلى خطر محتمل، لأن بضعة صواريخ "سكود" يمكن إطلاقها من غرب العراق لتصيب منطقة تل أبيب وتغير معادلات عدة، ذلك أن المسافة بين منطقة القائم على الحدود العراقية السورية وأواسط منطقة تل أبيب لا تتجاوز 700 كيلومتر.
وكان هذا هو الحال حتى تاريخ الحرب الأميركية على العراق عام 2003، حين انتهى الخطر المحتمل على نحو مؤقت وحسب، ذلك أن زوال الخطر العراقي عن إسرائيل يبقى مرهونا بإمساك أميركيا له، على الصعيدين السياسي والأمني، إذ إن بروز نظام راديكالي سوف يعيد وضع إسرائيل في مرمى الصواريخ العراقية، كما أن انفلات الأمن الداخلي من عقاله، وانفراط آليات الضبط الأمني من شأنه هو الآخر أن يضعها في مرمى هذه الصواريخ، ولكن هذه المرة محمولة بأكتاف وشاحنات الجماعات المسلحة التي تحارب الآن الولايات المتحدة.
ولن يحول دون ذلك وجود قوات أو قواعد أميركية في غرب العراق، لأن اعتراض مثل هذه الصواريخ يشترط بالضرورة استعدادا مسبقا لتتبعها والتصدي لها في منطقتي انطلاقها وسقوطها، وهو أمر ربما يمكن تحقيقه في ظروف الحرب والتأهب المسبق في الجو وعلى الأرض.
والخلاصة أن العراق سيبقى تحديا إستراتيجيا في حسابات الأمن الإسرائيلي بموازاة كونه تحديا سياسيا، بمعنى زيادة الشعور بالربط بين معضلة العراق ومعضلة النزاع العربي الإسرائيلي، على النحو الذي قالت به توصيات تقرير بيكر وهاملتون، وقبل ذلك النقاشات التي شهدتها واشنطن ولندن غداة سقوط بغداد.
وفي سياق غير منفصل عن مقاربة النزاع العربي الإسرائيلي وموازين القوى في المنطقة، دعا تقرير بيكر وهاملتون (التوصية رقم 5) إلى إشراك إيران في جهود إحلال الاستقرار والبحث عن تسوية سياسية للوضع المتأزم في العراق.
ومن الأمور اللافتة ما أوردته التوصية (22) من التقرير التي نصت على وجوب أن يصرح الرئيس الأميركي "بأن الولايات المتحدة لا تهدف إلى إقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق".
وهذه قضية بالغة الدلالة في حسابات النزاع العربي الإسرائيلي، بقدر دلالتها على صعيد المقاربة الأميركية لأمن الخليج ذاته، لأن وجود قواعد عسكرية دائمة في العراق يرتبط بإسرائيل من ناحيتين، تختص الأولى بمستقبل أمنها، وتتعلق الثانية بمستقبل مكانتها ودورها في الإستراتيجية الأميركية في المنطقة.
وعلى صعيد آخر يبدو الملف النووي الإيراني إحدى نوافذ تفاعلات إسرائيل مع أمن الخليج، التي باتت عبره أكثر تجليا وكثافة، وإذا قدّر للتوترات الإسرائيلية الإيرانية أن تتجه نحو صدام عسكري سافر، فسوف يكون الخليج قد أضحى في القلب من مقاربة أمن إسرائيل القومي.
وبالعودة إلى دول الداخل الخليجي الست فإن ما يمكن قوله ختاما هو أن تأثير هذه الدول في معادلة النزاع العربي الإسرائيلي سوف يعتمد جوهريا على مدى قدرتها على إحداث قدر من التوازن الإستراتيجي مع إسرائيل التي ستبدو أشد ارتباطا بمعادلة أمن الخليج.
ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أن المضامين الإقليمية لهذا الأمن قد اقتربت في حجمها اليوم من مضامينه الدولية أو كادت، وهذا متغير كبير لا بد من أخذه في الحسبان عند مقاربة أوضاع هذه المنطقة ومنظومة خياراتها الأمنية والسياسية.
 
عودة
أعلى