السيادة والتدخل الأنساني

إنضم
6 أغسطس 2008
المشاركات
23
التفاعل
1 0 0
السيادة والتدخل الإنساني.


يثير التدخل الإنساني القائم على "التصورالأمني المجتمعي" إشكاليات عديدة كونه يمس بأحد أركان الاستقرار في النظام الدولي، والمتمثل في تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إلا أن التدخل الإنساني يجد سندا له في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يركز على ضرورة ترقية احترام حقوق الإنسان، لكن وبالخصوص ميثاق الأمم المتحدة، الذي يكرس حق تقرير المصير.

آراء فقهاء القانون الدولي في إجازة التدخل لأغراض انسانية:
وفي هذا الصدد، انقسم فقهاء القانون الدولي إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية. الاتجاه الأول ينحو إلى رفض التدخل الإنساني بدعوى أنه يمس بالسلامة والاستقلال الإقليميين للدولة، وفي هذا الاتجاه، يرى Ian Brownlie بعدم وجود أي سند سواء في ميثاق الأمم المتحدة أو المبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول، يقدم غطاء شرعيا للتدخل.
أما الاتجاه الثاني فيدعو إلى تضيق مجال التدخل الإنساني ليقتصر على العمل الجماعي في إطار الأمم المتحدة، فإذا لم تحترم السلطة الوطنية حقوق مواطنيها، فيجوز للمجموعة الدولية اتخاذ التدابير المناسبة، شرط الحصول على ترخيص من مجلس الأمن.
الاتجاه الثالث يتزعمه رواد النزعة الإنسانية في القانون الدولي مثل Hersh Lauterpacht وOppenheim L. اللذان يدعوان إلى إجازة أي عمل جماعي حتى خارج المظلة الأممية– لوقف أعمال الاضطهاد الوحشية التي ترتكب في حق الأفراد والمجموعات.
وواقعيا يمكن إيجاد إسناد الاتجاهات الثلاثة سواء في القانون أو الممارسة، فالمادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة تجري لصالح الاتجاه الأول، وتنص على أنه على جميع الدول الامتناع عن استخدام القوة أو التلويح باستخدامها ضد دولة أخرى بما يمس بسلامة إقليمها أو استقلالها، وبأي شكل يتنافى مع مقاصد الأمم المتحدة.
ورغم صراحة ووضوح هذه المادة، إلاَّ أنَّ كوفي عنان دعا في دورة الجمعية العامة الخاصة بسبتمبر 1999 إلى دراسة آليات إجازة التدخل، وطلب من الدول التي تعارض بشدة هذا المسعى (وهي الصين، الهند، والجزائر) إلى تقديم رد عما كان موقفها سيؤول إليه لو أن المجموعة الدولية وجدت آلية للتدخل في منطقة البحيرات الكبرى عام 1994، لوقف أعمال الإبادة التي ذهب ضحيتها 800 ألف من التوتسي والمعتدلين الهوتو.
إلا أن الفصل السابع من الميثاق ذاته جرى على إعطاء مجلس الأمن صلاحية اتخاذ إجراءات عقابية إذا ما ارتأى أن وضعية ما تشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين، وهو ما يدعم الاتجاه الثاني. ولكن هذه السلطة التقديرية الممنوحة للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أثارت نقاشا حادا حول الأهلية الحَصْريَّة للدول دائمة العضوية في تحديد ماهية هذه التهديدات. فالدول الصغيرة ظلت على موقفها المتحفظ إزاء إمكانية استغلال هذه الثغرة للتدخل في شؤونها الداخلية تحت غطاء حماية حقوق الإنسان، الذي أصبح وبشكل متزايد أحد دعائم الأمن الدولي، بمفهومه الذي ما فتئ يميل إلى الجوانب الإنسانية على حساب المخاطر العسكرية الصَّرْفَة.
ومع ذلك، فقد أثبتت حالة كوسوفو صعوبة تجسيد مثل هذا التصور الذي يلتزم بالمرجعية الأممية، فقد واجهت الو.م. أ. وحلفائها عائق الفيتو الصيني- الروسي في صيف وخريف 1998، ما حال دون تدخلها لصالح الأقلية الألبانية. وباصطدامها بشَلِّ أعمال المجلس لجأت دول الناتو إلى شن حملة قصف جوي لـ 78 يوما ضد بلغراد لإرغامها على وقف التجاوزات الصربية في حق ألبان كوسوفو.

التدخل الانساني وميثاق الأمم المتحدة:
إذن ورغم المخاوف التي أبدتها بعض الدول إزاء إمكان استغلال الو.م.أ. لمبرر حماية حقوق الإنسان للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، إلا أن التدخل الإنساني أصبح أكثر اعتيادا بإقرار مجس الأمن له في البوسنة، والصومال، وهاييتي، ورواندا. وفي إطار الفصل السابع في كوسوفو، وتيمور الشرقية، وسيراليون، والكونغو. وهكذا، فإنه ومع أواخر التسعينات، فإن النقاش لم يتمحور حول ما إذا كانت حماية حقوق الإنسان تعتبر مبررا مقبولا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، بل فيما إذا كانت هذه التدخلات تقتضي الرجوع إلى مجلس الأمن للحصول على ترخيص بذلك. وفي هذا النطاق يقوم الاتجاه الثالث الذي يجيز التدخل خارج إطار الشرعية الأممية.
وإذا كان الاتجاهان الأولان اللذان تم التعرض لهما يرتكزان على سند قانوني، فإن هذا الاتجاه لا يدعو إلى التمرد على الشرعية الأممية، بل يدعو إلى التفكير في آليات بديلة عندما يعجز مجلس الأمن عن اتخاذ الإجراءات المناسبة بسبب استعمال حق النقض. وهنا يقول Glennon أنه يجب التفريق بين تحدي القانون وتحدي حكم القانون. فتحدي قانون غير عادل، مثلما فعل الناتو بتدخله في كوسوفو دون الالتزام بالمرجعية الأممية، سوف يساهم في تعزيز العدالة، ذلك لأن خرق القانون بشكل علني لإحقاق العدالة أقل خطرا من الإذعان له، طالما أن الخروقات المتسترة سوف تقوض النقاش حول فرص إصلاح النظام القانوني. ومن ذلك التعدي على حقوق الإنسان، هي النقطة التي لم يبت الميثاق في كيفية التعامل معها. وفضلا عن ذلك فإن التدخل يبدو بمثابة الملاذ الأخير إذا ما تبين أن تكاليف عدم التدخل مرتفعة جدا على الصعيد الإنساني.
على أن التدخل بهذا الشكل يمكن أن يجد سندا له في تصور جديد للميثاق الأممييسميه Hindell بمرجعية الفصل 6.5 من الميثاق، والذي يقوم حسبه على إجازة التدخل لأغراض إنسانية دون الحاجة إلى الحصول على رضى حكومة الدولة المعنية، ويعوز ذلك إلى محاولة تفادي تكرار كارثة رواندا. ولا شك أن مثل هذا التصور يجد سندا له في إعلان فيينا لحقوق الإنسان لـ جوان 1993، فالفقرة 27 من الإعلان تجري على أن كل الدول ملزمة بإيجاد آليات لمعالجة خروقات حقوق الإنسان، وبما أن 171 دولة صادقت على هذا الإعلان، فإن ذلك يجعل منها طرفا ثالثا ملزما بالتدخل، أو دولا موضوع إجراءات عقابية بسبب التجاوزات المرتكبة على أقاليمها.
لكن ورغم النزعة الإنسانية للاتجاه الثالث، إلا أن ما تجدر ملاحظته هو أن الأطراف الثالثة فيما لو تبنّت هذا الإطار التّدخلي، فإنها ستكون إزاء التعامل مع النزاعات الإثنية بناء على قاعدة حالة بحالة. ومن الواضح أنه سيكون من الصعب على نظام كهذا أن يستمر فيما إذا لم يتم تقنينه. فالقرن العشرين كان مسارا متواصلا من تقنين الأعراف الدولية، الشيء الذي ساهم في تضييق هوامش الخطأ في السٌّلوكيات الدولية، وجعل هذه السُّلوكيات أكثر انضباطا وقابلية للتوقع. إذن، فعدم وضع ضوابط على أداء الطرف الثالث خارج الشرعية الأممية - سوف يزيد من الأخطاء وهذا سيوسع من رقعة الإحباط والتذمر لدى الكثير من أطراف المجموعة الدولية، فهذه النزعة التدخلية، ومع مرور الوقت، ستبدو وأنها لا تستند لا إلى القانون ولا إلى العدالة بل إلى القوة وتحكمها المعايير المزدوجة.

التدخل الانساني في ظل سيادة منطق المصلحة:
لتجاوز الإشكال المطروح آنفا، يقترح بعض صناع القرار وضع عدد من المقاييس التي يعتبر استيفائها ضروريا لمباشرة عملية التدخل. وفي هذا الصدد، يرى Colin Powell وزير خارجية الو.م.أ. وجوب الحصول على رد إيجابي لستة أسئلة قبل تقديم الالتزام بالتدخل ومن ذلك:
- هل الهدف السياسي للتدخل مهم ومحدد بوضوح؟
- - هل تم استنفاذ جميع الطرق الأخرى؟
- ما هي التكاليف المتوقعة للتدخل؟
- هل تمت دراسة الفوائد والمخاطر بعناية؟
- وإذا تمت معالجة الوضع باستخدام القوة، فإلى أين ستؤول الأوضاع؟
ولكن مثل هذه المقترحات تجعل من نطاق عمل الطرف الثالث محدودا جدا ومرتبطا بمصالح الو.م.أ.. ومع ذلك، يجب الإقرار بأنه لا يمكن مطالبة الو.م.أ. بالتحرك بشكل انفرادي أو المشاركة في أي عمل جماعي تقوم به الأطراف الثالثة. لذا قدم الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، مقاربة بديلة تقوم على ضرورة الاستيفاء بـ 8 معايير قبل التصويت لصالح أي مشروع قرار أممي يدعو إلى استخدام القوة لمعالجة نزاع داخلي، بحيث ترتفع هذه المعايير إلى 14 عندما يتوقع من الو.م.أ. أن تشارك في العمل الأممي، وإلى 17 إذا ما كانت المشاركة الأمريكية تنطوي على استخدام القوة العسكرية.
ومع أهمية الو.م.أ. كقوة عظمى في أي مسعى تقوم به الأطراف الثالثة، إلا أن Oudraat يقترح معايير عامة تقوم كمرجعية لأي شكل من أشكال البنى التدخلية، ويستمد هذا الطرح من نظريات الحرب العادلة التي سادت في القرن التاسع عشر، والتي يكون التدخل في ظلها قانونيا في الحالات التالية:
- وجود سلطة شرعية لها صلاحية الحرب؟ (الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية)
- وجود قضية عادلة – هل يعتبر مبرر التدخل مشروعا؟ (الاعتبارات الإنسانية: وقف أعمال الإبادة).
- النوايا الحسنة – ما هي الدوافع الكامنة وراء الحرب؟ (يجب تقديم دليل واضح للحؤول دون استعمال الأوضاع الإنسانية كذريعة للتدخل بشكل عشوائي).
- الملاذ الأخير – هل تم استنفاذ جميع الوسائل الأخرى؟ (يجب إصدار تحذيرات للأطراف التي تقف وراء أعمال العنف الإثنية).
- الإعلان الصريح؟ يجب الامتناع عن المباغتة.
- التناسبية – هل يتناسب قرار الحرب مع مستوى الضرر؟
- توافر آمال معقولة بالنجاح.
ورغم شمولية هذه الضوابط إلا أنها تلقى معارضة من طرف الدول التي ترفض أي تدخل خارج الإطار الأممي. لكن وحسب Glennon، فإنه وإلى حين إيجاد آليات لحماية الضوابط أو القواعد القانونية التي تتم صياغتها من الاستخدام السيئ بواسطة الأقوياء، فإن تجسيد العدالة في العالم لا يمكن أن يتم إلا بشكل ظرفي، فتحقيق العدالة يأتي في المقام الأول، وهي الجزء الصعب من المهمة، أما مراجعة القانون فيتبع لاحقا. ولا شك أن أهم تحدّ يواجه البحث في هذا الإطار هو إشكالية التوفيق بين متطلبات التدخل الإنساني وسيادة الدول.
وفي هذا الصدد، صدر تقرير عن الأمم المتحدة عام 1996، تعرض إلى مجموعة توصيات تهدف إلى تحسين إدارة المنظمات الدولية للنزاعات الإثنية، وتقوم على "الواقعية الإنسانية"، والتي تعني وجوب توفر إرادة لدى أطراف المجموعة الدولية للتدخل، وضرورة توفير إمكانيات للرد بسرعة على التجاوزات الخطيرة لحقوق الإنسان مثل أعمال الإبادة، ويبدو ذلك إقرارا لمرجعية الفصل 6.5 من الميثاق -والذي تم التعرض إليه – الذي يلقي جانبا، الشرط المتعلق بضرورة الحصول على قبول من الدولة المعنية قبل مباشرة أي تدخل، والمتضمن في الفصل السادس من الميثاق.
ورغم أن ذلك يمس بسيادة الدول المعنية، إلا أنه يرتكز على واقع أن الدول التي تشهد مثل هذه التجاوزات، عادة ما ينتفي فيها شكل من أشكال الاستقرار الذي يسمح لقيام سلطة شرعية تحتكر استخدام القوة والقهر المادي، لذا ينتفي مبرر الرجوع إلى حكومة الدولة المعنية للحصول على ترخيص بالتدخل. وفضلا عن ذلك يمكن إيجاد حالات حيث تكون مثل هذه السلطة مسؤولة عن عمليات تقتيل منظمة في حق أقلية إثنية معينة وحالات كهذه تبرر دعوة الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بطرس غالي، في أجندته من أجل السلام إلى ضرورة إعادة النظر في المفهوم التقليدي للسيادة.
وبناء على ذلك، يبدو أن النظام الدولي القائم على السيادة المطلقة لا يتيح فرصا مناسبة للتعامل مع العنف الإثني الداخلي، فما هي الخيارات المتاحة أمام الأطراف الثالثة؟ يمكن إيجاد تصورين مهمين بهذا الشأن في أدبيات النزاعات الإثنية؛ الأول يقضي بفصل الأمة عن الدولة، ويعود هذا الطرح إلى Gidon Gotliep؛ أما الثاني فيقضي باعتبار السيادة مسؤولية وليس حقا مكتسبا، ويتزعم هذا الطرح Francis Deng وآخرون.

السيادة في ظل فصل الأمة عن الدولة:
الطرح الأول الذي يرد في كتاب Gotliep المعنون Nation against State، يقوم على اتخاذ إجراءات على المستوى المؤسساتي تحدد سلطة الدولة في القضايا الأمنية، بينما تُنَاطُ السلطة في القضايا الثقافية إلى هيئات محلية أو فوق قومية ويبرر ذلك بفشل التدابير المتخذة لحماية الأقليات، أما المبرر الثاني فهو عدم واقعية الحل القائم على منح الحق في التدوّل لكل المجموعات التي تطالب بتقرير المصير. لأن ذلك سيؤدي إلى وضع فوضوي، فقد شهد العالم قيام كيانات مثل الضفة الغربية وقطاع غزة، وجمهورية Srbska الصربية، وجمهورية أرض الصومال وكوسوفو. وقد أدى هذا الوضع إلى انقسام العالم إلى دول سيّدة كأمر واقع، بتوفرها على القدرة للتحكم في شؤونها الداخلية إضافة إلى القوة على المستوى الخارجي تمكنها من تأكيد حقوقها وامتيازاتها السيادية. وبالمقابل، فهي تفرض ذلك بالنسبة للدول الأخرى والكيانات الهجينة - حسب تعبير Gotliep – التي تتقاسم بعض خصائص السيادة ولكنها لا تستوفي تعريفها التقليدي.
وكبديل لذلك، يرى Gotliep بضرورة خلق وضع دولي خاص للأمم يكون متميزا عن الدول، وذلك بإناطة بعض الوظائف السلطوية (دون تضمين وظائف السياسة العليا بينها) للمجموعات التي تتميز بهوية مختلفة، ويقوم ذلك على البحث عن مصدر لحقوق المواطنة والجنسية يكون متميزا عن الدولة. ولكن الاستفهام الأساسي يدور حول كيفية تجسيد مثل هذا النظام، وبالنسبة لـ Gotliep فإن الإتحاد الأوروبي يعتبر نموذجا رائدا لطرحه، إذ يبدو وأنه يتحرك ببطء نحو الهدف القاضي بفصل الأمم عن الدول.
غير أن إحدى الدراسات حول الاتحاد الأوروبي أفضت إلى أن أكبر خطر يتهدد الاتحاد سيأتي من الأمم التي تحس باللاّأمن والخطر على بقائها، فالأمة لا تقبل بوضع دولي معيّن إلا إذا ضمنت بأن هويتها لن تتعرض لأي تهديد وبأنها يمكن أن تتعزز إذا تفاعلت مع هويات أخرى. ويجدر التنويه إلى أن الحديث هنا هو عن أمم مثل ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وليس عن الأمم المضطهدة أو تلك التي تعاني من النزاعات المسلحة.
والتساؤل المطروح إذن، هو أنه إذا كانت الأمم الأوروبية الآمنة والمتحررة نسبيا من التهديد، تبدي هذا الهوس والمخاوف تجاه هويتها. فما الذي نتوقعه بشأن الأمم التي تعيش صراعا حقيقيا للبقاء. فهل سترضى بأقل من تشكيل دول مستقلة لتأمين هويتها.
إنه من المبكر جدا الاعتقاد بأن أكراد شمال العراق، الأفخاز، أو فلسطينيو الضفة الغربية وصرب Srbska يشكلون قاطرة لفصل الأمم عن الدول، فهي تبدو كيانات انتقالية نشأت بسبب نزاعات عنيفة وسياق دولي معين، وهي لن تكون أكثر من إجراءات تهدئة، وسرعان ما تتحول إلى المطالبة بالاعتراف بحقها في التدوّل، إذن هناك حاجة إلى تصور أكثر واقعية.

السيادة كمسؤولية وإجازة التدخل:
الطرح الثاني الخاص بإعادة صياغة مفهوم السيادة يتزعمه Francis H. Deng وآخرون في كتابهم المعنون Sovereignty as Responsibility، حيث يعتبرون أن السيادة التي تحظى بها الدولة لا يجب النظر إليها كامتياز مطلق وإنما يمكن تعليقه إذا ما أخفقت في أداء واجباتها ومسؤولياتها تجاه مواطنيها. فللحصول على امتيازات السيادة، يتعين على الدول أن تحافظ على السلام والأمن الوطني، وأن تهتم برفاهية مواطنيها وحمايتهم. أما إذا عجزت ذلك فعليها أن تدعو أو ترحب بالمساعدة الخارجية، وإلا فستتعرض لرد فعل وضغوطات خارجية، ولا يكتفيDeng بذلك، بل يرى أن السيادة يجب أن تتضمن واجبا خارجيا يقضي بالتدخل، عسكريا إن لزم الأمر، إذا أخفقت الدول الأخرى في تحمل مسؤولياتها.
إلا أن مثل هذه الأفكار تلقى مقاومة عنيفة من أغلب الدول التي ترى أنها ستخسر كل شيء دون أن تستفيد كثيرا من نسق كهذا، وتقف في هذا الاتجاه دول مثل الصين وسنغافورة اللتان تحددان التزاماتهما الداخلية بشكل مختلف عن الغرب. ولكن وحتى ولو تم التغلب على هذه المقاومة فإننا سنكون إزاء واقع يشير إلى أن أغلب دول العالم لا يمكنها أن تلتزم بمعايير المسؤولية الداخلية (وحتى الخارجية التي تتضمن التزاما إيجابيا بالتدخل) فحسب الباحث محمد أيوب، هناك هوة كبيرة بين معايير سلوك الدول المستند إلى التجربة الغربية وبين قدرات أغلب الدول الفقيرة. وهذا يصعّب من الحديث عن نسق دولي موحد ومقبول للتعامل مع الأقليات.
ولأدل على ذلك مما يحصل حاليا في نيجيريا وإندونيسيا، فهو مجرد محاكاة لما حدث في أوروبا عندما كانت كل كياناتها بصدد تأسيس دولة – أمة، فدول الجنوب التي تشهد أعمال اضطهاد يمكن أن تتحجج بمقولة Massimo d'Aeglio بعد توحيد إيطاليا عام 1860: "لقد صنعنا إيطاليا والآن سنصنع الإيطاليين". ومقاومة الإندونيسيين والنيجيريين لاستقلال تيمور الشرقية وبيافرا عادة ما يرجع إلى سابقة خوض الو.م.أ. لحرب ضارية للحؤول دون انفصال الجنوب عن الاتحاد.
وفي مستوى آخر، فإن مقاومة هذا الطرح ستأتي من الدول الغربية ذاتها، فمن الذي سيقنع الشعوب الغربية بضرورة التزامها بالتدخل لتوفير الدعم لصالح المجموعات ضحايا الدول غير المسؤولة. هنا مكمن التناقض في مقاربة السيادة كمسؤولية، فإذا رفض الشعب التدخل خارجيا، فهل يتعين على حكومات هذه الدول أن تتجاهله أو ترغمه على تنفيذ التزاماته الخارجية؟ وإذا حدث ذلك ألا يعتبر إضرار بالغا بالمسؤوليات الداخلية للدول؟ إذن فالمسألة بالنسبة للدول الغربية تتمثل في الانعكاسات السلبية المحتملة للتدخل العسكري على الشرعية الداخلية، أما بالنسبة للدول الأخرى فإن المسألة تتعلق بموارد نادرة، إن كانت ستخصص لتلبية الحاجيات الملحة لمواطنيها أم أنه سيتم اعتمادها لتمويل تدخلات خارجية.
إذن فالسيادة كمسؤولية تتطلب إقناع الدول بتنفيذ التزاماتها الداخلية تجاه مواطنيها، والتزامها الخارجي بالتدخل لصالح المجموعات المضطهدة. ورغم صعوبة تجسيد هذه المقاربة بشكل صحيح إلا أنها تتضمن بعدًا إيجابيا جدا يتمثل في أن الدول ستفعل كل ما من شأنه أن يسمح بتنفيذ واجباتها حتى تكون بمنأى عن الإجراءات العقابية، وهذا لا يتأتى إلا إذا أدركت أنها ستكون هدفا لتدخل خارجي.
 
للأسف كل ماسبق وكتبته-مشكورا بالطبع- صار حبرا على ورق


فالتدخل الإنساني صار وسيلة من جانب بعض الدول لإبتزاز والتدخل في شئون دول أخرى وصارت الإجراءات العقابية تسير وفق الأهواء

وكل عام وحضرتك بخير
 
عودة
أعلى