اللواء حسام سويلم يكتب: الثورة الثانية في ليبيا.. الهدف والمسار والمستقبل .. "1".. خريطة الميليشيات

safelife

عضو
إنضم
26 نوفمبر 2010
المشاركات
8,319
التفاعل
17,861 0 0
اللواء حسام سويلم يكتب: الثورة الثانية في ليبيا.. الهدف والمسار والمستقبل .. "1".. خريطة الميليشيات الإرهابية في ليبيا وتأثيرها على الثورة
أبرز 7 تنظيمات إرهابية في الأراضي الليبية وعلاقتها بجماعة الإخوان وتنظيم القاعدة
- جماعة الإخوان وحلفائها ضربت الحياة السياسية في ليبيا وحولت الجيش الوطنى لجيوش موازية لا تأتمر بأوامر الدولة

- تنظيم القاعدة كان يخطط لتفجير مدينة بنغازى بالكامل، ولكن قوات الجيش تمكنت من إحباط هذا المخطط

- وسائل الإعلام الغربية تطلق على أنصار الشريعة مصطلح (الخزان) الذي يتكدس بالتكفيريين لحساب القاعدة في العالم

827.jpg

اللواء خليفة حفتر

لم تكن الثورة الثانية في ليبيا التي شنها الجيش الليبى بقيادة اللواء خليفة حفتر قائد القوات البرية مجرد تقليد لثورة مصر الشعبية التي ساندها الجيش في 30 يونيو 2013 ضد نظام حكم جماعة الإخوان الإرهابية الذي جثم على صدور المصريين لمدة عام واحد فقط وكان ثقيلا جدا، ولكن جاءت الثورة الليبية الثانية نتيجة إدراك واع من قبل معظم الشعب الليبى وجيشه لخطورة وقوع ليبيا في براثن جماعة الإخوان وحلفائها من تنظيمات القاعدة وأفرعها الإرهابية، لا سيما بعد حالة التوحش التي فرضها الإرهابيون المسلحون للسيطرة على مرافق الحياة في ليبيا، خاصة إقليم برقة في الشرق، وما استتبع ذلك من سيطرتهم على حقول ومنشآت النفط واحتكارها لأنفسهم، فضلا عن ترسيخ حالة الانقسام السياسي والمجتمعى والقبلى في ليبيا بين إقليم برقة في الشرق وإقليم فزان في الوسط وإقليم طرابلس في الغرب، إلى جانب سيطرة قبائل الجنوب على مناطقهم.

الجيش الليبى لمنع انهيار البلاد:

- وفى مواجهة تدهور الموقف في ليبيا وخشية وصولها إلى حالة انهيار وتفسخ كامل، وجد الليبيون أن إنقاذ ليبيا من الوقوع في هذا المستنقع يتمثل فقط في أن يأخذ الجيش الليبى الأمور بيده، وهو ما تمثل في قيام اللواء حفتر بحركته العسكرية (حملة الكرامة) معلنا أن هدفه هو القضاء على الإرهاب في ليبيا وإعادة الأمن والاستقرار إليها، وحماية شعبها من الممارسات الإرهابية.

ولكن رغم خصوصية الموقف الليبى عن الموقف المصرى عندما قام الشعب والجيش في مصر بثورته في 30 يونيو الماضى للإطاحة بنظام حكم الإخوان، إلا أنه لا يمكن إغفال التأثير الشديد للثورة المصرية على الثورة الثانية في ليبيا، لاسيما في مجال الاعتماد على الجيش أو بقاياه لإنقاذ البلاد؛ وباعتباره المؤسسة الوحيدة التي لم تخترقها حتى اليوم جماعة الإخوان الإرهابية، وبقىت هي المؤسسة الوحيدة في ليبيا المتماسكة وطنيا رغم كل ما تعرضت له ليبيا من سلبيات في الأعوام القليلة الماضية، ورغم الظروف الخاصة بليبيا والمتمثلة في اتساع المساحة الجغرافية 1.8 مليون كم2 محتلة الرقم 17 في الترتيب من حيث كبر المساحة، كما أن الحالة السكانية أقل عمقا 6.5 مليون نسمة، فضلا عن التنوع الديموجرافى عرقيا وطائفيا وقبليا، وطول الحدود مع جيرانها (مع مصر 1150كم، ومع الجزائر 982كم، ومع تونس 459كم، ومع النيجر 354كم، ومع تشاد 1055كم)، واضعين في الاعتبار كبر حجم الاحتياطي النفطى 41.5 مليار برميل مما يجعلها تتصدر الدول الإفريقية في هذا المجال، حيث يشكل النفط نحو 94% من عائدات ليبيا من النقد الأجنبى و60% من العائدات الحكومية و30% من الناتج المحلى الإجمالى.

ولقد كانت ثروة ليبيا وليس ثورتها ومازالت المحرك الأول للكثير من التفاعلات الداخلية والخارجية أخيرا في ليبيا، حيث طمعت جماعة الإخوان الإرهابية ومعها القاعدة في السيطرة على ليبيا للاستفادة من عائداتها النفطية في تمويل عملياتها الإرهابية وإقامة ما تطلق عليه الإمارة الإسلامية.

ومن هنا جاء تكالب التنظيمات الإرهابية ذات الصبغة الدينية الزائفة على الإنجذاب إلى ليبيا، وما واكب ذلك من انفلات أمنى وفوضى وانتشار السلاح في أيدى الإرهابيين، وغياب أي بناء حقيقى لمؤسسات وهياكل الدولة، حيث انخرط الجميع عقب سقوط نظام القذافى لأسباب كثيرة في صراعات سياسية واجتماعية ومسلحة بدلا من الانخراط في بناء مؤسسات الدولة، فتحولت البلاد إلى ساحة وسقوط مفتوحة للقتل والسلاح والجماعات من كل صوب وحدب، وعلى رأسها جماعات الإسلام السياسي المتشددة.

بل وصل الأمر إلى أن أمراء الجماعات الإرهابية احتلوا مقاعد في البرلمان الليبى (المؤتمر الوطنى)، وأيضا مقاعد وزارية في الحكومة المؤقتة، ناهيك عن ممارسات هذه الجماعات لسلوكيات مختلفة من العنف والإرهاب من أعمال قتل وخطف ضد الليبيين ودبلوماسيى الدول الأخرى (مصر والأردن) مشترطين الإفراج عن إرهابيين معتقلين داخل هذه الدول، فضلا عن قتل السفير الأمريكى، وباتت توجهاتها وإعلامها السوداء تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ليبيا تحولت إلى بؤرة جديدة لتجمع الجماعات الإرهابية المسلحة وانطلاقها إلى الدول الأخرى، وأبرز مثال على ذلك ما يسمى "بجيش مصر الحر" الذي استعرض قواه العسكرية في درنة أخيرا، وهو أمر لا تخفيه تلك الجماعات التي تعلن بأسمائها عن تحالفاتها مع تنظيم القاعدة في دول المغرب العربى، كما لا تخفى توجهاتها العدائية تجاه دول الجوار.

- ومما يعكس صعوبة الموقف في ليبيا أنه خلال عامين تولى رئاسة وزراء البلاد أربعة أحدهما فر خوفا إلى الخارج، وقتل وكيل وزارة، وجرى احتلال وتهديد البرلمان، وفـُرضت تشريعات كما طوقت سيارات المسلحين البرلمان، وغادر البلاد أصحاب الكفاءات والقادرون من المواطنين. كل هذه الأمور أحدثت شرخا بين المواطن الليبى والحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثنى والتي قدمت استقالتها وحل محلها وزارة أخرى برئاسة رجل الأعمال أحمد معيتيق، والذي رفضت المحكمة الدستورية أخيرا شرعية قيامها، وكلاهما يحظيان بتأييد جماعة الإخوان، وكلاهما تعرض منزلهما لصواريخ وقنابل الإرهابيين مما أدى إلى سقوط ضحايا، ودفع رئيس البرلمان إلى استدعاء عناصر مسلحة من جماعات تابعة للإخوان والقاعدة متواجدة في مصراته للدفاع عن طرابلس في مواجهة قوات الجيش الوطنى الذي يرأسه اللواء حفتر الذي أصبح يسيطر على قسم كبير من بنغازى، ويستعد للتوجه إلى طرابلس، حيث تتواجد قطاعات من الجيش مؤيدة له هناك، ومستندا في ذلك إلى جماهير الشعب الليبى الذين فاض بهم الكيل من الميليشات والمتشددين الإسلاميين الذين ملأوا فراغا في السلطة بعد خمسة رؤساء وزراء ضعاف منذ 2011، وبات كثيرون منهم يرون في عودة حكم الرجل القوى، كما هو الحال في مصر، حلما منشودًا، وبعد أن تأكد لهم أيضا أن السياسيين لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية، وهو ما عكس إعجابا متزايدا بالمشير السيسى في مصر، آملين أن يظهر بينهم ومن الجيش رجل قوي مثله ينقذ البلاد من الهاوية التي تتجه إليها، ويرسمون أوجه شبه بين السيسى وحفتر الذي أعلن حربا على الإسلاميين.

830.jpg

جماعات مسلحة

- وإلى أسبوع مضى فقط، كانت الاحتمالات في ليبيا المضطربة ثلاثة: الأول انهيار تام للدولة والمؤسسات تنتهى بتقسيم البلاد، والثانى استيلاء جماعات مسلحة مثل القاعدة على الدولة والمراكز الرئيسية تنتهى بحرب أهلية، والثالث تدخل عسكري أجنبى يدوم بقاؤه، كما يحدث في أفغانستان. لذلك فإذا ما نجح اللواء حفتر في السيطرة على الموقف بواسطة الجيش، فإن ليبيا تكون قد تجنبت كابوس الاحتمالات الثلاثة، أما إذا فشل حفتر في ذلك فإن العالم كله سيتورط في دولة فاشلة جديدة تضاف إلى أفغانستان وسوريا والصومال، وتصير مصدرًا لتصدير الإرهاب إلى دول العالم، خاصة وأنها على حدود أوربا المائية جنوب البحر المتوسط، حيث رصد تواجد نحو مائتى ألف شخص مسلحين في ليبيا استولوا على معظم المدن، وصارت البلاد على شفا الانهيار. ومع إعلان اللواء حفتر عن حركته العسكرية (حملة الكرامة) استيقظ الشعب الليبى على أول خبر سعيد منذ سقوط القذافى، معلقا الآمال على جيشه في إقامة دولة قانون وسلطة تفرض الأمن والاستقرار. لذلك حظيت حركة حفتر بتأييد معظم القطاعات العسكرية النظامية والأمنية والمدنية، وهو بدوره تعهد أنه سيؤيد أن يتولى القضاء الأعلى إدارة البلاد انتقاليا، أو تكليف من يراه من المدنيين، ويقبل انتخابات للبرلمان، ثم إدارة البلاد بعيدا عن الكلاشينكوفات، كما سيقبل بمن ينتخبه الشعب الليبى رئيسا له.

- ولو لم يفعلها الجيش الليبى ويبسط سيطرته ويلاحق الميليشيات، لكان التدخل الأجنبى محتوما بما سيجلبه من أزمات، وتجاذبات دولية، ولن تسكت أوربا مع بروز دولة في جناحها الجنوبى صارت في حالة حرب أهلية، فضلا عن كونها من أهم الدول المصدرة للبترول العالمى، حيث لن يسمح الاتحاد الأوربي بوقوع مثل هذه الدولة في قبضة التنظيمات المتطرفة المسلحة ذات التبعية لتنظيم القاعدة الإرهابى. لذلك لم يكن غريبا أن الكثير من دول العالم أبدت قلقها من الوضع في ليبيا، لكن دولة واحدة فقط في شمال أفريقيا - هي تونس - إلى جانب تركيا وكلاهما تسيطر عليهما جماعة الإخوان الإرهابية - شجبا تدخل الجيش، مما يعنى أن حركة (حملة الكرامة) التي يقودها اللواء حفتر تحظى بتأييد عالمى غير مسبوق، نابع من الشعور بخطر الوضع على الجميع، وإن كانت مهمة الجيش ستكون طويلة في ملاحقة هذه الجماعات المسلحة في مدن ليبيا وصحاريها الشاسعة، والتي توقع حفتر أن تمتد إلى ثلاث سنوات، الأمر الذي يعزز الاعتقاد بأن كثيرا من القوى الإقليمية والدولية ستمد يدها لمساعدة الجيش الليبى في تنظيف البلاد من الإرهاب، وعلى رأسها الجارتان مصر والجزائر، اللتان عَّبرتا عن تخوفهما من الفوضى الأمنية قبيل تدخل الجيش الليبى، كما يتوقع من المجتمع الدولى مساعدة ليبيا في المرحلة التالية خاصة في مجال بناء المؤسسات المدنية وتعزيز الأمن، وتوجيه الأطراف المختلفة نحو محاولة حكم مدنى جديد. ولكن في الخلاصة فإن الجيش الليبى بتدخله الشجاع ينقذ ليبيا من الفوضى وتقسيم البلاد، ومن التدخل الأجنبى، على أمل أن يحترم اللواء حفتر وعده بحكم مدنى تقوده المؤسسات، ويعود بعدها الجيش إلى ثكناته. أما مدى النجاح الممكن أن يحققه حفتر لتحقيق هدفه في القضاء على الجماعات الإرهابية المسلحة وإعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا، فإنه رغم صعوبة التنبؤ بذلك إلا أن نجاحه يرتبط بمدى حصوله على دعم باقى وحدات الجيش والشرطة، بعد أن حصل على دعم القوات البرية التي يقودها، والقوات الخاصة، والدفاع الجوى، والقوات الجوية والبحرية بما فيها القواعد البحرية والجوية في إقليم برقة، ومساندة القوى السياسية الوطنية والقضاء، وقدرته على بناء تحالف سياسي عسكري ورسم خريطة طريق تحدد مراحل تقدم ليبيا نحو المستقبل.

- أما اللواء حفتر من جانبه فقد طالب المؤتمر الوطنى والحكومة بتسليم السلطة بسبب فشل المؤسستين في إعادة الأمن والاستقرار للبلاد واستنقاذها من براثن المتشددين المسلحين والإرهابيين، ودعا إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في شهر يونيو الحالى. وأوضح حفتر أن الوقت غير مناسب لإجراء انتخابات بينما هو والجيش يكافح الإرهاب وتنظيماته، مضيفا أن حملته ستستمر ثلاثة أشهر على الأقل، نافيا في ذات الوقت وجود أي طموحات سياسية لديه لقيادة ليبيا ذات يوم. وقد شجعه نجاح المشير السيسى في انتخابات الرئاسة بمصر على تشديد ضرباته البرية والجوية ضد معاقل الجماعات الإرهابية، خاصة أنصار الشريعة الذين تسعى قوات حفتر لاستدراجهم إلى أطراف بنغازى وإبعادهم عن السكان المدنيين الذين يحتمون فيهم، مع الاستعداد للدخول معهم في حرب عصابات إذا تطلب الموقف ذلك، مع استمرار قوات حفتر في قصف والهجوم ضد قواعد الجماعات الإرهابية ومعسكراتها، ونقاط تفتيشها في بنغازى، وفى كل يوم تكسب هذه القوات مساحات جغرافية أوسع، خاصة مع استمرار انضمام وحدات عسكرية إضافية إلى جانبها، مدعومة من كبريات القبائل الليبية التي ضاقت ذرعا بحالة الفوضى التي سادت ليبيا بعد سقوط نظام القذافى.

834.jpg

ميليشيات في ليبيا

خريطة الميليشيات الإرهابية في ليبيا:

- مع بروز حركة اللواء حفتر (حملة الكرامة) أعلنت التنظيمات الإرهابية الاستنفار العام، معتبرة أنها حرب على الإسلام، وبعد أن مزقت الخلافات الأيديولوجية تلك التنظيمات نفسها، وذهبت الآن لتشكل تحالفا مرحليا في وجه العدو الجديد (حفتر) الذي استطاع لملمة فرق الجيش وكتائبه، وأعلن بكل وضوح عن الهدف المتمثل في القضاء على الإرهاب، وإعادة بنيان الدولة الليبية. لذلك شكلت عودة الدولة الليبية بعد الثورة في حد ذاتها هاجسا طالما قض مضاجع الميليشيات الإرهابية التي لا تفضل سوى العيش في مناطق الفوضى كخير ملاذ آمن لها بعيدا عن سلطة الدولة والقانون، واضعين في الاعتبار أن "الجماعة المقاتلة" التي شكلت أول خلية تكفيرية في ليبيا في أواخر سبعينات القرن الماضى متأثرة بأفكار سيد قطب، ثم تولت تلك الجماعة الميليشيات التي استطاعت إسقاط نظام القذافى فيما بعد، هي التي سيتولى أعضاؤها قيادة أبرز الميليشيات المسلحة هناك، والتي تشكل تهديدا داهما ضد البوابة الغربية لمصر، وتؤسس لعلاقات قوية مع تشكيلات مناظرة لها في مصر. ويقدر إجمالى عدد الإرهابيين في ليبيا بنحو 70.000 عنصر من جنسيات مختلفة، يحمل معظمهم جوازات سفر مزورة، ومعظمهم محترفو قتال تدربوا واكتسبوا خبرات قتالية في أفغانستان وسوريا والعراق واليمن. لذلك تحولت ليبيا بهؤلاء الإرهابيين إلى أرض خصبة للإرهاب وتصديره، وهم يصلون إليها برًا من السودان ومالى والجزائر ومصر وتونس، وبحرا من تركيا التي ينتقل إليها مقاتلون من سوريا عبر الحدود البرية بين البلدين، كذلك يصل إرهابيون من قطر واليمن جوًا إلى مطارى مصراتة ومعيتيق اللذين يسيطر عليهما إخوان ليبيا.

1- إخوان ليبيا:

- ينتظم إخوان ليبيا في إطار "حزب العدالة والبناء"، ويستعجلون خلال المرحلة الانتقالية الحالية نهج "التمكين" على غرار ما فعله نظيرهم المصرى "حزب الحرية والعدالة" الذي أسقطته الثورة المصرية في 30 يونيو من العام الماضى. ومن المعروف أن إخوان ليبيا لم يحققوا أكثرية في المؤتمر الوطنى المؤقت، حيث حلـّوا في المرتبة الثانية بعد "تحالف القوى الوطنية". ولم يرتضوا الإخوان بهذا الموقع لذلك دفعوا بإقرار قانون "العزل السياسي" بمساعدة الإسلاميين الآخرين والميليشيات، فتحقق لهم تهجير كثير من خصومهم، وتكبيل أيدى منفيين عائدين، وتحييد كثيرين خدموا في حكومات سابقة، كما فتح الإخوان معارك لم تتوقف مع حكومة زيدان ونجحوا في نفيه بعد خطفه. وحتى خلفه في حكومة تصريف الأعمال "عبد الله الثنى" لم يسلم من التهديد، حتى كان لهم تنصيب رئيس الوزراء الجديد "أحمد معيتيق" الذي لم يفلح في لم شمل البرلمان لنيل الثقة، بعد اعتراض كثيرين أصلا على طريقة اختياره وعدم شرعية هذا الاختيار في برلمان مؤقت مددوا لسلطتهم فيه منذ السابع من فبراير الماضى، ثم كان حكم المحكمة الدستورية الذي أسقط شرعية حكومة معيتيق.

- ومما سهَّل لجماعة الإخوان وحلفائها ضرب الحياة السياسية في ليبيا عدم وجود مؤسسة عسكرية متماسكة وقوية. فقد سعى "المجلس الوطنى الانتقالى" في البداية، ثم في "المؤتمر الوطنى" إلى دمج التنظيمات المسلحة و"درع ليبيا" تحت عباءة الجيش الوطنى، وحولته لجيوش موازية تحصل على مرتبات من الدولة ولكن لا تأتمر بأوامرها، بل تتبع مباشرة أمراءها ومناطقها وقبائلها ومدنها. كما أدخلت جماعة الإخوان قوى أخرى مماثلة إلى "الغرف الأمنية" لوزارة الداخلية، أما الأخطر من ذلك أن هذه الميليشيات تسلمت رسميا أمن العاصمة والمدن والمناطق تبعا لانتسابها القبلى أو الجهوى أو الحزبى أو المدينى، وهو ما أتاح فضاءً مفتوحا بلا رقيب للمتشددين من جماعة "القاعدة" والجبهة المقاتلة. وهكذا فيما كان الإخوان يتمكنون من البرلمان والحكومة على المستوى السياسي، راحت التنظيمات المسلحة تتقاسم السلطة على الأرض وعائدات النفط مباشرة، وتعيث تهديدًا وترويعا للمواطنين والبعثات الأجنبية وتطارد ضباطا وعناصر من الجيش والشرطة.

- وقد زاد في استعجال إخوان ليبيا الهيمنة على مفاصل الدولة في ليبيا، التطورات التي شهدتها مصر عندما نجحت ثورة 30 يونيو في إسقاط نظام حكم الإخوان هنا. كما لم يعتبروا ويتبصروا أيضا بما حدث في تونس حيث ارتضى "حزب النهضة"، الإخوانى أن يكون شريكا سياسيا مع القوى الأخرى في تونس لئلا يواجه مصيرا مماثلا لجماعة إخوان مصر، فأثبت حزب النهضة حضوره لاعبا أساسيا لا يمكن تجاهله أو شطبه من اللعبة السياسية الجديدة. إلى أن جماعة الإخوان في ليبيا أصرت على الاعتماد على الميليشيات الإسلامية المسلحة في ليبيا - مثل القاعدة وغيرها - لتحقيق تمكين سريع فيما لم تستطع تحقيقه في صندوق الاقتراع.

837.jpg

تنظيم القاعدة

2- تنظيم القاعدة:
- ينبغى أن ننظر لتواجد القاعدة في ليبيا في إطار ما تم تسريبه عن اتفاق جرى بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية C.I.A وقيادة القاعدة، يسمح بخروج آمن للقوات الأمريكية من أفغانستان مقابل سماح وتسهيل من أمريكا لإقامة إمارات إسلامية في ليبيا وسيناء، وهو الاتفاق الذي كشف عنه أبو أنس الليبى للمخابرات الروسية الذي أبلغته إلى المخابرات الأمريكية، والتي قامت باختطافه. وتشير المخابرات الليبية إلى أن محمد كرير الذي تم تهريبه من السجون الليبية عقب 17 فبراير، التقى أيمن الظواهرى زعيم القاعدة، للتشاور حول إيفاد متشددين إلى سوريا وشبه جزيرة سيناء. وقد دعا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامى الليبيين إلى القتال ضد اللواء حفتر، متهمين إياه بالخيانة والتآمر مع أمريكا ضد الإسلام وقتل شباب الإسلام المطالبين بتحكيم الشريعة، وطالبوا الليبيين بالتبرؤ من حفتر.
- وقد بدأ مقاتلوا القاعدة في التوافد على ليبيا منذ أوائل العام الحالى لتشكيل نواة جيش إسلامى ينمو على أنقاض الجيش الليبى النظامى في زمن فوضى ما بعد سقوط القذافى. وسرعان ما انتشرت معسكرات القاعدة في شرق ليبيا بالمناطق المتاخمة لمصر واستعجلت الصدام المبكر مع قوات الجيش الليبى بدءًا بنخبة من الصاعقة والقوات الخاصة خطفا واغتيالا غير آبهين برد الفعل، مما جرح كرامة وشعور الوطنية الليبية. وعندما حذَّر اللواء حفتر الميليشيات من ذلك في أوائل إبريل الماضى تلقى قادة القاعدة في ليبيا إنذاره باستهانة وسخرية مرتكزة على ترسانة من الأسلحة ورثتها من النظام السابق، ولكن في المرة التالية لم يكتف حفتر بإنذار فضائى، بل شنت طائراته المقاتلة ضربات جوية استهدفت مقرات ومعسكرات ميليشيا 17 فبراير التي يتزعمها إسماعيل الصلابى القيادى السابق في الجماعة المقاتلة الليبية التي أعلنت في عام 2007 مبايعتها للقاعدة وأميرها أسامة بن لادن. كما قصفت دبابات حفتر معسكرات أنصار الشريعة وفجَّرت إذاعتها التي تـُحرِّض على العنف والإرهاب وقتل وخطف قادة الجيش الليبى وضرب المصالح المصرية وخطف وقتل المواطنين المسيحيين في ليبيا. وقد أدى مقتل 2 من مالى إلى الكشف عن تسلل مقاتلين طوارق ينتمون إلى حركة "أنصار الدين" المؤيدة للقاعدة للمشاركة في القتال ضد الجيش الليبى وفى صفوف "أنصار الشريعة".
- وقد أكدت تقارير معلومات وجود مختار بلمختار - أمير "كتيبة الموقعين بالدماء" على الأراضى الليبية، وهى الجماعة التي تبنت عددًا من أخطر عمليات الخطف والاغتيال التي جرت مؤخرا في بلاد الساحل الإفريقى. وفى المقابل دعت "غرفة عمليات ثوار ليبيا" - جزء من القاعدة - الثوار إلى الانسحاب بشكل مؤقت وعاجل من الجيش الليبى، وأكدت أن ثوار ليبيا لن يدخلوا في اقتتال داخلى، ولن يشاركوا في سفك دماء الليبيين، ولن يسهموا في إدخال ليبيا حروبا أهلية، المنتصر فيها خاسر. إلا أن أصابع الاتهام تتجه نحو "غرفة عمليات ثوار ليبيا" التي يتزعمها أبو عبيدة الزادى الذي يتأرجح ولاؤه بين تنظيم القاعدة والإخوان.
- وتتمركز قوات كبيرة من القاعدة والميليشيات المسلحة المتحالفة معها في ضواحى المدن خاصة بنغازى، التي يتواجد فيها 3000 عنصر منتظمين في 20 كتيبة قرب الحدود مع مصر، وأيضا في طرابلس ومصراته وطبرق ودرنة، معززة بمدنيين تتخذهم الميليشيات دروعا بشرية، متحصنين في تقاطعات الطرق والميداين الرئيسية وجزر دوران بعض المناطق، ووضعوا بعد الحاويات المتفجرة بمناطق متفرقة، معلنين أنهم في انتظار معركة حاسمة مع قوات حفتر. وقد ازداد غضب الليبيين الذين يميلون بطبيعتهم إلى الإسلام الصوفى المعتدل عندما رفعت هذه الميليشيات إعلام ودروع القاعدة السوداء في مواجهة العلم الليبى، مما دفع رئاسة أركان الجيش وقيادة الدفاع الجوى ووزارة الداخلية إلى سرعة إعلان انضمامهم إلى قوات حفتر، ودعوا في بيان لهم الشعب الليبى في كل المدن والقرى الليبية إلى دعم الجيش الوطنى والشرطة بقيادة اللواء خليفة حفتر الذي تعرض لعدة محاولات اغتيال، كما تم قصف منزله بالصواريخ والقنابل.
- وقد كشف العقيد محمد الحجازى المتحدث باسم قوات "معركة الكرامة" أن تنظيم القاعدة كان يخطط لتفجير مدينة بنغازى بالكامل، ولكن قوات الجيش تمكنت من إحباط هذا المخطط بعد توقيف سيارة قادمة من درنة التي تسيطر عليها قوات القاعدة محملة بـ 15 طن متفجرات كانت في طريقها إلى بنغازى، ما يعنى أن هؤلاء المتطرفين لديهم الاستعداد لسحق مدينة بالكامل، خاصة بعد أن تم اصطياد عناصر متطرفة أجنبية انضمت إلى هذه الجماعة قادمين من مالى وتونس والجزائر ومصر تم تدريبهم على تنفيذ عمليات اغتيال وتخريب.

842.jpg

أنصار الشريعة

3- أنصار الشريعة:
- لا توجد ميليشيا ليبية استعرضت قوتها القتالية بكل صلف على الأراضى الليبية كما فعلت "أنصار الشريعة" - وهو الاسم المفضل لدى تنظيمات القاعدة المحلية المتخفية - وهو اسم عام تخلعه تلك التنظيمات على نفسها حتى يحين وقت كشف المبايعة للتنظيم الأم (القاعدة) بزعامة أيمن الظواهرى. وحيث ينتشر تنظيم "أنصار الشريعة" في ليبيا وتونس ومصر واليمن ومالى.
- وبعد اندلاع الثورة ضد القذافى خرجت القاعدة من جحورها، واستدعت عناصرها المقاتلة في مصر وتونس والجزائر ومالى ونيجيريا وجميع بلدان الساحل الإفريقى، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها، ذهبت القاعدة لتشكل ميليشيا خاصة لها أطلقت عليها "كتيبة أنصار الشريعة" رافعة علم القاعدة بديلا عن العلم الليبى.
- وقد ظهر محمد على الزهاوى مُعرِّفًا نفسه بأنه قائد كتيبة لا جماعة، نافيا إتباعه تنظيم القاعدة وإن حمل الود والتقدير لزعماء القاعدة، وهو ما يفعله الكثير من قادة التنظيمات الفرعية للقاعدة بتوجيه من زعيم القاعدة أيمن الظواهرى حتى لا يتحمل أي تنظيم في أي دولة أعباء موالاته للقاعدة مبكرًا، وهى المصنفة تنظيما إرهابيا رقم (1) على مستوى العالم. إلا أن المتابعين لتنظيم أنصار الشريعة كشفوا أن الزعيم الحقيقى لأنصار الشريعة هو أبو عياض التونسى الذي كُلـِّف من الظواهرى بقيادة تنظيمها في كل من تونس وليبيا، على أن يظل هذا الفرع خاضعا لقطاع القاعدة في شمال وغرب أفريقيا الذي يتزعمه أبو مصعب عبد الودود أمير قطاع القاعدة في بلاد المغرب والساحل الأفريقى. وقد أثبتت المخابرات المصرية وجود صلة بين أنصار الشريعة في ليبيا وخلية مدينة نصر التي تم اعتقالها ومحاكمتها وكان يرأسها عادل عوض شحتو الذي اتخذ اسما حركيا ليقابل بسام الدمياطى لتنظيم نقل الأسلحة من ليبيا إلى سيناء.
- وأنصار الشريعة متهمة بالتورط في الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازى في شهر سبتمبر الماضى الذي أدى إلى مقتل السفير الأمريكى (كريس ستيفنز) وثلاثة أمريكيين آخرين، وأعلن آنذاك تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية في بيان أن الهجوم جاء انتقاما لمقتل الشيخ أبو يحيى الليبى أحد قادتها في غارة جوية بطائرة بدون طيار في يونيو 2012.
- وقد رصدت أجهزة أمنية اجتماعا سريا بين زعماء القاعدة المحليين في سرت حضره أبو عياض وممثلون عن تنظيم أنصار الشريعة في أفريقيا وبلاد المغرب العربى وجبهة النصرة لوضع إستراتيجية جديدة للقاعدة للعمل في المنطقة بعد سقوط نظام جماعة الإخوان في مصر، وقد أثمر هذا الاجتماع خططا لخطف الدبلوماسيين المصريين، وقتل المسيحيين المصريين في ليبيا، ويعتبر أبو عياض مسئولا عن عملية للهجوم على السفارة الأمريكية في ليبيا وقتل السفير وثلاثة من أعضاء السفارة، وقد اطلقت وسائل الإعلام الغربية على أنصار الشريعة في تونس مصطلح (الخزان) الذي يتكدس بالتكفيريين لحساب القاعدة في العالم، ومن هذا الخزان ينطلقون للانخراط في تنظيمات القاعدة في كل مكان.
- ويعتبر أبو عياض مسئولا عن التخطيط لعملية اغتيال الزعيم الأفغانى أحمد شاه مسعود، كذلك اغتيال المعارضين التونسيين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى، وكذا سلسلة الهجمات ضد عدة مراكز شرطية في تونس، لذلك قررت الحكومة التونسية اعتبار جماعة أبو عياض جماعة إرهابية، كما قررت اعتقاله، ولكنه تمكن من الهرب إلى ليبيا حيث نظم فيها فرع أنصار الشريعة، وبدأ في وضع إستراتيجية القاعدة لمرحلة ما بعد "الربيع العربى".
4- غرفة الثوار:
- تعتبر "غرفة الثوار" الذراع المنفذة لمخططات الإخوان، وقد تجرأت هذه الميليشيا وخطفت رئيس الوزراء الليبى السابق على زيدان، وكادت تقتله لولا تدخل الوسطاء. ويتزعم هذه الجماعة "شعبان مسعود هداية"، وقد تلقى علومه الشرعية على يد الشيخ السلفي "مقبل بن هادى الوادعى" في معقل السلفية الجهادية في "دماج" باليمن، إلا أنه تأثر بأفكار القاعدة هناك وعاد إلى ليبيا حيث زج به القذافى في السجن عدة مرات ثم أفرج عنه.
- وعند اندلاع الثورة في ليبيا شارك في دك حصون القذافى في طرابلس، وأطلق فتوى بإعدام جميع أفراد الجيش الليبى النظامى بطلقة في الرأس، بعدها خاضت جماعته عمليات خطف واسعة صبت جميعها في صالح جماعة إخوان ليبيا وأهدافها السياسية للسيطرة على الدولة بدءً بالبرلمان والحكومة.
- وعندما ألقت السلطات المصرية القبض على "أبى عبيدة" أحد زعماء هذه الغرفة في منطقة بين الإسكندرية ومطروح وبرفقته عدد من قيادات الإخوان في مصر، شنت غرفة الثوار عمليات خطف واسعة النطاق ضد دبلوماسى السفارة المصرية في ليبيا حتى نجحت في الإفراج عن أبى عبيدة.
- ويتردد أن "هداية" هو نائب نزيه الرقيعى المعروف بـ "أبو أنس الليبى" الذي اختطفته المخابرات الأمريكية أمام منزله في قلب العاصمة طرابلس في أكتوبر 2013 بدعوى تورطه في عمليات إرهابية ضد المصالح الأمريكية وارتباطه بتنظيم القاعدة. وقد تشكلت غرفة ثوار ليبيا في ظل غياب قوات أمن نظامية قوية، بقرار من رئيس المؤتمر الوطنى الليبى (البرلمان المؤقت) نورى بو سهمين ـ إخوانى ـ أواخر يوليو الماضى، وأوكل لها حماية طرابلس من أي خروفات أمنية محتملة.
- ولا يتورع مقاتلو غرفة الثوار عن استخدام أبناء المناطق المتواجدين فيها بالقوة دروعًا بشرية، حيث يخرجون الناس من سياراتهم بالقوة، ويتسترون خلف العائلات والأطفال للهروب، وينهبون هذه السيارات، كما يقيمون نقاط تفتيش وهمية، ومن كان يرفض الخضوع لهم كانوا يحرقونه أو يقتلونه ذبحًا، حتى أنهم كانوا يعدمون أيضًا أي مدنى يشكون في أنه على علاقة بجيش اللواء حفتر، أو يرتدى ملابس مشابهة لملابس الجيش النظامى.

848.jpg

الجماعة المقاتلة

5- الجماعة المقاتلة
- تعتبر من أوائل الجماعات التكفيرية التي ظهرت في ليبيا منذ سبعينات القرن الماضى، حيث شكلها على العشبى ومعه ثمانية من رفاقه، ما لبثت الأجهزة الأمنية الليبية من تفكيكها في عام 1989 واغتالت عناصرها التسعة. وفى عام 1989 استطاع عوض الزواوى تشكيل جماعة تكفيرية أخرى تعتنق أفكار سيد قطب عن تكفير جميع المجتمعات القائمة على الأرض بدعوى عدم تطبيق الحكام للشريعة الإسلامية، وأطلق على جماعته (حركة الجهاد).. فاعتقل هو أيضًا، وفى نفس العام شكل أحد أنصاره ـ محمد المهشهش ـ الملقب بـ "أبو سياف" تنظيمًا يدعى "حركة الشهداء الإسلامية". وعندما زاد الضغط الأمنى على تلك المجموعات التكفيرية فرّوا إلى أفغانستان ملتحقين بتنظيم الاتحاد الإسلامى بزعامة أمير الحرب الأفغانى "عبد رب الرسول سياف"، ونشط هؤلاء الليبييون بمعسكر (سلمان الفارسى) على الحدود الأفغانية الباكستانية. وفى عام 1990 تأسست (الجماعة الإسلامية المقاتلة) في قندهار سرًا، وبدأت أفواجها في العودة إلى ليبيا في محاولة منها للتخلص من الحكم القذافى. وكان أيمن الظواهرى قد أعلن في عام 2007 انضمام الجماعة المقاتلة بقيادة أبو الليث الليبى الذي لقي مصرعة عام 2008 بشمال وزيرستان إلى تنظم القاعدة.
- لم تكن تنوى تلك الجماعة البدء في قتال نظام القذافى إلا بعد استكمال التجهيزات لذلك، وهو ما يطلقون عليه (إعداد العدة) في محاولة منها للاستفادة من تجارب الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد في مصر، إلا أن الصدفة وحدها تسببت في انكشاف أمرها بعدما ارتاب أحد المخبرين السريين في عشة بإحدى المزارع القريبة من الجبل الأخضر، وكانت تأوى عددًا من عناصر الجماعة، فاضطرت بعد ذلك إلى الاستعجال بالصدام مع نظام القذافى. عند ذلك دارت حرب طاحنة بين قوات القذافى و"الجماعة المقاتلة" في منطقة الجبل الأخضر الوعرة لقي خلالها المئات من العناصر المقاتلة مصرعهم، بينما سجن آلاف آخرون، ولاذ المئات من عناصر الجماعة المقاتلة إلى أفغانستان مرة أخرى. وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في أمريكا استطاع الجيش الأمريكى أن يعتقل أبرز عناصر هذه الجماعة وهو "عبد الله الصادق" في تايلاند في عام 2004، ونائبه "أبو حازم"، ومفتى الجماعة "أبو المنذر" وزج به في سجن (ياجرام) في عام 2007. وفى عام 2007 أعلن أيمن الظواهرى نائب زعيم القاعده وقتها عن انضمام "الجماعة المقاتلة الليبية" إلى تنظيم القاعدة رسميًا، مع أن أحد قادة القاعدة (أبو الليث الليبى) لقي مصرعه في عام 2008 في شمال وزيرستان في هجوم شنته طائرة أمريكية بدون طيار.
- وفى أواخر عام 2008 حذا نظام القذافى حذو مصر في الدخول في مفاوضات مع قادة (الجماعة المقاتلة) في السجون لتشجيعهم على الدخول في مراجعات لأفكار التكفير والعنف مقابل الإفراج عنهم، وهى الدعوة التي لاقت قبولًا عند تلك القيادات، كان من أبرزهم "عبد الحكيم بلحاج" وبرعاية "على الصلابى". وفى مشهد دراماتيكى خرج سيف الإسلام القذافى وبجواره قادة "المقاتلة" ليعلن عن تخلص الجماعة عن أفكارها التكفيرية ومحاولة إدماجهم في المجتمع، وأفرج وقتها عن ثلث سجنائهم كدفعة أولى، وقد ثبت بعد ذلك ـ كما ثبت في مصر ـ أن هذه المراجعات لم تكن إلا نوعًا من المناورة والخداع وبما يتيح للنظام الإفراج عن أعضائها الذين يحتفظون في صدورهم بنفس الأفكار التكفيرية.
- ولم يكن القذافى وأبناؤه يدركون أن نهايتهم ونظام حكمهم على أيدى من أخرجوهم من السجون، فلم يكد يمر عامان حتى اندلعت الثورة المسلحة ضد القذافى بواسطة الجماعة المقاتلة تحت قيادة عبد الحكيم بلحاج، وراف الله السحاتى، وإسماعيل الصلابى، وكانوا قد اكتسبوا خبرات عسكرية خلال حربهم في أفغانستان ضد الروس وحكم نجيب الله. ولم يكن هناك مجال للفشل عند قادة المقاتلة، فالفشل يعنى تعليقهم على المشانق أو إطلاق الرصاص على رءوسهم. وبعد سقوط نظام القذافى، بات بلحاج أحد أهم قيادات (المقاتلة الليبية) قائدًا للمجلس العسكري في طرابلس، بعد ظهوره كقائد لمعركتى (باب العزيزية) و(فجر عروس البحر)، وأصبح قادة المقاتلة الليبية هم من يحكمون قبضتهم في الواقع على الأراضى الليبية في ظل ضعف الدولة المركزية. وصار بلحاج مرشحًا لمنصب وزير الداخلية. وقد سافر بلحاج إلى السودان في أول يونيو الماضى للتنسيق لتلقى مساعدات قطرية عن طريق السودان، كما سعت قطر منذ البداية إلى تنصيب بلحاج قائدًا لثوار ليبيا، وكان الشيخ حمد بن خليفة ـ أمير قطر السابق ـ قد عارض علنًا جمع السلاح من أيدى الثوار. كما يعد بلحاج واحدًا من الشخصيات الليبية التي اهتمت قناة الجزيرة بتسليط الضوء عليهم، فيما تتهمه قوى سياسية تونسية بالمشاركة في اغتيال قيادات في المعارضة التونسية نظرًا لعلاقته بتنظيم أنصار الشريعة من جهة، وعناصر قيادية في حركة النهضة الحاكمة في تونس من جهة أخرى. وفيما يحاول بلحاج أن يقدم نفسه كأحد قادة معركة تحرير طرابلس، فإن مراقبين يؤكدون أن دوره كان ثانويًا، وأنه كان ينفذ أجندات قطرية تستهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من الميليشيات لتكون ورقة بيد الدوحة في مرحلة ما بعد القذافى، ولكن فشل بلحاج في تحقيق الهدف القطرى بتشكيل حكومة ذات خلفية إسلامية لا ينازعها أحد.
- ويعتبر "راف الله السحاتى" ـ والذي قُتل في مواجهة منفردة مع رتل من دبابات القذافى أثناء الثورة ـ من أبرز قادة الجماعة المقاتلة، لذلك أطلق رفاقه اسمه على كتيبتهم، وهى إحدى كتائب منظمة "شهداء السابع عشر من فبراير"، قبل أن يتسع نطاقها لتصبح مجموعة قائمة بذاتها، شأنها شأن الميليشيات ذات التوجه السلفى الجهادى، ويقدر حجمها بنحو 2000 مسلح تنتشر في شرقى ليبيا والكفرة، وقد تولى قيادتها فيما بعد "إسماعيل الصلابى" المثير لسخط المواطنين الليبيين ويتهمونه بالانتماء للقاعدة، بعد أن أشيع عنه بناء سجن في مقر هذه الكتيبة لتعذيب المواطنين، كما يمتلك مخزنًا ضخمًا للأسلحة، الأمر الذي وصفته وكالة (رويترز) بأنه "أقوى رجل في ليبيا".
- وأيضًا من أبرز قادة الجماعة المقاتلة حاليًا "أبو العباس خالد" ـ واسمه الأصلى (مختار) ويشتهر بـ (الأعور) بعد أن فقد إحدى عينيه في عملية إرهابية بالجزائر، حيث كان يقود هناك (كتيبة الشهداء) ضد قوات الجيش والشرطة بعد أن تمرس على القتال في أفغانستان، وارتكب العديد من الجرائم في الجزائر إبان الحرب الأهلية هناك، وكان يتخذ معقلًا لجماعته في جبال تيزى أوزو معلنًا تكوين (الجماعة الإسلامية المسلحة ـ الجيا). وبعد سقوط نظام القذافى ارتكب عدة جرائم في شمال مالى وطرد الجيش الوطنى من هناك وإعلان إمارة (أزواد الإسلامية )، كما تمادى الأعور وضرب ثكنات الجيش الفرنسى وطمع في احتلال كل مالى، فكانت الضربة الفرنسية ضده. وفى تسجيل فيديو أعلن الأعور أن هدفه إقامة إمارة إسلامية تمتد من المغرب إلى مصر، ثم شكل جماعة جديدة أطلق عليها (الموقعون بالدماء) قامت بعملية فاشلة لاقتحام مؤسسة (عين أمناس) في تيفنتورين بالجزائر لاحتجاز رهائن مقابل الإفراج عن الشيخ السلفى المصرى عمر عبد الرحمن الذي يقضى حكمًا بالسجن مدى الحياة في أمريكا، وإيقاف التدخل الفرنسى في مالى، واكتشف وجود عناصر مصرية تكفيرية كانت تعمل معه في هذه الكتيبة، التي شنت هجومًا مزدوجًا آخر ضد ثكنة عسكرية بأغادير قـُتل فيها العشرات، وضد مؤسسة لاستخدام اليورانيوم، اختفى بعدها الأعور ليظهر بعد ذلك ضمن الجماعة المقاتلة في ليبيا بعد أن أصبحت ملاذًا آمنًا للقاعدة، ويشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومى المصرى.

855.jpg

الجمال

6ـ شبكة الجمال

- ينبع هذا الاسم من كون هذه الجماعة تقوم بتهريب الأسلحة والذخائر بواسطة الجمال عبر الصحراء من ليبيا إلى مصر عبر حدودها الغربية، حيث يبلغ طول الحدود المصرية ـ الليبية نحو 1050كم، قاصدة سيناء حيث يتواجد التنظيم الإرهابى أنصار بيت المقدس. وقد أعد هذه الشبكة محمد جمال الكاشف (أبو أحمد) أحد الهاربين من سجن العقرب بعد أحداث 25يناير. ومع بروز التنظيمات التكفيرية انضم لهذه الشبكة التونسى (على سعيد ميرغنى) الخبير في تصنيع المتفجرات، والذي تم إرساله إلى مصر للقيام بتخزين الأسلحة القادمة من ليبيا في شقة ببرج العرب بالإسكندرية. وقد تم رصد (أبو أحمد) أثناء الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازى، وكان اكتشافه في هذه العملية سببًا في اكتشاف خلية مدينة نصر، والإرهابى كريم عبد السلام صاحب شقة مدينة نصر، وعادل عوض شحتو، وعنصر تكفيرى آخر يدعى (بسام)، واتضحت معالم الخلية بالكامل وارتباطها بجماعة (أنصار الشريعة) في ليبيا. وقد خطط (أبو أحمد) لاستخدام الشبكة في استهداف السفن المارة في قناة السويس، والاقباط ودور عبادتهم لإحداث فوضى عارمه في البلاد، وثبت أنه تلقى تدريبًا على صناعة القنابل في أفغانستان بمعسكرات القاعدة في الثمانينات، وعاد إلى مصر في التسعينات ليقود جماعة الجهاد الإسلامى المصرية، وهو على علاقة قوية بأيمن الظواهرى، وكانت المخابرات الأمريكية قد أكدت مسئوليته عن تنفيذ عمليات إرهابية تابعة للقاعدة في باكستان واليمن وليبيا.

7ـ الجيش الإسلامى

- وقد ظهر في درنة ما يسمى بـ "الجيش الإسلامى" بعد أن اعتبرها رجال تنظيم القاعدة في ليبيا وكرًا لهم في مناطق رأس هلال وسيدى خالد التي تعرضت لقصف طائرة بدون طيار يوم 27مارس الماضى، فضلًا عما يعرف بجيش "الشورى الإسلامى ـ لجنة فض المنازعات" في مدينة درنة الذي يضم عددًا كبيرًا من الأجانب ومعسكراتهم التدريبية في منطقة رأس الهلال، بعد أن ترك قياديو تنظيم القاعدة معسكرهم الأول في غابة بومسافر. وقد كشفت مصادر ليبية أن وفودًا من أفغانستان والعراق وتنظيم القاعدة بالمغرب العربى دخلت ليبيا في الآونة الأخيرة وبعد سقوط نظام القذافى
 
عودة
أعلى