في دجنبر سنة 1925 عاد الطيارون المرتزقة الأمريكان إلى باريس بعد ستة أسابيع من الخدمة بحرب الريف. يحكي اليوتنان- كولونيل كير وود Kerwood عن استقبالهم بالنادي الأمريكي بعاصمة الأنوار قائلا: «لقد طلب منا أن نحضر ببذلتنا العسكرية الرسمية لهذا الغذاء. لكننا رفضنا، لأنه لم يكن لنا الحق في ارتدائها. لقد كنا لاشيء، كنا فقط أمريكيين ورجالا عاديين...». معبرا عن حرصه على عدم إحراج حكومة بلاده المحايدة، والرأي العام الأمريكي الذي كان مناصرا للريفيين ولمحمد بن عبد الكريم الخطابي.
ستة أسابيع كانت كافية، أنجز خلالها المرتزقة الأمريكيون أزيد من 350 مهمة عسكرية، وألقوا 40 طنا من القنابل على قرى الشمال المغربي، وذلك في أحد الفصول الأخيرة لملحمة مقاومة الريفيين، حين قادهم فيها البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي، قبل أن يضحي بمصيره-المجهول- حتى يبعد خطر الإبادة الشاملة التي كانت معلنة على الريفيين ومعهم كل سكان الشمال المغربي.
شكل الطيارون الأمريكيون المغامرون تحت إمرة القيادة الجوية الفرنسية، رأس حربة حرب جوية لاهوادة فيها، أتت على الأخضر واليابس، وسائر الحياة على أرض الشمال المغربي. وظفت خلالها الجيوش الاستعمارية الفرنسية والإسبانية أعتا آلياتها العسكرية، مجندة مليون جندي ومرتزق من جنسيات عديدة، و530 طائرة حربية...ترسانة حربية كانت كافية لاحتلال قارة وليس لمطاردة بضع مئات من المقاتلين الأشاوس. الذين أجبروا دهاقنة الاستعمار على استعمال حتى الغازات الكيماوية المحرمة دوليا، مازالت آثارها بادية على سكان المنطقة إلى اليوم. في تحد واضح للأعراف والتقاليد العسكرية التي تمنع استعمالها، ناهيك عن الاستهداف الممنهج لتجمعات المدنيين مثل الأسواق الأسبوعية.
لاشك أن الطيران الحربي الاستعماري، كان عاملا حاسما في «استسلام» محمد بن عبد الكريم الخطابي، حينما أدرك بأن الاستمرار في الحرب، كان يعني فقط المزيد من الضحايا الأبرياء الذين ساقتهم الأقدار إلى تلك الحرب غير المتكافئة، وذلك بعدما أذاق -سلفا- الجيوش الاستعمارية الجرارة هزائم متتالية، وصلت حد تهديده فاس التي لم يعد يفصله عنها إلا 20 كلم، مما كان من شأنه أن يعصف بإحداثيات خرائط السياسة الاستعمارية، بالمغرب وبشمال إفريقيا عامة. لتتدخل فرنسا بكل ثقلها الدبلوماسي والحربي في أتون حرب الريف، داعمة الجيش الإسباني الذي فقد خيرة جنرالاته وعشرات الآلاف من جنوده في مواجهته مع المقاومة الريفية.
في هذا الملف تعيد «المساء» فتح أحد الفصول المنسية، في حرب الريف، مستعرضة وقائع الحرب الجوية التي كانت حديثة –آنذاك- تم خلالها توظيف آخر تقنيات الطيران الحربي، في عمليات عسكرية أشبه بالتجريبية، منها عن ساحات حرب عادية...واختبرت خلالها الجيوش الاستعمارية كفاءة السلاح الجديد، الذي تلطخ معه شرف الجيوش الغربية وعلى رأسها الإسبانية والفرنسية، بقتل آلاف الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ..يستوجب أكثر من اعتذار.
ما الدور الذي لعبه الطيران الحربي في حرب الريف؟ وما هي الدول الاستعمارية التي تتحمل مسؤولية القصف الجوي بالغازات السامة؟ وأي دور لعبه الطيارون المرتزقة الأمريكان؟ أسئلة ضمن أخرى يجيب عنها الملف التالي.
طيران حربي في طور التجريب!
وظفته الجيوش الاستعمارية بحرب الريف لفعاليته في حسم المعارك جوا
خليفة السلطان بتطوان يستعرض إحدى الطائرات العسكرية الإسبانية سنة 1913
أخذت الجيوش الأوربية تهتم بالطيران، إثر النجاحات التي حققها المدنيون الشغوفون بالاختراعات، وخصوصا بعد توالي تحطيم الأرقام القياسية المختلفة وكذا حرص الصناعيين وذوي رؤوس الأموال على الاحتضان أو الفوز يالاستثمارات المقبلة الواعدة، عبر شراء براءات الاختراع والاندماج المبكر في المسالك الجديدة لصناعات المستقبل. وتم استعمال الطائرات الأولى والطيارين الأوائل في مهام استطلاع. وأول الدول التي قامت باستعمال الطائرات كانت بلغاريا في حرب البلقان الأول ضد المواقع العثمانية. وسارعت الدول الكبرى لامتلاك سلاح جو، واختصت الطائرات في الاستطلاع، الاعتراض، القصف.
في حمأة التنافس العسكري الغربي، مضت بلدان أوربا في تعبئة إمكانياتها التقنية والصناعية، طيلة سنوات 1908و 1909 و 1910. وموازاة مع هذه الحركية قامت جيوش أوربا الغربية وأمريكا بأولى المناورات بواسطة الطائرات البرمائية بالخصوص، وبقي ذلك في طي الكتمان قبل أن تبادر إيطاليا إلى استعمال الطائرة في العمليات الحربية في سنة 1911 في الحرب المعروفة بالحرب الإيطالية-التركية على أرض ليبيا.
تشير الإحصائيات المتوفرة في سنة1911 على أنه تمت صناعة 1350»ايروبلان» في العالم، كما تم القيام بـ13000 طلعة جوية فوق البوادي وأشارت كذلك إلى أن 000 12 طيارا قاموا بقطع ما مجموعه 000 600 2 كيلومترا.
وبموازاة مع الاستعمال الحربي كانت الاستعمالات التجارية والبريدية والسياحية تشق طريقها بثبات في السوق الاقتصادية العالمية، مكسرة قيد الحدود ومحلقة في أجواء لا يملكها بعد أي أحد. وقد أدى هذا الوضع وفي إطار الصراع بين الدول الاستعمارية إلى ظهور قانون جديد يقنن استعمال الفضاء والأجواء الوطنية والدولية. كما كسرت الطائرة طوق عقبات الاتصال والتواصل، ففي يوم 18 فبراير من سنة 1912 والحرب الإيطالية-التركية-الليبية في أوجها، قام «هنري بيكيت» بأول بريد جوي في الهند على طائرة»سومر» بمحرك ذي 50 حصانا. أما في 3 مارس من السنة نفسها، فقد قطع الفرنسي «رينو»366 كيلومترا الفاصلة بين باريس «وبوي دوم» مؤكدا بذلك بداية حقبة الرحلات الجوية الطويلة.
أول استعمال حربي للطائرة بليبيا
في 23 أكتوبر 1911 حلق الطيار الإيطالي (كابتن كارلو ماريا بياتزا) فوق الخطوط الجوية التركية في مهمة استكشاف، وفي 1 نوفمبر قامت القوات الإيطالية بإسقاط قنبلة عبر قصف جوي على القوات التركية في ليبيا، مما أدي إلى مصرع عدد كبير من الأتراك، حيث اعتبرت تلك العملية أول استخدام للطائرات في قصف أهداف حربية أرضية.
إذ تبقى ليبيا آنذاك، أول حقل للتجارب الحربية بالطائرة، وكان ذلك على يد الفاشية الإيطالية في الحرب المعروفة بالحرب الإيطالية التركية على أرض ليبيا لاستعمار طرابلس في سنة 1911. وكان هذا السبق الإيطالي حافزا لتسريع الخطى الفرنسية، وهكذا قدمت للقوات الجوية الفرنسية أول طائرة حربية في سنة 1915 وهي طائرة «فارمان FARMAN» المسماة بـ «قفص الدجاج la cage à poules»، ثم طائرة كودرون CAUDRON مزدوجة المحرك في سنة 1916 والتي استعملت للمراقبة والقنبلة.
طائرات الحرب العالمية الأولى 1914-1918
استخدمت الطائرة في قتال الحروب النظامية لأول مرة في الحرب العالمية الأولى. وكانت طائرة إيركو دي إتش4 تعد من قاذفات القنابل البريطانية المعتبرة. وكانت تحمل طيارًا واحدًا ومدفعًيا .
نيوبورت 11 الفرنسية، إحدى أهم الطائرات خلال الحرب العالمية الأولى.
وبدأ سباق تحطيم الأرقام القياسية لتحقيق الأفضلية على العدو، تم تحديث التسليح مع أولى الرشاشات المحمولة على الطائرات. وظهرت المظلة كوسيلة للنجاة. أما على الأرض فقد بنيت المهابط والقواعد الجوية الكبرى، وبدأت الطائرات تصنع بكميات كبيرة.
في 5 أكتوبر 1914، قرب الرايمس، حدث أول قتال جوي، وتم ذلك بإسقاط أول طائرة في تاريخ الطيران العسكري، ربحها الطيار جوزاف فرانتز ضد طيار ألماني. ولكن أدولف بيقود أصبح أول «طيار بطل»، يحقق خمسة إسقاطات معادية في يوم واحد، قبل أن يصبح أيضا أول طيار بطل يموت أثناء القتال.
في نهاية الحرب، كان هناك: 4500 طائرة فرنسية و 3500 طائرة بريطانية و2500
طائرة ألمانية.
مناطيد جوية حربية عند احتلال البيضاء
هاجمتها البحرية الفرنسية والإسبانية بقسوة، مستخدمة جميع أنواع الأسلحة، حيث قامت قوات الغزو البحرية والبرية سنة 1907م بتدميرها ونهبها من طرف البحارة الذين أحضروا قنابل «الميناجيت الحارقة» ولم يحضروا مؤونتهم، مما جعلهم ينهبون المنازل والمتاجر تحت القصف أيام 5-6-7 غشت، يقول القبطان «كراسي» في كتابه «اختراق الشاوية»: (منذ يوم 7 غشت لم تعد الدار البيضاء مسكونة إلا بالموتى) (ص:10). أما «برودون» في كتابه «أيام الدار البيضاء» فيقول: (طيلة يومين تم تخريب المدينة ونهبها شارعا شارعا ودارا دارا، وملأت رائحة الموت والدم المدينة، وعمّت الحرائق كلّ شيء فصارت خرابا) (ص:10).
وتواصَل التدمير خارج المدينة، واستخدم لهذا الغرض المنطاد من أجل مراقبة حركة السكان ومداهمتهم وإحراق مساكنهم والاستيلاء على مواشيهم، واستُخدِم السكان دروعا بشرية.
تسلم الجنرال داماد القيادة يوم خامس يناير 1908، وقد جاء لينفذ سياسة الاستعمار الفرنسي بأية وسيلة، فهو صاحب المنطاد الذي استعمله في عمليات التحرك والاستكشاف، وصاحب القتل بدون تمييز للأطفال والنساء والشيوخ وكل المدنيين وحرق الأراضي وتسميم المواشي ومياه الأنهار والآبار... كمحارب قذر، أجبرته المقاومة الباسلة لقبائل الشاوية، على المكوث داخل أسوار مدينة الدار البيضاء طيلة ستة أشهر، مما أجبره على استعمال المناطيد الجوية للاستطلاع العسكري. وفي هذا الصدد أكد قائد الحملة الأميرال فيليبير: «أن عملنا بالدار البيضاء ستكون له انعكاسات قوية على الاستعدادات المعادية للقبائل المحرضة على الحرب من قبل. وأخاف على قواتنا أن تواجه هجومات خطيرة، ولذلك فقد رأينا مع الجنرال درود والسيد مالبرتوي، أنه من الجوهري أن نتظاهر بالسير متفقين مع المخزن، وفي هذا المجال نضمن مساندة عم السلطان...»
دور مهم في الاستطلاع والدعم العسكري
كانت غالبية طائرات الحرب العالمية الأولى تعتبر طائرات استطلاع. وقبيل نشوب الحرب العالمية الأولى دفعت فكرة منع العدو من الاستطلاع خلف الخطوط إلى تطوير أول طائرة مقاتلة، وأدى ظهور الطائرة الألمانية فوكر عام 1915 المزودة بمدفع رشاش تمر طلقاته من خلال المروحة متزامنة إلى ولادة ما يدعى بالمعركة الجوية.
في عام 1915 تم إدخال الطائرات المخصصة للقتال الجوي إلى الخدمة العسكرية، في الوقت الذي كانت تستخدم فيه خلال هذه الحرب للاستطلاع فقط، وكانت صغيرة وغير مسلحة، ولذلك كانت دائما تخشى مواجهة طائرات استطلاع معادية في أي وقت. لذلك فكر الطيارون في حمل أسلحتهم الخفيفة مثل المسدسات والبنادق على الطائرات وتبادل الطلقات مع طائرات العدو في الجو. وفي 1 أبريل أصبح الطيار الفرنسي رولان غاروس أول من يسقط طائرة للعدو باستخدام مدفع رشاش من داخل الطائرة.
وبعد عدة أسابيع اضطر غاروس إلى الهبوط خلف الخطوط الألمانية، فتم القبض على طائرته وإرسالها إلى المهندس الهولندي أنتوني فوكر الذي قام بعدة تحسينات كبيرة بها، حيث جعل الطائرة ذات المقعد الواحد تتمكن من حمل مدفع آلي يستطيع إطلاق القذائف لتمر بدقة من بين أنصال المروحة، كما جهز الطائرات بأجهزة لاسلكي تمكنها من الاتصال ببعضها. وأدى ذلك التطور إلى بدء سباق التسلح بين قوات المحور والحلفاء، حيث قام كلا الجانبين بتحسين الأسلحة وهياكل الطائرات والمحركات، واستمر هذا السباق حتى نهاية الحرب.
الحرب الجوية تحسم الحروب
تقضي كل الاستراتيجيات الحربية الحديثة، بضرورة التفوق الجوي في العمليات العسكرية (Air superiority) الذي يعني سيطرة أو تفوق قوة جوية لطرف ما على القوة الجوية للطرف الآخر أثناء العمليات العسكرية.
ويعرف هذا المصطلح، بأنه درجة السيطرة في المعركة الجوية لقوة جوية على أخرى تحاول القيام بعمليات جوية تستهدف سماءها أو أرضها أو بحرها في وقت ومكان محدد.
وهنا يجب توضيح الفرق بين التفوق الجوي موضوع هذا المقال ودرجات التفوق الجوي الأخرى وأعلاها السيطرة الجوية (Air supremacy) والتي تعرف بأنها السيطرة الكاملة على الجو الذي يكون فيه سلاح العدو الجوي غير قادر على التدخل مطلقاً، بينما يأتي التفوق الجوي في المستوى الثاني من درجات السيطرة، وفي أقل درجات السيطرة الجوية يأتي مصطلح التعادل الجوي (Air parity) وهو يعني التعادل مع قوات العدو الجوية أو تحقيق السيطرة الجوية فقط فوق مواقع القوات الصديقة.
وبالعودة للتفوق الجوي نجد أنه يتيح زيادة نشاطات القصف الجوي والإمداد الجوي التكتيكي للقوات الجوية، بالإضافة إلى تسهيل مهام إنزال المظليين والقوات الخاصة، مما يسهل عمل القوات البرية وأدواتها.
يرجع تاريخ البحث في التفوق الجوي إلى بداية استخدام الطيران في الحروب، منذ بدايات القرن العشرين حين تنبأ العالم الإيطالي جيوليو دوهيت بأن الحروب المستقبلية ستحسم من الجو، وفي الحرب العالمية الأولى كان التفوق الجوي لسلاح الجو الألماني هو المفتاح للتفوق الاستخباراتي بواسطة الاستطلاع الجوي.
ومع بداية الحرب العالمية الثانية عادت نظريات جيوليو للظهور إلى السطح بعد أن تم إهمالها لفترة من الزمن خاصة بعد تبين الفائدة الكبيرة والتأثير الإيجابي لاستخدام الطيران من قبل قوات الحلفاء، حيث تمكنوا في بداية الحرب من الهيمنة الجوية، بواسطة طائرات وفرت سيطرتهم على أجواء الجبهات.
طيران صحي حربي في حرب الريف بعد الوقوف على خصائص استعمال الطائرة ونجاحات سلاح الجو، ظهرت الرغبة مبكرة لدى الأطباء في الاستعمال الطبي للطائرة. ولكن كان على الرواد الأوائل أن يعثروا على الاحتضان السياسي والمالي. وكانت ماري مافان «MARIE MARVINGT «تعتبر أول مؤسسة للطيران الصحي سنة 1910 لما طلبت من القيادة العامة للجيش خلق فرقة للطيران الصحي وتشبثت بفكرتها بين سنوات 1911 و 1914 حيث قدمت طلبا للمهندس روشرو بتصميم أول طائرة إسعاف فرنسية، وفاوضت صناعيا من أجل الإنتاج، غير أن إفلاسه لم يمكن من مواصلة المحاولة. وفي الفترة نفسها كان الجنرال الهولندي ديموندي يطالب بدوره باعتماد نقل الجرحى بالطائرات.
بعد وصوله المغرب، ظفر الدكتور شاسانغ CHASSAING في مسعاه للاحتضان على الجبهة الفرنسية، بموافقة ليوطي الذي كان يتقد طموحا وينتقد أداء الجيش الفرنسي في الحرب وكله فخر بنجاحه في «سياسة التوغل والتهدئة» بالمغرب. وهكذا حالف الحظ شاسانغ، فصمم أول طائرة صحية فرنسية في أوائل سنة 1917 ثم ظفر باحتضان شركة BREGUET.
«ففي أكتوبر 1917 توقع شاسانغ وكتب بأنه في المغرب وفي الشرق حيث يوجد المحاربون دائما بعيدين عن الوحدات الصحية، فإن للطائرة دورا هاما يجب أن تلعبه. وما أن حل آخر يوليوز 1918 حتى وصلت إلى الدار البيضاء أربع طائرات من نوع DORAND-DALSACE-A.R. وهي طائرات خضعت لترتيب وتهيئة حددها شاسانغ. لكن هذا السرب الأول من الطائرات لم يحالفه النجاح في مهامه. فقد وصلت هذه الطائرات غير القابلة للاستعمال في الجبهة الفرنسية بمحركات منهكة وبدون قطع غيار. بعد ذلك ارتبط الدكتور بشركة بريكيت فحقق ترتيب وتهيئة الطائرة الجيدة بريكيت 14A2. وفي نونبر 1920 تم الوعد بإرسال 20 طائرة طبية للمغرب و16 للشرق كتجربة. والجدير بالذكر أن هذه السنة عرفت التصنيع المعدني الكامل للطائرات، خصوصا بعد قطع محيط الشمال في سنة 1919 والإيمان القطعي بالمستقبل الزاهر للطيران في شقيه العسكري والمدني التجاري.
وهكذا وصلت إلى الدار البيضاء خلال شهري أبريل ومايو من سنة 1921 الطائرات الموعودة من طراز 14A2 ذات محرك رونو بـ 300 حصان. وفور انتهاء التركيب والتجريب أرسل البعض منها إلى مدينة مكناس لأن قوات الاحتلال الفرنسية والإسبانية، كانت تواجه اشتباكات صعبة شرق مدينة وزان الثائرة المساندة لثورة الريف، ويمكن القول حسب وثيقة المعرض الاستعماري الدولي لباريس لسنة 1931 إن أول إجلاء للجرحى بالطائرة كان يوم 29 مايو 1921 ويعتبر بحق بداية للطيران الصحي كما كان منظما وقتذاك بالمغرب.
الطائرة الصحية بليريو
تلقى الطبيب الجراح التابع للوحدة الصحية الأساسية لعين الدفالي جنديي مدفعية أصيبا بجراح بليغة في الجبهة عقب إطلاق نار متواصل، وكان يلزم نقلهم بسرعة إلى مستشفى التجهيز. ولهذا طلب الطبيب الأول من الدرجة الأولى الدكتور كومت عن طريق الهاتف استقدام الطائرة الصحية الراسية في مدرج «حد كورت»، وبعد ساعة ونصف كان الجريحان في مستشفى الرباط العسكري على بعد 100 كلم. وقد شجع نجاح هذه العملية الطبيب الجراح فأرسل في الغد 30 مايو جريحين آخرين إلى مستشفى مكناس العسكري، ومنذ ذلك الحين لم يوقف الطيران الصحي خدماته التي أخذت تنتشر في كل أنحاء المغرب، بقدر ما كانت تبنى مدرجات ومهابط للطائرات.
وبين سنتي 1921 و 1922 أعقب الدكتور شاسانغ CHASSAING « في قطاع الطيران الصحي الطبيب الرئيسي ايبولا معتمدا طائرات بريكيت خلال حرب الريف.
في السياق ذاته، كان المجاهد بن عبد الكريم الخطابي يطمح لكل وسائل النصر، إذ يقول الدكتور نقولا زيادة:» فقد أثبت عبد الكريم كقائد عسكري وزعيم سياسي كفاءة قل نظيرها، وخلق دولة حديثة برلمانية، وأوجد لها نظما إدارية ومالية جديدة وقام بإصلاح زراعي وديني» وإننا نأخذ مأخذ الجد ما أضافه نقولا زيادة في باب الطيران»... وأنشأ جيشا يعتمد على أحدث أساليب القتال ويملك مختلف الأسلحة بما فيها الطيران». فلقد التحق بالثورة الكثير من الجنود والضباط المغاربة، كما وظف الزعيم عبد الكريم الخبرات الأجنبية والأسرى وأرسل أطرا للتدريب، ولعب على التناقضات السياسية والاقتصادية بين كل من إسبانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.
المغاربة يسقطون أول طائرة إسبانية بتطوان سنة 1918
منذ سنة 1911، كان الطيارون الإسبان يتدخلون في العمليات العسكرية بتنسيق مع المشاة، وكانوا يقصفون الخنادق والأسواق والطرق والمحاصيل والممتلكات والمستشفيات والمدارس والمدنيين. كما أنهم كانوا يضربون المقاتلين بالمدافع الرشاشة ويأخذون الصور والرسوم الطوبوغرافية الخ. واستُعملت كذلك السفن الهوائية –مناطيد- أيضا منذ 1909.
كانت الإمبريالية الإسبانية –حينها-، تتغلغل بقوة الحديد والنار في المنطقة الشمالية، أمام مقاومة القبائل الريفية التي قادها كل من الشريف محمد أمزيان بالجهة الشرقية والوسطى والريسوني بالجهة الغربية.
وفي إحدى المعارك، بالقرب من تطوان سيُسقط المغاربة أول طائرة إسبانية من نوع «م.ف.1» يوم 19 نوفمبر 1918، ثمانية أيام فقط بعد استسلام ألمانيا في الحرب العالمية الأولى أمام فرنسا بتاريخ 11 نوفمبر من سنة 1918. التي كان لها أثر على إسبانيا، إذ سقطت حكومة ماورا وخلفه الليبراليون الذين كانوا يميلون إلى الفرنسيين ويشاركون في عمليات الدولتين في المغرب، مما دفع –لاحقا- إلى تنسيق حربي لمواجهة المقاومة الريفية، بعد معركة أنوال الشهيرة وتقدم قوات الخطابي نحو منطقة «الحماية الفرنسية».
من تداعيات هذا السياق التاريخي أيضا، نذكر أيضا تعيين إسبانيا لمقيم عام، وهو برينغيل(Berenguer)الذي عمل جاهدا على استمالة قادة القبائل بــ»البسيطات والبنادق ...» وبفضل هذه السياسة تقدم زاحفا على بعض القبائل مثل أنجرة، مما سهل عليه التقدم نحو «فندق عين جديدة»، وقد تم الاستيلاء عليها في 6 من شهر أكتوبر سنة 1919، كما تم التوغل في قبائل جهة العرائش نهاية سنة 1919 وبداية سنة 1920، ليتم الاستيلاء أيضا على مرتفعات الغوروغو، مما مكنه من التقدم نحو الجنوب، وتضييق الخناق على الريسوني، وفي 25 من شهر يونيو استولى على بني قريش، ورسخ حركته وللتقدم نحو الأراضي الريفية التي كان يجب على برينغير دخولها. استمر في سياسة الاستمالة موزعا الكثير من الهدايا والعطايا والنقود على المتعاونين، ومن كان من أصدقاء إسبانيا، ومن بينهم، الشريف البقالي، الذي كان له صيت ذائع في المنطقة وساعد القوات الإسبانية للاستيلاء على الشاون والكثير من المواقع بالمنطقة الشمالية.
فرنسا تستنجد بطيارين مرتزقة أمريكان بحرب الريف
يذكر المؤرخ الأمريكي ويليام دين، في مطلع دراسته المطولة، ملامح السياق العام للأحداث. إذ يذكر أن باريس زودت الماريشال ليوطي، المقيم العام لفرنسا في المغرب ومؤسس نظام الحماية فيه سنة 1912، بما يكفي من القوات والدعم للتقدم داخل المزيد من الأراضي المغربية عبر عمليات محدودة، وذلك بدون أن يمد يد المساعدة للإسبانيين الذين ذاقوا هزيمة مرة في معركة أنوال يوليوز 1921، لأن فرنسا كانت تصنف إسبانيا كمنافسة لها، ولم تكن تعتقد أن الزعيم الريفي، بن عبد الكريم، قد يشكل خطرا على الوجود الفرنسي في المغرب.
لكن، في بحر شهر أبريل من سنة 1925، سيشن الريفيون هجوما على المغرب الفرنسي، وهو ما سيقض مضجع حكومة فرنسا وسلطات الحماية، بعد أن رأت بالملموس تطور القدرات القتالية للمقاومة الريفية وتقدم قوات عبد الكريم الخطابي حتى أنها لم تعد تفصلها عن فاس إلا عشرين كيلومترا.
حينها، شعرت فرنسا بخصاص كبير في صفوف جيوشها بالمغرب، وخاصة في سلاح الجو. ورغم أن المقيم العام هوبير ليوطي أعلن أول الأمر أن الطيران الفرنسي بالمغرب، بقيادة الكولونيل بول أرمينيو، هو الذي أنقد العاصمة، فإنه عاد بسرعة ليبرق لحكومة بلاده، ملتمسا المزيد من الجنود والعتاد، وخاصة في مجال أسراب الطائرات.
في يوليوز 1925، يكتب ويليام دين، شعرت حكومة باريس أن «المدرسة الكولونيالية التقليدية»، المجسدة في مؤسس المغرب العصري، قد أبانت عن محدودية واضحة في استكمال «تهدئة» وإخضاع الأهالي من جهة، وكذا وقف زحف القوات الريفية جهة «مغرب الحماية» الفرنسية، فقررت إرسال المارشال فيليب بيتان –بطل فردان- للحلول محل ليوطي.
وجد بطل معركة فردان نفسه على رأس جيش يبلغ عدده ضعف ما كان يتوفر عليه سلفه، كما أن عدد المقاتلات تجاوز 150 طائرة وضعت رهن إشارة طيارين كلهم فرنسيين، خاصة أن المارشال كان يعتبر سلاح الجو مكونا أساسيا لتنفيذ استراتيجيته الحربية.
كان الجمهوري بول بان لوفي قد أصبح، قبيل ذلك، في أبريل 1925، رئيسا لمجلس الوزراء ووزيرا للحرب، هو المدافع بحماس لا يفتر عن الطيران وقوته الضاربة. وفي يوليوز 1925، سيقدم رجل فرنسا الأول على تغيير جذري في مكونات القوات الجوية لبلاده في المغرب.
سيقترح حينها كولونيل أمريكي، تشالز سويني، الذي حارب في الفيلق الأجنبي الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى قبل الانخراط في جيش الولايات المتحدة، على بان لوفي خلق سرب طائرات للقتال في المغرب، يقوده طيارون أمريكيون سبق لهم القتال ضمن سرب لافاييت (وهو وحدة حربية جوية مكونة من متطوعين أمريكيين خاضعين للقيادة العسكرية الفرنسية أنشأت سنة 1916 وشاركت في الحرب العظمى إلى جانب قوات باريس).
وافق رئيس المجلس الوزاري الفرنسي على الاقتراح، وزكاه أيضا وزير الشؤون الخارجية، أريستيد بريان، لإنشاء السرب، كما تؤكد ذلك رسالة تلغرافية مؤرخة في 10 يوليوز 1925، توصل بها ليوطي قبل مغادرته المغرب. لكن باريس خشيت أن يواجه المشروع بعض العراقيل السياسية بسبب سياسة الحياد الأمريكية في حرب الريف ونهجها الانعزالي عن حروب القارة الأوربية.
مما حدى بها إلى البحث عن صيغ قانونية ملتوية، لانخراط الطيارين المرتزقة الأمريكان، في عمليات عسكرية فوق التراب الوطني.
حدو لكحل البقيوي طيار بن عبد الكريم الخطابي الذي عمل جاسوسا لفرنسا
نظرا لعلاقته المبهمة مع الفرنسيين لجأت القوات الإسبانية إلى اعتقاله بتهمة التجسس لفائدة الفرنسيين، وعملت على حبسه في الجزر الجعفرية. لكنه، تمكن بفعل ذكائه وتدويخه للحراس من الفرار منها نحو الجزائر قاطعا مسافة طويلة سباحة.
ولد حدو بن حمو سنة 1888 بقرية إمزورن التابعة لقبيلة إبقوين، عرف لدى عامة الناس وخاصتهم باسم حدو لكحل البقيوي، وصفة لكحل لا علاقة لها بلون بشرته، فلم يكن حدو أسود اللون بل كان لونه كأغلب بني جلدته يميل إلى «البياض». كان طويل القامة نحيفا سريع الحركة كثير التجوال، وكان منذ صغره معتزا بنفسه ومغامرا بامتياز، كما كان جريئا حد التهور أحيانا. ورغم أن الظروف لم تسمح له بالتعلم إلا أن حبه للتنقل بين دواوير القبيلة والقبائل المجاورة ورحلاته المتواصلة إلى عدد من مدن المغرب والجزائر (حيث كان يتنقل باستمرار بين. وجدة وفاس والرباط ووهران وبورساي...) إضافة إلى لباقته وقدراته الهائلة في الحديث مع الناس ومخاطبتهم التي مكنته من إتقان الدارجة المغربية واللغتين الإسبانية والفرنسية، إلى جانب لغته الأم «تمازيغث». ويحكي المقربون إليه أنه كان طيلة حياته يهتم بهندامه، يلبس غالبا لباسا محليا أنيقا وأحيانا يرتدي زيا أوربيا.
استقر بالجزائر، وتعلم بسرعة سياقة السيارات التي أتقنها بشكل ملفت للانتباه، كما تدرب لاحقا على قيادة الطائرات الحربية الصغيرة، حيث سيكون وراء شراء ثلاث طائرات لفائدة المقاومة الريفية. اشتغل مع الفرنسيين في التجارة وجمع الأخبار، وفتح لهذا الغرض مكتبا بمدينة وجدة كان يشرف على تسييره أحد الجزائريين.
عندما اندلعت حرب الريف، أرسل محمد بن عبد الكريم الخطابي في طلب حدو لكحل للاستفادة من خبراته التقنية، ومن المعلومات التي تراكمت لديه بفعل تعامله مع الفرنسيين، حيث لم يتأخر حدو في الاستجابة والتحق بصفوف المقاومة وأصبح بسرعة من قادتها، وعين قائدا على قبيلة إبقوين ومساعدا لوزير الخارجية، كما كلف بمهام أخرى نذكر منها:
- الإشراف على نقل أسرى المعارك التي شهدها الريف الشرقي خلال الفترة الممتدة من يوليوز 1921 إلى منتصف غشت 1921 إلى منطقة أجدير، وكذلك نقل الغنائم من أسلحة وأدوية ومواد غذائية...
- تشكيل شبكة من المخبرين موزعة بجل مناطق المغرب وفي الجزائر وإسبانيا...
- بعث مراسلات وتقارير إلى الأمير الخطابي حول الأوضاع والمستجدات، وهذه مقتطفات من بعض الرسائل التي كان يبعث بها القائد حدو والتي أوردتها الباحثة الإسبانية ماريا روزا في أحد أبحاثها عن الحرب الكيماوية ضد الريف:
- من رسالة مؤرخة في 31 غشت 1921.
«...عدم إطلاق سراح الأسرى، لأنه في حالة إطلاق سراحهم، سيلجأ الإسبان إلى الغازات الخانقة لتدميرنا».
- من رسالة مؤرخة في 06 دجمبر 1921.
«...جميع الأسلحة التي أخذت من الإسبان تتجمع بدريوش والغاز سيجمع شيئا فشيئا».
- من رسالة مؤرخة في 24 يوليوز 1922.
«...أخبرك بأن باخرة فرنسية نقلت 99 قنطارا من الغازات الخانقة إلى مليلية في 16 يونيو 1922».
سافر كذلك، مع محمد أزرقان وبنزيان إلى باريس للتوقيع على بعض الاتفاقيات وإنجاز بعض الصفقات التجارية وإبرام بعض العقود المتعلقة بالتنقيب على المعادن واستغلال بعض المناجم. كما تمكن سنة 1923 من جلب طبيب وممرضة أجنبيين لمعالجة شقيقة الأمير. وتم أيضا تكليفه بمقابلة الماريشال ليوطي عدة مرات لحل المشاكل التي كانت تعرفها الجبهة الجنوبية.
بعد تكالب الجيوش الاستعمارية على القوات الريفية، شارك إلى جانب كل من محمد أزرقان والشادي في المفاوضات الثلاثية التي جمعت الوفد الريفي بوفدين يمثلان كلا من فرنسا وإسبانيا، والتي ابتدأت يوم 17 يوليوز 1926 بتاوريرت وتواصلت يوم 27 ابريل 1926 بمدينة وجدة، واستمرت إلى يوم 06 ماي 1926، وكان حدو لكحل طيلة هذه المفاوضات يتنقل عبر الطائرة بشكل شبه يومي إلى مقر قيادة المقاومة لإخبار الأمير بالمستجدات وأخذ المقترحات.
عندما لجأ الخطابي إلى الزاوية الوزانية، كلف القائد حدو بحراسة الأسرى الإسبان والفرنسيين، وعندما اضطر إلى الاستسلام للقوات الفرنسية قاد حدو لكحل هؤلاء الأسرى حتى مركز تاركيست.
بعد استسلام محمد بن عبد الكريم الخطابي، سيسلم القائد حدو نفسه للقوات الفرنسية يوم 27 ماي 1926، ويتم اعتقاله ثم نفيه إلى مدينة الصويرة حيث فرضت عليه الإقامة الإجبارية، واستقر بهذه المدينة حتى وفاته سنة 1950.
مباشرة بعد نفيه عمل الخليفة على المنطقة الشمالية على تنفيذ مقتضيات ظهير مؤرخ في 09 أكتوبر 1926، الذي نص على مصادرة أملاك حدو لكحل، كباقي قادة المقاومة الريفية وعلى رأسهم الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي.
الطيارون المرتزقة الأمريكان يحرجون حكومة بلادهم
الضباط الأريكيين السبعة من (اليمين) القبطان لوسين هولدن، الليوتنان كولونيل شارل كيير وود، الكولونيل شارل سويني، القبطان غراهام بيلن، الكولونيل أوستان باركر، القبطان ويلر، والكوماندان غرانفيل بولوك
ضمن ملف خاص بالعلاقات العسكرية الفرنسية- الأمريكية العدد 246 - سنة 2007، نشرت «المجلة التاريخية للقوات المسلحة» ترجمة لمقال لا يخلو من أهمية وقعه الأستاذ والباحث الأمريكي المتخصص في التاريخ العسكري ويليام دين 1899- 1981
حيث أشار فيه إلى علاقات التعاون والتقارب بين كل من فرنسا وأمريكا، دفعت إلى تشكيل «السرب الشريف» أو ما عرف أيضا بــ«السرب الأمريكي» الذي شكل حرجا بالغا لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية. ذهب حد مطالبة بعض الفاعلين المدنيين والإعلاميين المعارضين لحرب الريف إلى محاكمة هؤلاء الطيارين.
زادت مشاركة هؤلاء الطيارين الأمريكيين إلى جانب القوات الفرنسية، في حرب الريف، من التوتر بين واشنطن وباريس، هكذا، ففي 28 شتنبر 1925، قام كاتب الدولة فرانك كيلوغ بتحذير الحكومة المغربية من كون المرتزقة الأمريكيين يخرقون القوانين الأمريكية عبر قتالهم ضد قوة ليست في حالة حرب ضد دولتهم. وحسب هذه القوانين، فإن كل شخص من جنسية أمريكية ينخرط في صفوف جيش أجنبي، يرتكب جنحة جسيمة يعاقب عليها بغرامة مالية قيمتها ألف دولار وبالسجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات. وقد أبلغت القنصلية العامة لأمريكا في طنجة رسميا ممثلي المخزن، عن طريق وزارة الخارجية، أن هؤلاء الطيارين يخرقون قوانين بلادهم.
ومن جهتها، عبرت الصحافة الأمريكية عن معارضتها لمشاركة المرتزقة الأمريكيين في حرب فرنسا ضد ثوار الريف، مثلها مثل حكومة بلادها.
ويسرد كاتب المقال عدة أمثلة في هذا السياق، نقتطف منها بعض النماذج:
فقد ورد بصحيفة بيتسبورغ بوست: «القنابل الأمريكية والرضع الريفيون:
لماذا يذهبون للقتال في الخطوط الأمامية ضد الريفيين؟ ليس للولايات المتحدة أية مشكلة مع هذه القبائل «البربرية» التي تعتبر إساءتها الوحيدة لفرنسا وإسبانيا هي سعيها لطرد مغتصبين أجانب من أراضيها.»
وفي «نيو يورك سان» ورد كذلك:»يشعر الأمريكي المتوسط أن الشعب الريفي شجاع ومتشبث بحريته أكثر من أي شيء آخر».
أما «كريستيان سانتوري» فقد نشرت ساخرة من الطيارين الأمريكيين : «ليس لهؤلاء الجنود الأمريكيون بالصدفة مبررا آخر غير الانتشاء بمطاردة البشر. إنها رياضة أرستقراطية تقضي بمطاردة وقتل أرانب خلال حصة قنص. لكون نساء وأطفال قادهم حظهم العاثر أن يولدوا في هذه القرى الريفية ويصبحون ضحايا هذه الرياضة...»
تعرض الطيارون الأمريكيون لاستنزاف شديد، حيث كانوا ينجزون أكثر من خمسة طلعات جوية. منجزين المهمات الموكولة لهم من طرف قادة هيئة الأركان الحربية الفرنسية بالمغرب، ضد رفاق عبد الكريم من شهر غشت إلى نهاية أكتوبر 1925، أي بداية فصل الأمطار، وفق ما ذكره ويليام دين. وكان الكولونيل سويني، الذي تولدت لديه فكرة إنشاء سرب الطائرات، يتولى قيادة الوحدة، كما أن القيادة العليا للجيش الفرنسي في باريس صرفت لها مبلغ 20 ألف فرنك لتغطية مصاريف الدعاية الرامية إلى التأثير على الرأي العام الأمريكي لكسبه إلى صف فرنسا.
حين حلوله بالمغرب، كان السرب يضم تسعة ضباط وسبعة ضباط صف، وقد ألحق به عقيد فرنسي لا يذكر الأرشيف العسكري اسمه ليقوم بمهمة قيادته برفقة الأمريكي سويني. وقد وضع الفرنسيون رهن إشارة الطيارين الأمريكيين وسائل النقل (شاحنات، دراجات نارية وهوائية)، بالإضافة إلى الموارد البشرية التقنية واللوجيستيكية الضرورية لإنجاز مهمتهم، أي تسعة ضباط صف وخمسين جنديا، بينما زودهم السلطان ببدلاتهم العسكرية، كما دفع أجور العاملين في السرب. ولم تكن الوحدة تتوفر إلا على سبع طائرات مقاتلة، خلافا لما كان يجري به لعمل في الأسراب الفرنسية «10 طائرات» نظرا للقدرات التقنية ومهارات الطيارين الأمريكان المحترفين.
يضيف كاتب المقال أن الطيارين الأمريكيين كانوا يقومون أحيانا بخمس عمليات في اليوم. وقد اعترف المقدم كيروود، الناطق باسم السرب، أن أغلبية العمليات استهدفت جنودا ريفيين محشودين في البوادي، مثلما أقر أن السرب الشريف قصف قرى، وهو ما خلف ضحايا لا يعدون ولا يحصون في صفوف المدنيين. ومن المؤكد بشكل لا يقبل الشك، يكتب ويليام دين، أن المرتزقة الأمريكيين قاموا بقصف قرية رغم تسليمها لنفسها. وإذا صدق المارشال بيتان، فإن سرب الطائرات الشريف أنجز 350 عملية قتالية خلال ستة أسابيع واستعمل فيها أربعين طنا من الذخيرة.