التدخل الغربى فى ليبيا ينذر بتقسيمها
في بادرة جديدة دعا بعض الزعماء الافارقة بالتدخل الغربي في ليبيا من اجل السيطرة على الوضع هناك .
وذلك خلال كلمة للرئيس المالي ابو بكر كيتا امام المنتدى الدولي للسلام والامن في افريقيا الذي عقد مؤخرا في العاصمة السنغالية دكار واذا كان ذلك القرار هو فكر بعض القادة او الدول الافريقية فهم يتحدثون من وجهة نظر امنهم ، اما بالنسبة للدول العربية فهي البداية لتقسيم ليبيا.
يبدو أن الصراع في ليبيا بدأ يأخذ شكلا جديدا من الوحشية والتدمير العشوائي والقتال بين فصائل عديدة قد تؤدي في النهاية الى تدمير كامل للدولة الليبية، مع اهدار لثرواتها وخاصة البترولية، وانهيار تام لاقتصادها، مع احتمال تقسيمها بعد الاحداث الدموية التي تحدث بها يوميا وتصاعد حدة الخلاف بين الجماعات والعشائر المختلفة، الامر الذي يؤثر بشكل مباشر على الامن القومي لدول الجوار الملاصقة بها وايضا على دول شمال المتوسط عن طريق تصدير الارهاب الى تلك الدول مما يعني انه ربما يكون هناك تدخل عسكري من قبل حلف شمال الاطلنطي لحماية الدول الاعضاء من اي تهديد محتمل على اراضي الدول الاعضاء بالحلف.
في البداية يجب ان نعلم انه في الوقت الحالي لا توجد اساسيات للدولة في ليبيا مع انهيار القوات المسلحة وانتشار الفصائل المختلفة المتناحرة وظهور جماعات اارهاب التي وجدت في ليبيا المجال الخصب لتنفيذ مخططاتها، والعمل على السيطرة على مناطق في ليبيا لشن هجمات اخرى على بعض دول الجوار ليتكرر بذلك نموذج افغانستان من جديد، وتنفيذ مخطط الولايات المتحدة الامريكية بتقسيم منطقة الشرق الاوسط من خلال مشروع الشرق الموسع.
واذا نظرنا في البداية الى دور حلف الناتو في ليبيا بداية من العام 2011، نجد انه ينفذ المخطط الذي اعتمدته قمة اسطنبول عام 2004، حيث اقر قادة الدول الاعضاء في الحلف مشروع الشرق الاوسط الموسع، والذي تضمن ان يكون هناك دور اكبر للحلف في منطقة الشرق الاوسط ويعمل على التدخل بشكل سريع لدرء المخاطر التي تهدد الدول الاعضاء، وهو ما فسر بشكل واضح تدخل القوات في الصراع الدائر بين مقاتلي المعارضة والجيش الليبي التابع للرئيس الراحل معمر القذافي، وتزويد المقاتلين بالعتاد والسلاح وشن هجمات جوية وصاروخية افقدت الجيش الليبي قدراته القتالية تماما مما اثر بشكل رئيسي على سير العمليات على ارض المعركة واسقاط الجيش الليبي وتمكين العناصر المسلحة من السيطرة على الامور داخل الاراضي الليبية.
ومع نهاية نظام القذافي اصبحت الارض في ليبيا خصبة لتنفيذ اي عمليات ارهابية او عسكرية في ظل غياب الدولة تماما، وانشاء معسكرات تدريب للعناصر الارهابية، واحتضان عدد ليس بالقليل من تنظيمات الارهاب الاسود التي تسعى للسيطرة على الحكم او محاولة ايجاد مكان تتنازع عليه في حال اعادة تقسيم ليبيا من جديد بعد عمليات الاقتتال الداخلي.
اما بالنسبة للخطط الغربية فالولايات المتحدة ودول حلف شمال الاطلنطي ومن بعد فشلها في كل من العراق وافغانستان وتكبدهما خسائر في الارواح والمعدات، وحتى لا ينقلب الرأي العام الداخلي عليهم في حال اي تدخل عسكري مرة اخرى في ليبيا، فتم على الفور تعديل الاستراتيجية العسكرية للتعامل مع الموقف عن طريق الدفع بعناصر مسلحة ارهابية من صنيعة الغرب من اجل الدخول في صراعات مع القوى المتواجدة على الارض في محاولة لانهاك العناصر وتصفية بعضهم البعض وهو ما يحدث بشكل اساسي في العراق وسوريا في الوقت الحالي وانتقلت الخطة بالتبعية الى ليبيا والتي تعد منطقة استراتيجية هامة بالنسبة لدول شمال المتوسط، وايضا لامتلاكها مخزونا ضخما من النفط، وتقسيمها الى دويلات غير قادرة على الدفاع عن نفسها سيتخد من الغرب ملاذا لها لتحقيق الامان بجانب عمليات اعادة الاعمار والدعم الاقتصادي.
والخطة التي ترغب الولايات المتحدة في تنفيذها بعد انهاك كل الجماعات المتناحرة في ليبيا من الاقتتال سيكون لها الكلمة العليا في التهدئة ووضع خارطة طريق للجميع تنتهي اما بتقسيم ليبيا او تواجد قوات دولية على اراضيها لمراقبة عمليات وقف اطلاق النار، مع تسهيل عمليات ضخ البترول الليبي الى دول اوروبا دون سيطرة فصيل بعينه على ابار البترول.
وفي الوقت الحالي يترقب حلف شمال الاطلنطي الموقف عن كثب فمع زيادة اعمال القتال هناك تهديد مباشر على دول شمال المتوسط جراء عمليات الهجرة غير الشرعية التي تحدث من ليبيا ونزوح الالاف اما للحدود البرية المجاورة او الهروب الى اوروبا.
وطبقا للعقيدة العسكرية الجديدة لحلف الناتو التي وضعت في عام 2004 بقمة اسطنبول، واقرت في قمة لشبونة 2008، بأنه يحق لقوات حلف الناتو التدخل في اي دولة خارج حدود الدول الاعضاء في الحلف لمواجهة اي تهديد فان الحلف عمل على وضع خطة جديدة من خلال قوات الانتشار السريع التابعة له في حال تأزم الموقف بشكل كبير، يمكن لتلك القوات التدخل في الوقت المناسب لحماية مصالح الدول الاعضاء في ليبيا، والخطة التي وضعت هي محاولة التدخل لعزل منطقة ابار ومصافي البترول عن الجماعات المتصارعة في ليبيا، واحكام السيطرة عليها، وذلك بعد عمليات قصف جوي للقوات المتصارعة على الارض، تستمر لمدة لن تقل عن اسبوعين من القصف المتواصل، بعد تحديد المواقع عن طريق الاقمار الصناعية، مع استخدام اجهزة التشويش الالكتورني لمنع العناصر على الارض من التواصل مع بعضها، مع تدمير مخازن السلاح، وقطع الطرق ومنع اي عمليات للدعم اللوجيستي على الارض، وفي تلك الاثناء لن تفرق قوات الناتو بين العناصر التي من الممكن ان تقصفها بل سيتم القصف بصورة عشوائية لجميع العناصر التي ستتحرك على الارض.
الخطة التي وضعها الناتو الحل المر بالنسبة للحلف، فقيادته لا ترغب في الدخول في صدام مسلح مباشر مع العناصر المتناحرة على الارض حتى لا تحقق خسائر في الارواح.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية واحتمالية تدخلها في ليبيا منفردة فهو الامر المستبعد في الوقت الحالي، فتجربة العراق اثبتت فشلها، كما ان الموقع الليبي لا يؤثر بشكل مباشر على امن واستقرار الولايات المتحدة وبالنسبة للبترول الليبي المستفيد الاكبر منه هي دول اوربا، كما ان الادارة الامريكية ستجد هجوما شديدا جراء تلك العملية، على الرغم من ان الولايات المتحدة هي الراعي الرسمي لمشروع الشرق الاوسط الجديد، لذا فهي تدفع حلف الناتو للحرب بالوكالة عنها وسيحقق الاهداف التي وضعتها، او التي ترغب في تحقيقها.
ان الوضع في ليبيا اصبح في غاية الخطورة والخيار العسكري لحلف الناتو معه سيتسبب بأزمة حقيقية لدول الجوار لليبيا، فمع الهجمات الضربات الجوية قد يؤدي الى هروب العناصر الارهابية عبر الحدود الى مصر او السودان او تونس مما يهدد بالتبعية الامن القومي لتلك الدول، وذلك في ظل المساحات الحدودية الشاسعة بين تلك الدول، وقد تدخل هي الاخرى في صراع مع تلك العناصر الهاربة.
ان تحقيق الاستقرار في ليبيا في الوقت الحالي لن يتم الا بالتدخل العسكري من اجل حسم الخلاف بين الاطراف المتصارعة مع تدمير القدرة العسكرية لجميع الاطراف، وللاسف الشديد ان الضرر سينصب فقط على المواطنين الذين يتضررون يوما بعد يوم مع انهيار الاقتصاد وغلاء المعيشة.
http://www.ahram.org.eg/News/51403/139/348714/قضايا-عسكرية/التدخل-الغربى-فى-ليبيا-ينذر-بتقسيمها.aspx