حلبجة هولوكوست الأكراد / علي الكاش

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,428
التفاعل
17,569 41 0
حلبجة هولوكوست الأكراد

علي الكاش

القسم الأول

توطئة وتنويه

لم يكن من باب الصدفة فتح شبابيك مدينة حلبجة ثانية لتهب نسائم الحقائق على مدينة الطلاسم والرموز التي كان لها دورها الكبير في فرض الحصار الجائر على العراق وانتهى باحتلال وتدمير وتخريب الدولة العراقية من خلال استخدامها كبوق لدق طبول الحرب، ولإبعاد الروائح النتنة المتراكمة بفعل طفيليات الانتهازية الكردية التي إلتفت على حقائق التأريخ، رغم علمي الأكيد بأن الكثيرين ممن ارتضوا لأنفسهم الرهان على الحصان الأمريكي الأعرج، سوف لا ترضيهم نتيجة هذا السباق،ولكن من اجل الحق والحقيقة فقط، سنفتح الموضوع ثانية برؤية جديدة وانفتاح عقلي،جاهدين بالابتعاد عن دغدغة مشاعر الأكراد القومية، والابتعاد عن أسلوب الأملاءات في مجال الرؤية والفهم، منطلقين من قاعدة محددة بأنه لا يسوغ لأحد احتكار الصواب من طرف ما، مهما كانت أهميته أو ظروفه الذاتية والموضوعي, ولا نبغي الإساءة إلى الشعب الكردي الأصيل فهو من المكونات الرئيسة للشعب لعراقي, وعندما نتحدث فإنما نقصد الحزبين الكرديين الرئيسين ومن يدور بفلكهما, وهما معروفان بعمالتهما منذ فجر تأسيسهما وقد أساءا للشعب الكردي إساءة لا تغتفر.


مفهوم الإبادة الجماعية
يعتبر (رافائيل لامكين) أول من أستخدم مصطلح (جينوسايد) للإشارة إلى تدمير العنصر البشري بشكل تام أو بشكل جزئي ولكن جماعي، وذلك لأسباب عنصرية ودينية أو استعمارية. وتبنت الأمم المتحدة عام 1948 اتفاقية منع الجريم ةوالإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وقد وقعت ألاتفاقية من قبل الدول الأطراف الذين تزايدوا سنوياً، و في شهر كانون الأول عام 1948 دخلت الاتفاقية حيز التطبيق عام 1951 ثم أنضم العراق إلى الاتفاقية عام 1959 ونصت الاتفاقية على الجرائم التي تندرج تحت تسمية الإبادة الجماعية ومنها قتل أفراد مجموعة أثنية محددة أو تشريدهم،والاستيلاء على ممتلكاتهم، والاعتداء عليهم جسدياً، أو إجبارهم على إتباع طريقة معيشية تؤدي إلى انقراضهم بشكل كلي أو جزئي، وفرض تدابير لمنع تناسلهم أو تكاثرهم،أو خطف أبنائهم بشكل جماعي لإذابة كيانهم الأثنى، كما جاء في المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين والتي عقدت سنة 1949 بمنع الهجمات العشوائية التي تنتهك حقوق المدنيين وتعرضهم إلى مخاطر جسدية أو في ممتلكاتهم، كما جاء نفس الشيء في الفقرة الأولى من المادة (57) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والمعقودة عام 1977 معتبراً الأعمال العدائية العسكرية انتهاكا خطيراً لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين. وعرفت جريمة الإبادة الجماعية بأنها " الأفعال التي ترتكب عن قصد لتدمير كل أو جزء من جماعة قومية أوأثنية أو عنصرية أو دينية" من خلال قتل أعضاء هذه الجماعات، أو إلحاق أذى جسدي أ وروحي خطير بأعضائها، أو إخضاعها عمداً لظروف معيشية يراد منها تدميرها كلياً أوجزئياً.

حلبجة والإبادة الجماعية
كانت حلبجة منذ التسعينيات من القرن الماضي القاسم المشترك عند مناقشة موضوع الإبادة الجماعية، ولا سيما في لجنة حقوق الإنسان، وكانت منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقب حقوق الإنسان الأمريكية والخاضعتان بشكل ملموس لا يحتاج إلى نباهة للإدارة الأمريكية وتتبنيان مزاعمها هما المنبران الرئيسيان لإثارة موضوع حلبجة في تقاريرهما الفصلية والسنوية، ووجهت الاتهامات حينها إلى الحكومة العراقية لأسباب سياسية واضحة تغذيها الأحزاب الكردية العراقية لتحقيق الهدف من هولوكوست حلبجة، أماالأمم المتحدة فقد أرسلت فرق لتقصي الحقائق حول الموضوع للعراق وإيران ولم تتمكن من أن تثبت الفاعل، وحتى في إشارة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في كلمة له في شهر سبتمبر عام 2003 ذكر موضوع حلبجة بتحفظ واضح "أنه لا يزال يتعين على الدول الأعضاءالدخول في حوار جاد حول أفضل السبل للرد على تهديدات الإبادة الجماعية أو انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى الخطيرة المشابهة – وهي مسألة سبق وأن أثرتها من فوق هذاالمنبر في عام 1999. وكانت استجابتنا الجماعية لهذا النوع من الأحداث – في جمهورية الكونغو الديمقراطية وفي ليبريا – مترددة وبطيئة مرة أخرى هذه السنة. ومع ذلك فالتهديدات الخطيرة مثل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، أمور حقيقية ولا يمكن تجاهلها، والإرهاب ليس مشكلة بالنسبة للبلدان الغنية فقط. وما عليكم إلا أن تسألواسكان بالي، أو بومباي أو نيروبي أو الدار البيضاء، وأسلحة الدمار الشامل لا تهدد فقط العالم الغربي أو الشمالي. بل اسألوا سكان إيران، أو سكان حلبجة في العراق،ويبدو أن اختلافنا هو حول كيفية مواجهة هذه التهديدات."

حلبجة الهولوكوست الكردي
"ليس بحلبجة وحدها يحيا الأكراد" أنه قول مأثور عن العراقيين الأكراد من أتباع حزبي الطالباني والبرزاني الذين كانوا مصدر إزعاج دائم لحكومات العراق المتتالية وبأنظمتها المتباينة وتياراتها السياسية المختلفة، وعامل زعزعة للأمن والاستقرار في شماله، ومسرح لمؤامرات مستمرة ضد سيادة العراق وحكوماته بالتعاون مع إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية،وسنحاول إلقاء الضوء قبل وبعد بيان الحادي عشر من آذار عام 1970، فقد أصدرت الحكومةالعراقية العديد من القرارات التي صبت في صالح الأكراد رغم تاريخهم التآمري على وحدة العراق وسيادته ومنها الاعتراف بوجودهم الشرعي، وعدد من القرارات الخاصة بالعفو عن المتمردين الذين حاربوا الدولة سواء كانوا من العسكريين أو المدنيين،وتأسيس جامعة السليمانية وكذلك المجمع العلمي الكردي، إضافة إلى إقرار الحقوق الثقافية واللغوية، حيث تنسب تدريس اللغة الكردية في المدارس والمعاهد والكليات في منطقة كردستان، إضافة إلى أعمام الكتب والمؤلفات في مختلف المجالات العلمية والأدبية باللغة الكردية وتأسيس إتحاد للأكراد واستحداث مديرية عامة للثقافة الكردية إضافة إلى إصدار صحف ومجلات أسبوعية وشهرية باللغة الكردية.
بعد ذلك تم إصدار ثلاثة قرارات أولهما القرار برقم (247) بتعديل الدستور المؤقت والذي أضاف فقرة جديدة إلى المادة الثامنة منه وأصبح " تتمتع المنطقة التي غالبيتها سكانها من الأكراد بالحكم الذاتي"، ثم تلاه قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان برقم (33) لسنة1974، وقانون المجلس التشريعي لمنطقة كردستان رقم (36) لسنة 1974 والحقيقية أنه باعتراف الأكراد أنفسهم لم تحظى الأقليات الكردية في كل مناطق العالم بمثل هذه الامتيازات سواء في إيران أو تركيا أو سوريا وغيرها، وكان بيان الحادي عشر من آذار خيمة وطنية رائدة في المنطقة، جعلت دول الجوار ممن فيها أقليات كردية تنظر بعين البغض والاستياء الى هذا القرار الذي سينعكس حلماً وردياً يراود مخيلة أكرادهم، ورغم الضغوط التي مورست على الحكومة العراقية لإجهاض المشروع الجديد، لكن الحكومة مضت في طريقها دون أن يوقفها أو يهبط من عزيمتها عائق. لم يكد الأكراد يغفون على هذا الحلم الجميل ويتمتعون بالاستقرار الذي افتقدوه ردحاً من الزمن بسبب المعارك المستمرة وحروبهم مع الجيش العراقي، حتى قام زعماء بعض الأحزاب الكردية بتحريض إيراني إسرائيلي على تحويل الحلم إلى كابوس مرعب، فقد تمردوا ثانية على الحكومة العراقية، وبدأت المعارك من جديد، وتمكن الجيش العراقي من إلحاق هزائم منكرة بالمتمردين الذين كانوا غالباً ما يلجئون إلى إيران عند اشتداد الخناق عليهم، وكانت اتفاقية الجزائر بمثابة الضربة القاضية لهم، وبدأت أعمال التمرد يخف وطيسها تارة ويحمى تارة أخرى حسب الموقف الداخلي والإقليمي، إلى أن شنت إيران حربها على العراق،حيث مارس الأكراد دوراً لعينا ضد أبناء جلدتهم بالوقوف مع العدو الإيراني ضد الجيش العراقي، ولم يقفوا موقف الحياد على اقل تقدير، وإنما قاموا بتشديد هجماتهم على القوات العراقية، فأشعلوا جبهة داخلية إضافة إلى الجبهة الخارجية، وكانت القرى الحدودية مع إيران تموج بالقوات الكردية المعادية للنظام والجواسيس الإيرانيين، وقد صدر قرار بعد أن يئست الحكومةالعراقية من استمالة أو تحييد الأكراد في تلك المناطق بالنزوح إلى عمق (15) كم عمقاً داخل الحدود العراقية بالنسبة للقرى الحدودية مع إيران فقط، وذلك بغية إبعاد المدنيين عن مناطق القتال من جهة، ولغرض تفويت الفرصة عن القوات الإيرانية للاستفادة منهم كورقة ضاغطة على القوات العراقية، ومن ثم تأمين المناطق الإدارية لوحدات الجيش الخلفية التي كانت قريبة من هذه القرى، وكذلك تفويت الفرصة من تسرب الإسرار العسكرية وحركات الجيش إلى الأكراد الموالين لإيران وأخيراً تحديد حركة الأكراد المتمردين الذين كانوا يتخذون من هذه القرى أوكارا لعملياتهم الموجهة ضد الجيش العراقي، وخاصة أن الإيرانيين تمكنوا من تدمير عدد من القطعات العسكرية العراقية من خلال ألاستفادة من الإحداثيات التي كان يقدمها ألأكراد إلى قوات المدفعية الإيرانية وبالرغم من النداءات المتكررة لسكان هذه القرى فأنهم كانوا يرفضون النزوح إلى التجمعات الحديثة التي هيأتها الحكومة العراقية لإسكانهم والتي سميت "القرى العصرية" أو "مدن النصر" بشكل مؤقت لحين انتهاء المعارك الحربية، وهذا أمر طبيعي فالكردي تعود على حياة الطبيعة وصعود الجبال ومن غير الطبيعي أن يحلوا له العيش بمثل هذه المجمعات رغم إنها توفر الأمان والسلامة من أتون الحرب,لكن كما يبدو أن تهديدات الأحزاب الكردية العميلة لسكان القرى هي السبب وراء عزوفهم من الرحيل عن قراهم فقد كانوا بين نارين والخيارات محدودة؟ وبعد يأس كبير ومتكرر ونتيجة لاشتداد المعارك في الجبهة الشمالية اضطرت الحكومة العراقية إلى إخلاء هذه القرى بالقوة، ومع هذا فقد كان البعض وخاصة الرجال يتسللون للعودة إليها ليلاً، وكانت مناطق حلبجة وطويلة وبيارة من المناطق المتاخمة في الحدود العراقية الإيرانية لمناطق نوسود وميروان غيرها وهي على شكل لسان ممتد في داخل الحدود الإيرانية، بل أن سكان القرى على الجانبين العراقي والإيراني بينهم أواصر قربى وتصاهر، جعلت من الصعب فصم عراها، وقد فتح هذا التدمير جراحاً عميقة لدى الأكراد وتم تسخيره لأغراض دعائية بتوجيه اللوم إلى الحكومة العراقية دون الإشارة إلى الأسباب الحقيقية والاضطرارية الكامنة وراء إتباعها هذا الأسلوب ألقسري، فالحالة حرب وللحرب ضرورات، وكانت على أشدها، والجيش العراقي يتحمل المزيد من الخسائر بسبب خيانة الأكراد وعملياتهم التي تصاعدت بشكل كبير، بحيث يذكر بعض الضباط أن الخسائر التي يتكبدها الجيش العراقي بسبب عمليات الأكراد تزيد أحيانا عن التي يتكبدها من العدو الإيراني، ولا سيما الألغام البشرية التي كانت تبتر أقدام جنود الربايا ( جمع ربية) وهي نقاط حماية للطرق الرئيسية علاوة على الألغام ضد الدبابات التي كانت تستهدف العجلات وناقلات العجلات، ويعلق ضباط بأن العسكريين والمحللين الاستراتجيين يدركون أهمية تأمين خطوط الإمداد للقطعات الأمامية، وكانت تلك الخطوط مهددة فعلياً من قبل الأكراد، ويتذكر البعض كيف قام الروس أبان الحرب العالمية الثانية بمنع الألمان من الاستفادة من المدن الروسية التي استولوا عليها من خلال أتباع سياسة الأرض المحروق ةوالتي تقبلها الشعب الروسي بسعة صدر لأنها تخدم جيشهم وتحرم العدو الألماني من الاستفادة منها،فالحرب حرب ومستلزمات النصر عديدة والعبرة في من يقطف ثمار النصر، وفي الوقت الذي روج فيها الأكراد أسطورة أن عدد النازحين حوالي (750) ألف نسمة كمرحلة أولى وتضاعفت لاحقاً فإن حلفائهم الأمريكان بالغوا به ما بين (1- 1،5) مليون كردي وهي نسبة تبدو طريفة فما هو عددالأكراد أصلا ؟ ليبلغ النازحون إلى مدن النصر مليون ونصف، وكيف تمكنت الحكومةالعراقية أن تنجز مجمعات سكنية خلال فترة لا تزيد عن شهر لإيواء هذا العدد في الوقت الذي عجزت فيه عن بناء مجمعات لإسكان عشر هذا العدد في محافظات العراق كافة، ولاسيما أن هذه المدن كانت مبنية بشكل هندسي منتظم ومواد بناء جيدة النوعية وروعيت فيها خدمات الماء والكهرباء وغيرها؟

كانت سماء شهر شباط من عام 1988 ملبدة بغيوم سوداء، ولم تكن هناك تحركات أو بوادر تبعث على القلق فالجبهة هادئة في منطقة حلبجة, وكانت حركة العجلات التي يستدل منه عن نوايا العدو طبيعية، مما يعني في المفهوم العسكري هدوءًا نسبياً، لذا كانت أوامر الجيش عادية لا تتجاوز اليقظة والحذر والحراسات اليومية، ولم يكن يدور بخلد القادة الميدانيين أن الأكراد يتعاونون مع القوات الإيرانية لفرض الطوق على حلبجة ومحاصرة القوات العراقية بداخلها ومن ثم الانطلاق إلى مدن قره هنجير وعربت وسيد صادق وبيارة لقطع إمدادات الجيش العراقي وعزل القطعات عن بعضها،وكانت خطة ذكية باستخدام أدلاء للقطعات الإيرانية من الأكراد الذين يعرفون الطرق والمسالك الوعرة بين الجبال والأودية معرفة تامة، وكان الصباح على عكس الليل فقد أدرك القادة الميدانيون خطة الالتفاف الإيرانية، وشنت هجمات عراقية مقابلة لفك الطوق، وساهم الطيران العراقي مساهمة فاعلة في تفويت الفرصة على الإيرانيين،وتشرذموا في الوديان يتبعهم الخونة من الأكراد المتعاونين معهم، ويذكر الأكراد بأنه ليلة 22/2/1988 وقعت عدد من القذائف في وادي جفاتي حيث مقر المتمردين الأكراد، وكان امرأ عادياً ومألوفاً عندهم، ولكن مع بزوغ الشمس وجد بعضهم صعوبة في الرؤيا وبثور وتقرحات في وجوههم وأجسادهم مع سعال شديد وحالات من الغثيان والتقيؤ وغيرها من الأعراض، وتشير رواية كردية أخرى تتناقض مع هذه بأنه في الساعة الحادية عشر وسبع وعشرين دقيقة من صباح يوم 16/3/1988 حلقت الطائرات فوق مدينة (حلبجة الكردية) على الحدود العراقية الإيرانية وأمطرتها بأكثر من (500) طن من الغازات الكيماوية كالسارين والخردل وغازالأعصاب، وأدى ذلك إلى قتل أكثر من (5) آلاف شخص وإصابة أكثر من (10)آلاف آخرين، وأشارت البيانات العراقية والإيرانية إلى إصابات كثيرة بين صفوف قوات الطرفين، وتم إخلائهم إلى الوحدات الطبية القريبة، وأعلنت مصادر إخبارية بان حوالي (5000) كردي قتلوا نتيجة هذه الضربات الكيماوية، وتعويق حوالي (10000) إلف شخص آخر معظمهم منالنساء والأطفال والشيوخ، وأشارت مصادر الكردية بأن الجيش العراقي استخدم الأسلحة الكيماوية بدءاً للفترة من 15/4/1987 ولغاية 9/9/1988 وكانت حلبجة آخر ضرب ةكيماوية وجهها النظام إلى الأكراد على حد زعمهم، وهو تأريخ غير منطقي لأن الحرب انتهت أوزارها في8/8/1988 وخرج العراق منتصراً منها.

ووجهت الصحف الأمريكية منذ عام 1991 الاتهامات إلى العراق باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في الوقت الذي لاذت بالصمت قبلها دون أن تحمل أي من الطرفين العراقي والإيراني مسؤولية ما حدث، وتشير الصحف ومنها نيويورك تايمز إلى أن التهم التي وجهت للنظام العراقي بشأن الإبادة الجماعية واستخدام الأسلحة الكيماوية في حلبجة عام 1988 قد توفرت الأدلة بشأنها، حيث تم جمع نماذج من التراب عام 1992 قرب الحفر التي أحدثها سقوط قنبلتين في قرية بيرجني الكردية من قبل فريق "منظمة مراقب الشرق الأوسط" وهي المعروفة بتوجهها الأمريكي الصريح والمكشوف، وتشير التحاليل التيأجريت على التربة بمختبر بورتون نيفل في انكلترا، بأنه وجد آثار تشير إلى استخدام غاز الخردل وأخرى غاز السارين، وفي اتهام غريب بلا إثباتات أشارت الصحيفة انه مما لا يقبل الشك أن صدام أقترف هذه الجريمة، وهو لغز لأنه لا احد ينكر أن مدينة حلبجة تعرضت فعلاً إلى ضربة كيماوية، لكن من الذي ضربها العراق أم إيران ؟ هذا هو الأمرالذي يجب معرفته وتحديده ببراهين ثابتة وليس بأقوال واتهامات ذات مغزى وإيماءات واضحة؟

ويدعي الأكراد أنهم تمكنوا من الحصول بعد أحداث آذار عام 1991 على (18) طناً من وثائق المخابرات والتي تتضمن معلومات مباشرة عن استخدام الأسلحة الكيماوية في حلبجة إضافة إلى أشرطة صوتية ومرئية، والغريب إنها لم تعرض على الأمم المتحدة ووكالاتها أو المنظمات الإنسانية لتفكيك ألغاز المسؤولية عن أحداث حلبجة لغرض فك التشابك و منع خلط الأوراق، كما سيتضح لاحقاً.

يتبع
 
حلبجة هولوكوست الأكراد

علي الكاش

القسم الثاني والأخير


التهويل الإعلامي لموضوع حلبجة
كانت حلبجة محوراً مهماً للأعلام الغربي بعد أزمة احتلال الكويت فقد تم توظيف موضوع حلبجة لخدمة موضوع الكويت لأغراض سياسية واضحة، لا تحتاج إلى الكثير من الفطنة والذكاء، ففي الوقت الذي صمت الأعلام الغربي عن الأحداث لمدة أقل من ثلاثة سنوات، ثارت الضجة بعد أزمة الكويت، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل إضافة إلى إيران يشكلون رأسمال هذه الحملة الإعلامية.

فإيران لا تزال تحلم بإلصاق التهمة بالعراق وإبعاد شبح الكيماوي عنها ولا سيما أن لها مشروعها العلمي الذي يصب في تطوير أسلحة الدمار الشامل،إضافة إلى أن إلباس النظام العراقي الجلباب الكيماوي سيحررها من الاتهامات المزدوجة التي كيلت للحكومتين، كما أن الوقت مناسب للثأر من الحكومة العراقية التي أذاقتها طعم السمّ الزعاف خلال سنوات الحرب ألثمان، وأزفت ساعة التخلص من هذا النظام المعادي لها أو على الأقل إضعافه بحيث لا تقوم له قائمة بعد الحرب القادمة مما يؤمن لها الهيمنة في المنطقة فليس لها منافس سوى العراق، وكانت الدبلوماسية المعممة موفقة في خطتها التآمرية على العراق، ففي مجال الأعلام نجد من الضروري الاطلاع على بعض ماأوردته هذه الماكنة حول حلبجة لمعرفة أين تصب ومن تخدم؟، فقد ورد عن مراسل صحيفة الأوبزيرفر البريطانية "أن جلاوزة النظام العراقي أسروا احد الثوار، ولإشاعة الرعب في نفوس السكان قاموا بربطه إلى سيخ وشيه حياً على النار" ومن تسمية الجيش العراقي( جلاوزة النظام) والمتمردين( الثوار) تظهر ملامح تزييف الحقائق, من الطبيعي إن الكلام لا يرقى مطلقاً إلى الصحة فالجيش العراقي لم يعرف طوال تأريخه المجيد مثل هذه الأفعال المشينة وحاشا له أن يتبع مثل هذه الأساليب الهمجية مع أبناء شعبه! وأشارت تقارير السفارة الأمريكية في بغداد في برقية لحكومتها في 19/4/1988 بأن مدن النصر ضمت (1،5) مليون كردي، رغم أن هذا العدد مبالغ به كما سيتضح لاحقاً، كما أنتج روزبياني فليماً عن حلبجة سماه "جيان" عرض في مهرجان لندن السينمائي ولم يحظى الفيلم بشهرة كبيرة لضعفه من كافة النواحي الفنية من إخراج وقصة ومونتاج، و ضعف أداء الممثلين والتسرع في أنتاجه، فقد أنتج خلال ( 28) يوماً فقط في هوليود، وبالرغم من أنه عرض في (20) مهرجاناً دولياً بدعم أمريكي بريطاني إسرائيلي مشترك لتشويه صورة النظام العراقي السابق، كما قد وظف غورين روبرتس منتج الأفلام الوثائقية العديدة عن حلبجة كل إمكانياته لدعم عملية تحميل الحكومة العراقية مسؤولية إحداث حلبجة. وقامت (13) منظمة كردية بعقد مؤتمر في لندن، وابتدأ المؤتمر بإلقاء كلمات وخطب مع عرض موسيقي للفنانة هزار الزهاوي بهذه المناسبة وقصائد للشاعرة بهية الجاف، وشددت هيلين بامبر صاحبة مؤسسة (ميدكل فاونديشن) على الاهتمام بضحايا حلبجة، أما البروفيسور دولار علاء والباحث الكردي شورش حاجي فقد تحدثا عن حلبجة عارضين صور وسلايدات كان عرضها يكرر في كل مناسبة، ومن الفعاليات ذات العلاقة المهرجان الذي أقيم في كلية الدراسات الشرقية والآسيوية في جامعة لندن بمناسبة الذكرى (17) لواقعة حلبجة والذي شارك فيه بيرفتن دوسكي والبروفيسور كيفين بويل عضو مركز حقوق الإنسان والباحث الكردي شورش حاجي والبروفيسور دلاور علاء وصلاح الشيخلي وهيرو خوشناو من الاتحاد العلمي والطبي الكردي وعدد من الفنانين.

ولم يقف الأمرعند هذا الحد، بل أن الأعلام البريطاني خرج مؤخراً ليحدثنا عن ارتفاع نسب الموت في المدينة الناجم عن ارتفاع نسبة سمية لدغات الحشرات والزواحف بسبب تغذيها على رواسب الغازات القاتلة والكامنة في الأرض المنكوبة على حد زعمهم. ونشرت صحيفة ( جيروزاليم بوست) الإسرائيلية تناغماً مع الحملة الدعائية خبر اكتشاف مصنع للأسلحة الكيماوية جنوب العراق، وأن تحقيقات تجري بشأنه ولم تكشف الصحيفة عن نوع الأسلحة الكيماوية المنتجة ولم تحدد مكان المصنع بشكل محدد, وفي لاهاي بدأت محاكمة (فرانس فان ارات) تاجر المواد الكيماوية المتهم بالتواطؤ مع الحكومة العراقي في عمليات إبادة لأنه سلمها مواد كيماوية استخدمت في حلبجة.
وكان آخر فصل في المسرحية الإعلامية اختيار القاضي رؤوف عبد الرحمن وهو من مواطني حلبجة ليكون القاضي الذي يحاكم الرئيس صدام حسين، وقد أثارت هيئة الدفاع الشكوك حول نزاهة المحاكمة، ولكن الدعاية الكردية لم تكن مكرسة لإثارة تعصب القاضي ضد الرئيس صدام فحسب وإنما لتسليط الضوء المستمر على أحداث حلبجة، ونجح الأمر حيث تتناقل وسائل الأعلام خبر كون القاضي من مدينة حلبجة " التي أمطرها الرئيس صدام بالقنابل الكيماوية وقتل فيها خمسة آلاف كردي و من أساليب الدعاية الأخرى جعل مجلس النواب الأخير يعقد أول جلساته بنفس اليوم الذي تعرضت فيه حلبجة للضربة الكيماوية، ووقف النواب الجدد دقيقة صمت على أرواح ضحايا حلبجة، كما فرض الأكراد في ديباجة الدستور العراقي العبارة التالية".. ومستوحين ظُلامةَ استباحة المدن المقدسة والجنوب في الانتفاضة الشعبانية ومكتوين بلظى خرافة المقابر الجماعية الاهوار والدجيل وغيرها، ومستنطقين عذابات القمع القومي في مجازر حلبجة مجازر برزانَ والأنفال والأكراد الفيليين، ومستلهمين مآسي التركمان في بشير، وكما في بقية مناطق العراق فقد عانى أهالي المنطقة الغربية من تصفية قيادتها ورموزها وشيوخها وتشريد كفاءاتها وتجفيف منابعها الفكرية والثقافية، فسعينا يداً بيد، وكتفاً بكتف، لنصنع عراقنا الجديد، عراق المستقبل، من دون نعرة طائفية، ولانزعة عنصرية ولا عقدة مناطق ولا تمييز، ولا إقصاء."
وبالطبع روج الأعلام الأمريكي لرواية قيام الجيش العراقي بقصف حلبجة متخذا منها ذريعة لإضفاء الشرعية والجانب الأخلاقي في الحرب التي شنها عام 1991 وفي تقرير نشر في صحيفة نيويورك تايمز عام 2003 ذكر ستيفن بليتيري نقلاً عن تحقيقات أجرتها وكالة المخابراتا لمركزية بأن مسألة حلبجة لم تكن جريمة حرب وإنما عمل حربي، ولكونه محلل مخابراتي وترأس لجنة حول هذا الموضوع بأن إيران أيضاً تقف وراء ضرب حلبجة بالأسلحة الكيماوية كما سنفصله لاحقا. لقد كان للأعلام الخارجي دوراً بارزاً في ترويج محرقة حلبجة،كما قام الأعلام العراقي بعد الغزو الأمريكي بالسير في نفس الطريق.

الابتزازالكردي لموضوع حلبجة
كان الابتزاز الكردي غير المعقول لقضية حلبجة مثاراًلامتعاض الكثير من الأكراد وخاصة سكان حلبجة نفسها، فقد أعلنت الحكومة الكردية لإدارة السليمانية التي يحكمها حزب جلال الطالباني الاتحاد الوطني الكردستاني عن توقيف عدد من المشتبه بهم في الضلوع بإحراق النصب التذكاري لضحايا حلبجة، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن شهود عيان أن المتظاهرين طالبوا بإعادة الأوضاع الطبيعية إلى حلبجة، كما أشار بعضهم إلى أن إحراق النصب يرجع إلى عدة عوامل منها:-
الابتزاز غير الطبيعي لحادثة مدينتهم من قبل الحزبيين الكرديين الرئيسيين، رغم أن المدينة لم تشهد عمرانا منذ أن ضربت بالأسلحة الكيماوية باستثناء النصب التذكاري.
إن سكان حلبجة لم يحظوا بشيء من مئات الملايين من الدولارات التي أغدقها الأمريكان والأوربيون على الأكراد كمساعدات لضحايا حلبجة, فهم لم يحصلوا سوى على فقاعات هواء سرعان ما تبخرت ونزلت على شكل أمطار في جيوب الحزبيين الكرديين، ويتساءل عدد من الأكراد بمرارة :" لماذا يجعلون من المدينة تجارة يستفيد منها الساسة فقط ويحرمون أهلها من الفائدة " ؟
تعاني حلبجة كما يشير الكثير من العلماء والمختصين من تلوث في الماء والهواء والتربة، وان الحكومة الكردية لم تسعى لطلب مساعدات دولية لتنقية البيئة، وإنما أنصبت جهودها للحصول على دعم مالي فقط.
تحتاج المدينة إلى الكثير من الاهتمامات الطبية بسبب وجود العديد من المعوقين بسبب تعرضها لضربة كيماوية، إضافة إلى مشاكل عديدة في الولادات الجديدة، ولم يحظى هذاالوضع باهتمام القيادات الكردية.
في الذكرى السنوية الثامنة عشر على ضرب حلبجة قام (7000) من المتظاهرين الأكراد في حلبجة بحرق "نصب الشهيد" والمتحف الملحق به بعد أن نهبوه ومنعوا المسئولين من التقرب من النصب بعد أغلقوا المنافذ المؤدية إليه بالصخور والإطارات المحروقة، أثر قيام قوات البيشمركة بقتل شخص وجرح (11) آخرين بالعيارات النارية، وأكد العديد من المتظاهرين بأن حرق النصب جاء كردّ فعل للمتظاهرين بسبب أطلاق البيشمركة النار عليهم لغرض تفريقهم، مما أثار استفزازهم واستيائهم وخرج عدنان المفتي رئيس المجلس الوطني الكردستاني بفتوى غريبة بأن قانون العقوبات العراقي يعاقب بالإعدام المسئولين عن حرق النصب؟ وبرر عدم الاهتمام بالمدينة بلغز محير عندما ذكر بأن حلبجة لم تكن قبل عام 2003 تحت سلطةإ دارة كردستان لذا لم تتمكن الإدارة الكردية من متابعة أوضاعها ؟ ولم يفتنا المفتي لأي سلطان كانت خاضعة حلبجة؟
من المعروف انه في مدينة حلبجة وقرب النصب التذكاري توجد لافتة كتب عليها "يمنع دخول البعثيين"ً وقد قام المتظاهرون بوضع لافتة مقابلة لها كتب عليها "بمناسبة ذكرى حلبجة نمنع المسئولين من دخولها"، فتساوى المسئولين الأكراد مع البعثيين بمنعهم من دخول المدينة، كما كتبوا يافطات أخرى جاء فيها "المسئولون الحكوميون متورطون في الفساد الإداري".
أدعى عدد من المسئولين ألأكراد وجود أيادي خارجية خفية وراء ما حصل في أشارة واضحة إلى تركيا وإيران، وصرح البعض بأن حلبجة تمثل مركز ثقل للحركات الأصولية المتطرفة التي تلقى دعماً من إيران، ويعتقد البعض الآخر أن تدمير النصب جاء كردّ فعل أيراني ضد الطالباني الذي عارض ترشيح الجعفري الموالي لإيران في تجديد رئاسته للحكومة.

طالب المسؤولون الأكراد الحكومة العراقية المؤقتة التي يمثلونها بنسبة كبيرة الاعتذار العلني للأكراد وتعويض سكان حلبجة عما لحق بهم من دمار، ونقل عن رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني أن الحكومة العراقية مطالبة بتقديم ألاعتذار وتعويض الأكراد ماديا بسبب العمليات العسكرية التي شنها الجيش العراقي السابق ضدهم في الثمانينيات والتسعينيات، ويبدو أن المسئول الكردي تناسى أن يقدم الأكراد الاعتذار للعراقيين جميعاً عن المواقف التآمرية التي اتخذها الحزبين الكرديين الرئيسيين منذ الستينيات ولحد الوقت الحاضر ضد الشعب العراقي، وتكبيد الجيش العراقي عشرات الآلاف من الضحايا والمعوقين بسبب الألغام التي كانت تستهدف الجنود، وتعويض العراقيين عن الخسائر المادية التي تكبدوها منذ أربعين عام ونيف بسبب حروب الجيب العميل، وتأخيرهم لتنمية العراق وتطوره ونهضته واستقراره وأمنه, ويعتذروا عن التآمر مع الإيرانيين والإسرائيليين والأمريكان ضد أبناء جلدتهم والتفنن في المؤامرات ضد الحكومات المركزية المتعاقبة، إضافة إلى نهب المؤسسات الحكومية أبان عاصفة الصحراء والاستفراد بممتلكات العراق منذ قدوم قوات الاحتلال، حيث تم تفكيك العديد من المصانع الحكومية ونقلت الأسلحة الثقيلة وممتلكات الدولة العراقية إلى إقليم كردستان سواء تلك التي كانت في الوسط أو الموصل وكركوك، وبدهشة بليدة يستغرب بارزاني من عدم تجاوب الحكومة العراقية مع مطلبهم بتخصيص 25% من ميزانية البلاد إلى إقليم كردستان؟

الدور الإيراني في حلبجة
هناك توقيت غريب يردّ في روايات الأكراد الشهود على أحداث حلبجة، وهي أن إيران حققت سبقاً صحفياً بسرعة إرسال عدد من الصحفيين مزودين بأحدث آلات التصوير لتوثيق هذه الجريمة، في الوقت الذي لم تشر أي من وكالات العالم إلى الضربة الكيماوية بعد وحتى الأقمار التجسسية لم تلتقطها آنذاك؟ ففي مقال للكاتب الكندي (دون سيلار) نشر في 1/3/2003 أشار إلى ضعف التقارير عن أحداث حلبجة وأن مصدرها كان وكالة رويترز للأنباء من مقرها في قبرص التي ذكرت أن الأكراد يقاتلون الجيش العراقي إلى جنب القوات الإيرانية وتمكنوا من احتلال حلبجة, ويتهم الإيرانيون الجيش العراقي باستخدام أسلحة كيماوية ضد الأكراد ويستطرد" بثت الوكالة خبرا عن مقتل(5000) كردي بالأسلحة الكيماوية عبر قنابل ألقتها طائرات عراقية مقاتلة, وعرض الإيرانيون صورا للضحايا, كما علق طبيب إيراني بأنه تم استخدام غاز الخردل" ثم تناولت رويترز خبر إرسال الأمم المتحدة خبيرين إلى المنطقة ولم يتمكنا من تحديد الجهة التي استخدمت السلاح الكيماوي أو كيف استخدم! وبالرغم من إرسالها مرة أخرى فريق للمنطقة برئاسة الكولونيل( مانوئيل ديمننغويز) فأنها لم تتمكن من تحديد أي من الجهتين المسئولة! رغم أنها وثقت بان الجانبين أستعمل الغازات السامة ضد قوات الآخر.

ومن المعروف أن إيران كانت تقوم أيضاً بتطوير الأسلحة الكيماوية شأنها شأن العراق، وقد أشار إلى هذه الحقيقية وكيل وزارةالخارجية العراقي رياض القيسي في جلسة غير رسمية لمجلس الأمن، مما جعل السفير الإيراني (محمد حسن فادايفارد) يمتعض ويذكر أن الأدلة التي كشفت عنها الأمم المتحدة في التسعينيات تشير إلى حجم البرنامج العراقي للأسلحة غير التقليدية، ولكنه لم يتمكن من اتهام العراق باستخدامها في حلبجة، ومن المؤسف أن يشكو وزيرالخارجية العراقية هوشيار زيباري لنظيره الإيراني منوشهر متقي من معاناة الشعب العراقي المستمرة من قبل النظام السابق بسبب تطويره أسلحة الدمارالشامل، والتي أستخدمها ضد القوات الإيرانية في الحرب وضد الشعب العراقي في حلبجة والاهوار!! فقد أثبت هوشيار بحماقة ما لم تثبته الفرق العلمية المتخصصة، ولم يكتف بذلك وإنما أضاف منطقة الاهوار إلى جانب حلبجة؟ ولضلوع إيران في الموضوع ذكر الصحفي البريطاني ريتشارد بيستون وهو يعمل في صحيفة التايمز البريطانية خلال تغطيته لأحداث حلبجة واقعة فريدة حول استغلال إيران للحدث" عندما استخدم الرئيس العراقي السابق صدام حسين أسلحة كيماوية ضد سكان حلبجة الكردية، كان ذلك أهم خبر استطعت تغطيته، فلم يكن الغرب يعرف خفايا نظام صدام بعد، وكنت ضمن مجموعة من 3 صحافيين بريطانيين في زيارة إلى طهران لتغطية الحرب العراقية ـ الإيرانية، فقد دعت القوة الجوية الإيرانيةالصحفيين إلى زيارة جبهة الحرب، ونقلتنا طائرة عسكرية إيرانية داخل الأراضي العراقية لقرية من دون سابق إنذار. لم اعلم إننا كنا سندخل الأراضي العراقية ولا رؤية الدمار هناك" ؟ كما أعترف مؤخراً ضابط الموساد الإسرائيلي اليعازر تسافير في حديثه إلى (فريميه نوفوستيه) الذي نشر مؤخراً بأن "الموساد كان ينسق نشاطه في شمال العراق مع الأجهزة الإيرانية ومع الاستخبارات المركزية الأميركية, و قدمت الاستخبارات المركزية الأميركية منذ عقود سابقة دعما كبيرا لكردستان."

في حديثه عن الأسلحة الكيماوية يطالعنا العالم العراقي حسين الشهرستاني – وهو إيراني الجنسية - و كان له دورا في تصنيع هذه الأسلحة بفرية غريبة تدخل في باب عهد الولاء إلى إيران بلده الأم، حيث يؤكد بأن"النظام العراقي أستخدم الأسلحة الكيماوية ضد الإيرانيين المدنيين والعسكريين في الحرب العراقية الإيرانية! وهذا الأمر يدخل في باب الغرابة لأن إيران نفسها لم تعلن عن إصابات بين المدنيين" ويستمر الشهرستاني في أكذوبته فيدعي أن النظام العراقي أستخدمها عام 1984 وليس كما أدعت إيران عام 1988 ويردد الشهرستاني مقوله أسياده الملالي بأن العراق استخدم الخردل والسارين والتابون، ويأتي بخبر جديد يعبر عن ولائه الكبير لإيران مدعياً أن الإيرانيين قدمواالمساعدات من خلال قواتهم في حلبجة لإنقاذ عدد كبير من الأكراد الذين تم أخلائهم إلى إيران، ولم يكتف بذلك وإنما أضاف فرية تتناقض مع فروضه العلمية بأن النظام العراقي أستخدم أسلحة كيماوية في ضرب مدينة كربلاء في أحداث عام 1991 وهذه قنبلة لم يفجرها أحدا قبله ولم تتناولها وسائل الأعلام كافة. في حين ينفي العالم ضياء جعفر هذه الافتراءات, فعندما سئل فيما إّذا جرى تحفيز العلماء لصنع أسلحة فتاكة ضد إيران أجاب"لا، أبدا! لم تكن إيران مستهدفة بهذا النوع من السلاح. لقد ابلغنا الرئيس صدام حسين إن هذاالسلاح له هدفان: أولا، مواجهة التحدي الإسرائيلي في المنطقة لأنه كان معلوماً أن الإسرائيليين يمتلكون السلاح النووي، فهو إذا لموازنة التفوق العسكري الإسرائيلي في الجانب النووي. وثانياً صار واضحاً انه لا يمكن المضي في العراق في أي برنامج نووي سلمي.." وفي سؤال آخر عن معرفة العلماء باستخدام الجيش العراقي الأسلحة الكيماوية في حلبجة أجاب"نحن لم نكن على اطلاع, غير إني استشهد بمقال نشر في 31 كانون الثاني 2003 في صحيفة النيويورك تايمس" ويقول فيه ستيفن بليتيري، المسؤول عن مكتب العراق لدى وكالة الاستخبارات المركزيةالأميركية (سي آي أي) أن حلبجة لم تكن مستهدفة بالأسلحة الكيماوية العراقية، بل كانت هناك معارك حول حلبجة استخدمت فيها الأسلحة الكيماوية من الطرفين العراقي والإيراني. ويقول أيضا انه جرى تحليل أسباب وفاة بعض الأشخاص الذين قتلوا بالأسلحةالكيميائية، وتبين أن الوفيات سببها استخدام ما سمي عوامل الدم التي تعتمد على عنصرالسيانيد الذي لم يكن موجودا لدى العراق. كان لدى العراق عوامل أعصاب وغاز الأعصاب وغاز (vx) بكميات قليلة. إذا كان هذا صحيحا، فإنه يعني أن حلجبة لم تكن مستهدفة أصلا من الطرفين العراقي والإيراني، إنما في هذه الحروب يتأثر المدنيون، لان هذه الأسلحة تعتمد على اتجاه الريح وعلى كثير من العوامل" وهذا يعني أن العلماء ليس لهم علم بهذا الموضوع كما أدعى الشهرستاني ولم يطلب منهم تطوير أسلحة كيماوية وحتى ان طلب فالغرض مواجهة إسرائيل وليس إيران!

ولنطلع إلى ما نشرته صحيفة النيويورك تايمز في عددها الصادر بتأريخ31/1/2003تقريراً مهماً وضعه المحلل الإستراتيجي ستيفن بليتيري عن موضوع قصف حلبجة، وأشار بأنه أطلع على تقارير من وكالة المخابرات المركزية تشير إلى أن الإيرانيين هم الذين قتلوا أهالي حلبجة، ويجزم بأن كافة التحقيقات والتقارير السرية تشير إلى أن كلا الجانبين العراقي والإيراني أطلقا غازات سامة ضمن سياق المعركة في مدينة حلبجة، مؤكداً بأن الأعراض التي ظهرت على سكان المذبحة البشرية المروعة ناتجة عن الإصابة بغاز هيدروجين السيانيد الذي عرفت به ترسانة الأسلحة الإيرانية في ذلك الوقت، وليست ناجمة عن الإصابة بغاز الخردل كما أشيع الذي كان العراق ينتجه كسلاح كيماوي؟

في آذار هذا العام صرح خليل الدليمي، محامي الرئيس صدام حسين بأنه يمتلك وثائق تدل "وتؤكد بشكل قاطع على أن الذي ضرب حلبجة هو الجيش الإيراني وبغاز السيانيد الذي لا تملكه أي دولة بالشرق الأوسط" سوى إيران. وأضاف بأن "المخابرات الأمريكية أرسلت فريقا بقيادة أحد الجنرالات- ولا أريد أن أذكر اسمه- وهذا الجنرال كان مسئولا على منطقة الشرق الأوسط وإيران وقام بأخذ عينات من التربة والمزروعات والمصابين وقام بتحليلها وتبين له أن غاز السيانيد هو الذي أستخدم في ضرب حلبجة، وأن العراق لا يمتلك هذه المادة! كما جاء في تقارير المفتشين، ويضيف الدليمي بأن "هذه الوثائق هي ملك هيئة الدفاع وهي وثائق قانونية" وستعرض في المحكمة، ويؤكد الدليمي بأن الحكومة الإيرانية" التقت بالمحامي حاتم شاهين وبعض محامي الرئيس صدام في باريس وعرضت عليهم (100)مليون دولار مقابل عدم الإشارة إلى هذا الموضوع وإلقاء المسؤولية على منظمة مجاهدي خلق ".
ولابد أن نستذكر الدور الإسرائيلي المعاضد لإيران والأكراد, فقد جاء في تقرير لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية بان الكيان الصهيوني قد زود النظام الإيراني بكافة احتياجاته لتطوير سلاحه الكيماوي, ومن النوع الذي أستخدم في حلبجة لقتل الأكراد(السيانيد).

لعبة الأرقام في الهولوكوست الكردي واليهودي
كما تلاعب الكيان الصهيوني بأرقام ضحاياه في المحرقة اتبع الأكراد نفس الأسلوب مستفيدين من التجربة اليهودية وربما بنصيحة منهم. فالتهويل والمبالغة بلغت إلى حد يثير السخرية والاشمئزاز سواء كانت تلك الإحصائيات صادرة من الدوائر الأمريكية أو الإيرانية أو الجهات الأخرى المعادية للعراق بما فيها الحزبين الكرديين الرئيسيين. ويمكن أن نوجز البعض منها لنستشف حجم التلاعب. كان أول من أعلن نتائج الضربة هي الحكومة الإيرانية حيث أدعت أن عدد القتلى(4000) شخص, من ثم بعد أيام ذكرت راديو صوت طهران إن عدد القتلى(5000) والجرحى(4000) شخص, في حين ذكر مندوب إيران في الأمم المتحدة محمد محلتي بان الطائرات الحربية العراقية ألقت قنابل غاز الخردل والسيانيد على المدن الكردية فقتلت(5000) وأصيب بقدرهم أيضا! بمعنى أضاف(1000) ضحية إلى المصابين. أما وزير الخارجية الإيراني ولايتي فأنه أدعى بأن القتلى(5000) كردي إضافة إلى(7000) جريح وأن 75% هم من النساء والأطفال.
منظمة( مراقب حقوق الإنسان) وهي أداة فاعلية بيد وكالة المخابرات المركزية, وتدعي أنها درست وحللت ما يقارب(18) طن من الوثائق والتقت بمئات الشهود طوال ثلاث سنوات من الجهد المستمر ونتج عنها أن العراق هو من ضرب حلبجة وأن عدد القتلى يتراوح ما بين(50000-100000) قتيل ولإثارة العطف الدولي كما أتبع في المحرقة اليهودية أضافت معظمهم من النساء والأطفال! ولكن أين الرجال والشباب ولماذا لم يكونوا بين القتلى؟ هل هربوا إلى إيران أم كانوا يقاتلون معها ضد الجيش العراقي؟ أما أستاذة علم الوراثة في جامعة ليفربول البريطانية( كريستين جوسدن) فأنها وفقا لأمانتها العلمية كما يفترض كأستاذة جامعية رفعت سقف الضحايا إلى(200000) ولم تنسى أن تحمل الحكومة العراقية المسئولية فحسب وإنما أضافت تهمة ثانية بأنها أي الحكومة العراقية استخدمت أيضا أسلحة بيولوجية وإشعاعية إضافة إلى الأسلحة الكيماوية! أما المصادر الإيرانية وهي التي أعلنت خبر الضربة الكيماوية فقد قدرت القتلى بحوالي(5000) شخص, أما رئيس الوزراء البريطاني فقد ادعى أن عددهم (100) ألف كردي، في حين تشير إحصائيات منظمة العفو الدولية إلى ما يقارب (5) آلاف كردي وإصابة (9) آلاف آخرين، ويطالعنا مسعود البرزاني متحفظاً على البيان الختامي للاجتماع التحضيري لمؤتمر الوفاق العربي بأن صدام أودى بحياة (182) ألف كردي إلى مصير مجهول، أما وزارة البيئة العراقية فأنها تتفق بأن عدد القتلى كان بحدود(5)آلاف كردي لكن عدد الجرحى (10) آلاف فقط ، أما محمد أبو زيد فأنه يقدر الخسائرالمادية بتدمير 4000 قرية و30 ناحية و 134675 مبنى إضافة إلى البنية التحتية منمدارس ومستشفيات ومساجد ومصانع. وأن المدينة ضربت بحوالي 100 طن من الموادالكيماوية، مما أسفر عن مقتل( 5000) مواطن وإصابة أكثر من (10000) آخرين. ومن الأمور التي تكشف زيف منظمات حقوق الأنسان ما أصدرته منظمة مراقب حقوق الأنسان نفسها في شهر تشرين الثاني عام 2004 فقد كذبت بياناتها السابقة بوجود مقابر جماعية تضم رفات(100000) جثة, وان القوات الأمريكية فشلت في العثور على تلك المقابر المزعومة سواء في شمال العراق أو جنوبه بعد(20) شهرا من البحث المتواصل. ويسخر ( ستيفن بلتير)المحلل السياسي لوكالة المخابرات المركزية من هذه الأرقام المهولة بقوله" حسنا إذا كان قد قتل مائة ألف كردي فعلا فأي هي جثثهم"؟ بعد نبش ثلاث مقابر لم تتمكن منظمة مراقب حقوق الإنسان سوى أن تثبت إخراج(26) جثة فقط ويبقى في ذمتها(99974) جثة حسب ما أدعت! كما أن إدعاء المنظمة بأن القوات الإيرانية دفنت(3000) قتيل في حلبجة في مقابر جماعية بمنطقة( مجمع عنب) تبين انه زيف فلم يعثر على أية مقبرة في هذه المنطقة بعد تفتشها! وحسب رواية بلتير" من خلال جمع الأدلة فإنها تؤكد بأن عناصر من حزب الطالباني ساعدوا القوات الإيرانية على التسلل إلى حلبجة ليلا, وفي الصباح شنوا هجوما على القوات العراقية فاستخدم الجيش العراقي قنابل مدفعية (من غاز الخردل) فتراجع الإيرانيون إلى خارج حلبجة, وبسبب تقهقر الجيش الإيراني ضربوا حلبجة من قبلهم(الجيش الإيراني) بقنابل من (مركبات السيانيد) ويخلص التقرير بأن المدنيين في حلبجة كانوا ضحية وجودهم بين وسطين متقاتلين وليس بفعل حملة تطهير عرقي كما أدعى البعض وان القتلى كانوا بالمئات وليس الألوف! ويتوصل إلى أن الدلائل تشير بان أفواه وأطراف القتلى كانت زرقاء اللون مما يدل على استخدام غاز من مركبات السيانيد, ولم يستعمل العراق على الإطلاق هذا النوع في حربه مع إيران, في حين استخدمته إيران.

ومن الطريف أن تصدر وكالة المخابرات المركزية نفسها تقريرا في شهر تشرين الثاني عام 2002 مؤكدة بأن عدد القتلى يقدر بالمئات ونفى قتل(100000) ألف كردي. بل أن وزارة الخارجية الأمريكية خلال هجوم حلبجة" استعمل العراق وإيران الغاز, لهذا نؤكد بأن الإيرانيين هم من قتلوا الأكراد في حلبجة" ونفى الكولونيل( باتريك لانغ) مسئول لمخابرات العسكرية في وكالة مخابرات الدفاع الأمريكية/ منطقة الشرق الأوسط استخدام العراق طائرات خلال المعارك.

قرار مجلس الأمن في شهر مايس 1988 بشأن حلبجة
يأخذ بنظر الاعتبارتقرير البعثة التي أرسلها الأمين العام للتحقيق بإدعاءات إستخدام الأسلحة الكيماوية في الصراع الدائر بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعراق والصادر في 25نيسان/أبريل 1988 (S/19823) ، فإن مجلس الأمن، متخوفا من نتائج البعثة حيث أن الأسلحة الكيماوية لا تزال تستعمل في الصراع وأن استعمالها كان على مستوى أعلى مماكان عليه سابقاً.
وبهذا فإن المجلس-:
1- يؤكد الضرورة القصوى للتنفيذ الحازم لبروتوكول منع استعمال الغازات الخانقة والسامة والغازات الأخرى في الحروب وكذلك طرق الحرب البكتيرية الموقع عليه في جنيف في 17 حزيران/يونيو 1925.
2-يدين بشدة استمرار استعمال الأسلحة الكيماوية في الصراع الدائر بين إيران والعراق خلافاً للالتزام ببروتوكول جنيف.
3-يتوقع أن يمتنع الطرفان من استعمال الأسلحة الكيماوية في المستقبل تبعاً للالتزام ببروتوكول جنيف.
4- دعوة جميع الدول للاستمرار في تطبيق سيطرة شديدة على تصدير مواد كيماوية لأطراف الصراع من التي تستخدم في إنتاج الأسلحة الكيماوية.
5-قرر الاستمرار بملاحظة هذه المسألة وبيان تصميمه على النظر بتنفيذ هذا القرار.

وهذا القرار ينفي نفيا قاطعا تحميل العراق مسئولية ضرب حلبجة بالأسلحة الكيماوية رغم انه صرح بأن الجانبين استخدماها في الحرب, ولكنه لم يحدد الطرف الذي أستخدمها في حلبجة!

ملاحظات مهمة عن هولوكوست حلبجة
يؤكد العديد من الكتاب الأمريكان بأن موضوع استغلال الولايات المتحدة الأمريكية لأحداث حلبجة له سابقة فقد استخدمته خلال الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا، ويستغرب عدد منهم عدم إدانة الولايات المتحدة لنظام صدام حسين وتجاهل ضحايا حلبجة بل وتحريضها عدد من وسائل الأعلام لإدانة إيران خلال فترة ما قبل عاصفة الصحراء؟ وعند إجراء إستحضارات المعركة القادمة أنصبت وسائل الأعلام الأمريكية والبريطانية ومن ورائها اللوبي الإسرائيلي على إحياء الموضوع ثانية، ومن الملاحظ أن الفترة التي سبقت عاصفة الصحراء وردت أشارات إعلامية عابرة لحلبجة وعلى نحو (16) مرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وإثناء الأستحضارات وردت أحداث حلبجة أكثر من (57) مرة في شهر واحد فقط،وعند إعلان الحرب على العراق ذكرت حلبجة في شهر آذار من عام 2003 ما يقارب (145) مرة، وتشير المصادر الأمريكية بأن عدد من المعتقلين العراقيين في السجون الأمريكية من كبار الضباط والمهندسين في هيئة التصنيع العسكري وحملة الشهادات العليا يعانون من ضغوط أمريكية شديدة لنزع اعترافات منهم عن استخدام النظام العراقي الأسلحةالكيماوية في حلبجة.

أن إدعاءات الولايات المتحدة حول امتلاك العراق أسلحة التدمير شامل تبين أنها أكذوبة، لشن الحرب عليه، وكذلك الأمر بالنسبة للمقابر الجماعية فهي مجرد أكاذيب ليس أكثر وعليه فأن موضوع حلبجة يدرج ضمن الأكاذيب التي اختلقتها الولايات المتحدة لإدانة العراق رغم معرفتها بأن إيران وليس العراق من يقف وراء الضربة الكيماوية! لذا كان رد الرئيس العراقي عن اتهامه بحلبجة "سمعت ذلك من الإذاعات" وقد ولد كلامه الكثير من القلق لدى الأكراد، الذين يرون أن التهم الموجهة لصدام غير كافية لأدانته، فقد ذكر الفنان إبراهيم الحوراني وهو الذي شيد النصب التذكاري في حلبجة عام 2003 بعد الغزو "لا أعتقد أن صدام سيعدم" بسبب حلبجة.
اعترف ضابط الموساد الإسرائيلي اليعازر تسافير بأن الحركة الكردية بادرت بالاتصال بإسرائيل منذ الستينيات باعتبار أنهم مضطهدون مثلما " تعرضنا نحن اليهود للاضطهاد وبالتالي فان الدولة اليهودية تفهم مطالبهم " وقمنا بتزويدهم ببرامج ومحطات إذاعية من ثم أسلحة غنمت من حروبنا مع الدول العربية، وأقامت إسرائيل مستوصفاً يعمل فيه أطباء إسرائيليون.
لماذا لم تخلى المدينة إذا كانت الأرض والجو والنباتات وحتى الحشرات ملوثة بالمواد الكيماوية المترسبة في التربة والمياه والعالقة في الجو؟
أن شهادة الشهود تدل على التلقين المحرض، فالغريب أن يعرف الكثير من الأكراد أن الطائرات التي ألقت عليهم القنابل الكيماوية هي عراقية في الوقت الذي يصعب حتى على بعض القادة تمييز الطائرات الصديقة عن المعادية، فامرأة بسيطة لا تعرف القراءة والكتابة تدعى نجية رسول وتسكن ليس في القرية المنكوبة بل جوارها تؤكد أن الطائرات العراقية قامت بالهجوم، ورجل مسن يشكو من نظره يدعى عزيز محمود يقر بنفس الرأي، وكذلك امرأة أميه تدعى( كوسلر علي) والآلاف من هذه الشهادات المزورة.

جرى الاستيلاء على أطنان من الوثائق من جانب الأكراد عام 1991 وتحت حماية أميركية وبريطانية تمكنوا من شحن ملفات الشرطة والاستخبارات إلى الولايات المتحدة لغرض تحليلها وحفظها في مكان أمن. وقالت ساندرا هوجكنسون، رئيسة مجموعة العدالة الانتقالية في سلطة الاحتلال، إن العراقيين ظلوا يركزون على ثمانية أحداث مختلفة خلال فترة حكم صدام تمتد من قتل الأكراد إلى إعدامات الشيعة منذ عام 1979، وهنا كتساءل غريب لماذا تودع الملفات إلى أمريكا بالذات وليست جهة محايدة مثل لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية طالما أن الأمر يتعلق بجريمة إبادة جماعية ؟

ذكر جوست هلترمان، الباحث السابق في منظمة هيومان رايتس ووتشو مؤلف كتاب سينشر قريبا حول استخدام العراق للأسلحة الكيماوية. ان الاتهامات التي تعني الأكراد معروفة على نطاق واسع خارج العالم العربي عبر أشرطة الفيديو وشهادات الناجين وخصوصا في ما يتعلق باستخدام الحكومة العراقية للغازات القاتلة ضد حلبجة،ولم يرد وجود وثائق وإثباتات علمية عمن استخدم الأسلحة الكيماوية العراق أم إيران؟

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية بان بريطانيا قدمت للعراق معظم الخبرات والمساعدات التقنية لمساعدته على أنتاج المواد الكيماوية، وان احد هذه المنشئات تسمى(الفلوجة 2) بلغت تكاليف بنائها (14) مليون جنيه إسترليني لإنتاج الخردل وغاز الأعصاب, كما تشير الصحيفة إلى أن وزير التجارة البريطاني (بول تشانون) أبقى الاتفاقات التجارية بين البلدين في مجال إنتاج الكولورين سراً على الإدارة الأمريكية، مبرراًالأمر بأن حظر مثل هذه الصادرات من شأنه أن يضر بالعلاقات التجارية بين بلاده والعراق، ومن الغريب أن يتحدث بلير الذي ساعدت حكومته صدام على أنتاج الأسلحة الكيماوية أمام النقابات العالمية عن مقتل (100) ألف كردي مستنداً في ذلك إلى إحصائيات منظمة العفو الدولية، متجاهلا أن حكومته هي التي ساعدت العراق بهذا الشأن.

كان للنمسا والمعروفة بموقفها المؤيد لأسطورة المحرقة ودورها الفاعل في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين دور كبير في استضافة عدد من المصابين الأكراد على أراضيها لغرض معالجتهم من الأعراض الكيماوية وبطريقة ملفتة للنظر لتشبيه فعل صدام بأكراد حلبجة بفعل هتلر باليهود في المحرقة.

هناك تساؤلات مشروعة حول أحداث حلبجة يشير إليها العديد من السياسيين والعسكريين في العراق، منها أن الأكراد كانوا يداً فاعلة في الهجوم الإيراني على حلبجة، ولم يكتفوا بكونهم أدلاء أذلاء وإنما قاموا بإسناد القطعات الإيرانية، وأن المدينة كانت شبه خالية من الشباب كما يتضح من القتلى وأعمارهم والصور التي نشرت، والتي صور فيها القتلى من الشيوخ والنساء والأطفال لأغراض دعائية، ولكن المقابر تتكلم بلغة المعقول وليس الصور، وأن أعمار القتلى ظاهرة غريبة بحد ذاتها، تحتاج إلى المزيد من الدراسة والتمحيص؟

يبدوأن الأكراد مازالوا لم يكونوا مستعدين بعد لمحاكمة الرئيس صدام عن ضرب حلبجة لافتقارهم الأدلة الكافية رغم ادعائهم بأنهم حصلوا على أطنان من الوثائق والتسجيلات التي تدعم حججهم، وهذا السبب الذي حدا بهم إلى تأخير محاكمة حلبجة وتقديم الدجيل عليها، وجرت في حلبجة وغيرها من المدن الكردية عمليات تلقين عدد من الأكراد عما يقولونه في المحكمة عن الموضوع، وإلا كيف يمكننا أن نفسر محاكمة الرئيس صدام حسين عن مقتل (128) شخص، في حين أن قتلى حلبجة (5000) شخص كما يزعم،كما أن التهمة الأولى بان ضعفها وضعف شهادات الشهود وسخافة تلقينهم، وهذا الأمر أعطى الأكراد انطباعا بان محاكمة حلبجة ستكون أكثر رداءة من محاكمة الدجيل، ورغم الأطنان من الوثائق التي يدعي الأكراد الحصول عليها من المخابرات والاستخبارات العسكرية، ورغم تسخيرهم الكثير من الكتاب مثل كنعان مكية وغيره لإثبات الواقعة على العراق وتبرئة إيران، فأنه الوثائق كانت غير كافية، والتسجيلات الصوتية لا تصلح لأن تكون شاهداً في المحكمة، لإمكانية دبلجتها والتلاعب بها بسهولة وهذا ما جهل المحاكم الأوربية لا تأخذ بها كدليل في عصر التطورات التقنية، ورغم مرور أكثر من عقد ونصف عن إحداث حلبجة، فلم يتمكن الأكراد من الحصول على اعترافات صريحة من القادة العسكريين الميدانيين تؤيد أن قواتهم ضربت حلبجة، بما في ذلك رئيس أركان الجيش السابق نزار الخزرجي الذي ذكر بأنه لا توجد معلومات عنه أو عن وزير الدفاع عن الموضوع، ثم أين الطيارون الذين ضربواالمدينة كما يزعم الأكراد والإيرانيون، وهل تبخروا من العراق وهل ماتت ضمائرهم جميعاً دون أن يصحو أحدهم من غفوته و يعترف بأن له يد فيما حصل، وخاصة أن الرئيس جلال الطالباني استدعاهم إلى الشمال بعد تعرضهم إلى الاغتيالات على يد قوات بدرالموالية لإيران ؟ وهل أن استهداف الطيارين العراقيين المشاركين في الحرب العراقية الإيرانية، يدخل في مجال وأد الحقيقة قبل خروجها؟ وهل مثل هذا التناقض يخدم أحد الأطراف المتصارعة على الساحة العراقية.

إذا كان العراق قد ضرب فعلاً حلبجة وليس إيران أو اشتراك الطرفين باستخدامها، لماذا عصي ألأمر على الأمم المتحدة رغم كفاءة الفرق والخبراء الذين أرسلتهم للمنطقة، ولم تتمكن من تحديد الجهة المسئولة ؟ ولماذا لم تصدر قرارا ضد أي منا لطرفين بتهمة الإبادة الجماعية، حسب اتفاقية منع الجريمة ؟ من خلال تفحص الاتفاقية وبنودها ندرك بسهولة بأنها لا تنطبق على العراق، فالحكومة العراقية لم تجبر الأكراد الذين أبعدوا عن مناطق القتال على العيش بطريقة تهدد تكاثرهم ونسلهم ولكن لأبعادهم عن شبح الحرب، بمعنى المحافظة عليهم وليس العكس؟

لماذا يغض النظر عن الجنود العراقيين الذين أصيبوا من جراء الضربة الكيماوية في حلبجة، ويسلط الضوء على القتلى الإيرانيين والجرحى؟ وهل يدخل هذا في مجال العدل وتصوير الحقائق ونقلها للرأي العام؟ أم التحيز الواضح لطرف وأي طرف؟ يضمر كل العداء للعرب ! ثم كيف يمكن تبرير الإصابات بين الجنود العراقيين إذا كانت قياداتهم العسكرية فعلاً ضربت حلبجة، ولماذا لم توجه القيادة العراقية جنودها إلى ارتداء أقنعة الوقاية، أو ترسل وسائل الوقاية من الضربة الكيماوية كالعجلات والوحدات الكيماوية المتخصصة إلى حلبجة.

لا يجوز إلقاء التهم جزافا على العراق فالعراق باق والأنظمة تزول عاجلاً أم آجلاً ويطويها التأريخ، وأن الحقائق يجب أن تظهر بوضوح للرأي العام سواء كانت تدين الحكومة العراقية السابقة أو إيران أو كليهما، وقتلى حلبجة من المدنيين هم عراقيين قبل كل شيء وهم شهداء في جنات خلد (بإذن الله) وضحايا مجزرة مروعة، لكن ليس من الأنصاف أن تتاجر الحكومة الكردية بهذه المأساة الإنسانية بطريق لا تعبر عن أية قيمة أو احترام للشهداء الأبرار،
وأن كانت حلبجة قد ضربت بالأسلحة الكيماوية فأن العراق بأكمله ما عدا الشمال قد ضرب عام 1991 بالأسلحة الممنوعة دولياً، ولم يضخم أحد الموضوع رغم نشره في وسائل الأعلام! بما معنى أن مأساة حلبجة هي جزء من مأساة العراق أجمعه، وأن التقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية المدافع الحالي عن الأكراد استخدمت اليورانيوم المحرم دوليا في حرب الخليج الثانية من خلال (940000) قذيفة أي بما يعادل (7) أضعاف القوة التدميريةالتي تعرضت لها هيروشيما ونيكازاكي في الحرب العالمية الثانية، وأن عدد المصابينبالأمراض السرطانية من جرائها تزايد إلى (10931) شخص في نهاية عام 1991 وعشرات أضعاف الرقم حاليا؟ ويذكرالبروفيسور الألماني سيغ غونتز بأن حوالي نصف مليون عراقي مصاب بأمراض ناجمة عن استخدام اليورانيوم من قبل الأمريكان، مع ملاحظة أن (130) ألف جندي أمريكي مصاب بأعراض شبيهة لما يعانيه سكان حلبجة من صعوبات في الجهاز التنفسي وأمرض الكبد والتعب الشديد وارتفاع الضغط وغيرها من الأعراض.
في الحرب الأخيرة ضرب العراق أيضاً بالأسلحة الممنوعة دولياً باستثناء منطقة كردستان ولم تدمع عيون الأكراد على أشقائهم العرب، وضربت مؤخراً الفلوجة بالقنابل الفسفورية ولم يعلق الأكراد- رغم أنهم يترأسون نصف الحكومة الحالية تقريباً -عن الموضوع أو يستذكروا شهداء الفلوجة كما استذكروا شهداء حلبجة، ولم يطالبوا بتعويض أهالي الفلوجة عن هذه الإبادة الجماعية، كما طالبوا بتعويض أهالي حلبجة، انه نفس الأمر يتكرر من منذ الهولوكوست اليهودي فقد تناسى العالم مذابح الغجر التي رافقت المحرقة، وركزوا على اليهود, والأكراد يتناسون ما تعرض له العراق، ويستذكرون حلبجة فقط، أنه زمن ألعمي الوطني الذي حلّ بالعراق، حلبجة قدم المئات من الشهداء الأكراد والعراق قدم أكثر من مليون شهيد من العرب وليس الأكراد, ولكن الصمت لازم الدول التي كانت تتشدق بحقوق الإنسان وتتحدث عن الإبادة الجماعية كما خرست الأمم المتحدة وهيئاتها وسكرت منظمات حقوق الإنسان أبوابها بوجه عرب العراق, تلك الأبواب التي كانت مفتوحة كبيوت الدعارة لأكثر من عقدين من الزمان لتكشف للعالم المعايير المزدوجة التي تتعامل بها هذه الهيئات, ويصدق قول الشاعر:
" قتل امرأ في غابة جريمة لا تغتفر*** وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر".

الخلاصة
كانت محكمة حلبجة هي الفيصل الذي سيكشف للعالم حقيقة الأسلحة الكيماوية في العراق والجهة التي زودت العراق بها, وتزيح الستار عن الجهة التي ضربت حلبجة وعندها توضع النقاط على الحروف, ولكن الذي جرى كان متوقعا وليس غريبا لكل من يعرف حقيقة الأمر أو اطلع على بعض خفاياه حيث يمكن أن يستنتج إن قضية حلبجة لا يمكن النظر فيها بوجود الرئيس صدام حسين على قيد الحياة, لأن كل أوراق اللعبة ستنكشف فالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا باعتبارهما جهتان لهما دور مستتر في الموضوع لم يرغبا بفتح نار جهنم عليهم, كما انه ليس من مصلحة إيران أن يناقش الموضوع بشكل علني في المحكمة لأنه سيكشف دورها المؤكد في ضرب حلبجة لذلك أوعزت للأحزاب السائرة في فلكها بإعدام الرئيس صدام قبل أن تبدأ محاكمة حلبجة, كما أن الأكراد وجدوا أن تجارة حلبجة ستكون كاسدة إذا فضحت القضية سيما إنهم جنوا مساعدات وعطف دولي كبير من ورائها ومازالوا, وان موقفهم سيكون أشبه ببهلوان السيرك إذا جرت المحاكمة, لذلك وافقوا على إعدامه قبل أن تبدأ محكمة حلبجة التي طبلوا لها, ويمكن ملاحظة انه لم يتحدث أحد من الشهود أو الادعاء العام والحكام عن موضوع حلبجة طوال سير محكمة الدجيل. وهذا مما أثار استغراب جود وانسكي الذي قال "لا يوجد أي تقرير في العالم عن رئيس دولة يسمم ويقتل أبناء وطنه في العراء بدون مبرر، فقد قتل هتلر اليهود لأنه كان يضنهم دون البشر في حين أن الرئيس صدام حسين لم يفعل ذلك. فلو كان الرئيس صدام حسين قد فعل ذلك فلماذا التجأ إليه حزب البارزاني لشن حرب على حزب الطالباني بعدحرب الخليج الأولى؟ إضافة لذلك كيف يمكن أن يقدم الأكراد مأواً لنزار الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي السابق أبان أحداث حلبجه عند هروبه من العراق ومن ثم مساعدته للانتقال إلى الأردن. ذلك كمن يتصور أن أريل شارون يساعد غورنغ للهروب من ألمانيا إلى الأرجنتين. والغريب في الأمر أن رئيس الأركان العراقي هذا قد صرح مرات متعددة بأن العراق لم يستخدم الأسلحة الكيماوية في حلبجة".

إن موضوع حلبجة التي اتخذها الأكراد ذريعة لكسب عطف العالم وتفريغ جيوب بعض المخابرات الأجنبية قد وصلت إلى باب مسدود فقد اعدم الرئيس صدام حسين دون أن تنظـــــر المحكمة بالقضية، وأسدل الستار على المسرحية القضائية الهزيلة باستفادة جميع الأطراف .ويمكن اعتبار إعدام الرئيس صدام أفضل هدية قدمتها حكومة الاحتلال إلى أضلاع مثلث التآمر على سيادة العراق( أمريكا- إسرائيل- إيران).

مقتطعة من المقالة الأصلية عن موقع وجهات نظر
 
عودة
أعلى