حلبجة هولوكوست الأكراد
علي الكاش
القسم الأول
توطئة وتنويه
لم يكن من باب الصدفة فتح شبابيك مدينة حلبجة ثانية لتهب نسائم الحقائق على مدينة الطلاسم والرموز التي كان لها دورها الكبير في فرض الحصار الجائر على العراق وانتهى باحتلال وتدمير وتخريب الدولة العراقية من خلال استخدامها كبوق لدق طبول الحرب، ولإبعاد الروائح النتنة المتراكمة بفعل طفيليات الانتهازية الكردية التي إلتفت على حقائق التأريخ، رغم علمي الأكيد بأن الكثيرين ممن ارتضوا لأنفسهم الرهان على الحصان الأمريكي الأعرج، سوف لا ترضيهم نتيجة هذا السباق،ولكن من اجل الحق والحقيقة فقط، سنفتح الموضوع ثانية برؤية جديدة وانفتاح عقلي،جاهدين بالابتعاد عن دغدغة مشاعر الأكراد القومية، والابتعاد عن أسلوب الأملاءات في مجال الرؤية والفهم، منطلقين من قاعدة محددة بأنه لا يسوغ لأحد احتكار الصواب من طرف ما، مهما كانت أهميته أو ظروفه الذاتية والموضوعي, ولا نبغي الإساءة إلى الشعب الكردي الأصيل فهو من المكونات الرئيسة للشعب لعراقي, وعندما نتحدث فإنما نقصد الحزبين الكرديين الرئيسين ومن يدور بفلكهما, وهما معروفان بعمالتهما منذ فجر تأسيسهما وقد أساءا للشعب الكردي إساءة لا تغتفر.
مفهوم الإبادة الجماعية
يعتبر (رافائيل لامكين) أول من أستخدم مصطلح (جينوسايد) للإشارة إلى تدمير العنصر البشري بشكل تام أو بشكل جزئي ولكن جماعي، وذلك لأسباب عنصرية ودينية أو استعمارية. وتبنت الأمم المتحدة عام 1948 اتفاقية منع الجريم ةوالإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وقد وقعت ألاتفاقية من قبل الدول الأطراف الذين تزايدوا سنوياً، و في شهر كانون الأول عام 1948 دخلت الاتفاقية حيز التطبيق عام 1951 ثم أنضم العراق إلى الاتفاقية عام 1959 ونصت الاتفاقية على الجرائم التي تندرج تحت تسمية الإبادة الجماعية ومنها قتل أفراد مجموعة أثنية محددة أو تشريدهم،والاستيلاء على ممتلكاتهم، والاعتداء عليهم جسدياً، أو إجبارهم على إتباع طريقة معيشية تؤدي إلى انقراضهم بشكل كلي أو جزئي، وفرض تدابير لمنع تناسلهم أو تكاثرهم،أو خطف أبنائهم بشكل جماعي لإذابة كيانهم الأثنى، كما جاء في المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين والتي عقدت سنة 1949 بمنع الهجمات العشوائية التي تنتهك حقوق المدنيين وتعرضهم إلى مخاطر جسدية أو في ممتلكاتهم، كما جاء نفس الشيء في الفقرة الأولى من المادة (57) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والمعقودة عام 1977 معتبراً الأعمال العدائية العسكرية انتهاكا خطيراً لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين. وعرفت جريمة الإبادة الجماعية بأنها " الأفعال التي ترتكب عن قصد لتدمير كل أو جزء من جماعة قومية أوأثنية أو عنصرية أو دينية" من خلال قتل أعضاء هذه الجماعات، أو إلحاق أذى جسدي أ وروحي خطير بأعضائها، أو إخضاعها عمداً لظروف معيشية يراد منها تدميرها كلياً أوجزئياً.
حلبجة والإبادة الجماعية
كانت حلبجة منذ التسعينيات من القرن الماضي القاسم المشترك عند مناقشة موضوع الإبادة الجماعية، ولا سيما في لجنة حقوق الإنسان، وكانت منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقب حقوق الإنسان الأمريكية والخاضعتان بشكل ملموس لا يحتاج إلى نباهة للإدارة الأمريكية وتتبنيان مزاعمها هما المنبران الرئيسيان لإثارة موضوع حلبجة في تقاريرهما الفصلية والسنوية، ووجهت الاتهامات حينها إلى الحكومة العراقية لأسباب سياسية واضحة تغذيها الأحزاب الكردية العراقية لتحقيق الهدف من هولوكوست حلبجة، أماالأمم المتحدة فقد أرسلت فرق لتقصي الحقائق حول الموضوع للعراق وإيران ولم تتمكن من أن تثبت الفاعل، وحتى في إشارة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في كلمة له في شهر سبتمبر عام 2003 ذكر موضوع حلبجة بتحفظ واضح "أنه لا يزال يتعين على الدول الأعضاءالدخول في حوار جاد حول أفضل السبل للرد على تهديدات الإبادة الجماعية أو انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى الخطيرة المشابهة – وهي مسألة سبق وأن أثرتها من فوق هذاالمنبر في عام 1999. وكانت استجابتنا الجماعية لهذا النوع من الأحداث – في جمهورية الكونغو الديمقراطية وفي ليبريا – مترددة وبطيئة مرة أخرى هذه السنة. ومع ذلك فالتهديدات الخطيرة مثل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، أمور حقيقية ولا يمكن تجاهلها، والإرهاب ليس مشكلة بالنسبة للبلدان الغنية فقط. وما عليكم إلا أن تسألواسكان بالي، أو بومباي أو نيروبي أو الدار البيضاء، وأسلحة الدمار الشامل لا تهدد فقط العالم الغربي أو الشمالي. بل اسألوا سكان إيران، أو سكان حلبجة في العراق،ويبدو أن اختلافنا هو حول كيفية مواجهة هذه التهديدات."
حلبجة الهولوكوست الكردي
"ليس بحلبجة وحدها يحيا الأكراد" أنه قول مأثور عن العراقيين الأكراد من أتباع حزبي الطالباني والبرزاني الذين كانوا مصدر إزعاج دائم لحكومات العراق المتتالية وبأنظمتها المتباينة وتياراتها السياسية المختلفة، وعامل زعزعة للأمن والاستقرار في شماله، ومسرح لمؤامرات مستمرة ضد سيادة العراق وحكوماته بالتعاون مع إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية،وسنحاول إلقاء الضوء قبل وبعد بيان الحادي عشر من آذار عام 1970، فقد أصدرت الحكومةالعراقية العديد من القرارات التي صبت في صالح الأكراد رغم تاريخهم التآمري على وحدة العراق وسيادته ومنها الاعتراف بوجودهم الشرعي، وعدد من القرارات الخاصة بالعفو عن المتمردين الذين حاربوا الدولة سواء كانوا من العسكريين أو المدنيين،وتأسيس جامعة السليمانية وكذلك المجمع العلمي الكردي، إضافة إلى إقرار الحقوق الثقافية واللغوية، حيث تنسب تدريس اللغة الكردية في المدارس والمعاهد والكليات في منطقة كردستان، إضافة إلى أعمام الكتب والمؤلفات في مختلف المجالات العلمية والأدبية باللغة الكردية وتأسيس إتحاد للأكراد واستحداث مديرية عامة للثقافة الكردية إضافة إلى إصدار صحف ومجلات أسبوعية وشهرية باللغة الكردية.
بعد ذلك تم إصدار ثلاثة قرارات أولهما القرار برقم (247) بتعديل الدستور المؤقت والذي أضاف فقرة جديدة إلى المادة الثامنة منه وأصبح " تتمتع المنطقة التي غالبيتها سكانها من الأكراد بالحكم الذاتي"، ثم تلاه قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان برقم (33) لسنة1974، وقانون المجلس التشريعي لمنطقة كردستان رقم (36) لسنة 1974 والحقيقية أنه باعتراف الأكراد أنفسهم لم تحظى الأقليات الكردية في كل مناطق العالم بمثل هذه الامتيازات سواء في إيران أو تركيا أو سوريا وغيرها، وكان بيان الحادي عشر من آذار خيمة وطنية رائدة في المنطقة، جعلت دول الجوار ممن فيها أقليات كردية تنظر بعين البغض والاستياء الى هذا القرار الذي سينعكس حلماً وردياً يراود مخيلة أكرادهم، ورغم الضغوط التي مورست على الحكومة العراقية لإجهاض المشروع الجديد، لكن الحكومة مضت في طريقها دون أن يوقفها أو يهبط من عزيمتها عائق. لم يكد الأكراد يغفون على هذا الحلم الجميل ويتمتعون بالاستقرار الذي افتقدوه ردحاً من الزمن بسبب المعارك المستمرة وحروبهم مع الجيش العراقي، حتى قام زعماء بعض الأحزاب الكردية بتحريض إيراني إسرائيلي على تحويل الحلم إلى كابوس مرعب، فقد تمردوا ثانية على الحكومة العراقية، وبدأت المعارك من جديد، وتمكن الجيش العراقي من إلحاق هزائم منكرة بالمتمردين الذين كانوا غالباً ما يلجئون إلى إيران عند اشتداد الخناق عليهم، وكانت اتفاقية الجزائر بمثابة الضربة القاضية لهم، وبدأت أعمال التمرد يخف وطيسها تارة ويحمى تارة أخرى حسب الموقف الداخلي والإقليمي، إلى أن شنت إيران حربها على العراق،حيث مارس الأكراد دوراً لعينا ضد أبناء جلدتهم بالوقوف مع العدو الإيراني ضد الجيش العراقي، ولم يقفوا موقف الحياد على اقل تقدير، وإنما قاموا بتشديد هجماتهم على القوات العراقية، فأشعلوا جبهة داخلية إضافة إلى الجبهة الخارجية، وكانت القرى الحدودية مع إيران تموج بالقوات الكردية المعادية للنظام والجواسيس الإيرانيين، وقد صدر قرار بعد أن يئست الحكومةالعراقية من استمالة أو تحييد الأكراد في تلك المناطق بالنزوح إلى عمق (15) كم عمقاً داخل الحدود العراقية بالنسبة للقرى الحدودية مع إيران فقط، وذلك بغية إبعاد المدنيين عن مناطق القتال من جهة، ولغرض تفويت الفرصة عن القوات الإيرانية للاستفادة منهم كورقة ضاغطة على القوات العراقية، ومن ثم تأمين المناطق الإدارية لوحدات الجيش الخلفية التي كانت قريبة من هذه القرى، وكذلك تفويت الفرصة من تسرب الإسرار العسكرية وحركات الجيش إلى الأكراد الموالين لإيران وأخيراً تحديد حركة الأكراد المتمردين الذين كانوا يتخذون من هذه القرى أوكارا لعملياتهم الموجهة ضد الجيش العراقي، وخاصة أن الإيرانيين تمكنوا من تدمير عدد من القطعات العسكرية العراقية من خلال ألاستفادة من الإحداثيات التي كان يقدمها ألأكراد إلى قوات المدفعية الإيرانية وبالرغم من النداءات المتكررة لسكان هذه القرى فأنهم كانوا يرفضون النزوح إلى التجمعات الحديثة التي هيأتها الحكومة العراقية لإسكانهم والتي سميت "القرى العصرية" أو "مدن النصر" بشكل مؤقت لحين انتهاء المعارك الحربية، وهذا أمر طبيعي فالكردي تعود على حياة الطبيعة وصعود الجبال ومن غير الطبيعي أن يحلوا له العيش بمثل هذه المجمعات رغم إنها توفر الأمان والسلامة من أتون الحرب,لكن كما يبدو أن تهديدات الأحزاب الكردية العميلة لسكان القرى هي السبب وراء عزوفهم من الرحيل عن قراهم فقد كانوا بين نارين والخيارات محدودة؟ وبعد يأس كبير ومتكرر ونتيجة لاشتداد المعارك في الجبهة الشمالية اضطرت الحكومة العراقية إلى إخلاء هذه القرى بالقوة، ومع هذا فقد كان البعض وخاصة الرجال يتسللون للعودة إليها ليلاً، وكانت مناطق حلبجة وطويلة وبيارة من المناطق المتاخمة في الحدود العراقية الإيرانية لمناطق نوسود وميروان غيرها وهي على شكل لسان ممتد في داخل الحدود الإيرانية، بل أن سكان القرى على الجانبين العراقي والإيراني بينهم أواصر قربى وتصاهر، جعلت من الصعب فصم عراها، وقد فتح هذا التدمير جراحاً عميقة لدى الأكراد وتم تسخيره لأغراض دعائية بتوجيه اللوم إلى الحكومة العراقية دون الإشارة إلى الأسباب الحقيقية والاضطرارية الكامنة وراء إتباعها هذا الأسلوب ألقسري، فالحالة حرب وللحرب ضرورات، وكانت على أشدها، والجيش العراقي يتحمل المزيد من الخسائر بسبب خيانة الأكراد وعملياتهم التي تصاعدت بشكل كبير، بحيث يذكر بعض الضباط أن الخسائر التي يتكبدها الجيش العراقي بسبب عمليات الأكراد تزيد أحيانا عن التي يتكبدها من العدو الإيراني، ولا سيما الألغام البشرية التي كانت تبتر أقدام جنود الربايا ( جمع ربية) وهي نقاط حماية للطرق الرئيسية علاوة على الألغام ضد الدبابات التي كانت تستهدف العجلات وناقلات العجلات، ويعلق ضباط بأن العسكريين والمحللين الاستراتجيين يدركون أهمية تأمين خطوط الإمداد للقطعات الأمامية، وكانت تلك الخطوط مهددة فعلياً من قبل الأكراد، ويتذكر البعض كيف قام الروس أبان الحرب العالمية الثانية بمنع الألمان من الاستفادة من المدن الروسية التي استولوا عليها من خلال أتباع سياسة الأرض المحروق ةوالتي تقبلها الشعب الروسي بسعة صدر لأنها تخدم جيشهم وتحرم العدو الألماني من الاستفادة منها،فالحرب حرب ومستلزمات النصر عديدة والعبرة في من يقطف ثمار النصر، وفي الوقت الذي روج فيها الأكراد أسطورة أن عدد النازحين حوالي (750) ألف نسمة كمرحلة أولى وتضاعفت لاحقاً فإن حلفائهم الأمريكان بالغوا به ما بين (1- 1،5) مليون كردي وهي نسبة تبدو طريفة فما هو عددالأكراد أصلا ؟ ليبلغ النازحون إلى مدن النصر مليون ونصف، وكيف تمكنت الحكومةالعراقية أن تنجز مجمعات سكنية خلال فترة لا تزيد عن شهر لإيواء هذا العدد في الوقت الذي عجزت فيه عن بناء مجمعات لإسكان عشر هذا العدد في محافظات العراق كافة، ولاسيما أن هذه المدن كانت مبنية بشكل هندسي منتظم ومواد بناء جيدة النوعية وروعيت فيها خدمات الماء والكهرباء وغيرها؟
كانت سماء شهر شباط من عام 1988 ملبدة بغيوم سوداء، ولم تكن هناك تحركات أو بوادر تبعث على القلق فالجبهة هادئة في منطقة حلبجة, وكانت حركة العجلات التي يستدل منه عن نوايا العدو طبيعية، مما يعني في المفهوم العسكري هدوءًا نسبياً، لذا كانت أوامر الجيش عادية لا تتجاوز اليقظة والحذر والحراسات اليومية، ولم يكن يدور بخلد القادة الميدانيين أن الأكراد يتعاونون مع القوات الإيرانية لفرض الطوق على حلبجة ومحاصرة القوات العراقية بداخلها ومن ثم الانطلاق إلى مدن قره هنجير وعربت وسيد صادق وبيارة لقطع إمدادات الجيش العراقي وعزل القطعات عن بعضها،وكانت خطة ذكية باستخدام أدلاء للقطعات الإيرانية من الأكراد الذين يعرفون الطرق والمسالك الوعرة بين الجبال والأودية معرفة تامة، وكان الصباح على عكس الليل فقد أدرك القادة الميدانيون خطة الالتفاف الإيرانية، وشنت هجمات عراقية مقابلة لفك الطوق، وساهم الطيران العراقي مساهمة فاعلة في تفويت الفرصة على الإيرانيين،وتشرذموا في الوديان يتبعهم الخونة من الأكراد المتعاونين معهم، ويذكر الأكراد بأنه ليلة 22/2/1988 وقعت عدد من القذائف في وادي جفاتي حيث مقر المتمردين الأكراد، وكان امرأ عادياً ومألوفاً عندهم، ولكن مع بزوغ الشمس وجد بعضهم صعوبة في الرؤيا وبثور وتقرحات في وجوههم وأجسادهم مع سعال شديد وحالات من الغثيان والتقيؤ وغيرها من الأعراض، وتشير رواية كردية أخرى تتناقض مع هذه بأنه في الساعة الحادية عشر وسبع وعشرين دقيقة من صباح يوم 16/3/1988 حلقت الطائرات فوق مدينة (حلبجة الكردية) على الحدود العراقية الإيرانية وأمطرتها بأكثر من (500) طن من الغازات الكيماوية كالسارين والخردل وغازالأعصاب، وأدى ذلك إلى قتل أكثر من (5) آلاف شخص وإصابة أكثر من (10)آلاف آخرين، وأشارت البيانات العراقية والإيرانية إلى إصابات كثيرة بين صفوف قوات الطرفين، وتم إخلائهم إلى الوحدات الطبية القريبة، وأعلنت مصادر إخبارية بان حوالي (5000) كردي قتلوا نتيجة هذه الضربات الكيماوية، وتعويق حوالي (10000) إلف شخص آخر معظمهم منالنساء والأطفال والشيوخ، وأشارت مصادر الكردية بأن الجيش العراقي استخدم الأسلحة الكيماوية بدءاً للفترة من 15/4/1987 ولغاية 9/9/1988 وكانت حلبجة آخر ضرب ةكيماوية وجهها النظام إلى الأكراد على حد زعمهم، وهو تأريخ غير منطقي لأن الحرب انتهت أوزارها في8/8/1988 وخرج العراق منتصراً منها.
ووجهت الصحف الأمريكية منذ عام 1991 الاتهامات إلى العراق باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في الوقت الذي لاذت بالصمت قبلها دون أن تحمل أي من الطرفين العراقي والإيراني مسؤولية ما حدث، وتشير الصحف ومنها نيويورك تايمز إلى أن التهم التي وجهت للنظام العراقي بشأن الإبادة الجماعية واستخدام الأسلحة الكيماوية في حلبجة عام 1988 قد توفرت الأدلة بشأنها، حيث تم جمع نماذج من التراب عام 1992 قرب الحفر التي أحدثها سقوط قنبلتين في قرية بيرجني الكردية من قبل فريق "منظمة مراقب الشرق الأوسط" وهي المعروفة بتوجهها الأمريكي الصريح والمكشوف، وتشير التحاليل التيأجريت على التربة بمختبر بورتون نيفل في انكلترا، بأنه وجد آثار تشير إلى استخدام غاز الخردل وأخرى غاز السارين، وفي اتهام غريب بلا إثباتات أشارت الصحيفة انه مما لا يقبل الشك أن صدام أقترف هذه الجريمة، وهو لغز لأنه لا احد ينكر أن مدينة حلبجة تعرضت فعلاً إلى ضربة كيماوية، لكن من الذي ضربها العراق أم إيران ؟ هذا هو الأمرالذي يجب معرفته وتحديده ببراهين ثابتة وليس بأقوال واتهامات ذات مغزى وإيماءات واضحة؟
ويدعي الأكراد أنهم تمكنوا من الحصول بعد أحداث آذار عام 1991 على (18) طناً من وثائق المخابرات والتي تتضمن معلومات مباشرة عن استخدام الأسلحة الكيماوية في حلبجة إضافة إلى أشرطة صوتية ومرئية، والغريب إنها لم تعرض على الأمم المتحدة ووكالاتها أو المنظمات الإنسانية لتفكيك ألغاز المسؤولية عن أحداث حلبجة لغرض فك التشابك و منع خلط الأوراق، كما سيتضح لاحقاً.
يتبع
علي الكاش
القسم الأول
توطئة وتنويه
لم يكن من باب الصدفة فتح شبابيك مدينة حلبجة ثانية لتهب نسائم الحقائق على مدينة الطلاسم والرموز التي كان لها دورها الكبير في فرض الحصار الجائر على العراق وانتهى باحتلال وتدمير وتخريب الدولة العراقية من خلال استخدامها كبوق لدق طبول الحرب، ولإبعاد الروائح النتنة المتراكمة بفعل طفيليات الانتهازية الكردية التي إلتفت على حقائق التأريخ، رغم علمي الأكيد بأن الكثيرين ممن ارتضوا لأنفسهم الرهان على الحصان الأمريكي الأعرج، سوف لا ترضيهم نتيجة هذا السباق،ولكن من اجل الحق والحقيقة فقط، سنفتح الموضوع ثانية برؤية جديدة وانفتاح عقلي،جاهدين بالابتعاد عن دغدغة مشاعر الأكراد القومية، والابتعاد عن أسلوب الأملاءات في مجال الرؤية والفهم، منطلقين من قاعدة محددة بأنه لا يسوغ لأحد احتكار الصواب من طرف ما، مهما كانت أهميته أو ظروفه الذاتية والموضوعي, ولا نبغي الإساءة إلى الشعب الكردي الأصيل فهو من المكونات الرئيسة للشعب لعراقي, وعندما نتحدث فإنما نقصد الحزبين الكرديين الرئيسين ومن يدور بفلكهما, وهما معروفان بعمالتهما منذ فجر تأسيسهما وقد أساءا للشعب الكردي إساءة لا تغتفر.
مفهوم الإبادة الجماعية
يعتبر (رافائيل لامكين) أول من أستخدم مصطلح (جينوسايد) للإشارة إلى تدمير العنصر البشري بشكل تام أو بشكل جزئي ولكن جماعي، وذلك لأسباب عنصرية ودينية أو استعمارية. وتبنت الأمم المتحدة عام 1948 اتفاقية منع الجريم ةوالإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وقد وقعت ألاتفاقية من قبل الدول الأطراف الذين تزايدوا سنوياً، و في شهر كانون الأول عام 1948 دخلت الاتفاقية حيز التطبيق عام 1951 ثم أنضم العراق إلى الاتفاقية عام 1959 ونصت الاتفاقية على الجرائم التي تندرج تحت تسمية الإبادة الجماعية ومنها قتل أفراد مجموعة أثنية محددة أو تشريدهم،والاستيلاء على ممتلكاتهم، والاعتداء عليهم جسدياً، أو إجبارهم على إتباع طريقة معيشية تؤدي إلى انقراضهم بشكل كلي أو جزئي، وفرض تدابير لمنع تناسلهم أو تكاثرهم،أو خطف أبنائهم بشكل جماعي لإذابة كيانهم الأثنى، كما جاء في المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين والتي عقدت سنة 1949 بمنع الهجمات العشوائية التي تنتهك حقوق المدنيين وتعرضهم إلى مخاطر جسدية أو في ممتلكاتهم، كما جاء نفس الشيء في الفقرة الأولى من المادة (57) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والمعقودة عام 1977 معتبراً الأعمال العدائية العسكرية انتهاكا خطيراً لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين. وعرفت جريمة الإبادة الجماعية بأنها " الأفعال التي ترتكب عن قصد لتدمير كل أو جزء من جماعة قومية أوأثنية أو عنصرية أو دينية" من خلال قتل أعضاء هذه الجماعات، أو إلحاق أذى جسدي أ وروحي خطير بأعضائها، أو إخضاعها عمداً لظروف معيشية يراد منها تدميرها كلياً أوجزئياً.
حلبجة والإبادة الجماعية
كانت حلبجة منذ التسعينيات من القرن الماضي القاسم المشترك عند مناقشة موضوع الإبادة الجماعية، ولا سيما في لجنة حقوق الإنسان، وكانت منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقب حقوق الإنسان الأمريكية والخاضعتان بشكل ملموس لا يحتاج إلى نباهة للإدارة الأمريكية وتتبنيان مزاعمها هما المنبران الرئيسيان لإثارة موضوع حلبجة في تقاريرهما الفصلية والسنوية، ووجهت الاتهامات حينها إلى الحكومة العراقية لأسباب سياسية واضحة تغذيها الأحزاب الكردية العراقية لتحقيق الهدف من هولوكوست حلبجة، أماالأمم المتحدة فقد أرسلت فرق لتقصي الحقائق حول الموضوع للعراق وإيران ولم تتمكن من أن تثبت الفاعل، وحتى في إشارة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في كلمة له في شهر سبتمبر عام 2003 ذكر موضوع حلبجة بتحفظ واضح "أنه لا يزال يتعين على الدول الأعضاءالدخول في حوار جاد حول أفضل السبل للرد على تهديدات الإبادة الجماعية أو انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى الخطيرة المشابهة – وهي مسألة سبق وأن أثرتها من فوق هذاالمنبر في عام 1999. وكانت استجابتنا الجماعية لهذا النوع من الأحداث – في جمهورية الكونغو الديمقراطية وفي ليبريا – مترددة وبطيئة مرة أخرى هذه السنة. ومع ذلك فالتهديدات الخطيرة مثل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، أمور حقيقية ولا يمكن تجاهلها، والإرهاب ليس مشكلة بالنسبة للبلدان الغنية فقط. وما عليكم إلا أن تسألواسكان بالي، أو بومباي أو نيروبي أو الدار البيضاء، وأسلحة الدمار الشامل لا تهدد فقط العالم الغربي أو الشمالي. بل اسألوا سكان إيران، أو سكان حلبجة في العراق،ويبدو أن اختلافنا هو حول كيفية مواجهة هذه التهديدات."
حلبجة الهولوكوست الكردي
"ليس بحلبجة وحدها يحيا الأكراد" أنه قول مأثور عن العراقيين الأكراد من أتباع حزبي الطالباني والبرزاني الذين كانوا مصدر إزعاج دائم لحكومات العراق المتتالية وبأنظمتها المتباينة وتياراتها السياسية المختلفة، وعامل زعزعة للأمن والاستقرار في شماله، ومسرح لمؤامرات مستمرة ضد سيادة العراق وحكوماته بالتعاون مع إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية،وسنحاول إلقاء الضوء قبل وبعد بيان الحادي عشر من آذار عام 1970، فقد أصدرت الحكومةالعراقية العديد من القرارات التي صبت في صالح الأكراد رغم تاريخهم التآمري على وحدة العراق وسيادته ومنها الاعتراف بوجودهم الشرعي، وعدد من القرارات الخاصة بالعفو عن المتمردين الذين حاربوا الدولة سواء كانوا من العسكريين أو المدنيين،وتأسيس جامعة السليمانية وكذلك المجمع العلمي الكردي، إضافة إلى إقرار الحقوق الثقافية واللغوية، حيث تنسب تدريس اللغة الكردية في المدارس والمعاهد والكليات في منطقة كردستان، إضافة إلى أعمام الكتب والمؤلفات في مختلف المجالات العلمية والأدبية باللغة الكردية وتأسيس إتحاد للأكراد واستحداث مديرية عامة للثقافة الكردية إضافة إلى إصدار صحف ومجلات أسبوعية وشهرية باللغة الكردية.
بعد ذلك تم إصدار ثلاثة قرارات أولهما القرار برقم (247) بتعديل الدستور المؤقت والذي أضاف فقرة جديدة إلى المادة الثامنة منه وأصبح " تتمتع المنطقة التي غالبيتها سكانها من الأكراد بالحكم الذاتي"، ثم تلاه قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان برقم (33) لسنة1974، وقانون المجلس التشريعي لمنطقة كردستان رقم (36) لسنة 1974 والحقيقية أنه باعتراف الأكراد أنفسهم لم تحظى الأقليات الكردية في كل مناطق العالم بمثل هذه الامتيازات سواء في إيران أو تركيا أو سوريا وغيرها، وكان بيان الحادي عشر من آذار خيمة وطنية رائدة في المنطقة، جعلت دول الجوار ممن فيها أقليات كردية تنظر بعين البغض والاستياء الى هذا القرار الذي سينعكس حلماً وردياً يراود مخيلة أكرادهم، ورغم الضغوط التي مورست على الحكومة العراقية لإجهاض المشروع الجديد، لكن الحكومة مضت في طريقها دون أن يوقفها أو يهبط من عزيمتها عائق. لم يكد الأكراد يغفون على هذا الحلم الجميل ويتمتعون بالاستقرار الذي افتقدوه ردحاً من الزمن بسبب المعارك المستمرة وحروبهم مع الجيش العراقي، حتى قام زعماء بعض الأحزاب الكردية بتحريض إيراني إسرائيلي على تحويل الحلم إلى كابوس مرعب، فقد تمردوا ثانية على الحكومة العراقية، وبدأت المعارك من جديد، وتمكن الجيش العراقي من إلحاق هزائم منكرة بالمتمردين الذين كانوا غالباً ما يلجئون إلى إيران عند اشتداد الخناق عليهم، وكانت اتفاقية الجزائر بمثابة الضربة القاضية لهم، وبدأت أعمال التمرد يخف وطيسها تارة ويحمى تارة أخرى حسب الموقف الداخلي والإقليمي، إلى أن شنت إيران حربها على العراق،حيث مارس الأكراد دوراً لعينا ضد أبناء جلدتهم بالوقوف مع العدو الإيراني ضد الجيش العراقي، ولم يقفوا موقف الحياد على اقل تقدير، وإنما قاموا بتشديد هجماتهم على القوات العراقية، فأشعلوا جبهة داخلية إضافة إلى الجبهة الخارجية، وكانت القرى الحدودية مع إيران تموج بالقوات الكردية المعادية للنظام والجواسيس الإيرانيين، وقد صدر قرار بعد أن يئست الحكومةالعراقية من استمالة أو تحييد الأكراد في تلك المناطق بالنزوح إلى عمق (15) كم عمقاً داخل الحدود العراقية بالنسبة للقرى الحدودية مع إيران فقط، وذلك بغية إبعاد المدنيين عن مناطق القتال من جهة، ولغرض تفويت الفرصة عن القوات الإيرانية للاستفادة منهم كورقة ضاغطة على القوات العراقية، ومن ثم تأمين المناطق الإدارية لوحدات الجيش الخلفية التي كانت قريبة من هذه القرى، وكذلك تفويت الفرصة من تسرب الإسرار العسكرية وحركات الجيش إلى الأكراد الموالين لإيران وأخيراً تحديد حركة الأكراد المتمردين الذين كانوا يتخذون من هذه القرى أوكارا لعملياتهم الموجهة ضد الجيش العراقي، وخاصة أن الإيرانيين تمكنوا من تدمير عدد من القطعات العسكرية العراقية من خلال ألاستفادة من الإحداثيات التي كان يقدمها ألأكراد إلى قوات المدفعية الإيرانية وبالرغم من النداءات المتكررة لسكان هذه القرى فأنهم كانوا يرفضون النزوح إلى التجمعات الحديثة التي هيأتها الحكومة العراقية لإسكانهم والتي سميت "القرى العصرية" أو "مدن النصر" بشكل مؤقت لحين انتهاء المعارك الحربية، وهذا أمر طبيعي فالكردي تعود على حياة الطبيعة وصعود الجبال ومن غير الطبيعي أن يحلوا له العيش بمثل هذه المجمعات رغم إنها توفر الأمان والسلامة من أتون الحرب,لكن كما يبدو أن تهديدات الأحزاب الكردية العميلة لسكان القرى هي السبب وراء عزوفهم من الرحيل عن قراهم فقد كانوا بين نارين والخيارات محدودة؟ وبعد يأس كبير ومتكرر ونتيجة لاشتداد المعارك في الجبهة الشمالية اضطرت الحكومة العراقية إلى إخلاء هذه القرى بالقوة، ومع هذا فقد كان البعض وخاصة الرجال يتسللون للعودة إليها ليلاً، وكانت مناطق حلبجة وطويلة وبيارة من المناطق المتاخمة في الحدود العراقية الإيرانية لمناطق نوسود وميروان غيرها وهي على شكل لسان ممتد في داخل الحدود الإيرانية، بل أن سكان القرى على الجانبين العراقي والإيراني بينهم أواصر قربى وتصاهر، جعلت من الصعب فصم عراها، وقد فتح هذا التدمير جراحاً عميقة لدى الأكراد وتم تسخيره لأغراض دعائية بتوجيه اللوم إلى الحكومة العراقية دون الإشارة إلى الأسباب الحقيقية والاضطرارية الكامنة وراء إتباعها هذا الأسلوب ألقسري، فالحالة حرب وللحرب ضرورات، وكانت على أشدها، والجيش العراقي يتحمل المزيد من الخسائر بسبب خيانة الأكراد وعملياتهم التي تصاعدت بشكل كبير، بحيث يذكر بعض الضباط أن الخسائر التي يتكبدها الجيش العراقي بسبب عمليات الأكراد تزيد أحيانا عن التي يتكبدها من العدو الإيراني، ولا سيما الألغام البشرية التي كانت تبتر أقدام جنود الربايا ( جمع ربية) وهي نقاط حماية للطرق الرئيسية علاوة على الألغام ضد الدبابات التي كانت تستهدف العجلات وناقلات العجلات، ويعلق ضباط بأن العسكريين والمحللين الاستراتجيين يدركون أهمية تأمين خطوط الإمداد للقطعات الأمامية، وكانت تلك الخطوط مهددة فعلياً من قبل الأكراد، ويتذكر البعض كيف قام الروس أبان الحرب العالمية الثانية بمنع الألمان من الاستفادة من المدن الروسية التي استولوا عليها من خلال أتباع سياسة الأرض المحروق ةوالتي تقبلها الشعب الروسي بسعة صدر لأنها تخدم جيشهم وتحرم العدو الألماني من الاستفادة منها،فالحرب حرب ومستلزمات النصر عديدة والعبرة في من يقطف ثمار النصر، وفي الوقت الذي روج فيها الأكراد أسطورة أن عدد النازحين حوالي (750) ألف نسمة كمرحلة أولى وتضاعفت لاحقاً فإن حلفائهم الأمريكان بالغوا به ما بين (1- 1،5) مليون كردي وهي نسبة تبدو طريفة فما هو عددالأكراد أصلا ؟ ليبلغ النازحون إلى مدن النصر مليون ونصف، وكيف تمكنت الحكومةالعراقية أن تنجز مجمعات سكنية خلال فترة لا تزيد عن شهر لإيواء هذا العدد في الوقت الذي عجزت فيه عن بناء مجمعات لإسكان عشر هذا العدد في محافظات العراق كافة، ولاسيما أن هذه المدن كانت مبنية بشكل هندسي منتظم ومواد بناء جيدة النوعية وروعيت فيها خدمات الماء والكهرباء وغيرها؟
كانت سماء شهر شباط من عام 1988 ملبدة بغيوم سوداء، ولم تكن هناك تحركات أو بوادر تبعث على القلق فالجبهة هادئة في منطقة حلبجة, وكانت حركة العجلات التي يستدل منه عن نوايا العدو طبيعية، مما يعني في المفهوم العسكري هدوءًا نسبياً، لذا كانت أوامر الجيش عادية لا تتجاوز اليقظة والحذر والحراسات اليومية، ولم يكن يدور بخلد القادة الميدانيين أن الأكراد يتعاونون مع القوات الإيرانية لفرض الطوق على حلبجة ومحاصرة القوات العراقية بداخلها ومن ثم الانطلاق إلى مدن قره هنجير وعربت وسيد صادق وبيارة لقطع إمدادات الجيش العراقي وعزل القطعات عن بعضها،وكانت خطة ذكية باستخدام أدلاء للقطعات الإيرانية من الأكراد الذين يعرفون الطرق والمسالك الوعرة بين الجبال والأودية معرفة تامة، وكان الصباح على عكس الليل فقد أدرك القادة الميدانيون خطة الالتفاف الإيرانية، وشنت هجمات عراقية مقابلة لفك الطوق، وساهم الطيران العراقي مساهمة فاعلة في تفويت الفرصة على الإيرانيين،وتشرذموا في الوديان يتبعهم الخونة من الأكراد المتعاونين معهم، ويذكر الأكراد بأنه ليلة 22/2/1988 وقعت عدد من القذائف في وادي جفاتي حيث مقر المتمردين الأكراد، وكان امرأ عادياً ومألوفاً عندهم، ولكن مع بزوغ الشمس وجد بعضهم صعوبة في الرؤيا وبثور وتقرحات في وجوههم وأجسادهم مع سعال شديد وحالات من الغثيان والتقيؤ وغيرها من الأعراض، وتشير رواية كردية أخرى تتناقض مع هذه بأنه في الساعة الحادية عشر وسبع وعشرين دقيقة من صباح يوم 16/3/1988 حلقت الطائرات فوق مدينة (حلبجة الكردية) على الحدود العراقية الإيرانية وأمطرتها بأكثر من (500) طن من الغازات الكيماوية كالسارين والخردل وغازالأعصاب، وأدى ذلك إلى قتل أكثر من (5) آلاف شخص وإصابة أكثر من (10)آلاف آخرين، وأشارت البيانات العراقية والإيرانية إلى إصابات كثيرة بين صفوف قوات الطرفين، وتم إخلائهم إلى الوحدات الطبية القريبة، وأعلنت مصادر إخبارية بان حوالي (5000) كردي قتلوا نتيجة هذه الضربات الكيماوية، وتعويق حوالي (10000) إلف شخص آخر معظمهم منالنساء والأطفال والشيوخ، وأشارت مصادر الكردية بأن الجيش العراقي استخدم الأسلحة الكيماوية بدءاً للفترة من 15/4/1987 ولغاية 9/9/1988 وكانت حلبجة آخر ضرب ةكيماوية وجهها النظام إلى الأكراد على حد زعمهم، وهو تأريخ غير منطقي لأن الحرب انتهت أوزارها في8/8/1988 وخرج العراق منتصراً منها.
ووجهت الصحف الأمريكية منذ عام 1991 الاتهامات إلى العراق باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في الوقت الذي لاذت بالصمت قبلها دون أن تحمل أي من الطرفين العراقي والإيراني مسؤولية ما حدث، وتشير الصحف ومنها نيويورك تايمز إلى أن التهم التي وجهت للنظام العراقي بشأن الإبادة الجماعية واستخدام الأسلحة الكيماوية في حلبجة عام 1988 قد توفرت الأدلة بشأنها، حيث تم جمع نماذج من التراب عام 1992 قرب الحفر التي أحدثها سقوط قنبلتين في قرية بيرجني الكردية من قبل فريق "منظمة مراقب الشرق الأوسط" وهي المعروفة بتوجهها الأمريكي الصريح والمكشوف، وتشير التحاليل التيأجريت على التربة بمختبر بورتون نيفل في انكلترا، بأنه وجد آثار تشير إلى استخدام غاز الخردل وأخرى غاز السارين، وفي اتهام غريب بلا إثباتات أشارت الصحيفة انه مما لا يقبل الشك أن صدام أقترف هذه الجريمة، وهو لغز لأنه لا احد ينكر أن مدينة حلبجة تعرضت فعلاً إلى ضربة كيماوية، لكن من الذي ضربها العراق أم إيران ؟ هذا هو الأمرالذي يجب معرفته وتحديده ببراهين ثابتة وليس بأقوال واتهامات ذات مغزى وإيماءات واضحة؟
ويدعي الأكراد أنهم تمكنوا من الحصول بعد أحداث آذار عام 1991 على (18) طناً من وثائق المخابرات والتي تتضمن معلومات مباشرة عن استخدام الأسلحة الكيماوية في حلبجة إضافة إلى أشرطة صوتية ومرئية، والغريب إنها لم تعرض على الأمم المتحدة ووكالاتها أو المنظمات الإنسانية لتفكيك ألغاز المسؤولية عن أحداث حلبجة لغرض فك التشابك و منع خلط الأوراق، كما سيتضح لاحقاً.
يتبع