رغم مطالب العديد من القيادات الإسرائيلية “العسكرية والسياسية”، بتصفية الشيخ القعيد، أحمد ياسين، زعيم ومؤسس حركة المقاومة الإسلامية “حماس″، ردا على سلسلة العمليات التي نفذها الجهاز العسكري لحركته، منذ بداية اندلاع انتفاضة الأقصى (سبتمبر/أيلول 2000)، والتي أسفرت عن مقتل وجرح المئات من الإسرائيليين، إلا أنها لم تجرؤ على ذلك.فالشيخ ياسين، (الذي صادف أمس السبت الذكرى العاشرة لاغتياله من قبل الجيش الإسرائيلي)،كان في ذلك الوقت، يحظى بمكانة كبيرة، ليس في صفوف الفلسطينيين فقط، بل لدى عموم العرب والمسلمين، وأي خطوة غير محسوبة في هذا الشأن، قد تتسبب بما لا يحمد عقباه.
لكن الحكومة الإسرائيلية، بزعامة رئيس الوزراء الراحل، أرئيل شارون، وجدت ضالتها، والمبرر لتنفيذ الاغتيال، في أعقاب تنفيذ كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري للحركة، لعملية عسكرية كبيرة في ميناء أسدود الإسرائيلي، الواقع على ساحل البحر المتوسط، شمال قطاع غزة.فالهجوم على الميناء، الذي وقع بتاريخ 14 مارس/آذار 2004، يعتبر من أخطر العمليات التي نفذتها حركة حماس، على إسرائيل، نظرا لاعتباره “رمزا من رموز الدولة”، و”منشأة حساسة ذات مكان إستراتيجية هامة للغاية”.
ويقول عدنان أبو عامر، الباحث في الشؤون الإسرائيلية، إن حدة التهديدات الإسرائيلية باغتيال الشيخ ياسين، اشتدت مع بداية عام 2004، بعد نجاح حماس في تنفيذ عدد من العمليات الفدائية الناجحة، حيث قال زئيف بويم، نائب وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها: إن الشيخ ياسين يستحق الموت ، وأنصحه بالاختفاء”.ويؤكد أبو عامر لمراسل وكالة الأناضول للأنباء، أن شارون استغل عملية ميناء أسدود، لاتخاذ قرار بتصفية الشيخ ياسين.وأسفرت عملية أسدود عن مقتل 10 إسرائيليين، وجرح 20 آخرين، حينما نجح عنصران من حركة حماس، وشهداء كتائب الأقصى، (المحسوبة على حركة فتح) باقتحام الميناء المحصن، وتفجير نفسيهما في تجمع للجنود والعاملين فيه.
ووصفت الصحف الإسرائيلية، العملية بأنها “ضربة إستراتيجية وعملية نوعية”، وأنها “تمثل تحولا استراتيجيا في عمليات الفصائل الفلسطينية، حيث أنها استهدفت “منشأة إستراتيجية مهمة في العمق الإسرائيلي”.كما هاجمت الصحف الحكومة والأجهزة الأمنية المختصة، متهمة إياها بالتقصير في حماية هذه “المنشأة الهامة”.ويشير أبو عامر إلى أن الجيش والمخابرات في إسرائيل شعرتا بضرورة “توجيه ضربة قوية للفلسطينيين ترد لهم اعتبارهم من جديد قدر الإمكان”.
وفي أعقاب العملية سارع وزير الدفاع شاؤول موفاز، بالعودة لتل أبيب قادما من واشنطن، ليعقد اجتماعا مع قيادات الأجهزة الأمنية في إسرائيل، صدر عنه قرار بـ”إلغاء الفروقات بين القيادة العسكرية والروحية لحركة حماس، فكلهم ذات الشيء”.وفي اليوم التالي (16 مارس/آذار)، اجتمع المجلس الوزاري المصغر الكابينت، واتخذ قرارا بتنفيذ “عملية دراماتيكية، وليس رد فعل عادي”، ليتضح فيما بعد أن المقصود كان اغتيال الشيخ أحمد ياسين، حسب أبو عامر.
وخلال الأيام (17-21 مارس/آذار) شنت القوات الإسرائيلية حملات عسكرية على مدن رفح وخان يونس وغزة ، أسفرت عن سقوط أكثر من 15 فلسطينيا.وشهد فجر يوم 22 مارس/آذار، وتحديدا الساعة (5:30 ) تنفيذ عملية اغتيال الشيخ ياسين، في أعقاب تأديته لصلاة الفجر، في مسجد المجمع الإسلامي، القريب من منزله بغزة، حيث أطلقت طائرات مقاتلة، 3 صواريخ باتجاهه، ما أدى لمقتله برفقة 7 من المصلين الذين تواجدوا في المكان، وجرح العشرات، اثنين منهما من أبنائه.وقد ذكرت الصحف الإسرائيلية وقتها أن رئيس هيئة الأركان العامة (موشيه يعلون) ووزير الدفاع (شاؤول موفاز) قادا العملية مباشرة، وأعلما رئيس الوزراء (شارون) المتواجد في بيته بنجاحها.
وفي الساعة السابعة صباحا، أصدر الجيش الإسرائيلي بيانا رسميا، أكد فيه مسؤوليته عن “تصفية ياسين الذي كان مسئولا مباشرة عن مئات القتلى والجرحى الإسرائيليين”.من جانبها أصدرت حركة حماس بيانا نعت فيه الشيخ ياسين، متوعدة بالثأر لدمائه.وصرح موفاز قائلا للصحافة الإسرائيلية:”كان أحمد ياسين قائدا إرهابيا أرسل مئات الإرهابيين، الشيخ ياسين هو بن لادن الفلسطيني، أنا أعتقد أن المس بقياديي الإرهاب هو واجب وحق الحكومة الإسرائيلية “.
وحسب أبو عامر، فإن الإعلام الإسرائيلي “صفّق من خلال العناوين الرئيسية والتعليقات والتحليلات لعملية الاغتيال، سواء من خلال استخدام العديد من المصطلحات الفاقعة، كوصف العملية بـ”التصفية الإيجابية” ، والبدء في “تطهير قطاع غزة من قادة حماس قبل إخلائه”.ويوضح أبو عامر، أن زعيم المعارضة في ذلك الوقت شمعون بيريس، عبر عن رفضه لحادثة الاغتيال، بقوله: ” لو كنت عضوا في الحكومة لكنت أصوت ضد الاغتيال، لأن ذلك كان خطأ وسيسيء لوضع إسرائيل ، ولا أعتقد أننا سنقضي على الإرهاب عن طريق تصفية القياديين “.
كما انتقد رئيس جهاز الموساد السابق، أفرايم هاليفي اغتيال ياسين، معتبرا إياها خطأ فاحشا، مضيفا:” ياسين أحد القادة المعتدلين جدا لحركة حماس، وبفضله امتنعت الحركة عن تنفيذ عمليات ضد أهداف يهودية وإسرائيلية في الخارج، وبفضله امتنعت حماس عن الدخول في حرب مع السلطة الفلسطينية، وهو أحد القلائل الذين يؤمنون بإمكانية الدخول في اتفاقيات مرحلية مع إسرائيل”.وولد الشيخ أحمد ياسين في 28 حزيران/ يونيو عام 1936، في قرية الجورة الواقعة جنوب (فلسطين التاريخية)، قبيل احتلال العصابات الصهيونية لها وإعلان دولة إسرائيل.
وتعرض ياسين لحادثة كسر في فقرات العنق، أثناء ممارسته الرياضة وهو شاب، أدت إلى إصابته بشلل تام في جميع أطرافه.وعمل مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية، في مدارس غزة.وتبنى ياسين، منذ صباه، أفكار جماعة الإخوان المسلمين التي أُسست في مصر على يد حسن البنا.واعتقلته إسرائيل عام 1983 بتهمة حيازة أسلحة، وتشكيل تنظيمٍ عسكري، والتحريض على إزالة إسرائيل من الوجود، وصدر بحقه حكم بالسجن 13 عامًا، لكن أفرج عنه عام 1985 في عملية تبادل للأسرى بين إسرائيل، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة).
وفي نهاية عام 1987م أسس الشيخ أحمد ياسين مع مجموعة من قادة جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، تنظيم “حركة المقاومة الإسلامية” المعروف اختصارا باسم “حماس″,وأعادت إسرائيل اعتقال مؤسس “حماس″ عام 1989م، وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة، إضافة إلى 15 عامًا، على خلفية التحريض على أسر وقتل جنود إسرائيليين، وتأسيس “حماس″ بجهازيها العسكري والأمني.وأطلقت إسرائيل سراح ياسين، في عملية تبادل أخرى في أكتوبر/تشرين الأول، عام 1997 جرت بين الأردن وإسرائيل، في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لـ”حماس″ خالد مشعل في العاصمة عمان.
وفي مقابل الإفراج عن ياسين، أفرجت الأجهزة الأمنية الأردنية عن اثنين من عملاء الموساد اللذين حاولا اغتيال مشعل.