التوسع الإيراني قائم بالأساس على قاعدة عقائدية إيدولوجية توسعية ... وبالتبعية لذلك فالتوسع الإيراني يتمدد ويتوسع ويتضخم كلما زاد عدد الحروب اللامتوازية التي يخوضوها بمنهج حشد وتعبئة توسعي.
أما بخصوص قدرة التوسع الإيراني ونظرتي لها:
فلا أكذبك القول أخي الكريم إن سياسات دول الخليج الأخيرة أدت لفقدان دول الخليج لأقوى مظلة فعلية تتمتع بها ... ألا وهي مظلة التواصل مع أهم مكونات نسيجها الاجتماعي المحلي والاقليمي والعالمي.
فدول الخليج قد حرمت نفسها بنفسها من أقوى ما تملكه مطلقا في مواجهة إيران ... وهو وحدة النسيج المجتمعي وما أقصده هنا هو الوحدة المجتمعية الحقيقية وليس ما يروج بالإعلام كما نفهم.
دول الخليج في توجاهتها الحالية لو افترضنا جدلا صحة توصيف جماعات أهل السنة بالجماعات المعادية لدول الخليج مع إن هذا الوصف بالقطع غير صحيح هكذا على مجمله آبدا.
ولكن حتى لو سلمنا بتلك الفرضية العرجاء ... ولكن مما لا شك فيه إن حتى لو سلمنا بأن جماعات أهل السنة أعداء بشكل ما لدول الخليج ولكن على الأقل أليسوا أقل الأعداء مطلقا خطرا على دول الخليج...
بل دعوني لا أخفيكم جميعا سرا عندما أقول لكم أن التوجهات العامة القاطعة الموجهة لكافة جماعات وحركات أهل السنة كانت توجيهات وتوجهات صريحة تماما بتجنب أي مواجهات من أي نوع مع دول الخليج إلا ما كان من مواجهات سياسية لا تتصادم مع وجود النظم السياسية القائمة ولكنها مواجهات محدودة تهدف لتحصيل مكاسب تقليدية مثل مصالح عقائدية أو معتقلين أو غير ذلك ... أما أي مواجهات تفوق ذلك فكانت هناك توجهات قاطعة بمنعها لأن أهل السنة حول العالم مشغولون بالفعل بما هو أهم وأخطر من ذلك بعشرات المرات.
ولكن دول الخليج وضعت وحشرت كل تلك الجماعات المنتمية لأهل السنة في خانة ضيقة جدا ... ولدرجات غير مفهومة وغير مبررة آبدا.
فضلا عن ما سبق فحتى الثورات الإسلامية المباركة التي تسمى بالإعلام بالربيع العربي.... فحتى التوجهات والتوجيهات الموجودة لدى عموم حراك الربيع العربي الإسلامي في العالم كله ليست هي إسقاط مباشر للأنظمة كما يدعي الكثير.
بل إن توجهات وتوجيهات الربيع الإسلامي واضحة وقاطعة جدا .... إن الهدف والشرط الأساسي من الثورات الحالية ليس إسقاط الأنظمة أو الأفراد بقدر ما هو تحقيق الإصلاح المنشود...
حتى لو جاء بهذا الإصلاح الأنظمة الحاكمة أو أفراد الحكام ... فساعتها فهذه الإصلاحات تعتبر جزء واضح من مسيرة الثورات الإصلاحية.
أي أن الشرط لم يكن كما يشاع آبدا بإسقاط الأنظمة ... ولكن الشرط هو الإصلاح حتى لو كان على أيدي الأنظمة نفسها فيجب دعمه ومساندته.
فالثورات الإسلامية المباركة الكبرى لا تشترط الثورات كمنهج إصلاحي ومن قال ذلك عنها فهو كذاب كان من كان ولكن شرط الثورة الإسلامية المباركة الكبرى هو الإصلاح وتصحيح المسارات حتى لو كان هذا الإصلاح من داخل الأنظمة نفسها وليس من خارجها.
وهذا كان معلوم ومفهوم وتم تكراره بمعانيه عدة مرات سابقة.
فأين الخطر على دول الخليج هنا؟؟؟
بل دعني أسألك سؤال أكثر وضوحا:
أين هو الخطر المزعوم على الأنظمة هنا؟؟؟ لماذا تصر الأنظمة على توجهاتها الغير مبررة؟؟؟ ما هي المشكلة الحقيقية التي تريد علاجها؟؟
يا أخي الكريم ... دول الخليج تقف في مفترق طرق خطير...
ودعوني لا أخفيكم سرا أخر..
من يقف حجر عثرة ويمنع من إبتلاع إيران للبحرين هو الثورة الإسلامية المباركة نفسها وهذا يعلمه كل أهل الشأن ... ولدرجة أن إيران لا تتجرأ لتخطي الحدود المرسومة لها وهذا هو ما يبقي البحرين تمتع بحد أدنى مناسب من الاستقرار.
فكيف يتحول كل هذا الغطاء السياسي والدعم والاسناد القوي جدا والمؤثر جدا من الثورة الإسلامية المباركة عند دول الخليج إلى العكس تماما؟؟؟
وهناك الكثير والكثير والكثير .... وذلك ليس حبا في الأنظمة ولكن لأن تلك الأنظمة بالفعل تحكم وتتحكم في مصالح أهل السنة بالجزيرة العربية وتتشابك مصالحها في أحيان كثيرة جدا مع مصالح الشعوب نفسها وهذا يجعل دعمها بنسب متفاوتة مسبقا أمر لا مفر ...
ولكن الآن وبعد كل ذلك لنا أن نتخيل أن دول الخليج تستمر في حشر جماعات أهل السنة إلى زاوية ضيقة جدا جدا وتفرض عليهم صراع وجودي غامض الأهداف. مع إن تلك الجماعات هي مصدر القوة الحقيق بعيد المدى لتلك الدول بل وحتى بشكل ما للأنظمة نفسها؟؟؟
فليتكم تشرحوا لنا وتنورنا بعلمكم.
مع العلم إن كلامنا هنا ليس لدول الخليج وحدها ... ولكنه كلام عام وجه لكل الدول العربية والإسلامية ... بل هو أيضا كلام عام الأنظمة الحاكمة بكل الدول الإسلامية.
وهو رسالتنا للقمة العربية أو الإسلامية القادمة.
إن الشرط الحقيقي الوحيد لدى الثورة الإسلامية المباركة الكبرى ليس العداء أو المواجهة الصدامية الثورية مع الأنظمة القائمة .... ولكن شرطنا القطعي العقائدي الوجودي الذي لا تنازل آبدا عنه هو تحقيق إصلاح إسلامي منشود لكافة شعوبنا وأمتنا .
فنحن لا نشترط الثورة كمنهج للتغير ... ولكننا نشترط الإصلاح الإسلامي فقط ومن قام به كان من كان فهو مقبول منه على قدر ما حقق. ومشكور عليه.
وهذه الرسالة تم توضيحها بطرق مختلفة سابقا ومتعددة.
كما أننا نوضح إن الإصلاح المطلوب لا يتصادم مع كيانات من أي نوع بقدر ما يتصادم سياسات وتوجهات ...
كما أننا نوضح إننا لا نلزم أحد من الإصلاح إلا بالقدر المتفق والمجمع عليه بين كل عقلاء الأمة حتى لو كانوا منتمين للأنظمة. وهذا خروجا من المختلف فيه والتجمع حول القضايا الرئيسية الجامعة والمصالح الجماعية القطعية.
كما أننا لا نعادي كيانات ما ... بقدر ما نعادي سياسات معلوم فسادها وضررها على الجميع والمصالح الظنية لفئة ما من تلك السياسات لن تكون في حقيقتها مصالح حقيقية لتلك الفئة ولكنها بطبيعة الحال ستنقلب إلى مفاسد ضدها ... والأمثلة كثيرة جدا... فمصلحة الأمة العامة هي المعيار الأفضل للجميع مع أننا نقول أيضا أن المصلحة العامة هنا بالقدر المجمع عليه بين عقلاء الأمة كافة.
مع العلم إن كل الكلام السابق ينطبق تماما على رسالتنا لإيران وللقادة الإيرانيين ... فتفكيك إيران والتصادم المستمر معها ليس هو الشرط المحوري في علاقتنا معها ... بل على العكس تماما فالشرط المحوري الحاكم لعلاقتنا معها هو الإصلاح وهناك تفصيلات سابقة منشورة بهذا الصدد.
كل ما / وكل من يتوجه من أفراد أو كيانات للإصلاح على قاعدة التسليم المبدئي التام بعدالة وحاكمية القرآن وما يلزم ذلك وعدم تمزيق تلك القاعدة التي تشكل المحور المركزي والهيكلي والبنيوي للنسيج الاجتماعي والتاريخي ... فهو على كل الرحب وكل السعة ... ثم لينتهج منهج إصلاحي مؤسس على القاعدة السابقة .. سواء كان إصلاح تدريجي أو جذري أو هيكلي أو بنيوي أو متدرج أو غير ذلك من إصلاحات يسهم في ترميم النسيج المجتمعي والجماعي العام للمسلمين وترميم شوكتهم والحفاظ على ثوابت الإسلام فهو على كل الرحب وعلى كل السعة.
المشكلة مع إيران خاصة ومعظم المشاكل الاقليمية الأخرى التي تواجهها دول الخليج في العموم هي إن دول الخليج لا تستطيع توصيف الصراع بصورة واضحة وشفافة وحقيقية لأن هذا يتعارض تماما مع المحاذير العليا المفروضة من أمريكا ومن يدير أمريكا على دول الخليج خاصة وكل الدول السنية عامة .
لأن الهوية الإسلامية السنية التي تمثل الهوية الإسلامية الصادقة تثير إزعاج بالغ وتوتر غير عادي لدى الأمريكان ومن يدير الأمريكان.
لذلك أمريكا تفرض حالة من تحجيم إجباري قسرية مفروضة أي محاولات ناجعة لتوصيف الصراع ... كما أن أمريكا كانت تتذرع بأن دول الخليج ليست بحاجة لهذا التأصيل والتعميق الجيوسياسي العقدي لأن أمريكا زعما تتكفل بحماية الخليج.
ومن خلال سياسة العصا والجزرة تم اجبار دول الخليج على إبتلاع هويتها الأساسية الوحيدة التي تستطيع من خلالها الحفاظ على مصالحها بل ومصالح الأنظمة الحاكمة نفسها على المدى الزمني الطويل.
والآن وبعد تعاقب أحقاب من الضغوط والسياسات الأمريكية تحولت المحاذير الأمريكية لمعايير رقابة ذاتية مشددة تمارسها دول الخليج على نفسها لمصلحة ترضية الأمريكان والارتباط اللاواعي بمنظومة المحاذير والرقابة الذاتية السابقة.
ثم تحول الأمر الآن لحرمان دول الخليج من هويتها الواضحة القادرة فعليا على تحقيق توازن عميق ومؤثر وفائق القوة ثم لم تكتفي أمريكا بذلك ولكنها أيضا رفعت الغطاء الأمريكي الممنوح للخليج وصار التقرب مع أمريكا مطلب أمريكي ويهودي ملح لأن استمرار الضغط الغربي على إيران كان يجعل احتمال الإصلاح الداخلي في إيران بالعدول عن الباطنية والتقارب العميق مع أهل السنة وحالتها الجهادية .. كل ذلك دفع الأمريكان واليهود للخوف من سيناريو الرعب الأكبر وهو توحد الأذرع والجماعات العسكرية السنية والشيعية ضد الأمريكان واليهود بشكل أو بأخر وقد يصل لاحتمالات بعيدة مرعبة جدا لليهود ثم الأمريكان...
فكانت أوامر اليهود والملعون الذي يتحكم في اليهود بأن يتم وضع الأمريكان في حالة مقاربة سريعة مع إيران ... على أن تبقى الحالة اليهودية مع إيران على ما هي عليه حتى تبقي كل السيناريوهات في أيديهم.
أين دول الخليج من كل هذا؟؟؟
لماذا تقبل بسحق نفسها بنفسها؟؟؟ ولمصلحة من؟؟؟ ولماذا تعمل جاهدة على طمس أهم عامل قوة فارقة جيوسياسية وجيواستراتيجية تمتلكها؟؟؟