كما يتابع الجميع .. بدأ الملك محمد السادس جولته الافريقية منذ أيام ..
اليوم نخص الحديث بدولة مالي .. و تحولها الى بوابة للمغرب على افريقيا و مجال حيوي له .. و استفادتها من ثقل وزن المملكة في عديد المجالات .. خصوصا الأمنية و العسكرية ..
تشكل المشاركة الفعالة للمغرب في الحرب على الإرهاب والانفصال في مالي فرصة تاريخية تطرح عليه بجدية تطوير أدائه الدبلوماسي بما يعزز دوره الإفريقي المؤثر في القضايا المصيرية ذات الصلة بمصالح المغرب وريادته الإقليمية أطراف عدة انتزاعها منه بغرض تهميشه والإضرار بوحدته الترابية ، بحيث ظلت هذه الأطراف ترفض دعوة المغرب للمشاركة في اللقاءات أو المؤتمرات التي تعقد في موضوع الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء. ذلك أن موقفها المفضوح الرافض للحرب على الإرهاب في شمال مالي يخفي إستراتيجيتها متعددة الأبعاد والمستويات ، لكنها تلتقي عند استهداف المغرب في وحدته الترابية واستقراره السياسي ونموذجه التنموي وعمقه الإفريقي ودوره الإقليمي والدولي .
واستحضارا لكل المناورات التي تروم تقزيم الدور المغربي ، ينبغي التنبيه إلى ضرورة الربط بين خطر الإرهاب وخطر الانفصال ، ليس فقط في مالي ، بل في عموم القارة الإفريقية على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي معا . ومن يساند الانفصال هو بالضرورة يساند الإرهاب ويغذيه بناء على ما كشفت عنه التطورات والأحداث التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء من تداخل المصالح والأهداف بين العناصر الانفصالية والتنظيمات الإرهابية . ولعل مشاركة ثلاث مائة من عناصر البوليساريو في القتال إلى جانب التنظيمات المتطرفة للسيطرة على شمال مالي أو في عمليات اختطاف الرعايا الأجانب ، سواء في موريتانيا أو من داخل مخيمات لحمادة على التراب الجزائري ، أو تحالف حركة أنصار الدين الانفصالية مع حركة التوحيد والجهاد دليل قاطع على حجم الخطر الذي يمثله الانفصال والإرهاب على أمن الدول واستقرارها . من هذا المنطلق ، فالمغرب مطالب بحسن استثمار مشاركته الفعالة في التدخل العسكري الذي قررته مجموعة إكواس بدعم أممي . ويمكن للمغرب أن يركز على استثمار العناصر التالية :
1ـ تجربته الطويلة والخبرة التي راكمها الجيش المغربي في حرب الصحراء ضد فلول الانفصال ، الأمر الذي يجعل المشاركة المغربية ليس فقط تعبيرا عن الدعم والتضامن مع دولة مالي وشعبها في إطار أممي ، بل عاملا محدّدا لمصير الحرب في شمال مالي . فالبيئة الجغرافية والمناخ الصحراوي والحرب غير النظامية ، كلها عناصر خبرها الجيش المغربي وأثبت كفاءته في التعامل معها .
2ـ السمعة الطيبة والانضباط اللذين تميزت بهما التشكيلات العسكرية المغربية في كل المشاركات التي أشرفت عليها الأمم المتحدة . ومن شأن هذين العنصرين أن يخلقا ويدعما أجواء الثقة بين الشعب المالي والقوى العسكرية التي جاءت لتحميه من الإرهاب والانفصال .
3ـ تجربة اللامركزية والجهوية التي قطع فيها المغرب أشواطا ؛ إذ من شأن اعتماد نظام الجهوية الموسعة في مالي أن ينهي الصراع السياسي بين الحكومة المركزية والشمال الأزوادي الذي ظل يعاني التهميش والإقصاء من فرص التنمية . وستكون تجربة الجهوية الموسعة مجالا لتأهيل الأزواديين على ممارسة الحكم الذاتي الذي يطالبون به في مقابل التخلي نهائيا عن فكرة الانفصال عن الوطن الأم ..
4ـ مشروع الحكم الذاتي كإطار سياسي يمكن أن يقترحه المغرب على حكومة مالي لمواجهة خطر الانفصال الذي يتهدد الوطن . فالمغرب ومالي يواجهان نفس الإشكال ، ومن شأن التنسيق بينهما أن يقبر النزعات الانفصالية في المنطقة ويقطع الطريق على المناورات الجزائرية التي تدعم الانفصال في حالة المغرب وترفضه في مالي .
5ـ تجربة المصالحة الوطنية وجبر الضرر الجماعي التي راكمهما المغرب يمكن نقلها إلى الماليين من أجل تجاوز ماضي الصراع السياسي والإثني الذي طبع عقود ما بعد الاستقلال وترك جروحا عميقة في نفوس وذاكرة الأزواديين من شدة ما واجهوه من تقتيل الأنفس وتهميش الجغرافيا . وإذا كانت فرنسا تدعو الرئيس المالي إلى فتح حوار بين الجنوب والشمال ، فليجعلها المغرب مناسبة لبسط تجربته على الأطراف المالية تجسيرا للهوة وربحا للجهد والوقت لإعادة بناء الثقة بما يحترم الخصوصية الثقافية لكل جهة ويضمن الحقوق السياسية لكل الأطراف .
6ـ العلاقات المتينة التي تربط بين أمازيغ المغرب وأزواد مالي ، يمكن استثمارها في إطار الدبلوماسية الموازية لدعم جهود المصالحة وتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة الانفصال والتطرف ، خصوصا وأن الحركة الوطنية لتحرير أزواد تساند الوحدة الترابية للمغرب رغم الضغوط التي مارستها الجزائر على قيادة الحركة من أجل تغيير موقفها . ولعلها أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الجزائر تختص حركة أنصار الدين المتشددة بالمساندة المطلقة .
7ـ الحياد الإيجابي للمغرب في الصراع الداخلي الذي عرفته مالي على مدى العقود الماضية . فالمغرب لم يكن طرفا في هذا الصراع ولم يدعم جهة ضد أخرى . ومن شأن هذا الحياد أن يوفر الأجواء المناسبة لقيام المغرب بوساطة هادفة بين الأطراف المالية للدخول في حوار سياسي بنّاء يمهد لمرحلة الانتخابات المقبلة التي حدد لها الرئيس موعدا يوم 31 يوليوز المقبل . ومن شأن هذه الوساطة أن تضمن مشاركة واسعة في هذه الانتخابات تقطع مع عهد الانقلابات العسكرية .
8 ـ الموقف المساند للقضية المالية الذي اتخذه المغرب على المستوى الأممي ، حيث أسهم ترؤسه لمجلس الأمن خلال شهر دجنبر الماضي في إصدار القرار رقم 2085 الذي يقضي بنشر القوة العسكرية في مالي لمساعدتها على استرجاع الشمال الذي سيطرت عليه التنظيمات المتطرفة . وخلف هذا الموقف المغربي ارتياحا كبيرا في أوساط الشعب المالي الذي حافظ على احترام وسلامة الجالية المغربية خلافا لأعمال الانتقام التي طاولت الجالية الجزائرية .
9 ـ العلاقة الطيبة بين المغرب ومالي ، والتي جعلت الرئيس المالي بالوكالة يطلب الدعم السياسي والعسكري من المغرب لمواجهة خطر الانفصال والإرهاب ، من شأنها أن تدعم تدخله لدى السلطة المالية لوقف أعمال الانتقام من المواطنين المحليين أو من الرعايا العرب بتهمة التعاون مع التنظيمات المتطرفة . فأعمال الانتقام التي تحدثت عنها الهيئات الحقوقية ستشيع مشاعر الرفض والانتقام من رموز الدولة المالية ، كما ستعرقل جهود المصالحة .
و سبق للادارة الأمريكية أن ثمنت الموقف المغربي و قالت
إنها تحيي الجهود التي يبذلها المغرب في إحلال السلام والأمن، من خلال الجولة الإفريقية الأخيرة، التي قادت الملك محمد السادس إلى مجموعة من البلدان الإفريقية وعرفت توقيع اتفاقيات تعاون في شتى المجالات.
وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن إدارة الرئيس باراك أوباما تنظر بشكل جيد إلى الجهود المغربية لإيجاد حل للأزمة في مالي.
وقال الناطق الرسمي باسم مكتب الشؤون الإفريقية، في ندوة صحفية، إن إدارة الرئيس أوباما تحيي المغرب على الجهود التي بذلها من أجل وقف النزاع في مالي، مضيفا أن السلام والأمن في مالي يظل مهما وأساسيا لأمن وسلام منطقة الساحل والمنطقة ككل.
كما أكد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عند زيارة الملك محمد السادس الأخيرة لواشنطن، أقر بزعامة وجهود المغرب لإقرار السلام والأمن في القارة الإفريقية، وكذلك في مجالات متعددة، بما فيها التنمية والحفاظ على الهوية الثقافية والدينية لبلدان القارة.
وكان الملك محمد السادس، في ختام زيارته لمالي، قد جدد رغبة المغرب «في المساهمة في التوصل إلى تسوية» للنزاع في شمال مالي وتداعياته في كل المنطقة.
المغرب تحرك جنوبا لان الاوضاع السياسية اقليميا ودوليا مناسبة .. تحرك لان العقليات التي سادت افريقيا تغيرت واصبحت تؤمن اكثر بالشراكات بدل التبعيات العمياء لمستعمريها وانتظار دعمهم وصدقاتهم... المغرب يخطو نحو المستقبل بخطى ثابتة وينوع صداقاته وشراكاته فهاهي ابناك مغربية توقع يوم امس بشراكة مع ابناك يابانية عقودا استثمارية بالكوت ديفوار وهي اشارة بليغة الى ان الاعتماد على المستعمر الفرنسي اصبح من الماضي .. وان الولاء الحقيقي هو لمصلحة هذا البلد اولا واخيرا وان التحالفات مستقبليا ستبنى فقط على هذا الاساس.. تنويع الحلفاء والشراكات سيغضب فرنسا وهذا طبيعي .. المغرب الان حجر الزاوية في الحرب على الارهاب ببلدان الساحل والصحراء وبوابة افريقيا الامنة للمستثمرين الاوروبيين والامريكين الذين يحلمون بمنافسة الصين واليابان والهند على الاسواق الافريقية .. وهو يعرف حاجتهم اليه وقد بدأ يستغلها بالشكل المناسب للحفاظ على مصالحه الوطنية والسياسية للرجوع لدوره الريادي كلاعب اساسي في العمق الافريقي والدولي .. و بالتالي تحوله الى قوة اقليمية مؤثرة ..