بناء قوة دفاع عسكرية خليجية مشتركة
لم تكتفِ عُمان بمبادرة دول الخليج العربية، كلٌّ على حدة، إلى إعادة بناء قوتها العسكرية وقدرتها الدفاعية؛ فرفعت لواء الدعوة لبناء قوة دفاع عسكرية مشتركة، قوامها 100 ألف جندي، من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي الست. وقدم السلطان قابوس بن سعيد تقريره في شأن هذه القوة (بناؤها ـ الهدف من إنشائها)، في قِمة مجلس التعاون، في الكويت، في ديسمبر 1991.
ولا شك أن إنشاء هذه القوة، سيزيد القدرات العسكرية لدول مجلس التعاون؛ كما سيكون انتقالاً من مرحلة، كانت القوة المشتركة فيها مجرد قوة رمزية، لا تملك أي قدرة على الردع، كما هو حال قوة "درع الجزيرة" إلى مرحلة، تكون فيها القوة المشتركة ذات مغزى إستراتيجي ودفاعي مهم. ولكن، ثمة متطلبات عديدة، بشرية ومالية وفنية، تستلزمها عملية بناء هذه القوة.
إن بناء هذه القوة الضخمة، بمعايير دول عربية خليجية ذات كثافة سكانية محدودة، سيقتضي تغييراً في نظام التجنيد والتعبئة فيها. فثمة دول عربية خليجية تبلغ نسبة مواطنيها 25% فقط، من إجمالـي عدد سكانهـا. وإذ يُحرص على اقتصار تلك القوة على مواطنين بالسلالة أو بالمولد فقط، فلا بدّ، والحال هذه، أن تسهم كل من سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية، بالجزء الأكبر من بنائها.
كذلك تثير عملية تشكيل هذه القوة مشكلات عملية، من قبيل تحديد ملامح واضحة لأنظمة القيادة والسيطرة، والاتصالات، وسلطة اتخاذ القرار في شأن تحريك القوات .. إلخ. فإن نجحت دول مجلس التعاون في إيجاد حلول لهذه المشكلات، على أساس عملي، واقعي، يحقق المصلحة المشتركة؛ فعسى أن تكون هذه القوة المشتركة، المُزمع بناؤها، لَبِنَة مهمة جداً في بناء قوة ردع للدول العربية الخليجية[1].
وتتزعم عُمان الاتجاه، الذي ينادي بالاعتماد على الذات. وهو ما يمثل توجه اللجنة الأمنية العليا، التي شكلها مجلس التعاون الخليجي، برئاسة السلطان قابوس، سلطان عُمان. وعقدت هذه اللجنة اجتماعات عدة، لرؤساء أركان قوات مجلس التعاون الخليجي. وفي اجتماع رؤساء أركان جيوش دول مجلس التعاون، في مسقط، في 22 أكتوبر 1991، وضع التصور الخاص لتشكيل قوة من دول مجلس التعاون الخليجي، تكون مستقلة، وتتداول دوله قيادتها وألا يقلّ حجمها عن مائة ألف جندي، من أبناء دول المجلس، ويُحدد قادته مقر تمركزها. ورفع رؤساء الأركان توصية، في هذا الخصوص، إلى السلطان قابوس بن سعيد.
وفي قِمة المجلس الثانية عشرة، في الكويت (23 ـ 25 ديسمبر 1991)، قدم السلطان قابوس تقريراً إستراتيجياً مفصلاً، في خصوص هذه القوة المشتركة، التي عرفت، فيما بعد، باسم "الجيش الخليجي الموحد". لكن القمة لم تصدر قراراً محدداً، في شأن هذا التقرير الذي تحمست له سلطنة عُمان، والسلطان قابوس نفسه. واقتصر بيانها الختامي على الشكر للسلطان قابوس، للجهد الذي بذله في إعداد التقرير الإستراتيجي.
وفيما بعد، أعلن عبدالله بشارة، الأمين العام (السابق) للمجلس، أن فكرة "الجيش الخليجي الموحد"، التي طرحها السلطان قابوس، "أحيلت للدراسة"، مما يعني التحفظ من الفكرة ضمناً؛ وهو ما سيتأكد في معظم الاجتماعات، التي تدارست الفكرة مُجدداً، ولا سيما اجتماعات رؤساء الأركان، ووزراء الدفاع، والقِمة الثالثة عشر، التي عقدت في أبو ظبي (21 ـ 23 ديسمبر 1992).
كما ظهر التحفظ من الفكرة، مبكراً، في مسقط، في 22 أكتوبر 1991. ففي 2 أكتوبر 1991، سافر يوسف العلوي، وزير الدولة العُماني للشؤون الخارجية، إلى الرياض، حيث التقى صاحب السمو الملكي، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، النائب الثاني لرئيس الوزراء، ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام السعودي، لبحث الاقتراح العُماني، المتعلق بإنشاء "الجيش الخليجي الموحد". واتضح، فيما بعد، أن المملكة العربية السعودية، قد تحفظت من اقتراح عُمان، في اجتماع رؤساء الأركان (27 ـ 28 أغسطس 1991)، في مسقط. ولذلك، لم يعقد الاجتماع التالي لرؤساء الأركان، الذي كان مقرراً انعقاده في 2 أكتوبر 1991، وهو اليوم عينه، الذي زار فيه العلوي الرياض، لمناقشة الموضوع مع وزير الدفاع السعودي.
وبعد تقديم رؤساء الأركان الاقتراح، رسمياً، إلى السلطان قابوس، عقب اجتماعهم في مسقط، في 22 أكتوبر 1991، أخذت ردود الفعل، المتحفظة ثم الرافضة، تظهر تباعاً، معلنة عدم الثقة بإمكانية تنفيذ الفكرة، أو بجدوى هذا الجيش؛ أو مؤكدة التحفظ من فكرة منح مجلس التعاون سلطة فوق سلطات الدول الأعضاء، الراغبة في التمسك بسيادتها المطلقة، من دون أي انتقاص، مع الاستمرار في تحجيم دور المجلس كإطار لتنظيم التعاون المشترك فقط، بين الدول الأعضاء.
وفي الاجتماعَين التمهيديَّين لقِمّة الكويت (ديسمبر 1991)، اللذَين عقدهما وزراء الدفاع ووزراء الخارجية، لم يرِد أي دعم أو تأييد لفكرة "الجيش الموحد". واكتفى بيان وزراء الدفاع (20 نوفمبر 1991)، في الدوحة، بتقرير "استمرار اللجان المختصة بدراسة كافة الموضوعات، في ضوء التجربة الناتجة عن الغزو العراقي للكويت، واستخلاص أفضل العبر من هذه التجربة، من أجل تحقيق مبدأ الأمن الجماعي".
وقبْل يومَين فقط من انعقاد تلك القِمة، أدلى الشيخ الصباح الأحمد الجابر الصباح، وزير الخارجية الكويتي (السابق)، بحديث صحفي، وصف فيه فكرة "الجيش الخليجي الموحد"، بأنها "فكرة رائعة وممتازة، ولكن دول المجلس، ليست مهيأة لها الآن، وأنها قد تحتاج إلى ثلاثين أو أربعين سنة قادمة، حتى تتحقق".
وقد أكدت مقررات قِمة أبو ظبي، وما سبقها وما أعقبها، من اجتماعات لرؤساء الأركان ووزراء الدفاع، أن سلطنة عُمان، تقف، وحدها، وراء فكرة القوة العسكرية المشتركة.
وحاولت السلطنة إقناع دول المجلس بأهمية تنفيذ هذه الفكرة، التي وضعها رئيس الأركان العُماني، مؤكداً أنها "الأساس القوي لحماية أمن واستقرار الخليج"، وأن دول مجلس التعاون، تمتلك القوة، البشرية والمادية، والإدارة اللازمة لبناء هذه القوة. وقدم كل المبررات، الكافية للإقناع بتنفيذ الفكرة، وأهمها أن أي دولة، مهْما كانت قوتها الذاتية، لن تستطيع، بمفردها، التصدي لعدوان؛ وأنه لن يكون في مقدور أي دولة، أن تدفع كامل قواتها إلى الدفاع عن دولة أخرى، في وقت ستكون فيه هي نفسها معرضة للعدوان.
وكان التحفظ الخليجي من فكرة تشكيل هذا الجيش، وإعلان إرجائها لفترة أخرى مقبلة، هما اللذَين حدّدا بِنْية النظام الأمني، وحوّلاه نظام أمني جماعي موحد، إلى مجموعة نُظُم أمنية ذاتية، وتعمل كل دولة، من خلالها، وفق منظورها، ووفق إمكاناتها في العمل الجماعي، وبما لا يعارض مسؤوليتها عن حماية أمنها واستقرارها.
لكن التحفظ من فكرة "الجيش الخليجي الموحد" بعث، مجدداً، فكرة الاحتفاظ بقوات "درع الجزيرة" وتطويرها، لتكون نواة ذلك الجيش، في مرحلة مقبلة. وناصر مع هذه الفكرة المملكة العربية السعودية بخاصة، ثم الكويت والبحرين. في حين كانت قطر قد سحبت جنودها، المائتَين، من تلك القوة، عقب خلافاتها الحدودية مع المملكة العربية السعودية، في 14 أكتوبر 1992.
وما تأييد الرياض فكرة دعم قوات "درع الجزيرة"، إلا لرفضها فكرة عُمان، بناء "الجيش الخليجي الموحد"، لأن المشاكل الاجتماعية واللوجستية، ومشاكل القيادة والسيطرة، يجب أن توضع في الحسبان وأماكن تمركز وحدات هذا الجيش، واتجاهات عمله، يجب أن تحدد تحديداً دقيقاً..
وأيدت البحرين، على لسان الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة، وزير الدفاع البحريني، فكرة تطوير قوات "درع الجزيرة"، على أساس أنها "نواة الجيش الخليجي الموحد" الذي أيّدته البحرين، كذلك، من حيث المبدأ.
كذلك حظيت قوات "درع الجزيرة" بتأييد الكويت، التي وجدت فيها بديلاً من "الجيش الموحد"؛ والتي تعتمد على الضمانة العسكرية الأمريكية في حماية أمنها، إضافة إلى الاتفاقيات العسكرية الأخرى، مع بريطانيا وفرنسا.
وتبنَّى مجلس التعاون الخليجي الفكرة، رسمياً؛ إذ قرر وزراء الدفاع المجتمعين في الكويت (14 ـ 15 نوفمبر 1992)، الاستمرار في الحفاظ على "درع الجزيرة".
وأعلن الشيخ علي سالم الصباح، وزير الدفاع الكويتي، أنه قد اتُّخذ قرار، في شأن تكوين القوة العسكرية الخليجية، من خلال "درع الجزيرة"؛ وربط القيادة والسيطرة، من خلال القيادة المشتركة. وأكد هذا الموقف الفريق الركن صالح المحيا، قائد القوات البرية السعودية، في تصريح، قال فيه: "إن دول مجلس التعاون، جادة في تدعيم قواتها من قوة "درع الجزيرة" ".
كما أكد ذلك صاحب السمو الملكي، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، بقوله: "إن الإستراتيجية الموحدة، لدول مجلس التعاون الخليجي، في مجال الدفاع، ستكون في دعم قوة "درع الجزيرة" "، التي رأى أنها امتداد للتعاون العسكري الخليجي، وأنها تمثّل نواة قوة مسلحة مكثفة، لخدمة دول المجلس، ونصرة الأمة العربية.
أما الفريق الأول الركن خالد بن سلطان، فقال، في كتابه "مقاتل من الصحراء":
"إن حرب الخليج أثبتت " الحاجة الماسة إلى دفاعات جماعية قوية، في منطقة الخليج ... فمن الوجهة الأمنية، تُعد المملكة، وجيرانها من دول الخليج، كلاً متكاملاً ... ولو كان ثمة تكامل عسكري بين المملكة ودول الخليج، لتشكل جميعها كتلة قوية، لكُنّا أقدر على الدفاع عن أنفسنا، ولكان لنا ثِقَل سياسي، على مستوى المنطقة، بل على مستوى العالم. إن الأمن الجماعي، على مستوى دول الخليج ... أمر تفرضه الظروف الراهنة، على أن تضطلع المملكة فيه بدور بارز، لِمَا لها من إمكانات أكبر وقوات أكثر عدداً وعدة.
علمتنا الأزمة، أن الدفاعات الخليجية، بالشكل الذي كانت عليه عام 1990، دفاعات غير كافية على الإطلاق لمواجهة عدوان صدام. لم تكن قوة "درع الجزيرة"، الجناح العسكري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، قوية بالقدر الذي يمكّنها من ردع العراق أو التصدي له، بمفردها. ومن هنا، تظهر أهمية إعادة النظر في الترتيبات الدفاعية الجماعية.
والحل، من وجهة نظري، لا يكمُن في قوة مثل قوة "درع الجزيرة"، التي شُكلت على أساس اعتبارات سياسية، لا تقلّ أهمية عن الاعتبارات العسكرية. ولا يكمُن، بالمثل، في جيش كبير، يتشكل من دول مجلس التعاون، كاقتراح قوة من 100 ألف رجل. فعلى صعيد الواقع، نستبعد موافقة الدول الأعضاء على تخصيص أفضل وحداتها، بشكل مستديم، لتشكيل قوة دفاع إقليمية كهذه. ثم أين سيتم انتشار هذه القوة ؟ ومَن الذي سيقوم بتمويلها وتموينها؟…
لا شك أن آرائي حول أمن الخليج، هي وليدة خبرتي بالأزمة، فقيادة القوات المشتركة، التي أنشأناها، آنذاك، لتعبئة وتدريب وتجهيز قواتنا الخليجية والقوات الصديقة للمعركة، يمكن أن تكون أنموذجاً لقيادة عسكرية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
لذا، أقترح إنشاء قيادة عسكرية مشتركة، يكون مقرّها الرياض، ويُعَيّن فيها ضباط محترفون، من أعلى المستويات. على أن لا تنضم أية قوات عسكرية، بصفة مستديمة، إلى هذه القيادة، بل تبقى كل قوة في بلدها، وتُستدعى فقط عند تنفيذ التدريبات المشتركة أو مواجهة الأخطار.
وفي حالة الحرب، تكون مهمة القيادة الدائمة، هي ممارسة القيادة العملياتية على قوات دول مجلس التعاون، لردعْ أي عدوان محتمَل، أو دحْر أي عمل عدائي. أما في حالة السلم، فتكون مهمة القيادة .. تقييم الأخطار .. تحقيق التنسيق بين القوات .. تقديم المشورة إلى الدول الأعضاء .. إنشاء مركز مشترك للاتصالات والاستخبارات والعمليات العسكرية ... إلخ. ومن المهام الأولى لمثل تلك القيادة، تحديد الإسهام العسكري لكل دولة من الدول الأعضاء، بشكل مفصل.
وخلاصة القول، إن أمن الخليج، يعتمد أولاً: على قوة المملكة. وثانياً: على التكامل العسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي. وثالثاً: على علاقات الدعم المتبادل مع عدد من الدول، العربية والإسلامية، في منطقتنا، لنزع فتيل الأزمات، التي تولد أخطاراً تهدد أمننا. ورابعاً: على أصدقائنا الغربيين، الذين نحتاج إلى مساندتهم، في حالات الضرورة القصوى، كملجأ أخير، كما حدث في حرب الخليج. فإن كنّا قد اعتمدنا عليهم في الماضي القريب، فعلينا أن نضع نصْب أعيننا، أنهم قد يترددون في مساندتنا مستقبلاً، ما لم يكن الأمر متعلقاً بصُلب مصالحهم".
[1] لم يُثر موضوع تكوين تلك القوة في اجتماع وزراء خارجية دول إعلان دمشق بالدوحة في سبتمبر 1992، والذي كان مخصصاً للبحث في آليات تنفيذ إعلان دمشق. ومن المؤكد أن دول مجلس التعاون قد صرفت النظر عن هذه الفكرة في ضوء تفضيل الترتيبات الأمنية الثنائية.
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/IraqKwit/30/sec06.doc_cvt.htm