بات واضحا أن سلسلة من القرارات العميقة والتغييرات الدقيقة، داخل مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، فرضتها تحديات المرحلة داخليا وخارجيا، في إطار إعادة الهيكلة وترتيب المهام، وسدّ الثغرات وضمان التكامل وليس تداخل الصلاحيات.
في هذا الإطار، كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بصفته وزير الدفاع الوطني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وذلك بالتنسيق مثلما سبق لـ"الشروق" أن أشارت إليه في عدد الخميس الماضي، مع الفريق أحمد ڤايد صالح، نائب وزير الدفاع، رئيس أركان الجيش، وكذا الفريق محمد مدين (التوفيق) رئيس جهاز المخابرات، وقـّع سلسلة من القرارات داخل أجهزة ومديريات المؤسسة العسكرية.
ومن بين التغييرات الهامة و"الدورية" التي أثارت ولاتزال تثير النقاش واحيانا الجدل حول الخلفيات والتداعيات، إجراء عملية تغيير دقيقة على مستوى مديرية الأمن الخارجي، وكذا مديرية الأمن الداخلي، ضمن هياكل الـdrs ، حيث تمّ تعيين الجنرال بوزيد في منصب سابقه الجنرال رشيد لعلايلي (عطافي)، وكذا تعيين الجنرال علي بن داود في منصب سابقه الجنرال بشير طرطاق (عثمان).
وتؤكد مصادر متطابقة، لـ"الشروق"، بشأن هذه التغييرات، أنها من صلاحيات ومهام الفريق توفيق جرت مثل سابقاتها بالتنسيق مع رئيس الجمهورية وفق صلاحياته الدستورية، كوزير للدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكذا نائبه رئيس أركان الجيش، الفريق احمد ڤايد صالح.
وحسب ما توفر لـ"الشروق" من معلومات، فإن تغيير مديري الأمن الخارجي والداخلي، تندرج في إطار "تشبيب الجهاز واستكمال مسار احترافية وعصرنة الجيش الوطني الشعبي"، وأن هذا التبديل ليس "تخلـّيا أو تخلـّصا أو إبعادا"، لإطارين عملا طويلا ضمن المؤسسة العسكرية وخلال الظروف الحرجة والمعقدة التي مرت بها البلاد، حيث يُشهد للجنرالين عطافي وطرطاق كفاءتهما.
..فالجنرال عطافي، أدار بإتقان "الملف الخارجي" حتى أطلق عليه وصف "الدبلوماسي الفيلسوف"، وتحوّل بالنسبة لمقربيه ومن اشتغل معه إلى مرجع في حماية الأمن القومي ونسج علاقات أمنية دولية تستفيد منها الجزائر على مر عقود قادمة، فيما نجح الجنرال طرطاق بشهادة الذين عملوا معه، في إدارة عمليات مكافحة الإرهاب خلال سنوات "المأساة الوطنية"، وأدى دورا فعالا في استعادة الأمن والاستقرار حتى صارت خبرة الجزائر في مكافحة هذا الداء محل إهتمام دولي.
لكن، تحديات داخلية ورهانات خارجية، فرضت حسب مصادر "الشروق"، إجراء "عملية جراحية" داخل المؤسسة العسكرية، بعيدا عن أيّ عزل أو "تصفية حسابات" أو تنكـّر، وقد تمّ تعيين "بدائل" للجنرالين عطافي وطرطاق، من بين أصغر جنرالات الجيش، حيث وقع الاختيار، و"بالتوافق والتنسيق" أيضا، بين الرئيس بوتفليقة والفريق توفيق، على الجنرال بوزيد كمدير للأمن الخارجي، والجنرال علي بن داود كمدير للأمن الداخلي.
وتشير السيرة الذاتية والخبرة المهنية والتحصيل العلمي الذي يتمتع به الجنرالان الجديدان إلى الكثير من المؤشرات، تجعل المؤسسة العسكرية تثق في النتائج التي سيحققانها على مسار الاحترافية والعصرنة، استكمالا لما نجحا فيه سابقاهما، فالجنرال بوزيد عمل في العديد من النواحي العسكرية، وشغل مديرا جهويا في قسنطينة، وكان أحد الذين لعبوا دورا ضمن "جماعة" الجنرال اسماعيل رفقة العقيد جمال في ملف الهدنة مع "الجيش الإسلامي للإنقاذ" والانتهاء إلى وضع السلاح لآلاف المغرر بهم.
وعمل الجنرال بوزيد أيضا في وهران، ثم ملحقا عسكريا لسنوات في الأردن، هو متحصل على دكتوراه دولة في "الاستراتيجية العسكرية"، ويُتقن أربع لغات منها الصينية، كما اشتغل الجنرال علي بن داود، في العديد من النواحي العسكرية، وكان ملحقا عسكريا في بلجيكا، وملحقا عسكريا في فرنسا لمدة 11 سنة، واشتغل أيضا في ديوان الفريق محمد مدين.
وواضح جدا، أن مهمة "تشبيب" مديريات المؤسسة العسكرية، وأيضا التطورات الدولية وإفرازات الاعتداء الإرهابي على قاعدة تيغنتورين، وكذا الوضع الأمني على الحدود، خاصة ببلدان مالي وليبيا وتونس، والمخاطر القادمة من هناك، إلى جانب محاربة الإرهاب في منطقة الساحل، كلها دوافع تفرض التأقلم مع متغيّرات الوضع الجديد برجال المرحلة الذين لديهم مؤهلات تجمع بين حماية الأمن القومي الداخلي والخارجي..