طائر الجنة الغرّيد .. جعفر بن أبي طالب

إنضم
26 سبتمبر 2007
المشاركات
2,591
التفاعل
2,983 12 3
الدولة
Egypt
بسم الله الرحمن الرحيم

هو ابن عم رسول الله { وأخو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين أخواته عقيل وأم هانيء وأمه فاطمة بنت أسد ابن هاشم وهو من السابقين في الإسلام كان شاباً متقداً وحليماً ومتواضعاً و صاحب نضرة اهابة وكان تقياً كريماً طاهراً عفيف الفضيلةوهو من الخمسة الذين يشبهون رسول الله { وهم أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ابن عم الرسول { وأخوه من الرضاعة وقثم بن العباس بن عبدالمطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، والسائب بن عبيد بن عبديزيد بن هاشم جد الإمام الشافعي، والحسن بن علي سبط رسول الله { وهو أشد الخمسة شبها، وجعفر بن أبي طالب.


وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشبهت خَلقي و خُلقي) رواه البخاري ومسلم، انه أبو المساكين و ذي الجناحين و طائر الجنة الغريد الذي أعزه الله بالإسلام فكان مثالا في الدنيا وعظيما خالدا في الجنة، تزوج من أسماء بنت عميس التي أعلنت إسلامها معه في نفس اليوم، لاقى من الاضطهاد و الأذى هو و زوجته ما لاقى المسلمون الأولون وصبر وكانت قريش تقف له على كل مرصد وتحصى عليه أنفاسه، هاجر مع زوجته ونفر من أصحابه إلى ارض الحبشة بعد أن استأذنوا رسول الله {وسمح لهم ولكنه كان حزيناً على مفارقتهم ولم يكن يملك من القوة والحول مايدفع عنهم أذى قريش ليستقر و يمارس عبادته وطاعته على اكمل وجه في جوار الملك العادل الصالح.


الذي كان ذكره يسبقه وسيرته العادلة ينتشر عبيرها في كل مكان تبلغه من أجل هذا اختار الرسول صلى الله عليه وسلم بلاده دار هجرة لأصحابه ومن أجل هذا خافت قريش من ان يزداد نفوذ المسلمين فحملت مبعوثيها هدايا ضخمة للأساقفة وكبار رجال الكنيسة هناك.


فأوصى رجال قريش أن لا يقابل مبعوثيهما الملك حتى يعطيا الهدايا للبطارقة أولاً ويقنعاهم بوجهة نظرهما ليكونوا لهما عونا عند النجاشي، وحط الرسولان رحالهما بالحبشة وقابلا بها الزعماء الروحانيين كافة ونثرا بين أيديهم الهدايا ثم أرسلت للنجاشي هداياه ومضيا يوغران صدور القسس والأساقفة ضد المسلمين المهاجرين.


ويستجيران بهم لحمل النجاشي على إخراجهم من بلاده وكان المبعوثان عبدالله بن أبي ربيعه وعمرو بن العاص قبل أن يعلنا إسلامهما وحدديوماً يلقيان فيه النجاشي ويواجهان بين يديه خصوم قريش الذين تلاحقهم بكيدهم وأذاها.


قالت أم سلمة: ولم يكن هناك شيء أكره لعمرو وصاحبه من أن يستدعي النجاشي أحد منا ويسمع كلامه ثم آتيا النجاشي وقدما إليه الهدايا التي استطرفها واعجب بها ثم كلماه فقالا: أيها الملك انه قد آوى إلى مملكتك طائفة من أشرار غلماننا قد جاؤوا بدين لا نفهمه نحن و لا انتم ففارقوا ديننا ولم يدخلوا في دينكم وقد بعثنا إليك أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم وهم اعلم الناس بما أحدثوه من فتنة فنظر النجاشي إلى بطارقته فقال البطارقة صدقا أيها الملك فان قومهم ابصر بهم واعلم بماصنعوا فردهم إليهم ليروا رأيهم فيهم فغضب الملك العادل غضبا شديدا من كلام بطارقته وقال: لا أسلمهم لأحدحتى أدعوهم وأسألهم عما نسب إليهم فإن كانوا كما يقول هذان الرجلان أسلمتهم لهما وان كانوا على غير ذلك حميتهم وأحسنت جوارهم ما جاوروني قالت أم سلمة ثم أرسل النجاشي يدعونا للقائه فاجتمعنا قبل الذهاب إليه وقال بعضنا لبعض إن الملك سيسألكم عن دينكم فاصدعوا بما تؤمنون به وليتكلم عنكم جعفر بن أبي طالب و لا يتكلم أحد غيره.


قالت أم سلمة ذهبنا وبكل تواضع جلس النجاشي تحف به الأساقفة ورجال الحاشية ونشروا كتبهم بين أيديهم ووجدنا عنده عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة فلما استقر بنا المجلس التفت إلينا النجاشي وقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم واستغنيتم به عن ديننا فكان جعفر المتحدث اللبق الموافق باسم الإسلام ورسوله ذلك إن الله قد أنعم عليه بذكاء قلب وإشراق عقل وفطنة نفس وفصاحة لسان إنها محاورة أجراها أمام النجاشي لاتقل روعة و لا بهاء ولا مجداً فألقى نظرة محبة على الملك الذي احسن جوارهم وقال: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف حتى بعث الله رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه.

فدعانا إلى عبادة الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة و الأوثان وامرنا بصدق الحديث و أداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم و الدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور واكل مال اليتيم وقذف المحصنات فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاءه من ربه فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئاً و حرمنا ما حرم الله علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان والى ماكنا إليه من الخبائث فلما نهرونا وظلمونا و ضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك.


ألقى جعفر بهذه الكلمات المسفرة كضوء الفجر فملأت نفس النجاشي إحساساً وروعة و التفت إلى جعفر وسأله: هل معك مما انزل على رسولكم شيء قال جعفر: نعم، قال النجاشي فاقرؤه على ومضى جعفر يتلو عليه آيات من سورة مريم في أداء عذب وخشوع آسر فبكى النجاشي وبكى أساقفته جميعا ولما كفكف دموعه الهاطلة الغزيرة التفت إلى مبعوثي قريش وقال: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما قالت أم سلمة: فلما خرجنا من عند النجاشي توعدنا عمرو بن العاص وقال لصاحبه والله لآتين الملك غداً و لأذكرن له من أمرهم ما يملأ صدره غيظا منهم ويشحن فؤداه كرها لهم ولأحملنه على أن يستأصلهم من جذورهم.


فقال عبدالله بن أبي ربيعة: لا تفعل يا عمر فانهم من ذوي قربانا وان كانوا قد خالفونا فقال له عمر: دع عنك هذا و الله لأخبرنه بما يزلزل أقدامهم و الله لأقولن أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد فلما كان الغد دخل عمر على النجاشي وقال له: أيها الملك أن هؤلاء الذين آويتهم وحميتهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم وسلهم عما يقولون فيه قالت أم سلمة فلما عرفنا ذلك نزل بنا من الهم و الغم ما لم نتعرض لمثله قط وقال بعضنا لبعض ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه الملك فقلنا و الله ما لانقول فيه إلا ما قال الله و لا نخرج في أمره قيد أنملة عما جاءنا به نبينا وليكن بسبب ذلك ما يكون ثم اتفقنا مرة أخرى أن يتولى الكلام جعفر بن أبي طالب فلما دعانا الملك دخلنا عليه وصرنا بين يديه بادرنا بقوله:


ماذا تقولون في عيسى ابن مريم فقال جعفر: إنما نقول فيه ما جاء به نبينا{فقال النجاشي وما الذي يقول فيه فأجاب جعفر يقول عنه انه عبد الله ورسوله وروحه وكلمته التي ألقاها إلى مريم العذراء البتول فما أن سمع النجاشي القول حتى ضرب بيده الأرض وقال: والله ما خرج عيسى ابن مريم عما جاء به نبيكم مقدار شعرة فتناخرت البطارقة من حول النجاشي استنكارا لما سمعوا منه.


فقال: وان نخرتم ثم التفت وقال: اذهبوا فانتم آمنون من سبكم غرم ومن تعرض لكم عوقب والله ما احب أن يكون لي جبل من ذهب وان يصاب أحد منكم بسوء ثم نظر إلى عمرو وصاحبه وقال: ردوا على هذين الرجلين هداياهم فلا حاجة لي قالت أم سلمة: فخرج عمرو وصاحباه مكسوران مقهوران يجران أذيال الخيبة أما نحن فقد أقمنا عند النجاشي بخير دار وأكرم جار ومضى 10سنوات هو وزوجه آمنين مطمئنين وفي السنة السابعة للهجرة غادر بلاد الحبشة مع نفر من المسلمين متجهين إلى يثرب عندما كان رسول الله عائدا لتوه من خيبر بعد أن فتحها الله ففرح بلقاء جعفر فرحا شديداً.


حتى قال: ما ادري بأيهما أنا اشد فرحا ابفتح خيبر أم بقدوم جعفر وبذلك يكون جعفر بن أبي طالب قد هاجر الهجرتين الأولى للحبشة والثانية إلى يثرب بعد أن رزق من زوجته أسماء بنت عميس عبدالله وعونا ومحمد.


وبعد أن عاد إلى المدينة وامتلأت نفسه روعة بما سمع من أنباء اخوانه المؤمنين الذين خاضوا مع رسول الله غزوة بدر واحد وغيرها من المشاهد و المغازي وفاضت عيناه دمعا على الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وقضوا نحبهم شهداء أبرار وطار فؤاده شوقا إلى الجنة فكانت غزوة مؤتة عندما استعمله الرسول{عندما أرسله مع زيد ابن حارثة وعبدالله بن رواحة لملا قاة ومنازلة الروم في بلاد الشام وكان أوصى{إن قتل زيد أو أصيب فالأمير جعفر يحمل الراية وإن قتل جعفر أو أصيب فالأمير عبدالله بن رواحه.


ويقال انه أول من عقر من المسلمين دابته عند الحرب حتى لا ينتفع بها الأعداء قال ابن عمر كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب في القتلى ووجدنا فيما اقبل من جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية أما كيف دارت المعركة فقد التقى الجمعان في مؤتة على مشارف الشام في الأردن ودارت رحى المعركة وخر زيد بن حارثة صريعا وأخذ الراية جعفر وأوغل في صفوف الروم وهو ينشد :
ياحبذ الجنة واقترابها
طيبة وبارد شرابها
كافرة بعيدة أنسابها
علي إذ لا قيتها ضرابها
وظل يصول ويجول حتى أصابته ضربة قطعت يمينه فاخذ الراية بشماله فما لبث أن أصابته أخرى قطعت شماله فاخذ الراية بصدره وعضدية فما لبث أن أصابته ثالثة شطرته شطرتين فاخذ الراية عبدالله بن رواحه فما زال يقاتل حتى لحق بصاحبيه وعن ابن عباس بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس على مقربة منه


إذ قال: يا أسماء هذا جعفر مع جبريل وميكائيل مر فاخبرني انه لقي المشركين يوم كذا وكذا بثلاثة أو أربع فسلم فردي عليه السلام وقال: أنه لقي المشركين فأصابه في مقاديمة ثلاث وسبعون بين طعنة وضربة فاخذ اللواء بيده اليمنى فقطعت واخذ اللواء بيه اليسرى فقطعت قال فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة آكل من ثمارها ما شئت وذكر بقية الحديث قال: فلذلك سمي الطيار الغريد في الجنة وهكذا صنع جعفر لنفسه موتة من أعظم موتات البشر.

وهكذا لقي ربه الكبير المتعال مضخما بفدائيته مدثرا ببطولته وأنبأ العليم الخبير رسوله بمصير جعفر فاستودعه الله وبكى وقام إلى بيت ابن عمه ودعا أطفاله وبنيه فتشممهم وقبلهم وذرفت عيناه وأقبلت عليه أسماء فقالت يارسول الله ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وصاحبيه شيء وقال: نعم لقد استشهد هذا اليوم فمضى وهو يكفكف عبراته

ويقول: اللهم اخلف جعفر في ولده الهم اخلف جعفر في أهله ثم قال لقد رأيت جعفر في الجنة له جناحان مضرجان بالدماء وهو مصبوغ القوادم وقال لأسماء التي أخذت تبكي وتتشنج يا أسماء لا تقولي هجراً ولاتضربي صدراً قالت فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دخل على ابنته فاطمة وهي تقول واعماه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

على مثل جعفر فلتبك الباكية ثم قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم أما أسماء فقد رثته وقالت:

ياجعفر الطيار خير مصرف للخيل يوم تطاعن وشياح
قد كنت ذا حمية ما عشت لي
امشي البزاز وكنت جناحي
قد كنت لي جبلا ألوذ بظله
فتركتني امشي باجرد ضاح
وإذا دعت قمرية شجن لها
يوم على فنن بكيت صاحي
فاليوم اخشع للذليل واتقي منه
وادفع ظالمي بالراح
(روى له النسائي في اليوم و الليلة)
ثم جاءت زوجة جعفر تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر واليتم: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم العيلة والفقر تخافين و أنا وليهم في الدنيا والآخرة وهكذا امتدت يد الرسول صلى الله عليه وسلم لترعى أبناء الشهيد وتكرم الأسرة اعترافا بفضله وتقديرا لبطولته وشجاعته أما حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه نبأ استشهادهم رثاهم قائلا:

رأيت خيار المؤمنين تواردو
شعوب وقد خلفت ممن يؤخر
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا
بمؤنة منهم ذو الجناحين جعفر
وزيد وعبدالله حين تتابعوا
جميعا وأسباب المنية تحظر

ويقول فيها:
وكنا نرى جعفر من محمد
وفاء وأمرا صارما حيث يؤمر
فلا زال في الإسلام من آل هاشم
دعائم عز لا تزول ومفخر

وهكذا كانت سيرة الصحابي جعفر بن أبي طالب عطرة كان شديد العطف والرعاية على الضعفاء وكثير البر لقب بابي المساكين وقال عنه أبي هريرة كان خير الناس لنا معشر المساكين كان يمضي بنا إلى بيته فيطعمنا ما يكون عنده حتى إذا نفذ الطعام اخرج لنا العكة وليس فيها شيء فنشقها ونلعق ما علق بداخلها، وعن عكرمة قال عن أبي هريرة يقول: ما احتذى النعال ولا ركب المطايا ولا وطيء التراب بعد رسول الله افضل من جعفر بن أبي طالب (رواه الترمذي و النسائي بإسناد صحيح).

كان يحب المساكين يجلس إليهم ويحترمهم ويحترمونه انه صاحب السيرة العطرة و الشجاعة الفائقة والبطولة النادرة يكافأ في جنان الخلد يحمل أوسمة المعركة على كل مكان من جسده الذي أنهكته السيوف و الرماح انه طائر الجنة الغريد ذي الجناحين.

...........................​
 
عودة
أعلى