دراسة عن حرب اكتوبر

إنضم
20 مايو 2008
المشاركات
347
التفاعل
145 0 0
الدولة
Egypt


على مدار سنوات الصراع الذي دار بين دولة إسرائيل وبين الدول والأنظمة العربية على اختلاف مشاربها وأهوائها، كانت معارك إسرائيل مع العرب جميعها تتسم بطابع خاص لم يتغير.. ربما إلى اليوم، فمنذ أن نشأت إسرائيل وهي دولة تفتقر إلى العمق الجغرافي كما تفتقر إلى العمق البشري (التعداد البشري) اللذان لا يسمحان لها بقبول أية خسائر بشرية أو ميدانية..ولو قليلة ..

فمساحة إسرائيل الجغرافية اليوم، وبعد أن حققت كل ما حققته من احتلال وضمّ لأراضٍ عربية وبناء لمستوطنات جديدة.. لا تصل إلى 30 ألف كيلومتراً مربعاً، أي أقل من 3% من المساحة الكلية لدولة مثل مصر، وأقل من 16% من المساحة الكلية لسورية.

وفي عام 1973 حين كان تعداد القوات المسلحة المصرية وحدها يقارب المليون ما بين ضباط وجنود كان التعداد السكاني للمجتمع الإسرائيلي بأسره لا يكاد يتجاوز الملايين الثلاثة!.

لهذا فإن الدولة اليهودية منذ نشأتها لم تكن تدخل في مواجهة عسكرية إلا وهي ملمة بكل أسباب النصر المطلق فيها دون تكبُّد أي خسارة، وعليه فقد كان لزاماً على القيادة السياسية في إسرائيل الوليدة، وعلى القيادة العسكرية من ورائها أن تكون شديدة الدقة في حساباتها، وألا تترك شيئاً للمصادفات أو لترتيبات القدر، لأن نتيجة معركة عسكرية بالنسبة لدولة كإسرائيل لا تمثل اكتساب أرض جديدة أو تحصيل مكاسب سياسية معينة وإنما تمثل الوجود الإسرائيلي في حد ذاته !

-----------------------------------------

من هنا كانت إسرائيل حريصة جداً على امتلاك أحدث أجيال المعدات القتالية، البرية أو الجوية، وكانت دقيقة جداً في التزامها بقواعد وأصول الحرب الحديثة ، الأمر الذي توفر لها عبر تقنيات وخبرات دول أوربا الغربية والولايات المتحدة التي صقلتها معارك وخبرات الحرب العالمية الثانية، في حين أنه لم يتوفر على نفس القدر والمستوى من الدقة والتطور لدى جيوش الدول العربية، التي لم تكن أنظمتها تحتكم على الوعي والدراية الكافية لإدارة حرب حديثة تجري بمقاييس النصف الثاني من القرن العشرين.

ففي الوقت الذي كانت إسرائيل تخوض فيه حروبها بمنطق علمي وتخطيط دقيق، كانت الأنظمة العربية تتسلح وتحرك جيوشها على مسرح العمليات العسكرية بمنطق الحرب العالمية الأولى، كانت إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد أسلوب الحرب "غير المتوازنة"، الذي يقوم على التفوق العسكري والتقني على الخصم، على نحو يمكن إسرائيل من السيطرة على مسرح العمليات وتحديد نتيجة المعركة قبل بدءها..

وكانت الجيوش العربية مهيأة تماماً لهذا الوضع، فحتى الدول العربية التي اعتمدت على المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفييتي السابق) في تسلحها كان عليها أن تقبل بمعدات أقدم من مثيلاتها التي زُوّدت بها إسرائيل بجيل أو اثنين، قدم الاتحاد السوفييتي لمصر دبابات T-34 التي طردت الألمان من السهل الروسي عام 1944م وطائرات ميج-17 التي كانت الإصدار الثاني من أولى المقاتلات النفاثة التي أنتجها بعد الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن هذا قُدمت لمصر عدة بطاريات لإطلاق الصواريخ المضادة للطائرات، كان الاتحاد السوفييتي قد استخدمها في حرب فيتنام، وكانت معقدة التركيب والصيانة، كما أنه لم يقم بتقديم أي دعم حول كيفية تشغيلها بصورة فعالة من الناحية التكتيكية.

في المقابل حظيت إسرائيل بأفضل ما أنتجته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من مقاتلات ودبابات وصواريخ، وأنظمة كشف واستطلاع، طائرات الميراج والميستير، عرفها الجنود والضباط المصريون والسوريون ورأوها كثيراً في سماء بلدانهم منذ عام1967م، وفي حرب الاستنزاف وما بعدها حصلت إسرائيل على طائرات الفانتوم F-4 التي كان يطلق عليها حينها "الشبح"، هذه الطائرة كانت تمثل "بعبعاً" لكل من يواجهها براً وجواً، لقوة تسليحها، وقدرتها العالية على الطيران على ارتفاعات منخفضة للغاية مما يوفر لها طيراناً آمناً بعيداً عن الكشف الراداري لمحطات الصواريخ المضادة للطائرات، فضلاً عن عامل المفاجأة لدى مهاجمتها لأية أهداف أرضية، كل هذا بالإضافة إلى أحدث أجيال دبابات القتال الأمريكية والبريطانية إضافة إلى أنظمة صواريخ (هوك) المضادة للطائرات.





-----------------------------------------

وفيما عدا حرب يوم الغفران، أو حرب أكتوبر عام 1973، فإنه منذ أن خاض العرب مجتمعين حرب 48، وحتى خاضت العراق منفردة حربها الأخيرة ضد الاحتلال الأمريكي عام 2003، لم يكن لدى زعيم عربي واحد تصور صحيح لإستراتيجية عسكرية واضحة في حربه أمام دولة إسرائيل، ولم يكن لدى دولة عربية أبداً قدرة عسكرية لخوض معركة متكافئة مع تلك الدولة اليهودية فضلاً عن خوضها أمام الولايات المتحدة ذاتها بالطبع..

في حربي 56 و67 كان عبد الناصر وقائد جيشه يتصوران أن الجيش المصري الذي لازال يسير على قدميه دون معدات ميكانيكية، ودباباته التي خدمت الجيوش السوفييتية في الحرب العالمية الثانية، يمكنه أن يقف ليصد جيشاً مسلحاً بأحدث المعدات والتقنيات ومدعوم بأحدث أجيال الطائرات المقاتلة والقاذفات التكتيكية، دون غطاء جوي ودون أي استعداد مسبق لخوض حرب حقيقية.

وفي حربي تحرير الكويت عام 91 واحتلال العراق عام 2003 كان صدام حسين يعتقد أن فيالق الحرس الجمهوري العديدة المكونة من دبابات الـ تي-72 الروسية الصنع والأكثر عنفاً وضراوة ستتمكن "طبعاً" من صد الهجوم الأمريكي الذي دخل العراق عام 91 لهدف واضح معلن وهو (تجريد) دولة من جيشها، ثم دخل عام 2003 لإنهاء وجود هذه الدولة والقضاء على النظام القائم فيها، لم يدرك صدام حسين من البداية أن دبابات إم-1 إيه-1 الأمريكية كانت تقوم في حرب 91 بضرب دباباته الروسية قبل أن تتمكن الأخيرة حتى من رؤية خصمها أو تحديد مكانه.

-----------------------------------------

لقد تعلم الأمريكيون درساً جيداً من حرب أكتوبر 73، حرب يوم الغفران، التي تضمنت مجموعة من أكبر معارك الدبابات في العالم حدثت بعد الحرب العالمية الثانية، فبعد أن أثبتت دبابات تي-62 الروسية قدرتها القتالية في هذه الحرب أمام نظيراتها الأمريكية Patton، قامت الولايات المتحدة ببدء برنامج جديد لإخراج جيل متقدم من الدبابات عالجت فيه العيوب والمشكلات التي ظهرت في الجيل السابق، وأدخلت عليه مفاهيم جديدة تماماً في طرق الدفع وتقنيات رصد الأهداف وتوجيه الضربات، كان نتاج هذا البرنامج الدبابة إم-1 إيه-1، التي كان الأمريكيون يجربونها لأول مرة على مسرح عمليات عسكرية حقيقي أمام نظيراتها الروسية في حرب تحرير الكويت عام 1991 !

بعد انتهاء معركة تحرير الكويت كان على الأمريكيين أن يقوموا بتقييم مولودتهم الجديدة في أدائها خلال هذه المعركة، وكان نتاج التقييم والتطوير، الإصدار الثاني إم-1 إيه-2 الذي دخل المعركة الثانية عام 2003 لاجتثاث النظام، وإنهاء الوجود الحقيقي للدولة العراقية.

أما المعركة الوحيدة التي تمكن القادة العرب فيها من وضع رؤية إستراتيجية واضحة وصحيحة، وخوض معركة حقيقية، بأسلوب علمي حديث وتخطيط سليم على كافة الأصعدة، فقد كانت معركة أكتوبر في عام 73، التي يسميها الإسرائيليون، حرب يوم الغفرانYom Kippur War.. على مدار السنوات الست التي انقضت منذ هزيمة عام 67 مروراً بحرب الاستنزاف وحتى المعركة الناجحة التي قامت بها مصر وسورية في خريف عام 1973، على مدار هذه السنوات تعلم المصريون والسوريون في ظروف قاسية للغاية كيف يخوضون حرباً حقيقية وعادلة أمام عدو متفوق ومسيطر على مسرح العمليات.

تعلمت كل من مصر وسورية أن توفير الدعم والغطاء الجوي للقوات البرية بمثابة العامود الفقري للقوات المسلحة في معركتها، وأن وضع هدف استراتيجي محدد وواضح للحرب والتخطيط الدقيق للمعركة من العوامل الأساسية التي يمكن أن تحقق انتصاراً عسكرياً على مسرح القتال..

الحرب الجوية الصاعقة التي تبدأ بضربات جوية خاطفة تستهدف البنية التحتية وخطوط المواصلات ومراكز القيادة لقوات العدو، ثم يتلوها هزيم المدفعية الميدانية وزحف الفرق البرية الميكانيكية والمدرعة لإحكام السيطرة الفعلية على أرض المعركة كانت هي المدرسة القتالية الحديثة التي ابتدعها الألمان في ثلاثينيات القرن العشرين، وطبقوها في اجتياح بولندا وفرنسا، وكانت هي ذاتها التكتيك المتبع من قبل إسرائيل في حرب 67 أمام كل من مصر وسورية، اللتان تعلمتاه من تلك المعركة ووعتاه جيداً لتبدآ معركتهما الانتقامية بعد ست سنوات متبعتان التكتيك نفسه رغم الفارق الكبير في نوعية المعدات والأسلحة المستخدمة..

-----------------------------------------

استطاعت مصر أن تطور أنظمتها الدفاعية بعض الشيء فكونت شبكة من محطات الصواريخ القادرة على صد محاولات الاختراق الجوي من العدو على كافة الارتفاعات، وقامت بتطوير قواتها البرية بالاعتماد على أسلحة سوفييتية الصنع، بيد أنها خاضت هي وسورية معركتهما بنفس أنواع الطائرات المقاتلة التي كانت تخدم في سلاحهما الجوي حين نشبت الحرب عام 67، طائرات الميج الاعتراضية ميج-21 وطائرات الميج -17 الصغيرة الحجم التي طورها المصريون لتتمكن من قصف أهداف أرضية بالصواريخ والقنابل، إضافة إلى طائرات سوخوي Su-7، ورغم الفارق الهائل في الإمكانات والتسليح بين طائرات مصر وسورية السوفييتية الصنع وبين طائرات إسرائيل وإمكانات سلاحها الجوي الأمريكية والفرنسية الصنع، إلا أن الهجوم الذي تم في اليوم السادس من أكتوبر 73، كان موفقاً للغاية لكل من مصر وسورية، وأسفر بالفعل عن انقلاب كفة الصراع لأول مرة لصالح الدول العربية، ولفت أنظار العالم بأسره إلى الشرق الأوسط من جديد..

استطاعت الدول العربية في ذلك التوقيت الحرج أن تضع نفسها في بؤرة الاهتمام العالمي وأن تحظى في تلك اللحظة بالذات برغم كل الحسابات السياسية أو العسكرية.. باحترام العالم من حولها..

لكن هذا التوازن المؤقت الذي صنعته قيادة عسكرية وإستراتيجية واعية سرعان ما اهتز وكاد أن يضيع حينما عادت هذه القيادة فتخلت عن المنطق العلمي في قراراتها العسكرية، فقامت القيادة المصرية بدفع فرقة مدرعة إلى الأمام بدعوى حمل إسرائيل على تخفيف ضغطها على سورية، فحدث ما سُمي بالـ"ثغرة"، لتبدأ إسرائيل في محاولة استعادة السيطرة على مسرح العمليات العسكرية من جديد، الأمر الذي لم يتم لها كما كانت تتمنى أو تخطط.
 
رد: دراسة عن حرب اكتوبر

مشكوووووووورررررررررر
 
رد: دراسة عن حرب اكتوبر

موضوع رائع يا اخي تقبل تحياتي ومروري
 
عودة
أعلى