تمتلك المملكة العربية السعودية إحدى أفضل القوات الجوية في العالم من حيث حداثة المعدات وضخامة القواعد والخدمات اللوجستية المتطورة. ويقع على عاتقها مهمة الدفاع عن ٢،٢ مليون متر مربع من الأرض تحتوي ثروات نفطية وغازية هائلة. وهي عضو فاعل في مجلس التعاون الخليجي، وفي قوات درع الجزيرة. وتضم طائرات الصف الأول القتالية مقاتلات أوروبية من نوع Typhoon الحديثة لمهمات التفوق الجوي وTornado للقصف جو-أرض، الى جانب مقاتلات أف-15 التي تم تسليم الطراز الأول منها الى السعودية منذ العام 1984.
كانت الطلبية الأولى تشمل 46 F-15C الأحادية المقاعد، و16 F-15D المزدوجة المقاعد، وهي مخصصة لمهمات الاعتراض والتفوق الجوي. وبعد حرب الخليج عام 1991، قامت الولايات المتحدة بتزويد السعودية ب 36 طائرة أف-15 إضافية من طرازي "C" و"D" ايضا، مما رفع عدد الطائرات المسلمة من هذين الطرازين الى 98 طائرة، بقي منها حتى اليوم نحو 78.
أعجبت السلطات السعودية بالأداء المتميز لطائرات أف-15 أي سترايك أيغل F-15E Strike Eagle الأميركية في عملية عاصفة الصحراء، وهي نموذج معدل قادر على القيام بمهمات الاختراق والقصف جو-أرض على أمدية بعيدة، مع الاحتفاظ بقدرات جو-جو جيدة. وبعد مفاوضات مع الجانب الأميركي، تم الاتفاق على شراء 72 مقاتلة F-15S، وهي نموذج مشابه الى حد بعيد بنظيره الأميركي أف-15 أي. وتم تسليم كامل الطلبية بين أعوام 1995 و1999. وبعد إدخالها الى الخدمة، تم تحسين هذه الطائرات تدريجيا، حيث زودت بحاضنات تصويب من نوع سنايبر Sniper، وقنابل انزلاقية من نوع "GBU-15". كذلك تم تغيير محركات F-100PW229 من شركة Pratt & Whitney بمحركات F-110 GE-129 من شركة General Electric، بعد أن تبين أن هذه الأخيرة لا تعاني من مشكلة شفط الرمال الى داخلها، كما كانت الحال في المحرك الأول.
عقد أف-15 الجديد
في 29 كانون الأول ديسمبر 2011، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن عقد بين الحكومتين السعودية والأميركية تقوم هذه الأخيرة بموجبه ببيع مقاتلات متقدمة من نوع أف-15 أس أيه أيغل F-15SA Eagle للمملكة العربية السعودية في صفقة تبلغ قيمتها ٤،٢٩ مليار دولار. وجرى التوقيع قبل أيام معدودة من الإعلان الرسمي في 24 كانون الأول ديسمبر ضمن برنامج المبيعات العسكرية الخارجية FMS.
جاء الاتفاق تتويجا لمفاوضات طويلة بين الطرفين، حيث كانت إدارة الرئيس أوباما قد أبلغت الكونغرس منذ تشرين الأول أكتوبر 2010 عن نيتها بيع 84 طائرة أف-15 جديدة، وتحديث 70 طائرة من طراز أف-15أس سترايك ايغل F-15S Strike Eagle تعمل حاليا في صفوف القوات الجوية السعودية. ويشمل العقد صواريخ جو-جو وجو-أرض وقطع غيار وخدمات التدريب والصيانة والخدمات اللوجستية. وحسب البرنامج الموضوع، فان تحديث الطائرات الموجودة سيبدأ بين أواسط ونهاية العام 2014، على أن يبدأ تسليم الطائرات الجديدة في بداية العام 2015، وفق مصادر وزارة الخارجية الأميركية. وستعرف الطائرات الجديدة والمحدثة باسم أف-15 اس-أيه F-15 SA، وترمز الحروف الأخيرة الى عبارة (Saudi Advanced). وحسب المعلومات المتوفرة، فان الطائرات الجديدة ستحل تدريجيا محل طائرات أف-15 سي ودي الحالية التي يكون مضى عليها في الخدمة زهاء 30 سنة.
تفاصيل الأسلحة والأنظمة المطلوبة
في تفاصيل الأسلحة التي ستُزود بها مقاتلات أف- 15 السعودية الجديدة المطلوبة أنها تشمل 500 صاروخ أمرام جو- جو متوسط المدى طراز AMRAAM AIM-120 C/7 الأحدث، يُضاف إليها 300 صاروخ SIDEWINDER AIM-9X جو- جو قصير المدى متطور يمكن توجيهه بواسطة خوذة الطيار. ويعد هذان السلاحان أحدث صواريخ جو-جو في الترسانة الأميركية.
تشمل الصفقة ما مجموعه 16400 قنبلة وصاروخ جو-أرض موجهة وغير موجهة من مختلف الأوزان، من أنواع جدام ليزر (JDAM Laser) الموجهة بالأقمار الاصطناعية والليزر زنة 900 كلغ، وبايف واي 3 المعززة (Enhanced Paveway III) الموجهة بأشعة الليزر زنة 250 و900 كلغ، وقنابل SFW. وفي مجال آخر، تشمل الصفقة حسب المعلومات المتوفرة 600 صاروخ أيه جي أم-88 بي هارم (AGM-88B HARM) المخصصة لتتبع وضرب الرادارات المعادية، و400 صاروخ أيه جي أم-84 هاربون بلوك 2 (AGM-84 Harpoon Block II) البعيدة المدى المضادة للسفن، الى جانب قنابل للتدريب.
ستزود الطائرات الجديدة والمحدثة بمحركات فائقة القوة طراز General Electric F110-GE-129. ومن ناحية الأنظمة الالكترونية، فان الصفقة تلحظ تزويد الطائرات الجديدة والمحدثة برادارات من صنع شركة رايثيون Raytheon طراز APG-63(V)3، وهي من فئة صفيف المسح الألكتروني الأيجابي (Active Electronically Scanned Array)، التي يجري تحديث عدد من طائرات أف-15 التابعة لسلاح الجو الأميركي بها. ورادارات AESA تتمتع بمدى كشف وتهديف يزيد ثلاثة أضعاف عن الرادارات الحالية. وهي قادرة على توليد خرائط أرضية دقيقة تتيح اكتشاف الأهداف الصغيرة المتحركة وضربها بأسلحة من مسافات طويلة، خارج مدى أنظمة الدفاع الجوي. هذا الى جانب عشر حاضنات استطلاع كهربصرية من نوع غودريتش دي بي-١١٠ (Goodrich DB-110)، وهي مشتقة من الأنظمة العاملة على طائرات التجسس الأميركية الشهيرة من نوع يو-2 U-2. يضاف الى ذلك حاضنات تصويب وملاحة من نوعي سنايبر Sniper وتايغر آيTiger Eye للملاحة وهي جيل جديد من حاضنات لانترن Lantirn، فضلا عن نظام DEWS للحرب الالكترونية، ونظم بحث وتعقب بالأشعة تحت الحمراء من نوع AN/AAS-42.
تكملة الصفقة
تجدر الإشارة الى أن الصفقة المذكورة هي جزء من تصور عسكري أميركي-سعودي أكبر تصل قيمته الإجمالية الى نحو 60 مليار دولار، ويمتد تنفيذه على مدى 10 الى 15 سنة. ويشمل بالإضافة الى طائرات أف-15 الآنفة الذكر، تزويد المملكة تباعا ب 72 طوافة من نوع يو إتش-60 بلاك هوك UH-60 Black Hawk، و36 طوافة هجومية من نوع أيه-64 دي أباتشي بلوك 3 يضاف اليها 24 حوامة من الطراز نفسه لصالح القوات البرية و10 لصالح الحرس الملكي، و36 طوافة هجومية خفيفة طراز أيه أتش- 6 آي ليتل بيرد AH-6I LIttle Bird، و12 طوافة MD-530F، على أن تخدم هذه المعدات في صفوف الحرس الوطني والجيش البري والحرس الملكي. وفي حال إتمام هذه الصفقات، فقد يتم تسليح الطوافات ب 4768 صاروخ Hellfire و6000 قذيفة صاروخية موجهة ليزريا عيار 70 ملم.
الأبعاد الإستراتيجية
اعتبر المراقبون أن الصفقة الأخيرة تعزز بشكل كبير العلاقات العسكرية المتينة بين الطرفين الأميركي والسعودي. فسيتم تدريب 5500 عنصر سعودي حتى العام 2019 في إطار هذه الصفقة، كما أن القوات الجوية للطرفين ستكون أكثر قدرة على العمل المشترك، خصوصا أنها ستتدرب سوية على طراز الطائرات نفسه. وأشارت مصادر مطلعة أن 12 طائرة من النماذج الجديدة ستتموضع في قواعد في الولايات المتحدة للقيام بمهمات تدريب الطيارين.
أكدت المصادر الأميركية أن توقيت إعلان الصفقة غير مرتبط بالتوتر القائم في المنطقة على خلفية البرنامج النووي الإيراني، إذ انه قيد الدرس منذ فترة غير قليلة. وهو يدخل في إطار تعزيز القوة العسكرية لدول الخليج، والحفاظ على أمن المنطقة، وهي سياسة أميركية ثابتة منذ عقود.
وفي الأجمال، يمكن القول أن السعودية ستعزز موقعها المتفوق أصلا كصاحبة أعتى قوة جوية في المنطقة، حيث ستكون قادرة على اعتراض أي طائرات متسللة في كل الارتفاعات والظروف الجوية، الى جانب القدرة على ضرب الأهداف المعادية الصغيرة من أمدية بعيدة وبدقة متناهية. كل ذلك سيحمي المملكة من أية تهديدات ومخاطر على المدى المنظور.
منقول للامانه
المصدر