فى صبيحة أحد أيام شهر فبراير كانت معدية سكة حديد مثقلة بالهيدرو تقتحم امواج بحيرة ( تانسجو )
العاتية بالنرويج . وفجأة سمع دوى خفيف لأنفجار حدث تحت ظهر المعدية ، مما أدى بها الى الترنح
والتوقف . وبعد دقائق غرقت حمولة الهيدرو وضاعت معها احلام هتلر فى امتلاك اول قنبلة ذرية .
ما هى خلفية هذا الحادث ؟!
يروى ( فريدريك سونديرن )
فى نيسان 1940 أرسلت منظمة علماء دولية برقية مكشوفة تفيد ان معهد ( الامبراطور ويلهالم )
يقوم بتجارب مكثفة من اجل تحطيم الذرة .
وتمكنت دائرة الاستخبارات البريطانية من الحصول على معلومات مثيرة ، وهى ان المانيا طلبت
من الوحدة الكهربائية الكيميائية النرويجية المسماه ( نورك هيدرو ) ضرورة زيادة انتاجها من
( اكسيد الديوتيريوم / الماء الثقيل ) من ثلاثة آلاف الى عشرة آلاف باوند .ففزع القادة الانجليز
فأعطى مجلس الحرب الأنجليزى برئاسة ( تشرشل ) مسألة شل وتدمير مصنع ( نورسك هيدرو )
اعلى درجات الاهمية .
لقد افادت قيادة الجو البريطانية بصعوبة قصف المصنع للبيئة القاسية المتواجد به من جبال
واتفق القادة على ان يتم التنفيذ برجال الكوماندوس
كانت جماعات المقاومة النرويجية تعمل بنجاح فى هذة المنطقة ضد الاحتلال النازى
وكان هناك احد قادة الفصائل المقاومة يدعى ( اينار ) وله خلفية عن ( الهيدروستاتيكس )
تم التواصل مع اينار مده طويلة الى ان استدعوه فى مقر قيادة القوات الخاصة بلندن
وكان يعمل مهندس بناء وعلى درجة عالية من الذكاء وكان ماهرا فى التزلج على الجليد
لأنه من ابناء المنطقة الجبلية الجليدية التى بها المصنع .
وفى القيادة قابل اينار الدكتور ( ليف ترونستاد ) الذى عمل فى نورك هيدرو قديما بل وكان
صديقا لعدد كبير من العلماء الالمان فى مجال الفيزياء النووية وكان الدكتور ( ليف ) قد تم
تهريبه الى السويد بواسطة عناصر سرية نرويجية
كان المصنع بناء ضخم مكون من سبعة طوابق من الفولاذ والمسلح تحيطه الجبال الجليدية
المستحيلة التسلق ويحرس المصنع والمنطقة المحيطة به فرقة من القوات الخاصة الالمانية
ولكن الامر يستحق المحاولة .
وتعلم فك الشفرة الصديقة والقفز بالمظلات وتم تزويده بالمعلومات الضرورية . وكان عليه العودة
الى النرويج فورا لجمع كل معلومة عن ( نورك هيدرو ) انتظارا لمجموعة الدعم التى ستلحق به .
فى ليلة مقمرة هبط اينار بالمظلة من احدى قاذفات سلاح الطيران الملكى فى منطقة جبلية تبعد
عشرين كيلومترا عن بيته وقام بالتزحلق على الجليد متوجها الى بيته وأفطر مع امه .
وفى خلال بضعة ايام استطاع اينار من خلال اخيه الحصول على عمل فى ( نورك هيدرو )
لبناء خزان جديد بغية زيادة انتاج الماء الثقيل . وبمهارة فائقة وفى فترة وجيزة استطاع اقامه
شبكة علاقات ممتازة استطاع ان يحصل بها على كل الاخبار الهامة عن المصنع بينما
كان ( اينار ) يرسل المعلومات اولا بأول الى الاستخبارات البريطانية
ارسل ( اينار ) برقية تفيد ان انتاج ( اكسيد الديوتيريوم ) يزداد بسرعة . والشحنات ترسل لألمانيا
اولا بأول .
أمر مجلس الحرب العمليات المشتركة بتخطيط هجوم على ( نورك هيدرو ) بواسطة الكوماندوس
وواجهت العملية صعاب جمة . فالمصنع محاط بجبال ( كراجى ) الجليدية العالية . والرياح هناك عاتية
وهى بحق اسوأ مناطق العالم من حيث الجو البشع المتجمد .
اشرف الدكتور ( ترونستاد ) على تصاميم العملية لخلفيته عن المصنع من الداخل بالتنسيق مع تقارير ( اينار ) .
اخيرا تم تخطيط العملية و أعطائها الاسم ( سوالو ) . فكان من المقرر اسقاط اربعة نرويجيين مختارين بعناية
وخبراء فى التزحلق ومن ابناء تلك المنطقة الثلجية الوعرة . وتقوم هذة الوحدة بالأنضمام الى ( اينار )
لأستقبال العناصر البريطانية المهاجمة وتوفير الدعم لها .
حاولت القاذفات الملكية مرتين اسقاط النرويجيين الاربعة الا انها اضطرت للعودة بسبب الغيوم الكثيفة
,وأخيرا فى مساء احد ايام اكتوبر 1942 نجحوا فى اتمام الاسقاط تحت جنح الظلام .
وظلوا فى الظلام الى صبيحة اليوم التالى ليتفاجأوا بأنهم على بعد 100 ميل من منطقة العملية
واخذت منهم عملية البحث عن صناديق المعدات التى اسقطت معهم يومين كاملين حيث كانت مبعثرة
على مسافات شاسعة وقد غطتها الثلوج
خلال خمسة عشر يوما قام رجال ( سوالو ) بواحدة من الرحلات النموذجية التى تمت خلال الحرب
فعلى علو اربعة آلاف قدم وفى طقس دائما تحت الصفر بكثير الى جانب حمولة ستين رطلا لكل رجل
وهو اقصى ما يمكن ان يحمله الانسان علما بأنه كل فرد كان له 120 رطلا يقوم بنقل نصفهم
ثم يعود ليأتى بالباقى .وكان غذائهم يوميا للفرد شريحة جبن + حفنة برغل +حفنة طحين + 4 قطع بسكويت .
وفى التاسع من نوفمبر تلقى ضباط العمليات المشتركة فى القيادة الرسالة المنتظرة . وتفيد بأن رجال ( سوالو )
اصبحوا فى مكان قريب من ( نورك هيدرو ). وانهم نجحوا فى الاتصال ب ( اينار )ولديهم اجهزة الراديو
والمصابيح لأستقبال عناصر جماعة الاغارة على ( نورك هيدرو ).
وفى التاسع عشر من نفس الشهر اقلعت قاذفتان من طراز ( هاليفاكس ) من بريطانيا الى مسرح العملية
وفى غضون ساعات ابرقت وحدة ( سوالو ) بتحطم الطائرات ومقتل طاقمها وأسر الباقين .
وتواترت اخبار خطيرة عن ان ضابط مخابرات المانى قام بفحص الحطام وعثر على خريطة مرسوم عليها
خط احمر يمر بمدينة ( فيمورك )التى يقع بها مصنع ( نورك هيدرو )
اسرع المفوض الالمانى ( جوزيف تربوفين ) وقائد التشكيل ( فون فالكنهورست ) بالتفتيش على
جاهزية الدفاعات بالمدينة . وتمت عملية تمشيط واسعة بها وتم توقيف اى متعاطف مع الحلفاء .
فى لندن , بدأت العمليات المشتركة عملها من جديد حيث تم التخلى عن فكرة الكوماندوس
واستعيض عنها بفكرة اسقاط ستة نرويجيين بالمظلات . فقام الدكتور ( ترونستاد ) بتدريبهم على عجلة
بالمجسمات و الخرائط فى مدة قصيرة . حيث ان نفذ الغذاء من عناصر ( سوالو) وبطاريات الراديو
آخذة فى الضعف شيئا فشيئا ولازالو يعيشون فى كوخ ثلجى على ارتفاع 4000 قدم فى ظروف عصيبة .
ابرق ( اينار ) بمعلومات غريبة وهى ان الالمان لأسباب ما اعتقدوا ان العملية كانت بهدف تخريب
الخزان الذى يجرى تشييده فوضعوا عليه مائة حارس . بينما اكتفوا بأثناعشر حارس على المصنع فقط .
.......... عـــمــلــيـــة الــــرمـــاة ..........
فى اواخر ديسمبر كانت عملية ( الرماة ) جاهزة لأسقاط النرويجيين الستة . وبالفعل تم اسقاطهم
فى احدى الليالى فوق بحيرة ( سكرايكن ) المتجمدة على بعد ثلاثين ميلا شمال مخبأ ( سوالو )
وبدأوا سيرهم عبر العواصف الجليدية والغيوم الكثيفة واجسادهم تكاد تتجمد ولما باتوا قريبين من مكان
الالتقاء لفت نظرهم رجلين يتزلجان بأتجاههم فأختبأوا ماعدا واحد فقط للتحدث ووضع المختبئين ايديهم
الزناد استعدادا وتحسبا لكونهم من عناصر الجستابو . وفجأة صاح الجميع فرحا !!
انهم عناصر ( سوالو ) .وبدأوا بالتجهيز للمهمة . وافرد ( اينار ) خرائطه وقدم معلوماته
مواعيد تبديل الحراس . افضل البوابات للأقتحام . غرف الحراس ..
كان على المهاجمين نزول عدة اميال شديدة الانحدار يتوسطها غابة كثيفة تغطيها الثلوج فى ممر ضيق
ثم السباحة عبر سيل جارف شديد البرودة ثم تسلق جرف شبه عمودى وصولا الى السكة الحديدية
التى تؤدى الى المصنع .وخطورة الامر انه اذا اصدر الالمان اشارة ضوئية صغيرة تضاء المنطقة كلها
آليا فى ثوان معدودة .
تقدم الرجال بقيادة قائد المجموعة ( الرماة ) ويدعى ( روناى ) وقد اضناهم التعب . وما ان سمعوا طنين
الماكينات وجدا المصنع على مسافة 500 متر منهم . تم مراجعة العملية والتأكد من التجهيزات فى دقائق
.......... تــســلل الاشـــــبــاح ..........
قام احد العناصر بقص السلسلة الحديدية تحت ستار صوت احدى الماكينات يأتى كل بضع ثوان
تم تسلل الجميع الى الداخل . واخذوا مواضعهم حيث منهم خمسة عناصر لحراسة المجموعة بالسلاح
وقد صوبوا اسلحتهم ناحية غرف الحراس فى استعداد تام لا يخلو من الخوف الطفيف .
لك تأخذ مجموعة التخريب وقتا طويلا للوصول الى مكان زرع الشحنات الناسفة حيث سلكوا نفقا
انبوبيا أدى بهم الى الغرفة المجاورة لغرفة التركيز العالى الا انهم فقدوا الاتصال بعنصرين منهم
بسبب الظلام الشديد ولكن سرعان ما عثروا عليهم ...
.......... الحــــارس المـــــطـــيـع ..........
رفع الحارس المختص بحراسة غرفة التركيز العالى بصره فوجد مسدسين مصوبين الى أنفه
بدا خائفا . ولكن مطيعا جدا على حد تعبير ( روناى ) الذى قام بسرعة بجولة حول الصهاريج والانابيب
والماكينات للوقوف على اهم النقاط . ثم تم زرع الشحنات الناسفة طبقا لما تدربوا عليه فى لندن
كان الحارس المطيع نرويجيا فأمره ( رونى ) بالفرار والنجاة بحياته . فأخذوه معهم فى طريق الهروب
للتأكد من عدم قيامه بالانذار .
ثم فجأة حدث الانفجار المنتظر . كان صوته مكتوما بسبب الجدران الاسمنية السميكة ولكنه
هز ارض المنطقة كلها .
هب الحراس الالمان بأسلحتهم فزعين ودوت صفارات الانذار فى كل مكان . ولكن كان ( روناى )
ورجاله قد اختفوا فى رحلة الى الحدود السويدية .
ذهل الالمان من الحادث العجيب . ومن اى طريق جاء المخربون . وفى غمرة ذهولهم كان هناك
اكثر من 1000 رطل من ( اكسيد الديوتيريوم ) الذى لا يقدر بثمن يتدفق من تحت الغرفة
على الارض ذاهبا الى المجارير .
ولما أتى الجنرال ( فون فالكنهورست ) يرافقه قائد المنطقة . صاح بغضب وحسرة
( هذة ضربة لعينة ....لم اشهد مثلها ) فأمر قائد المنطقة بتوجيه فرقة كاملة تعدادها 12000
بمشيط المنطقة كلها وتفتيش البيوت والاكواخ مستخدمين الزلاجات والعربات ( النصف جنزير )
مدعمين بعناصر الجستابو ورغم ذلك لم يجدوا شيئا حيث ان الوحدة التى يبحثون عنها قد وصلت
الى الحدود السويدية بسلام ومن ثم تم نقلهم جوا الى لندن
.......... إغـــــراق المــــعديــة ..........
فى صيف عام 1943 ابرق ( اينار ) الذى عاد الى منزل والدته بالمدينة .بأن المصنع قد تم
اعادة اصلاحه و سيستأنف الانتاج مرة أخرى .
وعلى الفور اقلعت اسراب من قاذفات السلاح الملكى وقامت بقصف عنيف نتج عنه تدمير الخزان الجديد
والحاق اضرار كبيرة بالمصنع . وعندها قرر الالمان سحب مخزونات ( اكسيد الديوتيريوم )
ونقلها مع اكثر معدات المصنع اهمية الى مكان سرى تحت الارض هناك فى المانيا .
و تواترت هذة المعلومات الى ( اينار ) . فطلب من القيادة فى لندن السماح له بأغراق المعدية
الكبيرة التى ستنقل هذا الكنز عبر بحيرة ( تانسجو ) . و جاءت الموافقة على الفور .
استدعى ( اينار ) احد اصدقائه المقربين ويدعى ( بونزو ) الذى كان يعمل مع احد وحدات المقاومة
على بعد خمسين ميلا . وأبرق له ان الأمر عاجل . فجاء ( بونزو ) الذى كان له خبرة بالمعدات البحرية
متنكرا فى زى عامل من عمال مصنع ( نورك هيدرو ) وقام بتفقد المعدية بدقة ليقرر كيف يمكن اغراقها
بحيث لا يمكن أنقاذها ابدا .
وفى ليلة نقل الحمولة كانت المعدية تقبع فى جوف مخزنها الأمامى شحنة كبيرة ناسفة .
وهكذا أستقر ما تبقى من ( أكسيد الديوتيريوم ) فى قاع بحيرة ( تانسجو ).
بعد فقدان الأمل فى الحصول على السلاح الأهم وجه هتلر أهتمامه الى أستنباط أسلحة أخرى
و رفع قدرة الأنتاج الكمى لخطوط التصنيع القائمة
أما العلماء النوويين الألمان فقد تم توقيفهم تدريجيا .
وأخير تم تكريم النرويجيين الشجعان الأحد عشر فى لندن .
المراجع / مينو بولى تربيون ( مؤرخ وخبير عسكرى )
ترجمة العميد / محمد عدنان الدقر