التجنيد الاجباري والاستعباد

الزعيم

صقور الدفاع
إنضم
20 يوليو 2012
المشاركات
8,456
التفاعل
378 1 0
لا أستطيع النوم... عيناه لا تفارق مخيلتي، نظر أحدنا في عيني الآخر لعده ثواني، كنت أسرع في إطلاق النار فقتلته على الفور ... لم أفكر أن الذي حدث سيؤثر فيّ إلى هذا الحد، فلم أستطع بعدها النوم مطلقًا ، وجهه لا يفارق مخيلتي، وفهمت أنني في الواقع قتلت شاب عربي فلسطيني من أبناء جلدتي، يتحدث لغتي ويشبهني..." ..... هذا ما قاله ضابط في الجيش الإسرائيلي من أبناء الطائفة الدرزية وهو يعاني اضطرابًا نفسيًا بعد أن قام بقتل شاب فلسطيني. ويقول مجند آخر عاش حادثة مشابهه : "فهمت أشياء كثيرة بعد هذه الحادثة، وبدأت أفكر في دوري في ماكينة الحرب والقتل، وأتساءل لماذا علي أن أخدم الجيش الإسرائيلي؟ ومن هو المسئول عن ذلك؟ ". هذه بعض شهادات مما يعانيه الشبان العرب من جراء خدمتهم في الجيش الإسرائيلي، فهل يمكن تحميل بعض الأشخاص مسؤولية إلزام العرب الدروز بالخدمة الإجبارية، أم علينا أن نعود إلى ما قبل ذلك؟ فمنذ ما قبل قيام إسرائيل كان العرب الدروز عرضة لسياسات ومخططات مدروسة هدفت بشكل مباشر إلى عزل الدروز عن انتمائهم العربي الإسلامي وتغيير هويتهم العربية والقومية، ووضعهم بمواجهة شعبهم الفلسطيني، وإيهامهم بأنهم مواطنون في دولة تحتضنهم وترعاهم. وقد أدت عدة عوامل مثل العزلة الجغرافية، الانطواء الديني، البعد عن مركز المدينة، غياب الوعي السياسي وغياب النخب الوطنية إلى أن تستفرد السلطات بتلك الشريحة الصغرى وتلزم الدروز بضرورة خدمة الشبان في الجيش الإسرائيلي.
ويواجه المجتمع الفلسطيني داخل حدود عام1948 تحديًا آخر يتمثل بخدمة أبناء المجتمع البدوي تطوعًا في الجيش الإسرائيلي، ويخدم هؤلاء الشبان على الأغلب في حرس الحدود وفي وحدات تقصي الأثر بالتحديد. ويواجه المجتمع البدوي أزمة حادة تتمثل بمحاولة سلخة عن المجتمع الفلسطيني المسلم والعربي ووضعه في حضيض سلم الأولويات، مع إهمال تام للبنية التحتية مثل عدم توفر المياه والكهرباء في معظم القرى البدوية كما هو الحال في النقب، وعدم الاعتراف بعدد كبير من القرى في محاولة لتركيز المجتمع البدوي في سبع تجمعات سكنية. وإزاء هذا الحال المزرية يتوجب السؤال: ما الذي يدفع الشبان البدو إلى التطوع في الجيش الإسرائيلي؟
من يجيب على هذا السؤال هم الشبان البدو أنفسهم الذي يقولون بأن تطوعهم في الجيش الإسرائيلي جاء من منطلقات عده، فالجيش يوفر لهم مستقبلا أفضل وباستطاعتهم أن يرفعوا مستوى عائلتهم الاقتصادي وذلك لأن غالبية الوظائف في المؤسسات الإسرائيلية تشترط الخدمة في الجيش الإسرائيلي. واعتبر البعض أن التطوع في الجيش يوفر لهم مظاهر القوة والنفوذ، وبمجرد أن يحملوا السلاح فإنهم يشعرون بالقوة وبالقدرة على السيطرة. تأتي هذه التبريرات خاصة إذا ما كان المجند من عائلة صغيرة أو ينتمي إلى حلقة ضعيفة لسبب ما. وهناك من يقدم رأيًا آخر ويقول بأنه مواطن في دولة إسرائيل، ومن واجب المواطنة عليه أن يخدم في جيش الدولة!
 
كيف تم فرض التجنيد؟
احتار القادة الإسرائيليون بعد نكبة عام 1948 ماذا يفعلون مع العرب الباقين في بيوتهم والباقون حوالي 150 ألف فلسطيني... وباعتبار أن ليس لدى هؤلاء القادة ثقة بالعرب، وكانوا قد فشلوا في ترحيلهم جميعًا فقد كان لا بد من إيجاد حل حول كيفية التعامل معهم. كانت الفكرة أن يتم تجنيد الشبان العرب وضمهم إلى صفوف الجيش الإسرائيلي لكي يتم دمج العرب في المجتمع الإسرائيلي وفصلهم عن المحيط العربي، لكن الرأي الأخير قضى بأن يتم تجنيد الشبان الدروز لغاية في نفس يعقوب وفتح باب التطوع لمن يصلح من باقي العرب، وبذلك عملت المؤسسة العسكرية على استقطاب البدو في محاولة لإفراز فئة قومية جديدة، وسلخهم عن المجتمع الفلسطيني، وتم ضم الشبان البدو من المتطوعين إلى وحدة حرس الحدود بسبب قدرتهم الفطرية في تقصي الأثر.
إلا أن عملية سلخ المجتمع الدرزي عن محيطه العربي كانت أكثر عمقا وتخطيطًا، فقد بدأت الخطة الإسرائيلية أولا بعملية تجريد المجتمع الدرزي من كل عناصر موارد استقلاليته خاصة عبر مصادرة الأراضي الزراعية وسلبها بالقوة، حيث تمت مصادرة 95% منها والتي كانت تشكل مورد الرزق الأساسي للدروز وذلك لربطهم كليا باقتصاد الاحتلال وخاصة الأمن عبر التجنيد الإجباري. ثم قامت ثانيًا بفصل المحاكم الدرزية عن سائر المحاكم الشرعية الإسلامية في العام 1961 وتشكيل مجلس خاص بالطائفة الدرزية وتعيين مسئول إسرائيلي مهمته الإشراف على عمل هذا المجلس وتعيين المسئولين الدينيين في المجالس الدينية بقرار من السلطات ولاحقا مراقبة وملاحقة من يتهربون من الخدمة العسكرية الإجبارية باللجوء إلى التدين إضافة إلى محاولة السيطرة على قرار المرجعيات الدينية. ثالثا: إقامة تنظيمات شعبية درزية " لمعالجة شؤون الطائفة " حسب الادعاء الإسرائيلي وأهمها لجنة رؤساء المجالس المحلية وتضم رؤساء المجالس المحلية الدرزية لسلخهم عن حركة المجالس العربية. رابعًا: قامت بفصل تعليم العرب الدروز عن تعليم باقي أبناء الشرائح العربية وإصدار مناهج تربوية موجهة لهم دون غيرهم( الرياضيات للدروز، الفيزياء للدروز، الكيمياء للدروز، الأدب العربي للدروز، علم الأحياء للدروز) إمعانا في عملية فصلهم عن انتمائهم العربي والإسلامي إضافة إلى اعتماد مواد تدريس خاصة بالدروز تشجع الشباب على الانخراط في الخدمة الإجبارية وتشكيل لجان خاصة بالشباب الدروز في الجامعات. خامسًا: تكثيف الدراسات الصهيونية المزورة التي تسعى لإظهار تقارب مزعوم بين المذهب الدرزي وبين اليهودية. سادسًا: منع العرب الدروز من الاحتفال بأعيادهم كعيد الفطر والأضحى وافتعال مناسبات بديلة لا أساس ديني لها في المذهب التوحيدي الدرزي كزيارة النبي شعيب التي تقام سنويا . سابعًا: محاولة خلق كقومية مستقلة للدروز ومواكبة ذلك بحملة ترويج قدمت طمس هويتهم كإنجاز واستبدال كلمة عربي بكلمة درزي على بطاقة الهوية الصادرة عن وزارة الداخلية.
544645645654.jpg

 
محاولات معارضة التجنيد
أدت هذه العوامل من جملة ما أدت إليه إلى فرض التجنيد الإجباري على الدروز، وكانت هناك غالبية رفضت التجنيد ونظمت أول حملة رفض أمام بلدة الرامة وتم جمع 1800 توقيع من الذكور البالغين من رافضي التجنيد، وقد تم اعتقال الرافضين وزجوا في السجون. وفي العام 1958 قامت حركة الأرض عبر مجموعة من الشبان الدروز برفض التجنيد، فضربت حركتهم بشكل دموي وعنيف، وقضي على تحركهم.
واستمرت عمليات المواجهة واعتمد الشباب الدروز وسائل متعددة لرفض التجنيد الإلزامي من العصيان إلى الإضراب عن الطعام إلى ادعاء الجنون والتخلف العقلي مع ما تعنيه هذه الخيارات من حرمان من أية وظيفة أو عمل حتى في القطاع الخاص وصولا إلى الزواج المبكر واللجوء إلى التدين.
في السنوات الماضية بدأت تتعاظم المقاومة في أوساط البدو، وينتمي معظمهم المجندون الذين يتركون الجيش إلى الحركة الإسلامية التي تعمل على إقناعهم بعدم التطوع، وتنجح الحركة الإسلامية في كثير من الحالات مما يقلق القادة العسكريين. في المقابل لا يجد الشبان الدروز من يقدم لهم المشورة أو الحافز على رفض التجنيد فتبقى أعداد الرافضين لأسباب مبدئية قليلة.
وهذه المقاومة لدى المجندين من البدو لا تنتج فقط بسبب المواجهة المستمرة مع الفلسطينيين، بل أيضا من أن هذه الفئة السكانية تتعرض بشدة للتمييز في المجتمع الإسرائيلي. ورغم الحديث الإسرائيلي عن زيادة التطوع، إلا أن الأوساط البدوية تؤكد أن هؤلاء المتطوعين هم قلة فقدت انتمائها الوطني والقومي والديني، وإن هؤلاء المرتزقة معزولون حتى بعد وفاتهم، ويمتنع علماء الدين المسلمون من أداء الصلاة عليهم.
من ناحية مقابلة يعامل هؤلاء الجنود من البدو معاملة سيئة خلال فترة خدمتهم في الجيش ويقول أحد المتطوعين من البدو:" الوضع الذي نعيشه في المواقع العسكرية في قطاع غزة لا يطاق... فنحن تحت القصف والعمليات الفلسطينية التي تتم يومياً ولا تهدأ... الظروف التي نخدم فيها غير إنسانية، ولم يوضع فيها جنود يهود في يوم من الأيام... فالوحدات اليهودية لا تخدم في مكان واحد أكثر من 3-4 أشهر، ثم يتم نقلها إلى مكان أهدأ، حتى يرتاح الجنود من الضغط بينما نحن قابعون في المواقع نفسها منذ أربع سنوات ... في بعض الأحيان نخدم 20 ساعة متواصلة في اليوم من دون أن يحضر شخص لاستبدالنا". ويقول متطوع آخر: "نحن جيدون لأن نكون عبيداً في الجيش لدى اليهود، أما أن نكون قادة ويكون تحت مسؤوليتنا يهود، فهذا محظور".
وحسب معطيات الجيش الإسرائيلي فإنه في قد انخفض عدد المتطوعين بنحو 17% عام 2000 مقارنة بالعام الذي سبقه، وفي العام 2001 انخفض عددهم بنسبة 40%، ولكن سرعان ما عمد قادة الجيش إلى تدارك الأمر والسيطرة على هذا الانخفاض فقامت بتشكيل طواقم لتجنب ما يحدث، وقد أدى هذا حسب مصادر الجيش الإسرائيلي، إلى زيادة نسبة التطوع وسط الشبان البدو إلى 49 بالمائة عام 2002، وفي العام 2003 ارتفع بنسبة 41 بالمائة.
المواجهة مع المقاومة الفلسطينية
أدت المواجهات الإسرائيلية-الفلسطينية إلى سيادة إحساس باستحالة الوقوف على الجدار. ويعاني عدد من المجندين العرب من الدروز والبدو من عاصفة نفسية، وانعدام ثقة الجيش بهم جعلهم يتواجدون في مفترق طرق صعب، وعليهم بالتالي تحديد موقفهم.
المواجهة المستمرة بين المجندين العرب وأبناء الشعب الفلسطيني خلقت حالة من الضعضعة في أوساط المجندين أصحاب الضمير خاصة أن الآلة العسكرية الإسرائيلية تزج بهم في الخطوط الأمامية وتجبرهم على مواجهة أبناء شعبهم والقيام بقتلهم. وفي أوساط البدو يأخذ الموضوع بعدًا حساسًا وذلك كون العشائر البدوية في النقب ترتبط بصلات قرابة مع قطاعات كبيرة في غزة وفي جنوب الضفة الغربية، الأمر الذي أدى إلى أكثر من حادثة مواجهة بين مقاوم فلسطيني ومجند بدوي من ذات العشيرة. وقد أقلق هذا الموضوع في الدرجة الأولى الفصائل الفلسطينية المقاومة.
1_679393_1_34.jpg

 
رسالة حماس
وفي محاولة ردع الشبان البدو عن التطوع في الجيش تقول حركة حماس في رسالة وجهتها إلى المجتمع البدوي: "إننا نتوجّه إليكم و كلّنا ثقة أنكم مكوّن أصيل من مكونات هذا الوطن المبارك فلسطين، التي احتضنتنا وضمّتنا بين ربوعها و ديارها حتى جاء الاحتلال بجرائمه و مجازره ففرّق بيننا و صنع بيننا حدوداً و حواجز،لكنّنا نبقى جميعاً أخوة في الدين و أبناء للوطن و جزءاً من أمّتنا العربية و الإسلامية، ولقد كنتم و ما زلتم سنداً و عنواناً للعطاء و الإخلاص و الوقوف إلى جانب شعبنا الذي يرزح تحت الاحتلال، وإنّ الصورة المشرقة للأخوة البدو لا يمكن لأحدٍ أن ينكرها، وهم الذين حافظوا على الهوية العربية والإسلامية على الرغم من مرور عقودٍ على احتلال فلسطين، ومنهم الدعاة المجاهدون والمناضلون والأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني ، لكن أفعال هؤلاء المجرمين من الجنود الذين ينخرطون في جيش الاحتلال تنال منها و تسيء إلى نصاعتها ..".
ويقول نائب رئيس الحركة الإسلامية الشيخ كمال خطيب في خطاب توجه به إلى شيوخ الدروز: "يكفيكم صمتاً لقد حان الوقت للنهوض والقول بان هذه الأعمال لا تمثلكم، صحيح أن أفراداً هم الذين يقومون بذلك، لكنهم يزدادون عدداً ولهذا يجب وقف هذه الظاهرة.... ولا يتوافق هذا مع الدروز كعرب وكفلسطينيين والأعمال التي يقوم بها بعض أبنائهم هي في الحقيقة منحطة".
هل فات الوقت؟
استطاعت إسرائيل أن تخلق أزمة حادة وشرخًا قد لا يلتئم بين أبناء المجتمع الفلسطيني إلى درجة إنكار البعض لانتمائه الفلسطيني والعربي، فبعد أقل من ستين عامًا يبدو البعد بين أبناء الوطن الواحد كبيرًا. ويسهل على الكثيرين وصف العرب المجندين في الجيش الإسرائيلي بالخونة دون تقديم يد المساعدة لهؤلاء الذين لا يرون أنفسهم في الصورة المكبرة ويعتقدون أنهم في الطريق الصواب. فالأسرلة أو بمعنى آخر المواطنة الإسرائيلية هي خيار وهمي لا يقدم للعرب الخاضعين لمغرياتها سوى فتات الفتات، ومع كل ما تقوم به المؤسسات الإسرائيلية من حشد الطاقة واستقطاب الشبان من غير الدروز والبدو للتطوع في الجيش والشرطة في محاولة جادة لأسرلة مشوهة للعرب الفلسطينيين نجد أننا لا نقوم بالحد الأدنى من العمل المضاد، ونحن في سباق الزمن، هذا... إن لم يفت الوقت حقًا!
capt.88b902eff3b44cc0b5dbdafff75af337.mideast_israel_big_family_jrl829.jpg
 
عودة
أعلى