أحكام الشريعة الإسلامية حول استخدام أسلحة التدمير الشامل... بحوث فقهية أصولية متعددة.

عبد ضعيف

عضو مميز
إنضم
17 يوليو 2011
المشاركات
3,882
التفاعل
3,229 0 0
حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الكفار







تنبيه: اضغط على عنوان أي مبحث للوصول المباشر له.










الكاتب :
print_t_right.gif
الفهرس
print_t_left.gif










































 
رد: أحكام الشريعة الإسلامية حول استخدام أسلحة التدمير الشامل... بحوث فقهية أصولية متعددة.



أسلحة الدمار الشامل وحكمها في الفقه الإسلامي . للشيخ خير الدين مبارك عويمر الجزائري - حفظه الله -



التمهيد: بينت فيه المقصود من البحث، ووجه كون هذه المسألة نازلة فقهية، وسببها.


- التعريف بأسلحة الدمار الشامل - حكم استعمال هذه الأسلحة- أهم نتائج هذه الدراسة المختصرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله العزيز الحكيم، ذي القوة المتين، وعد أولياءه بالنصر والتمكين في الدنيا، والفوز بدار النعيم في الأخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبد الله ورسوله القائل: (بُعثت بين يدي الساعة بالسيف؛ حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)( )، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فلا يخفى على إنسان التقدم الهائل الذي وصلت إليه البشرية في شتى مجالات الحياة، وكان من أعظمها خطراً مجال التسلح العسكري، وما جَدَّ فيه من أسلحة شديدة الفتك والتدمير، تذر الديار بلاقع، وتهلك الحرث والنسل، حتى اصطلح على تسميتها بأسلحة الدمار الشامل؛ لقوتها الهائلة في التدمير، والمساحة الواسعة التي يصيبها الهلاك والتخريب، وآثارها السيئة على البيئة، وكل ذي روح من إنسان وحيوان، فكانت قمنة بأن تدرس، ويبين حكمها فتعرف، وهذا البحث محاولة لإماطة اللثام عنها، والكشف عن مكنوناتها، وقد سرت فيه على الخطة التالية:
المقدمة: ذكرت فيها موضوع البحث وخطته.
التمهيد: بينت فيه المقصود من البحث، ووجه كون هذه المسألة نازلة فقهية، وسببها.
المبحثالأول: التعريف بأسلحة الدمار الشامل، وتحته مطلبان:
المطلب الأول: تعريفها في اللغة.
المطلب الثاني: تعريفها في الاصطلاح العسكري.
المبحث الثاني: حكم استعمال هذه الأسلحة، وتحته مطلبان:
المطلب الأول: حكمها في القانون الدولي.
المطلب الثاني: حكمها في الشريعة الإسلامية المطهرة.
الخاتمة: ذكرت فيها أهم نتائج هذه الدراسة المختصرة.
تـنـبـيه:
كنت قد كتبت هذا البحث قبل سنوات، وبعد الحرب الأخيرة في غزة، رأيت مناسبة نشره، بعد أن أعدت صياغته، وترتيبه، وأسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يكتب لي أجره، ويتجاوز عما وقع فيه من تقصير.
تمهيد
المراد بأسلحة الدمارالشامل، أسلحة لم يكن الإنسان يحلم يوماً بها، ولا كان في وسعه تصورها، وإنما عرفها في القرن الأخير، بعد أن بلغ من التطور المادي والتكنولوجي مبلغاً عظيما، حير الألباب والعقول، وتنوعت مجالاته وتعددت، وكان من ثمراته تصنيع أسلحة امتازت بقدرتها الهائلة على التدمير، والقتل والتخريب، إنه السلاح النووي، والكيميائي، والبيولوجي.
لقد اصطلح على تسمية هذا الثالوث المدمر بأسلحة الدمار الشامل( )، وتنافست الدول لتحصيلها، باسم سياسة الردع تارة، والدفاع عن النفس تارة أخرى، حتى صار وسيلة ابتزاز للشعوب والحكومات المغلوبة على أمرها، وكل من فكر في امتلاكه ضُيِّق عليه، وسيس بالترغيب والترهيب حتى يعدل عن طلبه، ويذعن لما يسمى الإرادة الدولية، أو القانون الدولي!!
إن الناظر في حال أهل الإسلام، وما نزل بهم من الذل والصغار، حتى اقتطعت أطراف من بلادهم، واستذل فئام من شعوبهم، ليرى فيهم مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم :(يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) ، والسبب في ذلك تنكبهم لدينهم الذي فيه عزتهم، وتركهم للإعداد، وأسباب القوة التي يقارعون بها أعداءهم، فصارت بلادهم كلأً مباحاً لأمم الكفر، وشعوبهم مغلوبة على أمرها، تمضي من يد سيد إلى يد سيد.
إن الأمة الإسلامية إذا كانت تتطلع إلى سعادتها، وسيادتها في الدنيا، وفوزها بجنة ربها في الأخرى، فعليها أن ترجع إلى دينها رجعة صادقة، وتأخذ بأسباب القوة الرادعة؛ لتدفع الضيم عن أبنائها، وتسترد ما فُقِدَ من حقوقها وأرضها.
ولما كانت هذه الأسلحة حادثة، ولم تكن معروفة عند علمائنا الأولين، ولا عرفها فقهاء الأمة، تحقق فيها معنى النازلة في الاصطلاح، والتي قيل فيها: "الحادثة التي تحتاج لحكم شرعي" ، فكان لزاماً معرفة حكمها الشرعي حتى تكون الأمة على بصيرة بها، فإن كانت حلالاً وجب عليها الأخذ بها، وإن كانت حراماً تجنبتها، وأخذت ببدائلها.
سبب هذه النازلة:
أولا: ما سبقت الإشارة إليه، من التطور التقني المذهل الذي تعيشه البشرية.
ثانيا: التسابق المحموم إلى التسلح، إما بقصد الدفاع، وإما بقصد التسلط والاستيلاء على ثروات الدول والشعوب.
ثالثا: حاجة الأمة الملحة لها؛ من أجل حفظ الكليات الخمس الضرورية، وهي: الدين والعقل والنفس والمال والعرض.
رابعا: تغير الأعراف، ففيما سبق كانت القوة الحربية في السيف والرمح، وأما الآن فإن القوة في الطائرات، والصواريخ، والغواصات وغير ذلك مما نراه في الجيوش الحديثة.
المبحث الأول: التعريف بأسلحة الدمار الشامل.
المطلب الأول: تعريفها في اللغة.
أسلحة: جمع سلاح، وهو آلة الحرب وما يقاتل به .
الدمار: الهلاك .
الشامل: مأخوذ من قولهم: شملهم الأمر إذا عمهم، فالشامل العام، ومنه: الشملة الكساء .
فأسلحة الدمار الشامل هي: آلات الحرب التي تعم بإهلاكها.
المطلب الثاني: تعريفها في الاصطلاح العسكري.
لقد اصطلح المعنيون بأمر التسلح، على إطلاق (أسلحة الدمار الشامل) على ثلاثة أنواع من الأسلحة، هي: السلاح النووي، والسلاح الكيميائي، والسلاح البيولوجي .
أولا:الأسلحة النووية.
وتسمى بالسلاح الذري، نسبة إلى النواة والذرة، وهي قنابل شديدة الإنفجار، تعتمد على الطاقة المنطلقة من تحويل جزء من المادة، بتحطيم النواة الذرية لبعض العناصر، كاليورانيوم .
ويدخل في السلاح النووي القنبلة الهيدروجينية، والقنبلة النترونية، التي تسمى بـ(السلاح النظيف)؛ لأنها عند انفجارها تطلق أشعة تقتل البشر دون أن تدمر المنشآت .
ثانيا:السلاح الكيميائي.
هو كل مادة تسبب ألماً أو تسمماً في جسم الإنسان، سواء كانت غازاً كالكلور، أم سائلاً كالخردل، أم جسماً صلباً كالكلور استوفينون، ومن أفتك هذه المواد غاز الخردل ، وكذا غاز الأعصاب.
ثالثا: السلاح البيولوجي.
ويسمى أيضاً بالسلاح الجرثومي، والبكتيريولوجي، نسبة للجراثيم والبيكتيريا.
وهو استعمال الكائنات الحية، أو سمومها لقتل الإنسان، أو إنزال الخسائر به، أو بممتلكاته، من ثروة حيوانية أو نباتية ، ومن الأمراض التي تسببها الطاعون، والكوليرا، وغيرهما من الأوبئة.


المبحث الثاني: حكم استعمال هذه الأسلحة.
المطلب الأول: حكم استعمالها في القانون الدولي.
لقد صدر حظر لاستعمال الأسلحة الكيميائية في مؤتمر جنيف عام 1925م، بعد أن استعملها الجيش الألماني في الحرب العالمية الأولى ضد الحلفاء .
وأما الأسلحة النووية فقد صدرت فتوى من محكمة العدل الدولية بمشروعية التهديد بالأسلحة النووية، واستخدامها، بتاريخ 8 يوليو 1996(حسب القانون الدولي المطبق حالياً) واستندوا في ذلك على مايلي:
1- أن القانون الدولي لا يحرم الأسلحة النووية بصراحة.
2- أن نصوص القانون الدولي الإنساني ـ قانون النزاعات المسلحة ـ لا تنطبق على هذه الأسلحة.
3- أن القرارات الدولية بخصوص هذه الأسلحة غير مجمع عليها.
4- أن من حق الدولة المعتدى عليها أن تستخدم حق البقاء؛ باسم الدفاع الشرعي عن النفس.
وهناك قول آخر يرى منع هذه الأسلحة بناء على مواد قانونية أخرى .
ولذلك نرى الدول الكبرى ـ ممن تملك هذه الأسلحة ـ تسعى حثيثة؛ لتحمل الدول على التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية؛ لتقطع عليها الطريق لامتلاكها، وهي تسلك في ذلك الابتزاز والضغوط السياسية والاقتصادية بأنواعها، وربما لوحت بالتأديب العسكري، والله المستعان.
المطلب الثاني: حكم استعمالها في الشريعة الإسلامية المطهرة.
اختلف العلماء والباحثون في حكم هذه الأسلحة على قولين:
القول الأول: أنها مباحة، بل من القوة الواجبة، التي أمر المسلمون بإعدادها لمواجهة أعدائهم، وبهذا قال أكثر من بحث هذه المسألة، ومنهم: محمد بن ناصر الجعوان في كتابه: "القتال في الإسلام ـ أحكامه وتشريعاته"، وأحمد نار في كتابه: "القتال في الإسلام"، ومحمد خير هيكل في كتابه: "الجهاد والقتال في السياسة الشرعية"، وهو مقتضى قواعد أهل العلم في هذا الباب كما ستأتي إن شاء الله نصوص كلامهم.
ومن الأصول التي بنوا عليها:
أولا: عموم قول الله تبارك وتعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُون) (الأنفال:60).
قال الألوسي: "أي: كل ما يتقوى به في الحرب كائنا ما كان" .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا: "وقد جزم العلماء قبله ـ أي قبل الرازي ـ بعموم نص الآية" .
وقال السعدي: "فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات، من المدافع والرشاشات والبنادق والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون، ويندفع بها شر أعدائهم" .
ثانيا: إرهاب وردع أعداء الإسلام؛ حتى لا تسول لهم أنفسهم الاعتداء على المسلمين، وهذا مأخوذ من قوله تعالى في الآية السابقة: (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ)(الأنفال من الآية 60).
قال الشيخ السعدي: "وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته، فإذا كان موجوداً شيء أكثر إرهاباً منها...كانت مأموراً بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلم الصناعة وجب ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " .
والردع مبدأ سياسي تعتمده الدول في سياساتها الدفاعية، وعَرَّفه صاحب كتاب الاستراتيجية العسكرية المعاصرة (ص80) بقوله: "هو مصطلح شائع في عالم السياسة معناه: منع الخصم من أن يقوم بما لا يرغب الرادع أن يقوم به".
وقيل: "إنه مجموعة تدابير تعدها أو تتخذها دولة واحدة، أو أكثر، تخوض صراعا سياسيا من أجل خلاف بينها؛ بغية عدم تشجيع الأعمال العدائية، التي يمكن أن تشنها دولة أو مجموعة دول معادية، وذلك عن طريق بث الذعر في الطرف الآخر؛ بهدف ثنيه عن الإقدام على أي عمل عدائي" ، وهذا واضح، ومطابق للمقصد الشرعي.
ومن ينظر في أحوال الأمم في هذا الزمن، يرى قيمة امتلاك مثل هذه الأسلحة، وأثرها في دفع العدوان قبل أن يقع، وقد ذكروا أن مما منع قيام حرب بين أمريكا وروسيا أيام الحرب الباردة، هو امتلاك كلا الطرفين لهذه الأسلحة، مما خلق حالة من التوازن؛ لخوف كل طرف من أن يستعمل الطرف الآخر تلك الأسلحة المدمرة.
ثالثا: قول الله عز وجل: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِين) (الأعراف:133)؛ فإن هذا العذاب الذي سلطه الله تعالى على فرعون وقومه، يشبه إلى حد بعيد الأسلحة البيولوجية الحديثة، فتقاس عليه في جواز رمي الكفار بها.
قال الخطيب الشربيني الشافعي: "ورميهم بنار ومنجنيق، وما في معنى ذلك، من هدم بيوتهم، وقطع الماء عنهم، وإلقاء حيات أو عقارب عليهم، ولو كان فيهم نساء وصبيان" .
وما ذكره من حيات وعقارب، يقاس عليه السلاح البيولوجي والكيميائي، بجامع السُّمِّية.
ولكن ينبغي أن يقيد ذلك بأن لا يمكن تجنب النساء والصبيان؛ للنهي عن قتلهم كما سيأتي.
رابعا: قول الله عز وجل: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) (النحل من الآية126)، وجه الاستدلال بالآية أن الله عز وجل أباح لنا أن نرد على من آذانا بمثل أذيته، وعليه فمن قاتلنا بمثل هذا السلاح قاتلناه به.
قال الألوسي: "وإذا لم يقابلوا بالمثل عَمَّ الداء العضال، واشتد الوبال والنكال، وملك البسيطة أهل الكفر والضلال، فالذي أراه ـ والعلم عند الله تعالى ـ تعين تلك المقابلة على أئمة المسلمين، وحماة الدين" .
خامسا: تحريق النبي صلى الله عليه وسلم لنخل بني النضير ، وجه ذلك أن هذه الأسلحة على اسمها تدميرها يشمل النبات والحيوان، ومنها ما يعمل عمل النار في الإحراق والتدمير.
قال الإمام أبوحنيفة: "لا بأس بقطع شجر المشركين ونخيلهم، وتحريق ذلك؛ لأن الله عز وجل يقول: (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ)(الحشر:5)" .
ولكن ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يمكن الظفر بهم بدون ذلك .
سادسا: ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى أهل الطائف بالمنجنيق ، والمنجنيق يعم به الإهلاك، وهذه الأسلحة مثله في ذلك.
قال ابن قدامة: "ويجوز نصب المنجنيق عليهم، وظاهر كلام أحمد جوازه مع الحاجة وعدمها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف" .
وقال الخطيب الشربيني: "ولأنه صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف ورماهم بالمنجنيق، وقيس به ما في معناه مما يعم به الهلاك" .
سابعا: قوله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ، وهذه الأسلحة من أمور الدنيا لا شك.
ثامنا: قاعدة (الوسائل لها أحكام المقاصد)، ولما كان القصد من هذه الوسائل هو تحقيق القوة والأمن للمسلمين، فإن حكمها حكم هذا المقصد الشرعي المطلوب .
تاسعا: قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، وذلك أن الإعداد للجهاد واجب، وحفظ الأمة من أعدائها واجب، ولا يتحقق هذان الواجبان إلا بهذه القوة الحديثة.
عاشرا: أن الأصل في الأشياء الإباحة.
الحاديعشر: قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وجه ذلك أنه إن سلم أن هذه الأسلحة مما لا يجوز استعماله شرعا، فإن المحرم يباح عند الضرورة، فإذا لم يندفع العدو إلا بها، فهي جائزة.
القول الثاني: أنها غير جائزة، وممن انتصر لهذا القول الدكتور إسماعيل إبراهيم أبوشريفة في كتابه: "نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية".
ومما استدلوا به:
أولا: عموم قول الله عز وجل:(وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين)(البقرة من الآية195)، فعموم الأمر هنا يشمل حتى طريقة القتل في جهاد الكفار، والقتل بهذه الأسلحة ليس من الإحسان في شيء، ويوضح هذا الأصل الثاني.
ثانيا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة) ، و(القِتلة) بكسر القاف معناها صفة القتل، والقتل بهذه الأسلحة ليس من الإحسان.
ثالثا: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة ، والقتل بهذه الأسلحة فيه تمثيل بمن يقتل بها.
رابعا: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الصبيان والنساء ، واستعمال هذه الأسلحة ذريعة لقتلهم.
ويمكن أن يجاب عما مضى، بأن وقوع ذلك هو على سبيل التبع، وليس أصلا، والقاعدة عند العلماء: أنه يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا .
ويؤيد هذا ما رواه الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال: مرَّ بي النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء أو بِوَدَّان وسُئِلَ عن أهل الدار يُبَيَّتون من المشركين، فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال: (هم منهم) .
قوله: (يُبَيَّتون) أي: يغار عليهم بالليل فلا يعرف الرجل من المرأة من الصبي.
وقوله: (هم منهم) أي: هم في حكمهم، في جواز قتلهم، إذا لم يمكن التمييز بينهم، ولم يتعمد قتلهم، وبهذا قال جمهور الفقهاء .
خامسا: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: (إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: (إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما) .
فنهى عن القتل باستعمال النار، وبعض أسلحة الدمار شامل تحرق كما تحرق النار، بل أشد، فتكون أولى بالتحريم.
ويمكن أن يجاب عن هذا بأن هذا الحكم من حيث الأصل، ولكن لو فعلوا بنا ذلك، كان لنا الحق في دفع اعتدائهم بالمثل .
سادسا: أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، وجه ذلك أن تصنيع مثل هذه الأسلحة فيه مفاسد ظاهرة على البيئة والإنسان، كما أن تخزينها ليس بالأمر الهين، فإن تسرب بعض هذه المواد يسبب حوادث خطيرة، وانتشاراً لأمراض مستعصية، وما حادثة تشرنوبيل عنا ببعيد، ولا زالت آثارها إلى يوم الناس هذا .
ويجاب عن هذا بأن هذه القاعدة مسلمة إذا كانت المفاسد أعظم من المصالح، وأما إذا كانت المصالح أعظم، فإن تحصيلها مقدم على درء المفاسد، كما أنه إذا أمكن تحصيل المصالح ودفع المفاسد، فعلنا ذلك .
وجه آخر: أن هذه الأسلحة ليست شرا محضا، بل كما تستعمل في القتال، فإن لها استعمالات مفيدة في نواحي شتى، في الزراعة، وتوليد الطاقة، ومحاربة الأمراض والأوبئة، وغير ذلك من المباحات التي تقوم عليها الحياة.
القول المختار:
والذي أختاره هو القول الأول، وهو وجوب اتخاذ هذه الأسلحة، ولكن لا بد في ذلك من ضوابط؛ مراعاة لما ورد في القول الثاني:
الأول: ألا يندفع العدو إلا بها، قال الموفق: "أما العدو فإذا قدر عليه، فلا يجوز تحريقه بالنار بلا خلاف نعلمه" .
الثاني: ألا يترتب على استعمالها ضرر على المسلمين؛ فإن دفع المفاسد أولى من جلب المصالح، إلا إذا كانت مصلحة استعمالها تفوق مفسدتها.
الثالث: أن يكون استعمالها بقدر الحاجة؛ من أجل الاستفادة مما يخلفه العدو من أموال وعتاد، وهي غنائم الحرب.
الرابع: أن يتقى في استعمالها الأماكن المأهولة بالنساء والأطفال، إلا على سبيل المعاقبة بالمثل، أو على سبيل التبع، وعدم إمكان تجنبهم.
شبهة وجوابها:
فإن قيل: إن الإسلام دين الرحمة، فكيف تسوغون استعمال هذه الأسلحة؟
فالجواب ما قاله الشيخ محمد رشيد رضا: "نعم إن الإسلام دين الرحمة...ولكن من الجهل والغباوة أن يعد حرب الأسلحة النارية للأعداء الذين يحاربوننا بها من هذا القبيل، بأن يقال: إن ديننا دين الرحمة، يأمرنا أن نحتمل قتالهم إيانا بهذه المدافع، وأن لا نقاتلهم بها؛ رحمة بهم، مع أن الله أباح لنا في التعامل فيما بيننا أن يجزى على السيئة مثلها، عملا بالعدل، فقال: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) أفلا يكون من العدل، بل فوق العدل في الأعداء، أن نعاملهم بمثل العدل الذي نعامل به إخواننا؟!" .
ومن نظر بعين البصيرة في حرب العراق، وفي حرب غزة الأخيرة، تأكد له وجوب الأخذ بأقصى أسباب القوة، وألا نبقي في قلوبنا رحمة لمن يتفنن في قتل أطفالنا ونسائنا، ويدمر أرضنا، فإن الرحمة في هذا المقام سبيل الضعفاء، ومن قلت حيلته.
الخاتمـــة :
وأنا ذاكر فيها أهم نتائج هذا البحث:
- سعة الشريعة الإسلامية وإحاطتها بحوادث الزمان.
- أهمية النظر في عمومات النصوص قبل اللجوء إلى غيرها من الأدلة.
- أهمية الإعداد المادي في الجهاد الإسلامي.
- وجوب أخذ العدة والاستفادة من الصناعات العسكرية الحديثة.
- مبدأ الإرهاب والردع في شعيرة الجهاد الإسلامي، وهو حق مشروع في القانون الدولي.
هذا آخر ما تيسر نقله، والعلم عند الله تبارك وتعالى، والموضوع لا يزال محتاجا إلى دراسة أعمق، وبحث أدق، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه /خير الدين بن مبارك عوير


([1]) أخرجه الإمام أحمد (2/50) و أبويعلى في مسنده الكبير كما في إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري (5437)، وصححه الألباني في الإرواء (1269).

([2]) تسمى بالإنجليزية (weapons of mass destruction = WMD) وبالفرنسية (armes de destruction massive = ADM).

أخرجه أبوداود في الملاحم/باب في تداعي الأمم على الإسلام (4297) عن ثوبان t، وانظر: السلسلة الصحيحة (958).

معجم لغة الفقهاء (ص441) .

انظر معجم مقاييس اللغة (3/94)، القاموس المحيط (1/229) مادة (سلح).

[6] معجم مقاييس اللغة (2/300) ، القاموس (2/30) مادة (دمر).

[7]معجم مقاييس اللغة (3/215) ، القاموس (3/403) مادة (شمل).

[8]انظر: الاستراتيجية ودور عباقرة الفكر العسكري في تطويرها (ص409)، هل يشكل انتشار الأسلحة النووية عامل ردع؟ (دورة ماي 1999) (ص85).

[9] انظر: المراجع السابقة، والجهاد والقتال (2/1353).

[10]انظر: القنبلة النترونية (ص 8) من المقدمة.

[11]انظر: الأسلحة الكيميائية و الجرثومية (ص22) .

[12] انظر: كتاب الإستراتيجية (ص409)، الأسلحة الكيميائية والجرثومية (ص121).

[13]انظر: الأسلحة الكيميائية و الجرثومية (ص7).

هذا من اصطلاحات القانونيين، كما يسمون علماء القانون فقهاء!! ولعل هذا من تأثر القانونيين العرب بالمصطلحات الشرعية، وخاصة أن دراسة القانون في كثير من البلاد الإسلامية ارتبطت بالدراسات الشرعية، بل سميت كليات باسم كلية الشريعة والقانون، كما في جامعة القاهرة، وجامعة دمشق، وغيرهما، والله أعلم.

هل يمثل انتشار الأسلحة النووية عامل ردع؟ (128_129).

[16]روح المعاني (5/10/24).

[17] تفسير المنار (10/62).

[18]تيسر الكريم الرحمن (2/626).

[19]تيسير الكريم الرحمن (2/626_627).

[20]هل يشكل انتشار الأسلحة النووية عامل ردع؟ (53_54).

مغني المحتاج (4/223).

[22]روح المعاني (5/10/25).

أخرجه البخاري في الجهاد /باب حرق الدور و النخيل (3021)، ومسلم في الجهاد/باب جواز قطع أشجار الكفار و تحريقها (1746) عن ابن عمر رضي الله عنه.

الرد على سير الأوزاعي (ص85).

[25]حاشية ابن عابدين (6/210).

[26] أخرجه الترمذي (5/94) معضلا، وأبوداود في المراسيل (321).انظر: نصب الراية (3/382)، التلخيص الحبير (4/104).

المغني (13/139_140)، وانظر: عقد الجواهر الثمينة (1/318)، حاشية ابن عابدين (6/209)، مغني المحتاج (4/223).

[28]مغني المحتاج (4/223).

[29]أخرجه مسلم في الفضائل/باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً... (2363) عن أنس رضي الله عنه.

انظر: القواعد الكبرى للعز بن عبد السلام (1/74).

أخرجه مسلم في الصيد والذبائح /باب الأمر بإحسان الذبح والقتل (1955) عن شداد بن أوس رضي الله عنه.

[32]أخرجه مسلم في الجهاد/باب تأمير الأمراء على البعوث... (1731)عن بريدة رضي الله عنه.

[33]أخرجه البخاري في الجهاد/باب قتل النساء في الحرب (3015)، ومسلم في الجهاد /باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب (1744) عن ابن عمر رضي الله عنه .

[34] انظر: قواعد ابن رجب (ق133).

رواه البخاري في الجهاد/باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري (3013)، ومسلم في الجهاد/باب جواز قتل النساء والولدان في البيات...(1745).

[36]انظر: المغني (13/139)، الإنجاد في أبواب الجهاد لابن المناصف (192_193)، شرح مسلم للنووي (12/49).

رواه البخاري في الجهاد/باب لا يعذب بعذاب الله (3016).

انظر: الإنجاد في أبواب الجهاد (ص196).

[39]وهي حادثة وقعت في محطة نووية في أوكرانيا في مدينة تشرنوبيل، أيام الحكم السوفياتي 26/4/1986م، وتسبت في دمار كبير، وآثار خطيرة على الإنسان والبيئة لا زالت ماثلة ليوم الناس هذا، ومن أراد الاستزادة فليقرأ ما كتب عنها مثلا على هذا الرابط:

انظر: القواعد الكبرى للعز بن عبد السلام (1/136).

[41]المغني (13/138)، الإنجاد في أبواب الجهاد (ص196).

[42]تفسير المنار (5/10/63).

[43]كان الانتهاء منه ليلة 19/10/1424هـ، ثم أعدت النظر فيه في شهر ربيع الأول من عام 1430هـ.

 
رد: أحكام الشريعة الإسلامية حول استخدام أسلحة التدمير الشامل... بحوث فقهية أصولية متعددة.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة جديدة لنائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ الشيخ علي بن حاج
تحت عنوان

حكم امتلاك الأسلحة النووية والموقف من الأزمة الإيرانية
في ميزان السياسة الشرعية والنظرة الإستراتيجية


مقدمة : الهيئة الإعلامية
الحمد لله و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه أجمعين
استجابة لإلحاح بعض الإخوة الأفاضل حرر نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ مسودة تجيب على عدة أسئلة تشغل بال المسلمين في العالم العربي و الإسلامي تتعلق بحكم امتلاك الأسلحة النووية و بيان الموقف الشرعي المنضبط من مساندة حكام طهران لنظام بشار الطاغية بإضافة الى الموقف المنسجم مع السياسة الشرعية و النظرة البعيدة الإستراتجية في حالة إذا ما تعرض الشعب الإيراني المسلم إلى ضربة عسكرية من الكيان الصهيوني أو أمريكا أو حلف الناتو وإيمانا منه بأن الموضوع بالغ الخطورة دعا إلى عقد مؤتمر إسلامي يحضره علماء الأمة الإسلامية من كل الطوائف بعيدا عن وصاية الأنظمة الحاكمة لتوضيح الأمور الشرعية و السياسية التي يتخبط فيها عموم المسلمين شرقا و غربا قبل أن تحدث الكارثة و تنبعث شرارة الحرب و بما أن المسودة طويلة وتحتوي على فوائد جمّة على أكثر من صعيد ها نحن ننشرها بكاملها تعميما للفائدة
والله ولي التوفيق




بسم الله الرحمن الرحيم

الجزائر: 21 رمضان 1433هـ
الموافق لـ: 09 أوت 2012م

حكم امتلاك الأسلحة النووية والموقف من الأزمة الإيرانية
في ميزان السياسة الشرعية والنظرة الإستراتيجية


الحمد لله القائل في كتابه العزيز " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" البقرة 251. والقائل جل جلاله " واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوكم..." الأنفال60. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين القائل في الحديث الصحيح " ارموا واركبوا وان ترموا أحب إليّ من أن تركبوا ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا" وعلى آله وصحبه الذين كانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم
* منذ أن تفاقمت الأزمة الخانقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعالم الغربي بقيادة كل من أمريكا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي بسبب برنامجها النووي السلمي أخذت مجموعة هائلة من الأسئلة الحائرة تتردد على ألسنة العامة والخاصة في العالم العربي والإسلامي ومن مختلف الطوائف الإسلامية كقولهم ما هو حكم الإسلام في امتلاك الأسلحة النووية من أي دولة عربية أو إسلامية؟ وما هو حكم استخدامها إذا اقتضى الأمر ذلك؟ وهل يصح شرعا اتخاذ أسلحة الدمار الشامل وسيلة رادعة من وسائل الجهاد والقتال؟ وما هو الموقف الشرعي إذا تعرض الشعب الإيراني لهجوم عسكري من أمريكا أو الكيان الصهيوني أو حلف الناتو؟ وهل الخلاف في بعض أصول العقيدة بين أهل السنة والجماعة والشيعة الأمامية يبرر خذلانها أو الإعانة عليها أو تأجير أراضي دول الجوار كقواعد عسكرية لمهاجمة إيران؟ وهل مساندة حكام طهران - كسلطة - إلى جانب النظام الإجرامي الطاغية - قاتله الله تعالى- وتأييده سياسيا وإعلاميا وعسكريا كما يشاع يبرر - شرعا - تسويغ ضرب الشعب الإيراني وإلحاق الضرر بمصالحه وتدمير انجازاته الكبرى على أكثر من صعيد؟! ولاشك أن اغلب من يهمه أمر الإسلام والمسلمين يتشوق إلى إجابات شافية كافية على هذه التساؤلات الهامة والخطيرة والمصيرية لأن الأوضاع في الشرق الأوسط كما يقولون هذه الأيام الأخيرة تنذر بخطر ساحق ماحق يأكل الأخضر واليابس إذا انطلقت شرارة الحرب من أي جهة كانت وسوف تستعمل عند ذاك أفتك الأسلحة التي تدمر الشعوب وتعرضها للتلف وربما اتسع نطاقها من حرب إقليمية إلى حرب عالمية ثالثة لن تقل آثارها الوخيمة عن الآثار المدمرة الناجمة عن الحرب العالمية الأولى والثانية.
* والحق أن الإجابة على هذه الأسئلة الخطيرة السابق ذكرها لا تحتاج إلى جهد داعية أو عالم او فقيه أو سياسي أو مفكر بمفرده مهما زاده الله تعالى بسطة في الفهم والعلم ولكن هذه الأسئلة الخطيرة تحتاج إلى المسارعة لعقد مؤتمر عالمي إسلامي جامع يجمع بين علماء الأمة الإسلامية من مختلف طوائف أهل القبلة من امة محمد شريطة أن يكون أهل المؤتمر من أبعد الناس عن وصاية الأنظمة العربية والإسلامية الفاسدة التي تتاجر بالإسلام وتوظفه لخدمة مصالحها وبقائها في السلطة وأن يكون تمويل هذا المؤتمر من الشعوب العربية والإسلامية ليضمن الاستقلالية في اتخاذ التوصيات والقرارات وحتى لا يكون مجرد ذيل تابع لهذا النظام او ذاك.
* وفي انتظار عقد ذلك المؤتمر الإسلامي الجامع للإجابة على تلك الأسئلة الخطيرة والمصيرية فسوف نحاول في هذه المقالة - تحت إلحاح بعض الإخوة الأفاضل - الإجابة على تلك الأسئلة المطروحة غير أنه قبل الشروع في الاجابة على تلك الأسئلة التي قد يأخذ بها البعض وقد يردها البعض نرى أنه من الضروري تجلية جملة من الأمور من الناحية الشرعية غدت - للأسف الشديد - إما مجهولة عند البعض أو مغفول عنها سهوا أو عمدا أو مسكوتا عن التطرق إليها علانية خوفا من بطش الأنظمة المستبدة ونحن إذ نفعل ذلك إنما نفعله من باب القيام بواجب البيان والتذكير لاسيما إذا تعينت الإجابة على السائل.
إسرائيل تدق طبول الحرب العالمية الثالثة:
* صرح أحد أقطاب الصهيونية العالمية المدعو هنري كيسنجر بتاريخ 14/02/2012 لـ ديلي سكيب «أبلغنا الجيش الأمريكي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط لأهميتها الإستراتجية» وحرض إسرائيل على قتل أكبر عدد ممكن من العرب و احتلال نصف الشرق الأوسط. وصرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتز بتاريخ 20/02/2012 أن إسرائيل ستتخذ وحدها قرار ضرب إيران وأن إسرائيل هي الحامي الرئيسي لأمنها هذا دورنا كجيش. وهددّ رئيس أمريكا أوباما بتاريخ 05/03/2012 باستخدام القوة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي وشددّ رئيس الكيان الصهيوني ناتنياهو على حق إسرائيل السيادي في اتخاذ الخطوات الكفيلة بالدفاع عن أمنها وفي هذا الجو المتوتر يتعرض النظام والشعب في إيران إلى عقوبات قاسية غير مسبوقة من طرف أمريكا وإسرائيل والإتحاد الأوروبي وبتزكية وبموافقة بعض أنظمة ودول الخليج المجاورة وتصريحات قادة العالم الغربي المستكبر المنافق الذي يكيل بأكثر من مكيال فوق العد والحصر وكلها تهدد وتتوعد حكام طهران بالويل والثبور وعظائم الأمور والذي يتولى كبر هذا الصخب السياسي والإعلامي والتحريض على توجيه ضربة عسكرية إنما هي دولة الكيان الصهيوني المحتل فهي متلهفة بطريقة هستيرية لضرب المنشآت النووية وتعمل ليل نهار بمختلف الطرق لتحقيق هذا الهدف الذي لو تمّ لاندلعت حربا ضروسا في العالم لا يعرف مداها إلا الله تعالى ولاسيما أن إسرائيل مازالت خائفة واجفة منذ حرب الخليج الأولى حيث أطلق عليها قرابة 40 صاروخ سكود وها هو يهود بارك يتوعد مؤخرا بالتدخل في سوريا بدعوى منع نقل أسلحة كيميائية لحزب الله وذلك بتاريخ 21/07/2012 ومحاولة اتخاذ تصريح الناطق الخارجية السوري ذريعة لمهاجمة سوريا بعد التصريح الأهوج للناطق الرسمي للخارجية السورية الذي اعترف - صادقا أو كاذبا - بأن سوريا تمتلك الأسلحة الكيميائية والتي سوف تستخدمها إذا ما تعرضت لهجوم خارجي وهو تصريح الهدف منه الإمعان في القتل والتعذيب والتشريد دون أن تطالها يد قوة تكفها عن إجرامها أما التصريح الأخطر هو ما صدر عن مرشح الحزب الجمهوري الأمريكي ميت رومني الذي جاء فيه أنه يدعم هجوم إسرائيل على إيران عسكريا في الوقت الذي يمنح أوباما الحائز على جائزة نوبل للسلام مبلغ مالي قدره 70 مليون دولار من أجل انجاز القبة العسكرية لحماية إسرائيل وضمان تفوقها العسكري.،وأمام هذا الخطر الداهم هل يجوز لعلماء ودعاة الإسلام التزام السكوت الأخرس أو الاكتفاء بموقف المتفرج التائه؟ الجواب طبعا لا وعليه فيجب على دعاة وعلماء وفقهاء الإسلام الإجابة على هذه التساؤلات الخطيرة وفق أحكام الشرع الحنيف وضوابط السياسة الشرعية القائمة في جوهرها على دفع المفاسد وجلب المصالح والنظر في المآلات ودقة الموازنات باحتمال المفسدة الأخف بدفع المفسدة الأشد وعند الاشتباك لابد من تحديد الواجب الذي يترك لما هو أوجب وما هو الفعل المحرم الذي يفعل لاجتناب ما هو أسوأ بعيدا عن التحليل أو الإسقاط فالشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ودفع شر الشرين وترجيح خير الخيرين ولذلك نرى لزاما من باب تذكير الغافل وتعليم الجاهل الإعذار إلى الله تعالى بالتطرق إلى جملة من المسائل ذات صلة بالموضوع لاسيما والأيام حبالى يلدن كل عجيبة والآن فلنشرع على بركة الله تعالى والله الموفق وعلى الله قصد السبيل
* فريضة الجهاد والقتال في الشريعة الإسلامية محكومة بضوابط شرعية ومحاطة بآداب وأخلاق كريمة إنسانية أفاض في شرحها فقهاء الإسلام العظام قديما وحديثا فلا يمكن لمثل هذه الفريضة والتي تعتبر بنص الحديث الشريف ذروة سنام الإسلام خاضعة للمزاج والأهواء والانفعال والطيش والاندفاع غير المحسوب العواقب والمآلات إذ الجهاد ليس مجرد استباحة عامة للأرواح والأعراض والأموال أو رغبة جامحة في التخريب والتدمير دون قيد أو شرط أو خلق بل الجهاد عبادة من العبادات الشاقة الجليلة يتقرب بها المسلم المجاهد إلى الله تعالى ابتغاء مرضاته ودفاعا عن مقصد الدين والنفس والمال والعرض ودار الإسلام من صائل من الداخل أو من صائل من الخارج وفق ضوابط معلومة وعلى كل من يرغب في خوض غمار الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى عليه أن يعرف فضل الجهاد في سبيل الله تعالى وما يتعلق به من أحكام وضرورة الالتزام بآداب وأخلاق القتال قبل المعركة وأثناءها وبعد أن تضع الحرب أوزارها ولا بأس بذكر نبذة من فضائل الجهاد.....للشيخ علي بن حاج الجزائري....وللحديث بقية إن شاء الله...يتبع....






أ‌.:: ::::: --كلمة في فضل الجهاد:
* جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: لا أجده قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال ومن يستطيع ذلك؟" وقال أيضا " من اغبرت قدماه في سبيل الله عز وجل حرمهما الله على النار" وقال" مثل المجاهد في سبيل الله مثل الصائم نهاره القائم ليله حتى يرجع متى رجع" وقال " انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرج إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسولي فهو عليّ ضامن أن ادخله الجنة أو أن أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة..." وشاءت حكمة الله تعالى أن يتخذ من بعض عباده شهداء وذلك الفوز العظيم وآخرين يؤخرهم - بحكمة منه - ويمد في أعمارهم ليضر بهم أقواما وينفع بهم آخرين وقد قال لسعد بن أبي وقاص " لعل الله أن يؤخرك فينفع بك أقواما ويضر بك آخرين" وقد تأخر موت بعض كبار الصحابة المبشرين بالجنة لينجزوا - بفضل الله -للأمة الاسلامية انجازات مبهرة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم ولله الأمر من قبل ومن بعد. قال تعالى " قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين" يعني إما النصر والظفر وأما الشهادة والجنة فمن عاش من المجاهدين كان كريما له ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ومن مات منهم أو قتل فإلى الجنة" حسنت مستقرا ومقاما قال ابن تيمية رحمه الله في بيان فضل ومكانة الجهاد " نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة فإنه مشتمل على محبة الله تعالى والإخلاص له والتوكل عليه وتسليم النفس والمال له والصبر والزهد وذكر الله وسائر أنواع العمل على ما لا يشتمل عليه عمل آخر"
بعد ذكر فضل الجهاد باختصار شديد لابد أن نُذكر بجملة من آداب وأخلاق الجهاد إجمالا وتفصيلا من باب التذكير وتعميما للفائدة لأنها غدت مهجورة أو مجهولة أو أسيء فهمها حتى إذا نشبت حربا إقليمية أو عالمية ألتزم بها المجاهدون الحقيقيون الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا.
ب‌. -- من دستور أخلاق المجاهدين إجمالا:
· كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أمرَّ أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: " اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تثملوا ولا تقتلوا وليدا " وفي رواية أخرى يقول " انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة "
· قال أبو بكر رضي الله عنه لأحد أمراء الجند " أني موصيك بعشر خِلال لا تقتل امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطع شجرا مثمرا ولا تخرب عامرا ولا تعقرنَّ شاه إلا لمأكله ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه ولا تغلن ولا تجبن" وفي رواية "وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا له أنفسهم"
· قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأحد قادة الجند "...وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ولولا ذلك لم تكن لنا قوة بهم لأنّ عددنا ليس بعددهم ولا عدتنا كعدتهم فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا بالقوة وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا..." الإمام علي رضي الله عنه وضوابط مقاتلة المتأولة:
* من أعلام النبوة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن عليا رضي الله عنه سوف يتولى قتال المتأولة من شاهري السلاح في وجه ولاة الأمر الشرعيين فعن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه قال « كنا جلوسا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلينا قد انقطع شسع نعله فرمى بها إلى علي فقال إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله فقال أبو بكر أنا؟ قال لا قال عمر أنا؟ قال لا ولكن صاحب النعل» . ولذلك قال الإمام علي رضي الله عنه في حق معاملة شاهري السلاح في وجه ولاة الأمور من البغاة لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم فإنكم بحمد الله على حجة وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبرا ولا تصيبوا معورا ولا تجهزوا على جريح ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن إمرائكم أن كنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات وان كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالقهر أو الهراوة فيعير بها وعقبه من بعده. وحين ذكرت أمنا عائشة أمام الإمام علي رضي الله عنه من باب التعريض قال " خليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال الذهبي " وهذا يقوله أمير المؤمنين في حق عائشة مع ما وقع بينهما ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية مسيرها إلى البصرة وحضورها يوم الجمل وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ"
لقد سنّ الإمام علي الطريقة الشرعية في معاملة البغاة قال الإمام الشافعي رحمه الله " أخذت السيرة في قتال المشركين من رسول الله وفي قتال المرتدين من أبي يكر الصديق رضي الله عنه وفي قتال البغاة عن الإمام علي رضي الله عنه" وقال بن العربي المالكي رحمه الله " هذه الآية أصل في قتال المسلمين والعمُدة في حرب المتأولين وعليها عوّل الصحابة وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة..." ولذلك ذكر أهل العلم عشرة فروق بين قتال البغاة والخوارج والكفار والمرتدين فنصوا على حرمة قتل مدبرهم وأسيرهم والإجهاز على جريحهم ولو تركوا القتال عجزا لا عن قناعة وأن يُدفًعوا بأسهل ما يندفعون به وإذا حصل المقصود بدون القتل لم يجز القتل من غير حاجة وإن حضر معهم من لا يقاتل لم يجز قتله وأن تكون نية وقصد ولي الأمر الشرعي ردعهم لا قتلهم ولا يستعان عليهم بكافر أو مشرك ولا ينصب عليهم الأسلحة التي تحرقهم أو تحرق مساكنهم ولا يقطع شجرهم ولا إتلاف أموالهم أو أخذها بدون احتياج لها ولا الانتقام من عوائل البغاة وإلحاق الضرر بهم ذلك لان لهم تأويل خاص في مباشرة البغي والقتال ولذلك قال العز بن عبد السلام رحمه الله في المثال الثالث والستون من أمثلة الأفعال المشتملة على المصالح والمفاسد مع رجحان مصالحها على مفاسدها: " قتال البُغاة دفعا لمفسدة البغي والمخالفة ولا يشترط في درء المفاسد أن يكون مُلابسها أو المتسبب إليها عاصيا وكذلك لا يشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون المأمور والمنهيّ عاصيين بل يشترط فيه أن يكون أحدهما ملابسا لمفسدة واجبة الدفع والآخر تاركا لمصلحة واجبة التحصيل.... قتال أهل البغي مع أنه لا إثم عليهم في بغيهم لتأويلهم " قال ابن تيمية رحمه الله " وجمهور الفقهاء في أن استباحة أهل البغي من دماء أهل العدل بتأويل سائغ لم يضمن بقود ولا دية ولا كفارة وإن كان قتلهم وقتالهم محرما" وقال ابن تيمية رحمه الله " ومما ينبغي أن يعلم في هذا الموضوع أن الشريعة قد تأمرنا بإقامة الحد على شخص في الدنيا إما بقتل أو جلد أو غير ذلك ويكون في الآخرة غير معذب مثل قتل البغاة والمتأولين مع بقائهم على العدالة، ومثل إقامة الحد على من تاب بعد القدرة عليه توبة صحيحة.. بخلاف من لا تأويل له.. وكذلك نعلم أن خلقا لا يعاقبون في الدنيا مع أنهم كفار في الآخرة، مثل أهل الذمة المقرين بالجزية على كفرهم، ومثل المنافقين المظهرين الإسلام فإنهم تجري عليهم أحكام الإسلام وهو في الآخرة كافرون، وهذا لأن الجزاء في الحقيقة إنما هو الدار الآخرة التي هي دار الثواب والعقاب، وأما الدنيا فإنما يشرع فيها العقاب ما يدفع به الظلم والعدوان.. وإذا كان الأمر كذلك فعقوبة الدنيا غير مستلزمة لعقوبة الآخرة ولا بالعكس.. ولهذا أكثر السلف يأمرون بقتل الداعي إلى البدعة الذي يضل الناس لأجل إفساده في الدين، سواء قالوا: هو كافر أو ليس بكافر" فالإمام علي رضي الله عنه يُفرق بين قتل الإجرام وقتل التأويل ونظرا لجهل فئام كثيرة من الناس بضوابط قتال المتأولين نذكر العام والخاص بما سنه الإمام علي رضي الله عنه من آداب وأخلاق وضوابط.في مقاتلة أهل القبلة من خوارج وبغاة إذا حملوا السلاح في وجه السلطة الشرعية بغير وجه حق. هي قمة في أخلاق مقاومة الخارجين على الإمام الشرعي العادل وتتمثل فيما يلي:......وللحديث بقية إن شاء الله تعالى...













1. لا يقابل التكفير بالتكفير أو عدم إنصاف الخصم مهما كان فقد ذكر بن عبد البر عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن أهل النهروان: أكفارٌ هم؟ قال من الكفر فرُّوا قيل أمنافقون هم ؟ قال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قيل: فما هم؟ قال هم قوما أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا وبغوا علينا وقاتلونا فقاتلناهم" ولما أصابه ابن ملجم بجراح بليغة قال لابنه الحسن رضي الله عنه " أحسنوا إساره، فإن عشت فأنا ولي دمي وإن مت فضربة كضربتي" أي نهاهم عن التمثيل به وتلك قمة الأخلاق والفروسية والرشد السياسي فلم يأمر بتعذيبه أو إلحاق الأذى بعائلته أو قبيلته كما يفعل الطغاة من الحكام والملوك والأمراء أو غوغاء العامة الذين يجعلون أحكام الهوى فوق أحكام الشرع.
2. عدم المبادرة بقتالهم إلا بعد إزالة مظالمهم إن كانت لهم مظالم أو شبهاتهم أو انحراف في التفكير أو سوء فهم لبعض النصوص الشرعية أو تنزيلها على غير وجه صحيح ووضعها في غير مواضعها فقد بعث إليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه لمناظرة الخوارج فرجع منهم أربعة آلاف بقوة الحجة لا بقوة القهر والبطش.
3. عدم منعهم حقوقهم الدينية والاجتماعية أو حقهم في إبداء رأيهم المخالف إذا كان بطريقة سلمية حيث قال رضي الله عنه لمن قال له وهو يخطب يوما "لا حكم إلا لله" قال " كلمة حق أريد بها باطل ثم قال لكم علينا ثلاث ألا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله تعالى ولا نمنعكم الضيء مادامت أيديكم معنا ولا نبدأكم بقتال."
4. وكان لا يسب من سبه ولا يسجن من هدده بالقتل وهو الخليفة الراشد والفارس المغوار.قال ابن تيمية رحمه الله " قتال المسلمين بعضهم بعضا بتأويل، وسب بعضهم بعضا بتأويل، وتكفير بعضهم بعضا بتأويل: باب عظيم، ومن لم يعلم حقيقة الواجب فيه وإلا ضل"
5. وجوب دفع شرهم بالأخف من الوسائل ولا يقاتلهم بما يعم إتلافهم واستئصالهم وإبادتهم حيث قال " لا يذفف على جريح ولا يهتك سترا ولا يفتح بابا ومن أغلق بابه فهو آمن ولا يتبع مدبر" وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال شهدت صفين فكانوا لا يجهزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا" وفي رواية لا يقتل أسيرهم ولا يستعان عليهم بالكفرة كما تفعل الأنظمة الطاغية حيث تنسق أمنيا وتتبادل المعلومات مع دول كافرة وهو أمر محرم شرعا لاستئصال الحركات الإسلامية. وتلك بعض أحكام حرب المتأولين كما يقول ابن العربي المالكي وسائر الفقهاء. وكان الإمام علي رضي الله عنه يُفرق بين أحكام قتل العمد وقتل الخطأ وقتل شبه العمد وقتل التأويل وكان يُحسن تنزيل النصوص الشرعية على كل نوع من أنواع القتل المختلفة بالقسطاس المستقيم.
6. وإذا وضعت حرب المتأولين أوزارها يسقط الضمان على من خاضها أو اُتلف فيها من نفس او مال قال الإمام الزهري رحمه الله " كانت الفتنة العظمى بين الناس وفيهم البدريون فأجمعوا على ألا يقام حد على رجل ارتكب فرجا حراما بتأويل القرآن ولا يغرم مالا أتلفه بتأويل القرآن" فالصحابة اقتتلوا متأولين فهم قال ابن تيمية " والعالم قد يذكر الوعيد فيما يراه ذنبا مع علمه بأن المتأول مغفورا له لا يناله الوعيد لكن يذكر ذلك ليبين أن هذا الفعل مقتض لهذه العقوبة عنده " وقال أيضا " فإذا كان هذا الوعيد يندفع عنهم بالتأويل في الدماء فلأن يندفع بالتأويل فيما دون ذلك أولى وأحرى" وكل هذه التخفيفات تدخل عند الإمام علي رضي الله عنه في قتال التأويل أو ما يسمى في عصرنا بالجريمة السياسية إذ الغرض من قتالهم دفع شرهم وليس استئصالهم وشتان بين من يرفع السلاح لهدف إجرامي صرف وبين من يحمل السلاح لهدف شرعي او سياسي......وللحديث بقية إن شاء الله تعالى



ج‌.--بعض التفصيل في أخـلاق الـمجـاهديـن:

1. الإخلاص وحسن النية:
* مما لا شك فيه أن من شروط قبول الأعمال عند الله تعالى صفاء الطوية وإخلاص النية فالجهاد ليس غضبة للنفس الأمارة ولا متعة للقنص ولا حمية جاهلية أو إظهارا للشجاعة أو تطلعا لمتاع الحياة الدنيا وزهرتها أو تعطشا للدماء بغير مبرر شرعي وليس مقامرة بالنفس ذلك لأن الجهاد قربة من أعظم القربات يشترط في قبولها عند الله تعالى الإخلاص " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" البينة5. وقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.." لذلك وجب أن يكون أصل الباعث على الجهاد هو إعلاء كلمة الله تعالى وإذا كان الجهاد من العبادات الشاقة على النفس فالإخلاص فيه أشق عند ذوي الألباب من العارفين بالله تعالى والنصوص الشرعية على وجوب الإخلاص فوق الحصر منها قوله عليه الصلاة والسلام " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" وقال صلى الله عليه وسلم " إن أول الناس يقضي يوم القيامة ... ورجل استشهد فأتى به فعّرفه نعمه فعرفها قال فما عملت بها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت. قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يُقال جريء فقد قيل ثم أمر به فُسحب على وجهه حتى ألقي في النار" وقال رجل لعبادة بن الصامت رضي الله عنه أقاتل في سبيل الله بسيفي أريد الله - عز وجل - ومحمدة المؤمنين فقال لا شيء لك فسأله ثلاث مرات كل ذلك يرد عليه لا شيء لك ثم قال في الثالثة إن الله عز وجل يقول " أنا أغنى الشركاء عن الشريك من عمل عملا وأشرك معي شركيا ودعت نصيبي لشريكي" فليحرص كل من تحدثه نفسه بالجهاد أو فُرض عليه حمل السلاح والقتال في سبيل الله تعالى على الإخلاص وتجريد النية ومجاهدة النفس على ذلك قال سفيان الثوري رحمه الله " ما عالجت شيئا عليّ أشد من نيتي إنها تتقلب عليّ" وكان الرسول الله عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يدعو قائلا " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ولما كانت النية حجر الزواية في كل الأعمال حرص علماء السلف على التذكير بمكانتها حتى قال عبد الله ابن أبي جمرة المحدث المالكي " وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلا فإنه ما أتى على كثير من الناس إلا من تضيع ذلك" وقال ابن حزم الأندلسي رحمه الله تعالى " النية هي سر العبودية وروحها ومحلها من العمل محل الروح من الجسد ومحال أن يعتبر في العبودية عمل لا روح معه بل هو بمنزلة الجسد الخراب" وقال شيخ الصوفية الإمام القشيري رحمه الله تعالى " الإخلاص تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين" وقال العز بن عبد السلام رحمه الله " الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده لا يريد بها تعظيما من الناس ولا توقيرا ولا جلب نفع ديني ولا دفع ضرر دنيوي" ولولا خشية الإطالة لسردت في ذلك أقوالا غاية في النفاسة في فضيلة الإخلاص وتجريد النية مع العلم أنه يجب التفريق بين الرياء المحبط للعمل والتشريك وحكمه وقد أشار إلى ذلك علماء الإسلام قديما وحدثا ومنهم العلامة الإمام القرافي رحمه الله تعالى في كتابه الفذ الفروق في الفرق الثاني والعشرون والمائة". وليعلم كل مسلم أن المسلم الحق يبلغ بنيته ما لا يبلغه بعمله إذا حالت دون تحقيق نيته موانع وأعذار شرعية وحوائل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل الله الشهادة بصدق بلغة الله منازل الشهداء وإذا مات على فراشه. وجاء في الحديث الصحيح " ..إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم المرض - وفي رواية حسبهم العذر- إلا شركوكم في الأجر" وقوله صلى الله عليه وسلم " إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش"
تــــنــبــيــهــات:
- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف على الأمة من الشرك الخفي أكثر مما يخاف علينا من المسيح الدجال.
- على المجاهد أن لا يترك العمل خوفا من الرياء فهو مزلق من مزالق إبليس ولذلك قالوا " ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك"
- التفريق بين الرياء المحض المحبط للعمل ومسألة التشريك وقد أشار إلى هذا الفرق الإمام المالكي القرافي رحمه الله في كتابه المانع الفروق عند حديثه عن الفرق الثاني والعشرون والمائة فراجعه هناك.
- فضل من لم يأخذ على جهاده أجرا وبيان ذلك.
- أن من لم يأخذ على جهاده أجرا أعظم درجة عند الله تعالى ممن أخذ أجرا لقوله صلى الله عليه وسلم " ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تمّ لهم الأجر." رواه مسلم فكل من أخذ أجرا ينقص أجره وثوابه يوم القيامة ولكن لا يبطل جهاده وما أخذه يعد ثوابا دنيويا عاجلا وهناك من الصحابة رضي الله عنه من مات ولم يأكل من أجره شيئا ومنهم من أينعت له ثمرته فهو يهديها" قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه " إذا أجمع أحدكم الغزو فعوضه الله رزقا فلا بأس بذلك وأما من إذا أعطى درهما غزا وإن لم يعط فلم يغز فلا خير في ذلك" والأموال التي يأخذها المجاهدون من بيت مال المسلمين لا تبطل أجر الجهاد قال ابن رجب الحنبلي رضي الله عنه " إن خالط نية الجهاد مثلا نية غير الرياء مثل اخذ الأجرة للخدمة أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهادهم ولم يبطل بالكلية" قال ابن تيمية رحمه الله " الجند ليسوا كالأجراء وإنما هم جند الله يقاتلون في سبيل الله عباده ويأخذون هذه الأرزاق من بيت الله ليستعينوا بها على الجهاد وما يأخذونه ليس ملكا للسلطان وإنما هو مال الله يقسمه ولى الأمر بين المستحقين فمن جعلهم كالأجراء جعل جهادهم لغير الله" وقال أيضا مفرقا " بين من يكون الدين مقصوده والدنيا وسيلة وبين من تكون الدنيا مقصوده والدين وسيلة و.......أن هذا ليس له في الآخرة من خلاق..."
* والحاصل من حدث نفسه بالجهاد في سبيل الله تعالى وتعذر عليه ذلك لأعذار شرعية ذكرها أهل العلم نال ثواب الشهادة بصدق وبلّغه الله منازل الشهداء وان مات على فراشه" "وربّ قتيل بين الصفين الله اعلم بنيته" فليحرص كل مجاهد في سبيل الله تعالى على مجاهدة النفس واستحضار النية الخالصة قبل الجهاد وأثناء الجهاد وبعد أن تضع الحرب أوزارها وإلا كان ممن تسعر بهم النار يوم القيامة فالأمر مهول وخطير والله الموفق للسداد في الدنيا والرفق والتجاوز اليوم الميعاد.
2. وجوب العلم بأحكام الجهاد:
* لقد تقرر شرعا أن أي قربة من القربات لا تقبل عند الله تعالى إلا بشرطين الإخلاص والمتابعة ولا متابعة إلا بعلم فالعلم قبل القول والعمل ليكون العمل خالصا صوابا ولذلك ذهب الإمام مالك وأبو حنيفة إلى تفضيل طلب العلم على الجهاد ما لم يكن فرض عين والمجاهد الحق لا يستغنى عن سؤال أهل العلم ولو كان في معمعان المعركة وقلب المواجهة لتطور أحداث القتال والجهاد فكل مرحلة تحتاج إلى حكم خاص بها ولأنَّ الجهاد لا تعرف أحكامه إلا بالعلم والفقه قال ابن الحاج في المدخل "وهو جهاد أهل الكفر والعناد، وهو من أجل الطاعات وأعظمها وقد تقدم أن أفضل الأعمال طلب العلم لأن به يعرف المجاهد طبيعة الجهاد، وكيف يُجاهد وبماذا يصح له الجهاد ،وبماذا يفسد، وكذلك غيره من أمور الدين، فكان أفضل الأعمال لما جاء في تفضيله في الحديث الصحيح والحديث ليس على عمومه لأن ذلك راجع إلى أحوال الناس فرُّب شخص ليس فيه أهلية لطلب العلم، وهو قادر على الجهاد لما فيه من فضل القوة والشجاعة والإقدام فالجهاد في حق هذا يتأكد أمره وآخر يكون فيه ذكاء وفهم وحفظ وتحصيل للمسائل وهو ضعيف في نفسه ليس له قوة على الضرب والطعن فطلب العلم لمثل هذا يتعين وقد يتعين عليه الجهاد بحسب حال الوقت، وبالجملة فالجهاد فيه فضل كبير جاء به الكتاب العزيز والحديث الصحيح. لقوله عليه الصلاة والسلام: " طلب العلم فريضة على كل مسلم " قال العلماء المحققون في معناه: ما وجب عليك عمله وجب عليك العلم به انتهى. فيعرف أولا الأحكام اللازمة له وحينئذ يدخل فيه فيبدأ بما ذكره علماؤنا - رحمة الله عليهم - من الأحكام اللازمة".
3. مكانة التخلق بأخلاق الفروسية:
* الحديث عن معالم الفروسية الإسلامية يطول ذكره وخليق بكل مجاهد مسلم معرفتها وسوف نقتصر على جملة من النقاط التي يغفل عنها الكثير من المجاهدين:
أ. هناك الكثير من الناس يسيء فهم الفروسية ويظن أن الفروسية مقصورة على حمل السلاح والجلاد به وقنص الخصوم به وهذا مفهوم غير صحيح وخير من صحح هذا المفهوم الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه الفروسية حيث قال" فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسنان فكلاهما في نصره أخوان شقيقان وكلاهما شجيع لا يتم إلا بشجاعة القلب وثبات الجنان وهذه المنزلة الشريفة والمرتبة المنيفة محرمة على كل مهين جبان كما حُرمت عليه المسرة والأفراح وأحضر قلبه الهموم والغموم والمخاوف والأحزان، فهو يحسب أن كل صيحة عليه وكل مصيبة قاصدة إليه، فقلبه بالحزن مغمور بهذا الظن والحسبان. وقد عُلم أن الفروسية والشجعان نوعان: فأكملها لأهل الدين والإيمان، والنوع الثاني مورود مشترك بين الشجعان، وهذا مختصر في الفروسية الشرعية النبوية التي هي من أشرف عبادات القلوب والأبدان، الحاملة لأهلها على نصرة الرحمن، السائقة لهم إلى أعلى غرف الجنان." وقال أيضا " فالفروسية، فروسيتان: فروسية العلم والبيان، وفروسية الرمي والطعان، ولما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في الفروسيتين، فتحوا القلوب بالحجة والبرهان والبلاد بالسيف والسنان، وما الناس إلا هؤلاء الفريقين ومن عداهما فإن لم يكن رداءا وعونا لهما فهو كل على نوع الإنسان، وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسول بجدال الكفار والمنافقين وجلاد أعدائه المشاقين والمحاربين، فعلم الجدال والجلاد ومن أهم العلوم وانفعها للعباد في المعاش والمعاد ولا يعدل مداد العلماء إلا دم الشهداء والرفعة وعلو المنزلة في الدارين إنما هي لهاتين الطائفتين وسائر الناس رعية لهما منقادون لرؤسائهما"
ب. لقد كان الرسول الله صلى الله عيه وسلم وصحابته على درجة عالية من أنواع الفروسية
قال ابن القيم رحمه الله " والفروسية أربعة أنواع: أحدها: ركوب الخيل، والكر والفر بها. الثاني: الرمي بالقوس.الثالث: المطاعنة بالرماح.الرابع: المداورة بالسيوف.
فمن استكملها، استكمل الفروسية. ولم تجتمع هذه الأربعة على الكمال إلا لغزاة الإسلام، وفوارس الدين، وهم الصحابة رضي الله عنهم، وانضاف إلى فروسّيتهم الخيلية فروسية الإيمان واليقين، والتنافس في الشهادة وبذل نفوسهم في محبة الله ومرضاته فلم يقم لهم أمة من الأمم البتة ولا حاربوا أمة قط إلا وقهروها وأذلوها وأخذوا بنواصيها فلما ضعفت هذه الأسباب فيمن بعدهم، لتفرقها فيهم وعدم اجتماعها دخل عليهم من الوهن والضعف بحسب ما عدموه من هذه الأسباب والله المستعان"
ج. يجب التفريق بين خلق الشجاعة ومجرد القوة المادية قال ابن القيم رحمه الله "وكثير من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقوة، وهما متغايران،فإنّ الشجاعة هي ثبات القلب عند النوازل وإن كان ضعيف البطش. وكان الصديق رضي الله عنه أشجع الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عمر وغيره أقوى منه ولكن برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبتهم ويشجعهم ولو لم يكن له إلا ثبات قلبه يوم الغار وليلته، وثبات قلبه يوم بدر وهو يقول للنبي صلى الله علية وسلم:"يا رسول الله !كفاك بعد مناشدتك ربك، فإنه منجز لك ما وعدك" وثبات قلبه يوم أحد وقد صرخ الشيطان في الناس بأن محمدا قد قُتل ولم يبق أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا دون عشرين في أحد، وهو مع ذلك ثابت القلب، ساكن الجأش، وثبات قلبه يوم الخندق وقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وثبات قلبه في يوم الحديبية وقد قلق فارس الإسلام عمر بن الخطاب حتى إن الصديق ليثبِّته ويسكنه ويطمئنه، وثبات قلبه يوم حنين، حيث فر الناس، وهو لم يفر وثبات قلبه حين النازلة التي اهتزت لها الدنيا أجمع، وكادت تزول لها الجبال، وعقرت لها أقدام الأبطال، وماجت لها قلوب أهل الإسلام، كموج البحر عند هبوب قواصف الرياح، وصاح لها الشيطان في أقطار الأرض أبلغ الصياح، وخرج الناس بها من دين الله أفواجا، وأثار عدو الله بها أقطار الأرض عجاجا، وانقطع لها الوحي من السماء لولا دفاع الله لطمس نجوم الاهتداء، وأنكرت الصحابة بها قلوبهم وكيف لا وقد فقدوا رسولهم من بين أظهرهم وحبيبهم، وطاشت الأحلام وغشي الأحلام ما غشيها من الظلام واشرأب النفاق،ومد أهله الأعناق ورفع الباطل رأسا كان تحت قدم الرسول صلى الله عليه وسلم موضوعا، وسمع المسلمون من أعداء الله ما لم يكن في حياته بينهم مسموعا، وطمع عدو الله أن يعيد الناس إلى عبادة الأصنام، وأن يصرف وجوههم عن البيت الحرام وأن يصد قلوبهم عن الإيمان والقرآن، ويدعوهم إلى ما كانوا إليه من التهود والتمجس والشرك وعبادة الصلبان، فشمر الصديق رضي الله عنه من جده عن ساق غير خوار، وانتضى سيف عزمه الذي هو ثاني ذي الفقار، وامتطى من ظهور عزائمه جوادا لم يكن يكبو يوم السباق ، وتقدم جنود الإسلام فكان أفرسهم إنما همه اللحاق، وقال: والله لأجاهدن أعداء الإسلام جهدي ولأصدقنهم الحرب حتى تنفرد سالفتي أو أفرد وحدي، ولأدخلنهم في الباب الذي خرجوا منه، ولأردنهم إلى الحق الذي رغبوا عنه، فثبت الله بذلك القلب - الذي لو وُزن بقلوب الأمة لرجحها - جيوش الإسلام وأذل بها المنافقين والمرتدين وأهل الكتاب وعبدة الأصنام حتى استقامت قناة الدين بعد اعوجاجها وجرت الملة الحنيفية على سننها ومناهجها وتولى حزب الشيطان وهم الخاسرون، وأذن مؤذن الإيمان على رؤوس الخلائق : "فإن حزب الله هم الغالبون" المائدة56. هذا وما ضعفت جيوش عزماته، واستكانت ولا وهنت، بل لم تزل الجيوش بها مؤيدة ومنصورة وما فرحت عزائم أعدائه بالظفر في موطن من المواطن، بل لم تزل مغلوبة مكسورة. تلك لعمر الله الشهادة التي تضاءلت لها فرسان الأمم، والهمة تصاغرت عندها عليات الهمم، ويحق لصديق الأمة أن يضرب من هذا المغنم بأوفر نصيب، وكيف لا وقد فاز من ميراث النبوة بكامل التعصيب.
وقد كان الموروث صلوات الله وسلامه عليه أشجع الناس وكذلك وارثه وخليفته من بعد أشجع الأمة بالقياس ويكفي أن عمر بن الخطاب سهم من كنانته، وخالد بن الوليد سلاح من أسلحته والمهاجرون والأنصار أهل بيعته وشوكته، وما منهم إلا أن اعترف أنه يستمد من شجاعته وثباته "
د. لابد من التفريق بين التهور المذموم والشجاعة المحمودة. قال ابن القيم رحمه الله "ولما كانت الشجاعة خلقا كريما من أخلاق النفس ترتب عليها أربعة أمور وهي مظهرها وثمرتها: الإقدام في موضع الإقدام والإحجام في موضع الإحجام والثبات في موضع الثبات والزوال في موضع الزوال، وضد ذلك مخل بالشجاعة وهو إما جبن وإما تهور وإما خفة وطيش.......وللحديث بقية إن شاء الله تعالى...






وإذا اجتمع في الرجل الرأي والشجاعة فهو الذي يصلح لتدبير الجيوش وسياسة أمر الحرب. والناس ثلاثة: رجل ونصف رجل ولا شيء. فالرجل: من اجتمع له أصالة الرأي والشجاعة فهذا الرجل الكامل كما قال أحمد بن الحسين المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس حُرة بلغت من العلياء كل مكان
ونصف الرجل: وهو من انفرد بأحد الوصفين دون الآخر
والذي هو لا شيء: من عري من الوصفين جميعا "
‌ه.لقد تأثر الغرب بأخلاق المجاهدين المسلمين العالية التي تُعبر على نبل وشهامة المقاتل المسلم أثناء الاحتكاك العسكري في الحروب الصليبية مما دفع ببعض العقلاء فيهم إلى وضع دستور أخلاقي يضع حدا للوحشية التي اكتسحت أوربا في القرون الوسطى بهدف كبح وجماح الرغبات الدنيئة وأطلقوا على ذلك الدستور دستور الفروسية واجبروا الفرسان على العلم بقواعد الفروسية وهو يضم عشرة بنود منها:
- عليك أن تدافع عن الضعيف
- عليك أن تحب وطنك.
- عليك أن تقوم بواجباتك نحو سيدك في كل مالا يتعارض مع شريعة الرب.
- عليك ألا تكذب أبدا وأن تفي بعهدك.
- عليك أن تنصر الحق دائما على الظلم والشر.
ولاشك أن الغرب اقتبس وتعلَّم واستفاد من الحضارة الإسلامية استفادة عظيمة إما عن طريق الاحتكاك العسكري أثناء الحروب الصليبية وإما عن طريق الاحتكاك العلمي والثقافي والحضاري كما حدث عند التأثر بحضارة الأندلس..
4. فضيلة الثبات عند اللقاء:
* لقد عدّ أهل العلم الجهاد والقتال من التكاليف الشاقة على النفس فهو كره لها وأغلب الناس تود غير ذات الشوكة ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموه فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" وفي رواية " فإنكم لا تدرون بما تبتلون" فشهر السيوف وخوض المعارك ليس غاية في حد ذاته في الشريعة الإسلامية وإنما هو وسيلة شرعية لدفع العدوان بجميع ألوانه وأنواعه قال الحافظ بن حجر رحمه الله "... حكمة النهى أن المرء لا يعلم لما يؤول إليه الأمر وهو نظير سؤال العافية من الفتن" وقال النووي رحمه الله " إن سبب النهي عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفس والوثوق بالقوة وهو نوع بغي..." ولكن إذا أجبر المسلمون على الدفاع عن مقاصد دينهم وحقوقهم الشرعية أو دفاعا عن دار الإسلام أو دفاعا عن المستضعفين خاضوا المواجهة بقلوب ثابتة واستنصروا الله تعالى ثم بإخوانهم الأقربين والأبعدين على من اعتدى عليهم. وحَملُ السلاح دافعه الأساسي ليس إكراه الناس على الدخول في الدين وإنما فرض عليهم فرضا لامناص منه دفاعا عن أنفسهم وعقيدتهم ومقاومة للظلم المسلح وإرهاب الدولة الذي فاق الخيال قال تعالى " أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.."الحج 39/40. وقال تعالى " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره" الحج40.
ولذلك قال الشاعر:
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا ** بقتل نفس وما جاؤوا بسفك دم


أفك وتضليـل أحـلام وسـفسـطة ** فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم


والجهل أن تلقه بالحلم ضقت به ** ذرعاً وأن تلقه بالجهل ينحسم

وقال آخر:
والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا ** فالحرب أجدى على الدنيا من السلم


5. الجهاد بين فضيلة رد العدوان ورذيلة الاعتداء:
* من حق المسلمين على اختلاف طوائفهم وفرقهم رد العدوان ودفع الصائل العام والخاص شريطة التقيد بضوابط الشرع والأخلاق في رد الاعتداء لقوله تعالى " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" البقرة19. قال الإمام مالك رحمه الله " لا يُقتل الأعمى ولا المعتوه ولا أصحاب الصوامع وكذلك لا يقتل الشيخ الفاني" وقال ابن عباس رضي الله عنه " وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمني ونحوهم" فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله.. وإن كان بعض أئمة الفقه يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر ولكن الصحيح عند المحققين من أهل العلم إن علة القتال هي المحاربة والعدوان لا مجرد الكفر.
6. فضيلة الوفاء بالعهد ولو مع الأعداء:
* على المجاهد الحق وهو في قلب المعركة وأتون الصراع الدموي أن لا يتجرد من نبل الأخلاق فلا يجوز له أن يُغدر أو يُفجر أو يُخفر عهدا قطعه على نفسه إذ لا يصلح في شرعنا الغدر لقوله صلى الله عليه وسلم" المسلمون عند شروطهم" وقوله " لا دين لمن لا عهد له" وقوله صلى الله عليه وسلم" فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلا وصرفا " وقوله صلى الله عليه وسلم " أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال" ما منعني أن أشهد بدرا إلا خرجت أنا وأبي (حسيل) قال فأخذنا كفار قريش وقالوا إنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريده إلا المدينة فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر فقال " انصرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين بالله عليهم " فالغدر في ديننا حرام لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الغادر له لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان" وقال عليه الصلاة والسلام ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر" وقال الإمام النحاس الدمياطي رحمه الله في مشارع الأشواق "..فليحذر أمير الجيش وغيره من الغدر ونقض العهد فإنه من أقبح ما اتصف به الرجال وهو مع ما فيه من الإثم العظيم سريع الوبال فظيع النكال وليس من صفات المؤمنين"
7. وجوب حماية السفراء الأعداء:
* لقد سبق الإسلام إلى وجوب حماية الرسل والسفراء مهما كانت معتقداتهم وأديانهم ووجوب صيانتهم وتوفير الحصانة لهم ولو أساؤوا إلى الإسلام بصفتهم كسفراء ولهم أن يدخلوا بلاد الإسلام دون عقد آمان للقيام بالتمثيل واختلفوا في مدة المكث فهناك من قال أربعة أشهر كما يرى الشافعي رحمه الله ومن قال مطلقا كما يرى أحمد رحمه الله . ومضت السنة أن الرسل لا تقتل وهو عصمة دم الرسول حتى لو اختلفت وجهات النظر في المفاوضة ولو مسّ بالعقيدة أو فشل في المهمة قال الشوكاني رحمه الله " يجب الوفاء بالعهد للكفار كما يجب للمسلمين لأن الرسالة تقتضي جوابا يصل على يد الرسول فكان ذلك بمنزلة عقد العهد" عقد العز بن عبد السلام فصلا هاما في اجتماع المصالح مع المفاسد مع رجحان مصالحها على مفاسدها وذكر لذلك نحو 60 مثالا حيث قال في المثال الرابع والثلاثون " وجوب إجارة رسل الكفار مع كفرهم لمصلحة ما يتعلق بالرسالة من المصالح الخاصة والعامة "
* تلك جملة من أخلاق وآداب الجهاد والقتال في الإسلام مما يدل دلالة قاطعة أن الإسلام لا يقبل ما يخالف تلك الآداب التي نصت عليها النصوص الشرعية أحببنا التذكير بها بشيء من التفصيل لاسيما والكثير من الناس يسألون عن أحكام الجهاد في ظل التوترات المتصاعدة هنا وهناك وما أحوج المجاهدين في عصرنا هذا إلى التحلي والتخلق بها لاسيما وقد أخلّ بها الكثير غفر الله لنا ولهم وإمعانا في التذكير والتوعية والتعليم نرى لزاما الإشارة إلى بعض القضايا التي تتعلق بالجهاد.
1. الجهاد ذروة سنام الإسلام

* من المعلوم شرعا أن فريضة الجهاد ماضية إلى يوم القيامة لا يبطلها عدل عادل ولا جور جائر ومن المعلوم لدى جميع الناس أنه لا يمكن تصور جمل دون سنام فكذلك لا يمكن تصور إسلام حقيقي دون جهاد يحمي حماه من طغاة الداخل أو الخارج ففي الحديث " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد" ولا يمكن الاستعفاء منه إذا قامت دواعيه وانتفت الحوائل والموانع فقد ورد عن بشير بن الخصاصيه أنه جاء لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه أراد أن يستعفي من الالتزام بشرطين من شروط البيعة حيث قال " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه قال فاشترط عليّ الشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن أقيم الصلاة وأن أؤدي الزكاة وأن أحج حجة الإسلام وأن أصوم شهر رمضان وأن أجاهد في سبيل الله فقلت يا رسول الله أما اثنتان." " فوالله ما أطيقهما: الجهاد والصدقة فإنهم زعموا أنه من ولي الدبر فقد باء بغضب من الله فأخاف إن حضرت ذلك جشعت نفسي وكرهت الموت والصدقة فوالله مالي غنيمة وعشر ذود هنّ رسل أهلي وحمولتهم" فعلل خوفه من الجهاد بالخوف من وقوعه في كبيرة الفرار وعلّل خوفه من الصدقة بقلة ما يملكه فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حركها وقال: " فلا جهاد ولا صدقة فبما تدخل الجنة إذا؟" يقول الصحابي " فبايعت عليهن كلهن"


2. الجهاد عبادة شاقة

* مما لا شك فيه أن العبادات تتفاوت في مشقتها وصعوبتها سواء أكانت متعلقة بالجوارح أو بالقلب او بالعقل وقد فصّل أهل العلم في ذلك ولكن اجمعوا على أن القتال والجهاد من أشق أنواع العبادات ولذلك كان أجرها أعظم عند الله تعالى والأجر على قدر المشقة كما تقرر شرعا والنصوص على مشقة القتال كثيرة قال تعالى " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لما كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا" 77 النساء.وقال جل جلاله " وإذا يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم "الانفال8. وقال عَظُم سلطانه " لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدتُ عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يُهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون" التوبة42. وقال تعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" 216 البقرة. فالقتال مكروه للطباع قال ابن عرفة رحمه الله " الكره المشقة " قال ابن عباس رضي الله عنه " لما فرض الله على المسلمين الجهاد شق عليهم وكرهوه فنزلت هذه الآية" قال الحسن رحمه الله " لا تكرهوا الملمات الواقعة فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك ولرب أمر تحبه فيه عطبك" ولاشك أن المقعدات عن الجهاد كثيرة ذكر الله تعالى أصولها في القرآن كقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة..." التوبة38. وقوله جلّ جلاله " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبُ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين" التوبة 24. وقال عظم سلطانه ّ "قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم" الأعراف16. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشيطان قعد لابن آدم في طرقه فتعد له بطريق الإسلام فقال له تُسلم وتذر دينك ودين آبائك؟ فعصاه فأسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال أتهاجر وتذر أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس في طوله؟ فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال هو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال؟ فعصاه فجاهد" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فمن فعل ذلك منهم فمات أو و قصته دابته كان حقا على الله أن يُدخله الجنة" ولقد أدرك معظم القادة المحنكين الفطناء منذ القديم وعلى رأسهم الأنبياء خطورة هذه المقعدات في تثبيط عموم الناس فكانوا يحرصون على وضع الجنود تحت الاختبار والامتحان وقصة طالوت مع جالوت أشهر من أن تذكر وورد في السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها ولا أخر اشترى غنما أو خلفات ( الحامل من النوق) وهو ينتظر ولادها". قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى " فلابد من التفريق بين كره الجهاد والقتال كواجب شرعي إذا اقتضى الأمر وبيّن كره مشقته. قال الإمام القرطبي رحمه الله " إنما كان الجهاد كرها لأن فيه إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل والتعرض بالجسد للشجاج والجراح وقطع الأطراف وذهاب النفس فكانت كراهيتهم لذلك لأنهم كرهوا فرض الله تعالى وقال عكرمة رحمه الله في هذه الآية أنهم كرهوه ثم أحبوه وقالوا سمعنا وأطعنا وهذا لأن امتثال الأمر يتضمن مشقة لكن إذا عرف الثواب هان في جنبه مقاساة المشقات" وقال أيضا " والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون ومن مات مات شهيدا وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم..."و ينص أهل العلم أن القتال مفسدة ولكن نظرا لما يحققه من مصالح شرعه الشارع الحكيم ولذلك قال العز بن عبد السلام رحمه الله " وربما كانت أسباب المصالح مفاسد فيؤمر بها او تُباح لا لكونها مفاسد بل لكونها مؤدية إلى المصالح وذلك كقطع الأيدي المتآكلة حفظا للأرواح وكالمخاطرة بالأرواح في الجهاد". وقال " وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة حصّلنا المصلحة مع التزام المفسدة وإن استوت المصالح والمفاسد فقد يتخير بينها وقد يتوقف فيهما وقد يقع الاختلاف في تفاوت المفاسد" وقال في فصل عقده تحت عنوان فيما يؤجر على قصده دون فعله "...لا يتقرب إلى الرب بشيء من أنواع المفاسد والشرور.. فإن قيل الجهاد إفساد وتفويت للنفوس والأطراف والأموال وهو مع ذلك قربة إلى الله؟ قلنا: لا يتقرب به من جهة كونه إفسادا وإنما يتقرب به من جهة كونه وسيلة إلى درء المفاسد وجلب المصالح كما أن ح وسيلة إلى حفظ الأرواح وليس مقصودا من جهة كونه إفسادا لليد وكذلك الفصد والحِجامة وشرب الأدوية المرة البشعة وكذلك ما يتحمله الناس من المشاق التي هي وسائل إلى المصالح" ولذلك بين سلطان العلماء أن الجهاد ليس بشريف في نفسه وإنما وجب وجوب الوسائل لأنه يحقق مصالح في العاجل والآجل ويدرء مفاسد في العاجل والآجل.
* والحاصل أن المشاق أنواع منها مشقة كبيرة على النفس لكن يجب تحملها وذلك لتحقيقها مقاصد شرعية أكبر وأعظم ومثال ذلك الجهاد في سبيل الله تعالى فإن فيه تعريض النفس والمال والعرض والأعضاء للقتل والإتلاف وتلك مشقة عظيمة ومنها كلمة حق عند سلطان جائر التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفضل الجهاد قال العز بن عبد السلام " جعلها أفضل الجهاد لأن قائلها قد جاد بنفسه كل الجود بخلاف من يلاقي قرنه في القتال فإنه يجوز أن يقهره ويقتله فلا يكون بذله نفسه مع تجويز سلامتها كبذل المنكر نفسه مع يأسه من السلامة"

3.الترهيب في ترك الجهاد

* من خلال الومضات السابقة تبيّن لنا فضل الجهاد وعظيم الأجر عليه وذلك لمشقته وصعوبته ومن أجل ذلك جاءت النصوص الشرعية في الترهيب من تركه وإضاعته إذا قامت دواعيه ومبرراته الشرعية قال عليه الصلاة والسلام " من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من النفاق " وقال أيضا " من لم يغز أو يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة" وقال صلى الله عليه وسلم " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذباب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم"
4.تحذير المجاهدين من مبطلات الجهاد

* الدارس لسيرة السلف الأوائل يدرك بسهولة ويسر أنهم كانوا يخافون - على تقواهم وصلاحهم - من نواقض العقيدة ونواقض العبادة ونواقض مكارم الأخلاق ومن ذلك تحذيرهم من مبطلات ونواقض الجهاد في سبيل الله تعالى جاء في سنن البيهقي والدراقطني رحمهما الله أنه " دخلت - العالية بنت أيفع - أنا وأم ولد زيد بن أرقم على عائشة رضي الله عنها فقالت أم ولد زيد بن أرقم أني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشترتيه منه بست مائة درهم فقالت بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أبلغي - اخبري - زيد بن أرقم أن الله قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب" وعن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه قال: نزلنا على حصن سنان بأرض الروم مع عبد الله بن عبد الملك فضيّق الناس المنزل وقطعوا الطريق فقال معاذ « يا أيها الناس أنا غزونا مع رسول الله غزوة كذا وكذا فضيق الناس الطريق فبعث النبي صلى الله عليه وسلم مناد فنادى " من ضيق منزلا أو قطع طريقا فلا جهاد له" ذلك لان الجهاد إنما شرع لدفع الأذى وتأمين السبل فمن عكس حكمته فقد أبطل جهاده فلا أجر له» و هذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عندما اتسعت الانحرافات أثناء الفتوح الاسلامية أخذ قرارا بإيقافها ريثما تنصلح الأمور كما هو معروف في كتب التلريخ ومن مبطلات الجهاد خيانة نساء المجاهدين والشهداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حرمة نساء المجاهدين على القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم" ومن هنا نص علماء الإسلام حرمة التعرض لنساء الشهداء والمجاهدين بريبة من نظر أو خلوة أو حديث محرم أو محاولة إفساد الزوجة على زوجها وفي الحديث " ليس منا من خببّ امرأة على زوجها" وغير ذلك وتغليظ حرمة خيانة المجاهدين في نسائهم لان المجاهدين كرسوا حياتهم لنصرة الدين ودفع الأعداء والدفاع عن الوطن والأعراض والقاعدين عن الجهاد من أهل الإعذار فكيف يُتعرض لأعراضهم وهذا الوعيد هو تثبيت للمجاهد وهو في ساحة الوغى او وراء القضبان إذا ألقى عليه القبض أو في مستشفى لجراح نزلت به فعندما يعلم هذا المجاهد أن أهله في كنف المتقين أمنين في ستر وحماية فلا يتعلق قلبه بمن تركهم وراءه من أهله وولده وماله وأروع ما في الحديث تشبيه حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أماهاتهم يعطي دلالات عظيمة منها التعرض لذات محرم بريبة أو الزنى بها جريمة مضاعفة لأنها تدخل في زنا المحارم. أما المحافظ والمدافع على أعراض نساء المجاهدين في حدود القدرة والاستطاعة فأجره عظيم جدا لقوله صلى الله عليه وسلم " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار"
5. الجهاد بمفهومه الشامل:​

* وعلى العام والخاص أن يعلم أن الجهاد أوسع من أن يحصر في مباشرة القتل والقتال كما يتصوره الكثير منا فالجهاد فرع من أصل أصيل وركن ركين ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتارة يكون الجهاد بالقول والدعوة إلى الله تعالى " وجهادهم به جهادا كبيرا" الفرقان 52. وتارة يكون بالعمل الصالح قال تعالى " ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه " العنكبوت6. وتارة يكون بجهاد النفس وفيه أربع مراتب وتارة يكون بجهاد الشيطان بدفع ما يلقيه من شبهات أو شهوات وتارة يكون بجهاد الكفار وهو على أربع مراتب وتارة يكون بجهاد المنافقين وتارة يكون بجهاد أرباب الظلم والمنكرات والبدع وكل هذه الأنواع من الجهاد فصّل فيها أهل العلم تفصيلا. قال الإمام علي رضي الله عنه " وللجهاد أربع شعب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن وشتان الفاسقين فمن أمر بالمعروف شدّ ظهر المؤمن ومن نهيّ عن المنكر أرغم أنف المنافق ومن صدق في المواطن قضي الذي عليه وأحرز دينه ومن شنأ الفاسقين فقد غضب لله ومن غضب لله يغضب الله له"....وللحديث بقية إن شاء الله تعالى....










6. العاقبة للقلة المؤمنة وتصحيح مفهوم النصر:

* من عقائد المسلمين أن النصر من عند الله تعالى وليس بالعدة أو كثرة العدد فالإيمان الحق والثقة بنصر الله تعالى ودعاء الضعفة من الناس والإعداد المأمور به شرعا في حدود الاستطاعة يجعل من القلة قادرة - بعون الله - على تحقيق النصر" وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" آل عمران139. وقال جلّ وعلا " وكان حقا علينا نصر المؤمنينّ" الروم 30. وقال تعالى " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين" البقرة249. وقد ذكر علماء التفسير أن عدد من كان مع طالوت من الجيش حوالي 80 ألف ولكن بعد المرور على محطات الاختبار والتمحيص لم يبق معه إلا الصفوة الأخيار وعددهم 313 وهم عدد أهل بدر والمؤمن الحق الذي يفقه دينه يحب كثرة السواد ولكنه لا يعتمد عليه ولا ينكص على عقبيه إذا تفرق من حوله فالاعتماد على مجرد تكثير العدد أو العدة ليس من شأن المؤمن الصادق في إيمانه فقد وصل عدد المسلمين في غزوة حنين إلى اثني عشر ألفا وقالوا لن نغلب اليوم من كثرة فكانت الهزيمة " ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين" التوبة25. فالقلة مع صدق الإيمان واللهجة قوة وكثرة والكثرة مع الخبث والتفرق قلة " لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث" المائدة100 وقال عليه الصلاة والسلام " كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها" قالوا أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال لا " أنتم يومئذ كثير ولكنكم غشاء كغشاء السيل.." والطغاة في كل عصر ومصر يتظاهرون بالاستخفاف بالقلة وعدم الالتفات إليها غير أن باطن الأمر يحسبون لها ألف حساب ويسخرون كل طاقات الدولة لتتبع أثارهم قال تعالى " لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله" الحشر13. وهذا فرعون على طغيانه وقوته كان يتوجس خيفة من قلة مؤمنة رغم أنه وصفها بالشرذمة فالطغاة لا يتحملون وجود قلة مؤمنة ألم يقل فرعون " إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا جميع لحذرون" الشعراء54/55/56.
والسلف الصالح الأوائل كانوا لا يغترون بالكثرة العددية المجردة ويركزون على القلة المؤمنة المتمسكة بالحق والعاملة للتمكين له. قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه "..ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي كرمنا الله به.." وقال رجل لخالد بن الوليد رضي الله عنه " ما أكثر الروم وما اقل المسلمين فقال خالد: ويلك أتخونني بالروم إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال
قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص رضي الله عنه ".. فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو...وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم وعدتنا ليست كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وان لم ننصر عليهم بفضلنا لم نغبلهم بقوتنا" وقال الإمام علي رضي الله عنه " إن هذا الأمر لا يكون نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة فإنا لم نقاتل بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة..."والنصر الحقيقي عند السلف الأوائل هو نصر المحق لا المبطل صاحب القوة والجبروت فهذا حتى لو كتبت له الغلبة لحكمة يعلمها الله تعالى فهو مهزوم فالنصر نوعان نصر بالغلبة والقهر ونصر بالحجة والبرهان قال أبو القاسم البلخي رحمه الله في تفسير قوله تعالى " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين* إنهم لهم المنصورون* وان جندنا لهم الغالبون" الصافات171/173. " المؤمنون منصورون أبدا إن غلبوا فهم المنصورون الغلبة وإن غلبوا فهم المنصورون بالحجة ولا يجوز أن ينصر الله الكافر على وجه" فتارة علو المسلم على الكافر بالقوة والغلبة وتارة علو المسلم على الكافر الغالب ظاهريا بالحجة والبرهان وصدق الله العظيم إذ يقول " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا" النساء141. وقوله " وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" آل عمران 139. والكافر مغلوب بالحجة ولو كان غالبا بالقوة قال الإمام علي رضي الله عنه " والغالب بالشر مغلوب" ولذلك كان ينصح الولاة بالعدل والحق لا بالبطش والحيف " فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله" ذلك أن الغلبة بالقوة المادية الغاشمة مؤقتة قد تطول وقد تقصر ولكن مصيرها إلى الزوال والاضمحلال بمرور الأيام السنوات فأين هو بطش زين العابدين وأين هو طغيان القذافي وأين هو علو مبارك وآله وأين استبداد عبد الله الصالح وهو نفس المصير الذي سيلقاه بشار الطاغية السفاح وكل طاغية في العالم وهزيمة المحق المادية لا تقلب المبطل محقا ولا المحق مبطلا وإلا كان الرسل والأنبياء الذين قتلوا أو سجنوا مبطلين سأل معاوية رضي الله عنه عمرو بن العاص" ما أعجب الأشياء إليك ؟ قال" أعجب الأشياء أن المبطل يغلب المحق" وعند شعر عمار بن ياسر رضي الله عنه بالهزيمة المادية قال " والله لو قاتلونا بسلاحهم وأوصلونا إلى سفعات هجر لعلمنا أننا على حق وأنهم على باطل" وأهل السنة والجماعة مجمعون على أن الإمام علي رضي الله عنه كان على حق وإن مخالفيه على باطل وبغاة وخارجين على ولي الأمر الشرعي. وأجمعوا على أن سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين على حق وأن يزيد بن معاوية ومن معه كانوا على الباطل. رغم انتصاره العسكري على سيدنا الحسين رضي الله عنه في موقعة كربلاء والأمثلة عبر التاريخ لا تحصر ولذلك قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه عندما شعر ببوادر الهزيمة " والله ما ذلّ ذو حق ولو تملأ عليه من بأقطارها "والله ما عز ذو باطل ولو طلع من جبينه القمر" وقال شيخ المجاهدين عمر المختار رحمه الله عندما حكم عليه بالإعدام " لأن كسر مدفعكم سيفي فلن يكسر باطلكم حقي"
ودلت تجارب التاريخ على حقيقتين:
1. أن النصر قد يكون حليف الكافر المظلوم على الكافر الظالم الطاغية والأمثلة لهذا كثيرة منها انتصار الفيتنام على فرنسا وأمريكا.
2. أن النصر يكون حليف القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة.
- فمعركة بدر كان عدد المسلمين 314 مقابل ألف مقاتل من الكفار.
- عزوة أحد كان عدد المسلمين 700 مقابل 3 آلاف.
- غزوة الخندق كان عدد المسلمين 10 آلاف مقابل 3 آلاف.
- غزوة خبير كان عدد المسلمين 1500 مقابل 11 ألف و4 آلاف من الأعراب أي ستة أضعاف.
- في غزوة مؤتة كان عدد المسلمين 3 آلاف مقابل 100 ألف من الروم و100 ألف من الغساسنة والعرب المنتصرة وعدد الخيل تزيد 50 ألف.
- معركة اليرموك عدد المسلمين 30 ألف مقابل 100 ألف وقيل 300 ألف.
- ومعركة القادسية عدد المسلمين 7 آلاف مقابل 60 ألفا ومعهم 70 فيلا.
- معركة نهاوند عدد المسلمين 30 ألف مقابل 150 ألف.
- فتح الأندلس عدد المسلمين 1700 ألف مقابل 90 ألف.
- فتح قبرص عدد المسلمين 20 ألف مقابل 200 ألف.
-واسترد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله طبرية وكان عدد جيشه 12 ألف مقابل 80 ألف.​


الشريعة الإسلامية ونازلة امتلاك أسلحة نووية:​

* ما أكثر النوازل التي نزلت بأهل هذا العصر وليس لها نظائر في كتب الأقدمين ولا تجد الإجابة الشافية الكافية خاصة فيما يتعلق بمصير الأمة الاسلامية جمعاء ومنها حكم امتلاك الأسلحة النووية أو استخدامها فهذا النوع من الأسلحة لم يكن معهودا عند السلف الأوائل ولا في العصور المتتالية إلى عصر اكتشاف هذا السلاح الرهيب المرعب المخيف وبما أن لكل عصر وزمان نوازله الخاصة فقد وجب على أهل العلم الاجتهاد في هذه النازلة وتنزيلها على النصوص والوقائع المشابهة لها والتي أفتى في مثلها العلماء قياسا.
* ومن المعلوم أن النوازل الحادثة لم يتناولها الفقهاء الأوائل ب
+البحث كبيان حكم الشريعة الإسلامية في حيازة واستخدام أسلحة الدمار الشامل والتي تشمل الأسلحة النووية والكيمائية والبيولوجية لأنها لم تكن في عصرهم ولا دارت بخلدهم طرفة عين وأقصى ما تم البحث فيه قديما ما يشمل الأسلحة القديمة التي كانت في عصرهم والتي كانت في نظرهم هي الأشد والأكثر فتكا بالأعداء والأوسع دائرة في إلحاق الضرر بالخصوم كالرمي بالمنجنيق والتراشق بالنيران وقد قاس عليها المعاصرون المدافع والطائرات والدبابات وراجمات الصواريخ كما بحثوا في مسألة التترس وتبيت العدو والإغارة عليه على حين غرة وإن كان فيهم النساء والأطفال والشيوخ واختلف العلماء قديما في حكمه فمالك والأوزاعي يريان عدم جواز قتل النساء والصبيان بحال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أن تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم وللشافعي وأحمد وأبو حنيفة أقوال في المسألة ذكرها الحافظ في الفتح باب أهل الدار يُبيتون فيصاب الولدان والذراري كما بحثوا حكم مسألة التحريق والتغريق والتدخين وقطع الأشجار وقطع المياه أو تسميمها وتخريب الأبنية وإلقاء الأفاعي والحيات على الأعداء واختلفوا في هذه المسائل على أقوال مذكورة في كتب الفروع وكان من الطبيعي أن يختلف فقهاء العصر والمجامع الفقهية المتعددة إلى الاختلاف في حكم امتلاك الأسلحة النووية ونحوها من أسلحة الدمار الشامل فذهب فريق إلى عدم جوازها وذهب فريق إلى جوازها.

أ‌. مجمل أدلة الــقــائـلـيـن بـالـمـنـع والتـحـريـم:​


1- يرى المانعون والقائلون بالتحريم أن استعمال الأسلحة النووية في الحروب سوف يلحق الضرر بأصناف حرّم الشارع قتلها وذكروا جملة من الأصناف التي يحرم قصدها بالقتل ابتداء من حيث الأصل وأثناء خوض الحروب والمعارك وقالوا بتحريم جملة من التصرفات التي لا يقرها الشرع الحنيف.
· تحريم قتل الأطفال:
* ورد في السنة الصحيحة نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان وعلة ذلك قصورهم فلا يجوز قتلهم لأن ذلك يعتبر تعديا والله تعالى يقول "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين" البقرة199. وقوله صلى الله عليه وسلم" ولا تقتلوا وليدا"
·تحريم قتل النساء:
* عن ابن عمر رضي الله عنه قال " وُجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان" وهذا النص الصحيح الصريح يدل دلالة قاطعة على أن الأصل أن النساء لا تقتل في المعركة ولما روى عن ابن كعب بن مالك عن عمه " أن النبي حيث بعث إلى ابن أبي الحقيق بخبير نهى عن قتل النساء والصبيان" والنهي يقتضي التحريم....
· تحريم قتل الشيوخ:
* جاء في وصية الرسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض امراء الجهاد " انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخا..."
· تحريم قتل الرهبان:
* لا يجوز شرعا قتل من كان مختليا للعبادة من الرهبان قال أبو بكر رضي الله عنه لأحد القادة " انك ستلقى أقواما زعموا أنهم قد فرغوا أنفسهم " قال أحمد وأبو حنيفة رحمهما الله " لا تقتل الرهبان المعتزلة" خلافا للشافعي رحمه الله وللإمام مالك تفصيل في ذلك فانظره في كتب المالكية وشُراح الشيخ خليل كالخرشي مثلا.
· تحريم قتل العسيف والأجير:
* جاء في الحديث الصحيح " لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا" والعسيف هو الأجير على حفظ الدواب أو العامل المنصرف لزراعة الأرض ونحوها فكل منصرف لعمل ما من الأجراء كعمال الكهرباء أو المستشفيات أو الصناع والفلاحين والتجار كل هؤلاء الأجراء نهينا عن قتلهم أما لعلة الاستضعاف أو لعدم انشغالهم بالقتال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " اتقوا الله في الذرية والفلاحين فلا تقتلوهم إلا أن ينصبوا لكم الحرب" وقال جابر رضي الله عنه " كانوا لا يقتلون تجار المشركين" وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه " ولا تقتل حراثا"
· تحريم قتل العجزة من الناس:
* أما غير النساء والصبيان والشيوخ والرهبان والعسفاء كالأعمى والمقعد والمقطوع اليد والرجل فقد اختلفوا فيهم فأباحه الشافعي في أظهر قوليه سواء كان فيهم قتال أو لم يكن ومنع منه مالك وأحمد وأبو حنيفة قياسا على النساء والصبيان لعدم قدرتهم على القتال وشرط الحنيفية في عدم قتلهم أن لا يخالطوا الناس فإن خالطوا الناس فلا بأس بقتلهم.
· تحريم قتل الحيوان:
* لقد سبق الإسلام إلى احترام حقوق الحيوان فنهى عن تحميل الدواب فوق طاقتها أو لطم خذ الدابة وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن امرأة دخلت النار في هرة واعتنى علماء الإسلام ببيان حقوق الحيوان بقرون طويلة قبل ظهور شعارات حقوق الإنسان فقد ألف الحافظ السخاوي المتوفي 902 هـ كتابه الفريد من نوعه " تحرير الجواب من ضرب الدواب" ولم يقتصر الحفاظ على حقوق الحيوان أثناء السلم بل حتى في لهيب الحروب والمعارك فقد أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أحد قادته قائلا " ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكله" ولم يثبت أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل حيوانا ولم يأذن بذبح حيوان إلا لأكله وجاء في البداية والنهاية أن الإمام مالك " لم يجز قتل المواشي"
· وجوب إحسان القتلة (عِفة القتلة وحرمة التمثيل بالجثث):
* المُثلة تشويه خلقة القتيل كجدع أطرافه أو قطع مذاكيره أو بقر بطنه ونحو ذلك مما يدل على وحشية في الطبع ورغبة جامحة في التشفي بغير وجه حق وهي سلوكات مشينة نهى الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال " اعف الناس قتله أهل الإيمان" وقوله " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" قال الشوكاني رحمه الله المراد بالإحسان في الحديث " ترك التعذيب وتعجيل ما يحصل به الموت وليس ذلك مختصا بقتل السيف" وفي الحديث الصحيح "... ولا تمثلوا" والنهي يقتضي التحريم قال الزمخشري رحمه الله " لاخلاف في تحريم المثلة " وقال بن عابدين " لو تمكن من كافر حال قيام الحرب ليس له أ ن يمثل به " وعن ابن يعلي قال غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأتى بأربعة أعلاج من العدو فأمر بهم فقتلوا صبرا بالنبل فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل الصبر فو الذي نفسي بيده لو كانت دجاجة ما صبرتها فبلغ ذلك عبد الرحمن فاعتق أربع رقاب" أي تكفيرا عن ذنبه.
ومن المثلة قطع الرؤوس ولذلك منع الخلفاء الراشدون نقل رؤوس المحاربين من قادة أعدائهم إلى مدنهم ومقر إقامتهم فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه انه قدم على أبي بكر رضي الله عنه برأس البطريق فأنكر ذلك فقال يا خليفة رسول الله إنهم يفعلون ذلك بنا؟ قال فاستنان بفارس والروم؟ لا يُحمل إليَّ رأس فإنه يكفي الكتاب والخبر وأوتي أيضا برأس فقال بغيتم أي هو من فعل أهل البغي والظلم وقال الزهري رحمه الله لم يؤت إلى النبي صلى الله عليه وسلم برأس وقال ابن جزى المالكي " ولا يجوز حمل رؤوس الكفار من بلد إلى بلد ولا حملها إلى الكفار" وقال ابن قدامة " ويكره نقل رؤوس المشركين من بلد إلى بلد والتمثيل بقتلهم وتعذيبهم".
· تحريم التحريق بالنار:
* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن وجدتم فلانا وفلانا - رجلين من قريش - فاحرقوهما بالنار فلما أردنا الخروج قال كنت أمركم أن تحرقوا فلانا وفلانا وان النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموها فاقتلوهما"
· تحريم الإتلاف والتخريب والتدمير:
* الإسلام ضد التخريب والتدمير والإفساد في الأرض قال تعالى " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها " الاعراف56. وقوله عز وجل "ولا تعثوا في الأرض مفسدين"البقرة60. فالسعي في العمران محمود والعمل على تدميره وتخريبه مذموم لقوله تعالى " وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل" البقرة205. وذم قوما فقال فيهم تبارك وتعالى " يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين" الحشر2. ولذلك قال الأوزاعي رحمه الله " كره قطع الشجر المثمر وتخريب العامر كنيسة كان أو غير ذلك".
2- وقالوا لا شك عند الموافق والمخالف أن أسلحة الدمار الشامل بجميع أنواعها أخطر ألوان الأسلحة التي عرفتها البشرية إلى يوم الناس هذا وخاصة الأسلحة النووية وهي إن استخدمت فإنها تطال الأخضر واليابس والجامد والمتحرك لما لها من قدرة تدميرية هائلة تهدد ليس المتحاربين في ميدان المعركة وإنما تهدد البشرية بالفناء.
3- وهناك توجه عالمي جديد في العالم من الخبراء وهو التحذير من الطاقة النووية ولو لأغراض سلمية كتوليد الطاقة والصحة العامة والمجال الزراعي ومكافحة الحشرات..الخ لأنها قد تجلب دمارا شاملا إذا ما تعرضت المفاعيل النووية لأغراض سلمية لتسرب إما لخلل فني أو انفجار أو هزات زلزالية أو براكين أو حروب...الخ
وما أكثر حوادث التسربات الإشعاعية هنا وهناك مثل تسربات 1957 في مفاعل جبال الاورال في روسيا أو تسربات 1979 في جزيرة الأميال في أمريكا وهناك تسربات إشعاعية لم يعلن عليها وأشهر الكوارث كارثة مفاعل نشرنوبل 1986 وما خلفه من أضرار على البيئة ( الماء والهواء والتراب ) وعلى صحة الإنسان والحيوان والغذاء وما خلفته الأمطار الملوثة نوويا من كوارث وما كارثة مفاعل فوكوشيما باليابان 11/03/2011 عن العالم ببعيد فإذا كانت الآثار وخيمة لتسربات المفاعيل النووية لأغراض سلمية كارثية تمتد لعقود طويلة فكيف إذا استخدمت حربيا؟ !!
4- إن مخاطر النفايات النووية لا تقل خطورة عن استخدام الأسلحة النووية لأن المدافن للنفايات النووية التي تخصص لها أماكن محصنة غالية التكاليف وسواء أكانت تلك المدافن في أعماق البحار أو أعماق الصحراء أو مدافن خاصة في الدول الفقيرة فهي غير آمنة فقد تتسرب الإشعاعات في المياه أو التربة أو الهواء ولذلك تكثر انتشار الأمراض المزمنة القاتلة في معظم الأماكن التي تتواجد فيها مفاعلات نووية إما لغرض عسكري أو سلمي أو في أماكن تواجد مدافن النفايات تشكل خطرا على الإنسان والحيوان والبيئة إذا ما تعرضت تلك المدافن إلى زلازل أو بركان أو عمل إجرامي مخطط له فكيف يقال بجواز استخدام الأسلحة النووية أو أسلحة الدمار الشامل ؟ !!
5- قالوا الحرب في الإسلام يجب أن تقتصر على الجيوش المتحاربة ولا تتعداها إلى بقية أفراد الشعوب من قتل غير المقاتلة من المدنيين فالحرب في المفهوم الإسلامي الصحيح ليست كفاحا ضد الأبرياء والمستضعفين والعجزة وذكروا الأصناف التي يحرم قتلها والاعتداء عليها وقد سبق ذكرها ولا شك أن أسلحة الدمار الشامل تصيب هؤلاء بل تلحق الضرر بأجيال لم تخلق بعد من جراء الإشعاعات النووية التي تبقى لعدة عقود وتضر بالإنسان والحيوان والنبات والماء والهواء.
6- الأصل في الحرب أنها حالة طارئة وعارضة استثنائية إذ الأصل في العلاقات الدولية السلم لا الحرب إلا لضرورة قاهرة وقيل الحرب أشبه بالعملية الجراحية المحدودة الموضع.
7- الأصل في القتال يجب أن يكون مقصورا على ميدان الحرب والأهداف العسكرية ولا يتعداه إلى الأماكن المدنية.
8- أسلحة الدمار الشامل لا تقتل فردا مواجهة ولا جيشا مقاتلة وإنما تطلق على حين غرة بضغطة زر من رئيس الدولة التي تملك السلاح النووي فتقتل دون تمييز فتبييت الناس ليلا وهم نائمون أطفالا ونساء وشيوخا دون إرسال أي جيوش إلى ساحة الميدان كما هو الحال بقصف الأبرياء بطائرة دون طيار.
9- الأصل في الإسلام قوله تعالى " ولا تُزُر وُازرة وُزر أخرى" النجم38. وقوله " كل نفس بما كسبت رهينة" المدثر8. فلا يجوز الانتقام من غير المقاتلين ولا قتل من لا علاقة له بالحرب
10- أسلحة الدمار الشامل لا يمكن أن تقاس بالمنجنيق ولا بالتغريق أو التحريق أو الرمي من شاهق أو تسميم الماء أو التراشق بالنار أو إطلاق الأفاعي والعقارب على العدو فهو قياس مع الفارق فهي من أسلحة الفتك العام وآثارها تطال أجيال لم تخلق بعد فالأسلحة المقاس عليها لاوجه للمقارنة بها وقد كان الإمام الشوكاني رحمه الله يرى عدم جواز استعمال النار في الحرب للحديث الذي ينهى عن التعذيب بالنار وأما الإمام مالك رحمه الله فقد كره رمي العدو بالنبال والسهام أو الرماح المسمومة وحملت الكراهة على التحريم"
11- مقصد المسلمين من إعلان الجهاد ليس هو إفناء البشرية أو الاعتداء على الضعفاء والأبرياء والعجزة بل للدفاع عن المقاصد الكبرى في الإسلام وهي مقاصد لإحياء البشرية لا إلى إفنائها بأسلحة الدمار الشامل.
12- إن الشارع الحكيم حرّم قتل من لا يقاتل ولو كان فردا فكيف بقتل الآلاف منهم إما بضغطة زر أو رمية طائرة غادرة أو قذفة غواصة من أعماق البحار أو المحطات.
تلك مجمل أدلة القائلين بتحريم امتلاك الأسلحة النووية وهي أدلة قوية لمن تفحصها بكل إنصاف وتجرد........وللحديث بقية إن شاء الله تعالى





ب‌.مجمل أدلة القائلين بالجواز للضرورة والمعاملة بالمثل:​


1. وهذا الفريق من العلماء يُقر بصحة استدلال الفريق الأول ولكن كل ذلك من حيث الأصل ويُقر أيضا بمخاطر أسلحة الدمار الشامل وخاصة النووية وانه لا وجه للمقارنة بينها وبين الأسلحة التي كانت سائدة زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الراشدين إلى ما قبل اكتشاف القنبلة الذرية أثناء الحرب العالمية الثانية والتي غيرت مفاهيم الحرب والسلم على المستوى العالمي.
2. غير أنهم ساقوا الحالات الاستثنائية التي أقرها الشارع الحكيم من باب الضرورة الحربية وعملا بالسياسة الشرعية في محال المعارك والحروب.
مجالات الاستثناء فما ذُكِّر للضرورة الحربية

* من الخيانة العلمية ذكر الأصول والقواعد العامة التي هي محل اتفاق دون ذكر حالات الاستثناء من تلك الأصول والقواعد كما أنه من الشطط والخطل اتخاذ الاستثناء هو القاعدة في ممارسة العمل الجهادي المسلح بغير ضرورة ملحة تُقدر بقدرها ومن هذا المنطلق ركز فقهاء المذاهب الإسلامية المعتبرة قديما وحديثا على ذكر القاعدة التي هي الأصل ابتداء والضرورة الحربية استثناء ليكون المجاهد والمقاتل المسلم على بصيرة من أمره فلا يعكس الأمور فتزل قدم بعد ثبوتها أو تنزيل النصوص في غير محلها فيقع ما لا تحمد عقباه وها نحن نذكر ببعض الحالات الاستثنائية من الأصل والركن الركين والله موفق إلى سواء السبيل.
· حالة الاستثناء من اصل تحريم قتل الأطفال:
* الأطفال لا يجوز قتلهم إلا إذا قاتلوا وهذا ما ذهب إليه ابن حبيب من المالكية " وكذلك الصبي المراهق وقال ابن رشد رحمه الله في البداية والنهاية " ويحرم قتل المرأة والصبي أن لم يقاتلا عند الشافعي و ومالك وأحمد وأبي حنيفة فإن قاتلا قتلا" وقال الكاساني في بدائع الصنائع " وكل من لم يكن من أهل القتال لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة أو معنى بالرأي والطاعة والتحريض " والحاصل لا يجوز قتلهم إذا لم يشاركوا في القتال أما هل يقتل الأطفال إذا تترس بهم ودعت الضرورة لذلك فتلك مسألة اختلفت فيها أنظار فقهاء المذاهب المعتبرة بين مجيز بإطلاق وبين مانع بإطلاق وبين من يقول بالتفصيل كما هو مذكور في كتب الفقه.
· حالة الاستثناء من أصل تحريم قتل النساء:
* لقد اتفق جمهور العلماء على تحريم قتل النساء لضعفهن وعدم المشاركة في القتال أما إذا قاتلت أو شاركت مشاركة فعالة فعند ذلك جاز قتالها وقتلها لعلة المقاتلة فعندما أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم قتل النساء قال " ما كانت هذه لتقاتل " فإن مفهومه أنها لو قاتلت قُتلت ولم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم على قاتل المرأة التي أرادت قتله والحكم يدور مع علته وجودا وعدما لذلك فامتناع المرأة عن القتال وعدم المشاركة فيه موجب للعصمة دمها ولو كانت كافرة وقتالها مع المقاتلين يلحقها بحكمهم قال ابن رشد رحمه الله " ولا خلاف بين المسلمين أنه لا يجوز قتال نسائهم ولا صبيانهم ما لم يقاتل الصبي والمرأة" وقال النووي رحمه الله " اجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا" وقال العز بن عبد السلام في المثال التاسع والثلاثون " قتل من لا ذنب له من المسلمين مفسدة إلا إذا تترس بهم الكفار وخيف من ذلك اصطدام المسلمين ففي جواز قتلهم خلاف لأن قتل عشرة من المسلمين أقل مفسدة من قتل جميع المسلمين" والحاصل لا يجوز قتل النساء ما لم يشاركن في القتال أو المساعدة عليه.
· حالة الاستثناء من أصل تحريم قتل الشيوخ:
* قد يقول قائل أليس النهي عن قتل الشيوخ معارض بحديث آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم " اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم" وقد قيل في فك هذا التعارض أن الشيخ المنهي عن قتله هو الشيخ الفاني الذي لم يبق فيه نفع للكفار ولو شارك بالرأي قُتل كدريد بن الصمة الذي بلغ من العمر 120 سنة الذي قتل يوم غزوة حنين وهو شيخ كبير لا قتال فيه وقد أخرجه قومه للانتفاع برأيه وخبرته وتجربته في إدارة الحروب فلم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم قتله " فدل على أن من شارك في القتال من الشيوخ ولو بالرأي يجوز قتله لان الرأي من أعظم المعونة في الحرب والحاصل أن الشيوخ الذين فيهم قوة على القتال أو معونة عليه برأي أو تدبير يقتل جمعا بين الأدلة.
· حالة الاستثناء من اصل تحريم قتل الرهبان:
* مجرد الكفر ليس علة الحرب وإنما علة القتال والجهاد هي المحاربة والاعتداء والاستضعاف هذا هو الراجح عن جمهور العلماء ولذلك كان الأصل عدم جواز قتل الرهبان المعتزلة المتفرغين للتعبد والعبادة فإذا غلقوا أبواب الصوامع على أنفسهم فهم المرادون بكلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه وذلك لتركهم القتال أصلا ولكن إذا كان الرهبان ينزلون إلى الناس أو يصعد إليهم الناس فيصدرون عن رأيهم في القتال فهم محاربون تسبيبا فيقتلون لأن المبيح لقتلهم في هذه الحالة شرهم من حيث المحاربة أو المشاركة فيها بخلاف إذا اعتزلوا فانه بذلك يندفع شرهم والحاصل العلة في قتل الرهبان ورجال الدين أو عدم قتلهم هو التعرض للمسلمين وإلحاق الأذى و الضرر بهم أو التجسس عليهم للإضرار بهم ونحو ذلك.
· حالة الاستثناء من أصل تحريم قتل الأجراء:
* لقد تقرر شرعا منع قتل العسيف إلا أن أهل العلم استثنوا من ذلك إذا اشتغلوا في الأعمال العسكرية كحفر الخنادق وإصلاح معدات القتال أو التجسس لصالح الأعداء فإنهم في هذه الحالة - إذا تم التثبت من ذلك - يتعرضون إلى ما يتعرض إليه غيرهم من المقاتلين.
· حالة الاستثناء من اصل تحريم قتل الحيوان:
* من حيث الأصل لا يجوز قتل الحيوانات أو ذبحها لغير ضرورة الأكل ولكن أهل العلم نصوا على انه إذا استخدمت في الحرب كخيول للفرسان فلا شك في جواز عقرها أو استخدمت في المناطق الوعرة في تموين الجند بالسلاح والعتاد والطعام وقالوا أن نهي أبي بكر الصديق رضي الله عنه داخل في باب السياسية الشرعية لأنها موكلة إليه بما يحقق المصلحة للمسلمين.
· حالة الاستثناء من أصل تحريم المُثلة:
* مما لا شك فيه أن الشريعة الإسلامية تُحرم التمثيل بالجثث لأن ذلك يخالف آداب وأخلاق الفروسية وإذا أقدم عليه مقاتل أو مجاهد في ساحة المعركة فإن ذلك يدل على فساد في الطبع وخلل في النفس وقسوة في القلب أما إذا كان العدو يمثل بالجثث إرعابا وإرهابا لنا فعند ذلك تجوز المعاملة بالمثل لا لفساد في الطبع ولكن لتحقيق مصلحة للمجاهدين ومن باب الضرورة الملحة الردعية جاء في حاشية الدسوقي المالكي رحمه الله " وإذا مثلوا بمسلم جاز التمثيل بهم ولو بعد القدرة عليهم" وقال الإمام الخطابي رحمه الله في باب النهي عن المثلة " وهذا إذا لم يكن الكافر فعل مثل ذلك بالمقتول المسلم فإن مثُل بالمقتول جاز أن يمثل به" قال العز بن عبد السلام " التمثيل بالجناة إذا مثلوا بالمجني عليه مفسدة في حقهم لكنه مصلحة زاجرة عن التمثيل في الجناية" وهذه المعاملة منوطة بتحقيق مصلحة يحددها ولاة الأمر أنفسهم سياسة أو عسكريين. أما قطع الرؤوس وحملها من بلد إلى بلد أو البعث بها فالأصل هو المنع لما سبق ذكره غير أن أهل العلم أجازوا ذلك من باب المعاملة بالمثل شريطة أن يكون الغرض من ذلك تحقيق مصلحة لردع الأعداء وليس انسياقا وراء طبائع دموية شرسة قال ابن قدامة رحمه الله "...وإن فعلوا ذلك لمصلحة جاز لما روينا أن عمرو بن العاص حين حاصر الإسكندرية ظفر أهلها برجل من المسلمين فأخذوا رأسه فجاء قومه عمرا مغضبين فقال عمروا خذوا رجلا منهم فاقطعوا رأسه فارموا به إليهم في المنجنيق ففعلوا ذلك فرمى أهل الإسكندرية رأس المسلم إلى قومه " وقد ذكر عن هذه المسألة الإمام البيهقي في سننه في كتاب الجهاد " باب ما جاء في نقل الرؤوس".
· حالة الاستثناء من أصل تحريم التحريق بالنار:
* ذلك هو الأصل ولكن أهل العلم والفقه اتفقوا على انه لا يجوز تحريق الكفار بالنار في حال القتال إذا لم يقدروا عليهم بغيرها وخيف منهم على المسلمين ولم يكن فيهم أسرى مسلمون وذكر منصور بن سعيد في مصنفه كتاب الجهاد باب كراهية أن يعذب بالنار قال " كان معاوية يرمي العدو بالنار ويرمونه وحرقهم ويحرقونه وقال لم يزل أمر المسلمين على ذلك" وقال الشوكاني في السبيل الجرار " ويُغرق ويُحرق ويخنق أن تعذر السيف..وإلا فلا إلا الضرورة" قال ابن حجر " ومحل الحديث إذا لم يتعين التحريق طريقا إلى الغلبة على الكفار حال الحرب " عقد العز بن عبد السلام فصلا هاما في كتاب الفذ القواعد الكبرى الموسوم لقواعد الأحكام في اصلاح الأنام فصلا هاما تحت عنوان فيما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساده أو بإفساد بعضه أو بإفساد صفة من صفاته. "...وأما إتلاف أموال الكفار بالتحريق والتخريب وقطع الأشجار فإنه جائز لاخزائهم وإرغامهم بدليل قوله عز وجل ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين الحشر5. ومثله قتل خيولهم وإبلهم إذا كانت تحتهم في حال القتال وكذلك قتل أطفالهم إذا تترسوا بهم لأنه أشد اخزاءا لهم من تحريق ديارهم وقطع أشجارهم". وفي فصل غاية في النفاسة تحت عنوان "في اجتماع المصالح مع المفاسد" وضرب لذلك أمثلة حيث قال في المثال الثامن والثلاثون: قتل الكفار من النساء والمجانين والأطفال مفسدة لكنه يجوز إذا تترّس بهم الكفار بحيث لا يمكن دفعهم إلا بقتلهم ولا شك أن مسألة التحريق بالنار فيها خلاف بين أهل العلماء على قولين فقوم يرى جواز إحراق العدو بالنار ولو قدروا عليها بغيرها وهذا رأي الحنيفية والشافعية أما المالكية والحنابلة فلم يروا الإطلاق بل قالوا لا يجوز الإحراق بالنار للعدو وإذا قدروا عليهم بغيرها يقتلون بغير الإحراق "
· حالة الاستثناء من أصل تحريم الإتلاف والتدمير والتخريب:
* مما لا شك فيه أن الشريعة الإسلامية تحرم التخريب والتدمير والفساد في الأرض غير أن أهل العلم يرون أن الفساد في الأرض المنهي عنه ليس مقصورا عن الفساد والتخريب والتدمير المادي فحسب فثمة فساد أعظم واخطر من ذلك ألا وهو الفساد المعنوي متمثل في فساد العقائد والأخلاق والمثل العليا التي تشترك فيها فالأصل عدم جواز الإتلاف والتدمير والتخريب ابتداء ولكن إذا لجأ الأعداء إلى وسائل التدمير والإتلاف جاز للمسلمين رد العدوان والعمل بمبدأ المعاملة بالمثل قال تعالى " ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله " الحشر5. والأحاديث الصحيحة تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير كما هو معلوم قال النووي " وفي هذا الحديث دليل على جواز قطع شجر الكفار وإحراقه " قال البيضاوي رحمه الله في تفسيره " واستدل به على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم" أما قوله تعالى "يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنون". قال عكرمة رحمه الله بأيديهم في إخراب دواخلها لئلا يأخذه المسلمون وبأيدي المؤمنين في إخراب خارجها ليصلوا بذلك إليهم" والدليل على جواز ذلك استثناء قوله تعالى " ولا يطنون موطنا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كُتب لهم به عمل صالح" التوبة120. فقد أمر الله أولياءه المؤمنين بإغاظة أعدائه الكافرين وجعل لهم الثواب وان تخريب بيوتهم وقطع أشجارهم إغاظة لهم وكسرا لشوكتهم" وتبث في السنة الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف" وقد فصّل العلماء في مسألة التدمير والتخريب للممتلكات:
‌أ. إذا كان العدو يستعملها في أغراض القتال كمراكز تموين الجند ومخازن الذخيرة ومحطات الراديو وحصون الحراسة فهذه لاخلاف في جواز إتلافها وتخريبها بل يجب ذلك إذا كان طريقا إلى النصر والغلبة على الأعداء.
‌ب. أما إتلاف خزان المياه أو جسر يمر عليه العدو ولكن يعود على المسلمين بالضرر فعندها يحرم تدميره أو تخريبه وقد ندم المسلمون على ضرب أحد المسلمين الجسر في معركة الجسر كما يحرم أيضا إتلاف الممتلكات التي يتفادى العدو إتلاف أمثالها عندنا مثل المستشفيات والمدارس ونحو ذلك من المرافق العامة التي إن ضربت أضرت بالشعب ومصالحه الحيوية ولو أتلفناها عليه لعاملنا بالمثل ولعاد علينا ذلك بالضرر وهذا يحرم.
ج. أما الممتلكات التي لا يوجد فيها ضرر للكافرين ولا نفع للمسلمين فوجودها والإبقاء عليها لا يقدم نصرا ولا يلحق هزيمة وهذا النوع قد وقع الخلاف في جوازه فذهب أكثر الفقهاء إلى جواز ذلك تحريق النخل في بني النضير فهو رخصة من الله تعالى إذن له بها فلا يقاس غيرها عليها. قال الحافظ بن حجر " وقد ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو " وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور رحمهم الله.
والحاصل من كل ما تقدم بيانه أن الأصل هو المنع إلا لضرورة حربية ردعية أو من باب المعاملة بالمثل فعندها جاز إحراق مدن العدو حال القتال وإتلاف زروعهم وقطع أشجارهم وكل ما فيه غيظهم والنكاية بهم ولا يجوز قطع الشجر وهدم البناء مادام لا يجلب نفعا ولا يدفع مضرة ولا يحقق نصرا ولا يلحق هزيمة. لأن الغرض من الحرب رد عدوان المعتدين من الأعداء لا قصد إيذاء الشعوب وتدمير مرافقها العامة. والمجاهد والمقاتل لا يلجأ إلى الضرورة الحربية ابتداء وإنما يدفعه إلى ذلك عدوه وخصمه إذا تجاوز الحدود وخالف أصول الحرب التي تلتزم بالأخلاق الإنسانية العالية.
3. من المعلوم أن الشارع الحكيم قد أباح لقائد الجيش أن يفعل بالعدو مثل ما قد يفعله العدو بجيشه وان يستبيح منهم مثل ما يستبيحونه من المسلمين والأدلة على ذلك كثيرة ممن مثله قوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " البقرة 194. وقوله تعالى " وجزاء سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله انه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل " الشورى 40. وقوله تعالى " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " النحل 126. والعقاب بالمثل من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فقد عاقب العرانين بمثل ما فعلوا " فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون " قال ابن حجر رحمه الله " إن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص..إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة"
4. إن الحرب حالة استثنائية يجوز فيها ما لا يجوز في حالات السلم ولا يجوز الجمود وهذا ما فاقت فيه العقلية الدول العربية مجتمعة.
5.لكل عصر سلاحه الفعال ويجب على المسلمين أن تكون لهم أسلحة متطورة توازي ما لدى الآخرين من الأسلحة ومن صنع أيديهم لتحقيق الاستقلال العسكري قال أبو بكر رضي الله عنه لخالد بن الوليد رضي الله عنه " يا خالد إذ لقيت العدو فقاتلهم بالسلاح الذي يقاتلونك به السهم بالسهم والرمح بالرمح والسيف بالسيف " فالأصل المماثلة في أسلحة المواجهة فإن لم يقدر المسلمون على أسلحة المماثلة فعليهم بإعداد ما يدخل في الاستطاعة والقدرة لقوله تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " ولم يقل الله تعالى أعدوا لأعدائكم مثل ما عند عدوكم من الأسلحة ولو اشترط الله تعالى في إعلان الجهاد والقتال المماثلة في الأسلحة لبطل الجهاد منذ غزوة بدر إلى يومنا هذا. والمجاهد والمقاتل إلا إعداد العدة الممكنة بحسب القدرة والطاقة عليه بما يقدر والاستعانة بالله تعالى ثم بأهل النصرة من المسلمين الأقرب فالأقرب وبدعاء الضعفاء من عباده الصالحين وليس من شروطا المواجهة المماثلة في نوعية السلاح ولكن إذا حقق المسلمون المماثلة أو ما فوقها فهو أمر مطلوب شرعا.
6. إن الأصل جواز قتل العدو وقتله بكل سلاح ما دام ذلك في حالة حرب قبل استسلامه أو إلقاء القبض عليه. ولأن النصوص الشرعية لم تحدد آلة أو وسيلة حربية معينة لاستخدامها ضد العدو دون سواها لقوله تعالى " وقاتلوا في سبيل الله " البقرة 190. وقوله "وقتلوهم حيث ثقفتموهم" البقرة191. مقتضى هذا الإطلاق في القتل والقتال يدل على إباحة كل الأسلحة والوسائل الحربية المؤدية إليهما ما لم يرد نص خاص بتحريم ذلك.
7. ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف فقيس به ما في معناه مما يعم الإهلاك كضرورة حربية ليتوصل المسلمون إلى العدو ولا خلاف في جواز ذلك عند الفقهاء.
8.نص أهل الفقه على جواز مواجهة العدو بما يعم هلاكه عند الضرورة الحربية وهناك من قاس راجمات الطائرات بالمنجنيق وهناك من أجاز شرعا استخدام الرصاص والمدفع عندما ظهرا إلى الوجود ولا بأس بعرض أقوال أهل العلم في ذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم " وإذا تحصن العدو في جبل أو حصن أو خندق، أو بحسك، أو بما يتحصن به، فلا بأس أن يرموا بالمجانيق والعرادات والنيران والعقارب والحيات، وكل من يكرهونه، وأن يبثقوا عليهم الماء ليغرقوهم أو يوحلوهم فيه، وسواء معهم الأطفال والنساء والرهبان أو لم يكونوا لأن الدار غير ممنوعة بإسلام او لا عهد، وكذلك لا بأس أن يحرقوا شجرهم المثمر، ويخربوا عامرهم، وكل لا ما لا روح فيه من أموالهم. فإن قال قائل: ما الحجة فيما وصفت، وفيهم الولدان والنساء المنهي عن قتلهم؟
قيل: الحجة فيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف منجنيقا أو عرّادة، ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أموال بني النضير وحرقها..
قال النووي رحمه الله " يجوز حصار الكفار في البلاد والقلاع وإرسال الماء عليهم ورميهم بنار ومنجنيق وتبيتهم في غفلة " كما في منهاج الطالبين.
وقال الخطيب الشربيني في مغنى المحتاج "...وما في معنى ذلك من هدم بيوتهم وقطع بيوتهم وقطع الماء عنهم وإلقاء حيات أو عقارب عليهم ولو كان فيهم نساء وصبيان لقوله تعالى " وخذوهم واحصروهم"التوبة5. وقال أيضا " يجوز نصب المنجنيق عليهم ورميهم بالنار وإرسال الماء عليهم وان كان فيهم نساء وصبيان منهم فان كان فيهم مسلم أسير أو تاجر أو مستأمن كره إن لم تكن ضرورة وإلا لم يكره على المذهب"
وقال الماوردي في الحاوي "يجوز أن يلقى عليهم (أي العدو) الحيات والعقارب ويفعل بهم جميع ما يفضي إلى إهلاكهم". وقال الصنعاني رحمه الله المتوفي سنة 1767م في حكم المدفع " يجوز قتل الكفار إذا تحصنوا - بالمنجنيق - ويقاس عليه غيره من المدافع وغيرها " وقال الإمام الشوكاني رحمه الله المتوفي سنة 1834م في شأن الأسلحة التي لا تفرق بين من يجوز قتله ومن لا يجوز قتله إلا عند الضرورة "...كالرمي بالمنجنيق والمدافع وما يُشبه ذلك". وقال الإمام ابن عابدين المتوفي 1836م في حاشيته في شأن المنجنيق والمدافع الحادثة في عصره " هي آلة - المنجنيق - ترمى بها الحجارة الكبار قلت وقد تُركت اليوم للاستغناء عنها بالمدافع الحادثة " وقال في شأن النبل والرصاص الحادث في عصره "....كرصاص وقد استغنى به عن النبل في زماننا " والحاصل جواز الاستغناء بالأسلحة الحديثة عن الأسلحة القديمة التي ما عاد لها تأثير في حسم المعارك لأن المقصود كبت العدو وكسر شوكته وردعه بالأسلحة التي تحقق الغرض.
9. وقالوا لو قيل بمنع الإحراق والإغراق والرمي بالسهام المسمومة لمنع استخدام الآلات الحربية الحديثة من طائرات ودبابات ومدافع وأسلحة فتاكة والقاعدة الذهبية تقول إذا أردت السلم فتستعد للحرب والاستعداد يقتضى إعداد الأسلحة المقدور عليها او المماثلة أو ما يفوق ما عند الخصوم والأعداء لحصول ما يسمى بتوازن الرعب والردع والتدمير المتبادل..
10. قالوا لو امتنع المسلمون من استخدام ما يستعمله العدو ضدهم لكان هذا انتحارا محرما بنص القرآن " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " البقرة195. والاستسلام دون مواجهة إنما هو ضرب من الذلة والله تعالى يقول " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " المنافقون8.
11. وقالوا يجوز امتلاك الأسلحة النووية ولكن يحرم استخدامها إلا بقيود بالغة صارمة:
أ. أن يكون الحسم بالأسلحة التقليدية متعذرا وأن يكون الأعداء هم أول من استخدمها ضدنا.
ب. أن تكون الضرورة ملحة حفاظا على كيان الدولة ووجودها.
ج. أن يكون استخدام هذا السلاح النووي من قبيل المعاملة بالمثل جزاء وفاقا.
*تلك مجمل أدلة المانعين والمجيزين لامتلاك الأسلحة النووية أو أسلحة الدمار الشامل ويرى البعض عدم جواز استخدامها ويجوز امتلاكها والتدرب عليها والتحكم فيها والتامين عليها حتى لا يعبث بها عابث أو تتعرض مفاعيلها إلى تسربات إشعاعية تهدد الإنسان والحيوان والبيئة ومثل هذه النازلة تحتاج إلى اجتهاد جماعي يُشارك فيه معظم علماء العصر المشهود لهم بالعلم والصلاح والاستقلالية من مختلف الطوائف والمذاهب الفقهية المعتبرة في العالم الإسلامي من اجل الخروج بحكم شرعي يضع النقاط على الحروف. بقي الآن طرح جملة من الأسئلة لتتضح الرؤية هل من حق كل دولة عربية أو إسلامية أن يكون لها أسلحة دمار شامل خاصة بها؟ أم يجب أن تتضافر الجهود العلمية من سائر الدول العربية والإسلامية من أجل الحصول على أسلحة دمار شامل موحدة لا تستخدم إلا بإجماع الدول العربية والإسلامية بالشروط السابق ذكرها وهذا تحدي حقيقي يجب رفعه. وعسى أن يكون ذلك قريبا لأن المسالة لا تتحمل التأخير لاسيما وهناك أصوات علمية مرموقة في العالم الغربي أخذت تُحذر من مخاطر الطاقة النووية لأغراض سلمية لاسيما بعد كارثة فوكوشيما. فكيف بامتلاكها لأغراض عسكرية؟.................(الشيخ علي بن حاج الجزائري)
 
رد: أحكام الشريعة الإسلامية حول استخدام أسلحة التدمير الشامل... بحوث فقهية أصولية متعددة.

http://www.saaid.net/Doat/alsharef/57.htm







أسلحة الدمار الشامل بين المنع والوجوب




محمد بن شاكر الشريف

السلاح اسم جامع لآلة الحرب، حتى يدخل فيه العصا والحجر، والحرب بين الناس كانت وما زالت، ولن تنتهي ما دامت الحياة، فالشيطان عدو لبني آدم وهو يؤزهم إلى الباطل أزا، والمواجهة بين الحق والباطل مستمرة، والباطل يستخدم ما يتاح له من الوسائل في سبيل هزيمة الحق، وهو لا يتورع عن شيء منها يرى فيه تحقيقا لهدفه.
كانت الأسلحة المستخدمة قديما محدودة من حيث قدرتها على القتل ومن حيث امتداد تأثيرها بعد استخدامها، فكان السيف وهو السلاح الذي يعتمد على المواجهة بين المتقاتلين، وهو سلاح لا يقتل بضربة واحدة إلا فردا فردا ولا يقتل جماعة، وكانت الحربة والسهم وهو سلاح لا يعتمد على المواجهة، ويمكن له أن يحقق أثره ولو على البعد، لكنه بعد محدود، وكان المنجنيق وهو الآلة المعدة لقذف بعض الأحجار ونحوها على البعد التي يمكن أن تهدم بعض البنيان أو تحدث فيه فجوة، وأما المركبات العسكرية التي تستخدم في القتال فكان أقواها وأمضاها الخيل، وما زال السلاح يتطور وينتقل من طور إلى طور حتى ظهرت الأنواع المتعددة من الأسلحة ذات الإمكانات المختلفة من حيث القدرة على الإصابة الدقيقة، ومن حيث القوة التدميرية الهائلة، ومن حيث مدى الرمي المديد جدا، فظهرت البندقية والمدفع والصاروخ والدبابة والطائرة والسفن الحربية ذات الطرازات المتعددة، وقد ظهر في العقود الأخيرة أخطر ما يمكن تصوره من الأسلحة، وهي التي توصف بأسلحة الدمار الشامل، ويظهر من اسمها أنها أسلحة تعتمد التخريب والتدمير الممتد بلا ضوابط أو حدود تقريبا، ويشمل تخريبها وتدميرها للبيئة كلها بجميع مكوناتها من الإنسان والحيوان والنبات والهواء والماء والتربة، وهي أنواع متعددة، يجمعها ويؤلف بينها ذلك الوصف المتقدم.

أنواع أسلحة الدمار الشامل: هناك ثلاثة مجموعات من هذه الأسلحة:

1- أسلحة نووية : انشطارية (القنبلة الذرية)، اندماجية (القنبلة الهيدروجينية أو النووية الحرارية)، نووية تجميعية (القنابل ذو الانشطار المصوب)، داريولوجية (القنبلة الإشعاعية "القذرة")

2- أسلحة كيميائية : تعتمد هذه الأسلحة على استخدام الغازات السامة بمختلف أنواعها، أو الغازات التي تسبب الاختناق وتمنع وصول الهواء إلى الرئتين، ومن تلك الأسلحة الكيميائية غاز vx وهو غاز الأعصاب، وغاز الخردل، وغاز الفوسجين، وغاز الكلور، وغاز السارين وغاز السيانيد، والجمرة الخبيثة، والفوسفور

3- أسلحة بيولوجية أو جرثومية، وتكون إما بكتيريا أو فيروسات أو خمائر .وتعتمد هذه الأسلحة على نشر الأمراض الفتاكة كأمراض الطاعون والجدري والكوليرا وغير ذلك، ونشر الفيروسات والبكتريا في التجمعات عن طريق وضعها في الأطعمة أو مياه الشرب أو الأغطية التي يستعملها الناس ونشرها على أوسع نطاق بوسائل متعددة كاستخدام الحيوانات والحشرات الحية والنافقة التي تنقل العدوى كالفئران والبراغيت الحاملة للطاعون والكوليرا، وقد صارت كل هذه الأوبئة تعد وتجمع فيما يعرف بالقنبلة البيولوجية ثم تلقى على الأعداء لنشر الأوبئة والأمراض
وكل هذه الأسلحة بفروعها الثلاث قد استخدم في الحروب في القديم والحديث بدءا من الأسلحة البيولوجية ومرورا بالأسلحة الكيميائية وانتهاء بالأسلحة النووية

خصائص أسلحة الدمار الشامل:

تتميز هذه الأسلحة بعدة خصائص تميزها عما سواها، فمن ذلك:
1- ليس لها سلاح مضاد يمنع تأثيرها أو يبطل أثرها، فالطائرة مثلا لها مضادات جوية وهي طائرة مثلها، ولها مضادات أرضية كالمدافع المضادة للطائرات والصواريخ وهكذا، أما أسلحة الدمار الشامل فليس هناك سلاح يمنع تأثيرها أو يبطل أثرها
2- التأثير الشديد على البيئة: تؤثر أسلحة الدمار الشامل على البيئة كلها سواء الإنسان أو الحيوان أو الزرع أو الهواء تأثيرا شديدا، كل ذلك في آن واحد، ولا يقتصر أثرها على مكون من مكونات البيئة كالإنسان مثلا.
3- امتداد التأثير زمنيا: لا يقتصر أثر تلك الأسلحة على الفترة الزمنية التي استخدم فيها السلاح أو قريبا منها، بل قد يمتد أثره إلى عدة عقود تالية لاستخدامه حتى إنه يشمل أجيالا لم تكن مخلوقة زمن استخدامها
4- القوة التدميرية الهائلة التي تفوق الخيال: فلهذه الأسلحة قدرة فائقة على التدمير، فلا يقتصر أثرها على إحداث بعض الإصابات التي يسهل علاجها في بعض المجالات، بل تتعدى ذلك إلى التدمير الكلي أو قريبا منه سواء للإنسان أو الحيوان أو الزرع أو التربية أو الهواء
5- المساحة التدميرية الضخمة: السلاح العادي مهما بلغت قوته التدميرية لا يتعدى مساحة محدودة، بينما مساحة التدمير والخراب التي توجدها أسلحة الدمار الشامل مساحة واسعة جدا تبتلع حجم مدينة ، (وإن وجدت محاولات لإيجاد طرازات من هذه الأسلحة يكون تأثيره محدودا بمساحة أقل، لكنه يبقى مع ذلك أكثر بكثير جدا من المساحة التي تتأثر بالأسلحة التقليدية).
ويترتب على العاملين الأخيرين زيادة حجم الإصابة والدمار بدرجة عالية، حتى إنها تشمل الكثيرين من المحاربين وغير المحاربين ومن الموجودات جميعها
6- الأمراض الفتاكة التي تبقى مع المصابين في تلك المعارك (سواء كانوا من الجنود أو من غيرهم) ، بعد نهايتها، وإلى نهاية حياة المصاب في غالب الأحيان.
لكل هذه الأسباب وغيرها وخاصة بعد التدميرات غير المسبوقة نتيجة لضرب مدينتي نجازاكي وهيروشيما اليابانيتين بالقنابل النووية من الجيش الأمريكي-التي ترتب عليها قتل عدد ضخم يتجاوز الثلاثمائة ألف قتل منهم مائة ألف في الحال، وكذلك تفجيرات التجارب النووية المتعددة- عُملت معاهدات للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل رغبة في حظرها وعدم انتشارها، (وقع عليها أكثر الدول)، فأقدمت القوى الدولية على إبرام اتفاقية لحظر انتشار الأسلحة النووية في عام 1975م أعقبتها اتفاقيات لحظر الأسلحة البيولوجية والأسلحة الكيميائية، وجرى بعد ذلك التضييق الشديد على أية دولة تتجه لإنتاج هذه الأسلحة، (خاصة من لا يسير في فلك أمريكا والغرب)، ووصل الأمر إلى التهديد بشن الحرب على من لا يلتزمون بذلك وشنها بالفعل، وقد اتخذ الحديث عن أسلحة الدمار الشامل مطية لشن الحرب على العراق وما ترتب عليها من مآسي ومخازي، حتى إنهم ليستخدمون أسلحة الدمار الشامل التي لديهم في ضرب أعدائهم بزعم منعهم من امتلاكها واستخدامها، ورغم قيام أمريكا وحلفائها بالعدوان على بعض الدول بتهمة محاولتها امتلاك أسلحة الدمار الشامل إلا أنها ما زالت تمتلك هي هذه الأسلحة ولم تتخلص منها بل تسعى في تطويرها وما زالت الأبحاث قائمة فيها على قدم وساق وترصد لها الميزانيات الضخمة، لتحقيق ذلك وإنتاج أنواع منها أكثر تقدما.

فأسلحة الدمار الشامل تهدف إلى القتل والتخريب والدمار بأقصى قوة تدميرية ممكنة لأن الهدف هو غلبة الخصم بأي ثمن بغض النظر عن أي شيء آخر، وهذه هي منجزات الحضارات الوثنية أو حضارة الرسالات المحرفة، بينما الهدف من الجهاد في الإسلام هو هداية الناس ونقلهم من الظلمات والضلال إلى النور والهداية، والقتل في ذاته ليس هدفا، وإنما هو من ضمن وسائل تحقيق الهدف، قال الله تعالى في بيان أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للهداية والرحمة وليست للتخريب والتدمير: "كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور"، وقال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يوصي أحد قواده (علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه) الذاهبين إلى القتال مبينا أن هداية الناس وإدخالهم في دين الله أعظم من كل انتصار مادي على الكفار: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم"[1].

لذا فإن التخطيط الإسلامي لا يعتمد الرغبة في القتل بأي ثمن ومن غير ضوابط، ومن ثم فإن بالإمكان الزعم أن أسلحة الدمار الشامل غير مرغوب فيها إسلاميا لما تعتمده من الفتك والفساد الذي يعاني منه البشر والحيوان والنبات والبيئة، ولا يقتصر على الجنود في ميادين القتال، حيث يعم القتل من هو من أهل القتال ممن يجوز قصدهم بالقتل، وغيرهم ممن ليس من أهل القتال كالنساء والصبيان ومن في حكمهم ممن لا يجوز قصدهم بالقتل، ومما يستدل به لما تقدم من منع استخدام هذا النوع من الأسلحة قوله تعالى: "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"، فكان الإهلاك الذي يعم الحرث والنسل من الإفساد في الأرض والله لا يحب الفساد، ولأن عمارة الأرض مقصد شرعي وهذا السلاح على الضد من عمارة الأرض، ولأن القتال في الإسلام مخصوص بالمقاتلين ومن في حكمهم وهذا السلاح يعم الجميع الإنسان والحيوان والنبات والبيئة.
فالسلاح الذي يعم ضرره بحيث يصيب من هو من أهل القتال ومن ليس من أهله لا يجوز استعماله إلا في حالات الضرورة، المنضبطة بضوابط الشريعة، لكن الضرورة تقدر بقدرها فلا ينبغي تجاوزها كما ولا كيفا ولا موضعا

الغرض من امتلاك القوة:

الإنسان ظلوم جهول، قد يمتلك القوة في أول أمره ليحافظ بها على نقسه وما ملكت يداه، فإذا شعر بالقوة والقدرة على فعل ما يريد من غير أن يدفع ثمنا باهظا مقابل ذلك بادر بفعله ولو ظلما أو قتلا للآخرين، والحروب الكثيرة التي دارت بين الناس في قديم الزمن وحديثه كثير منها دليل على تلك الجملة السابقة، والإنسان لا يتخلص من طبيعته الظالمة الجاهلة، إلا بشيء خارج عنه من قوة مكافئة تخيفه من سوء فعله، أو قانون رادع أو خلق يمليه عليه دين أو عقيدة، لذلك تعمد كل القوى الشريرة في العالم على تطوير قدراتها القتالية حتى تتمكن من العلو بالباطل والاستطالة على الآخرين وفرض إرادتهم عليهم.
لكن القوة في شريعة رب العالمين التي أمر المسلمون بإعدادها لم يرد منها مثل هذه الغايات الظالمة، بل يراد منها على الصعيد الخارجي أمران: أولا: الدفاع عن دار الإسلام بما تحويه من الناس والموجودات، ثانيا: العمل على إزالة كل كيان يفرض نفسه على الناس ويحكم فيهم بغير شريعة رب الناس خالقهم ورازقهم ومميتهم ومحييهم، كما قال تعالى: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"، فالقتال له غاية ينتهي إليها: ألا يفتن مسلم عن دينه، وأن يكون الدين أي الطاعة كلها لله تعالى، فليس لأحد كائنا من كان الحق في الحكم والولاية على الناس بغير شرع الله تعالى، ثم من شاء بعد ذلك من الكفار والمشركين أن يؤمن آمن وصار من المسلمين له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، ومن شاء أن يبقى على كفره بقي ولم يجبر على ترك دينه، وكانت له ذمة الله وذمة رسوله ما دام وفيا محافظا على عهده ولم ينقضه.
ومن أجل هذه المهام العظيمة والغايات الحميدة التي أنيطت بالقوة في شريعة رب العالمين فإن الشريعة حضت على الإعداد للقوة بكل ما يستطاع والاستعداد للمواجهة، لكن من غير اعتداء ولا عدوان فإن الله لا يحب المعتدين، قال الله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم"، فالقوة المطلوب إعدادها تبلغ غاية الاستطاعة حتى يكون منها التخويف والزجر والردع لأعداء الله والمسلمين، يقول ابن جرير الطبري في تفسيره: "ما أطقتم أن تعدّوه لهم من الآلات التي تكون قوة لكم عليهم"، وقال ابن كثير: "أمر تعالى بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والإمكان والاستطاعة، فقال: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ" أي: مهما أمكنكم،"مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ"، لكن إعداد ما يستطاع من قوة السلاح لا يقتضي استعماله في كل حال، وأمرت بالثبات في مواطن النزال قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون" [الأنفال: 45]،ونهت أشد النهي عن التولي في الزحف والنكوص على الأعقاب والتراجع عن ملاقاة الأعداء قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير" [الأنفال 15-16]، وعدت التولي من أكبر الكبائر التي يقع فيها المسلم، فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما: "اجتنبوا السبع الموبقات" وعد منها: "والتولي يوم الزحف"[2]
ومن ثم فإن صناعة وإنتاج الأسلحة التي تردع العدو وتخيفه وتزجره وتلقي في نفسه الوهن ومنها أسلحة الدمار الشامل ذات القوة الفائقة في التدمير، ينبغي أن تكون من أولويات الصناعة العسكرية لدى المسلمين ما دام العدو ينتج هذه الأسلحة، لكن لا ينبغي استعمالها ضد الأعداء إلا على سبيل المعاملة بالمثل، كما قال تعالى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها" وقال: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"، وقال تعالى: "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"، وهنا نجد في تلك النصوص وضوح التماثل في معاملة المعتدين فمن اعتدى علينا جاز لنا أن نعاقبه بمثل عدوانه، ولا شك أن امتلاك هذا النوع من الأسلحة يمثل إحدى الضمانات التي تمنع العدو من استخدامها لأنها تحدث توازنا بين الطرفين حيث يشعر الطرف المعتدي أنه ليس بمنأى عن العقوبة والمعاملة بالمثل في حين أن عدم امتلاكها سوف يجعل من لا يمتلكها في الموقف الأضعف في مواجهة المالك لها، ومن ثم يرضخ له ويبتز من قبله، ولعل ذلك يفسر الحرص الشديد لمحاربة الدول المنتجة لهذه الأسلحة لكل من يحاول إنتاج هذه الأسلحة
والسلاح يراد منه في الجهاد كسر شوكة الكفار من أجل إعلاء كلمة الله تعالى، لا يراد منه الإبادة الجماعية أو العلو في الأرض بالباطل، أو مغنما دنيويا، بعكس ما يقوم به العالم الغربي حيث يهدف من أسلحة الدمار الشامل الإبادة الإنسانية التي تلقي الذعر والرعب في القلوب من أجل العلو والإفساد في الأرض، وانتهاب خيرات البلاد وثرواتها، وإرغام البلاد على التخلي عن عقيدنها وثوابتها ومتابعتها في نموذجها الثقافي والحياتي.

ونجد في نصوص شريعتنا ما يدل على أصول كبيرة في هذه المسألة نذكر منها:

1-إعداد العدة الملائمة والمكافئة من تدريب وسلاح وصناعة لنشر الحق وإزهاق الباطل أو إضعافه.
2-القتال لكسر شوكة الباطل وتقوية أهل الحق وليس للإبادة أو القتل الجماعي
3-المعاملة بالمثل عقابا لتطاول الكفار على المسلمين
4-الوفاء بالمعاهدات التي يعقدها المسلمون وترك الخيانة فيها
وانطلاقا من ذلك فإنه لا يجوز للمسلمين القبول بالامتناع عن امتلاك أنواع معينة من السلاح أو الامتناع عن تصنيعها وإنتاجها، سواء كانت من أسلحة الدمار الشامل أو غيره ما دامت هذه الأسلحة مملوكة لدول غير إسلامية، ولا يجوز التوقيع على معاهدات أو اتفاقات تحظر على المسلمين تملك أي نوع من السلاح الذي يتمكنون به من ردع العدو وإرهابه، ما دام هناك من يملك هذه الأسلحة وبنتجها ويعمل على تطويرها وإنتاج أنواع متعددة منها، فالقبول بمثل تلك المعاهدات على الصفة المتقدمة يجعل من الدول الإسلامية دولا غير قادرة على التصدي الحقيقي للدول التي تمتلك هذا النوع من الأسلحة، ويجعلها عرضة للابتزاز والاستغلال، كما أن فيه مخالفة للأمر بإعداد غاية ما يستطاع من القوة.

وإذا قدر أنه أمكن الاتفاق على منع تملك هذه الأسلحة وإنتاجها من جميع الدول، فإنه يجوز للمسلمين الموافقة على ذلك، وذلك بشروط:

أ-موافقة الدول جميعها على عدم إنتاجها أو تملكها.
ب-قيام الدول التي تمتلك مخزونا من هذه الأسلحة بالتخلص منها في مدة زمنية محددة تحت رقابة حقيقية.
ج-الامتناع عن إنتاج هذه الأسلحة أو السعي في تطويرها أو تملكها
د- وجود آلية للتحقق من تحقيق ذلك.
هـ- وجود آلية لإجبار الدول جميعها على الالتزام بما تقرر سابقا من غير أن يستثنى دولة من ذلك.

وإذا جاز للمسلمين أن يتفقوا على وضع الحرب بجميع أنواع الأسلحة بينهم وبين الكفار أمدا معلوما إذا احتاجوا لذلك كما في صلح الحديبية، فإنه يجوز باستخدام الدليل نفسه الاتفاق على ترك استخدام أسلحة التدمير الشامل، في الحروب التي تنشأ بين المسلمين والكفار وفق ما ذكر أعلاه من الشروط
اللهم ألهم المسلمين رشدهم ووفقهم لطاعتك وانصرهم عل عدوهم


------------------------
[1] أخرجه البخاري ومسلم
[2] أخرجه البخاري ومسلم








 
رد: أحكام الشريعة الإسلامية حول استخدام أسلحة التدمير الشامل... بحوث فقهية أصولية متعددة.

#حكم أسلحة الإبادة والتدمير الشامل#

#حكم أسلحة الإبادة والتدمير الشامل#

#حكم أسلحة الإبادة والتدمير الشامل#

#حكم أسلحة الإبادة والتدمير الشامل#
 
رد: أحكام الشريعة الإسلامية حول استخدام أسلحة التدمير الشامل... بحوث فقهية أصولية متعددة.

تشكر أخي على طرح هذا الموضوع

للأسف الروابط في الموضوع الأساسي كلها محجوبة، الظاهر أنها لا توافق فكر الحكومة :rolleyes[1]:
لكن الحمد لله أن هناك شيئا يسمى بروكسي :shiny01[1]:
 
رد: أحكام الشريعة الإسلامية حول استخدام أسلحة التدمير الشامل... بحوث فقهية أصولية متعددة.

ينقل للقسم السلامى
 
رد: أحكام الشريعة الإسلامية حول استخدام أسلحة التدمير الشامل... بحوث فقهية أصولية متعددة.

ينقل للقسم السلامى

أخي الكريم الفاضل الموضوع حصري عن أسلحة الردع القصوى وأسلحة الدمار الشامل ومختلف الأسلحة الإستراتيجية وأولويات ترتيب طرق الردع التي تتيحها الشريعة الإسلامية.

فأرجو منك أن تتكرم وتتفضل بتفهم الموضوع وتركه بقسم الدراسات الإستراتيجية.
 
رد: أحكام الشريعة الإسلامية حول استخدام أسلحة التدمير الشامل... بحوث فقهية أصولية متعددة.

لما يبقى عندنا سلاح دمار شامل الاول نبقى نشوف حكم الشريعة
 
رد: أحكام الشريعة الإسلامية حول استخدام أسلحة التدمير الشامل... بحوث فقهية أصولية متعددة.

لما يبقى عندنا سلاح دمار شامل الاول نبقى نشوف حكم الشريعة


معظم الدول الإسلامية تمتلك أسلحة دمار شامل...
بل ولدرجة أنه الجماعات المسلحة الإسلامية الكبرى فهناك كلام منتشر يذهب لتأكيد إمتلاك تنظيم قاعدة الجهاد الأم لمجموعة صغيرة من الأسلحة النووية قام بشرائها خلال فترة التسعينات التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي.
بالطبع فضلا عن المعروف عن باكستان والجزائر ومصر وتركيا وإندونسيا وبنغلاديش وغيرها الكثير من الدول الإسلامية.
 
عودة
أعلى