قصة المخابرات العسكرية الجزائرية من عبد الحفيظ بوصوف إلى محمد مدين بقلم رياض
الحلقة الأولى بقلم رياض الصيداوي
اللواء محمد مدين المكنى بتوفيق
التقدمية – رياض الصيداوي – خاص –
خطأ عبد الحفيظ بوصوف الأكبر تمثل في انحيازه للحكومة الجزائرية المؤقتة ومعارضته لتحالف بن بلا/ هيئة الأركان. هذا الفشل أثبت قانونا سيستمر طيلة العقود القادمة ومفاده أن المخابرات العسكرية في الجزائر لوحدها لا تستطيع الحكم. ستكون ضعيفة إذا ما تخلت عنها هيئة الأركان.
بعد خسارة عبد الحفيظ بوصوف المعركة التي خاضها مع الحكومة المؤقتة ضد تحالف بن بلا وبومدين، وجد رجاله أنفسهم كاليتامى بدون أبيهم الروحي ومنعزلين من النظام الجديد لبضعة أشهر، يعيشون القلق حول مصيرهم السياسي والأمني. كانوا محاصرين منبوذين لبعض الوقت في دولة أحمد بن بلا.. إلى أن اهتم بهم العقيد هواري بومدين وقرر أن يتبناهم ويجعلهم رجاله الأقوياء
ومن ناحيتهم قرروا أن يجعلوا من بومدين زعيمهم الأوحد وأن يكون ولاءهم لشخصه بدون حساب.
عبد الناصر وفتحي الديب لم يفهما كيف تصل الجرأة ببوصوف أن يتجسس على المخابرات المصرية حليفته ويحاول اختراقها في قلب القاهرة بوصوف اغتال عبان رمضان وقال بجرأة لقد أنقذت الثورة
أثناء مفاوضات وقف إطلاق النار مع فرنسا، تم اكتشاف أن المخابرات الفرنسية قد تمكنت فعلا من زرع عملاء لها على أعلى المستويات مكنوها من معرفة الحجم الحقيقي لجيش التحرير الوطني وطبيعة تنظيمه.
صورة أخرى نادرة جدا للجنرال محمد مدين مع العربي بلخير وسيد احمد غزالي
الجنرال “سي توفيق” هو رجل التسعينات بدون منازع. اسمه الحقيقي محمد مدين، يعتبر اللاعب الأول في الأزمة الجزائرية. هو خريج دفعة “السجاد الأحمر” التي أرسلتها الثورة سنة 1958 إلى موسكو ليتدرب على أيد ضباط الكا جي بي. هو إذن يعمل وقف العقيدة السوفياتية في المخابرات حيث درس علوم حبك المؤمرات الوقائية وترويج الشائعات لتفكيك قوة الخصم. مر على يديه 5 رؤساء دول وكثيرا من رؤساء الحكومات ومائات من الوزراء ..وبقي هو في مكانه، لا يزحزحه أحد. اخترق الجميع، أحزابا وصحافة ورجال أعمال. وهندس تاريخ الجزائر المعاصر على طريقته. يتهمه خصومه بكونه المسؤول عن اغتيال محمد بوضياف، وكذلك اغتيال رئيسه السابق قاصدي مرباح، وارتكاب مجازر بن طلحة وغيرها.. والأكثر من ذلك هو الذي أجبر الرئيس اليمين زروال على الاستقالة، وهو الذي فرض الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة على قيادة الجيش ومن ثمة، أوصله إلى قصر “المرادية” ليحكم الجزائر. ويروج خصومه أيضا أنه ينسق كثيرا مع رجال الخفاء الذين يديرون الصراع في الجزائر في الظل. ويشيرون بأصبع الاتهام إلى الجنرال المتقاعد ووزير الدفاع السابق خالد نزار وكذلك الراحل الجنرال العربي بلخير وزير الداخلية السابق ومدير مكتب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
قاصدي مرباح قاصدي مرباح (1938 – 1993 )، اسمه الحقيقي خالف عبد الله
بانيها قاصدي مرباح، القبايلي الموهوب، الرجل الذي أخاف هواري بومدين نفسه بكل جبروته وقوة شخصيته. وهو الرجل الذي كان فوق كل رقابة وبعيد عن كل محاسبة. يعتبر السياسي الوحيد الذي أعلن تمردا علنيا على الرئيس الشاذلي بن جديد حينما عزله من منصب رئيس الوزراء ورفض قراره لمدة ساعات.. وهو الذي تحالف مع محمد بوضياف للقيام بانقلاب ضد قيادة الجيش وقيادة المخابرات العسكرية، تحديدا ضد الجنرال محمد مدين والجنرال محمد العماري. هذا الأخير طبق المثل الشهير “تغدينا بهم قبل أن يتعشوا بنا”. قاصدي مرباح ترك أتباعا كثيرين، شكلوا اليوم تنظيما اسمه “تنظيم الضباط الأحرار”، ينشط في مدريد، ويصدر موقعا على الأنترنت، أصبح المرجع الأول للباحثين في شؤون العسكر والكواليس المخابراتية في الجزائر.
يزيد زرهوني ومحمد مدين
يزيد زرهوني (وزير الداخلية الحالي) لم يبق على رأسها إلا ثلاث سنوات. حيث عمل الرئيس الجديد الشاذلي بن جديد على تفكيكها وإضعافها خوفا من نفوذها الأسطوري. جاء بعده محجوب لكحل عياط وكانت باهتة في عهده، حيث ساعد بن جديد على تفكيك جهاز الأمن العسكري وتقسيمه إلى جهازين. ثم تبعه محمد بتشين، الذي وظف الجهاز لصالح مصالحه الخاصة، فانتقل بيسر من عالم المخابرات إلى عالم المال.
أما مؤسسها الأول فهو عبد الحفيظ بوصوف، واحد من القادة الكبار لجبهة التحرير الوطني الذين فجروا ثورة الفاتح من نوفمبر 1954. وهو عبقري الاتصالات الذي حاول اختراق جهاز المخابرات المصري في قلب القاهرة أثناء حرب التحرير الوطني. وهو الرجل الذي أدخل أجهزة التنصت والإرسال الحديثة إلى جهاز الثورة.
المخابرات العسكرية الجزائرية حكمت ومازالت تحكم الجزائر. نشطت تحت أسماء كثيرة حيث تأسست تحت اسم “جهاز الاستخبارات والارتباط” ثم ألحقت بوزارة التسليح والاتصالات، وشهدت قمة مجدها تحت اسم “الأمن العسكري”، ثم فككها بن جديد خوفا منها وبمساعدة قادة النواحي العسكرية، وضعفت كثيرا في الثمانينات.. إلى أن خرجت كالمارد من القمقم مستفيدة من تهديد الجبهة الإسلامية للإنقاذ للنظام نفسه. فدخلت في معركة حياة أو موت مع “الفيس” تحت قيادة الجنرال محمد مدين المكنى بسي توفيق. وأصبحت تسمى إدارة الاستخبارات والأمن DRS ما يميز قادتها هو الذكاء الشديد، والدهاء السياسي الحاد. هم تقريبا الذين قاموا بتنصيب رؤساء الجزائر المتعاقبين أو إزاحتهم أو ربما حتى اغتيالهم.
عبد الحفيظ بوصوف
مؤسسها الأول عبد الحفيظ بوصوف. عبقري الاتصالات الذي حاول اختراق جهاز المخابرات المصري في قلب القاهرة أثناء حرب التحرير الوطني. بانيها قاصدي مرباح، القبايلي الموهوب، الوحيد الذي أعلن تمردا علنيا على الرئيس الشاذلي بن جديد حينما عزله من منصب رئيس الوزراء ورفض قراره لمدة ساعات.. وهو الذي تحالف مع محمد بوضياف للقيام بانقلاب ضد قيادة الجيش وقيادة المخابرات العسكرية، تحديدا ضد الجنرال محمد مدين والجنرال محمد العماري. هذا الأخير طبق المثل الشهير “تغدينا بهم قبل أن يتعشوا بنا”. قاصدي مرباح ترك أتباعا كثيرين، شكلوا اليوم تنظيما اسمه “تنظيم الضباط الأحرار”، ينشط في مدريد، ويصدر موقعا على الأنترنت، أصبح المرجع الأول للباحثين في شؤون العسكر والكواليس المخابراتية في الجزائر. يزيد زرهوني لم يبق على رأسها إلا ثلاث سنوات. حيث عمل الرئيس الجديد الشاذلي بن جديد على تفكيكها وإضعافها خوفا من نفوذها الأسطوري. جاء بعده محجوب لكحل عياط وكانت باهتة في عهده، ثم تبعه محمد بتشين، الذي وظف الجهاز لصالح مصالحه الخاصة، فانتقل بيسر من عالم المخابرات إلى عالم المال. أما رجل التسعينات بدون منازع فهو الجنرال سي توفيق. اسمه الحقيقي محمد مدين، يعتبر اللاعب الأول في الأزمة الجزائرية. مر على يديه 5 رؤساء دول وكثيرا من رؤساء الحكومات ومئات من الوزراء .. وبقي هو في مكانه، لا يزحزحه أحد. اخترق الجميع، أحزابا وصحافة. وهندس تاريخ الجزائر المعاصر على طريقته.
ما يجمع بين هؤلاء جميعا، هو قوة شخصياتهم الحادة، وذكائهم الخارق رغم قسوتهم الدموية في كثير من الأحيان. اختاروا العمل في الكواليس، يكرهون الأضواء والصحافة ويتمتعون بلعبة فريدة من نوعها في الوطن العربي : هي لعبة تعيين الرؤساء وخلعهم.
عبد الحفيظ بوصوف حتى يواجه رجال الثورة الجزائرية، قادة جيش التحرير الوطني، العمليات المتكررة لاختراقات المخابرات الفرنسية، وتسميمها للعلاقات القائمة بين قادة المناطق العسكرية، ونجاحاتها في زرع بذور الريبة والخوف من بعضهم البعض..وحتى يتخلصون من الخونة ويصفونهم جسديا وكذلك لمواجهة مجموعات مصالي الحاج الذي أسس الحركة الوطنية الجزائرية MNA ، قرر قادة جبهة التحرير الوطني تشكيل تنظيم مخابراتي يواجهون به حرب فرنسا السرية ضدهم ويواجهون به أعداءهم الجزائريين في الداخل. برز رسميا هذا التنظيم سنة 1960 تحت اسم MALG وفي حين كانت مهمته مواجهة فرنسا، فإنه انحرف مبكرا ليصبح أداة في الصراع على السلطة القائم بين مختلف رجال واتجاهات الثورة. عبد الحفيظ بوصوف، المكنى “سي مبروك” عهد إليه قيادة هذا الجهاز.
عبد الحفيظ بوصوف انشغل بالنضال السياسي مبكرا. حيث أوكل إليه منصب رئيس دائرة “حركة انتصار الحريات والديموقراطية” في سكيكدة، ثم في تلمسان (بين سنة 1952-1954). وكان عضوا مؤسسا لمجموعة “22″ سنة 1954. ثم مسؤوؤلا مساعدا للمنطقة الخامسة (وهران) بين سنتي 1954-1956. وعقيدا قائدا للولاية الخامسة بين سنتي 1956-1957. فعضو للجنة التنسيق والتنفيذ بين 1957-1958، فوزيرا على رأس وزارة الارتباطات والاتصلات بين 1958 و1959. ثم وزيرا للتسليح منذ سنة 1960. اختار خندق الحكومة الجزائرية المؤقتة حينما دخلت في صراع مفتوح مع تحالف احمد بن بلا / هواري بومدين قائد هيئة أركان الجيش الجزائري. وحينما خسروا الجولة. تعاطف معه بومدين وأوكل إليه بعض المهمات في الدولة الجزائرية المستقلة.. وسمح له ببعض الأنشطة التجارية.
النشاط الاستخباري المبكر
بدأ بوصوف نشاطه الاستخباراتي مبكرا في المغرب الأقصى في منطقة “الناظور” وذلك بفرضه السرية المطلقة على تحركات مجاهدي جبهة التحرير الوطني لتجنب النشاط التجسسي المتزايد للأجهزة الفرنسية. في سنة 1956 أسس جهازا متميزا تكنولوجيا حيث يقوم بالاتصالات اللاسلكية وكذلك بعمليات التنصت على العدو وفك شفرته. لكنه سرعان ما بدأ في تجاوز صلاحياته، حينما نجح في بناء هيكل بيروقراطي يدين له بالولاء التام. وقام بإشاعة جو من الحذر والرعب المتبادل بين المناضلين والخوف من النقد المباشر.. وقام بعمليات اختطاف للثوار الذين لا يشاركونه في الرأي وبتعذيبهم أو بعمليات إعدام جماعي. لقد أسس ما يشابه دولة داخل جهاز الثورة. ووصلت أصداء أعماله إلى باقي قادة الثورة وخصوصا عبان رمضان الذي أبدى انزعاجه الكبير. أصبح جهاز بوصوف يسمى “جهاز الاستخبارات والارتباط”.
كانت معايير انتقاء رجال هذا الجهاز محددة من قبل بوصوف نفسه. حيث لم يكن التطوع الثوري هو المعيار الأساسي. فقد كان يختارهم بنفسهم ويدربهم على ضرورة طاعة قادتهم المباشرين طاعة عمياء، على عدم الاهتمام بعذاب الآخرين وعلى تقنيات الخداع والمواربة.
اختراق المخابرات المصرية
بومدين وعبد الناصر وفتحي الذيب
من أطرف الأشياء وأغربها ما حاول فعله عبد الحفيظ بوصوف في القاهرة، حيث قام باكتراء مجموعة فيلات للسكن حولها إلى مراكز للتعذيب وإدارة العمليات الاستخباراتية. ولم يسلم منه جهاز المخابرات المصري القوي في عهد عبد الناصر، حيث سعى إلى اختراقه والتجسس على فتحي الديب المكلف بالملف الجزائري. وسرعان ما اكتشفت أجهزة الأمن المصرية ذلك وهو ما أثار غضبا شديدا لدى قادتها. ذلك أنها ساعدت وتساعد الثورة الجزائرية ولم تبخل عليها بأي شيئ، فكيف يحاول أحد قادتها اختراق أصدقائها. هذه الرواية أوردها فتحي الديب في كتابه عبد الناصر وثورة الجزائر. وهي رواية تحمل في الواقع إعجابا مبطنا بجسارة وجرأة عبد الحفيظ بوصوف التي فاقت كل حدود.
بعثة إلى الكا جي بي
حدث هام وجديد لرجال بوصوف تمثل في قبول أشهر جهاز مخابرات في العالم “الكا جي بي” مجموعة عناصر من رجال بوصوف لتكوينهم تكوينا خاصا في موسكو وذلك منذ سنة 1958. لقد تدربوا على أعمال جديدة مثل تنظيم عمليات استفزاز الخصم، أو حبك المؤامرات الوقائية لتدميره. هذه الدفعة التي تكونت في الاتحاد السوفياتي أطلق عليها “السجاد الأحمر” كرمز سري. وبرزت “مواهب” هذه الدفعة منذ الاستقلال. أشهر ضابط تخرج من هذه الدفعة هو الجنرال محمد مدين المكنى بسي توفيق القائد الحالي للمخابرات الجزائرية.
يعتقد المؤرخ الجزائري محمد حربي أن هؤلاء الرجال جاء أغلبهم من الطبقة المتوسطة أو من أبناء البرجوازية الجزائرية الذين انقطعوا عن التعليم والتحقوا بالثورة.
تمكن بوصوف من التأثير الكبير على رجاله وجعلهم يرتبطون به شخصيا حيث أصبح زعيمهم الكاريزمي بدون منازع. وفي الآن نفسه بدأ الخوف والانزعاج ينتشر بين صفوف المقاتلين تجاه جهاز “سي مبروك”. حيث سرعان ما سيتوسع أسلوب بوصوف في العمل الاستخباراتي عندما تم تعيينه على رأس وزارة التسليح والارتباطات العامة والاتصالات في شهر يناير 1960. لكن قوته في الواقع لم تتجاوز جيش الحدود، أي جيش التحرير الوطني المرابط على الحدود التونسية شرقا والحدود المغربية غربا والبعثات الجزائرية في الخارج. حيث بقي نفوذه ضعيفا في ولايات الداخل المتميزة باستقلالها النسبي عن قيادة الأركان.
لقد اختلف الجزائريون في تقييم بوصوف. فالبعض يعتقد أنه أنقذ الثورة دائما من اختراقات العدو والبعض الآخر يرى أن نجاحه يكمن فقط في قمع الثوار المعارضين لنهجه. ويذكرون أنه في أثناء مفاوضات وقف إطلاق النار مع فرنسا، تم اكتشاف أن المخابرات الفرنسية قد تمكنت فعلا من زرع عملاء لها على أعلى المستويات مكنوها من معرفة الحجم الحقيقي لجيش التحرير الوطني وطبيعة تنظيمه.
قصة المخابرات العسكرية الجزائرية من عبد الحفيظ بوصوف إلى محمد مدين الحلقة الأولى بقلم رياض الصيداوي – taqadoumiya
الحلقة الأولى بقلم رياض الصيداوي
اللواء محمد مدين المكنى بتوفيق
التقدمية – رياض الصيداوي – خاص –
خطأ عبد الحفيظ بوصوف الأكبر تمثل في انحيازه للحكومة الجزائرية المؤقتة ومعارضته لتحالف بن بلا/ هيئة الأركان. هذا الفشل أثبت قانونا سيستمر طيلة العقود القادمة ومفاده أن المخابرات العسكرية في الجزائر لوحدها لا تستطيع الحكم. ستكون ضعيفة إذا ما تخلت عنها هيئة الأركان.
بعد خسارة عبد الحفيظ بوصوف المعركة التي خاضها مع الحكومة المؤقتة ضد تحالف بن بلا وبومدين، وجد رجاله أنفسهم كاليتامى بدون أبيهم الروحي ومنعزلين من النظام الجديد لبضعة أشهر، يعيشون القلق حول مصيرهم السياسي والأمني. كانوا محاصرين منبوذين لبعض الوقت في دولة أحمد بن بلا.. إلى أن اهتم بهم العقيد هواري بومدين وقرر أن يتبناهم ويجعلهم رجاله الأقوياء
ومن ناحيتهم قرروا أن يجعلوا من بومدين زعيمهم الأوحد وأن يكون ولاءهم لشخصه بدون حساب.
عبد الناصر وفتحي الديب لم يفهما كيف تصل الجرأة ببوصوف أن يتجسس على المخابرات المصرية حليفته ويحاول اختراقها في قلب القاهرة بوصوف اغتال عبان رمضان وقال بجرأة لقد أنقذت الثورة
أثناء مفاوضات وقف إطلاق النار مع فرنسا، تم اكتشاف أن المخابرات الفرنسية قد تمكنت فعلا من زرع عملاء لها على أعلى المستويات مكنوها من معرفة الحجم الحقيقي لجيش التحرير الوطني وطبيعة تنظيمه.
صورة أخرى نادرة جدا للجنرال محمد مدين مع العربي بلخير وسيد احمد غزالي
الجنرال “سي توفيق” هو رجل التسعينات بدون منازع. اسمه الحقيقي محمد مدين، يعتبر اللاعب الأول في الأزمة الجزائرية. هو خريج دفعة “السجاد الأحمر” التي أرسلتها الثورة سنة 1958 إلى موسكو ليتدرب على أيد ضباط الكا جي بي. هو إذن يعمل وقف العقيدة السوفياتية في المخابرات حيث درس علوم حبك المؤمرات الوقائية وترويج الشائعات لتفكيك قوة الخصم. مر على يديه 5 رؤساء دول وكثيرا من رؤساء الحكومات ومائات من الوزراء ..وبقي هو في مكانه، لا يزحزحه أحد. اخترق الجميع، أحزابا وصحافة ورجال أعمال. وهندس تاريخ الجزائر المعاصر على طريقته. يتهمه خصومه بكونه المسؤول عن اغتيال محمد بوضياف، وكذلك اغتيال رئيسه السابق قاصدي مرباح، وارتكاب مجازر بن طلحة وغيرها.. والأكثر من ذلك هو الذي أجبر الرئيس اليمين زروال على الاستقالة، وهو الذي فرض الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة على قيادة الجيش ومن ثمة، أوصله إلى قصر “المرادية” ليحكم الجزائر. ويروج خصومه أيضا أنه ينسق كثيرا مع رجال الخفاء الذين يديرون الصراع في الجزائر في الظل. ويشيرون بأصبع الاتهام إلى الجنرال المتقاعد ووزير الدفاع السابق خالد نزار وكذلك الراحل الجنرال العربي بلخير وزير الداخلية السابق ومدير مكتب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
قاصدي مرباح قاصدي مرباح (1938 – 1993 )، اسمه الحقيقي خالف عبد الله
بانيها قاصدي مرباح، القبايلي الموهوب، الرجل الذي أخاف هواري بومدين نفسه بكل جبروته وقوة شخصيته. وهو الرجل الذي كان فوق كل رقابة وبعيد عن كل محاسبة. يعتبر السياسي الوحيد الذي أعلن تمردا علنيا على الرئيس الشاذلي بن جديد حينما عزله من منصب رئيس الوزراء ورفض قراره لمدة ساعات.. وهو الذي تحالف مع محمد بوضياف للقيام بانقلاب ضد قيادة الجيش وقيادة المخابرات العسكرية، تحديدا ضد الجنرال محمد مدين والجنرال محمد العماري. هذا الأخير طبق المثل الشهير “تغدينا بهم قبل أن يتعشوا بنا”. قاصدي مرباح ترك أتباعا كثيرين، شكلوا اليوم تنظيما اسمه “تنظيم الضباط الأحرار”، ينشط في مدريد، ويصدر موقعا على الأنترنت، أصبح المرجع الأول للباحثين في شؤون العسكر والكواليس المخابراتية في الجزائر.
يزيد زرهوني ومحمد مدين
يزيد زرهوني (وزير الداخلية الحالي) لم يبق على رأسها إلا ثلاث سنوات. حيث عمل الرئيس الجديد الشاذلي بن جديد على تفكيكها وإضعافها خوفا من نفوذها الأسطوري. جاء بعده محجوب لكحل عياط وكانت باهتة في عهده، حيث ساعد بن جديد على تفكيك جهاز الأمن العسكري وتقسيمه إلى جهازين. ثم تبعه محمد بتشين، الذي وظف الجهاز لصالح مصالحه الخاصة، فانتقل بيسر من عالم المخابرات إلى عالم المال.
أما مؤسسها الأول فهو عبد الحفيظ بوصوف، واحد من القادة الكبار لجبهة التحرير الوطني الذين فجروا ثورة الفاتح من نوفمبر 1954. وهو عبقري الاتصالات الذي حاول اختراق جهاز المخابرات المصري في قلب القاهرة أثناء حرب التحرير الوطني. وهو الرجل الذي أدخل أجهزة التنصت والإرسال الحديثة إلى جهاز الثورة.
المخابرات العسكرية الجزائرية حكمت ومازالت تحكم الجزائر. نشطت تحت أسماء كثيرة حيث تأسست تحت اسم “جهاز الاستخبارات والارتباط” ثم ألحقت بوزارة التسليح والاتصالات، وشهدت قمة مجدها تحت اسم “الأمن العسكري”، ثم فككها بن جديد خوفا منها وبمساعدة قادة النواحي العسكرية، وضعفت كثيرا في الثمانينات.. إلى أن خرجت كالمارد من القمقم مستفيدة من تهديد الجبهة الإسلامية للإنقاذ للنظام نفسه. فدخلت في معركة حياة أو موت مع “الفيس” تحت قيادة الجنرال محمد مدين المكنى بسي توفيق. وأصبحت تسمى إدارة الاستخبارات والأمن DRS ما يميز قادتها هو الذكاء الشديد، والدهاء السياسي الحاد. هم تقريبا الذين قاموا بتنصيب رؤساء الجزائر المتعاقبين أو إزاحتهم أو ربما حتى اغتيالهم.
عبد الحفيظ بوصوف
مؤسسها الأول عبد الحفيظ بوصوف. عبقري الاتصالات الذي حاول اختراق جهاز المخابرات المصري في قلب القاهرة أثناء حرب التحرير الوطني. بانيها قاصدي مرباح، القبايلي الموهوب، الوحيد الذي أعلن تمردا علنيا على الرئيس الشاذلي بن جديد حينما عزله من منصب رئيس الوزراء ورفض قراره لمدة ساعات.. وهو الذي تحالف مع محمد بوضياف للقيام بانقلاب ضد قيادة الجيش وقيادة المخابرات العسكرية، تحديدا ضد الجنرال محمد مدين والجنرال محمد العماري. هذا الأخير طبق المثل الشهير “تغدينا بهم قبل أن يتعشوا بنا”. قاصدي مرباح ترك أتباعا كثيرين، شكلوا اليوم تنظيما اسمه “تنظيم الضباط الأحرار”، ينشط في مدريد، ويصدر موقعا على الأنترنت، أصبح المرجع الأول للباحثين في شؤون العسكر والكواليس المخابراتية في الجزائر. يزيد زرهوني لم يبق على رأسها إلا ثلاث سنوات. حيث عمل الرئيس الجديد الشاذلي بن جديد على تفكيكها وإضعافها خوفا من نفوذها الأسطوري. جاء بعده محجوب لكحل عياط وكانت باهتة في عهده، ثم تبعه محمد بتشين، الذي وظف الجهاز لصالح مصالحه الخاصة، فانتقل بيسر من عالم المخابرات إلى عالم المال. أما رجل التسعينات بدون منازع فهو الجنرال سي توفيق. اسمه الحقيقي محمد مدين، يعتبر اللاعب الأول في الأزمة الجزائرية. مر على يديه 5 رؤساء دول وكثيرا من رؤساء الحكومات ومئات من الوزراء .. وبقي هو في مكانه، لا يزحزحه أحد. اخترق الجميع، أحزابا وصحافة. وهندس تاريخ الجزائر المعاصر على طريقته.
ما يجمع بين هؤلاء جميعا، هو قوة شخصياتهم الحادة، وذكائهم الخارق رغم قسوتهم الدموية في كثير من الأحيان. اختاروا العمل في الكواليس، يكرهون الأضواء والصحافة ويتمتعون بلعبة فريدة من نوعها في الوطن العربي : هي لعبة تعيين الرؤساء وخلعهم.
عبد الحفيظ بوصوف حتى يواجه رجال الثورة الجزائرية، قادة جيش التحرير الوطني، العمليات المتكررة لاختراقات المخابرات الفرنسية، وتسميمها للعلاقات القائمة بين قادة المناطق العسكرية، ونجاحاتها في زرع بذور الريبة والخوف من بعضهم البعض..وحتى يتخلصون من الخونة ويصفونهم جسديا وكذلك لمواجهة مجموعات مصالي الحاج الذي أسس الحركة الوطنية الجزائرية MNA ، قرر قادة جبهة التحرير الوطني تشكيل تنظيم مخابراتي يواجهون به حرب فرنسا السرية ضدهم ويواجهون به أعداءهم الجزائريين في الداخل. برز رسميا هذا التنظيم سنة 1960 تحت اسم MALG وفي حين كانت مهمته مواجهة فرنسا، فإنه انحرف مبكرا ليصبح أداة في الصراع على السلطة القائم بين مختلف رجال واتجاهات الثورة. عبد الحفيظ بوصوف، المكنى “سي مبروك” عهد إليه قيادة هذا الجهاز.
عبد الحفيظ بوصوف انشغل بالنضال السياسي مبكرا. حيث أوكل إليه منصب رئيس دائرة “حركة انتصار الحريات والديموقراطية” في سكيكدة، ثم في تلمسان (بين سنة 1952-1954). وكان عضوا مؤسسا لمجموعة “22″ سنة 1954. ثم مسؤوؤلا مساعدا للمنطقة الخامسة (وهران) بين سنتي 1954-1956. وعقيدا قائدا للولاية الخامسة بين سنتي 1956-1957. فعضو للجنة التنسيق والتنفيذ بين 1957-1958، فوزيرا على رأس وزارة الارتباطات والاتصلات بين 1958 و1959. ثم وزيرا للتسليح منذ سنة 1960. اختار خندق الحكومة الجزائرية المؤقتة حينما دخلت في صراع مفتوح مع تحالف احمد بن بلا / هواري بومدين قائد هيئة أركان الجيش الجزائري. وحينما خسروا الجولة. تعاطف معه بومدين وأوكل إليه بعض المهمات في الدولة الجزائرية المستقلة.. وسمح له ببعض الأنشطة التجارية.
النشاط الاستخباري المبكر
بدأ بوصوف نشاطه الاستخباراتي مبكرا في المغرب الأقصى في منطقة “الناظور” وذلك بفرضه السرية المطلقة على تحركات مجاهدي جبهة التحرير الوطني لتجنب النشاط التجسسي المتزايد للأجهزة الفرنسية. في سنة 1956 أسس جهازا متميزا تكنولوجيا حيث يقوم بالاتصالات اللاسلكية وكذلك بعمليات التنصت على العدو وفك شفرته. لكنه سرعان ما بدأ في تجاوز صلاحياته، حينما نجح في بناء هيكل بيروقراطي يدين له بالولاء التام. وقام بإشاعة جو من الحذر والرعب المتبادل بين المناضلين والخوف من النقد المباشر.. وقام بعمليات اختطاف للثوار الذين لا يشاركونه في الرأي وبتعذيبهم أو بعمليات إعدام جماعي. لقد أسس ما يشابه دولة داخل جهاز الثورة. ووصلت أصداء أعماله إلى باقي قادة الثورة وخصوصا عبان رمضان الذي أبدى انزعاجه الكبير. أصبح جهاز بوصوف يسمى “جهاز الاستخبارات والارتباط”.
كانت معايير انتقاء رجال هذا الجهاز محددة من قبل بوصوف نفسه. حيث لم يكن التطوع الثوري هو المعيار الأساسي. فقد كان يختارهم بنفسهم ويدربهم على ضرورة طاعة قادتهم المباشرين طاعة عمياء، على عدم الاهتمام بعذاب الآخرين وعلى تقنيات الخداع والمواربة.
اختراق المخابرات المصرية
بومدين وعبد الناصر وفتحي الذيب
من أطرف الأشياء وأغربها ما حاول فعله عبد الحفيظ بوصوف في القاهرة، حيث قام باكتراء مجموعة فيلات للسكن حولها إلى مراكز للتعذيب وإدارة العمليات الاستخباراتية. ولم يسلم منه جهاز المخابرات المصري القوي في عهد عبد الناصر، حيث سعى إلى اختراقه والتجسس على فتحي الديب المكلف بالملف الجزائري. وسرعان ما اكتشفت أجهزة الأمن المصرية ذلك وهو ما أثار غضبا شديدا لدى قادتها. ذلك أنها ساعدت وتساعد الثورة الجزائرية ولم تبخل عليها بأي شيئ، فكيف يحاول أحد قادتها اختراق أصدقائها. هذه الرواية أوردها فتحي الديب في كتابه عبد الناصر وثورة الجزائر. وهي رواية تحمل في الواقع إعجابا مبطنا بجسارة وجرأة عبد الحفيظ بوصوف التي فاقت كل حدود.
بعثة إلى الكا جي بي
حدث هام وجديد لرجال بوصوف تمثل في قبول أشهر جهاز مخابرات في العالم “الكا جي بي” مجموعة عناصر من رجال بوصوف لتكوينهم تكوينا خاصا في موسكو وذلك منذ سنة 1958. لقد تدربوا على أعمال جديدة مثل تنظيم عمليات استفزاز الخصم، أو حبك المؤامرات الوقائية لتدميره. هذه الدفعة التي تكونت في الاتحاد السوفياتي أطلق عليها “السجاد الأحمر” كرمز سري. وبرزت “مواهب” هذه الدفعة منذ الاستقلال. أشهر ضابط تخرج من هذه الدفعة هو الجنرال محمد مدين المكنى بسي توفيق القائد الحالي للمخابرات الجزائرية.
يعتقد المؤرخ الجزائري محمد حربي أن هؤلاء الرجال جاء أغلبهم من الطبقة المتوسطة أو من أبناء البرجوازية الجزائرية الذين انقطعوا عن التعليم والتحقوا بالثورة.
تمكن بوصوف من التأثير الكبير على رجاله وجعلهم يرتبطون به شخصيا حيث أصبح زعيمهم الكاريزمي بدون منازع. وفي الآن نفسه بدأ الخوف والانزعاج ينتشر بين صفوف المقاتلين تجاه جهاز “سي مبروك”. حيث سرعان ما سيتوسع أسلوب بوصوف في العمل الاستخباراتي عندما تم تعيينه على رأس وزارة التسليح والارتباطات العامة والاتصالات في شهر يناير 1960. لكن قوته في الواقع لم تتجاوز جيش الحدود، أي جيش التحرير الوطني المرابط على الحدود التونسية شرقا والحدود المغربية غربا والبعثات الجزائرية في الخارج. حيث بقي نفوذه ضعيفا في ولايات الداخل المتميزة باستقلالها النسبي عن قيادة الأركان.
لقد اختلف الجزائريون في تقييم بوصوف. فالبعض يعتقد أنه أنقذ الثورة دائما من اختراقات العدو والبعض الآخر يرى أن نجاحه يكمن فقط في قمع الثوار المعارضين لنهجه. ويذكرون أنه في أثناء مفاوضات وقف إطلاق النار مع فرنسا، تم اكتشاف أن المخابرات الفرنسية قد تمكنت فعلا من زرع عملاء لها على أعلى المستويات مكنوها من معرفة الحجم الحقيقي لجيش التحرير الوطني وطبيعة تنظيمه.
قصة المخابرات العسكرية الجزائرية من عبد الحفيظ بوصوف إلى محمد مدين الحلقة الأولى بقلم رياض الصيداوي – taqadoumiya
التعديل الأخير: