المباريات الحربية ودورها في تطوير الاستراتيجيات والتكتيكات

night fury

عضو
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
4,508
التفاعل
1,268 1 0
الدولة
Jordan
p044_01_01.jpg

تعرف تقنية التدريب بأنها تلك المنظومة التي تجمع الأدوات والخبرات والأساليب، وتجعل من الممكن تدريب العاملين في أي مجال من الأنشطة البشرية بطريقة اقتصادية وجيدة ومريحة وسريعة، للوصول بالمتدرب إلى المستويات المطلوبة من الكفاءة والإنتاجية وجودة الأداء، مع تحقيق الوفر في الوقت والجهد والتكاليف. ويتطلب استخدام تقنية التدريب الحديثة تطبيق مجموعة كبيرة من العلوم الحديثة، مثل: نظم المعلومات والحاسبات الآلية سواء أكانت مكونات مرئية (Hardware) أو مكونات غير مرئية (برامج) (Software) ونظم الخبرة والذكاء الاصطناعي، وتحليل وتصميم النظم وهندسة الاتصالات وعلم الأداء الأمثل وبحوث العمليات، وعلم النفس التربوي ونظريات التعليم وعلم قياس الذكاء والاستعداد الفردي، وطب الأعصاب والهندسة الطبية وإدارة الأعمال.. وقد أدى التقدم السريع في جميع تلك المجالات إلى تعدد وتقدم طرق ووسائل التدريب.

تحتل نظم المحاكاة العسكرية مكانا متقدما بين وسائل التدريب وأصبح الآن هناك شركات متخصصة في إنتاج تلك النظم ووسائل ومواد التدريب المتطورة تعمل بالتعاون مع شركات إنتاج نظم الأسلحة. تتنوع أجهزة المحاكاة المستخدمة في التدريب وتغطي جميع مراحل التدريب، ابتداء من تدريس العلوم النظرية، مررواً بأجهزة التدريب الفردي لاستخدام المعدة أو السلاح وإطلاق النيران وحتى التدريب الجماعي على معركة الأسلحة المشتركة حيث يتم تدريب جميع القادة والجنود على اختلاف مستوياتهم وتخصصاتهم.. مثلها في ذلك مثل أي نشاط بشري يمكن فيه ممارسة أنشطة الحرب في بيئة مسيطر عليها مع تحقيق درجة مناسبة من الدقة. ويؤيد الاستخدام الواسع للمناورات الميدانية في مختلف أنحاء العالم تلك النظرة.
لا شك أن استخدام القوات الحقيقية والمركبات والأدوات الأخرى للحرب مكلف حتى لو كان لأغراض غير قتالية، هذا بالإضافة إلى وجود مشاكل من مختلف الوجوه. اتجهت دول كثيرة إلى تجسيم ومحاكاة النشاطات الحربية حيث تتيح الحاسبات الآلية بناء بيئة صناعية تحاكي مسارح العمليات يمكن فيها أن يقوم القادة وأركان قيادتهم باختبار جدوى استراتيجياتهم وتكتيكاتهم، كما يمكن للجنود وأفراد التخصصات المختلفة ممارسة مهامهم وبدون الخروج إلى الميدان. ليس المقصود بتقليل نفقات التدريب، وعلى سبيل المثال، أن يطلق الجندي عددا أقل من طلقات الذخيرة الحية ولكن المقصود هو ألا يقوم العامل أو الجندي باستهلاك مثل تلك الذخيرة على تدريبات وإجراءات لا تحتاج إلى مثل تلك الذخيرة. ولكن بعد أن ينهي تدريبه على نظم المحاكاة يقوم بالتدرب بإطلاق الذخيرة الحية.
حاليا عندما تقوم القوات المسلحة بمناورات تدريبية باستخدام الذخيرة الحية أو حتى عند تنفيذ تلك المناورات باستخدام نظم الليزر أو محكّمين بشريين بدلا من الذخيرة الحقيقية فإنها غالبا ما تتعرض لاحتجاجات جماعات أنصار البيئة والهيئات الخاصة بتطبيق القوانين. على سبيل المثال منذ عامين مضيا تمت مقاضاة الجيش البريطاني بواسطة مجموعة من زعماء القبائل في كينيا الذين ادعوا أنه قد حدثت إصابات بين أفراد تلك القبائل بسبب الذخائر التي تركها الجنود الذين كانوا يقومون بالمناورة في منطقة تقع شمال نيروبي. أيضا أجبرت الاحتجاجات ضد القوات البحرية الأمريكية التي كانت تقوم بالتدرب على القصف الجوي في جزيرة فيكاس (Vieques) أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على النظر في توفير بدائل للمناورات بالذخيرة الحية وكانت تلك البدائل إلى حد كبير تشمل استخدام التجسيم باستخدام الحاسبات الآلية والمحاكاة.
يقول المتخصصون في شئون التدريب: إن التدريبات الميدانية تدمر البيئة كما أن المساحات المتوفرة لإجراء مثل تلك التدريبات أصبحت محدودة وخصوصا في الدول الأوروبية. وقبل ذلك وبعده فإن تلك التدريبات أصبحت مكلفة للغاية حيث يلزم نقل تلك القوات إلى ميدان التدريب وتوفير مطالب الإعاشة بالإضافة إلى مايتم استهلاكه من ذخائر وأسلحة، وفي نفس الوقت فإن النفقات التي وإن كانت تبدو كبيرة في أول الأمر عند استخدام المحاكاة إلا أنها تعتبر رصيدا مخزونا يكفي لعدة سنوات وذلك لأنه من الممكن تكرار التدريب مرات ومرات، كما أنه من الممكن القيام بمختلف المواقف القتالية وذلك بالإضافة إلى التحكم في اللوجستيات وأهم من ذلك القدرة على إدخال عناصر ومواقف أثناء التدريب من الصعب إدخالها في المناورات الحية، وعلى سبيل المثال إدخال عنصر المساندة الجوية القريبة بالنيران.
يرد المتخصصون على الذين ينتقدون التدريب باستخدام نظم المحاكاة باعتبارها لا تحقق الواقعية في التدريب بأنه بالإضافة إلى أن هناك مواقف تكتيكية لا يمكن التدرب عليها إلا باستخدام نظم المحاكاة فإن التدريب الحقيقي قد يؤدي إلى نتائج خادعة لأنه يتم تحت قيود واشتراطات أمنية غير واقعية.
في الواقع يمكن إجراء المباريات الحربية المنفصلة بحيث تكون حية وفي نفس الوقت يتم فيها استخدام المحاكاة.
توجد ثلاثة أنواع من المباريات الحربية، هي:
(* المحاكاة الحية ( SimulationLive) حيث يتم استغلال الجنود والمركبات والطائرات العمودية أثناء المناورات، وتجري بدرجة أكثر واقعية في الميدان.
*أما النوع الثاني فهو المحاكاة المخططة أو المنظمة (Constructive Simulation) وفيها يقوم القادة المشتركون في المباراة الحربية باستخدام برامج خاصة للحاسب الآلي تجسم وتتابع قوات هيكلية ومركبات... إلى غير ذلك من العناصر المشتركة في المباراة الحربية .
(* النوع الثالث فهو المحاكاة التقديرية ( SimulationVirtual ) وفيها يكون العاملون المدمجون في نظام التدريب جزءا من القوات المنتشرة في المباراة الحربية. ومن المحتمل أن يكونوا في مكان بعيد عن مركز المباراة الحربية.
وفي حالة نشر مجموعة عمليات حقيقية كجزء من مناورة حية فإنه يمكن ربطها، وعلى سبيل المثال، بمجموعتين يتم محاكاتهما وذلك لتوفير الشعور لدى طاقم القيادة بأن قوات أكبر تقوم بإجراء المناورة.
يمكن تسجيل جميع مراحل ونشاطات المباراة الحربية ومن الممكن استرجاع جميع النشاطات والبيانات في أي وقت حيث يمكن للمستخدمين أن يقوموا بدراسة ما جرى صحيحا وما جرى خاطئاً. يمكن أيضا أن يتم إيقاف المباراة الحربية ليوم وأن يبدأ المشتركون في اليوم التالي بمتابعة نشاطهم من حيث توقفوا. على سبيل المثال كان الجيش الكندي عادة يستخدم المحاكاة المخططة فقط لتنفيذ تدريب مراكز القيادة (Command Post Exercises CPX) . ولكنه في الفترة الأخيرة قد أدخل المحاكاة التقديرية في التدريبات نظرا لأنه يتم تغذية مراكز القيادة من مصادر الاستخبارات حتى يتمكن القادة من اتخاذ قراراتهم، ولذلك يلزم المحاكاة باستخدام المحاكاة التقديرية، التي هي عبارة عن أفراد حقيقيين يقومون بتشغيل معدات هيكلية، وذلك مثل الطيار الموجود في جهاز محاكاة للطائرة 18-F أو شخص يقوم بتشغيل بديل لطائرة كطائرة بدون طيار تحاكي طيران الطائرة.

المباريات الحربية كانت تعتمد على: "ماذا - لو"


يمكن القول بأن المباريات الحربية بصورة، أو أخرى، تعتبر قديمة قدم الحرب نفسها. مثلها في ذلك مثل لعبة الشطرنج حيث تم استخدام المباريات الحربية بواسطة العسكريين الألمان في القرن الثامن عشر، وكان يتم استخدام قطع ولوحات يتم التدرب عليها وذلك بالرغم من أن اللوحات المستخدمة كانت تحتوي على آلاف المربعات ويتم استخدام مئات من القطع. بدأ استخدام الحاسبات الآلية في المباريات الحربية في فترة الخمسينيات، فعلى سبيل المثال: قامت القوات البحرية الأمريكية في عام 1958م بتطوير نظام كان يتم فيه استخدام هيكل رئيسيا لحاسب آلي وذلك لتتبع المباراة وحساب النتائج.
بالنسبة للأفرع الرئيسية للقوات المسلحة في مختلف دول العالم كان يتم إجراء المباريات الحربية، قبل استخدام الحاسب الآلي، حيث كانت أطقم القيادة تقوم بالاتصالات مع نظرائهم باستخدام أجهزة اللاسلكي. كان يتم استخدام ما يسمى بقائمة الأحداث الرئيسية (List Events Master) لتتبع ما يتم في توقيته المحدد بالقائمة حيث يتم إرسال الرسائل أو الأوامر الخاصة بالتنفيذ أو تمام القيام بالمهمة أو الصعوبات التي تواجه التنفيذ إلى غير ذلك من أحداث. كان يتم استخدام لوحة ورقية طويلة موضحا بها الإجراءات وما يتم تنفيذه وما لا يتم تنفيذه، وحولها أفراد على أطراف الخطوط الهاتفية يقومون بإرسال المعلومات. تم تطوير تلك اللوحة إلى خريطة وحولها أفراد يقومون بالعمل مثل تحريك مكعبات أو يحركون قوارب من مكانها إلى مكان آخر. كان يحدث عادة في مثل تلك المباريات وجود كثير من الآراء بخصوص من رمى أولاً ومن شاهد الآخر أولاً.
يتم حاليا كهدف رئيسي للمباريات الحربية دراسة تطوير تلك المباريات بحيث تحقق القدرة على إرسال البيانات خلال شبكة والقيام بتجربة ربط نظم القيادة والسيطرة والحاسبات والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع Command,ControlCommunication, Intelligence, Surveillance and Reconnaissance- C4ISR وذلك لفهم كيف ستعمل التنظيمات المختلفة وكيف ستعمل نظم الأسلحة معا. يتم إجراء تلك الدراسة ليس بواسطة القيادات العسكرية المسئولة عن التدريب فقط ولكن بواسطة الشركات التي توفر تلك التقنيات للجهات العسكرية. نتيجة لتلك الجهود ظهر ما يشبه تجسيم رواية أدبية على مسرح يمكن أن يطلق عليه (معمل المعركة) حيث تم بناء منشآت يتم تشغيلها بواسطة الشركات الصناعية ويتم فيها إرسال البيانات المختلفة عبر شبكة للاتصالات ويمكن تكاملها مع نظم القيادة والسيطرة والحاسبات والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (C 4ISR) والقيام بالدراسات المطلوبة في هذا الاتجاه قامت شركة نورثروب جرومان بتطوير شبكة تكامل دراسة الصراعات الحربية، التي لها منشآت في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، باستغلال تشغيل مختلف المنصات وأجهزة الاستشعار والأسلحة وبرامج القيادة والسيطرة معاً، وذلك لأغراض تطوير برامج للمباريات الحربية تناسب العمليات الحربية لعملائها وتقوم تلك الشبكة بإجراء نفس المحاكاة التي يستخدمها العسكريون.
من المعروف أن كثيراً من الأفراد الذين ليس لهم أي اتصال بالنواحي العسكرية يقومون بممارسة هواية التدرب على المباريات الحربية على الحاسبات الآلية. ولكن من البديهي أن توجد اختلافات بين المباريات الحربية الاستراتيجية التي يتم بيعها تجاريا وتلك المباريات التي يتم استخدامها في مراكز القيادة أو أي تدريبات عسكرية أخرى. أحد تلك الفروق يكمن في أن المباريات الحربية المخططة التجارية تقوم بأعمال أكثر من نظيرتها العسكرية، لأنها لا تتلقى الأوامر من أطقم القيادة. على سبيل المثال: إذا نظرنا إلى أحد تلك النظم النمطية التجارية التي يتعامل معها المدنيون فإنها تتكون من عدد من الحاسبات الآلية قد يصل إلى 25 أو 30 حاسبا شخصيا ويمكن أن يصل العدد إلى 70 أو 80 حاسباً شخصياً في الشبكة، ويقوم كل حاسب بالتعامل مع شركة واحدة والأسلحة الموجودة بتلك الشركة. يقوم الحاسب الآلي الشخصي التجاري بتجسيم جميع مراحل القتال وبذلك يمكن للشخص أن يطلب مهاجمة أحد الأعداء وعندئذ تتم جميع الخطوات آليا.

اشتراك الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة لدولة أو عدة دول


حاليا فإن معظم مراحل المباريات الحربية مصممة لخدمة فرع رئيسي واحد من أفرع القوات المسلحة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، فإن المباريات الحربية السنوية التي يتم إجراؤها بواسطة الأفرع الرئيسية (الجيش، القوات الجوية، القوات البحرية وقوات مشاة البحرية) منفصلة ولا يوجد إلا اتصال محدود بالأفرع الأخرى ناهيك عن الأفرع الرئيسية للدول الأخرى. تقوم القيادة المشتركة للقوات الأمريكية (USJCOM - Command Forces USJoint) بالعمل على رعاية التدريب بالمحاكاة بحيث تشترك فيه الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة بدرجة أكبر مما هو متاح حاليا وذلك بالمشاركة عن قرب في المباريات التي تقوم بها الأفرع الرئيسية منفصلة على سبيل المثال في المباراة الحربية التي أطلق عليها (يونيفيد كويست 3)0 (03 (Unifiedg Quest اشتركت قيادة القوات المشتركة مع قيادة التدريب والمذهب القتالي للجيش الأمريكي And Doctrins Command Trainin TRADOC في دراسة كيفية قيام الأفرع الرئيسية المختلفة بتنفيذ العمليات المشتركة بصورة أكثر فاعلية وأكثر تداخلا. واشترك في تلك المباراة نحو 600 فرد يمثلون الجيش والقوات البحرية والقوات الجوية وقوات مشاة البحرية وقوات حرس الحدود بالإضافة إلى ممثلين من الهيئات الحكومية وغير الحكومية.
مثل تلك المباراة وقبلها المباراة التي أطلق عليها ميلينيوم تشالنج 02 (Challenge02 Millennium) وغيرهما من المباريات الحربية يتم فيها دراسة مواقف تكتيكية خاصة مثل القيام بالهجوم داخل منطقة سكنية أو مسائل استراتيجية أوسع مثل نشر القوات في مساحة جغرافية كبيرة مثل منطقة الشرق الأوسط. لدراسة مواقف تكتيكية محددة تقوم قيادة القوات المشتركة الأمريكية باستخدام نظام محاكاة الصراع التكتيكي المشترك (Joint Conflict And Tactical Simulation- JCATS) الذي تم تطويره بواسطة شركة أمريكية.
خلال التدريب بالمحاكاة على مستوى مسرح العمليات (Joint Theater Level Simulation- JTLS) فإن المناورات التكتيكية التي تقوم بها الأفرع الرئيسية المختلفة باستخدام نظام محاكاة الصراع التكتيكي المشترك ) JCATS) أو أي برنامج محاكاة آخر يمكن ربطهما معا. كان أول تطبيق لهذا النوع من المحاكاة هو النظام الذي طورته القيادة المشتركة للقوات الأمريكية (USJCOM) باستخدام المحاكاة على مستوى مسرح العمليات (JTLS) والذي هو نموذج لحرب الخليج الثانية في عام 1991 أو مايطلق عليها عاصفة الصحراء.
بالنسبة للربط بين نظم المحاكاة التي تتيح للمشتركين في المباريات الحربية والمستخدمين الآخرين لهذه النظم للتدريب على القتال ضمن قوات للتحالف فإن تلك القدرة غير متوفرة حاليا وفي طريقها للتطوير. ويتم حاليا تمويل أحد تلك المشروعات الخاصة بالمحاكاة المشتركة فقد تم تخصيص مبلغ 7،17 مليون دولار أمريكي وتشترك فيه 13 دولة أوربية ويهدف هذا المشروع إلى وضع مواصفات لاتصال أجهزة المحاكاة التقديرية خلال أوربا.
قامت شركة CAE بتطوير النظام GESI لتدريب القيادة والأركان ويستخدمه الجيش الأيرلندي وعدد من الدول الأخرى ويقول المسئولون في تلك الشركة أن هذا النظام لايتم استخدامه حاليا بواسطة عدة دول للتدريب المشترك على العمليات بالرغم من أن هذا النظام يحقق تلك القدرة وقامت الشركة بإجراء بيانات عملية عليه باستخدام شبكة المعلومات العالمية (الانترنت) العادية.

عدم وضوح الرؤية أثناء عمل أنموذج ميدان القتال


يجب أن تعكس المباريات الحربية طبيعة العمليات العسكرية الحالية فعلى سبيل المثال تقوم القوات المشتركة الأمريكية بتحليل خبرات الحرب المكتسبة من الحرب في أفغانستان والعراق وتحاول أن تدخلها في المباريات الحربية . يجب أن توضح المحاكاة للمشتركين جميع الأخطار والمسائل التي قد تظهر فجأة أثناء العمليات غير الحربية (Than OOTW-War Other Operations) وذلك كما حدث في الصراع الحالي في العراق حيث بدأت الحرب وإلى حد كبير كحرب بين جانبين لهما حدود واضحة ثم تطورت بعد ذلك إلى قتال داخل المدن بين أطراف كثيرة حيث اختلطت الأطراف المدنية داخل العمليات العسكرية، التي كانت في معظمها مهام حفظ سلام حول العالم ابتداء من سيراليون إلى جزر سولومون، وهو ما يتطلب من الجندي العادي أن يتكيف مع التطورات المختلفة.
لقد تعرضت القوات الأمريكية في العراق إلى مواقف مختلفة شملت التظاهرات والانتفاضات وأعمال النهب والحرب المدنية... ولذلك يجب أن تشمل المحاكاة جميع أنواع تلك المواقف. يختلف ميدان القتال الحالي عن ميدان القتال المفتوح والواضح أثناء فترة الحرب الباردة، الذي كان استخدام الحاسب الآلي لمحاكاته مناسبا له، حيث كانت القواعد التي يتم تطبيقها في هذا الميدان الأخير قواعد معروفة تعتمد على أن من يرى أولاً هو من يطلق النار أولاً، ثم بعد ذلك يتم حساب احتمال التدمير. أصبح الموقف الآن أكثر تعقيدا ويلزم تحديد القدرات على أساس العمل داخل هذا الميدان المعقد والذي يميل إلى أن يكون مشابها للقتال داخل الميدان المفتوح يحتاج لمواد وتقنيات تختلف عن تلك التي يحتاجها ميدان القتال المغلق.
من بين العوامل التي يلزم أخذها في الحسبان عند محاكاة العمليات العسكرية تحت الظروف المتنوعة تنوعا كبيرا التي يجب أن تتماشى معها تلك العمليات: أن العدو الذي قد يتم مواجهته لايمكن التنبؤ بقدراته ويجب أن تعكس المباريات الحربية هذا العامل الهام بوضوح. يقول الأمريكيون أن خبرتهم في لبنان توضح أنهم بعد انتشارهم هناك عدة سنوات فإن بعض الأحزاب والجماعات معهم أصبحت ضدهم، ولذلك فلا يمكن تخطيط المباريات الحربية على أساس الأبيض والأسود، أي قوات حليفة يتم تلوينها باللون الأحمر وقوات معادية يتم تلوينها باللون الأزرق، بل يجب أن تشمل المباراة الحربية عددا من الجماعات المختلفة ويجب أن تسمح تلك المباراة بتغيير موقف بعض أو كل تلك الجماعات من صديقة إلى معادية كلما تقدمت العمليات الحربية. يقول المسئولون في شركة CAE التي طورت نظام المحاكاة GESI أن هذا النظام كان يحتوي على جماعتين متحاربتين أحمر وأزرق وتم تطويرها بحيث تسمح بمحاكاة حتى 8 جماعات مختلفة.
بالإضافة إلى ما سبق فإن المباريات الحربية على المستويات الأعلى، التي هي مستويات استراتيجية أعلى، قد لا تحتاج إلى عمل نماذج على الحاسب الآلي أو لا تحتاج إلى محاكاة على الإطلاق وهذا بعكس المباريات الحربية على المستوى التعبوي أو التكتيكي كما هو في حالة المباريات الحربية لمراكز القيادة حيث يتم فيها محاكاة إرسال القوات إلى هنا أو هناك أو استخدام قدرات المراقبة والاستطلاع أو التي تحاكي تأمين قاعدة جوية أو منشأة هامة... إلى غير ذلك من النشاطات التعبوية أو التكتيكية.
على سبيل المثال في جامعة الدفاع الوطني (NDU - University NationalDefense ) الأمريكية الموجودة في واشنطن، حيث يكون الدارسون من الذين خدموا لمدة 18- 22 عاما في هيئات الخدمة الاتحادية والذين يقومون بدراسة استخدام عناصر القوة الدبلوماسية، العسكرية والاقتصادية إلى غير ذلك من أدوات القوة لمساندة تحقيق الأهداف القومية، فإن المباريات الحربية تكون في المقام الأول تعليمية وتعتمد على ما يسمى بالحلقات الدراسية (Seminar) حيث يجلس الدارسون حول مائدة بدلا من الجلوس أمام شاشات أجهزة الحاسب الآلي.
يقول رئيس مركز المباريات الحربية الاستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني الأمريكية (NDU) أن الموضوعات قد تدور حول أحد دول جزر البحر الكاريبي التي توجد بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية خلافات خطيرة حيث يقوم الدارسون بدراسة كيفية إجبار تلك الدولة على تغيير موقعها باستخدام أي من عناصر القوة المتاحة، فعلى سبيل المثال يمكن دراسة تأثير العنصر الثقافي حيث يتم ما يمكن أن يقال عليه (القصف الثقافي) بواسطة الموسيقى والأدب والثقافة الأمريكية، أو يمكن دراسة احتمال استخدام القوة العسكرية عن طريق قصفها وغزوها أو استخدام عنصر القوة الاقتصادية بواسطة استخدام الحصار الاقتصادي أو قد يتم دراسة الربط بين تلك العوامل جميعها...
ولكن كيف يتم معرفة أن أحد تلك العناصر أو جميعها ستحقق النتائج المرجوة منها.
في مثل تلك المباريات الحربية يتم استدعاء الخبراء مثل الجنرال المتقاعد أنتوني زيني (Zinni Anthony) الذي كان قائدا لفيلق مشاة البحرية الأمريكية، أو السفير المتقاعد روبرت أوكلي (Oakley Robert) للعمل كمحكّمين للتحكيم المباراة الحربية، وهل القرارات التي تم اتخاذها ستكون مقبولة أو لا؟
عندما يكون الهدف من المباراة الحربية هو مجرد إثارة النقاش حول مزايا سياسية استراتيجية أوسع وإجراءات عسكرية فعادة ما تكون نتيجة المناقشة مقبولة. في حالة المباريات الحربية على المستوى التعبوي أو التكتيكي فإن قدرة الحاسبات الآلية على حساب نتائج الأحداث (على سبيل المثال حساب احتمال إصابة الهدف بصاروخ موجه أو حساب احتمال وصول رتل من المشاة أو الإمدادات إلى منطقة في الوقت المحدد لتقديم المساندة لمجموعة عمليات...) تكون أفضل وقريبة إلى الواقع.
يقول المتخصصون أنه قبل استخدام الحاسب الآلي فإن تجسيم المواقف التي تتم في المباريات الحربية التي تشمل أفراداً محكَّمين كانت تؤدي إلى متاهات نتيجة للمناقشات التي تتم حول نتائج تلك المباريات حيث، أحيانا وليس في جميع الحالات، تتصارع الآراء فتجد من يقول أنه بناء على خبرتي السابقة فإن ذلك أو هذا هو الذي سيحدث. ولكن عند استخدام نظام للمحاكاة فإن درجة قبول النتائج لدى الدارسين تكون غالبا مرتفعة أكثر من مثيلتها التي تجري باستخدام المحكمين .

التدريب الجاف


تكمن فائدة التقنية في أنها عامل أكثر من مهم لتحقيق القدرة على إجراء المباريات الحربية، التي تستخدم تجسيم المواقف والمحاكاة، لإعطاء المشتركين فكرة عما سيحدث في المستقبل أثناء التدريب على مراكز القيادة والتدريبات الأخرى. حاليا يمكن القول بأنه، من النادر، أن تتم الأعمال العسكرية الحقيقية التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية أو القوى العسكرية الأخرى بدون إجراء نوع ما من التدريب عليها باستخدام المباريات الحربية التي تسبقها.
يمكن النظر حاليا إلى تجسيم الأعمال العسكرية على أنه مباراة رياضية كاملة عندما يتم تطوير الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية، ومن الممكن أن يعكس هذا التجسيم التدريبات الميدانية الحية. يقول المتخصصون أنه لا يوجد فعليا مجال من مجالات الحرب الحديثة لا يمكن محاكاته بدرجة عالية من الواقعية، خصوصا أن كثيرا من تلك المجالات والنشاطات تستخدم نظم الحاسبات الآلية ابتداء من نظم القيادة والسيطرة C2(and Command Control ) إلى نظم الأسلحة.
يضيف هؤلاء المتخصصون أنه بمرور الزمن وعندما يذهب العسكريون إلى المعركة التي تم تدريبهم على نماذج لمحاكاتها تصور جميع مراحلها ربما يكونون غير متأكدين تماما مما سيحدث، ولكن على الأقل يدركون النتائج المحتملة لهذه المعركة. بالرغم من ذلك يوجد من يعارض استخدام المباريات الحربية في التدريب ويقول أنه ما لم يتم التدريب الفعلي في ميدان حقيقي حيث يتم شم رائحة البارود وغير ذلك مما يحدث فعليا في ميدان القتال فإنه لن يتم تدريب حقيقي للقوات.
من الأشياء الهامة التي يلزم الإشارة إليها أن نظام محاكاة الصراع التكتيكي المشترك (JCATS) قد تم استخدامه لتجهيز الجنود الأمريكيين للقتال داخل مدينة بغداد أثناء ما يطلق عليه عملية (حرية العراق( (FreedomIraq ) في أوائل عام 2003م. يقول أحد الضباط الأمريكيون في إدارة المحاكاة التابعة للجيش الأمريكيين في أوروبا في تقرير له: إن الإجراءات التكتيكية التي تم تطويرها أثناء المحاكاة ربما تكون سببا أساسيا في أن قوات التحالف قد تمكنت من احتلال بغداد نسبيا بسهولة وبدون القتال داخل المدن لفترة طويلة كما تم توقعه. في تلك المباراة الحربية استَخْدمت إدارة المحاكاة في قيادة التدريب للجيش السابع الأمريكي، إلى جانب نظام محاكاة الصراع التكتيكي المشترك (JCATS)، مولداً تصويريا للمناظر الحقيقية (Scene Generator Reality Virtual ) VRSG وهو نظام تصويري للعرض ثلاثي الأبعاد يقوم بتجسيم الأفراد وقطع المعدات بالإضافة إلى الأرضيات والحجرات داخل المباني.
وطبقا لما أفاد به أحد القادة الأمريكيين، بدأ تجميع المعلومات لبناء محاكاة واقعية في ربيع عام 2002م، حيث وفرت الوكالة القومية للتصوير وعمل الخرائط بالإضافة إلى مصادر أخرى المعلومات اللازمة لعمل الخرائط بما فيها المزروعات والهيئات الطبيعية والصناعية بارتفاعاتها الحقيقية والأنهار.... لإنشاء صورة عامة لميدان القتال. وأثناء التدريب قامت قوة بتمثيل العدو(OPFOR - Force Opposing) حيث لعبت دور القوات العراقية التي من المحتمل أن تواجه الفرقة المدرعة الأولى ( 1st Armoured Division 1AD) وبذلك كانت هناك فرصة أن تدقق هذه الفرقة إجراءاتها التكتيكية قامت الفرقة الأولى المدرعة بإجراء ثلاثة تدريبات تحاكي معارك على مستوى اللواء ضد القوات التي تمثل العدو.
أيضاً ونظرا لأن نظم القيادة والسيطرة والحاسبات والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (C4 ISR) الموجودة في القطع البحرية وفي مراكز قيادة القوات البرية أو في داخل مراكز عمليات القوات الجوية من السهل ربطها مع بعضها أثناء المحاكاة فإن أطقم القيادة القائمة بالتدريب يمكنهم أن يستخدموا نفس نظم القيادة والسيطرة (C2) للتدريب كما يفعلون أثناء العمليات الحقيقية. وعلى سبيل المثال تم استخدام نسخة معدلة من نظم المهمة لشركة لوكهيد مارتن، وهو نظام إدارة المعركة على مستوى مسرح العمليات، في نهاية عام 2002م في تجربة هجوم جوي بواسطة القوات الجوية كما تم استخدام نظام القيادة والسيطرة والحاسبات والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (C4 ISR) في محاكاة مماثلة.
يعتمد الاتجاه الجديد للتدريب على استخدام نظم القيادة والسيطرة والحاسبات والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (C4ISR) كوسيلة محمية وعضوية لتجسيم ميدان القتال لأغراض المحاكاة ولقد تم تنفيذ ذلك في القطع البحرية حيث يمكن أثناء وجود القطعة البحرية في الميناء وعندما تكون مجهزة بطاقمها بالكامل إجراء التدريب باستخدام المحاكاة وبدون الاضطرار إلى الانتقال إلى مكان آخر.
لا يتم استخدام المباريات الحربية فقط عندما يكون العسكريون موجودين في الخدمة، بل يمكن القول إن كثيراً من الضباط وصفّ الضباط أصبح لديهم ولع بالمباريات الحربية، حيث يقوم الكثير منهم بالإنفاق من جيوبهم الخاصة على شراء المباريات الحربية التجارية. يقول المتخصصون: بدأت أكثر المباريات الحربية التجارية شهرة وهي "ذاهب إلى الجيش" (Army Go) كوسيلة للتأهيل أساسا ولكن نظرا لواقعيتها فلقد اعتبرت ضمنيا شيئا كأداة للتدريب أو على الأقل مفكرة للتكتيكات للجنود يتم استخدامها كوسيلة للترقية في الجيش الأمريكي.
يضيف هؤلاء المتخصصون أن كثيرا من المباريات الحربية بدأت كمنتخابات تجارية، ثم تم بعد ذلك تكييفها لتناسب الاستخدام المتخصص. وعادة ما يتم تحويل المباريات الحربية غير المحظورة، التي تستقي معلوماتها من مصادر المعلومات العلنية، إلى مباريات حربية سرية وذلك بإضافة معلومات عسكرية سرية مثل مدى الأسلحة والمعلومات الخاصة بعلم الإحصاء ونظرية الاحتمالات وغيرها من معلومات عسكرية متخصصة.
وبغض النظر عن أصل المباريات الحربية فإن كثيرا من المستخدمين العسكريين أيا كان موقعهم في سلسلة القيادة العسكرية يقومون عادة باستخدام المباريات الحربية كوسيلة للترفيه. يقول أحد المتخصصين أنه تكلم مع قائد سرية في الجيش الأمريكي كان موجودا أثناء معركة كربلاء وأن هذا الضابط أخبره بأنه كان سعيدا لوجوده هناك وذلك لأنه قام بإجراء مباراة حربية مشابهة لتلك المعركة سبع مرات وتم قتله في تلك المباريات جميعها!
من مجلة الحرس الوطني عدد سنة 2005
 
مشكور اخى على الشرح المستفيض و فعلا المباريات الحربيه من اهم الاشياء التى تعتمد عليها الجيوش فى اعداد المقاتلين للحرب و بالزات القاده
 
المباريات الحربية تكون كمحاكي للحرب

مشكور على الموضوع أخي

موضوع ممتاز
 
عودة
أعلى