في الوقت الذي لاتزال فيه المحادثات مستمرة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي الوقت الذي لاتزال فيه المحاولات الدبلوماسية في مجلس الأمن بين مجموعة دول (5 +1) قائمة لحمل إيران على تعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم، وفي الوقت الذي تشهد فيه بغداد تنسيقًا كاملاً بين واشنطن وطهران ولقاءات متتالية بين الأمريكيين والإيرانيين إلى حد تشكيل لجان أمنية مشتركة، نجد موقفًا يتناقض مع ذلك كله يكشفه صعود الخيار العسكري إلى الواجهة، وحضوره بقوة من خلال التسريبات والأحاديث المتعلقة بتوقُّع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جانب، أو من أيٍ منهما، وبين إيران من جانب آخر، بل إن الأمر تجاوز حدود التخمينات والتوقعات والسيناريوهات إلى مستوى وضع توقيتات لهذه المواجهة.
فهل يشهد الخليج حربًا رابعة بصعود الخيار العسكري الأمريكي والإسرائيلي للواجهة، أم إن الأمر لا يعدو كونه ضغطًا سياسيًا وعسكريًا لحمل إيران على الإذعان للمطالب الأوروبية والإسرائيلية لوقف دورة تخصيب اليورانيوم؟ هذا ما تحاول المقالة التعرُّف عليه من خلال رصد نذر الحرب ومعوقات نشوبها.
أولاً : الخيار العسكري ضد إيران
قادت كلٌ من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حملة شديدة لحشد المجتمع الدولي ضد إيران بتعظيم المخاوف من برنامجها النووي في ظل تقارير استخباراتية تشير إلى أن إيران تسعى لامتلاك السلاح النووي، وأنها أصبحت قريبة من امتلاكه، واستغلال التصريحات الإيرانية حول الوجود الإسرائيلي في المنطقة لإقناع المجتمع الدولي أن إيران النووية ستكون مصدر خطورة على المجتمع الدولي بأسره، ومن أجل الضغط على طهران اعتمدت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل الخيار العسكري ضدها للعدول عن برنامجها النووي.
1 الخيار العسكري الأمريكي ضد إيران:
صنّفت الولايات المتحدة إيران ضمن محور الشر، واعتبرتها إحدى الدول الراعية للإرهاب، كما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي (حالة الاتحاد) في 29-1-2002م بناءً على معلومات مضللة زوّدت بها المخابرات الإسرائيلية الولايات المتحدة حول حماية إيران (للملاّ محمد عمر) زعيم طالبان، و (أسامة بن لادن) زعيم تنظيم القاعدة بعد أن تسللا إليها، وأنهما تحت الحماية الإيرانية(1). وفي خطاب نائب الخارجية الأمريكية أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في 28 أبريل 2004م، شرح جوانب السياسة الأمريكية تجاه طهران، فأوضح أن إيران ضالعة في عديد من السياسات والأعمال الهدّامة، وهذا السلوك طبقاً لرؤيته يقوّض الاستقرار الإقليمي، وله آثار سلبية على أمن الولايات المتحدة والأمن الدولي، وأضاف قائلاً: "إننا نتخذ، وسوف نتخذ الإجراءات الضرورية لحماية المصالح الأمريكية"، وعدَّد وسائل مقاومة بلاده للسياسة الإيرانية، وذكر من بينها العقوبات في المجال العسكري(2).
وفيما يتعلق بالمسألة النووية الإيرانية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر إيران واحدة من مصادر التهديد الأكثر خطورة للأجندة الأمريكية لمنع الانتشار النووي، ففي الحالة الإيرانية لا تميِّز واشنطن بين القدرات النووية المدنية والبرامج النووية العسكرية، ومن ثم تتركز التقديرات الرسمية الأمريكية في أن إيران تهدف إلى امتلاك دورة وقود نووي متكاملة، وأن ذلك سوف يمكنها من حيازة قدرات نووية متطورة، ومن ثم فإن المسألة النووية الإيرانية تمثّل في ظل ما يعتبر نظاماً مارقًا مصدرًا لتهديد الأمن القومي الأمريكي بحسب وجهة النظر الأمريكية التي ترى أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الإقليمي، وقد يطلق موجة من الانتشار النووي في المنطقة، ويمكّن طهران من تهديد المصالح الأمريكية فيها، لاسيما في ظل استمرار تطوير البرنامج الصاروخي، كما سيؤدي إلى توجيه ضربة جديدة لمعاهدة منع الانتشار النووي. وطبقاً لسيناريو أسوأ حالة، هناك احتمالات إمداد عناصر إرهابية بأسلحة نووية، وهو ما يجعل الصورة أكثر حدّة مما هي عليه في الواقع(3)، وخصوصاً في ظل عدم امتثال إيران للقرارين الدوليين (1737) و (1747) القاضيين بفرض عقوبات عليها طالما استمرت في عمليات تخصيب اليورانيوم(4).
لهذه الأسباب وغيرها مما تعجّ به ساحة العلاقات الأمريكية الإيرانية من اشتباكات حول قضايا متعددة منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م من بينها العراق بطبيعة الحال أصبحت إيران مستهدفة عسكريًا، حيث بدأت الأنباء تتوالى عن عمل عسكري أمريكي ضد طهران، انطلاقاً من أنها
وقد أشار الصحفي الأمريكي الأشهر (سيمون هيرش) في مجلة (نيويوركر) عدد أبريل 2007م، وبناءً على مصادر رسمية واستخباراتية إلى أن إدارة (بوش) قد بدأت التحضيرات لخطط الحرب ضد إيران(14)، ويعتقد أن تركيز الإدارة الأمريكية على ما تقوم به إيران في العراق هو تهيئة للرأي العام الأمريكي لشن هجوم عسكري عليها(15).
كما دعا وزير الخارجية الفرنسية إلى الاستعداد للأسوأ، وهو الحرب، بسبب الأزمة النووية الإيرانية(16)، وعندما حاول نفي أن يكون داعية للحرب، أكّد على أن الحرب ستكون هي الملاذ الأخير إذا ثبت أن العقوبات غير كافية لإقناع طهران بتعليق برنامجها النووي(17).
وكشفت مصادر عسكرية عليمة عن أن مسؤولين بارزين في القيادة الأمريكية المركزية في (فلوريدا) حددوا من قبل سلسلة من الأهداف المطلوبة داخل إيران، من بينها: منشأة تخصيب اليورانيوم في (ناتانز)، ومنشآت في (أصفهان، وأراك، وبوشهر)، وأضافت أن الولايات المتحدة ستستخدم قاذفات (الشبح ب 2) بعيدة المدى والطائرات العملاقة (ب 52) لإلقاء قنابل خارقة للملاجئ، في محاولة لاختراق مفاعل (ناتانز) المبني على عمق (25) مترًا تحت الأرض، كما أن هذه الطائرات تتميز بتحليقها على ارتفاعات شاهقة لا تصل إليها أحدث بطاريات وجدران الصواريخ الدفاعية(18).
2 الخيار العسكري الإسرائيلي ضد إيران:
وفي إطار التهديدات العسكرية الإسرائيلية لإيران، كشفت تقارير صحفية عن أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي قد تلقى أوامر في أغسطس 2003م لإجراء دراسة حول سبل ضرب أكثر من ستة مواقع نووية في إيران، وأن فريقًا من الموساد وضع مشروع خطة متعددة السيناريوهات لشن غارات بواسطة طائرات (إف 16) القاذفة المقاتلة لتدمير المواقع في وقت متزامن وبالكامل، واعتبر الفريق أن الإمدادات اللوجستية وإن كانت تشكّل صعوبة بالغة، فإنه بالإمكان التغلُّب عليها فنيًا(19). وأدى التهديد الإسرائيلي إلى كشف غير مسبوق عن القدرات النووية الإسرائيلية، حيث تناولت أبرز الصحف الإسرائيلية بالتحليل قدرة إسرائيل على توجيه ضربات نووية إسرائيلية للمواقع الإيرانية وتدميرها كليًا في توقيت واحد، في عملية يعتبرها الموساد قابلة للإنجاز(20)، فجاء هذا الكشف عن قدرات إسرائيل النووية على عكس سياسة الغموض النووي التي تتبعها إسرائيل، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اختيار إسرائيل الظروف الملائمة للتحول عن سياسة الإخفاء والإعلان عن نفسها دولة نووية، فوضعت مجموعة من السيناريوهات لذلك، منها قيام دولة عربية أو إسلامية بإجراء تجربة نووية، أو امتلاك سلاح نووي، ففي هذه الحالة توجّه إسرائيل رسالة واضحة لا يشوبها لبس بأن في مقدورها أن تضرب نووياً أهدافاً في العمق العربي والإسلامي حددها البعض بنحو خمس عشرة مدينة أو عاصمة(21).
ومن الواضح أن إيران باتت من وجهة النظر الإسرائيلية على وشك امتلاك قدرات نووية عسكرية، لذلك مضت في تهديدها، حيث صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي في 29 سبتمبر 2004م بالقول: "إنه يجب على إسرائيل أن تستعد للتعامل مع ما أسماه التهديد الإيراني"(22).
وكشفت صحيفة (صنداي تيمو) البريطانية في 18-7-2004م، عن أن إسرائيل قد تشن هجوماً استباقيًا على مفاعل (بوشهر) باستخدام المجال الجوي التركي، وقالت الصحيفة نفسها في 12-3-2005م إن إسرائيل وضعت خططاً لشن هجوم جوي ضد أهداف إيرانية نووية في
حال فشل الطرق الدبلوماسية، ووضعت رسوماً توضيحية لمراحل الهجوم(23). ونسب إلى نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك (شيمون بيريز) قوله: "يجب أن يُعبّأ العالم ضد الخيار النووي الإيراني"(24).
وعندما خففت الولايات المتحدة من لهجتها ولجأت إلى التهدئة مع إيران بتصريح الرئيس الأمريكي قبل جولته الأوروبية في شهر فبراير 2005م بأن التكهنات بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران شائعات غير صحيحة أعربت إسرائيل عن قلقها تجاه هذه اللهجة المختلفة، ورأت فيها ما يربك خططها في المنطقة، وقال وزير خارجية إسرائيل، إن أي قنبلة نووية إيرانية ستكون كابوسًا بالنسبة لإسرائيل(25). وكانت الأنباء قد نقلت عن رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية في فبراير 2005م قوله: "إذا لم نقم بأي تحرك فسيكون في وسع إيران إنتاج اليورانيوم المخصّب في غضون ستة شهور، مما سيسمح لهم بإنتاج أول قنبلة نووية بحلول عام 2008م"(26)، كما نقلت قول قائد سلاح الجوي الإسرائيلي: "إن على إسرائيل أن تكون مستعدة لمهمة قصف المنشآت النووية الإيرانية"(27). وكان الموساد الإسرائيلي قد طالب بمضاعفة موازنته لتكثيف التجسس ضد البرنامج النووي الإيراني، حيث اعتبر تعقّب البرنامج النووي الإيراني أحد أهم أولوياته(28).
وفي يناير 2007م، نشرت صحيفة (صنداي تايمز) تقريرًا ذكرت فيه أن سلاح الجو الإسرائيلي يقوم بتدريبات على المسافات البعيدة، وأن إسرائيل لو قامت بضرب إيران فإنها ستستخدم قنابل ذرية محدودة المدى لاختراق الدفاعات في عمق الأراضي الإيرانية، وأوضحت الصحيفة أن الخطة الإسرائيلية تقضي باستخدام صواريخ تقليدية موجهة بالليزر لفتح أنفاق قبل استخدام قنابل ذرية تكتيكية تتمتع بقوة تعادل 1-15 من قوة القنبلة الذرية التي أُلقيت على (هيروشيما)(29).
وكشفت مصادر عسكرية فرنسية عن أن إسرائيل وضعت خططاً سرّية لضرب منشآت تخصيب اليورانيوم لدى إيران بأسلحة نووية تكتيكية، وأنه عقب المحادثات الاستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية التي جرت في واشنطن، والتي تمحورت حول التهديد النووي الإيراني، فإن الطيارين الإسرائيليين والأمريكيين يتدربون على هذه المهمة في جبل طارق وصحراء النقب(30).
ثانيًا : سيناريوهات الحرب
تحدث العديد من التقارير العسكرية والاستراتيجية الغربية عن خريطة التحركات الأمريكية في مرحلة ما قبل الحسم العسكري، مؤكدة أن الولايات المتحدة قامت بوضع خطة متكاملة وضعت بعين الاعتبار إجهاض الدور الذي قد تلعبه الميلشيات الشيعية المدعومة من إيران (حزب الله) في لبنان، و (جيش المهدي) و (فيلق بدر) في العراق، وتلك التي تربطها صلات سياسية مع إيران (حركة حماس) و (حركة الجهاد الإسلامي) في فلسطين، حتي لا تؤازر هذه المنظمات إيران بالهجوم على المصالح الأمريكية، ولمواجهة الضغط الإيراني على كلٍ من الفلسطينيين والسوريين، وحزب الله اللبناني، ارتأت واشنطن إجهاض (حزب الله) سياسيًا واستراتيجياً عبر إشعال الداخل اللبناني بإعطاء الضوء الأخضر لوكالة الاستخبارات الأمريكية للقيام بتنفيذ خطة سرية لمساعدة الحكومة اللبنانية على التصدّي لحزب الله، والسعي إلى تشكيل جبهة عربية موحّدة (من المعتدلين العرب) ضد النفوذ الإيراني في المنطقة. وفي سياق متصل عززت الولايات المتحدة من وجودها الجوي والبحري في منطقة الخليج
عبر نشر العديد من حاملات الطائرات المزوّدة بأنظمة للإنذار المبكر، وتوفير الحماية للطائرات المقاتلة والمدمرات والغواصات الهجومية، وأسلحة دفاعية للمسافات القصيرة، وأنظمة (رام) لإطلاق صواريخ أرض جو، ونظام (فلانكس) المضاد لصواريخ كروز، وأنظمة إلكترونية لمواجهة قوة إيران الهجومية لاسيما منظومة الصواريخ التي تمتلكها.
وكخطوة إجرائية تشير إلى أن الضربة الأمريكية لإيران سوف تعتمد بشكل أساسي على المقاتلات التي تنطلق من بوارج وقطع بحرية متمركزة في الخليج، استبدلت واشنطن الجنرال (جون أبي زيد) بالأدميرال البحري (وليام فالون) الذي يعد أكبر قائد عسكري في المحيط الهادي ليصبح مسؤولاً عن القيادة الأمريكية الوسطى المكلفة بإدارة العمليات(31).
ومن بين السيناريوهات العسكرية المرجّحة في الهجوم الأمريكي على إيران بحسب رأي بعض المحللين ما قام بطرحه (توم ماكانيرني) القائد السابق في سلاح الجو في الجيش الأمريكي فهذا السيناريو يعتمد على قيام الولايات المتحدة باستهداف (1000) موقع إيراني عبر (15) طائرة (ب 2) القاذفة للقنابل المتمركزة في الولايات المتحدة، يساندها (45) طائرة (إف 15) و (إف 16) تتمركز في المنطقة، بحيث تؤدي هذه الهجمات إلى تدمير الرادارات الإيرانية بعيدة المدى والدفاعات الإيرانية الاستراتيجية، يستتبعها شن موجات متعددة من الغارات عبر طائرات (ب 52) وطائرات (إف 15)، و (إف 16) التي تنطلق لقصف المنشآت النووية الإيرانية، واستهداف مراكز القيادة والتحكّم، ومراكز وقواعد الحرس الثوري، ومقرات بعض آيات الله الرئيسين، ومواقع حساسة للنظام الإيراني، أملاً في أن يؤدي ذلك إلى ثورة ضد النظام أو إلى قيام مجموعات معارضة داخلية قوية. ويشير هذا السيناريو إلى أن المدة الزمنية التي سيستغرقها هذا الهجوم لن تزيد على يومين فقط، وأن نتائجه سوف تسهم في تدمير إمكانات إيران النووية لنحو خمس سنوات قادمة(32).
وهناك السيناريو الذي وضعه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، حيث طرح (أنتوني لوردسمان) الخبير في الشؤون الاستراتيجية بالمركز سيناريو آخر لضربة أمريكية لإيران في حال فشل الحلول الدبلوماسية، يفترض أن يتم استخدام من (150) إلى (200) صاروخ كروز، بالإضافة إلى حوالي (100) غارة عبر الجمع بين طائرات (ب 2) وصواريخ كروز المنطلقة من البحر الأحمر، وضرورة استخدام القواعد الأرضية في الدول المجاورة لإيران من أجل إعادة تنظيم الهجمات، والتزوّد بالوقود والانطلاق. ووفقاً لهذا السيناريو سيتم استهداف اثنين من أصل ثلاثة على الأقل من المنشآت الرئيسة والحيوية الأكثر قيمة.
كما وضعت مجموعة (اكسفورد) البحثية سيناريو ثالثًا، أشرف عليه (بول روجرز) الخبير والمستشار في المركز، يؤكّد فيه أن هناك هدفين أساسيين للقيام بعمل عسكري ضد المنشآت الإيرانية، يعتمد الأول على التخريب الكلي للبرنامج النووي الإيرني، ومن ثم وأد الحلم النووي الإيراني إلى الأبد، ويهدف الثاني إلى إظهار الولايات المتحدة مستعدة بشكل واضح للقيام بعمل عسكري وقائي في هذا الشأن. ووفقاً لهذا السيناريو فإن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية سيعتمد بشكل أساسي على القوة الجوية والبحرية والتركيز على عنصر المفاجأة في استهداف البنى التحتية النووية الإيرانية الرئيسة ونظام الدفاع الجوي عبر مئات التشكيلات الجوية المدعومة بغارات صاروخية جوية أخرى، وطائرات استطلاع لإخماد الدفاعات(33)؛
وهذا ما اعتبره البعض أحد المشاهد الرئيسة لتصور الحرب القادمة، حيث يعدّ ضربة (جراحية) للمنشآت النووية تحدث في أيام قليلة وبكثافة نيرانية هائلة تحول دون قيام إيران برد عسكري مضاد، وبما يقنع الإدارة الإيرانية بقبول الهزيمة وتجرّع عناصرها على مضض دون القيام بأي رد واسع المدى، أو يضرّ القدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة(34).
وتحدثت بعض التقارير عن استخدام الولايات المتحدة لقنابل نووية تكتيكية تحقيقاً لنصر سريع، وهو المشهد الذي يبدو أكثر جاذبية للمخططين الأمريكيين، وأكثر منطقية للطريقة التي تحشد بها الولايات المتحدة قواتها في مياه الخليج(35).
في المقابل، وضعت مراكز الأبحاث الغربية سيناريوهات الرد الإيراني على أي استهداف لمنشآتها النووية والسيادية، والتي لن تخرج في مجملها عن إغلاق مضيق (هرمز) الملاحي، وتحريك الموالين لها في المنطقة ضد الأهداف والقوات الأمريكية، وتفعيل جبهة جنوب لبنان وسوريا، وحركتي حماس والجهاد في فلسطين بالهجوم على الحليف الصهيوني، واستهداف السفارات الأمريكية والإسرائيلية في دول العالم(36).
ثالثاً: مؤشرات الحرب ومصاعبها
مع كل هذه التسريبات والتكهنات والسيناريوهات، تؤكّد الإدارة الأمريكية تمسكها بالدبلوماسية لحل الأزمة ، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل: هل يمكن أن تكون هذه التهديدات مجرد حرب نفسية أم أن التصعيد المتبادل يمكن أن يزيد من فرص الحرب ؟
إن هذه التسريبات الإعلامية وما ترتكز عليه من مؤشرات ميدانية حيث يجري تجييش متواصل للقوات الأمريكية في المنطقة بحراً وجواً وبراً لا يمكن التقليل من أهميته وتداعياته، فبالنظر إلى الأفعال والممارسات المصحوبة باللهجة العدائية التي يعبّر عنها الرئيس (أحمدي نجاد) وما تشكّله من تهديدات لإسرائيل، إضافة لحزمة الاتهامات الأمريكية لإيران بخصوص قواتها في العراق وما يتعلق بالسلام المزمع بين العرب وإسرائيل، يبدو مبرراً للاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة على توجيه ضربة عسكرية لإيران، ومن ثم يمكن القول إن ما يجري على الساحة هو مؤشرات حقيقية على طريق الحرب. غير أن استراتيجية كهذه لن تكون بالضرورة هي الاستراتيجية الفعلية التي تخطط لها الإدارة الأمريكية، فثمة تساؤلات تتعالى وسط ضجيج الحرب: لماذا يتم النظر إلى نصف الكوب الفارغ ويتم استبعاد التجربة الأمريكية مع كوريا الشمالية التي عبرت العتبة النووية وقبلت الولايات المتحدة التعاطي معها، وهي التي صنّفتها إلى جانب العراق وإيران في محور الشر؟ ثم هل يمكن إسقاط المأزق الأمريكي الراهن في العراق وأفغانستان، ونزاع الكونجرس الأمريكي مع الإدارة الأمريكية وما تواجهه هذه الإدارة من تحديات دولية، فضلاً عن قدرات إيران التسليحية والاقتصادية ومكانتها الإقليمية؛ وغير ذلك من الاعتبارات التي تحول دون الإقدام على مغامرة عسكرية؟ ومن ثم يمكن القول مع هذه التساؤلات إن هناك مصاعب كبيرة في طريق الحرب في المدى القريب على أقل تقدير.
مؤشرات على طريق الحرب :
لا يصعب على المتابع أن يرصد مؤشرات عديدة تضاعف من احتمالات وقوع الحرب، ومنها:
o ثمة ثلاثة تطورات يمكن النظر إليها على أنها دليل على أن ساعة ضرب إيران قد أزفت: الأول: هو الانشقاق البرلماني لجماعة الصدر عن قائمة