الخنزير في الإسلام
الدكتورة زينب عبد العزيز
تحريم و لعنة
القسم الأول
الدكتورة زينب عبد العزيز
تحريم و لعنة
القسم الأول
ترد كلمة "الخنزير" فى القرآن الكريم أربع مرات بالمفرد ومرة واحدة بالجمع.والآيات الأربع التى تتحدث عن الخنزير بصيغة المفرد تمثل تحريما قاطعا لأكل لحم الخنزير. والآية التى ترد فيها هذه الكلمة بصيغة الجمع تتضمن لعنة صارمة من الله عز وجل ضد الضالين من اليهود. وفى هذا الجزء الأول لن نتناول سوى تحريم أكل لحم الخنزير.
إن معظم الديانات تفرض تحريما لبعض الأطعمة وتميّز بين الحلال والحرام منها ، مثل تحريم اكل لحم الأبقار عند الهنود أو تحريم أكل السمك لدى بعض الشعوب الإفريقية. وفيما يتعلق بالخنزير ، فعلى الرغم من أن لحمه هو أكثر اللحوم إستخداما فى العالم ، إلا أنه محرّم فى الرسالات التوحيدية الثلات. وإن كانت الطاعة لهذا التحريم تامة لدى اليهود والمسلمين ، ففى المسيحية يخضع التحريم للطريقة التى يُنظر بها للنص لكى لا نقول لما تحتوى عليه من تحريف أو متناقضات ، فمن الملاحظ أن النصارى السبتيين والأثيوبيين يمتنعون تماما ، أما الباقون فيكتفون بالتحايل على النص.
اليهودية :
بعد أن قام بتحديد التعليمات الخاصة بأكل الحيوانات وتحديد الطاهر وغير الطاهر منها ، يحدد الرب أن الخنزيز غير طاهر: "فهو نجس لكم ، من لحمها لا تأكلوا وجثتها لا تلمسوا إنها نجسة لكم" (لاوين (11: 8). ونفس التحريم يتكرر فى التثنية (14 : 8). وفى الكتاب الثالث لأشعياء نراه يصف اليهود بأنهم شعب متمرد يغيظ الرب دائما "يأكل لحم الخنزير وفى آنيته مرق لحوم نجسة" (65 : 4). وهؤلاء المتمردون الكفرة من بين اليهود يقدمون قرابين بدم الخنزير (66 : 3). ونفس التحريم نطالعه فى الكتاب الأول للمكابيين (1:47)، وفى الكتاب الثانى ننتقل إلى شتات اليهود وإقامة الديانات الوثنية : فقد ألغى انطيوكس الرابع الديانة اليهودية وأرسل جيرونت الأثينى ليبعد اليهود عن شرع الأباء وأن يكفوا عن ضبط حياتهم وفقا لشرع الرب. وإن كان الرب قد لعن من إعتدوا على الشرع لعدوانهم ووقاحتهم فإن المؤمنين منهم لا يزالوا يمتنعون عن أكل الخنزير إلى اليوم.
المسيحية :
يقول يسوع بوضوح : "لا تظنوا إنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل" (متى 5 : 17) ، أى أنه يقبل ويكمّل إستمرار الشرع اليهودى ، لكن ذلك لا يمنع من أننا نجد تغييرا فى موقف نفس يسوع هذا ، وفقا للأناجيل ، إذ نراه يقول : "ليس شئ من خارج الإنسان إذا دخل فيه يقدر أن ينجسه لكن الأشياء التى تخرج منه هى التى تنجس الإنسان" ، أى "الأفكار الشريرة". ويسارع مرقس بإضافة أنه بذلك قد أعلن كافة الأطعمة طاهرة.
وفى المجمع الأول الذى عقده الحواريون فى مدينة القدس ببيت يعقوب ، شقيق يسوع ، حوالى سنة خمسين ميلادية ، قرروا تقليص قائمة المحرمات إلى أقصى حد ممكن. وقالوا للمتنصرين حديثا : "إن الروح القدس ونحن قد قررنا ألا نفرض عليكم مزيدا من الفروض سوى : الإمتناع عن اللحوم المذبوحة للأوثان ، والدم ، ولحم المخنوقة ، والعلاقات غير الشرعية. من الأفضل أن تتجنبوها (أع 15 : 28ـ29). وتظهر قائمة المحرمات مرة أخرى فى رسائل بولس. فقد قدّم كثير من التسهيلات فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثيوس متفاديا القيام بأية فضائح. ومن اللافت للنظر أن نرى الحواريين يضعون أنفسهم على مستوى الروح القدس (أحد الأقانيم الثلاثة للثالوث الإله) ويقوموا بتغيير الشرع الإلهى خاصة الختان الذى أراده الرب أزليا.
ومن الواضح أن إلغاء تحريم أكل لحم الخنزير وإلغاء الختان ، الذى تقرر فى نفس المجمع ، لم يكن الهدف منه مثل التعديلات الأخرى فى الشرع سوى تسهيل دخول اليهود والوثنيين فى المسيحية. إن نصوص المجامع تثبت أن المحرمات الدينية كانت موضع نقاش ومساومات طفيفة أو فجة.
الإسلام :
إن الأربع آيات التى تحرم أكل لحم الخنزيز هى :
* " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير .." الآية (المائدة /3) ؛
* " إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ..." الآية (البقرة /173) ؛
* " قل لا أجد فى ما أوحى إلى محرما على طعام يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير ..." الآية (الأنعام /145) ؛
* " إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ..." الآية (النحل / 115)
ولم يصرح منذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم إلا باستخدم الشعر الذى ينبت أسفل الرأس ، فقد كان يستخدم فى لضم مختلف أنواع الخرز. وفى العصور الحديثة يُصنع منه بعض أنواع الفرشاة التى تستخدم فى الرسم.
وآية الأنعام تحدد أن لحم الخنزير "رجس أو فسق". وفى اللغة العربية فإن الجذر "رجس" يتضمن العديد من المعانى كالقيام بعمل فاضح ؛ مشين ؛ إجرامى ؛ محرّم ؛ قذر ؛ عبادة أصنام على أنها رجس أخلاقى ومعنوى؛ خيانة ؛ جريمة تستحق العقاب. أما الجذر "فسق" فيعنى حياة منفلتة ؛ لا أخلاقية ؛ زنى ؛ فجور ؛ الإبتعاد عن تعاليم الله ؛ فساد وإفساد.
صفات الخنزير :
الخنزير حيوان ثديى مستأنس آكل لأى شئ ، ولا يمكن ذبحه لأنه لا عنق له ويسير دائما محنى الرأس. أنه حيوان نجس ، ملتهم لكل شئ : يأكل القمامة وبقايا الأطعمة وزبالة المطابخ ، وبقايا صناعات بعض الأطعمة والمشروبات ؛ يأكل بقايا اللحوم والجثث العفنة والقمامة وفضلاته بل وحتى صغار أبنائه. وهو لا يتخلص إلا من 2% من حامض البولينة ويحتفظ جسمه بالنسبة الباقية وهى 98% فلا مخارج له للعرق. لذلك يقال أن أى ثعبان سام لا يقوى على قتل الخنزير لأنه يحتوى على سموم فى جسده أكثر من الثعبان !
والخنزير مخزن لأكثر من 450 مرض من الطفيليات أو الوبائيات ، منها 57 تصيب الإنسان ، كما يتضمن جسده 19 نوعا من الديدان المختلفة ونسبة مرتفعة من الدهون فى خلاياه مما يصيب آكله بالكولسترول. وقد أدت صفاته من القذارة والغباء والنهم والإنفلات الجنسى إلى العديد من العبارات أو الأوصاف المهينة لوصف إنسان منفلت كالخنزير ، يتصرف كالخنزير ، أو قذر كالخنزير للتعبير عن القرف والإحتقار.
ورغم التقدم العلمى فى الكثير من مجالات التابعة للمنظمات الدولية أو القومية لمراقبة الأوبئة ، فإن الخنزير لا يكف عن إفراز الأمراض المعدية للإنسان ، ومنها ما ظهر عام 1993 كوباء غير مفهوم فى البداية ، مثل انفلوانزا الخنازير ، وطاعون الخنازير ) وظلت دراستها حيز الأبحاث حتى سنة 2000 على الأقل ، وكلها مسببة للأوبئة لكنها تظهر بصور مختلفة وفقا لمستوى التربية والعناية. ففى عام 1990 إنتشر وباء من الخنازير وأعلن عنه فى أوروبا أولا ثم فى ألمانيا ، وكانت هناك متابعات له فى أمريكا الجنوبية منذ 1987 ثم فى أمريكا الشمالية. وفيما بين عامى 2006 و2008 إنتشر مرض غامض فى المجازر بشمال أمريكا ، وهو مرض مرتبط بالتهاب النخاع الشوكى ويصيب عمال مجازر الخنازير وخاصة من يقومون بتقطيع الرؤس.
وعلى الرغم من تقدم وسائل التربية الصناعية والسيطرة الصحية وسهولة تربية الخنازير الشديدة الربح لوفرة لحومها ، فالأنثى تضع 12 خنزيرا فى العام وبنظام التربية السريعة تضع 24 خنزيرا فى العام. إلا أن ذلك لا يمنع العلم من أن يؤكد خطورة تناول لحم هذا الحيوان ويحذر من استهلاك لحومه. وذلك لإكتشاف فيروسات وبائية جديدة فى اكتوبر 1998. وفى واقع الأمر كان الأطباء يحذرون من تناول لحمه منذ 1872 ، إلا أنه فى القرن العشرين قد تم اكتشاف أن خلايا الديدان التى تصيبه من نوع البكتيريا العصوية وأن أغلبية هذه الديان الشديدة الصغر مسببة للأمراض ومنها الديدان المعوية والشريطية فى الأمعاء والسعال الديكى والدفتيريا والجذام والدرن والتيفويد. وبعضها الآخر يصيب بالتخمر. وكون هذه الخلايا على شكل عصوى ، إى كالعصاة وليست مستديرة، فقد ثبت أنها تسرى مع الدم الذى يسير بدوره فى جميع أجزاء الجسم ما عدا عدسة العين. وهو ما يؤكد أن لحم الخنزير لا يصلح بتاتا للإستخدام الآدمى. لكن من الملاحظ أن وسائل الإعلام نادرا ما تتناول هذا الموضع وتلتزم الصمت المريب.
إن مقال الإستاذ الدكتور هانز هنريخ ركويج ، الذى يعود إلى عام 1983 بعنوان "التأثير الضار لأكل الخنزير على الصحة" ، وهى دراسة جادة شديدة الأهمية وجديرة بأن تترجم إلى عدة لغات ، يقول فيها : أن حقيقة أن اكل لحم الخنزير تتسبب فى إصابة الإنسان بالتوتر العصبى و التسمم بات أمرا مفروغ منه. ثم يتناول بالتفصيل مساوئ اكل لحم الخنزير وينهى بحثه مؤكدا أن الخنزير يصيب الإنسان بسبعة أمراض أساسية يمكن علاجها بيولوجيا شريطة الإمتناع تماما عن تناول لحم الخنزير.
كما أن علم تسمم الإنسان ، الهوموتوكسيكولوجى، وهو من المجالات الحديثة نسبيا التى تثبت تأثير العناصر السامة على جسم الإنسان ، يضيف العناصر العديدة لهذه الإدانات المتعلقة بضرر أكل لحم الخنزير. ومقال الدكتور تيسران المنشور فى ديسمبر 2011 يحذر بوضوح قائلا : "هناك دراسة منشورة فى مجلة : "علم المناعة والميكروبات المقارن والأمراض المعدية" يوضح أن لحوم الخنزير الفرنسية المعروضة للإستهلاك مصابة بميكروب vhe وهو ما يؤكد أنها مصدر إصابة خطير للعدوى". كما نطالع فى عدد مجلة "تقارير المستهلك" الصادرة فى يناير 2013 ، وتتناول قضية تقرير صادر بناء على فحص 132 عينة من لحوم الخنزير المعروضة للبيع ، وأن 121 عينة منها مصابة ، أى إن 90 % من هذه اللحوم المعروضة بكل جبروت غير صالحة للإستخدام الآدمى وضارة.
وفى عام 2008 تم الإبلاغ عن 131468 حالة إصابة بالسلمونيللا فى الإتحاد الأوروبى جميع مصدرها ذلك اللحم الذى أصبح يعد المصدر الرئيسى لإصابة الإنسان. وتستعد الإدارة الصحية بالإتحاد الأوروبى والإدارة العلمية لإقرار قواعد علمية لتفادى مثل هذا الموقف. كما أننا نطالع تحت عنوان : "تقييم كمّى للمخاطر البيولوجية على مستهلكى لحم الخنزير" أن هناك خمس وثلاثين من الأخطار البيولوجية التى يمكن أن تنتقل للإنسان عن طريق لحم الخنزير. منها على الأقل إثنى عشر مرضا تمثل حالات إكلنيكية ناجمة عن هذا اللحم.
وفى مايو 2010 طلبت اللجنة الأوروبية من السلطة الأوروبية للأمن الغذائى efsa أن تقدم مجموعة من الآراء العلمية حول الأخطار البيولوجية والكيماوية على الصحة العامة وأن تأخذ فى الإعتبار التفتيش على اللحوم. وكان اول تقرير تم تقديمه فى اواخر 2011 حول التفتيش على لحوم الخنازير. ويشير التقرير إلى مخاطر ناجمة عن السلمونيللا وعدة أنواع مختلفة من الديدان التى يجب مراقبتها والتفتيش عليها فى نفس المذبح لخطورتها على الصحة العامة. وأكد تقرير السلطة الأوروبية للأمن الغذائى : "أن وسائل التفتيش الحالية لا تسمح بالكشف المبكر عن اول ثلاثة أمراض ، وأنه بصورة أوسع ، لا تسمح بالتفرقة بين المظاهر المرتبطة بالأمن الغذائى ومستوى نوعية هذه اللحوم والحماية منها حتى على المستوى المهنى" (أى من يقومون بالعمل فى مجازر الخنازير).
ومختلف أنواع الأبحاث العلمية والميدانية تطالب اليوم بوقف استهلاك لحم الخنزير لعدم تلوث الذين يأكلونه وإصابتهم بكل ما يسببه من أمراض. لكن ، الإقتصاد ورؤوس الأموال المتحكمة فى قيادة العديد من المجالات الإجتماعية فى العصر الحديث ، والمرتبطة بالسياسة العامة وتخضع لها ، إضافة إلى عصابات التربح والإتجار بالأدوية ووسائل الإعلام التابعة لها تواصل فرض الحظر على هذه الأبحاث والتقارير ، وبالتالى يستمر عرض لحوم الخنزير ومنتجاتها فى الأسواق لتستمر لعبة الأمراض وإستهلاك الأدوية...
لقد ثبت علميا يقينا أن مرور الخلايا الشعرية أو العصوية الشكل فى دم الخنزير تلوث جميع أجزاء جسمه وتجعل لحمه غير صالح للإستخدام الآدمى. وهنا لا بد من أن نتساءل : هل الأمن الغذائى وصحة المستهلك ستأخذ الصدارة فى الإهتمام لدى هؤلاء المسئولين وعصاباتهم ، أم ان لعبة السوق ومكاسبه غير الشرعية ستواصل التصلط والسيطرة ، غير عابئين بصحة الإنسان ؟
ولا يمكننا إلا أن نحمد الله عز وجل أن حرّم علينا كمسلمين أكل لحم الخنزير ، تحريما قاطعا مسببا ، منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ، قبل أن يتمكن العلم من إثبات خطورة وضرر أكله ماديا أو علميا..
يتبع
إن معظم الديانات تفرض تحريما لبعض الأطعمة وتميّز بين الحلال والحرام منها ، مثل تحريم اكل لحم الأبقار عند الهنود أو تحريم أكل السمك لدى بعض الشعوب الإفريقية. وفيما يتعلق بالخنزير ، فعلى الرغم من أن لحمه هو أكثر اللحوم إستخداما فى العالم ، إلا أنه محرّم فى الرسالات التوحيدية الثلات. وإن كانت الطاعة لهذا التحريم تامة لدى اليهود والمسلمين ، ففى المسيحية يخضع التحريم للطريقة التى يُنظر بها للنص لكى لا نقول لما تحتوى عليه من تحريف أو متناقضات ، فمن الملاحظ أن النصارى السبتيين والأثيوبيين يمتنعون تماما ، أما الباقون فيكتفون بالتحايل على النص.
اليهودية :
بعد أن قام بتحديد التعليمات الخاصة بأكل الحيوانات وتحديد الطاهر وغير الطاهر منها ، يحدد الرب أن الخنزيز غير طاهر: "فهو نجس لكم ، من لحمها لا تأكلوا وجثتها لا تلمسوا إنها نجسة لكم" (لاوين (11: 8). ونفس التحريم يتكرر فى التثنية (14 : 8). وفى الكتاب الثالث لأشعياء نراه يصف اليهود بأنهم شعب متمرد يغيظ الرب دائما "يأكل لحم الخنزير وفى آنيته مرق لحوم نجسة" (65 : 4). وهؤلاء المتمردون الكفرة من بين اليهود يقدمون قرابين بدم الخنزير (66 : 3). ونفس التحريم نطالعه فى الكتاب الأول للمكابيين (1:47)، وفى الكتاب الثانى ننتقل إلى شتات اليهود وإقامة الديانات الوثنية : فقد ألغى انطيوكس الرابع الديانة اليهودية وأرسل جيرونت الأثينى ليبعد اليهود عن شرع الأباء وأن يكفوا عن ضبط حياتهم وفقا لشرع الرب. وإن كان الرب قد لعن من إعتدوا على الشرع لعدوانهم ووقاحتهم فإن المؤمنين منهم لا يزالوا يمتنعون عن أكل الخنزير إلى اليوم.
المسيحية :
يقول يسوع بوضوح : "لا تظنوا إنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل" (متى 5 : 17) ، أى أنه يقبل ويكمّل إستمرار الشرع اليهودى ، لكن ذلك لا يمنع من أننا نجد تغييرا فى موقف نفس يسوع هذا ، وفقا للأناجيل ، إذ نراه يقول : "ليس شئ من خارج الإنسان إذا دخل فيه يقدر أن ينجسه لكن الأشياء التى تخرج منه هى التى تنجس الإنسان" ، أى "الأفكار الشريرة". ويسارع مرقس بإضافة أنه بذلك قد أعلن كافة الأطعمة طاهرة.
وفى المجمع الأول الذى عقده الحواريون فى مدينة القدس ببيت يعقوب ، شقيق يسوع ، حوالى سنة خمسين ميلادية ، قرروا تقليص قائمة المحرمات إلى أقصى حد ممكن. وقالوا للمتنصرين حديثا : "إن الروح القدس ونحن قد قررنا ألا نفرض عليكم مزيدا من الفروض سوى : الإمتناع عن اللحوم المذبوحة للأوثان ، والدم ، ولحم المخنوقة ، والعلاقات غير الشرعية. من الأفضل أن تتجنبوها (أع 15 : 28ـ29). وتظهر قائمة المحرمات مرة أخرى فى رسائل بولس. فقد قدّم كثير من التسهيلات فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثيوس متفاديا القيام بأية فضائح. ومن اللافت للنظر أن نرى الحواريين يضعون أنفسهم على مستوى الروح القدس (أحد الأقانيم الثلاثة للثالوث الإله) ويقوموا بتغيير الشرع الإلهى خاصة الختان الذى أراده الرب أزليا.
ومن الواضح أن إلغاء تحريم أكل لحم الخنزير وإلغاء الختان ، الذى تقرر فى نفس المجمع ، لم يكن الهدف منه مثل التعديلات الأخرى فى الشرع سوى تسهيل دخول اليهود والوثنيين فى المسيحية. إن نصوص المجامع تثبت أن المحرمات الدينية كانت موضع نقاش ومساومات طفيفة أو فجة.
الإسلام :
إن الأربع آيات التى تحرم أكل لحم الخنزيز هى :
* " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير .." الآية (المائدة /3) ؛
* " إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ..." الآية (البقرة /173) ؛
* " قل لا أجد فى ما أوحى إلى محرما على طعام يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير ..." الآية (الأنعام /145) ؛
* " إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ..." الآية (النحل / 115)
ولم يصرح منذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم إلا باستخدم الشعر الذى ينبت أسفل الرأس ، فقد كان يستخدم فى لضم مختلف أنواع الخرز. وفى العصور الحديثة يُصنع منه بعض أنواع الفرشاة التى تستخدم فى الرسم.
وآية الأنعام تحدد أن لحم الخنزير "رجس أو فسق". وفى اللغة العربية فإن الجذر "رجس" يتضمن العديد من المعانى كالقيام بعمل فاضح ؛ مشين ؛ إجرامى ؛ محرّم ؛ قذر ؛ عبادة أصنام على أنها رجس أخلاقى ومعنوى؛ خيانة ؛ جريمة تستحق العقاب. أما الجذر "فسق" فيعنى حياة منفلتة ؛ لا أخلاقية ؛ زنى ؛ فجور ؛ الإبتعاد عن تعاليم الله ؛ فساد وإفساد.
صفات الخنزير :
الخنزير حيوان ثديى مستأنس آكل لأى شئ ، ولا يمكن ذبحه لأنه لا عنق له ويسير دائما محنى الرأس. أنه حيوان نجس ، ملتهم لكل شئ : يأكل القمامة وبقايا الأطعمة وزبالة المطابخ ، وبقايا صناعات بعض الأطعمة والمشروبات ؛ يأكل بقايا اللحوم والجثث العفنة والقمامة وفضلاته بل وحتى صغار أبنائه. وهو لا يتخلص إلا من 2% من حامض البولينة ويحتفظ جسمه بالنسبة الباقية وهى 98% فلا مخارج له للعرق. لذلك يقال أن أى ثعبان سام لا يقوى على قتل الخنزير لأنه يحتوى على سموم فى جسده أكثر من الثعبان !
والخنزير مخزن لأكثر من 450 مرض من الطفيليات أو الوبائيات ، منها 57 تصيب الإنسان ، كما يتضمن جسده 19 نوعا من الديدان المختلفة ونسبة مرتفعة من الدهون فى خلاياه مما يصيب آكله بالكولسترول. وقد أدت صفاته من القذارة والغباء والنهم والإنفلات الجنسى إلى العديد من العبارات أو الأوصاف المهينة لوصف إنسان منفلت كالخنزير ، يتصرف كالخنزير ، أو قذر كالخنزير للتعبير عن القرف والإحتقار.
ورغم التقدم العلمى فى الكثير من مجالات التابعة للمنظمات الدولية أو القومية لمراقبة الأوبئة ، فإن الخنزير لا يكف عن إفراز الأمراض المعدية للإنسان ، ومنها ما ظهر عام 1993 كوباء غير مفهوم فى البداية ، مثل انفلوانزا الخنازير ، وطاعون الخنازير ) وظلت دراستها حيز الأبحاث حتى سنة 2000 على الأقل ، وكلها مسببة للأوبئة لكنها تظهر بصور مختلفة وفقا لمستوى التربية والعناية. ففى عام 1990 إنتشر وباء من الخنازير وأعلن عنه فى أوروبا أولا ثم فى ألمانيا ، وكانت هناك متابعات له فى أمريكا الجنوبية منذ 1987 ثم فى أمريكا الشمالية. وفيما بين عامى 2006 و2008 إنتشر مرض غامض فى المجازر بشمال أمريكا ، وهو مرض مرتبط بالتهاب النخاع الشوكى ويصيب عمال مجازر الخنازير وخاصة من يقومون بتقطيع الرؤس.
وعلى الرغم من تقدم وسائل التربية الصناعية والسيطرة الصحية وسهولة تربية الخنازير الشديدة الربح لوفرة لحومها ، فالأنثى تضع 12 خنزيرا فى العام وبنظام التربية السريعة تضع 24 خنزيرا فى العام. إلا أن ذلك لا يمنع العلم من أن يؤكد خطورة تناول لحم هذا الحيوان ويحذر من استهلاك لحومه. وذلك لإكتشاف فيروسات وبائية جديدة فى اكتوبر 1998. وفى واقع الأمر كان الأطباء يحذرون من تناول لحمه منذ 1872 ، إلا أنه فى القرن العشرين قد تم اكتشاف أن خلايا الديدان التى تصيبه من نوع البكتيريا العصوية وأن أغلبية هذه الديان الشديدة الصغر مسببة للأمراض ومنها الديدان المعوية والشريطية فى الأمعاء والسعال الديكى والدفتيريا والجذام والدرن والتيفويد. وبعضها الآخر يصيب بالتخمر. وكون هذه الخلايا على شكل عصوى ، إى كالعصاة وليست مستديرة، فقد ثبت أنها تسرى مع الدم الذى يسير بدوره فى جميع أجزاء الجسم ما عدا عدسة العين. وهو ما يؤكد أن لحم الخنزير لا يصلح بتاتا للإستخدام الآدمى. لكن من الملاحظ أن وسائل الإعلام نادرا ما تتناول هذا الموضع وتلتزم الصمت المريب.
إن مقال الإستاذ الدكتور هانز هنريخ ركويج ، الذى يعود إلى عام 1983 بعنوان "التأثير الضار لأكل الخنزير على الصحة" ، وهى دراسة جادة شديدة الأهمية وجديرة بأن تترجم إلى عدة لغات ، يقول فيها : أن حقيقة أن اكل لحم الخنزير تتسبب فى إصابة الإنسان بالتوتر العصبى و التسمم بات أمرا مفروغ منه. ثم يتناول بالتفصيل مساوئ اكل لحم الخنزير وينهى بحثه مؤكدا أن الخنزير يصيب الإنسان بسبعة أمراض أساسية يمكن علاجها بيولوجيا شريطة الإمتناع تماما عن تناول لحم الخنزير.
كما أن علم تسمم الإنسان ، الهوموتوكسيكولوجى، وهو من المجالات الحديثة نسبيا التى تثبت تأثير العناصر السامة على جسم الإنسان ، يضيف العناصر العديدة لهذه الإدانات المتعلقة بضرر أكل لحم الخنزير. ومقال الدكتور تيسران المنشور فى ديسمبر 2011 يحذر بوضوح قائلا : "هناك دراسة منشورة فى مجلة : "علم المناعة والميكروبات المقارن والأمراض المعدية" يوضح أن لحوم الخنزير الفرنسية المعروضة للإستهلاك مصابة بميكروب vhe وهو ما يؤكد أنها مصدر إصابة خطير للعدوى". كما نطالع فى عدد مجلة "تقارير المستهلك" الصادرة فى يناير 2013 ، وتتناول قضية تقرير صادر بناء على فحص 132 عينة من لحوم الخنزير المعروضة للبيع ، وأن 121 عينة منها مصابة ، أى إن 90 % من هذه اللحوم المعروضة بكل جبروت غير صالحة للإستخدام الآدمى وضارة.
وفى عام 2008 تم الإبلاغ عن 131468 حالة إصابة بالسلمونيللا فى الإتحاد الأوروبى جميع مصدرها ذلك اللحم الذى أصبح يعد المصدر الرئيسى لإصابة الإنسان. وتستعد الإدارة الصحية بالإتحاد الأوروبى والإدارة العلمية لإقرار قواعد علمية لتفادى مثل هذا الموقف. كما أننا نطالع تحت عنوان : "تقييم كمّى للمخاطر البيولوجية على مستهلكى لحم الخنزير" أن هناك خمس وثلاثين من الأخطار البيولوجية التى يمكن أن تنتقل للإنسان عن طريق لحم الخنزير. منها على الأقل إثنى عشر مرضا تمثل حالات إكلنيكية ناجمة عن هذا اللحم.
وفى مايو 2010 طلبت اللجنة الأوروبية من السلطة الأوروبية للأمن الغذائى efsa أن تقدم مجموعة من الآراء العلمية حول الأخطار البيولوجية والكيماوية على الصحة العامة وأن تأخذ فى الإعتبار التفتيش على اللحوم. وكان اول تقرير تم تقديمه فى اواخر 2011 حول التفتيش على لحوم الخنازير. ويشير التقرير إلى مخاطر ناجمة عن السلمونيللا وعدة أنواع مختلفة من الديدان التى يجب مراقبتها والتفتيش عليها فى نفس المذبح لخطورتها على الصحة العامة. وأكد تقرير السلطة الأوروبية للأمن الغذائى : "أن وسائل التفتيش الحالية لا تسمح بالكشف المبكر عن اول ثلاثة أمراض ، وأنه بصورة أوسع ، لا تسمح بالتفرقة بين المظاهر المرتبطة بالأمن الغذائى ومستوى نوعية هذه اللحوم والحماية منها حتى على المستوى المهنى" (أى من يقومون بالعمل فى مجازر الخنازير).
ومختلف أنواع الأبحاث العلمية والميدانية تطالب اليوم بوقف استهلاك لحم الخنزير لعدم تلوث الذين يأكلونه وإصابتهم بكل ما يسببه من أمراض. لكن ، الإقتصاد ورؤوس الأموال المتحكمة فى قيادة العديد من المجالات الإجتماعية فى العصر الحديث ، والمرتبطة بالسياسة العامة وتخضع لها ، إضافة إلى عصابات التربح والإتجار بالأدوية ووسائل الإعلام التابعة لها تواصل فرض الحظر على هذه الأبحاث والتقارير ، وبالتالى يستمر عرض لحوم الخنزير ومنتجاتها فى الأسواق لتستمر لعبة الأمراض وإستهلاك الأدوية...
لقد ثبت علميا يقينا أن مرور الخلايا الشعرية أو العصوية الشكل فى دم الخنزير تلوث جميع أجزاء جسمه وتجعل لحمه غير صالح للإستخدام الآدمى. وهنا لا بد من أن نتساءل : هل الأمن الغذائى وصحة المستهلك ستأخذ الصدارة فى الإهتمام لدى هؤلاء المسئولين وعصاباتهم ، أم ان لعبة السوق ومكاسبه غير الشرعية ستواصل التصلط والسيطرة ، غير عابئين بصحة الإنسان ؟
ولا يمكننا إلا أن نحمد الله عز وجل أن حرّم علينا كمسلمين أكل لحم الخنزير ، تحريما قاطعا مسببا ، منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ، قبل أن يتمكن العلم من إثبات خطورة وضرر أكله ماديا أو علميا..
يتبع
التعديل الأخير: