الأمن القومي التحديات العسكرية وسبل التصدي لها
اللواء الدكتور- محمد جمال مظلوم
الأمن القومي العربي يعني - في أبسط تعريف له - حماية الأمة العربية من الخطر، وفي تعريف آخر ل (هنري كيسنجر) - وزير الخارجية الأمريكي - ذكر أن الأمن القومي يعني: أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء، وعلى هذا نجد أن الأمن العسكري هو أحد مكونات الأمن القومي الشامل، والذي عن طريقه تحقق الدولة أمنها وتأمن حقها في الوجود.
كما يعني الأمن القومي لمجموعة من الدول: الإجراءات التي تحقق الأمن الشامل لهذه المجموعة من الدول في مجالاته المختلفة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية.
وللحديث عن العنصر العسكري في الأمن القومي نجد أنه يتحقق عن طريق حجم وتكوين القوات المسلحة للدول العربية، من حيث التنظيم والتسليح، والتعبئة، والخبرة القتالية، والإنتاج الحربي، والأحلاف العسكرية أو التواجد الأجنبي، والاحتياجات المادية والفنية، والتكنولوجيا المقدمة، وكلها موضوعات تدخل في عمليات البناء العسكري للدول العربية فرادى ومجتمعه معاً بهدف تحقيق الأمن العربي.
ويتعرض الوطن العربي هذه الأيام للعديد من التحديات والعقبات التي تعرقل التضامن والتعاون العربي، سببَّته سلسلة من الحروب والصراعات والأزمات - سواء من خلال تدخلات أجنبية، أو صراعات داخلية بين الدول العربية وبعضها أو داخل الدولة الواحدة - وانعكست تأثيراتها على الأمن القومي العربي بسلبيات ونتائج خطيرة تتطلب وقفة عربية حاسمة تنبع من إرادة سياسية شاملة لإصلاح البيت العربي لمواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية.
يتمثل تحقيق هدف الأمن العسكري من خلال الاعتراف والتأكيد على أن أمن الدول العربية هو أمن متكامل، وأن أي اعتداء على دولة ما يعتبر اعتداء على كافة الدول العربية، لذلك فإن الهدف الأمني يتطلب إجراءات شديدة الحساسية تبدأ من توحيد مفهوم العقيدة العسكرية، ومتطلبات الأمن، ومفهوم التوازن، ومفهوم إعداد المنطقة العربية للدفاع، وإنشاء القاعدة العلمية العسكرية للإنتاج الحربي لمتطلبات الجيوش العربية، وتكوين الاحتياطي الاستراتيجي المناسب، كذلك مفهوم استخدام القوات العسكرية في تحقيق الأمن المتكامل، والتغلب على مشكلات الفراغ الأمني الاستراتيجي.
أولاً: حصر التحديات العسكرية للأمن القومي العربي في:
(1) ضعف بناء القدرات العسكرية للدول العربية
برغم ما تنفقه الدول العربية على الأعباء الدفاعية السنوية، والتي تقدر بحوالي (50 -60) مليار دولار سنويا،ً إلا أن ميزان التفوق في صالح دول الجوار، خاصة إسرائيل، التي تتفوق بإمكانيتها العسكرية على الدول العربية إجمالاً، وهو ما تضمنه لها الولايات المتحدة الأمريكية. وكذلك من ناحية أخرى لو قارنا القدرة العسكرية لسوريا مع تركيا - بحكم المشكلات العالقة بينها سواء بسبب المياه، أو من أجل لواء الإسكندرونه الذي احتلته تركيا من سوريا - فهو لصالح تركيا، والأمر كذلك بمقارنة دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران؛ هذا دون النظر إلى النوعية، فكل من إسرائيل وتركيا تتسلم من الدول الغربية أحدث ما في ترسانات الأسلحة الغربية مقارنة بالدول العربية، وإن كان من المرجح اختلاف نوعيات الأسلحة لدى إسرائيل عما لدى الدول العربية(1).
وفي إطار حديثنا عن إعداد القوات المسلحة نذكر هنا موضوع المعلومات وإطلاق دول الجوار الثلاث: تركيا، وإيران، وإسرائيل الأقمار الاصطناعية للتجسس على بعضها وعلى الدول العربية، وأصبحت السماوات العربية مفتوحة لدول الجوار، فإسرائيل أطلقت أقمارها حتى (أوفق - 7 واروس 1، 2) حتى العام 2006م، وتركيا أعلنت عن مناقصة في أوائل عام 2006م لإطلاق قمر للتجسس، وتسعى إسرائيل لبيع قمر لها هذه الأيام، وإيران أطلقت قمراً اصطناعياً (سينا -1) بالتعاون مع روسيا في يناير 2008م، هذا بخلاف إطلاقها صاروخاً قادراً على إطلاق الأقمار الاصطناعية في 4 فبراير 2008م (أميد -1)، وهو من طراز (شهاب -4)، وأطلقت عليه اسم السفير، أي ما يعني أنها ستطلق أقمارها التجسسية بإمكاناتها الذاتية، هذا في الوقت الذي لا تمتلك أي من الدول العربية هذه التكنولوجيا(2).
(2) ضعف التعاون العسكري العربي
اتفاقية الدفاع العربية وقعتها الدول العربية لتصحيح الأوضاع بعد حرب عام 1948م في أبريل عام 1950م، إلا أن هذه الاتفاقية لم تُفعّل ربما سوى مرة واحدة استعداداً لحرب 1973م، وأفرزت خلالها قدراً من التنسيق، ولكن سرعان ما تبدد نتيجة تغلب عوامل القطرية على القومية، فالاتفاقية لم تضعف فقط، بل وصلت إلى حد اعتداء دولة على دولة أخرى؛ وهو ما تم في 2 أغسطس 1990م(3) .
وبرغم أن الحديث عن التعاون العربي وضعفه فيما بين الدول العربية إلا أن التسليح العربي أيضاً لا يحقق ذلك، فمثلاً لو استعرضنا نوعيات الدبابات التي تتسلح بها الدول العربية نجد (MIAI) الأمريكية أو (إم - 60)، والفرنسية "لوكليرك"، والإنجليزية "تشالينجر"، والألمانية "ليوبارد"، والروسية، وهي أنواع بدءاً من (تي - 34) إلى (54) إلى (55) إلى (72) إلى (82)، وهي من إنتاج تشيكي، أو بولندي، أو روسي، أو أوكراني، فكيف يتم الحشد والتعبئة مع كل هذه الأنواع؟ .
وفي دول مجلس التعاون الخليجي شُكِّلت قوات درع الجزيرة عام 1986م مجمعة في حفر الباطن في المملكة العربية السعودية، وفي القمة السادسة والعشرين في ديسمبر 2005م تقرر إعادة هيكلة القوة وإعادة قواتها إلى دولها على أن تكون تحت الطلب، وتقوم بتدريبات دورية بين دول المجلس وبعضها، ولكنها تعاني أيضاً من مشكلة التسلح.
ومن المتصور أن أبسط مجالات التعاون العربي تتمثل في التنسيق بين الدول العربية والتعاون في مجال التدريبات المشتركة بهدف الخبرات بين الدول العربية، كما أن التعاون في مجال صفقات التسلح تمثل ضرورة هامة حيث إن التنسيق بين الدول العربية في هذا المجال يكون دعماً للدول في مواجهة الدولة التي تبيع الأسلحة حتى لا تختلف الصفقة من دولة لأخرى سواء في مواصفات السلاح أو في الثمن أو في توقيتات التسليم.
(3) ضعف أو محدودية الصناعات الحربية العربية
تتميز الدول العربية بصفة عامة بضعف صناعاتها الحربية، وبأن نسبة منها عبارة عن صناعات تجميعية وليست صناعات وليدة الدولة ذاتها، وهي في أنحاء متفرقة من الدول العربية ربما أهمها مصر، والمملكة العربية السعودية، وسوريا، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ولم تصل هذه الصناعات إلى صناعات متكاملة مقارنة بما تم في دول الجوار.
فإسرائيل تُصنّع دبابة (ميركافا) وهي من أحدث الدبابات في العالم، وفي مجال الطائرات المقاتلة تُصنّع الطائرة (كفير)، ونجحت في تصنيع الطائرة (لافي)، واستبدلتها الولايات المتحدة الأمريكية بصفقات أسلحة حديثة، وفي مجال الصواريخ تُصنّع الصاروخ أرض - أرض أريحا، حتى أريحا - 2 و 3، والذي تزيد مداياتها عن ألفي كيلومتر، والصواريخ المضادة للصواريخ مثل أرو (حيتس) وأنواع أخرى مختلفة من الصواريخ جو - جو، وجو أرض، والصواريخ الحاملة للأقمار الاصطناعية مثل (شافيت) أو غيرها الكثير، بخلاف تفوقها العالي في تصنيع أنواع متعددة من الطائرات بدون طيار.
وبالنسبة لتركيا: فلها أيضاً صناعاتها العسكرية الخاصة بها مثل بعض أجزاء من الدبابة الأمريكية (MIAI،) والطائرة المقاتلة (F-16)، كما أنها كثفت تعاونها مع إسرائيل مؤخراًً في محاولة لتصنيع الدبابة (ميركافا)، والصاروخ أرض - أرض، إريحا، والصاروخ (أرو) في تركيا.
وبالنسبة لإيران: فتُصنّع أنواع متعددة من أسلحة القوات البرية سواء صواريخ مضادة للدبابات والمدفعية بأنواع مختلفة وناقلات الجند المدرعة، مثل: (BMP)، والبرق، والدبابات من أنواع ذو الفقار، وتوفسان، (وتي - 72)، وفي الطائرات تُصنّع المقاتلة البرق، وطائرات التدريب، وتطور الطائرات الحربية التي في الخدمة، والطائرات المروحية، والطائرات بدون طيار، وأسلحة الدفاع الجوي، والصناعات البحرية، والغواصات، والصواريخ عديدة الأنواع من أنواع شهاب أرض - أرض، وبحر - جو، وبحر - سطح(4).
(4) ضعف تجهيز مسرح العمليات
إضافة إلى ضعف التعاون العربي نجد ضعف تجهيز مسرح العمليات في إطار ما يطلق عليه إعداد الدولة للدفاع، وهو أحد العناصر الأساسية في الإعداد للعمليات العسكرية، والمثل على ذلك: الحشد العسكري لقوات أكثر من (30) دولة في أراضي المملكة العربية السعودية في حرب تحرير الكويت عامي 90 و 1991م، وأهمية إعداد مسرح العمليات وأماكن الإيواء للجنود والمطارات والقواعد الجوية والبحرية والإعاشة، فالقوات المصرية - على سبيل المثال - تحركت براً من القاهرة إلى ميناء الأدبية بالسويس، ومنها بحراً إلى جدة، ثم براً إلى حفر الباطن شرق المملكة قاطعة أكثر من ألف كيلومتر براً داخل أراضي المملكة العربية السعودية.
وفي هذا الإطار نجد ضرورة قيام كل دولة بإعداد أراضيها للعمليات، مثل: تجهيز المطارات، وأراضي الهبوط، وإعداد المسرح بالتجهيزات المناسبة لسرعة احتلال القوات للأراضي عند الفتح للقتال، وكذلك إعداد الطرق والمدقات لسهولة النقل واتساعها بدرجة السماح بنقل القوات بسهولة، وهو ما تفتقده الدول العربية عامة أي عدم إعداد أراضيها لنشر قوات الدول الأخرى في حال نقلها إلى هذه الدول لدعمها في صراعاتها المنتظرة أو في حال تعرضها للتهديد.
(5) ضبط التسلح وتطبيقه على الدول العربية
عقب حرب تحرير الكويت عام 1991م، واكتشاف التحالف الغربي امتلاك العراق أسلحة متقدمة شرقية وغربية كانت سبباً في طموحاته وحروبه، اقترحت الولايات المتحدة الأمريكية آلية ضبط التسلح، وبخاصة لدول الشرق الأوسط في محاولة من جانبها وبدعوى تقليل الحروب والصراعات في المنطقة، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت الآليات المقررة لحرمان الدول العربية من الأسلحة في الوقت الذي تمنح فيه إسرائيل الأسلحة دون أي قيد، والمثل الواضح كان في عدوان إسرائيل على لبنان صيف عام 2006م، فقد نقلت الولايات المتحدة الأمريكية الذخائر والوقود لإسرائيل بطائراتها من قواعدها المنتشرة في المنطقة وفي أوروبا لتستخدمها في عدوانها على لبنان. وأهم هذه الآليات كانت في 29 مايو 1991م - عقب حرب الخليج الثانية - وأطلق عليها مبادرة "بوش" لضبط تسلح الشرق الأوسط، وبيان باريس للدول دائمة العضوية في أكتوبر 1991م، كما تم إقرار مبادرة أخرى في يوليو 1992م لتكون أكثر فاعلية وأكثر تفصيلاً.
والمشكلة الرئيسة في هذا الأمر أن تطبيق عمليات الضبط تظل مقصورة على الأطراف العربية دون إسرائيل، مما أدى إلى زيادة الخلل في التوازنات وازدياد الفجوة التكنولوجية نتيجة إعطاء إسرائيل التكنولوجيا المتقدمة وحظرها على الأطراف العربية(5).
وتتفاقم هذه السياسة تحديداً ضد الدول العربية التي لا تسير في فلك الولايات المتحدة وتوافق على سياستها وتتهمها الولايات المتحدة بأنها دول إرهابية أو ترعى الإرهاب.
هذا فضلاً عن حجب التقنية العسكرية - المتمثلة في "أسلحة الفضاء من صواريخ وأقمار صناعية"، وكذلك أسلحة الدمار الشامل - عن الدول العربية، ويكتسب حجب الأسلحة التقليدية المتطورة والأسلحة عالية التقنية عن العرب، أهمية خاصة إذا علمنا أن بعض القوى الإقليمية المجاورة مثل إسرائيل تحصل على أحدث ما تنتجه الترسانة الغربية من أسلحة ومعدات عسكرية، سواء في المجال التقليدي أو غير التقليدي، بل وإلى إقامة مشروعات إنتاج مشتركة أحياناً في مجالات الفضاء، وهو ما يطلق عليه اسم "حرب النجوم"، وإنتاج الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، والصواريخ المضادة، كما قامت الولايات المتحدة باستخدام القوة أحياناً للتصدى للسفن التي يظن أنها تنقل أسلحة لبعض الدول، والواقع أن الدعوى التي تروج لها بعض القوى الكبرى لمنع أسلحة معينة عن الأقطار العربية بدعوى الحماية للأمن والاستقلال والسلام لا تتمشى مع المنهج الذي تطبقه في تمييز بعض الدول مثل إسرائيل، والتي تسمح لها بالحصول على كافة ما تريد.
(6) التواجد والقواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة
كان للمتغيرات والحروب التي حدثت في المنطقة بدءاً من حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران في الفترة من 1980م إلى 1988م، وما تخللته من حرب الناقلات وحرب المدن، وما تلاها من حروب احتلال العراق للكويت، وحرب الخليج الثانية، والتي أعقبها توقيع غالبية دول مجلس التعاون - عدا المملكة العربية السعودية - اتفاقيات أمنية مع الدول الكبرى - وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا، وفرنسا - وإقامة القواعد الأجنبية في البعض منها، آخرها اتفاق دولة الإمارات وفرنسا على إقامة قاعدة أجنبية لها في الإمارات في يناير 2008م، وانتشار القواعد الأجنبية أو التسهيلات في دول عربية أخرى، مثل جيبوتي التي يوجد بها قواعد فرنسية، وأخرى أمريكية.
ودون الدخول تفصيلاً في إجمالي هذه القواعد يمكن القول إن هذه القواعد تمثل انكشافاً للأمن القومي العربي، بل تمثل تهديداً، وتعرِّض الدول التي تستقبلها على أرضها للعدوان سواء من الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل، وما يتردد عن تخطيط الولايات المتحدة الأمريكية لإقامة قواعد دائمة لها في العراق، وأنها لن تنسحب قبل عام 2018م إن لم يكن بعد ذلك.
وتتمثل المشكلة الأخرى في الاتفاقيات الأمنية الموضحة، أنها تسمح بالتدريبات المشتركة مع الدول الأجنبية التي وقعت هذه الاتفاقية، والتي بالتالي تجري تدريبات على الأرض العربية، ويمكن فيما بعد أن يكون ذلك تهديداً للدول العربية في حالة حرب مستقبلية تكون فيها هذه الدول الأجنبية داعمة أو حليفة للدول الخصم.
(7) قيام تحالفات عسكرية بين بعض دول المنطقة
والتي يمكن أن تهدد بعض الدول العربية، ومنها على سبيل المثال الاتفاق العسكري الذي أبرم بين تركيا وإسرائيل في فبراير 1996م، والذي يمكن أن يهدد بعض دول الجوار الجغرافي العربية، وكذلك ما يتردد عن تواجد طويل الأمد للقوات الأمريكية في العراق.
(8) الدور الجديد لحلف الأطلسي كأحد التهديدات العسكرية العالمية للأمن العربي
الواقع أن أزمة كوسوفو عام 1999م، قد أدت إلى جرف حلف الأطلسي إلى مهمة جديدة، وهي أن يصبح رجل بوليس العالم، ولقد أصبح على الحلف أن يتبنى استراتيجية جديدة ينتقل خلالها من مرحلة الدفاع عن أراضي دول الحلف إلى الدفاع عن المصالح المشتركة خارج أراضيها.
ولقد جاءت الاستراتيجية الجديدة للحلف في إطار الاستعداد للتدخل لمواجهة النزاعات العرقية والإقليمية خارج نطاق دول الحلف، وهو ما يؤكد المخاوف الإقليمية من أن الحلف يتجه لإحلال نفسه محل مجلس الأمن الدولي.
والواقع أن نموذج كوسوفو أصبح نموذجاً يمكن أن يطبق في أي مكان آخر داخل منطقة الشرق الأوسط بعامة والدول العربية بخاصة، ومن السهولة بمكان وللوهلة الأولى أن يستخدم الحلف كل الوسائل المتاحة لديه - سواء كانت سياسية أم عسكرية - من أجل التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية، وعلى سبيل المثال:
(أ) محاولة إعادة ترتيب أوضاع بعض دول المنطقة وخصوصاً وأن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن يكون لها دور في منطقة الخليج بعد تولى قيادة قوات تحالف أفغانستان، ودور آخر في أفريقيا.
(ب) التدخل لحماية الممر التجاري في كل من الخليج العربي والبحر الأحمر لضمان تدفق النفط إلى الغرب الأوروبي.
(ج) التدخل للتفتيش على أسلحة كيماوية وبيولوجية، أو لمنع تدفق الأسلحة إلى بعض الدول العربية، أو التدخل لتحديد امتلاك بعض الدول للصواريخ الباليستية أرض - أرض، أو التدخل في إطار تحقيق حقوق الإنسان، وهي ما كانت سبباً للتدخل والعدوان على العراق عام 2003م.
ومن ثم يصبح الباب مفتوحاً على مصراعيه للتدخل في الشؤون الداخلية للدول بعيداً عن الشرعية الدولية المرتكزة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهو ما يتطلب من الدول العربية انتهاج سياسة واستراتيجية موحدة لمواجهة مثل هذه الاحتمالات.
(9) سباق التسلح النووي في العديد من دول العالم
الواقع أن امتلاك بعض الدول للسلاح النووي، ومنها دولتا شبه القارة الهندية (الهند، وباكستان) من شأنه أن يؤثر على طبيعة الصراع في منطقة الخليج في المستقبل، وعلى حالة الاستقرار والأمن فيها، خصوصاً وأن هناك دولاً أخرى مثل إيران تتطلع لامتلاك أسلحة نووية، ومن ثم فإن قرب منطقة الخليج من هاتين الدولتين في حالة تحول الصراع بينهما إلى صراع نووي سيكون له مردود سلبي على أمن المنطقة، بل على حركة التجارة العالمية إلى كل من منطقة الخليج والعالم العربي وعلى أمنه، أضف إلى ذلك أن انفراد إسرائيل بالتسلح النووي من شأنه أن يمثل عنصر تهديد دائم للعالم العربي، مقابل تجاهل دول العالم لها.
إن التحديات العسكرية أو تحديات أخرى مؤثرة على الأمن القومي من وجهة النظر العسكرية عديدة، وهو ما يصعب أن تشمله دراستنا في هذا العدد، ومن هذه العوامل الأخرى على سبيل المثال لا الحصر:
1- ضعف الناتج المحلي في الدول العربية مقارنة بتعداد السكان، فعلى سبيل المثال لو أن دولة ناتجها القومي (100) مليار دولار أنفقت بنسبة 5% على الأعباء الدفاعية أي (5) مليارات دولار، ولو زاد الناتج المحلي إلى (150) مليار دولار سيصبح المخصص طبقاً لنفس النسبة (5ر7) مليار دولار، وهو ما يعني مزيداً من الإنفاق الدفاعي.
2- ضعف الكثافة السكانية مقارنة بمساحة الدولة: فعلى سبيل المثال دولة مثل المملكة العربية السعودية بمساحة حوالي (5ر2) مليون متر مربع وبعدد سكان حوالي (25) مليون نسمة منهم عمالة وافدة، أي حوالي (10) أفراد-كم2، وهي نسبة ضعيفة لا تتفق مع تنامي الأطراف في المملكة وإطلالها على الخليج العربي والبحر الأحمر، وأعبائها مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي.
3- الدول صغيرة المساحة والسكان: فدول مجلس التعاون الخليجي - باستثناء المملكة العربية السعودية - هي دول صغيرة المساحة، وتعداد السكان في قطر، ومملكة البحرين، ودولة الإمارات، مثلاً قليلٌ جداًًً، وتتمثل المشكلة أيضاً أن نسبة السكان الوطنيين تصل في البعض منها إلى حوالي (30-40%) من السكان، مما يشكل عبئاً في إعداد قوات مسلحة كافية تدافع عن أراضي الدولة في مواجهة دولة خليجية أخرى كبيرة، مثل: إيران، والعراق، قبل تغيير نظام "صدام حسين".
4- مشكلة القوى البشرية في الدول العربية، وهو موضوع يحتاج لدراسات عديدة، فمن ناحية:
أ) ضعف البنية الصحية والحالة البدنية في بعض الدول العربية مما يجعل نسبة كبيرة من شبابها غير صالحين للخدمة في القوات المسلحة.
ب) وجود بعض الأقليات في بعض الدول غير مقبول انضمامهم إلى القوات المسلحة في هذه الدول خوفاً من أن يكون ولاؤهم لدول خارجية قد تعتبر معادية.
ج) افتقار العسكريين في بعض الدول للخبرات القتالية، أو بمعنى أن هذه الدول لم تشارك جيوشها في حروب ضارية مما تسبب في عدم تمرسهم وخبراتهم القتالية التي تكتسب بالممارسة.
ثانياً: سبل التصدي للتحديات والتهديدات العسكرية
نقرر في البدء أن التوازنات ما بين قدرة الدفاع العربي والتهديدات الخارجية يجب أن تكون لصالح القدرة العربية على وجه الإطلاق، وبالقدر الذي يحقق خطوط حمراء تمنع أي معتدي داخل أو خارج المنطقة من اجتيازها.
ومن المتصور أن أفضل سبل التصدي هو معالجة تفصيلية لكل بند من البنود السابقة بما يحقق أمن الدولة ذاتها وتكون عاملاً مساعداً في دعم الأمن القومي العربي الشامل.
وفي إطار التصدي للتحديات والتهديدات في الشأن العسكري، ولوضع استراتيجية للمواجهة، تعني في مفهومنا: فن تطوير واستخدام قوى الدولة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية (المعنوية)، والعسكرية في زمن السلم والحرب لتقديم سبل الدعم للسياسات الوطنية، فمن المتصور اتخاذ الخطوات التالية على مستوى كل دولة، وعلى مستوى العالم العربي أجمع:
أولاً: على المستوى المحلي :
(1) أهمية بناء القدرة الذاتية للجيوش العربية سواء في مجال التنظيم، أو التسليح، أو التدريب، أو مواكبة تنظيمات واستعدادات الجيوش المتقدمة. ويمثل التعاون الأمني العربي عنصراً فاعلاً بالنسبة لتبادل الخبرات في التدريب والتسليح، ويُعدُّ توحيد تنظيمات وتسليح الجيوش العربية عنصراً هاماً في مجال التعاون بين الدول العربية مستقبلاً.
وهنا نوضح أن بناء القوة العسكرية للدولة يتطلب قدرة اجتماعية، وقدرة علمية توفر مطالب القوات المسلحة من الشباب والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة لنظم التسليح، كذلك قدرة اقتصادية كبيرة لتوفير مطالب القوات المسلحة، ثم قدرة سياسية على دراية بإدارة الأزمات وتعرف مدى وأين وكيف تستخدم قواتها المسلحة دون أن تعرضها لأخطار حقيقية.
2- البناء الحديث للجيوش العربية، فقد بدأت حروب القرن الحادي والعشرين في أفغانستان والعراق بفرض نظريات عسكرية جديدة اعتماداً على الثورة التكنولوجية العسكرية، التي تمثلت في ظهور ثورة جديدة في الشؤون العسكرية، والذي يتوقع الخبراء أنها ستغير من أسس بناء جيش المستقبل، فهذه التكنولوجيا ستؤدي إلى توفير مستشعرات متنوعة، تضمن الدقة العالية في تحديد أهداف العدو، والعمل على تدميرها بالتكامل بين عمليات حرب المعلومات وضربات العمق المركزة من خارج المدى.
ويرى الخبراء أنه أصبحت هناك أسس عديدة يعتمد عليها بناء جيش القرن الحادي والعشرين، وتستخلص هذه الأسس من البحث في مقومات هذا الجيش، وتحديد عناصره ومفاهيمه، وتحديد الخصوم والأولويات، ومن القدرة على توفير هذه العناصر والمقومات، وإذا ما تم بناء هذا الجيش، فسيكون بمقدور القيادة العسكرية أن تستغني عن نشر أعداد ضخمة من الأسلحة على خط المواجهة مع الخصم، نظراً لاستخدام الأسلحة دقيقة التوجيه، والجنود المتفوقين تدريباً، والنيران الغزيرة والكثيفة والدقيقة المنطلقة من العمق إلى أعماق الأراضي المعادية، والقوة البحرية المتفوقة، والذراع الجوية الضاربة الطويلة، وسلاح الصواريخ برؤوسها التقليدية، وغير التقليدية وأسلحة الفضاء.
ثانياً: على المستوى العربي :
1- ضرورة حل الخلافات والمشكلات الداخلية في الوطن العربي والتي تشغل وتستنزف الموارد الاقتصادية والعسكرية للدول العربية وتكون مجالاً للتدخل الأجنبي في الشؤون العربية، وتأجيج الصراعات بين الأطراف والطوائف، ومن أمثلة ذلك: لبنان والصراع الطائفي على أرضها، وكذلك الأزمة السودانية(8).
2- ضرورة تخطيط استراتيجية محددة الأهداف تتفق عليها معظم الدول العربية في إطار جامعة الدول العربية، بحيث يتم التخطيط الاستراتيجي الواضح لأسلوب مواجهة هذه المهددات، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو عسكرية في إطار التضامن العربي
مجالات التعاون العسكري العربي ضرورية وعديدة بدءاً من الاتفاق على التسليح، والنوعيات، وتوحيد الأفكار، والعقائد العسكرية، والتدريبات المشتركة سواء في المعاهد التعليمية وتوحيد هذه البرامج والمناورات، سواء للقيادات أو القوات، حيث إن الملاحظة الجديرة بالاهتمام هي تزايد التدريبات مع الدول الأجنبية بديلاً للتدريبات مع الدول العربية.
كما أن التعاون في مجال تجهيز مسرح العمليات ضرورة لمواجهة عمليات التعاون والحشد بين الدول العربية، وبخاصة مجال ربط المشرق العربي بالمغرب المتحدة الأمريكية تحاول أن يكون له دور في منطقة الخليج بعد تولي قيادة العربي لمواجهة الأحداث الشبيهة بحرب الخليج الثانية، والحشد العربي ضمن الحشد الدولي، ويأتي على رأس ذلك إنشاء الجسر البحري بين مصر والسعودية عبر مدينة شرم الشيخ، والجسر الذي يربط جيبوتي باليمن والذي سيربط آسيا وأفريقيا جنوباً، هذا علاوة على خط نويبع العقبة الملاحي الذي يربط مصر بالأردن، وجميعها مشروعات استراتيجية يفضل استغلال الظروف الدولية الحالية والعلاقات العربية والخليجية الأمريكية لإقامة هذه المشروعات دعماً للاستراتيجية العسكرية العربية.
وفي المدى البعيد نتصور صورة أفضل للتعاون العسكري، بدءاً من إعادة تنظيم الإدارة العسكرية في جامعة الدول العربية، التي تفتقر حالياً لقيادة عسكرية متقدمة لتحقيق تعاون وتنسيق بين القوات المسلحة في الدول العربية أفضل مما هي عليه في المجالات الأخرى سواء السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية. ومن المعلوم أن الدول العربية كانت قد شكلت القيادة العربية الموحدة عام 1967م، ولكنها لم يتحقق لها دور أو فاعلية على المستوى العربي.
إن الوطن العربي في أشد الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتنسيق الجهود العربية في مواجهة التحديات سواء من دول الجوار وتطلعاتها وأطماعها الكبيرة بدءاً من الخليج، أو عدوان أرتيريا من قبل على اليمن ودعمها متمردي الصومال، ودورها في داخل السودان، والتهديدات المحدقة بالمغرب من جانب أسبانيا، وغيرها الكثير، ومن المتصور في المستقبل على سبيل المثال:
(أ) تشكيل قيادة عربية موحدة يكون مقرها القاهرة يتفرع منها:
*قيادة شرقية على سبيل المثال تتولى العمل للدول العربية في آسيا.
*قيادة مركزية يمكن أن تضم مصر، والسودان، وليبيا.
*قيادة غربية تضم باقي دول المغرب العربي: تونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا.
*قيادة جنوبية تضم جيبوتي، والصومال، وجزر القمر.
(ب) أن تتولى كل قيادة فرعية عملية التنسيق بين جيوش الدول التابعة لها، سواء في مجال التدريب، أو التسلح، أو التنظيم، ويمكن مستقبلاً أن تتولى قيادة العمليات التي تحدث في المنطقة، والدفاع أو التعامل مع التحديات والتهديدات داخل كل قيادة.
3- مواجهة التطورات الحالية والمستقبلية في النظام العالمي الجديد في إطار رؤية عربية مشتركة، وفي إطار سياسة موحدة، وليس من موقف انفرادي.
4- التحرك نحو جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.
5- أهمية إقامة صناعة حربية عربية مشتركة، فمواجهة ضبط التسلح وتطبيقه - خصوصاً على الدول العربية - بدعوى وقف النزاعات والحروب في المنطقة، يستلزم من الدول العربية إعادة بناء صناعاتها الحربية في خطة عربية شاملة بالاستفادة من الإمكانات الموجودة فيها، بحيث يتم توزيع الصناعات على الدول العربية طبقاً لقدراتها، وبحيث تغطي صناعات الأسلحة البرية، والبحرية، والجوية، وأسلحة الدفاع الجوي، والصواريخ، فهناك دول لا يتعدّى عدد سكانها الملايين حققت صناعات متقدمة على المستوى الدولي، في الوقت الذي يقترب سكان الدول العربية من (400) مليون نسمة ولم تحقق أبسط الأسلحة والذخائر للاكتفاء الذاتي.
وإذا كنا نتذرع بالحاجة لرؤوس الأموال فالاحتياطيات المالية العربية حالياً لا تجد مكان آمن للاستثمار فيه بعد مخاطر التجميد من الدول الكبرى منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م، كما أن الإنتاج الكبير المطلوب حالياً للدول العربية التي تتكون من 22 دولة، هو الإ نتاج الجماعي وليس الإنتاج لدولة واحدة، وهو شرط من شروط الصناعات الحربية، وقد آن الآوان لإحياء مشروع الهيئة العربية للتصنيع الحربي مرة أخرى، خصوصاً وأن بعض الدول العربية الخليجية أعادت استثمار أموالها في الصناعات الحربية في تركيا.
ختاماً: إذا كانت الدول العربية قد خططت لعقد قمة عربية لمناقشة الأوضاع الاقتصادية في الوطن العربي ستستضيفها الكويت أواخر العام 2008م، فمن المتصور أن يتم التخطيط لعقد قمة عربية مماثلة للصناعات الحربية باعتبارها أحد العناصر الهامة لتحقيق الأمن العسكري؛ فالصناعات الحربية العربية لا تقل في درجة الأهمية عن تأمين الغذاء للمواطنين في الدول العربية
المراجع:
(1) لواء دكتور جمال مظلوم، القدرات الدفاعية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد 25 عاماً على إنشائه، مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، القاهرة 2006م.
(2) جريدة الحياة، العدد 16377، في 5-2-2008م.
(3) لواء عبدالمنعم كاطو، نحو نظرية أمن قومي عربي متكامل، مجلة الدفاع، القاهرة يوليو 2001م، ص 80.
(4) لواء دكتور جمال مظلوم، الصناعات الحربية في إيران، مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، القاهرة، نوفيمر 2007م.
(5) لواء عثمان كامل، ضبط التسلح وقضايا السلام والأمن، مجلة الدفاع، مصر، يناير 2008م، ص 46.
(6) لواء عبدالرحمن رشدي الهواري، التحديات والمخاطر العالمية وتأثيرها على الأمن العربي، مجلة الدفاع، القاهرة، نوفمبر 1999م.
(7) لواء علي محمد علي، جيوش القرن الحادي والعشرين، مجلة الدفاع، يوليو 2003م، ص 91.
(8) لواء عبدالمنعم سعيد كاطو، الخريطة السياسية للمنطقة واستراتيجية تفعيل الدور العربي، مجلة الدفاع، مصر، يونيو 2007م، ص 30.
http://www.kkmaq.gov.sa/Detail.asp?InNewsItemID=273652
اللواء الدكتور- محمد جمال مظلوم
الأمن القومي العربي يعني - في أبسط تعريف له - حماية الأمة العربية من الخطر، وفي تعريف آخر ل (هنري كيسنجر) - وزير الخارجية الأمريكي - ذكر أن الأمن القومي يعني: أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء، وعلى هذا نجد أن الأمن العسكري هو أحد مكونات الأمن القومي الشامل، والذي عن طريقه تحقق الدولة أمنها وتأمن حقها في الوجود.
كما يعني الأمن القومي لمجموعة من الدول: الإجراءات التي تحقق الأمن الشامل لهذه المجموعة من الدول في مجالاته المختلفة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية.
وللحديث عن العنصر العسكري في الأمن القومي نجد أنه يتحقق عن طريق حجم وتكوين القوات المسلحة للدول العربية، من حيث التنظيم والتسليح، والتعبئة، والخبرة القتالية، والإنتاج الحربي، والأحلاف العسكرية أو التواجد الأجنبي، والاحتياجات المادية والفنية، والتكنولوجيا المقدمة، وكلها موضوعات تدخل في عمليات البناء العسكري للدول العربية فرادى ومجتمعه معاً بهدف تحقيق الأمن العربي.
ويتعرض الوطن العربي هذه الأيام للعديد من التحديات والعقبات التي تعرقل التضامن والتعاون العربي، سببَّته سلسلة من الحروب والصراعات والأزمات - سواء من خلال تدخلات أجنبية، أو صراعات داخلية بين الدول العربية وبعضها أو داخل الدولة الواحدة - وانعكست تأثيراتها على الأمن القومي العربي بسلبيات ونتائج خطيرة تتطلب وقفة عربية حاسمة تنبع من إرادة سياسية شاملة لإصلاح البيت العربي لمواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية.
يتمثل تحقيق هدف الأمن العسكري من خلال الاعتراف والتأكيد على أن أمن الدول العربية هو أمن متكامل، وأن أي اعتداء على دولة ما يعتبر اعتداء على كافة الدول العربية، لذلك فإن الهدف الأمني يتطلب إجراءات شديدة الحساسية تبدأ من توحيد مفهوم العقيدة العسكرية، ومتطلبات الأمن، ومفهوم التوازن، ومفهوم إعداد المنطقة العربية للدفاع، وإنشاء القاعدة العلمية العسكرية للإنتاج الحربي لمتطلبات الجيوش العربية، وتكوين الاحتياطي الاستراتيجي المناسب، كذلك مفهوم استخدام القوات العسكرية في تحقيق الأمن المتكامل، والتغلب على مشكلات الفراغ الأمني الاستراتيجي.
أولاً: حصر التحديات العسكرية للأمن القومي العربي في:
(1) ضعف بناء القدرات العسكرية للدول العربية
برغم ما تنفقه الدول العربية على الأعباء الدفاعية السنوية، والتي تقدر بحوالي (50 -60) مليار دولار سنويا،ً إلا أن ميزان التفوق في صالح دول الجوار، خاصة إسرائيل، التي تتفوق بإمكانيتها العسكرية على الدول العربية إجمالاً، وهو ما تضمنه لها الولايات المتحدة الأمريكية. وكذلك من ناحية أخرى لو قارنا القدرة العسكرية لسوريا مع تركيا - بحكم المشكلات العالقة بينها سواء بسبب المياه، أو من أجل لواء الإسكندرونه الذي احتلته تركيا من سوريا - فهو لصالح تركيا، والأمر كذلك بمقارنة دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران؛ هذا دون النظر إلى النوعية، فكل من إسرائيل وتركيا تتسلم من الدول الغربية أحدث ما في ترسانات الأسلحة الغربية مقارنة بالدول العربية، وإن كان من المرجح اختلاف نوعيات الأسلحة لدى إسرائيل عما لدى الدول العربية(1).
وفي إطار حديثنا عن إعداد القوات المسلحة نذكر هنا موضوع المعلومات وإطلاق دول الجوار الثلاث: تركيا، وإيران، وإسرائيل الأقمار الاصطناعية للتجسس على بعضها وعلى الدول العربية، وأصبحت السماوات العربية مفتوحة لدول الجوار، فإسرائيل أطلقت أقمارها حتى (أوفق - 7 واروس 1، 2) حتى العام 2006م، وتركيا أعلنت عن مناقصة في أوائل عام 2006م لإطلاق قمر للتجسس، وتسعى إسرائيل لبيع قمر لها هذه الأيام، وإيران أطلقت قمراً اصطناعياً (سينا -1) بالتعاون مع روسيا في يناير 2008م، هذا بخلاف إطلاقها صاروخاً قادراً على إطلاق الأقمار الاصطناعية في 4 فبراير 2008م (أميد -1)، وهو من طراز (شهاب -4)، وأطلقت عليه اسم السفير، أي ما يعني أنها ستطلق أقمارها التجسسية بإمكاناتها الذاتية، هذا في الوقت الذي لا تمتلك أي من الدول العربية هذه التكنولوجيا(2).
(2) ضعف التعاون العسكري العربي
اتفاقية الدفاع العربية وقعتها الدول العربية لتصحيح الأوضاع بعد حرب عام 1948م في أبريل عام 1950م، إلا أن هذه الاتفاقية لم تُفعّل ربما سوى مرة واحدة استعداداً لحرب 1973م، وأفرزت خلالها قدراً من التنسيق، ولكن سرعان ما تبدد نتيجة تغلب عوامل القطرية على القومية، فالاتفاقية لم تضعف فقط، بل وصلت إلى حد اعتداء دولة على دولة أخرى؛ وهو ما تم في 2 أغسطس 1990م(3) .
وبرغم أن الحديث عن التعاون العربي وضعفه فيما بين الدول العربية إلا أن التسليح العربي أيضاً لا يحقق ذلك، فمثلاً لو استعرضنا نوعيات الدبابات التي تتسلح بها الدول العربية نجد (MIAI) الأمريكية أو (إم - 60)، والفرنسية "لوكليرك"، والإنجليزية "تشالينجر"، والألمانية "ليوبارد"، والروسية، وهي أنواع بدءاً من (تي - 34) إلى (54) إلى (55) إلى (72) إلى (82)، وهي من إنتاج تشيكي، أو بولندي، أو روسي، أو أوكراني، فكيف يتم الحشد والتعبئة مع كل هذه الأنواع؟ .
وفي دول مجلس التعاون الخليجي شُكِّلت قوات درع الجزيرة عام 1986م مجمعة في حفر الباطن في المملكة العربية السعودية، وفي القمة السادسة والعشرين في ديسمبر 2005م تقرر إعادة هيكلة القوة وإعادة قواتها إلى دولها على أن تكون تحت الطلب، وتقوم بتدريبات دورية بين دول المجلس وبعضها، ولكنها تعاني أيضاً من مشكلة التسلح.
ومن المتصور أن أبسط مجالات التعاون العربي تتمثل في التنسيق بين الدول العربية والتعاون في مجال التدريبات المشتركة بهدف الخبرات بين الدول العربية، كما أن التعاون في مجال صفقات التسلح تمثل ضرورة هامة حيث إن التنسيق بين الدول العربية في هذا المجال يكون دعماً للدول في مواجهة الدولة التي تبيع الأسلحة حتى لا تختلف الصفقة من دولة لأخرى سواء في مواصفات السلاح أو في الثمن أو في توقيتات التسليم.
(3) ضعف أو محدودية الصناعات الحربية العربية
تتميز الدول العربية بصفة عامة بضعف صناعاتها الحربية، وبأن نسبة منها عبارة عن صناعات تجميعية وليست صناعات وليدة الدولة ذاتها، وهي في أنحاء متفرقة من الدول العربية ربما أهمها مصر، والمملكة العربية السعودية، وسوريا، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ولم تصل هذه الصناعات إلى صناعات متكاملة مقارنة بما تم في دول الجوار.
فإسرائيل تُصنّع دبابة (ميركافا) وهي من أحدث الدبابات في العالم، وفي مجال الطائرات المقاتلة تُصنّع الطائرة (كفير)، ونجحت في تصنيع الطائرة (لافي)، واستبدلتها الولايات المتحدة الأمريكية بصفقات أسلحة حديثة، وفي مجال الصواريخ تُصنّع الصاروخ أرض - أرض أريحا، حتى أريحا - 2 و 3، والذي تزيد مداياتها عن ألفي كيلومتر، والصواريخ المضادة للصواريخ مثل أرو (حيتس) وأنواع أخرى مختلفة من الصواريخ جو - جو، وجو أرض، والصواريخ الحاملة للأقمار الاصطناعية مثل (شافيت) أو غيرها الكثير، بخلاف تفوقها العالي في تصنيع أنواع متعددة من الطائرات بدون طيار.
وبالنسبة لتركيا: فلها أيضاً صناعاتها العسكرية الخاصة بها مثل بعض أجزاء من الدبابة الأمريكية (MIAI،) والطائرة المقاتلة (F-16)، كما أنها كثفت تعاونها مع إسرائيل مؤخراًً في محاولة لتصنيع الدبابة (ميركافا)، والصاروخ أرض - أرض، إريحا، والصاروخ (أرو) في تركيا.
وبالنسبة لإيران: فتُصنّع أنواع متعددة من أسلحة القوات البرية سواء صواريخ مضادة للدبابات والمدفعية بأنواع مختلفة وناقلات الجند المدرعة، مثل: (BMP)، والبرق، والدبابات من أنواع ذو الفقار، وتوفسان، (وتي - 72)، وفي الطائرات تُصنّع المقاتلة البرق، وطائرات التدريب، وتطور الطائرات الحربية التي في الخدمة، والطائرات المروحية، والطائرات بدون طيار، وأسلحة الدفاع الجوي، والصناعات البحرية، والغواصات، والصواريخ عديدة الأنواع من أنواع شهاب أرض - أرض، وبحر - جو، وبحر - سطح(4).
(4) ضعف تجهيز مسرح العمليات
إضافة إلى ضعف التعاون العربي نجد ضعف تجهيز مسرح العمليات في إطار ما يطلق عليه إعداد الدولة للدفاع، وهو أحد العناصر الأساسية في الإعداد للعمليات العسكرية، والمثل على ذلك: الحشد العسكري لقوات أكثر من (30) دولة في أراضي المملكة العربية السعودية في حرب تحرير الكويت عامي 90 و 1991م، وأهمية إعداد مسرح العمليات وأماكن الإيواء للجنود والمطارات والقواعد الجوية والبحرية والإعاشة، فالقوات المصرية - على سبيل المثال - تحركت براً من القاهرة إلى ميناء الأدبية بالسويس، ومنها بحراً إلى جدة، ثم براً إلى حفر الباطن شرق المملكة قاطعة أكثر من ألف كيلومتر براً داخل أراضي المملكة العربية السعودية.
وفي هذا الإطار نجد ضرورة قيام كل دولة بإعداد أراضيها للعمليات، مثل: تجهيز المطارات، وأراضي الهبوط، وإعداد المسرح بالتجهيزات المناسبة لسرعة احتلال القوات للأراضي عند الفتح للقتال، وكذلك إعداد الطرق والمدقات لسهولة النقل واتساعها بدرجة السماح بنقل القوات بسهولة، وهو ما تفتقده الدول العربية عامة أي عدم إعداد أراضيها لنشر قوات الدول الأخرى في حال نقلها إلى هذه الدول لدعمها في صراعاتها المنتظرة أو في حال تعرضها للتهديد.
(5) ضبط التسلح وتطبيقه على الدول العربية
عقب حرب تحرير الكويت عام 1991م، واكتشاف التحالف الغربي امتلاك العراق أسلحة متقدمة شرقية وغربية كانت سبباً في طموحاته وحروبه، اقترحت الولايات المتحدة الأمريكية آلية ضبط التسلح، وبخاصة لدول الشرق الأوسط في محاولة من جانبها وبدعوى تقليل الحروب والصراعات في المنطقة، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت الآليات المقررة لحرمان الدول العربية من الأسلحة في الوقت الذي تمنح فيه إسرائيل الأسلحة دون أي قيد، والمثل الواضح كان في عدوان إسرائيل على لبنان صيف عام 2006م، فقد نقلت الولايات المتحدة الأمريكية الذخائر والوقود لإسرائيل بطائراتها من قواعدها المنتشرة في المنطقة وفي أوروبا لتستخدمها في عدوانها على لبنان. وأهم هذه الآليات كانت في 29 مايو 1991م - عقب حرب الخليج الثانية - وأطلق عليها مبادرة "بوش" لضبط تسلح الشرق الأوسط، وبيان باريس للدول دائمة العضوية في أكتوبر 1991م، كما تم إقرار مبادرة أخرى في يوليو 1992م لتكون أكثر فاعلية وأكثر تفصيلاً.
والمشكلة الرئيسة في هذا الأمر أن تطبيق عمليات الضبط تظل مقصورة على الأطراف العربية دون إسرائيل، مما أدى إلى زيادة الخلل في التوازنات وازدياد الفجوة التكنولوجية نتيجة إعطاء إسرائيل التكنولوجيا المتقدمة وحظرها على الأطراف العربية(5).
وتتفاقم هذه السياسة تحديداً ضد الدول العربية التي لا تسير في فلك الولايات المتحدة وتوافق على سياستها وتتهمها الولايات المتحدة بأنها دول إرهابية أو ترعى الإرهاب.
هذا فضلاً عن حجب التقنية العسكرية - المتمثلة في "أسلحة الفضاء من صواريخ وأقمار صناعية"، وكذلك أسلحة الدمار الشامل - عن الدول العربية، ويكتسب حجب الأسلحة التقليدية المتطورة والأسلحة عالية التقنية عن العرب، أهمية خاصة إذا علمنا أن بعض القوى الإقليمية المجاورة مثل إسرائيل تحصل على أحدث ما تنتجه الترسانة الغربية من أسلحة ومعدات عسكرية، سواء في المجال التقليدي أو غير التقليدي، بل وإلى إقامة مشروعات إنتاج مشتركة أحياناً في مجالات الفضاء، وهو ما يطلق عليه اسم "حرب النجوم"، وإنتاج الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، والصواريخ المضادة، كما قامت الولايات المتحدة باستخدام القوة أحياناً للتصدى للسفن التي يظن أنها تنقل أسلحة لبعض الدول، والواقع أن الدعوى التي تروج لها بعض القوى الكبرى لمنع أسلحة معينة عن الأقطار العربية بدعوى الحماية للأمن والاستقلال والسلام لا تتمشى مع المنهج الذي تطبقه في تمييز بعض الدول مثل إسرائيل، والتي تسمح لها بالحصول على كافة ما تريد.
(6) التواجد والقواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة
كان للمتغيرات والحروب التي حدثت في المنطقة بدءاً من حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران في الفترة من 1980م إلى 1988م، وما تخللته من حرب الناقلات وحرب المدن، وما تلاها من حروب احتلال العراق للكويت، وحرب الخليج الثانية، والتي أعقبها توقيع غالبية دول مجلس التعاون - عدا المملكة العربية السعودية - اتفاقيات أمنية مع الدول الكبرى - وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا، وفرنسا - وإقامة القواعد الأجنبية في البعض منها، آخرها اتفاق دولة الإمارات وفرنسا على إقامة قاعدة أجنبية لها في الإمارات في يناير 2008م، وانتشار القواعد الأجنبية أو التسهيلات في دول عربية أخرى، مثل جيبوتي التي يوجد بها قواعد فرنسية، وأخرى أمريكية.
ودون الدخول تفصيلاً في إجمالي هذه القواعد يمكن القول إن هذه القواعد تمثل انكشافاً للأمن القومي العربي، بل تمثل تهديداً، وتعرِّض الدول التي تستقبلها على أرضها للعدوان سواء من الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل، وما يتردد عن تخطيط الولايات المتحدة الأمريكية لإقامة قواعد دائمة لها في العراق، وأنها لن تنسحب قبل عام 2018م إن لم يكن بعد ذلك.
وتتمثل المشكلة الأخرى في الاتفاقيات الأمنية الموضحة، أنها تسمح بالتدريبات المشتركة مع الدول الأجنبية التي وقعت هذه الاتفاقية، والتي بالتالي تجري تدريبات على الأرض العربية، ويمكن فيما بعد أن يكون ذلك تهديداً للدول العربية في حالة حرب مستقبلية تكون فيها هذه الدول الأجنبية داعمة أو حليفة للدول الخصم.
(7) قيام تحالفات عسكرية بين بعض دول المنطقة
والتي يمكن أن تهدد بعض الدول العربية، ومنها على سبيل المثال الاتفاق العسكري الذي أبرم بين تركيا وإسرائيل في فبراير 1996م، والذي يمكن أن يهدد بعض دول الجوار الجغرافي العربية، وكذلك ما يتردد عن تواجد طويل الأمد للقوات الأمريكية في العراق.
(8) الدور الجديد لحلف الأطلسي كأحد التهديدات العسكرية العالمية للأمن العربي
الواقع أن أزمة كوسوفو عام 1999م، قد أدت إلى جرف حلف الأطلسي إلى مهمة جديدة، وهي أن يصبح رجل بوليس العالم، ولقد أصبح على الحلف أن يتبنى استراتيجية جديدة ينتقل خلالها من مرحلة الدفاع عن أراضي دول الحلف إلى الدفاع عن المصالح المشتركة خارج أراضيها.
ولقد جاءت الاستراتيجية الجديدة للحلف في إطار الاستعداد للتدخل لمواجهة النزاعات العرقية والإقليمية خارج نطاق دول الحلف، وهو ما يؤكد المخاوف الإقليمية من أن الحلف يتجه لإحلال نفسه محل مجلس الأمن الدولي.
والواقع أن نموذج كوسوفو أصبح نموذجاً يمكن أن يطبق في أي مكان آخر داخل منطقة الشرق الأوسط بعامة والدول العربية بخاصة، ومن السهولة بمكان وللوهلة الأولى أن يستخدم الحلف كل الوسائل المتاحة لديه - سواء كانت سياسية أم عسكرية - من أجل التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية، وعلى سبيل المثال:
(أ) محاولة إعادة ترتيب أوضاع بعض دول المنطقة وخصوصاً وأن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن يكون لها دور في منطقة الخليج بعد تولى قيادة قوات تحالف أفغانستان، ودور آخر في أفريقيا.
(ب) التدخل لحماية الممر التجاري في كل من الخليج العربي والبحر الأحمر لضمان تدفق النفط إلى الغرب الأوروبي.
(ج) التدخل للتفتيش على أسلحة كيماوية وبيولوجية، أو لمنع تدفق الأسلحة إلى بعض الدول العربية، أو التدخل لتحديد امتلاك بعض الدول للصواريخ الباليستية أرض - أرض، أو التدخل في إطار تحقيق حقوق الإنسان، وهي ما كانت سبباً للتدخل والعدوان على العراق عام 2003م.
ومن ثم يصبح الباب مفتوحاً على مصراعيه للتدخل في الشؤون الداخلية للدول بعيداً عن الشرعية الدولية المرتكزة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهو ما يتطلب من الدول العربية انتهاج سياسة واستراتيجية موحدة لمواجهة مثل هذه الاحتمالات.
(9) سباق التسلح النووي في العديد من دول العالم
الواقع أن امتلاك بعض الدول للسلاح النووي، ومنها دولتا شبه القارة الهندية (الهند، وباكستان) من شأنه أن يؤثر على طبيعة الصراع في منطقة الخليج في المستقبل، وعلى حالة الاستقرار والأمن فيها، خصوصاً وأن هناك دولاً أخرى مثل إيران تتطلع لامتلاك أسلحة نووية، ومن ثم فإن قرب منطقة الخليج من هاتين الدولتين في حالة تحول الصراع بينهما إلى صراع نووي سيكون له مردود سلبي على أمن المنطقة، بل على حركة التجارة العالمية إلى كل من منطقة الخليج والعالم العربي وعلى أمنه، أضف إلى ذلك أن انفراد إسرائيل بالتسلح النووي من شأنه أن يمثل عنصر تهديد دائم للعالم العربي، مقابل تجاهل دول العالم لها.
إن التحديات العسكرية أو تحديات أخرى مؤثرة على الأمن القومي من وجهة النظر العسكرية عديدة، وهو ما يصعب أن تشمله دراستنا في هذا العدد، ومن هذه العوامل الأخرى على سبيل المثال لا الحصر:
1- ضعف الناتج المحلي في الدول العربية مقارنة بتعداد السكان، فعلى سبيل المثال لو أن دولة ناتجها القومي (100) مليار دولار أنفقت بنسبة 5% على الأعباء الدفاعية أي (5) مليارات دولار، ولو زاد الناتج المحلي إلى (150) مليار دولار سيصبح المخصص طبقاً لنفس النسبة (5ر7) مليار دولار، وهو ما يعني مزيداً من الإنفاق الدفاعي.
2- ضعف الكثافة السكانية مقارنة بمساحة الدولة: فعلى سبيل المثال دولة مثل المملكة العربية السعودية بمساحة حوالي (5ر2) مليون متر مربع وبعدد سكان حوالي (25) مليون نسمة منهم عمالة وافدة، أي حوالي (10) أفراد-كم2، وهي نسبة ضعيفة لا تتفق مع تنامي الأطراف في المملكة وإطلالها على الخليج العربي والبحر الأحمر، وأعبائها مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي.
3- الدول صغيرة المساحة والسكان: فدول مجلس التعاون الخليجي - باستثناء المملكة العربية السعودية - هي دول صغيرة المساحة، وتعداد السكان في قطر، ومملكة البحرين، ودولة الإمارات، مثلاً قليلٌ جداًًً، وتتمثل المشكلة أيضاً أن نسبة السكان الوطنيين تصل في البعض منها إلى حوالي (30-40%) من السكان، مما يشكل عبئاً في إعداد قوات مسلحة كافية تدافع عن أراضي الدولة في مواجهة دولة خليجية أخرى كبيرة، مثل: إيران، والعراق، قبل تغيير نظام "صدام حسين".
4- مشكلة القوى البشرية في الدول العربية، وهو موضوع يحتاج لدراسات عديدة، فمن ناحية:
أ) ضعف البنية الصحية والحالة البدنية في بعض الدول العربية مما يجعل نسبة كبيرة من شبابها غير صالحين للخدمة في القوات المسلحة.
ب) وجود بعض الأقليات في بعض الدول غير مقبول انضمامهم إلى القوات المسلحة في هذه الدول خوفاً من أن يكون ولاؤهم لدول خارجية قد تعتبر معادية.
ج) افتقار العسكريين في بعض الدول للخبرات القتالية، أو بمعنى أن هذه الدول لم تشارك جيوشها في حروب ضارية مما تسبب في عدم تمرسهم وخبراتهم القتالية التي تكتسب بالممارسة.
ثانياً: سبل التصدي للتحديات والتهديدات العسكرية
نقرر في البدء أن التوازنات ما بين قدرة الدفاع العربي والتهديدات الخارجية يجب أن تكون لصالح القدرة العربية على وجه الإطلاق، وبالقدر الذي يحقق خطوط حمراء تمنع أي معتدي داخل أو خارج المنطقة من اجتيازها.
ومن المتصور أن أفضل سبل التصدي هو معالجة تفصيلية لكل بند من البنود السابقة بما يحقق أمن الدولة ذاتها وتكون عاملاً مساعداً في دعم الأمن القومي العربي الشامل.
وفي إطار التصدي للتحديات والتهديدات في الشأن العسكري، ولوضع استراتيجية للمواجهة، تعني في مفهومنا: فن تطوير واستخدام قوى الدولة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية (المعنوية)، والعسكرية في زمن السلم والحرب لتقديم سبل الدعم للسياسات الوطنية، فمن المتصور اتخاذ الخطوات التالية على مستوى كل دولة، وعلى مستوى العالم العربي أجمع:
أولاً: على المستوى المحلي :
(1) أهمية بناء القدرة الذاتية للجيوش العربية سواء في مجال التنظيم، أو التسليح، أو التدريب، أو مواكبة تنظيمات واستعدادات الجيوش المتقدمة. ويمثل التعاون الأمني العربي عنصراً فاعلاً بالنسبة لتبادل الخبرات في التدريب والتسليح، ويُعدُّ توحيد تنظيمات وتسليح الجيوش العربية عنصراً هاماً في مجال التعاون بين الدول العربية مستقبلاً.
وهنا نوضح أن بناء القوة العسكرية للدولة يتطلب قدرة اجتماعية، وقدرة علمية توفر مطالب القوات المسلحة من الشباب والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة لنظم التسليح، كذلك قدرة اقتصادية كبيرة لتوفير مطالب القوات المسلحة، ثم قدرة سياسية على دراية بإدارة الأزمات وتعرف مدى وأين وكيف تستخدم قواتها المسلحة دون أن تعرضها لأخطار حقيقية.
2- البناء الحديث للجيوش العربية، فقد بدأت حروب القرن الحادي والعشرين في أفغانستان والعراق بفرض نظريات عسكرية جديدة اعتماداً على الثورة التكنولوجية العسكرية، التي تمثلت في ظهور ثورة جديدة في الشؤون العسكرية، والذي يتوقع الخبراء أنها ستغير من أسس بناء جيش المستقبل، فهذه التكنولوجيا ستؤدي إلى توفير مستشعرات متنوعة، تضمن الدقة العالية في تحديد أهداف العدو، والعمل على تدميرها بالتكامل بين عمليات حرب المعلومات وضربات العمق المركزة من خارج المدى.
ويرى الخبراء أنه أصبحت هناك أسس عديدة يعتمد عليها بناء جيش القرن الحادي والعشرين، وتستخلص هذه الأسس من البحث في مقومات هذا الجيش، وتحديد عناصره ومفاهيمه، وتحديد الخصوم والأولويات، ومن القدرة على توفير هذه العناصر والمقومات، وإذا ما تم بناء هذا الجيش، فسيكون بمقدور القيادة العسكرية أن تستغني عن نشر أعداد ضخمة من الأسلحة على خط المواجهة مع الخصم، نظراً لاستخدام الأسلحة دقيقة التوجيه، والجنود المتفوقين تدريباً، والنيران الغزيرة والكثيفة والدقيقة المنطلقة من العمق إلى أعماق الأراضي المعادية، والقوة البحرية المتفوقة، والذراع الجوية الضاربة الطويلة، وسلاح الصواريخ برؤوسها التقليدية، وغير التقليدية وأسلحة الفضاء.
ثانياً: على المستوى العربي :
1- ضرورة حل الخلافات والمشكلات الداخلية في الوطن العربي والتي تشغل وتستنزف الموارد الاقتصادية والعسكرية للدول العربية وتكون مجالاً للتدخل الأجنبي في الشؤون العربية، وتأجيج الصراعات بين الأطراف والطوائف، ومن أمثلة ذلك: لبنان والصراع الطائفي على أرضها، وكذلك الأزمة السودانية(8).
2- ضرورة تخطيط استراتيجية محددة الأهداف تتفق عليها معظم الدول العربية في إطار جامعة الدول العربية، بحيث يتم التخطيط الاستراتيجي الواضح لأسلوب مواجهة هذه المهددات، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو عسكرية في إطار التضامن العربي
مجالات التعاون العسكري العربي ضرورية وعديدة بدءاً من الاتفاق على التسليح، والنوعيات، وتوحيد الأفكار، والعقائد العسكرية، والتدريبات المشتركة سواء في المعاهد التعليمية وتوحيد هذه البرامج والمناورات، سواء للقيادات أو القوات، حيث إن الملاحظة الجديرة بالاهتمام هي تزايد التدريبات مع الدول الأجنبية بديلاً للتدريبات مع الدول العربية.
كما أن التعاون في مجال تجهيز مسرح العمليات ضرورة لمواجهة عمليات التعاون والحشد بين الدول العربية، وبخاصة مجال ربط المشرق العربي بالمغرب المتحدة الأمريكية تحاول أن يكون له دور في منطقة الخليج بعد تولي قيادة العربي لمواجهة الأحداث الشبيهة بحرب الخليج الثانية، والحشد العربي ضمن الحشد الدولي، ويأتي على رأس ذلك إنشاء الجسر البحري بين مصر والسعودية عبر مدينة شرم الشيخ، والجسر الذي يربط جيبوتي باليمن والذي سيربط آسيا وأفريقيا جنوباً، هذا علاوة على خط نويبع العقبة الملاحي الذي يربط مصر بالأردن، وجميعها مشروعات استراتيجية يفضل استغلال الظروف الدولية الحالية والعلاقات العربية والخليجية الأمريكية لإقامة هذه المشروعات دعماً للاستراتيجية العسكرية العربية.
وفي المدى البعيد نتصور صورة أفضل للتعاون العسكري، بدءاً من إعادة تنظيم الإدارة العسكرية في جامعة الدول العربية، التي تفتقر حالياً لقيادة عسكرية متقدمة لتحقيق تعاون وتنسيق بين القوات المسلحة في الدول العربية أفضل مما هي عليه في المجالات الأخرى سواء السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية. ومن المعلوم أن الدول العربية كانت قد شكلت القيادة العربية الموحدة عام 1967م، ولكنها لم يتحقق لها دور أو فاعلية على المستوى العربي.
إن الوطن العربي في أشد الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتنسيق الجهود العربية في مواجهة التحديات سواء من دول الجوار وتطلعاتها وأطماعها الكبيرة بدءاً من الخليج، أو عدوان أرتيريا من قبل على اليمن ودعمها متمردي الصومال، ودورها في داخل السودان، والتهديدات المحدقة بالمغرب من جانب أسبانيا، وغيرها الكثير، ومن المتصور في المستقبل على سبيل المثال:
(أ) تشكيل قيادة عربية موحدة يكون مقرها القاهرة يتفرع منها:
*قيادة شرقية على سبيل المثال تتولى العمل للدول العربية في آسيا.
*قيادة مركزية يمكن أن تضم مصر، والسودان، وليبيا.
*قيادة غربية تضم باقي دول المغرب العربي: تونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا.
*قيادة جنوبية تضم جيبوتي، والصومال، وجزر القمر.
(ب) أن تتولى كل قيادة فرعية عملية التنسيق بين جيوش الدول التابعة لها، سواء في مجال التدريب، أو التسلح، أو التنظيم، ويمكن مستقبلاً أن تتولى قيادة العمليات التي تحدث في المنطقة، والدفاع أو التعامل مع التحديات والتهديدات داخل كل قيادة.
3- مواجهة التطورات الحالية والمستقبلية في النظام العالمي الجديد في إطار رؤية عربية مشتركة، وفي إطار سياسة موحدة، وليس من موقف انفرادي.
4- التحرك نحو جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.
5- أهمية إقامة صناعة حربية عربية مشتركة، فمواجهة ضبط التسلح وتطبيقه - خصوصاً على الدول العربية - بدعوى وقف النزاعات والحروب في المنطقة، يستلزم من الدول العربية إعادة بناء صناعاتها الحربية في خطة عربية شاملة بالاستفادة من الإمكانات الموجودة فيها، بحيث يتم توزيع الصناعات على الدول العربية طبقاً لقدراتها، وبحيث تغطي صناعات الأسلحة البرية، والبحرية، والجوية، وأسلحة الدفاع الجوي، والصواريخ، فهناك دول لا يتعدّى عدد سكانها الملايين حققت صناعات متقدمة على المستوى الدولي، في الوقت الذي يقترب سكان الدول العربية من (400) مليون نسمة ولم تحقق أبسط الأسلحة والذخائر للاكتفاء الذاتي.
وإذا كنا نتذرع بالحاجة لرؤوس الأموال فالاحتياطيات المالية العربية حالياً لا تجد مكان آمن للاستثمار فيه بعد مخاطر التجميد من الدول الكبرى منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م، كما أن الإنتاج الكبير المطلوب حالياً للدول العربية التي تتكون من 22 دولة، هو الإ نتاج الجماعي وليس الإنتاج لدولة واحدة، وهو شرط من شروط الصناعات الحربية، وقد آن الآوان لإحياء مشروع الهيئة العربية للتصنيع الحربي مرة أخرى، خصوصاً وأن بعض الدول العربية الخليجية أعادت استثمار أموالها في الصناعات الحربية في تركيا.
ختاماً: إذا كانت الدول العربية قد خططت لعقد قمة عربية لمناقشة الأوضاع الاقتصادية في الوطن العربي ستستضيفها الكويت أواخر العام 2008م، فمن المتصور أن يتم التخطيط لعقد قمة عربية مماثلة للصناعات الحربية باعتبارها أحد العناصر الهامة لتحقيق الأمن العسكري؛ فالصناعات الحربية العربية لا تقل في درجة الأهمية عن تأمين الغذاء للمواطنين في الدول العربية
المراجع:
(1) لواء دكتور جمال مظلوم، القدرات الدفاعية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد 25 عاماً على إنشائه، مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، القاهرة 2006م.
(2) جريدة الحياة، العدد 16377، في 5-2-2008م.
(3) لواء عبدالمنعم كاطو، نحو نظرية أمن قومي عربي متكامل، مجلة الدفاع، القاهرة يوليو 2001م، ص 80.
(4) لواء دكتور جمال مظلوم، الصناعات الحربية في إيران، مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، القاهرة، نوفيمر 2007م.
(5) لواء عثمان كامل، ضبط التسلح وقضايا السلام والأمن، مجلة الدفاع، مصر، يناير 2008م، ص 46.
(6) لواء عبدالرحمن رشدي الهواري، التحديات والمخاطر العالمية وتأثيرها على الأمن العربي، مجلة الدفاع، القاهرة، نوفمبر 1999م.
(7) لواء علي محمد علي، جيوش القرن الحادي والعشرين، مجلة الدفاع، يوليو 2003م، ص 91.
(8) لواء عبدالمنعم سعيد كاطو، الخريطة السياسية للمنطقة واستراتيجية تفعيل الدور العربي، مجلة الدفاع، مصر، يونيو 2007م، ص 30.
http://www.kkmaq.gov.sa/Detail.asp?InNewsItemID=273652