فى نوفمبر 1955 قال بن جوريون أمام الكنيست الإسرائيلى: "إن استقلالنا وأمننا يتطلبان أن يهب المزيد من الشباب أنفسهم للعلم وأبحاث الطاقة الذرية والإليكترونية وأبحاث الطاقة الشمسية" .. وأكد أرنست بيرجمان هذا الكلام قائلا : "إننى مقتنع بأن دولة إسرائيل تحتاج إلى برنامج أبحاث دفاعى خاص حتى لا تصبح بعد الآن خرافا يتم اقتيادها إلى المذبح " وكان يشاركهما الرأى شيمون بيريز .......
بيرجمان وحلم القنبلة النووية :
يعتبر أرنست ديفيد بيرجمان الأب الروحى العلمى للقنبلة الإسرائيلية، وقد بدأ بيرجمان الشاب فى بداية العشرينات كدارس للكيمياء العضوية فى معهد "إميل فيشر" فى جامعة برلين، وكان ضمن دائرة من العلماء البارزين منهم مارى كورى الفرنسية، وكان والد بيرجمان صديقا حميما لحاييم فايتسمان عالم الكيمياء الروسى اليهودى الصهيونى الذى ساعد بيرجمان فى الإنضمام إلى جامعة مانشستر بإنجلترا سنة 1933 هربا من النازية، حيث واصل أبحاثه وأقترب بصورة وثيقة من العلماء المتسابقين على شطر الذرة، وفى عام 1936 طالبت الهاجاناه -الذراع العسكرى للحركة الصهيونية فى فلسطين - فايتسمان بإرسال كيميائى للمساهمة فى إنتاج مادة شديدة الإنفجار لإستخدامها فى الحرب السرية ضد العرب والبريطانيين، فعين فايتسمان بيرجمان للقيام بهذه المهمة التى أنجزها وسجل اسمه بعدها كعضو فى اللجنة الفنية للهاجاناه، وفى عام 1939 توجه بيرجمان إلى باريس مندوبا عن الهاجاناه وتقاسم اكتشافاته مع الفرنسيين الذين كان جيشهم يحارب فى شمال أفريقيا.. وبانتهاء الحرب العالمية الثانية هاجر بيرجمان نهائيا إلى فلسطين وساهم فى إنشاء معهد فايتسمان للعلوم ثم عين رئيسا لقسم الكيمياء العضوية به.
والحقيقة الأكيدة أنه بدون بيرجمان لم تكن لتوجد قنبلة إسرائيلية أبدا، فقد دخل بيرجمان وبن جوريون وبيريز فى صراع طويل دخل الحكومة الإسرائيلية بسبب أحلامهم الخاصة ببرنامج للأسلحة النووية الإسرائيلية، فقد أعتبر غالبية كبار المسئولين فى حزب ماباى "العمل" الحاكم أن أى قنبلة إسرائيلية هى نوع من الانتحار ومكلفة للغاية وليس فى مقدور إسرائيل ماديا وعلميا تصنيعها.
لكن إحتياجات إسرائيل فى أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات تزامنت تماما مع إحتياجات فرنسا، فكلتاهما كانتا بعيدتين تماما عن إمتلاك أى قدرة فنية لإنتاج قنبلة، كما لم تكن هناك إجماع داخلى حول الرغبة فى حيازتها فى كلا البلدين.. ولكن تم السماح لبعض لبعض العلماء الإسرائيليين بدخول مركز ساكلاى للأبحاث الذرية القومى الفرنسى بالقرب من فرساى، والمشاركة فى إنشاء مفاعل صغير للتجارب خاص بالمركز، وكانت تلك تجربة تعلم منها العلماء النوويين من الجانبين الكثير، وفى عام 1951 صدر قرار خطير بالنسبة للفرنسا وإسرائيل، قد قررت فرنسا إنشاء مفاعل نووى يعمل بطاقة اليورانيوم الطبيعى قادر على إنتاج نحو "أوقية" من البلوتونيوم الصالح للاستخدام فى الأسلحة سنويا وذلك بعد المعالجة الكيميائية، وهذا القرار هو الذى دفع فرنسا وإسرائيل على طريق القنبلة النووية.. وبحلول عام 1953 أنتج الفريق العلمى فى معهد فايتسمان الآلية الأيونية اللازمة لانتاج الماء الثقيل ووسيلة أكثر فاعلية لاستخراج معدن اليورانيوم، وتم بيع الاكتشافين لفرنسا مما أدى إلى إتفاق رسمى للتعاون فى الأبحاث النووية.
لقد طلب بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلى مساعدة فرنسا لإنتاج القنبلة الإسرائيلية، وأجيب طلبه، وكان هذا قبل ستة أسابيع من العدوان الثلاثى على مصر فيما سمى بحرب السويس، بل أنه بعد إنتهاء حرب السويس وافقت فرنسا على مساعدة إسرائيل فى بناء مفاعل نووى ومصنع لإعادة المعالجة الكيميائية فى ديمونة بصحراء النقب، وبيريز هو الذى اختار المكان لعشقه لهذه الصحراء.. ولقد كان الإتفاق الإسرائيلى الفرنسى مثيرا للدهشة لأن إنتاج المصنع من البلوتونيوم سيكفى لأربع قنابل نووية بطاقة تفجير تساوى تلك التى أسقطت على هيروشيما وناجازاكى، وقد أعتبر بيرجمان هذه مجرد بداية بناء ترسانة نووية إسرائيلية، وبدأ العمل فى مفاعل "أى إل - 102" فى أوائل عام 1958 فى سرية تامة. وعن طريق طائرة الاستطلاع المتطورة جدا والتى تعمل لحساب المخابرات المركزية الأمريكية "إس أى أيه" والقوات الجوية، إكتشف الأمريكان بالصدفة ما يحدث فى ديمونة، وتأكدوا أن إسرائيل تعمل على بناء مفاعل نووى ومصنع لإعادة المعالجة الكيميائية فى هذه المنطقة، وكان أول ما فعلوه حيال ذلك هو الصمت التجاهل، وستظل هذه سياستهم فيما بعد.
لقد كان المسئولون فى واشنطون بين إثنين إما متعاطف مع إسرائيل وإما خائف منها.. فعندما سرب جون ماكون رئيس لجنة الطاقة الذرية خبر مفاعل ديمونة لجون فينى مراسل النيويورك تايمز كان عليه أن يقدم استقالته بعد أيام.. وكان سبب هذا التسريب هو كذب الإسرائيليين المستمر بشأن ديمونة كلما وجه إليهم الأمريكان سؤالا عما يحدث هناك.. قد أعلن بن جوريون فى الكنيست أن ما يتم بناؤه فى النقب مفاعل طاقته 24 ميجا وات مخصص تماما للأغراض السلمية، وأن هناك منشأة أخرى على أرض ديمونة هى معهد علمى لأبحاث المنطقة الحارة، حين تكتمل المنشأة ستفتح للطلبة من الدول الأخرى.. ولم تتم معارضة البيانات الإسرائيلية من جانب إدارة إيزنهاور التى بعد أن فجرت أول مناقشة علنية للقنبلة الإسرائيلية تراجعت على الفور أمام النفى الإسرائيلى الصفيق.. بل أنضم البيت الأبيض فى بيان وزع على الصحافة فى اليوم التالى لخطاب بن جوريون فى قبول الرواية الكاذبة الخاصة بديمونة كحقيقة واقعة، واستمر التراجع فى اليوم التالى وأصبحت مهمة أمريكا الآن الحد من الإنتقادات العالمية الموجهة لإسرائيل، وتركت ديمونة للحكومة الجديدة بقيادة جون كيندى.
بن جوريون لكيندى: هذا ليس من شأنك!!
كان جون كيندى يشعر بأنه مدينا لليهود بوصوله إلى الرئاسة، فقد صوتت نسبة 81% لصالحه، وقد كانت أولى خطواته تعيين ماير فيلدمان المعروف بتأييده القوى لإسرائيل معاونا للرئيس للشئون اليهودية والإسرائيلية..
لكن كيندى- أمام مراوغات بن جوريون وعدم اعترافه بمسألة القنبلة الإسرائيلية ومصنع إعادة المعالجة الكيميائية - وجه إلى بن جوريون مذكرة عنيفة رد عليها بن جوريون ردا فظا قائلا: "إن هذا ليس من شأنك".
وأمام رفض بن جوريون القاطع لاقتراح أمريكا بأن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش على ديمونة، تراجعت أمريكا ووافقت على إرسال فريق أمريكى للتفتيش كان المقابل الموافقة على صفقة صواريخ هوك أرض جو المتطورة لإسرائيل.. وكانت عملية التفتيش مسرحية سخيفة لابراء ذمة واشنطن، لذلك كان من السهل على إسرائيل خداع الفريق الأمريكى بتشييد غرفة تحكم مزيفة فى ديمونة مزودة بالكامل بأجهزة مزيفة تعمل بالكمبيوتر ولجان التحكم المزيفة التى تبدو ملائمة لمفاعل طاقته 24 ميجاوات.. وجازت الحيلة على الأمريكيين واقتنعوا بعدم وجود مصنع لإعادة المعالجة الكيماوية، بل واعتقدوا أن إقامته غير ممكنة.
وعندما خلف " جونسون" كيندى كان العمل مستمرا فى صحراء النقب على قدم وساق وكان اثنان من أقرب مستشاريه من المهتمين بقوة بأمن إسرائيل، بل إن جونسون بعد توليه منصبه بخمسة أسابيع أهدى المعبد اليهودى الجديد "أجوداس أخيم " لشخيمر نوفى الزعيم الصهيونى، وكان أول رئيس أمريكى يفعل ذلك، كما كان أول رئيس يمد إسرائيل بأسلحة هجومية، وأول من يلزم أمريكا علنا بالدفاع عن إسرائيل، فقد كان جونسون متعاطفا بشدة مع اليهود إلا أنه اهتم بضرورة إخضاع ديمونة لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وساعد إسرائيل على شراء دبابات " M - 48" الأمريكية من حلف شمال الأطلنطى فى محاولة لإقناع ليفى أشكول رئيس الوزراء الإسرائيلى بالتفتيش الدولى لكنه رفض، فعرض جونسون عليه أن يتم إبلاغ الدول العربية بنتائج التفتيش الأمريكى فرفض أيضا، وكانت وجهة نظر جونسون التى حاول إقناع أشكول بها وفشل هى أنه ما لم يتم طمأنه عبد الناصر بخصوص ديمونة فإنه سيلجأ لشراء صواريخ من السوفييت ليطمئن على أن إسرائيل غير متفوقة على مصر.
وعندما وضعت ال"سى أى إيه" تقريرا أكدت فيه أن إسرائيل أصبحت قوة نووية أمر جونسون بدفن هذه الوثيقة وعدم إطلاع أحد عليها حتى وزيرى الخارجية والدفاع فلم تكن لديه نية للقيام بأى شئ لايقاف القنبلة الإسرائيلية.. والغريب أن جونسون سمح لإسرائيل بأن تشترى صفقة طائرات "F - 4" القادرة على حمل السلاح النووى إلى موسكو فى الوقت الذى وقع فيه مع موسكو وأكثر من خمسين دولة أخرى على معاهدة منع الإنتشار النووى، فقد كان جونسون أفضل صديق لإسرائيل.
جسر جوى أمريكى لمنع إسرائيل من "خيار شمشون" :
وبعد جونسون جاء ريتشارد نيكسون وهنرى كسنجر المؤيدين لطموحات إسرائيل النووية حتى أنه تم إنهاء عمليات التفتيش الهزلية التى كانت تقوم بها أمريكا فى ديمونة، وتلقت إسرائيل فيضا من الأسلحة الأمريكية والتأييد الأمريكى فى إحتفاظها بسيطرتها على الأراضى المحتلة، ولم تغيير وفاة عبد الناصر فى سبتمبر وتولى السادات شيئا من الموقف، هذا رغم أن السادات قدم اتفاق سلام.. واستراحت إسرائيل إلى طرد السوفييت لأنها اعتقدت أن أى دولة عربية لن تجرؤ على الحرب بدون المساندة السوفيتية، لذلك كان الهجوم يوم 6 أكتوبر 1973 مفاجأة مذهلة للإسرائيليين، وكان تقديم وزير الدفاع موشى دييّان للموقف: "الوضع ميئوس منه، لقد خسرنا كل شئ ويجب أن ننسحب".. لكن أمر الإنسحاب لم يصدر بل أعلنت إسرائيل أول محاولة تأهب نووى وبدأت تسليح ترسانتها النووية واستخدمت حالة التأهب فى إبتزاز واشنطون لإقامة جسر جوى بين واشنطون وإسرائيل، واستجابت واشنطون للابتزاز خشية قيام إسرائيل باللجوء إلى "الخيار شمشون" واستخدام القنبلة النووية.
بعد هذه المساعدة الأمريكية تحول موقف مصر ليكون دفاعيا، فعمل رئيس الوزراء السوفييتى كوسجين على الدعوة لوقف إطلاق النار، لكن إسرائيل أنتهكت وقف إطلاق النار فهدد الإتحاد السوفييتى بالتدخل فأمرت جولدا مائير جيشها بالتوقف عن أى عمل هجومى ضد مصر والسماح لقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بفرض وقف إطلاق النار.
" بولارد " اسرائيل تخترق أمن الولايات المتحدة:
لقد ارتبط الطموح الإسرائيلى النووى بفضيحة الجاسوس بولارد، ومصرع ماكسويل إمبراطور الصحافة البريطانية.
وجوناثان جاى بولارد يهودى أمريكى عمل سنة 1979 موظفا مدنيا فى المخابرات البحرية الأمريكية، وفى 1980 عرض إمداد إسرائيل بالمعلومات وتم تجنيده كعميل فى خريف 1981، وقدم بولارد لإسرائيل معلومات سرية للغاية عن موقع الأهداف السوفيتية النووية ووسائل حمايتها وكذلك قدم معلومات أمريكية عن الدفاعات الجوية السوفيتية المعروفة باسم "11-38 " التى تعتير من أكثر الوثائق حساسية فى الحكومة الأمريكية ، كما قدم بولارد رموز الاتصالات الدبلوماسية الأمريكية مما مكن وكالة مخابرات الاشارات الاسرائيلية من إعتراض البرقيات والرسائل السرية من و إلى مكتب السفير الأمريكى فى إسرائيل ، وبشكل إجمالى فإنه من عام 1981 حتى قبض علية عام 1984 قدم لإسرائيل 1800 وثيقة تقع فى حوالى 5000 صفحه ، وبعض هذه الوثائق أعيد نسخها وتصحيحها من قبل مسئولى المخابرات الإسرائيلية ، ثم قدمت للاتحاد السوفيتى كإشارة على أحسن نوايا إسرائيل فى توجية خاص من إسحق شامير الذى كان يبغض أمريكا ويريد إقامة علاقات أوثق مع الاتحاد السوفيتى ، ولقد كان بولارد أول جاسوس نووى إسرائيلى ،لكن عندما قبض عليه وصفت إسرائيل فضيحة بولارد الجاسوس الإسرائيلى فى أمريكا بانها عملية منحرفه تمت إدارتها بدون تورط رفيع المستوى.
أما روبوت ماكسويل فقد لقى مصرعه بعد أن كشف صلاته القوية مع القيادة الإسرائيلية منذ عشرات السنين مما يشير إلى احتمال تورط الموساد فى التخلص منه لعدم كشف المزيد من الأسرار ودفنها معه .
وقد كان ماكسويل مالكا لصحيفة معاريف الاسرائيلية اليومية ، وامتلك لفترة شركة " سيتيكس كوربور يشن لمعدات الطباعة ذات التكنولوجيا المتقدمة ومقرها اسرائيل وكان بين كبار مسئوليها التنفيذيين " يائير شامير " الكولونيل السابق فى السلاح الجوى وابن إسحق شامير .
" فانونو " فضح امتلاك اسرائيل للقوة النووية :
ومن العمليات ذات الصلة بالقوه النووية لاسرائيل فى ديمونة والتى استخدم ماكسويل فيها صحيفته " صنداى ميرور " عملية " مورد خاى فانونو " العامل الفنى المغربى اليهودى الذى استطاع تصوير ديمونه من الداخل وهرب بالصور وباعها للصنداى تايميز البريطانية التى نشرت نشرت القصة وأكدت أمتلاك اسرائيل للقوة النووية ، فجند ماكسويل الصنداى ميرور لتكذيب الصنداى تايمز وجعلها مثارا للسخرية ، وأقال كل الذين عارضوة فى جريدته وطالبوا بنشر صور فانونو مادامت حقيقية وقد تم استدراج فانونو إلى روما ومنها إلى اسرائيل عن طريق إحدى عمليات الموساد ، أما ماكسويل فلقى مصرعه عندما بدأ يتكلم .
ولكى تظل اسرائيل القوة النووية الوحيدة فى الشرق الأوسط ، استخدمت المعلومات التى كانت تحصل عليها من القمر الصناعى الأمريكى " كى-إتش - 11 " الذى كان قفزة هائلة فى مجال التكنولوجيا ، وضربت المفاعل النووى العراقى جنوب شرق بغداد ، وكان هذا خريف 1981 أثناء رئاسة رونالد ريجان للولايات المتحدة الذى " بدأ سعيدا وراضيا للغاية " على حد قول ريشارد آلان مستشار الأمن القومى الأمريكى فى ذلك الوقت ،
أما الكسندر هيج وزير الخارجية الأمريكية فكان يعترف فى احاديثة الخاصة " إن اسرئيل يملكون مخالب وإحساسا استراتيجيا وقادرون على الاهتمام بالمشكلات قبل تطورها 00 وعلى أى حال بمن ألحق الاسرائيليون الضرر 00
وهكذا ما زلنا فى موقف المتفرج الابله على ما يجرى حولنا دون أن يكون لنا أى دور سلبى أو إيجابى ولا نملك حتى الأعتراض وهو أضعف الإيمان فهل سيستمر الحال على ما هو عليه .........
مجرد سؤال ............
بيرجمان وحلم القنبلة النووية :
يعتبر أرنست ديفيد بيرجمان الأب الروحى العلمى للقنبلة الإسرائيلية، وقد بدأ بيرجمان الشاب فى بداية العشرينات كدارس للكيمياء العضوية فى معهد "إميل فيشر" فى جامعة برلين، وكان ضمن دائرة من العلماء البارزين منهم مارى كورى الفرنسية، وكان والد بيرجمان صديقا حميما لحاييم فايتسمان عالم الكيمياء الروسى اليهودى الصهيونى الذى ساعد بيرجمان فى الإنضمام إلى جامعة مانشستر بإنجلترا سنة 1933 هربا من النازية، حيث واصل أبحاثه وأقترب بصورة وثيقة من العلماء المتسابقين على شطر الذرة، وفى عام 1936 طالبت الهاجاناه -الذراع العسكرى للحركة الصهيونية فى فلسطين - فايتسمان بإرسال كيميائى للمساهمة فى إنتاج مادة شديدة الإنفجار لإستخدامها فى الحرب السرية ضد العرب والبريطانيين، فعين فايتسمان بيرجمان للقيام بهذه المهمة التى أنجزها وسجل اسمه بعدها كعضو فى اللجنة الفنية للهاجاناه، وفى عام 1939 توجه بيرجمان إلى باريس مندوبا عن الهاجاناه وتقاسم اكتشافاته مع الفرنسيين الذين كان جيشهم يحارب فى شمال أفريقيا.. وبانتهاء الحرب العالمية الثانية هاجر بيرجمان نهائيا إلى فلسطين وساهم فى إنشاء معهد فايتسمان للعلوم ثم عين رئيسا لقسم الكيمياء العضوية به.
والحقيقة الأكيدة أنه بدون بيرجمان لم تكن لتوجد قنبلة إسرائيلية أبدا، فقد دخل بيرجمان وبن جوريون وبيريز فى صراع طويل دخل الحكومة الإسرائيلية بسبب أحلامهم الخاصة ببرنامج للأسلحة النووية الإسرائيلية، فقد أعتبر غالبية كبار المسئولين فى حزب ماباى "العمل" الحاكم أن أى قنبلة إسرائيلية هى نوع من الانتحار ومكلفة للغاية وليس فى مقدور إسرائيل ماديا وعلميا تصنيعها.
لكن إحتياجات إسرائيل فى أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات تزامنت تماما مع إحتياجات فرنسا، فكلتاهما كانتا بعيدتين تماما عن إمتلاك أى قدرة فنية لإنتاج قنبلة، كما لم تكن هناك إجماع داخلى حول الرغبة فى حيازتها فى كلا البلدين.. ولكن تم السماح لبعض لبعض العلماء الإسرائيليين بدخول مركز ساكلاى للأبحاث الذرية القومى الفرنسى بالقرب من فرساى، والمشاركة فى إنشاء مفاعل صغير للتجارب خاص بالمركز، وكانت تلك تجربة تعلم منها العلماء النوويين من الجانبين الكثير، وفى عام 1951 صدر قرار خطير بالنسبة للفرنسا وإسرائيل، قد قررت فرنسا إنشاء مفاعل نووى يعمل بطاقة اليورانيوم الطبيعى قادر على إنتاج نحو "أوقية" من البلوتونيوم الصالح للاستخدام فى الأسلحة سنويا وذلك بعد المعالجة الكيميائية، وهذا القرار هو الذى دفع فرنسا وإسرائيل على طريق القنبلة النووية.. وبحلول عام 1953 أنتج الفريق العلمى فى معهد فايتسمان الآلية الأيونية اللازمة لانتاج الماء الثقيل ووسيلة أكثر فاعلية لاستخراج معدن اليورانيوم، وتم بيع الاكتشافين لفرنسا مما أدى إلى إتفاق رسمى للتعاون فى الأبحاث النووية.
لقد طلب بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلى مساعدة فرنسا لإنتاج القنبلة الإسرائيلية، وأجيب طلبه، وكان هذا قبل ستة أسابيع من العدوان الثلاثى على مصر فيما سمى بحرب السويس، بل أنه بعد إنتهاء حرب السويس وافقت فرنسا على مساعدة إسرائيل فى بناء مفاعل نووى ومصنع لإعادة المعالجة الكيميائية فى ديمونة بصحراء النقب، وبيريز هو الذى اختار المكان لعشقه لهذه الصحراء.. ولقد كان الإتفاق الإسرائيلى الفرنسى مثيرا للدهشة لأن إنتاج المصنع من البلوتونيوم سيكفى لأربع قنابل نووية بطاقة تفجير تساوى تلك التى أسقطت على هيروشيما وناجازاكى، وقد أعتبر بيرجمان هذه مجرد بداية بناء ترسانة نووية إسرائيلية، وبدأ العمل فى مفاعل "أى إل - 102" فى أوائل عام 1958 فى سرية تامة. وعن طريق طائرة الاستطلاع المتطورة جدا والتى تعمل لحساب المخابرات المركزية الأمريكية "إس أى أيه" والقوات الجوية، إكتشف الأمريكان بالصدفة ما يحدث فى ديمونة، وتأكدوا أن إسرائيل تعمل على بناء مفاعل نووى ومصنع لإعادة المعالجة الكيميائية فى هذه المنطقة، وكان أول ما فعلوه حيال ذلك هو الصمت التجاهل، وستظل هذه سياستهم فيما بعد.
لقد كان المسئولون فى واشنطون بين إثنين إما متعاطف مع إسرائيل وإما خائف منها.. فعندما سرب جون ماكون رئيس لجنة الطاقة الذرية خبر مفاعل ديمونة لجون فينى مراسل النيويورك تايمز كان عليه أن يقدم استقالته بعد أيام.. وكان سبب هذا التسريب هو كذب الإسرائيليين المستمر بشأن ديمونة كلما وجه إليهم الأمريكان سؤالا عما يحدث هناك.. قد أعلن بن جوريون فى الكنيست أن ما يتم بناؤه فى النقب مفاعل طاقته 24 ميجا وات مخصص تماما للأغراض السلمية، وأن هناك منشأة أخرى على أرض ديمونة هى معهد علمى لأبحاث المنطقة الحارة، حين تكتمل المنشأة ستفتح للطلبة من الدول الأخرى.. ولم تتم معارضة البيانات الإسرائيلية من جانب إدارة إيزنهاور التى بعد أن فجرت أول مناقشة علنية للقنبلة الإسرائيلية تراجعت على الفور أمام النفى الإسرائيلى الصفيق.. بل أنضم البيت الأبيض فى بيان وزع على الصحافة فى اليوم التالى لخطاب بن جوريون فى قبول الرواية الكاذبة الخاصة بديمونة كحقيقة واقعة، واستمر التراجع فى اليوم التالى وأصبحت مهمة أمريكا الآن الحد من الإنتقادات العالمية الموجهة لإسرائيل، وتركت ديمونة للحكومة الجديدة بقيادة جون كيندى.
بن جوريون لكيندى: هذا ليس من شأنك!!
كان جون كيندى يشعر بأنه مدينا لليهود بوصوله إلى الرئاسة، فقد صوتت نسبة 81% لصالحه، وقد كانت أولى خطواته تعيين ماير فيلدمان المعروف بتأييده القوى لإسرائيل معاونا للرئيس للشئون اليهودية والإسرائيلية..
لكن كيندى- أمام مراوغات بن جوريون وعدم اعترافه بمسألة القنبلة الإسرائيلية ومصنع إعادة المعالجة الكيميائية - وجه إلى بن جوريون مذكرة عنيفة رد عليها بن جوريون ردا فظا قائلا: "إن هذا ليس من شأنك".
وأمام رفض بن جوريون القاطع لاقتراح أمريكا بأن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش على ديمونة، تراجعت أمريكا ووافقت على إرسال فريق أمريكى للتفتيش كان المقابل الموافقة على صفقة صواريخ هوك أرض جو المتطورة لإسرائيل.. وكانت عملية التفتيش مسرحية سخيفة لابراء ذمة واشنطن، لذلك كان من السهل على إسرائيل خداع الفريق الأمريكى بتشييد غرفة تحكم مزيفة فى ديمونة مزودة بالكامل بأجهزة مزيفة تعمل بالكمبيوتر ولجان التحكم المزيفة التى تبدو ملائمة لمفاعل طاقته 24 ميجاوات.. وجازت الحيلة على الأمريكيين واقتنعوا بعدم وجود مصنع لإعادة المعالجة الكيماوية، بل واعتقدوا أن إقامته غير ممكنة.
وعندما خلف " جونسون" كيندى كان العمل مستمرا فى صحراء النقب على قدم وساق وكان اثنان من أقرب مستشاريه من المهتمين بقوة بأمن إسرائيل، بل إن جونسون بعد توليه منصبه بخمسة أسابيع أهدى المعبد اليهودى الجديد "أجوداس أخيم " لشخيمر نوفى الزعيم الصهيونى، وكان أول رئيس أمريكى يفعل ذلك، كما كان أول رئيس يمد إسرائيل بأسلحة هجومية، وأول من يلزم أمريكا علنا بالدفاع عن إسرائيل، فقد كان جونسون متعاطفا بشدة مع اليهود إلا أنه اهتم بضرورة إخضاع ديمونة لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وساعد إسرائيل على شراء دبابات " M - 48" الأمريكية من حلف شمال الأطلنطى فى محاولة لإقناع ليفى أشكول رئيس الوزراء الإسرائيلى بالتفتيش الدولى لكنه رفض، فعرض جونسون عليه أن يتم إبلاغ الدول العربية بنتائج التفتيش الأمريكى فرفض أيضا، وكانت وجهة نظر جونسون التى حاول إقناع أشكول بها وفشل هى أنه ما لم يتم طمأنه عبد الناصر بخصوص ديمونة فإنه سيلجأ لشراء صواريخ من السوفييت ليطمئن على أن إسرائيل غير متفوقة على مصر.
وعندما وضعت ال"سى أى إيه" تقريرا أكدت فيه أن إسرائيل أصبحت قوة نووية أمر جونسون بدفن هذه الوثيقة وعدم إطلاع أحد عليها حتى وزيرى الخارجية والدفاع فلم تكن لديه نية للقيام بأى شئ لايقاف القنبلة الإسرائيلية.. والغريب أن جونسون سمح لإسرائيل بأن تشترى صفقة طائرات "F - 4" القادرة على حمل السلاح النووى إلى موسكو فى الوقت الذى وقع فيه مع موسكو وأكثر من خمسين دولة أخرى على معاهدة منع الإنتشار النووى، فقد كان جونسون أفضل صديق لإسرائيل.
جسر جوى أمريكى لمنع إسرائيل من "خيار شمشون" :
وبعد جونسون جاء ريتشارد نيكسون وهنرى كسنجر المؤيدين لطموحات إسرائيل النووية حتى أنه تم إنهاء عمليات التفتيش الهزلية التى كانت تقوم بها أمريكا فى ديمونة، وتلقت إسرائيل فيضا من الأسلحة الأمريكية والتأييد الأمريكى فى إحتفاظها بسيطرتها على الأراضى المحتلة، ولم تغيير وفاة عبد الناصر فى سبتمبر وتولى السادات شيئا من الموقف، هذا رغم أن السادات قدم اتفاق سلام.. واستراحت إسرائيل إلى طرد السوفييت لأنها اعتقدت أن أى دولة عربية لن تجرؤ على الحرب بدون المساندة السوفيتية، لذلك كان الهجوم يوم 6 أكتوبر 1973 مفاجأة مذهلة للإسرائيليين، وكان تقديم وزير الدفاع موشى دييّان للموقف: "الوضع ميئوس منه، لقد خسرنا كل شئ ويجب أن ننسحب".. لكن أمر الإنسحاب لم يصدر بل أعلنت إسرائيل أول محاولة تأهب نووى وبدأت تسليح ترسانتها النووية واستخدمت حالة التأهب فى إبتزاز واشنطون لإقامة جسر جوى بين واشنطون وإسرائيل، واستجابت واشنطون للابتزاز خشية قيام إسرائيل باللجوء إلى "الخيار شمشون" واستخدام القنبلة النووية.
بعد هذه المساعدة الأمريكية تحول موقف مصر ليكون دفاعيا، فعمل رئيس الوزراء السوفييتى كوسجين على الدعوة لوقف إطلاق النار، لكن إسرائيل أنتهكت وقف إطلاق النار فهدد الإتحاد السوفييتى بالتدخل فأمرت جولدا مائير جيشها بالتوقف عن أى عمل هجومى ضد مصر والسماح لقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بفرض وقف إطلاق النار.
" بولارد " اسرائيل تخترق أمن الولايات المتحدة:
لقد ارتبط الطموح الإسرائيلى النووى بفضيحة الجاسوس بولارد، ومصرع ماكسويل إمبراطور الصحافة البريطانية.
وجوناثان جاى بولارد يهودى أمريكى عمل سنة 1979 موظفا مدنيا فى المخابرات البحرية الأمريكية، وفى 1980 عرض إمداد إسرائيل بالمعلومات وتم تجنيده كعميل فى خريف 1981، وقدم بولارد لإسرائيل معلومات سرية للغاية عن موقع الأهداف السوفيتية النووية ووسائل حمايتها وكذلك قدم معلومات أمريكية عن الدفاعات الجوية السوفيتية المعروفة باسم "11-38 " التى تعتير من أكثر الوثائق حساسية فى الحكومة الأمريكية ، كما قدم بولارد رموز الاتصالات الدبلوماسية الأمريكية مما مكن وكالة مخابرات الاشارات الاسرائيلية من إعتراض البرقيات والرسائل السرية من و إلى مكتب السفير الأمريكى فى إسرائيل ، وبشكل إجمالى فإنه من عام 1981 حتى قبض علية عام 1984 قدم لإسرائيل 1800 وثيقة تقع فى حوالى 5000 صفحه ، وبعض هذه الوثائق أعيد نسخها وتصحيحها من قبل مسئولى المخابرات الإسرائيلية ، ثم قدمت للاتحاد السوفيتى كإشارة على أحسن نوايا إسرائيل فى توجية خاص من إسحق شامير الذى كان يبغض أمريكا ويريد إقامة علاقات أوثق مع الاتحاد السوفيتى ، ولقد كان بولارد أول جاسوس نووى إسرائيلى ،لكن عندما قبض عليه وصفت إسرائيل فضيحة بولارد الجاسوس الإسرائيلى فى أمريكا بانها عملية منحرفه تمت إدارتها بدون تورط رفيع المستوى.
أما روبوت ماكسويل فقد لقى مصرعه بعد أن كشف صلاته القوية مع القيادة الإسرائيلية منذ عشرات السنين مما يشير إلى احتمال تورط الموساد فى التخلص منه لعدم كشف المزيد من الأسرار ودفنها معه .
وقد كان ماكسويل مالكا لصحيفة معاريف الاسرائيلية اليومية ، وامتلك لفترة شركة " سيتيكس كوربور يشن لمعدات الطباعة ذات التكنولوجيا المتقدمة ومقرها اسرائيل وكان بين كبار مسئوليها التنفيذيين " يائير شامير " الكولونيل السابق فى السلاح الجوى وابن إسحق شامير .
" فانونو " فضح امتلاك اسرائيل للقوة النووية :
ومن العمليات ذات الصلة بالقوه النووية لاسرائيل فى ديمونة والتى استخدم ماكسويل فيها صحيفته " صنداى ميرور " عملية " مورد خاى فانونو " العامل الفنى المغربى اليهودى الذى استطاع تصوير ديمونه من الداخل وهرب بالصور وباعها للصنداى تايميز البريطانية التى نشرت نشرت القصة وأكدت أمتلاك اسرائيل للقوة النووية ، فجند ماكسويل الصنداى ميرور لتكذيب الصنداى تايمز وجعلها مثارا للسخرية ، وأقال كل الذين عارضوة فى جريدته وطالبوا بنشر صور فانونو مادامت حقيقية وقد تم استدراج فانونو إلى روما ومنها إلى اسرائيل عن طريق إحدى عمليات الموساد ، أما ماكسويل فلقى مصرعه عندما بدأ يتكلم .
ولكى تظل اسرائيل القوة النووية الوحيدة فى الشرق الأوسط ، استخدمت المعلومات التى كانت تحصل عليها من القمر الصناعى الأمريكى " كى-إتش - 11 " الذى كان قفزة هائلة فى مجال التكنولوجيا ، وضربت المفاعل النووى العراقى جنوب شرق بغداد ، وكان هذا خريف 1981 أثناء رئاسة رونالد ريجان للولايات المتحدة الذى " بدأ سعيدا وراضيا للغاية " على حد قول ريشارد آلان مستشار الأمن القومى الأمريكى فى ذلك الوقت ،
أما الكسندر هيج وزير الخارجية الأمريكية فكان يعترف فى احاديثة الخاصة " إن اسرئيل يملكون مخالب وإحساسا استراتيجيا وقادرون على الاهتمام بالمشكلات قبل تطورها 00 وعلى أى حال بمن ألحق الاسرائيليون الضرر 00
وهكذا ما زلنا فى موقف المتفرج الابله على ما يجرى حولنا دون أن يكون لنا أى دور سلبى أو إيجابى ولا نملك حتى الأعتراض وهو أضعف الإيمان فهل سيستمر الحال على ما هو عليه .........
مجرد سؤال ............
التعديل الأخير: