بسم الله الرحمن الرحيم
........................................
مقدمة
في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر تحول وقع أقدام الجنود إلى مسألة عادية بالنسبة إلى سكان القارة الأوروبية طوال عقدين من الزمن فوقعت المعارك في أماكن متعددة من القارة منذ قيام نابليون وحتى انتحاره.
هزيمة نابليون عام 1814 على أيدي الحلفاء سجلت نهاية للطاغية وبداية لتمتع القارة بالسلام والرخاء لكنها لم تكن طويلة الأمد.
في الأول من مارس هرب نابليون من منفاه في "ألبا" وانطلق عائدًا إلى فرنسا ما يعنى أن الحرب كانت على وشك الانطلاق.
بعد الكارثة التي أصابته في روسيا عام 1812 بدأ نابليون بالانحدار إلى أن أُحيط بجيوش من بريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا حين أُجبر الجنرال إلى توقيع معاهدة غير مشروطة بعد أن رفض أعداءه احتفاظه بلقب الإمبراطور تحول إلى أمير لجزيرة إيلبا من جيش فخور يتألف من نصف مليون جندي سُمح لنابليون بأن يأخذ معه ستمائة فقط من حراساته الشخصية.
بعد اختيار الرجال الذين سيعملون حراسًا لديه طلب الإمبراطور بأن تتم دعوة حراساته السابقة لتقف أمامه التأثر الواضح ختمه بقبلة وداع وبكلمات قال فيها
الكثير من رجال الوحدات المجتمعة هناك من موسكو وإيلاو وغيرها انهمروا بالبكاء أيضًا بعد ذلك بقليل أخذ الإمبراطور يودعهم وفي أبريل من عام 1814 صعد إلى سفينة حربية بريطانية تولت إيصاله إلى إيلبا حيث المنفى.
عودة نابليون إلى المسرح الفرنسي ومسيرته المظفرة من نيس إلى باريس تحولتا إلى أسطورة معاصرةمع أن الاحتفال به في باريس كاد لا يحصل أبدًا.
الإمبراطور الذي أمضى سنوات منفاه في جزيرة إيلبا يهدد ويتوعد ومن خلال مراقبته للأحداث في فرنسا شعر باستياء الفلاحين المتنامي من الفئات الحاكمة الجديدة هناك كما شعر بعدم الرضا الذي أثاره تفكيك جيوشه الهائلة وهذه الأوضاع مجتمعة ساعدت على توفير الظروف الملائمة لإعادة انبعاثه لقد تمكن دائمًا من الاستفادة من الظروف المحيطة لصالحه كما عُرف بأنه رجل أفعال.
عام 1796 عزز شهرته بضربه المباشر لأعمال الشغب أما هذه المرة فعليه الاستفادة من الاستياء الشعبي قبل أن تتمكن السلطات الحاكمة من قمع بذورها.
في السادس والعشرين من فبراير من عام 1815 أبحر نابليون متوجهًا من إيلبا إلى فرنسا ما شكل الفرصة النهائية لإعادة بناء سلطته.
رد أعداءه جاء متحفظًا جدًا اجتمعت روسيا وبروسيا وبريطانيا والنمسا وتوصلوا إلى اتفاق أدى إلى توقيع معاهدة فيينا وتفاهموا على مبدأ تخليص أوروبا من متاعب نابليون فما كان لأي بلد أن يتفاوض على انفراد معه فهو لا يستحق أن يُمنح الثقة.
ويجب ألا يُمنح الوقت اللازم لإعادة بناء آلته العسكرية ولابد من تدميره بالقوة وبأسرع ما يمكن إذ إن السلام لن يعم إلا بعد أن يتعرض نابليون لهزيمة نكراء في ساحات القتال.
كان الإمبراطور بحاجة ماسة إلى تعزيز مكانته في فرنسا ومن الطبيعي أن يسعى إلى تحقيق السلام ولتأكيد هذه الرغبة خرج أمام حشود من مؤيديه بملابس الدولة بدل ملابسه العسكرية الرمادية اللون ما خيب آمال الكثيرين.
كان نابليون بحاجة إلى الوقت كي يعيد بناء وحداته خاصة وأن جيوشه تقلصت كثيرًا طوال فترة وجوده في المنفى وكان يواجه الكثير من الأعداء عند كل منعطف كما أن كل عروضه للسلام رُفضت بالكامل.
حين واجه ذلك التحالف الذي يُصر على تدميره المباشر أعلن عن حملة المائة يوم والتي تُوجت بمعركة واترلو.
كان دعمه الشعبي يتنامى إلا أن الظروف الإستراتيجية التي تواجه الإمبراطور كانت يائسة رغم حقيقة أن الكثير من جنوده السابقين عادوا إلى مواقعهم إلا أنه لم يتمكن من تجنيد أكثر من مائتين وثمانين ألف رجل أما الجانب المضاد فحشد جنودًا من أربعة بلدان متحالفة بلغ تعدادها ثمانمائة ألف رجل سيتبعها المزيد كان التفوق العددي بالغ الأهمية بالنسبة إلى الحلفاء لكن عليهم الاعتماد على استراتيجية تساعدهم على الاستفادة من تفوقهم العددي.
خطة الهجوم
قوات من خمسة بلدان تُستخدم لخنق قوة متناثرة واحدة بجيش تتحالف فيه بريطانيا / هولندا / بلجيكا بما يوازي مائة وعشرة آلاف رجل، وعلى ويلنجتون أن يهاجم باريس من ناحية بروكسيل على أن تتم حماية ميسرته من قبل المارشال بلوكر بقوة من مائة وعشرة آلاف بروسي.
الجنرال شوارزنبيرج على رأس مائتين وعشرة ألاف رجل من الجيش النمساوي سيهاجم فرنسا من ناحية الغابة السوداء.
الجنرال فريمون على رأس وحدة من خمسة وسبعين ألف نمساوي وإيطالي سيهاجم ليون من خلال الريفيرا أخيرًا احتشد مائة وخمسون ألف روسي يعملون على الوصول إلىفرنسا" من خلال الراين.
ما إن تتمكن هذه الجيوش من الانتصار على الجيوش المحلية حتى تتفق على التوجه إلى باريس لا بد من أن تأخذ الاستراتيجية بعين الاعتبار أن تحريك الوحدات القتالية الكبيرة في بداية القرن التاسع عشر يحتاج إلى الكثير من الوقت خصوصًا أن على وحدات المشاة أن تنتقل عبر الجبال والسهول سيرًا على الأقدام.
علمًا أن قوتين فقط كانتا جاهزتين للعمل المباشر تلك التي يقودها البريطاني ويلنجتون والأخرى التي يقودها بلوشير مايو عام 1815 أما القوات النمساوية فلا يمكن توقعها قبل يوليو والقوة الروسية القادمة من موسكو ستصل في مرحلة لاحقة أيضًا هذا التأخير في استراتيجية الحلفاء كان في صالح نابليون ما يمكنه من العمل على تنفيذ استراتيجية الموقع المتوسط.
مقاتلة الوحدتين اللتين تطالهما يد نابليون في هذه الحرب تعنى أن بإمكان نابليون إنهاء تلك الحملة قبل وصول النمساويين والروس للمشاركة فيها.
العلاقات السياسية بين روسيا وبريطانيا كانت على أسوأ حال ما يعني أن انتصاره في الحرب لن يفرق بين الحلفاء فقط بل سيعزز دعمه في فرنسا أيضًا.
أضف أن هزيمة ويلنجتون في هذه الحرب ستترك أثرًا سلبيًا في أسواق الأسهم في انجلترا كان نابليون يعتمد على أن يؤدي تدمير الأسهم إلى انهيار الحكومة في انجلترا ما سيأتي بحكومة حزب ضعيف يتعاطف أكثر مع قضية السلام.
عُرف عن ويلنجتون كفاءته العالية حتى إن شعبيته كانت عالية لم يتعرض لأي هزيمة على يد الفرنسيين طوال سنوات الحرب في إسبانيا وفي السادسة والأربعين وكان في عمر نابليون لم يكن يعاني مشاكل صحية كالتي يعانيها الإمبراطور رغم اشتهاره بالقسوة إلا أنه كان يبدي اهتمامًا مميزًا برجاله ويُقال أنه شوهد يذرف الدموع على تقارير الضحايا.
خطة نابليون
شعر نابليون بالثقة في التغلب على ويلنجتون وبلوشير رغم التقارير الأمنية التي تؤكد بأنه نتيجة الخلافات السياسية القائمة كان لكل من جيوش الحلفاء خطوط اتصال منفصلة اتصالات ويلنجتون كانت تُستمد من انجلترا عبر أوستين بينما كانت مؤن بلوشير تأتيه من ألمانيا.
بمهاجمة النقطة الوسط بين الجيشين كان نابليون يأمل بأن ينسحب كل منهما بعيدًا عن الآخر باتجاه مواقع المؤن ما يسهل الأمر عليه لمحاصرة كل جيش على حدا وإيقاع الهزيمة بكليهما.
سيفعل ذلك بتركيز جيشه الوحيد لمواجهة كلا القوتين ما سيمنحه تفوقًا عدديًا مؤقتًا في الحالتين ليتخطى ضعفه العددي حاجته الماسة إلى إجبار الحلفاء التراجع هي التي ستحدد طبيعة الأحداث في الأيام اللاحقة.
القوات التي كانت على وشك المشاركة في حملة المائة يوم شهدت تقدمًا على مدار المائة عام الماضية التي تفصل بين تلك الموقعة وتركيز حشود الجيش البريطاني التي اجتمعت في مالبرا قبل مائة عام من ذلك التاريخ.
كانت موزعة على ثلاثة أسلحة مختلفة وهي المشاة والفرسان والمدفعية ويعُرف عن وحدات المشاة البريطانية أنها الأكثر نظامًا وتسلحًا في العالم وقد تفوقت على الوحدات الفرنسية طوال سنوات حرب شبه الجزيرة التي امتدت بين عامي 1804/1814.
سلاح المشاة الرئيسي هو البندقية نفسها التي تُستعمل منذ عام 1745 كان يتم حشو السلاح من الوسط حيث يوضع بعض من ملح البارود في حجرة النار ويقفل الغطاء ثم يُصب ما تبقى من الشحنة في فوهة البندقية بما فيها الورقة التي تُدفع من خلال سيخ نحو أسفل البندقية بما فيها طلقة من رصاص.
ثم يُعاد السيخ المعدني إلى مكانه تحت الأنبوب الحديدي لتصبح البندقية جاهزة لإطلاق النار يتم ذلك من خلال آلية بدائية عبر شرارة تشعل ملح البارود في حجرة النار، الذي يشعل بدوره الشحنة التي في أسفل الأنبوب فيرسل الطلقة إلى هدف ما.
أسلحة العصر لا تصيب الهدف تمامًا وهناك خطورة على الجندي إذا ما جعله الخوف ينسى سحب السيخ من البندقية ما يعين إطلاق السيخ مع الرصاصة نحو الأعداء وفي هذه الحالة لا يمكنه حشوها من جديد.
البندقية مجهزة بممر لولبي يجعل الرصاصة تحلق باستقامة ما يضمن إصابة دقيقة لكن بفعل العمل على الحشو وإطلاق النار بسرعة سارت دقة الإصابة مسألة ثانوية ما عنى بالنسبة إلى الخبراء أن ما يقارب الخمسة في المائة من العيارات النارية تحقق أهدافها عبر مواجهة لا تزيد مسافة عشرة ياردات.
أما المسألة الانتحارية في تلك الحروب فكانت اقتراب الجنود من بعضهم البعض ما يضاعف الخطورة عليهم إلا أن تضاعف الإصابة يتطلب رص الصفوف بين الرجال مع أن هذا كان يؤدي إلى وقوع إصابات في الصفوف وهناك تقديرات تتحدث عن نجاة ثلاثة جنود فقط من كل مجموعة كانت تستطيع الخلاص بنفسها بعد كل معركة يصطف فيها الرجال جنبًا إلى جنب طوال يوم كامل من المواجهات الشاملة.
نيران المدافع كفيلة بإيقاع الكوارث في جميع الصفوف وفي تلك المرحلة كانت القذائف الفعالة في غياهب المستقبل بينما كانت المدافع تستخدم كريات حديدية تزن بين أربعة أرطال واثني عشر رطلاً تستخدم قذائف عنقودية للمسافات القريبة وهي مئات من الطلقات يتم حشوها معًا في المدفع لتنتشر في جميع الاتجاهات عند إطلاقها ما يوقع خسائر جسيمة في صفوف وحدات العدو المتراصة الكريات الحديدية الصلبة التي يطلقها الأعداء لا تنفجر بل تصيب الرجال أثناء مسيرهم فتقطع أوصالهم وكثيرًا ما كان صف كامل يُقتل بقذيفة واحدة تمر عبر جنود متراصين هذه الصورة تستعرض الإمبراطور يلتقي بجندي فقد ساقيه في معركة سابقة.
علم القبطان ميرسر على رأس وحدات من المدفعية البريطانية في واترلو ذاكرته الحية تعطي فكرة عما يمكن لسلاح المدفعية أن يوقع من إصابات.
بفعل ما ورد من إخفاقات المارشال ناي بدأت معركة كاتبرا في وقت متأخر كان أربعة آلاف رجل فقط يسيطرون على الطريق الرئيسي ما يعني أن هجومًا حاسمًا من قبل الخمسين ألفًا بقيادة المارشال ناي كانوا يستطيعون السيطرة على الموقع بسهولة لكن حذر ناي المبالغ فيه الذي أصابه بالهزيمة أمام ويلنجتون في إسبانيا جعله يدخل في معركة بدل القيام بهجمات ثانوية ما سمح للبريطانيين باستقدام تعزيزات متلاحقة.
نتائج تلك المعركة ضعفت الكارثة بالنسبة إلى نابليون الذي كان يقاتل وحدات بروسيا في ليني بما أن قوات الدعم لم تصل من جنب ناي كما كان مقررًا تمكن البروسيون من الهرب من ليني من دون إصابات حاسمة هذا على الرغم من ضربته المعنوية وخسارته سبعة عشر ألف رجل لكنه لم يهرب من الجيش الفرنسي منسحبًا إلى الشرق حيث لايج بحسب اعتقاد نابليون بل شمالاً إلى فارف.
شاهد نابليون الكثير من جنود بروسيا يهربون من الجيش باتجاه منطقة لايج وهكذا أخطأ في التوجه شرقًا مبتعدًا عن مصادر إمداداته وعن مواقع ويلنجتون كما أنه كان بطيئًا في توجيه الأوامر لوحداته بمطاردة الوحدات البروسية ما يعني أنهم كما جرى في كاتبرا تمكنوا من التجهيز لإيقاع خسائر جسيمة في صفوف نابليون.
يوم السابع عشر من يونيو كانت الوحدات البريطانية والبروسية تنسحب نحو الشمال وكان بروشير في عداد المفقودين طوال الليل بعد أن وقع تحت جواده في لينى فحل مكانه سايز ناو الذي كان سيصدر أوامر بالانسحاب بعيدًا عن ويلنجتون نحو ألمانيا لكنه جمع قواته أولاً قبل القيام بذلك في تلك اللحظة العصيبة عاد بروشير وأمر بوقف الانسحاب وذلك لتقديم الدعم لقوات ويلنجتون.
أي أن الحلفاء كانوا يسيرون في خط موازٍ في التوجه شمالاً من دون الابتعاد عن بعضهم وفق خطة نابليون فقد نابليون الاتصال بأجهزته الأمنية ولم يعاود الاتصال حتى السابع عشر من يونيو حينها كان ويلنجتون قد حسم أمره للصمود والقتال في واترلو في الثامن عشر من يونيو اتخذ قراره على اعتبار أن الوحدات البروسية المجتمعة في فالف على مسافة ثمانية أميال ستتمكن من الوصول إليه في اليوم نفسه.
أما نابليون فلم يكن يعلم أنهم قريبون جدًا بل كان واثقًا بأنهم يتابعون الانسحاب وقد أقنعه جراوتشي الذي أكد له بأنه سيضمن انسحاب البروسيين بعيدًا عن ويلنجتون وهكذا قرر نابليون أن يغادر هدفه لمهاجمة ويلنجتون.
صباح الثامن عشر من يونيو قام بتفقد وحداته هناك ثم حسم أمره بسحق جيش ويلنجتون على أن يجد الوقت لمطاردة قوات بروسيا.
ساحة القتال في واترلو لا تزيد عن ثلاثة أميال من الشرق إلى الغرب وميل ونصف الميل من الجنوب إلى الشمال واتخذ دوق ويلنجتون على رأس الجيش البريطاني الهولندي موقعًا له عند منطقة تقع إلى الجنوب عادةً ما كان ويلنجتون يحقق النصر على الوحدات المعادية التي تعتمد على تركيز القوات في الوسط حيث تقع ضحية قذائف المدفعية لهذا كان يُركز وحداته الرئيسية في مواقع مواربة بعيدة عن التأثير المباشر لمدفعية العدو.
كان يطلب من جنوده الانحناء والجلوس في أثناء عدم مشاركتهم في القتال ما جعل حجم الخسائر في صفوفهم تقل كثيرًا كما أدى ذلك إلى زيادة احترامهم للقائد الذي يعمل على حمايتهم الشخصية الكثير من الضباط قدروا عاليًا هذه الإجراءات علمًا أن العديد من المسائل الأخرى لن تؤخذ بعين الاعتبار في هذا المجال.
مع بداية الاشتباكات تعرضت الوحدات الهولندية لقصف مكثف من قبل المدفعية الفرنسية علمًا أنها واحدة من التشكيلات القليلة التي وُضعت في المقدمة على مرمى النيران الفرنسية وفي الجانب الفرنسي انتشرت القوات على خط مستقيم في مواجهة البريطانيين يفصل بينهم سهل منحدر وشارعان رئيسيان إلى جانب قصر عُرف بلقب هوجو مونت وعلى الناحية الأخرى مزرعة لا إيسانت.
تشكلت وحدات ويلنجتون من قوات بريطانية وهولندية وبلجيكية مع بعض العناصر الألمانية أي ما مجموعه ثمانية وستون ألف رجل من بينهم خمسون ألفًا من المشاة عشرون ألفًا منهم بريطانيون واثنا عشر ألفًا وأربع مائة من الفرسا، ومائة وستة وخمسون مدفعًا يعمل عليها خمسة آلاف وخمسمائة جندي.
على الجانب الفرنسي تسعة وأربعون ألفًا من المشاة وستة عشر ألفًا من الفرسان ومائتان وستة وأربعون مدفعًا يعمل عليها سبعة آلاف جندي هذا يعني أن نابليون نجح في حشد أعداد أكبر لمواجهة البريطانيين.
بعد أن أفاق الجيشان صباح اليوم التالي وسط وحول جاءت بها ليلة ممطرة أمضى الجنود ليلتهم في العراء وكثير من الأسلحة كان منغمسًا في الوحول أجزاء من ساحة القتال كانت موحلة بالكامل لدرجة أن حركة المدافع فيها أصبحت شبه مستحيلة ما سيؤثر على إصابات وأهداف المدافع حيث إن القذائف تغوص في الوحول عند سقوطها على الأرض ولا تسبب الأذى لأحد.
ثقته بأن القوات البروسية كانت بعيدة عن ساحة القتال جعلته ينتظر أكثر من ساعتين حتى تجف ميمنة ساحة القتال في أرض المعركة في الجانب البريطاني كان ويلنجتون يميل للانتظار على اعتبار أن كل ساعة تأخير هي مكسب للحلفاء لأنها تجعل حلفاءه البروسيين أقرب.
ومن دون علم الوحدات العسكرية بما تحضره الاستراتيجية أخذت تعمل على تعزيز راحتها والتموين قدر الإمكان.
استمر نابليون في الانتظار لعدم معرفته باقتراب الوحدات البروسية لكن في تمام الحادية عشرة والنصف بدأت المدافع الفرنسية بإطلاق قذائفها وتحركت الوحدات الفرنسية على الأرض للقيام بالهجوم.
تركز الهجوم أولاً على موقع القصر الذي كانت تحتله الوحدات البريطانية المتقدمة بدأ القتال على القصر والأرض المحيطة ما أنهك القوات الفرنسية التي بذلت العطاء السخي للحصول على موقع لا يستحق كل هذا العناء.
استمرت المعركة المريرة للاستيلاء على القصر طوال اليوم ومع استمرار الاشتباكات كانت الأحداث جارية في ساحات أخرى إلى أن نجح الفرنسيون في فتح الطريق إلى باحة القصر من خلال مجموعة من رجال البلاطات الذين حطموا الباب الرئيسي وتبعتهم الوحدات الأخرى مباشرة كانت تلك نهاية المعركة للاستيلاء على القصر في ذلك اليوم تلك العملية التي شغلت نصف كتيبة أو ما لا يقل عن عشرة آلاف رجل ضد وحدة لا تزيد عن ألفي رجل من الحراسات البريطانية.
ما كادت القوات الفرنسية تستعد لتعزيز تشكيلاتها واختراق الصفوف البريطانية حتى وصلت إلى الإمبراطور أنباء مفاجئة فلأول مرة علم بأن البروسيين لا ينسحبون إلى ألمانيا وأنهم في الطريق الآن لنجدة البريطانيين وضرب الوحدات الفرنسية من جانبها الأيمن.
أُجبر نابليون على سحب مجموعات كبيرة من قواته الاحتياطية لتعمل على حماية ميمنته قبل أن تبدأ المعركة ما يعني أن عليه المشاركة في حربين في وقت واحد، مع ذلك فقد كان على ثقة كاملة بأن وحداته ستهزم ويلنجتون قبل وصول الإمدادات البروسية لنجدته.
كان جراوتشي قد فشل في مهمته في إبعاد القوات البروسية عن ويلنجتون ووحداته لكن نابليون أصبح الآن بحاجة ماسة إلى انضمام جراوتشي ورجاله العشرين ألفًا إلى المعركة في واترلو فبعث عددًا من الرسائل العاجلة يدعوا فيها جراوتشي للانضمام إلى الجيش الرئيسي في واترلو في أسرع وقت.
أصبح القتال شمالاً على طول خطوط المعركة فإلى جانب المعركة التي وقعت حول القصر أوشك حصار آخر أن يقع هناك حيث عملت القوات على احتلال مزرعة لا إيسانت التي تتولى حمايتها الفرقة الألمانية استمرت المعركة طوال اليوم إلى أن نفذت الذخائر لدى الألمان وتخلوا عن المزرعة بعد ظهر ذلك اليوم.
في تلك الأثناء كانت الوحدات توجه الهجمات على المواقع البريطانية كانت تلك لحظات عصيبة بالنسبة إلى البريطانيين حيث كانت وحدات فرنسية معززة بالمدفعية والفرسان تقارع لاختراق الميمنة البريطانية المؤلفة من ثلاثة آلاف من المشاة.
كان المشهد سوداويًا لـ ويلنجتون حتى تمكنت وحدات الفرسان البريطانية من إنقاذ الوضع في اللحظة المناسبة فتوجهت فرقة أنسيون إلى ميمنة مزرعة لا إيسانت وفرقة أنيون إلى ميسرتها لتشكل هجومًا مضادًا للهجمات الفرنسية.
وسط حماسة قوات الفروسية البريطانية تمكنت هذه من اختراق صفوف وحدات المشاة الفرنسية حتى وصلت إلى الخطوط الفرنسية كان يُفترض بهم أن يتوقفوا هناك وينسحبوا على الفور لكن قوة الفرسان الاسكتلندية التي كانت في الطليعة تمكنت في خلال تسعين ثانية من الوصول إلى مواقع المدفعية الفرنسية في المؤخرة حيث تعرضوا لضربات موجعة.
لكنهم تمكنوا من إسكات المدفعية الفرنسية حيث ذُبح الرماة بلا رأفة بعد تلك العملية الحماسية تنبهوا إلى أن الجياد المتعبة أصبحت أقل سرعة من أن تتمكن من إعادتهم إلى مواقعهم سالمين حيث قامت وحدة من الفرسان الفرنسيين بمطاردتهم فُقتل غالبية الفرسان الاسكتلنديين في ذلك اليوم ((يُقال أن أكثر من ألف رجل من وحدة الفروسية الاسكتلندية الألفين والخمسمائة سقطوا ضحية تلك العملية الجريئة)) ورغم هذه الخسائر الجسيمة رُد أول هجوم فرنسي على أعقابه مع ذلك كان القتال على أشده في جميع ساحات المعركة على الخطوط.
لكن ميرسر لم ينسحب وبقي هناك بانتظار مهمات أخرى تنبه المارشال ناي إلى وجود نية بريطانية للانسحاب من خطوط الوسط فاتخذ قرارًا بتوجيه أمر للفرسان للقيام بهجوم فرنسي واسع النطاق وأكد في هذا الشأن أن كل ما يتطلبه الأمر هو حملة نفسية أخيرة وهكذا نُفذ هجوم الفرسان من دون دعم وحدات المدفعية أو المشاة ليجد أن التشكيلات الدائرية البريطانية مستعدة لاستقبالهم عند عبورهم الخط الفاصل.
قامت وحدات الفرسان باثني عشر هجومًا رُدت على أعقابها في اثنتي عشرة مرة بنيران التشكيلات الدائرية والمدفعية البريطانية من بينها مدفعية ميرسر.
صد هجمات قوات الفروسية بنيران التشكيلات الدائرية البريطانية والمدفعية شكلت اللحظة الحاسمة للمعركة الأوضاع في تلك التشكيلات كانت تمنع أي تقدم حيث الأجواء المغطاة بالدخان والجثث المنتشرة على أرض المعركة ما كانت لتسمح بالاستمرار طويلاً وأخيرًا في الرابعة بعد الظهر بدأت طلائع الجيش البروسي تصل إلى ساحة المعركة وفي الخامسة تمكنت من الاستيلاء على قرية بلونسينوات في الجانب الفرنسي لتهدد بضرب التشكيلة الفرنسية.
بدد نابليون فرصة الفوز في معركة حاسمة لرفضه إدخال حرسه الإمبراطوري فيها تتألف هذه الوحدات من رجال ذوي كفاءات عالية مجربين في معارك مختلفة وتتألف منهم حراساته الشخصية.
هذه المرة لن يكرر ذلك الخطأ، فرقتان من الحراسات الشخصية تسللت إلى بلونسينوات وأوقفت تقدم أربع عشرة فرقة بروسية في المنطقة المحيطة بها ليتمكنوا بهذه الطريقة من إعادة الاستقرار بالنسبة إلى الفرنسيين.
كان من المحتمل أن يفوز بها نابليون فقد تمكن المارشال ناي من تصفية العديد من وحدات الفروسية المعادية باستخدام المشاة والمدفعية والفرسان التي كانت توقع خسائر جسيمة في قلب الجبهة الفرنسية في تلك اللحظات طلب ناي من نابليون قوات لم تقاتل بعد.
كان يعرف أن جهدًا نهائيًا وحاسمًا قد يغير الأوضاع تأخر نابليون في إرسال تلك الإمدادات الحاسمة لعدم وضوح الرؤية بعد على جبهة بلونسينوات باستخدام التشكيلات التقليدية المتبعة تمكن ويلنجتون من تأكيد صلابة جبهة الوسط ثم لجأ نابليون إلى فيلق الحراسات الملكية رولت فولت.
الحراسات القديمة والأشد قدمًا بقيت في مواقعها في تشكيلات احتياطية بينما قامت الفرقة الثانية والثالثة من فيالق الحراسات التي تُعرف بالحراسات الوسطى بمهاجمة المواقع البريطانية لكنها واجهت مقاومة من قبل فرق الحراسات البريطانية التي اعتمدت غزارة في النيران لم يكن يتوقعها أحد.
حيال كثافة النيران هذه أُجبرت الحراسات الإمبراطورية على التوقف حين شعر ويلنجتون بأن اللحظة الحاسمة تقترب قام بدعوة قادة وحداته بالقول"
في تلك اللحظة انطلقت جميع الوحدات البريطانية إلى الأمام وكأنها رجل واحد حتى تزعزعت الرغبة الفرنسية بالمقاومة
ثم انسحبت الحراسات الفرنسية سرى الخبر سريعًا في صفوف الفرنسيين والذي قال الحراسات تنسحب.. انطلق الصراخ بين جميع الوحدات لينجو كل برأسه وبعد لحظات اهتزت المعنويات الفرنسية وتحول الجيش الفرنسي من قوة صلبة مهاجمة إلى مجموعات فارة تحاول النجاة وانتشر الرعب في صفوف الجيش وتبخرت أدنى مستويات النظام والأداء العسكري.
مطاردة الحلفاء كانت بلا رحمة وآلاف من الفرنسيين أُضيفوا إلى الأعداد الهائلة من القتلى والمصابين كما انسحب الإمبراطور شخصيًا نحو التشكيلات الخلفية التي أقامتها الحراسات الشخصية وبعد أن فشل في رفع معنويات المجموعات الهاربة امتطى جواده وفر عبر الحقول مع مجموعة من الحراسات ليضيف بذلك مشهدًا آخر من الرعب والخوف لقد ترك خلفه سبعة وأربعين ألف قتيل وجريح بين الطرفين.
هذا المشهد المأساوي للكارثة الذي بقي في ذاكرة المشاركين يتحدث عنه الكابتن ميرسير.
.............................................
المصدر
........................................
مقدمة
في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر تحول وقع أقدام الجنود إلى مسألة عادية بالنسبة إلى سكان القارة الأوروبية طوال عقدين من الزمن فوقعت المعارك في أماكن متعددة من القارة منذ قيام نابليون وحتى انتحاره.
هزيمة نابليون عام 1814 على أيدي الحلفاء سجلت نهاية للطاغية وبداية لتمتع القارة بالسلام والرخاء لكنها لم تكن طويلة الأمد.
في الأول من مارس هرب نابليون من منفاه في "ألبا" وانطلق عائدًا إلى فرنسا ما يعنى أن الحرب كانت على وشك الانطلاق.
بعد الكارثة التي أصابته في روسيا عام 1812 بدأ نابليون بالانحدار إلى أن أُحيط بجيوش من بريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا حين أُجبر الجنرال إلى توقيع معاهدة غير مشروطة بعد أن رفض أعداءه احتفاظه بلقب الإمبراطور تحول إلى أمير لجزيرة إيلبا من جيش فخور يتألف من نصف مليون جندي سُمح لنابليون بأن يأخذ معه ستمائة فقط من حراساته الشخصية.
بعد اختيار الرجال الذين سيعملون حراسًا لديه طلب الإمبراطور بأن تتم دعوة حراساته السابقة لتقف أمامه التأثر الواضح ختمه بقبلة وداع وبكلمات قال فيها
بهذه القبلة أضمكم جميعًا إلى صدري
الكثير من رجال الوحدات المجتمعة هناك من موسكو وإيلاو وغيرها انهمروا بالبكاء أيضًا بعد ذلك بقليل أخذ الإمبراطور يودعهم وفي أبريل من عام 1814 صعد إلى سفينة حربية بريطانية تولت إيصاله إلى إيلبا حيث المنفى.
عودة نابليون إلى المسرح الفرنسي ومسيرته المظفرة من نيس إلى باريس تحولتا إلى أسطورة معاصرةمع أن الاحتفال به في باريس كاد لا يحصل أبدًا.
الإمبراطور الذي أمضى سنوات منفاه في جزيرة إيلبا يهدد ويتوعد ومن خلال مراقبته للأحداث في فرنسا شعر باستياء الفلاحين المتنامي من الفئات الحاكمة الجديدة هناك كما شعر بعدم الرضا الذي أثاره تفكيك جيوشه الهائلة وهذه الأوضاع مجتمعة ساعدت على توفير الظروف الملائمة لإعادة انبعاثه لقد تمكن دائمًا من الاستفادة من الظروف المحيطة لصالحه كما عُرف بأنه رجل أفعال.
عام 1796 عزز شهرته بضربه المباشر لأعمال الشغب أما هذه المرة فعليه الاستفادة من الاستياء الشعبي قبل أن تتمكن السلطات الحاكمة من قمع بذورها.
في السادس والعشرين من فبراير من عام 1815 أبحر نابليون متوجهًا من إيلبا إلى فرنسا ما شكل الفرصة النهائية لإعادة بناء سلطته.
رد أعداءه جاء متحفظًا جدًا اجتمعت روسيا وبروسيا وبريطانيا والنمسا وتوصلوا إلى اتفاق أدى إلى توقيع معاهدة فيينا وتفاهموا على مبدأ تخليص أوروبا من متاعب نابليون فما كان لأي بلد أن يتفاوض على انفراد معه فهو لا يستحق أن يُمنح الثقة.
ويجب ألا يُمنح الوقت اللازم لإعادة بناء آلته العسكرية ولابد من تدميره بالقوة وبأسرع ما يمكن إذ إن السلام لن يعم إلا بعد أن يتعرض نابليون لهزيمة نكراء في ساحات القتال.
كان الإمبراطور بحاجة ماسة إلى تعزيز مكانته في فرنسا ومن الطبيعي أن يسعى إلى تحقيق السلام ولتأكيد هذه الرغبة خرج أمام حشود من مؤيديه بملابس الدولة بدل ملابسه العسكرية الرمادية اللون ما خيب آمال الكثيرين.
كان نابليون بحاجة إلى الوقت كي يعيد بناء وحداته خاصة وأن جيوشه تقلصت كثيرًا طوال فترة وجوده في المنفى وكان يواجه الكثير من الأعداء عند كل منعطف كما أن كل عروضه للسلام رُفضت بالكامل.
حين واجه ذلك التحالف الذي يُصر على تدميره المباشر أعلن عن حملة المائة يوم والتي تُوجت بمعركة واترلو.
كان دعمه الشعبي يتنامى إلا أن الظروف الإستراتيجية التي تواجه الإمبراطور كانت يائسة رغم حقيقة أن الكثير من جنوده السابقين عادوا إلى مواقعهم إلا أنه لم يتمكن من تجنيد أكثر من مائتين وثمانين ألف رجل أما الجانب المضاد فحشد جنودًا من أربعة بلدان متحالفة بلغ تعدادها ثمانمائة ألف رجل سيتبعها المزيد كان التفوق العددي بالغ الأهمية بالنسبة إلى الحلفاء لكن عليهم الاعتماد على استراتيجية تساعدهم على الاستفادة من تفوقهم العددي.
خطة الهجوم
قوات من خمسة بلدان تُستخدم لخنق قوة متناثرة واحدة بجيش تتحالف فيه بريطانيا / هولندا / بلجيكا بما يوازي مائة وعشرة آلاف رجل، وعلى ويلنجتون أن يهاجم باريس من ناحية بروكسيل على أن تتم حماية ميسرته من قبل المارشال بلوكر بقوة من مائة وعشرة آلاف بروسي.
الجنرال شوارزنبيرج على رأس مائتين وعشرة ألاف رجل من الجيش النمساوي سيهاجم فرنسا من ناحية الغابة السوداء.
الجنرال فريمون على رأس وحدة من خمسة وسبعين ألف نمساوي وإيطالي سيهاجم ليون من خلال الريفيرا أخيرًا احتشد مائة وخمسون ألف روسي يعملون على الوصول إلىفرنسا" من خلال الراين.
ما إن تتمكن هذه الجيوش من الانتصار على الجيوش المحلية حتى تتفق على التوجه إلى باريس لا بد من أن تأخذ الاستراتيجية بعين الاعتبار أن تحريك الوحدات القتالية الكبيرة في بداية القرن التاسع عشر يحتاج إلى الكثير من الوقت خصوصًا أن على وحدات المشاة أن تنتقل عبر الجبال والسهول سيرًا على الأقدام.
علمًا أن قوتين فقط كانتا جاهزتين للعمل المباشر تلك التي يقودها البريطاني ويلنجتون والأخرى التي يقودها بلوشير مايو عام 1815 أما القوات النمساوية فلا يمكن توقعها قبل يوليو والقوة الروسية القادمة من موسكو ستصل في مرحلة لاحقة أيضًا هذا التأخير في استراتيجية الحلفاء كان في صالح نابليون ما يمكنه من العمل على تنفيذ استراتيجية الموقع المتوسط.
مقاتلة الوحدتين اللتين تطالهما يد نابليون في هذه الحرب تعنى أن بإمكان نابليون إنهاء تلك الحملة قبل وصول النمساويين والروس للمشاركة فيها.
العلاقات السياسية بين روسيا وبريطانيا كانت على أسوأ حال ما يعني أن انتصاره في الحرب لن يفرق بين الحلفاء فقط بل سيعزز دعمه في فرنسا أيضًا.
أضف أن هزيمة ويلنجتون في هذه الحرب ستترك أثرًا سلبيًا في أسواق الأسهم في انجلترا كان نابليون يعتمد على أن يؤدي تدمير الأسهم إلى انهيار الحكومة في انجلترا ما سيأتي بحكومة حزب ضعيف يتعاطف أكثر مع قضية السلام.
عُرف عن ويلنجتون كفاءته العالية حتى إن شعبيته كانت عالية لم يتعرض لأي هزيمة على يد الفرنسيين طوال سنوات الحرب في إسبانيا وفي السادسة والأربعين وكان في عمر نابليون لم يكن يعاني مشاكل صحية كالتي يعانيها الإمبراطور رغم اشتهاره بالقسوة إلا أنه كان يبدي اهتمامًا مميزًا برجاله ويُقال أنه شوهد يذرف الدموع على تقارير الضحايا.
خطة نابليون
شعر نابليون بالثقة في التغلب على ويلنجتون وبلوشير رغم التقارير الأمنية التي تؤكد بأنه نتيجة الخلافات السياسية القائمة كان لكل من جيوش الحلفاء خطوط اتصال منفصلة اتصالات ويلنجتون كانت تُستمد من انجلترا عبر أوستين بينما كانت مؤن بلوشير تأتيه من ألمانيا.
بمهاجمة النقطة الوسط بين الجيشين كان نابليون يأمل بأن ينسحب كل منهما بعيدًا عن الآخر باتجاه مواقع المؤن ما يسهل الأمر عليه لمحاصرة كل جيش على حدا وإيقاع الهزيمة بكليهما.
سيفعل ذلك بتركيز جيشه الوحيد لمواجهة كلا القوتين ما سيمنحه تفوقًا عدديًا مؤقتًا في الحالتين ليتخطى ضعفه العددي حاجته الماسة إلى إجبار الحلفاء التراجع هي التي ستحدد طبيعة الأحداث في الأيام اللاحقة.
القوات التي كانت على وشك المشاركة في حملة المائة يوم شهدت تقدمًا على مدار المائة عام الماضية التي تفصل بين تلك الموقعة وتركيز حشود الجيش البريطاني التي اجتمعت في مالبرا قبل مائة عام من ذلك التاريخ.
كانت موزعة على ثلاثة أسلحة مختلفة وهي المشاة والفرسان والمدفعية ويعُرف عن وحدات المشاة البريطانية أنها الأكثر نظامًا وتسلحًا في العالم وقد تفوقت على الوحدات الفرنسية طوال سنوات حرب شبه الجزيرة التي امتدت بين عامي 1804/1814.
سلاح المشاة الرئيسي هو البندقية نفسها التي تُستعمل منذ عام 1745 كان يتم حشو السلاح من الوسط حيث يوضع بعض من ملح البارود في حجرة النار ويقفل الغطاء ثم يُصب ما تبقى من الشحنة في فوهة البندقية بما فيها الورقة التي تُدفع من خلال سيخ نحو أسفل البندقية بما فيها طلقة من رصاص.
ثم يُعاد السيخ المعدني إلى مكانه تحت الأنبوب الحديدي لتصبح البندقية جاهزة لإطلاق النار يتم ذلك من خلال آلية بدائية عبر شرارة تشعل ملح البارود في حجرة النار، الذي يشعل بدوره الشحنة التي في أسفل الأنبوب فيرسل الطلقة إلى هدف ما.
أسلحة العصر لا تصيب الهدف تمامًا وهناك خطورة على الجندي إذا ما جعله الخوف ينسى سحب السيخ من البندقية ما يعين إطلاق السيخ مع الرصاصة نحو الأعداء وفي هذه الحالة لا يمكنه حشوها من جديد.
البندقية مجهزة بممر لولبي يجعل الرصاصة تحلق باستقامة ما يضمن إصابة دقيقة لكن بفعل العمل على الحشو وإطلاق النار بسرعة سارت دقة الإصابة مسألة ثانوية ما عنى بالنسبة إلى الخبراء أن ما يقارب الخمسة في المائة من العيارات النارية تحقق أهدافها عبر مواجهة لا تزيد مسافة عشرة ياردات.
أما المسألة الانتحارية في تلك الحروب فكانت اقتراب الجنود من بعضهم البعض ما يضاعف الخطورة عليهم إلا أن تضاعف الإصابة يتطلب رص الصفوف بين الرجال مع أن هذا كان يؤدي إلى وقوع إصابات في الصفوف وهناك تقديرات تتحدث عن نجاة ثلاثة جنود فقط من كل مجموعة كانت تستطيع الخلاص بنفسها بعد كل معركة يصطف فيها الرجال جنبًا إلى جنب طوال يوم كامل من المواجهات الشاملة.
نيران المدافع كفيلة بإيقاع الكوارث في جميع الصفوف وفي تلك المرحلة كانت القذائف الفعالة في غياهب المستقبل بينما كانت المدافع تستخدم كريات حديدية تزن بين أربعة أرطال واثني عشر رطلاً تستخدم قذائف عنقودية للمسافات القريبة وهي مئات من الطلقات يتم حشوها معًا في المدفع لتنتشر في جميع الاتجاهات عند إطلاقها ما يوقع خسائر جسيمة في صفوف وحدات العدو المتراصة الكريات الحديدية الصلبة التي يطلقها الأعداء لا تنفجر بل تصيب الرجال أثناء مسيرهم فتقطع أوصالهم وكثيرًا ما كان صف كامل يُقتل بقذيفة واحدة تمر عبر جنود متراصين هذه الصورة تستعرض الإمبراطور يلتقي بجندي فقد ساقيه في معركة سابقة.
علم القبطان ميرسر على رأس وحدات من المدفعية البريطانية في واترلو ذاكرته الحية تعطي فكرة عما يمكن لسلاح المدفعية أن يوقع من إصابات.
بفعل ما ورد من إخفاقات المارشال ناي بدأت معركة كاتبرا في وقت متأخر كان أربعة آلاف رجل فقط يسيطرون على الطريق الرئيسي ما يعني أن هجومًا حاسمًا من قبل الخمسين ألفًا بقيادة المارشال ناي كانوا يستطيعون السيطرة على الموقع بسهولة لكن حذر ناي المبالغ فيه الذي أصابه بالهزيمة أمام ويلنجتون في إسبانيا جعله يدخل في معركة بدل القيام بهجمات ثانوية ما سمح للبريطانيين باستقدام تعزيزات متلاحقة.
نتائج تلك المعركة ضعفت الكارثة بالنسبة إلى نابليون الذي كان يقاتل وحدات بروسيا في ليني بما أن قوات الدعم لم تصل من جنب ناي كما كان مقررًا تمكن البروسيون من الهرب من ليني من دون إصابات حاسمة هذا على الرغم من ضربته المعنوية وخسارته سبعة عشر ألف رجل لكنه لم يهرب من الجيش الفرنسي منسحبًا إلى الشرق حيث لايج بحسب اعتقاد نابليون بل شمالاً إلى فارف.
شاهد نابليون الكثير من جنود بروسيا يهربون من الجيش باتجاه منطقة لايج وهكذا أخطأ في التوجه شرقًا مبتعدًا عن مصادر إمداداته وعن مواقع ويلنجتون كما أنه كان بطيئًا في توجيه الأوامر لوحداته بمطاردة الوحدات البروسية ما يعني أنهم كما جرى في كاتبرا تمكنوا من التجهيز لإيقاع خسائر جسيمة في صفوف نابليون.
يوم السابع عشر من يونيو كانت الوحدات البريطانية والبروسية تنسحب نحو الشمال وكان بروشير في عداد المفقودين طوال الليل بعد أن وقع تحت جواده في لينى فحل مكانه سايز ناو الذي كان سيصدر أوامر بالانسحاب بعيدًا عن ويلنجتون نحو ألمانيا لكنه جمع قواته أولاً قبل القيام بذلك في تلك اللحظة العصيبة عاد بروشير وأمر بوقف الانسحاب وذلك لتقديم الدعم لقوات ويلنجتون.
أي أن الحلفاء كانوا يسيرون في خط موازٍ في التوجه شمالاً من دون الابتعاد عن بعضهم وفق خطة نابليون فقد نابليون الاتصال بأجهزته الأمنية ولم يعاود الاتصال حتى السابع عشر من يونيو حينها كان ويلنجتون قد حسم أمره للصمود والقتال في واترلو في الثامن عشر من يونيو اتخذ قراره على اعتبار أن الوحدات البروسية المجتمعة في فالف على مسافة ثمانية أميال ستتمكن من الوصول إليه في اليوم نفسه.
أما نابليون فلم يكن يعلم أنهم قريبون جدًا بل كان واثقًا بأنهم يتابعون الانسحاب وقد أقنعه جراوتشي الذي أكد له بأنه سيضمن انسحاب البروسيين بعيدًا عن ويلنجتون وهكذا قرر نابليون أن يغادر هدفه لمهاجمة ويلنجتون.
صباح الثامن عشر من يونيو قام بتفقد وحداته هناك ثم حسم أمره بسحق جيش ويلنجتون على أن يجد الوقت لمطاردة قوات بروسيا.
ساحة القتال في واترلو لا تزيد عن ثلاثة أميال من الشرق إلى الغرب وميل ونصف الميل من الجنوب إلى الشمال واتخذ دوق ويلنجتون على رأس الجيش البريطاني الهولندي موقعًا له عند منطقة تقع إلى الجنوب عادةً ما كان ويلنجتون يحقق النصر على الوحدات المعادية التي تعتمد على تركيز القوات في الوسط حيث تقع ضحية قذائف المدفعية لهذا كان يُركز وحداته الرئيسية في مواقع مواربة بعيدة عن التأثير المباشر لمدفعية العدو.
كان يطلب من جنوده الانحناء والجلوس في أثناء عدم مشاركتهم في القتال ما جعل حجم الخسائر في صفوفهم تقل كثيرًا كما أدى ذلك إلى زيادة احترامهم للقائد الذي يعمل على حمايتهم الشخصية الكثير من الضباط قدروا عاليًا هذه الإجراءات علمًا أن العديد من المسائل الأخرى لن تؤخذ بعين الاعتبار في هذا المجال.
مع بداية الاشتباكات تعرضت الوحدات الهولندية لقصف مكثف من قبل المدفعية الفرنسية علمًا أنها واحدة من التشكيلات القليلة التي وُضعت في المقدمة على مرمى النيران الفرنسية وفي الجانب الفرنسي انتشرت القوات على خط مستقيم في مواجهة البريطانيين يفصل بينهم سهل منحدر وشارعان رئيسيان إلى جانب قصر عُرف بلقب هوجو مونت وعلى الناحية الأخرى مزرعة لا إيسانت.
تشكلت وحدات ويلنجتون من قوات بريطانية وهولندية وبلجيكية مع بعض العناصر الألمانية أي ما مجموعه ثمانية وستون ألف رجل من بينهم خمسون ألفًا من المشاة عشرون ألفًا منهم بريطانيون واثنا عشر ألفًا وأربع مائة من الفرسا، ومائة وستة وخمسون مدفعًا يعمل عليها خمسة آلاف وخمسمائة جندي.
على الجانب الفرنسي تسعة وأربعون ألفًا من المشاة وستة عشر ألفًا من الفرسان ومائتان وستة وأربعون مدفعًا يعمل عليها سبعة آلاف جندي هذا يعني أن نابليون نجح في حشد أعداد أكبر لمواجهة البريطانيين.
بعد أن أفاق الجيشان صباح اليوم التالي وسط وحول جاءت بها ليلة ممطرة أمضى الجنود ليلتهم في العراء وكثير من الأسلحة كان منغمسًا في الوحول أجزاء من ساحة القتال كانت موحلة بالكامل لدرجة أن حركة المدافع فيها أصبحت شبه مستحيلة ما سيؤثر على إصابات وأهداف المدافع حيث إن القذائف تغوص في الوحول عند سقوطها على الأرض ولا تسبب الأذى لأحد.
ثقته بأن القوات البروسية كانت بعيدة عن ساحة القتال جعلته ينتظر أكثر من ساعتين حتى تجف ميمنة ساحة القتال في أرض المعركة في الجانب البريطاني كان ويلنجتون يميل للانتظار على اعتبار أن كل ساعة تأخير هي مكسب للحلفاء لأنها تجعل حلفاءه البروسيين أقرب.
ومن دون علم الوحدات العسكرية بما تحضره الاستراتيجية أخذت تعمل على تعزيز راحتها والتموين قدر الإمكان.
استمر نابليون في الانتظار لعدم معرفته باقتراب الوحدات البروسية لكن في تمام الحادية عشرة والنصف بدأت المدافع الفرنسية بإطلاق قذائفها وتحركت الوحدات الفرنسية على الأرض للقيام بالهجوم.
تركز الهجوم أولاً على موقع القصر الذي كانت تحتله الوحدات البريطانية المتقدمة بدأ القتال على القصر والأرض المحيطة ما أنهك القوات الفرنسية التي بذلت العطاء السخي للحصول على موقع لا يستحق كل هذا العناء.
استمرت المعركة المريرة للاستيلاء على القصر طوال اليوم ومع استمرار الاشتباكات كانت الأحداث جارية في ساحات أخرى إلى أن نجح الفرنسيون في فتح الطريق إلى باحة القصر من خلال مجموعة من رجال البلاطات الذين حطموا الباب الرئيسي وتبعتهم الوحدات الأخرى مباشرة كانت تلك نهاية المعركة للاستيلاء على القصر في ذلك اليوم تلك العملية التي شغلت نصف كتيبة أو ما لا يقل عن عشرة آلاف رجل ضد وحدة لا تزيد عن ألفي رجل من الحراسات البريطانية.
ما كادت القوات الفرنسية تستعد لتعزيز تشكيلاتها واختراق الصفوف البريطانية حتى وصلت إلى الإمبراطور أنباء مفاجئة فلأول مرة علم بأن البروسيين لا ينسحبون إلى ألمانيا وأنهم في الطريق الآن لنجدة البريطانيين وضرب الوحدات الفرنسية من جانبها الأيمن.
أُجبر نابليون على سحب مجموعات كبيرة من قواته الاحتياطية لتعمل على حماية ميمنته قبل أن تبدأ المعركة ما يعني أن عليه المشاركة في حربين في وقت واحد، مع ذلك فقد كان على ثقة كاملة بأن وحداته ستهزم ويلنجتون قبل وصول الإمدادات البروسية لنجدته.
كان جراوتشي قد فشل في مهمته في إبعاد القوات البروسية عن ويلنجتون ووحداته لكن نابليون أصبح الآن بحاجة ماسة إلى انضمام جراوتشي ورجاله العشرين ألفًا إلى المعركة في واترلو فبعث عددًا من الرسائل العاجلة يدعوا فيها جراوتشي للانضمام إلى الجيش الرئيسي في واترلو في أسرع وقت.
أصبح القتال شمالاً على طول خطوط المعركة فإلى جانب المعركة التي وقعت حول القصر أوشك حصار آخر أن يقع هناك حيث عملت القوات على احتلال مزرعة لا إيسانت التي تتولى حمايتها الفرقة الألمانية استمرت المعركة طوال اليوم إلى أن نفذت الذخائر لدى الألمان وتخلوا عن المزرعة بعد ظهر ذلك اليوم.
في تلك الأثناء كانت الوحدات توجه الهجمات على المواقع البريطانية كانت تلك لحظات عصيبة بالنسبة إلى البريطانيين حيث كانت وحدات فرنسية معززة بالمدفعية والفرسان تقارع لاختراق الميمنة البريطانية المؤلفة من ثلاثة آلاف من المشاة.
كان المشهد سوداويًا لـ ويلنجتون حتى تمكنت وحدات الفرسان البريطانية من إنقاذ الوضع في اللحظة المناسبة فتوجهت فرقة أنسيون إلى ميمنة مزرعة لا إيسانت وفرقة أنيون إلى ميسرتها لتشكل هجومًا مضادًا للهجمات الفرنسية.
وسط حماسة قوات الفروسية البريطانية تمكنت هذه من اختراق صفوف وحدات المشاة الفرنسية حتى وصلت إلى الخطوط الفرنسية كان يُفترض بهم أن يتوقفوا هناك وينسحبوا على الفور لكن قوة الفرسان الاسكتلندية التي كانت في الطليعة تمكنت في خلال تسعين ثانية من الوصول إلى مواقع المدفعية الفرنسية في المؤخرة حيث تعرضوا لضربات موجعة.
لكنهم تمكنوا من إسكات المدفعية الفرنسية حيث ذُبح الرماة بلا رأفة بعد تلك العملية الحماسية تنبهوا إلى أن الجياد المتعبة أصبحت أقل سرعة من أن تتمكن من إعادتهم إلى مواقعهم سالمين حيث قامت وحدة من الفرسان الفرنسيين بمطاردتهم فُقتل غالبية الفرسان الاسكتلنديين في ذلك اليوم ((يُقال أن أكثر من ألف رجل من وحدة الفروسية الاسكتلندية الألفين والخمسمائة سقطوا ضحية تلك العملية الجريئة)) ورغم هذه الخسائر الجسيمة رُد أول هجوم فرنسي على أعقابه مع ذلك كان القتال على أشده في جميع ساحات المعركة على الخطوط.
لكن ميرسر لم ينسحب وبقي هناك بانتظار مهمات أخرى تنبه المارشال ناي إلى وجود نية بريطانية للانسحاب من خطوط الوسط فاتخذ قرارًا بتوجيه أمر للفرسان للقيام بهجوم فرنسي واسع النطاق وأكد في هذا الشأن أن كل ما يتطلبه الأمر هو حملة نفسية أخيرة وهكذا نُفذ هجوم الفرسان من دون دعم وحدات المدفعية أو المشاة ليجد أن التشكيلات الدائرية البريطانية مستعدة لاستقبالهم عند عبورهم الخط الفاصل.
قامت وحدات الفرسان باثني عشر هجومًا رُدت على أعقابها في اثنتي عشرة مرة بنيران التشكيلات الدائرية والمدفعية البريطانية من بينها مدفعية ميرسر.
صد هجمات قوات الفروسية بنيران التشكيلات الدائرية البريطانية والمدفعية شكلت اللحظة الحاسمة للمعركة الأوضاع في تلك التشكيلات كانت تمنع أي تقدم حيث الأجواء المغطاة بالدخان والجثث المنتشرة على أرض المعركة ما كانت لتسمح بالاستمرار طويلاً وأخيرًا في الرابعة بعد الظهر بدأت طلائع الجيش البروسي تصل إلى ساحة المعركة وفي الخامسة تمكنت من الاستيلاء على قرية بلونسينوات في الجانب الفرنسي لتهدد بضرب التشكيلة الفرنسية.
بدد نابليون فرصة الفوز في معركة حاسمة لرفضه إدخال حرسه الإمبراطوري فيها تتألف هذه الوحدات من رجال ذوي كفاءات عالية مجربين في معارك مختلفة وتتألف منهم حراساته الشخصية.
هذه المرة لن يكرر ذلك الخطأ، فرقتان من الحراسات الشخصية تسللت إلى بلونسينوات وأوقفت تقدم أربع عشرة فرقة بروسية في المنطقة المحيطة بها ليتمكنوا بهذه الطريقة من إعادة الاستقرار بالنسبة إلى الفرنسيين.
كان من المحتمل أن يفوز بها نابليون فقد تمكن المارشال ناي من تصفية العديد من وحدات الفروسية المعادية باستخدام المشاة والمدفعية والفرسان التي كانت توقع خسائر جسيمة في قلب الجبهة الفرنسية في تلك اللحظات طلب ناي من نابليون قوات لم تقاتل بعد.
كان يعرف أن جهدًا نهائيًا وحاسمًا قد يغير الأوضاع تأخر نابليون في إرسال تلك الإمدادات الحاسمة لعدم وضوح الرؤية بعد على جبهة بلونسينوات باستخدام التشكيلات التقليدية المتبعة تمكن ويلنجتون من تأكيد صلابة جبهة الوسط ثم لجأ نابليون إلى فيلق الحراسات الملكية رولت فولت.
الحراسات القديمة والأشد قدمًا بقيت في مواقعها في تشكيلات احتياطية بينما قامت الفرقة الثانية والثالثة من فيالق الحراسات التي تُعرف بالحراسات الوسطى بمهاجمة المواقع البريطانية لكنها واجهت مقاومة من قبل فرق الحراسات البريطانية التي اعتمدت غزارة في النيران لم يكن يتوقعها أحد.
حيال كثافة النيران هذه أُجبرت الحراسات الإمبراطورية على التوقف حين شعر ويلنجتون بأن اللحظة الحاسمة تقترب قام بدعوة قادة وحداته بالقول"
الآن حان الوقت لبدء الهجوم .
في تلك اللحظة انطلقت جميع الوحدات البريطانية إلى الأمام وكأنها رجل واحد حتى تزعزعت الرغبة الفرنسية بالمقاومة
ثم انسحبت الحراسات الفرنسية سرى الخبر سريعًا في صفوف الفرنسيين والذي قال الحراسات تنسحب.. انطلق الصراخ بين جميع الوحدات لينجو كل برأسه وبعد لحظات اهتزت المعنويات الفرنسية وتحول الجيش الفرنسي من قوة صلبة مهاجمة إلى مجموعات فارة تحاول النجاة وانتشر الرعب في صفوف الجيش وتبخرت أدنى مستويات النظام والأداء العسكري.
مطاردة الحلفاء كانت بلا رحمة وآلاف من الفرنسيين أُضيفوا إلى الأعداد الهائلة من القتلى والمصابين كما انسحب الإمبراطور شخصيًا نحو التشكيلات الخلفية التي أقامتها الحراسات الشخصية وبعد أن فشل في رفع معنويات المجموعات الهاربة امتطى جواده وفر عبر الحقول مع مجموعة من الحراسات ليضيف بذلك مشهدًا آخر من الرعب والخوف لقد ترك خلفه سبعة وأربعين ألف قتيل وجريح بين الطرفين.
هذا المشهد المأساوي للكارثة الذي بقي في ذاكرة المشاركين يتحدث عنه الكابتن ميرسير.
تؤكد الأحداث التاريخية أن نابليون لم يكن ليُمنح فرصة أخرى لم يقبل الحلفاء المنتصرون بأي خطأ في المرة الثانية فتم وضع الإمبراطورعلى سفينة حربية بريطانية حملته إلى المنفى هذه المرة إلى جزيرة سانتا إلينا القاحلة في الأطلسي حيث أمضى آخر أيامه يفكر في مجده الضائع ويعاود التساؤل ما هو السبب؟ ألم يستولي على كاتبرا"؟ ألم يصل جراوتشي"؟ هل انسحب بروشر شرقًا؟ تلك هي الأحداث التي كان يعاود الإمبراطور المعزول التفكير فيها مرة بعد أخرى.
لقد ساءت حالته الصحية والمعنوية ولم يعد الإمبراطور المفاخر بنفسه، لكن الأساطير كانت تنمو من حوله رغم انسحاب جنوده الواحد تلو الآخر أما في فؤاده فقد كان رجلاً تملأه الهزيمة والأسى، ولم يكن يتوقع أبدًا هذا الذل والهوان.
.............................................
المصدر
التعديل الأخير بواسطة المشرف: