في العصر العلوي عمل السلطان محمد الثالث لإحياء صناعة الأسلحة النارية والرماية المدفعية، واستقدم – لهذه الغاية – بعثة من الأستانة عاصمة الخلافة العثمانية، وقد وفدت هذه البعثة عام 1181 هـ / 1767 – 1768 م، وكانت تتركب من ثلاثين خبيرا توزعوا – حسب اختصاصاتهم – إلى أربع شعب:
- صناع السفن الحربية
- صناع القنابل المحرقة
- صناعة المدافع ومدافع الهاون
- اختصاصيين في الرماية بمدافع الهاون
وقد بعث السلطان المغربي بمعلمي المراكب الجهادية إلى العدوتين، فدخلوا دار الصنعة بالرباط وصاروا يشتغلون إلى جانب المعلمين المغاربة (29)، ويلاحظ مؤرخ معاصر (30) أن الأتراك كانوا أحكم صنعة، بينما تفوق المغاربة في اتفاق تفصيل المراكب.
أما صناع المدافع ومدافع الهاون فقد أرسلوا إلى فاس فأقاموا بها إلى أن أدركتهم الوفاة هناك، ولم يذكر الزياني (31) ما إذا كانوا قد اشتغلوا بصناعة هذه الآلات، غير أن مصدرا أجنبيا (32) يؤكد أن السلطان محمد الثالث أسس مصانع لتذويب نحاس المدافع وجلب لذلك خبراء من الأستانة.
وقد أسس نفس السلطان مصنعا بتطوان لإنتاج القنابل الثقيلة تحت إشراف المتخصصين الأتراك، الذي تعلم منهم هذه الصناعة بعض التطوانيين (33)، وقد يكون من إنتاج هذا العمل القنابل الضخمة التي استخدمت في حصار مدينة الجديدة لتحريرها من حكم البرتغال، ويصفها البعض بأنها على شكل قدور تزن الواحدة منها ما يزيد على القنطار (34).
وإذا كنا لا نعرف أسماء الاختصاصيين الأتراك في الشعب الثلاثة الأولى، فإننا نستطيع أن نعرف اسم كل من الاثنين المختصين في الرماية بمدافع الهاون، ويسمى أولهما بإسماعيل الدريزي، أما الثاني: فيعرف باسم "بابا سليمان الدريزي"، والحاج سليمان البنباجي على طريقة النسبة التركية إلى صناعة البنب التي هي القنابل المحرقة، وقد اشتهر هذا الأخير بالمغرب، وكان عارفا برماية المدافع ومدافع الهاون، قال الضعيف "وهو الذي علم أولاد الرباط وسلا وغيرهم". والظاهر أن هذا هو الذي يقول عنه الزياني (36) بعد ذكر مدينة رباط الفتح: "فكان يعلم بها الطبجية من أهل سلا والرباط وتخرج على يديه نجباء، ومن ثم توارث أهل العدوتين هذه الصناعة مدة"، ويذكر عنه الزياني – أيضا – أنه أبلى بلاء حسنا في فتح مدينة الجديدة (37).
وقد اشتهر في هذه الفترة وبعدها جماعة من الرماة المدفعيين: فكان منهم – في الرباط – المعلم العناية البعودي، وكان عارفا بضرب المهراس، وهو الذي ضيق على الإسبان في حصار سبتة أيام السلطان اليزيد، فقتلوه ومثلوا به في موقعة كانت يوم الخميس 24 حجة عام 1205 هـ - (38) 1791 م.
ومن سلا: نقدم ثلاثة: الأول: الحاج عبد الله يعقوب المتوفى نحو عام 1200 هـ، قال عنه ابن زيدان (39) أثناء ترجمة محمد الثالث: "كان السلطان المترجم كلفه بسائر ثغور إيالته من مرسى مليلية إلى أطراف السوس، وأسند إليه سائر ما يرجع لأبراج الثغور ومدافعها ومهاريسها ومتعلقاتها: من بارود وبنب وكور وتنظيم رجال، وإصلاح أحوال، حسبما أفصحت عن ذلك ظهائره المولوية التي خاطبه بها، تاريخ أولها سنة 1177، وتاريخ آخرها سنة ?
1193"، وسنذيل هذه الدراسة بثلاثة من هذه المراسيم.
الثاني: (40) محمد بن محمد بن حسين فنيش المتوفى بفاس عام 1236 هـ / 1820 – 1821 م
الثالث: محمد بن عبد الله ملاح (41)
ومن تطوان: نذكر أحمد عنيقد، المتوفى – بفاس – عام 1236 هـ / 1820 – 1821 م، وكان – حسب أكنسوس (42) – لا نظير له، وعبارة الاستقصا (43): "وكان عجبا في صناعة الرمي بالمهراس".
وأخيرا نذكر من مدينة فاس – سعيد العلج العارف بالرمي (44).
- * -
ومن مظاهر النشاط الصناعي لإنتاج بعض الأسلحة النازية في هذا العهد، أن المغرب استطاع أن يصدر إلى الخارج أربعة آلاف قنطار من ملح البارود المصنوعة بالمغرب، في شكل مساعدة للدولة العثمانية (45).
كما أن نشاط هذه الصناعة انعكس أثره على ميدان التأليف، فظهرت – نفس العصر – دراسات منثورة ومنظومة في صدد الرماية المدفعية وما إليها، ونقدم منها خمسة لا تزال كلها مخطوطة الأول: "النشر اللائق نمو أراد الجهاد بالصواعق" لمؤلف مجهول الاسم كان يعيش أيام السلطان محمد الثالث، وضعه باقتراح من بعض أصدقائه، وسجل في افتتاحيته ولوع هذا السلطان باستخدام القنابل المحرقة في المعارك الجهادية، وهو يصنفه في عشرة أبواب وخاتمة حسب المواضيع التالية:
- صفة تحضير ملح البارود
- طبيعة الأجزاء التي يتركب منها الفتيل، وهو الذي كانت القنابل توقد به في هذا العهد.
- طريقة صنع الفتيل
- طريقة معرفة سعة فم المدفع
مقدار ما يوضع من البارود في نوع من المدافع
- كيفية وضع القنبلة في المدافع
- صفة جعل الفتيلة في القنبلة
- معرفة البعد الواقع بين المدافع والهدف المعين
- قواعد حسابية وهندسية موضوعية في البابين التاسع والعاشر
- خاتمة في توصيات للرماة
ومن الجدير بالذكر أن هذه الرسالة تتخللها رسوم توضيحية، وتوجد منها بضع نسخ خاصة وعامة، وتحمل مخطوطة خ. ع. رقم د 1342. ومخطوطة المكتبة الملكية رقم 490، وكلتاهما ضمن مجموع.
أما الدراسة الثانية فقد جاءت منظومة في أرجوزة يشبه أن تكون ترجيزا للرسالة قبلها، وتسمى: "روض الجهاد الفائق، لمن أراد الغزو بالصواعق" نظم محمد بن أحمد الريفي التمسماني العرائشي الدار، في أبيات 142، وفرغ من نظمها في ربيع النبوي عام 1195 هـ، توجد منها مخطوطتان خ. ع. د 3368، وأخرى بالمكتبة الملكية رقم 490، وهما – معا – ضمن مجموع.
الدراسة الثالثة: رسالة تحمل اسم "نزهة الناظرين، وتعليما للمجاهدين، وإعانة على جهاد أعداء الله الكافرين" لؤلف غير معروف، جمعها عن الحاج سليمان التركي سابق الذكر، وكان يعيش أيام السلطان محمد الثالث، وقد تناول فيها صنع البارود وكيفية جعله في المدافع ومدافع الهاون، ?
وقدر ما جعل لكل واحد وطريقة قذف القنابل منها (46).
الرابعة: أرجوزة في صواعق البنيات، وهي القنابل المحرقة، لناظم كان يعيش أيام السلطان، وتقع في 143 بيتا، وجاءت نسبتها لأحمد التمسماني آنف الذكر في مخطوطة خ. ع. د 1342، ووردت غير منسوبة في نسخة المكتبة الملكية رقم 1043.
الخامس: خاتمة رسالة في العمل بالكرة الفلكية لمؤلف زار المغرب أيام السلطان محمد الثالث، ويسمى نفسه محمد بن عبد القادر، وقد ذبل هذه الرسالة بخاتمة في شرح طريقة الرماية بالمدافع، وهي مخطوطة عند البعض بمدينة وزان.
دعوة الحق
130 العدد
- صناع السفن الحربية
- صناع القنابل المحرقة
- صناعة المدافع ومدافع الهاون
- اختصاصيين في الرماية بمدافع الهاون
وقد بعث السلطان المغربي بمعلمي المراكب الجهادية إلى العدوتين، فدخلوا دار الصنعة بالرباط وصاروا يشتغلون إلى جانب المعلمين المغاربة (29)، ويلاحظ مؤرخ معاصر (30) أن الأتراك كانوا أحكم صنعة، بينما تفوق المغاربة في اتفاق تفصيل المراكب.
أما صناع المدافع ومدافع الهاون فقد أرسلوا إلى فاس فأقاموا بها إلى أن أدركتهم الوفاة هناك، ولم يذكر الزياني (31) ما إذا كانوا قد اشتغلوا بصناعة هذه الآلات، غير أن مصدرا أجنبيا (32) يؤكد أن السلطان محمد الثالث أسس مصانع لتذويب نحاس المدافع وجلب لذلك خبراء من الأستانة.
وقد أسس نفس السلطان مصنعا بتطوان لإنتاج القنابل الثقيلة تحت إشراف المتخصصين الأتراك، الذي تعلم منهم هذه الصناعة بعض التطوانيين (33)، وقد يكون من إنتاج هذا العمل القنابل الضخمة التي استخدمت في حصار مدينة الجديدة لتحريرها من حكم البرتغال، ويصفها البعض بأنها على شكل قدور تزن الواحدة منها ما يزيد على القنطار (34).
وإذا كنا لا نعرف أسماء الاختصاصيين الأتراك في الشعب الثلاثة الأولى، فإننا نستطيع أن نعرف اسم كل من الاثنين المختصين في الرماية بمدافع الهاون، ويسمى أولهما بإسماعيل الدريزي، أما الثاني: فيعرف باسم "بابا سليمان الدريزي"، والحاج سليمان البنباجي على طريقة النسبة التركية إلى صناعة البنب التي هي القنابل المحرقة، وقد اشتهر هذا الأخير بالمغرب، وكان عارفا برماية المدافع ومدافع الهاون، قال الضعيف "وهو الذي علم أولاد الرباط وسلا وغيرهم". والظاهر أن هذا هو الذي يقول عنه الزياني (36) بعد ذكر مدينة رباط الفتح: "فكان يعلم بها الطبجية من أهل سلا والرباط وتخرج على يديه نجباء، ومن ثم توارث أهل العدوتين هذه الصناعة مدة"، ويذكر عنه الزياني – أيضا – أنه أبلى بلاء حسنا في فتح مدينة الجديدة (37).
وقد اشتهر في هذه الفترة وبعدها جماعة من الرماة المدفعيين: فكان منهم – في الرباط – المعلم العناية البعودي، وكان عارفا بضرب المهراس، وهو الذي ضيق على الإسبان في حصار سبتة أيام السلطان اليزيد، فقتلوه ومثلوا به في موقعة كانت يوم الخميس 24 حجة عام 1205 هـ - (38) 1791 م.
ومن سلا: نقدم ثلاثة: الأول: الحاج عبد الله يعقوب المتوفى نحو عام 1200 هـ، قال عنه ابن زيدان (39) أثناء ترجمة محمد الثالث: "كان السلطان المترجم كلفه بسائر ثغور إيالته من مرسى مليلية إلى أطراف السوس، وأسند إليه سائر ما يرجع لأبراج الثغور ومدافعها ومهاريسها ومتعلقاتها: من بارود وبنب وكور وتنظيم رجال، وإصلاح أحوال، حسبما أفصحت عن ذلك ظهائره المولوية التي خاطبه بها، تاريخ أولها سنة 1177، وتاريخ آخرها سنة ?
1193"، وسنذيل هذه الدراسة بثلاثة من هذه المراسيم.
الثاني: (40) محمد بن محمد بن حسين فنيش المتوفى بفاس عام 1236 هـ / 1820 – 1821 م
الثالث: محمد بن عبد الله ملاح (41)
ومن تطوان: نذكر أحمد عنيقد، المتوفى – بفاس – عام 1236 هـ / 1820 – 1821 م، وكان – حسب أكنسوس (42) – لا نظير له، وعبارة الاستقصا (43): "وكان عجبا في صناعة الرمي بالمهراس".
وأخيرا نذكر من مدينة فاس – سعيد العلج العارف بالرمي (44).
- * -
ومن مظاهر النشاط الصناعي لإنتاج بعض الأسلحة النازية في هذا العهد، أن المغرب استطاع أن يصدر إلى الخارج أربعة آلاف قنطار من ملح البارود المصنوعة بالمغرب، في شكل مساعدة للدولة العثمانية (45).
كما أن نشاط هذه الصناعة انعكس أثره على ميدان التأليف، فظهرت – نفس العصر – دراسات منثورة ومنظومة في صدد الرماية المدفعية وما إليها، ونقدم منها خمسة لا تزال كلها مخطوطة الأول: "النشر اللائق نمو أراد الجهاد بالصواعق" لمؤلف مجهول الاسم كان يعيش أيام السلطان محمد الثالث، وضعه باقتراح من بعض أصدقائه، وسجل في افتتاحيته ولوع هذا السلطان باستخدام القنابل المحرقة في المعارك الجهادية، وهو يصنفه في عشرة أبواب وخاتمة حسب المواضيع التالية:
- صفة تحضير ملح البارود
- طبيعة الأجزاء التي يتركب منها الفتيل، وهو الذي كانت القنابل توقد به في هذا العهد.
- طريقة صنع الفتيل
- طريقة معرفة سعة فم المدفع
مقدار ما يوضع من البارود في نوع من المدافع
- كيفية وضع القنبلة في المدافع
- صفة جعل الفتيلة في القنبلة
- معرفة البعد الواقع بين المدافع والهدف المعين
- قواعد حسابية وهندسية موضوعية في البابين التاسع والعاشر
- خاتمة في توصيات للرماة
ومن الجدير بالذكر أن هذه الرسالة تتخللها رسوم توضيحية، وتوجد منها بضع نسخ خاصة وعامة، وتحمل مخطوطة خ. ع. رقم د 1342. ومخطوطة المكتبة الملكية رقم 490، وكلتاهما ضمن مجموع.
أما الدراسة الثانية فقد جاءت منظومة في أرجوزة يشبه أن تكون ترجيزا للرسالة قبلها، وتسمى: "روض الجهاد الفائق، لمن أراد الغزو بالصواعق" نظم محمد بن أحمد الريفي التمسماني العرائشي الدار، في أبيات 142، وفرغ من نظمها في ربيع النبوي عام 1195 هـ، توجد منها مخطوطتان خ. ع. د 3368، وأخرى بالمكتبة الملكية رقم 490، وهما – معا – ضمن مجموع.
الدراسة الثالثة: رسالة تحمل اسم "نزهة الناظرين، وتعليما للمجاهدين، وإعانة على جهاد أعداء الله الكافرين" لؤلف غير معروف، جمعها عن الحاج سليمان التركي سابق الذكر، وكان يعيش أيام السلطان محمد الثالث، وقد تناول فيها صنع البارود وكيفية جعله في المدافع ومدافع الهاون، ?
وقدر ما جعل لكل واحد وطريقة قذف القنابل منها (46).
الرابعة: أرجوزة في صواعق البنيات، وهي القنابل المحرقة، لناظم كان يعيش أيام السلطان، وتقع في 143 بيتا، وجاءت نسبتها لأحمد التمسماني آنف الذكر في مخطوطة خ. ع. د 1342، ووردت غير منسوبة في نسخة المكتبة الملكية رقم 1043.
الخامس: خاتمة رسالة في العمل بالكرة الفلكية لمؤلف زار المغرب أيام السلطان محمد الثالث، ويسمى نفسه محمد بن عبد القادر، وقد ذبل هذه الرسالة بخاتمة في شرح طريقة الرماية بالمدافع، وهي مخطوطة عند البعض بمدينة وزان.
دعوة الحق
130 العدد